احمد حسين جوده عناي الشريفي1
1 طالب دكتوراه في الأدب المقارن والترجمة (إنكليزي- عربي) جامعة الجزيرة – السودان.
بريد الكتروني: alshuraifye@gmail.com
HNSJ, 2021, 2(10); https://doi.org/10.53796/hnsj21028
تاريخ النشر: 01/10/2021م تاريخ القبول: 25/09/2021م
المستخلص
في ظل التطور المعاصر في الشعر الإنكليزي والعربي وتبنيه للكتابة الجديدة “الشعر الحر” و “شعر التفعيلة” شهدت القصيدة تحولًاجذرياً على مستوى البناء الفني، غير من مسار الشاعر نحو حرية الإبداع المطلق والإلتزام بحبك علاقات متطّورة بين عناصر إنتاج الخطاب الشعري، فكان الأسلوب التصويري من أبرز هذه العناصر. هدفت الدراسة إلى إدراك الأهمية والقيمة العلمية والأدبية للصورة التي أصبحت في الوقت الحاضر من أهم مواضيع الأدب والنقد المعاصر، فشغلت حيزًا واسعًا من مشاغل واهتمام الدارسين من النقاد والبلاغيين، الإنكليز والامريكان وكذلك العرب والعراقيين تحًديداً، ومفهوم الصورة الشعرية هنا هو التصوير الذي أداته اللغة، أي التصوير الأدبي بما فيه من شعر ونثر، كما يقول “أوجست ولهم شليجل” في هذا الصدد: «الشعر تفكير بالصور» نفهم من هذا أن الصورة أساس بناء الشعر، وتعريف الصورة الشعرية لغويا واصطلاحاً، اتبعت الدراسة المنهج التحليلي الاستقرائي، توصلت لدراسة الصورة الشعرية عند الغرب: لقد نهل ادباء وشعراء الغرب المحدثون من التراث الفلسفي الحديث والمذهب “المادي، الروحي، الفينومينولوجي والوجودي” فطوّروا مفهوم “الصورة الشعرية” (تفسيرا وتحليلا)، وربطوها بالذات المبدعة، وفي هذه الحالة يرى أ.أ. ريتشاردز أن” الصورة هي :”أثر خلّفه الإحساس على نحو لا يمكن تفسيره حتى الآن، وبينت نظريات المذاهب الأدبية للصورة في الغرب كالرومانسية على أسس منها: تمجيد العاطفة التي راجت في أوروبا نصوص أدبية زاخرة بها، ومصادر ومستويات الصورة عند أصحاب المذاهب الأدبية: كالرمز، والأسطورة، والفردية والذاتية، والصورة الذهنية، والخصائص وسمات الصورة، كمتعددة الأوجه، ومعبرة، وقيّمة، وتاريخ الصورة الشعرية عند العرب ومكانتها في الأدب والنقد العربي قديما وحديثا، وأهمية الصورة فهي من المعايير التي يحكم بها على اصالة التجربة، ويعبر بها الشاعر من خلال تجسيدها، ونظرة المعاصرون للصورة الشعرية، الخيال وارتباطه بالصورة، فرقي الشعر مرهون برقي الخيال، واتساع الأدب متصل باتساعه، وركزت على الخيال في الأدب الإنكليزي فله يد طولى فالديب الإنكليزي غزير العاطفة، وتداخل الصورة بالخيال حسب نظريات الغرب والوقوف على نظريات “كولريدج” و “كانط” و “شيلينج”، وتقسيمهم لأنواع الخيال، وعلاقة الخيال بالعاطفة، وعلاقة الخيال بالموسيقى وبحث شاعر “إليوت” في مثل هذا الخيال الذي يتوسل بالموسيقى الألفاظ أو أو اللغة ليثير إنفعال الملتقى ويحرك مخيلته.
الكلمات المفتاحية: الصورة الشعرية عند الإنكليز والعرب، تعريفها، مفهومها، الخيال والصورة الشعرية.
الصورة الشعرية على “وجه العموم” في الوقت الحاضر أصبحت من أهم مواضيع الأدب والنقد المعاصر، فشغلت حيزًا واسعًا من مشاغل واهتمام الدارسين من النقاد والبلاغيين، الإنكليز والامريكان وكذلك العرب والعراقيين تحًديداً، حتى أصبحت جزءًا أساسيًّا من عـلم التحليل، والنـقد الذي كثر رواده والمهتمون به فـذاع صيتهم في مجالاته المتفرعة، وعلى وجه الخصوص يعتبر علم الصورة من أحدث ميادين البحث في الأدب المقارن، فكان لهم الأثر الكبير في إبراز هذا العلم وتطويره.
فدراسة الصورة الشعرية؛ أكثر ما تخضع للمنهج الأسلوبي، لما له من علاقة وثيقة بالشعرية، وبما يتميز به هذا المنهج من تتبع الظواهر، أو استقصاء خبايـا مشكلة ما بهدف توصيـفها، أو معرفة حقيـقتها وأبعادها، ليسهل التعرف على دوافعها وأسبابها، والروابط التي تحكم أجزاءها ومراحلها، لتصل إلى تحديد صلتها بغيرها من القضايا؛ وغاية ذلك تحقيق نتائج محددة يمكن اتخاذها كأحكام، أو ضوابط ومسارات لتوظيفها فكريا ومرجعيا.
فكيف تتجلى جمالية الصورة ما بين أسلوب الشعر عند “الإنكليزي الأمريكي، والعربي العراقي”؟ وأي دورٍ كان لها في ترجمة أهداف الشعراء من خلال أساليبهم اللغويّة الحديثة المعاصرة؟ وهل تنحصر جماليّة الصورة في اعتمادهم تراكيب لغوية عرفت في الشعر المعاصر؟، وما دور البيئة واللغة في تكوين الصورة الشعرية في الشعر المعاصر ومقارنة الاختلاف والائتلاف بينهما، مقارنة يحاول البحث أن يجدها ويوضحها من خلال وجهتين محددتين: الأولى تنطلق من تحديد مفهوم الصورة الشعرية عند الانكليز والعرب، وانعكاسها على بنية النص الشعري، لدى القوميتين. وأكثر ما يخص بحثنا من نماذج الشعراء الذي تم اختيارهم، شعرهم ودلالته الموحية أو الرامزة، وعلاقاته الداخلية فيما بين الشعراء الإنكليزي والأمريكي، ومقارنته مع الشعر العراقي العربي، ومع كلمات النص والتجربة الشعرية اهتداءً إلى حركة المعنى في النص الشعري في ضوء دلالة الصورة واتصالها بالنسق العام والسياق، مما يعين على معرفة التجربة الشعرية لدى القوميتين ومقارنة تقاربها واختلافها، لنستدل على توجه الدلالة المعجمية في شعرهم وما توجهه من خلال الصورة والرمز إلى معاني أخرى، وتشتد الحاجة إلى هذا المنهج مع قصائد الشعر الجديد أكثر منها مع الشعر التقليدي، إذ اتسم هذا الشعر بعدم إفصاح التجربة الشعرية عن مكنونها بيسر أو سذاجة، كما أن الإحاطة بمحتواها لا تتأتى بمصافحة أولية، أو قراءة عجلى، بل تستلزم بعض نماذج الشعر الجديد قدراً من الجهد والخبرة في القراءة والتفسير والتحليل، ومراعاة الأنساق، وإدراك العلاقات الداخلية وتفسير الرموز، وفهم الأساطير، مما يستتبع إعادة قراءة العمل، وهنا نجد من ارتباط معجم النص بالمكون والبيئة والقومية التي نشأ فيها الشاعر، مما يعين على الفهم واستيعاب التجربة الشعرية، تلك التي تتخذ في الشعر الجديد طرقا يوغل بعضها في الغموض الذي لايبوح بمكونه إلا بقدر كبير من التفهم والإحساس بالتجربة الشعرية المعاصرة.([1])
مفهوم الصورة الشعرية: The concept of poetic image
إن المقصود بالصورة هنا هو التصوير الذي أداته اللغة، أي التصوير الأدبي بما فيه من شعر ونثر، يقول “أوجست ولهم شليجل” (Auguste and Schlegel them) في هذا الصدد: «الشعر تفكير بالصور([2])» نفهم من هذا أن الصورة أساس بناء الشعر.
يُعد مصطلح الصورة الشعرية من الركائز الأساسية من بين المصطلحات التي تبنى عليها دراسة النص الشعري الحديث، وتعد الأداة الأوضح التي تقودنا إلى استكشاف تجربة الشاعر، وإدراك أبعادها، والحاوية التي تستوعب تلك التجربة، وتوضحها عن طريق السمو باللغة، وتحشيد طاقات الكلمة.
فالصورة تتكون في مخيلة الشاعر مع تبلور النص الشعري ذاته، وليست شكلًا منفصلًا عنه، وعليه فإن جمالية الشعر وقوة دلالاته تتمثّل “في الإيحاء عن طريق الصور الشعريّة لا في التصريح بالأفكار المجرّدة ولا المبالغة في وصفها، تلك التي تجعل المشاعر، والأحاسيس أقرب إلى التعميم، والتجريد منها إلى التصوير والتخصيص، ومن ثم كانت لل«صورة أهمية خاصة”([3]).
فمفهـوم الصورة الشعرية يمثل المحـور الأساسي الذي تدور حوله محاولات فهم أسرار العمل الابداعي حيث تشير أهم الدراسات التي تناولتها بالبحث إلى أهمية “الصورة الشعرية” في البناء الشعري وتشكيلات القصيدة فهي (الجوهر الثابت والدائم فيها)([4])، ويتوسل بها الشاعر للتعبير عن رؤاه ومشاعره وانفعـالاته، إذن فهي كما عبر عنها هلال جزء من التجربة ([5])، حيث يتم من خلالها تجسيـد المعنى وتوضيحه؛ فهي القالب الذي يصب فيه الشاعر افكاره ومعانيـه وعواطفه، (إذ أن الشعر قائم على الصـورة الشعرية ومبني عليها، لكن استعمالها قد يختلف من شاعر إلى آخر كما أنّ الشعر الحديـث يختلف عن الشعر القديم في استخدامه لها)([6])، فقد اكتسبت الصورة الشعرية أهمية بالغة في العصر الحديث والمعاصر، واصبح الوعي بها وبعلاقتها في التجربة الشعرية لتكون عضو فعالا فيها كما يمكن اعتبارها، (الأداة الرئيسية لخلق عالم جديد نحلم به ونحله محل العالم القديم) ([7]).
وتعد الصورة “السمـة الأسلوبية” التي يتميّز بها شاعر عن آخر، لأنها انعكاس حتمي لانفعالاته النفسية التي تحدث له، ويكون عليها، وهي الوسيـط الأوضح الذي يستكشف من خلاله تجربته الفنية ويتفهمها ليمنحها القيمة والنظام؛ فهي التركيبة الفنية التي تحقق التوازن بين المستوى المطلوب والمُـنجز، أو المتاح تفاوتا بين التقريرية والإيحاء الفني، وهي الفاصل بين الظاهر والباطن، “وتظلُ الصورة هي أهم عناصر الشعر، والمحك الأول الذي تعرف به جودة الشاعـر، وعمـقه، وأصـالته”. ([8])
فالتعبيـر بواسطة الصورة يحمل الشعر إلى تجاوز الظواهر،من المعاني ويعبر إلى الحقيقة الباطنية، وذلك من خلال تشبيك اللغة الشعرية المؤثرة بعلاقات تنشئها بين المفردات بتجاوزها بنية التعبير بتركيبته الأفقيّة من خلال وسائل بيانية متنوعة تولد ما يسمى بالصورة الشعرية التي تكتسب طـاقتها الإيحائية من تساميها، وجاذبية تراكيبها؛ فالصورة في القصيدة الحديثة تتبلور من خلال اللغة الشعرية التي يكتنزها الشاعر بوساطة التراكيب النحوية بالدرجة الأولى، والتعبيـر بالصور لا يمكن أن تنتجه التراكيـب فحسب، بل تتجاوزه إلى الصور البيانية وموسيقى النص؛ وتختلف مفاهيم الصورة الشعرية وتتعدد بتعدد أزمنتها وظروفها؛ فالمفهوم الذي ساد قديما كان قائما على روابط التشابه بين التصوير، والشعر، والخيال، والرسم، والعناية بالأشكال البلاغية للصورة: كالتشبيه، والاستعارة، والكناية. ([9])
وهناك من يسميه الشعرية: بوصفها علما لدراسة الوظيفة الشعرية بمصطلح (Poetics) وهـو المصطلح الأكثر وضوحا وتميزا، وهناك من النقاد من يرى أن هذا المصطلح مأخوذ من أصل الموضوع المدروس وهو الشعر (Poetry)، وقد تعدد مصطلح الشعرية وتعددت استعملاته في الكتابات النقدية: الشعرية، الشاعرية، الجمالية، الإنشائية، الأدبية، اللغة العليا، الميتالغة أو اللغة الواصفة، علم الأدب، فن النظم، فن الشعر…إلخ؛ ويمكن القول بأن الشعرية قد تلتقي فيها مجموعة من المناهج: “والظاهر لنا هو أن الشعريات يمكن أن تتعاون مع غيرها من المعارف كالأسلوبيات، واللسانيات، والسيميائيات([10])“، فإذن يعتبر مصطلح “الصورة الشعرية” مصطلحا حديث النشأة، رغم أن المشكلات التي يتناولها قديما في البلاغة والنقد العربي، وهذا ما ذهب اليه جابر عصفور وغيره لكننا لا نجد المصطلح بهذه الصياغة الحديثة في التراث البلاغي والنقدي العربي، وكذلك رغم إن المصطلح الحديث للصورة الشعرية صيغ تحث التأثر بمصطلحات النقد الغربي في ظل المذهب الرومانسي ونظرية كولردج في الخيال، لكن القضايا التي يثيرها المصطلح الحديث موجودة ومتجذرة في التراث وترجع إلى بدايات الوعي بالخصائص النوعية بالفن الأدبي، وان تميزت جوانب التركيز ودرجات الاهتمام والاحاطة بالصورة الشعرية ندرك مدى تشعب مفهوم الصورة الشعرية ومدى تعنتها ونستحضر هنا مقولة “سيسيل دي لويس”، فعندما ننغمس في الحياة الغامضة للصورة الشعرية فتلك عقوبة لمحاولتنا سبر غور الصورة بإمعان والطوف على سطحها.
فيكاد أن يكون هناك اجماعا على صعوبة ايجاد تعريف شامل للصورة ولعل هذه الصعوبة كامنة في المصطلحات الأدبية جمعيا، فالوصول الى معنى الصورة الشعرية، ليس باليسر الهين ومن قال غير ذلك فقد خفيت عنه اسرار اللغة وكوامنها المستترة وروحها المتجددة وليس لما كان عند المناطقة حدود جامعة ولا قيود مانعة ([11])، وذلك لشمولية المصطلح لأنّ لها دلالات مختلفة وترابطات متشابكة وطبيعة مرنة تأبى التحدي الاحادي المنظّر او التجديد ([12]) كما وأنها تضم الأشكال البلاغية التصويرية، من تشبيه واستعارة ومجاز ورمز وأسطورة؛ ولكننا سنختار أفضل ما موجود من تعاريف للصورة الشعرية، وقد جمع الباحثون والمتخصصون في حقل الأدب والنقد لاسيما في العصر الحديث على أن أهم ما يميز الشعر عن بقية الفنون عنصران اثنان الموسيقى والصورة بل لقد ذهب معظمهم إلى أن الشعر في جوهره تعبير بالصور”([13]) فالصورة ثابتة في كل القصائد، وكل قصيدة هي بحد ذاتها صورة، فالاتجاهات تأتي وتذهب، والأسلوب يتغير كما يتغير نمط الوزن، حتى الموضوع الجوهري يمكن أن يتغير بدون إدراك ولكن المجاز يأتي كمبدأ للحياة في القصيدة وكمقياس رئيسي لمجد الشاعر”([14])، ومن هنا فإن الصورة سمة بارزة من سمات العمل الأدبي وإحدى المكونات الأصلية للقصيدة ولا يخلو عمل شعري من التصوير، ولأهميتها القصوى في العمل الشعري أولاها النقاد قديما وحديثا عناية كبيرة، ولعل أول من لفت النظر إليها وطرح فكرتها على بساط البحث وفجر العناية بها في تاريخ النقد العربي الجاحظ (ت.255هـ) عندما قال: (فإنما الشعر صناعة وضرب من النسٌج وجنس من التصوير)([15]).
ولا نكاد ان نمض مع حركة النقد في القرون التالية لزمن الجاحظ مما نجد قضية “الصورة” قد استحوذت على اهتمام البلاغيين والنقاد عند العرب، والانكليز كذلك، مما أصبح كثٌرة ورودها في مؤلفاتهم، وقد بين ووضح ذلك الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) عندما برر استعماله لها من أجل الدلالة على طريقة التعبير عن الفكرة الذهنية بواسطة الصور المرئية حين ذهب إلى أن لفظة “الصورة” ليست من اختراعه؛ وليس هو أول من بدأ باستعمالها، وإنما كانت معروفة في كلام العلماء كما يظهر في قول الجاحظ من أن الشعر صناعة وضرب من التصوير([16]).
تعريف الصورة الشعرية:
لقد بدأ هذا المصطلح بالظهور في أواخر القرن التاسع عشر، وانتشر بمُسمَّيات عديدة كالصورة الفنيّة، أو التصوير في الشعر، أو الصورة الأدبية، والصورة الشعرية هي عملية تفاعل متبادل بين الشاعر والمُتلقِّي للأفكار والحواس، من خلال قدرة الشاعر على التعبير عن هذا التفاعل بلغة شعريّة تستند مثلاً إلى المجاز، والاستعارة، والتشبيه؛ بهدف استثارة إحساس المُتلقِّي واستجابته([17]).
لقد تعددت مفاهيم الصورة الشعرية قديماً، وكذلك في العصر الحديث، وتنوعت مزاياها.
التعريف اللغوي:
ورد المفهوم اللغوي للصورة الشعرية في كلام العرب على ظاهرها، فهي معنى حقيقة الشيء وهيئته، وكذلك معنى صفته، ومن أسماء الله الحسنى (المصور) الذي صوّر جميع المخلوقات والموجودات، فجعل لكل شيء منها صورة خاصة وهيئة مختلفة تميزها عن الأخرى بالرغم من اختلافها وكثرتها.([18])
فالصورة في النص القرآني تفهم في مجملها شكل الإنسان وكل المخلوقات والموجودات التي خلقها الله سبحانه وتعالى وأحسن تصويرها في قوله:
﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ ([19]).
وقوله تعالى: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ ([20]).
وقال الجوهري: (والصورة بكسر الصاد لغة في الصور، وصوره الله صورة حسنة فتصور) ([21]) أي يقصد بها الشكل.
ومن مادة: صور من لسان العرب بمعنى (الشكل، والجمع: صُور، وصَور، وصُوِر، فتصوَر، وتصورت الشيء: توهمت صورته، فتصور لي، والتصاوير: التماثيل) ([22]).
إذن الصورة تعني الشكـل والوجـه والهيئـة الظاهـرة والنوع؛ وما تجسم من معان وتصور في الذهن، أي المعنى الأقرب من المعاني للصورة، فهي ما استقر في الذهن مفهوم أو معنى سواء كان هذا عند المرسـل أو عند المرسـل إليه (المتلقي)، أي ما يعكس المشاعر والأحاسيس التي تمت صياغتها بألفاظ مختلفـة معينة.
المفهوم الاصطلاحي:
لقد أهتم الدرس الأدبي والشعري خصوصا بالصورة منذ الفلسفة اليونانية، وخاصة فلسفة أرسطو التي جعلت منها عنصرا يقابل المادة (الهَيُولى ([23])) التي يصعب الإمساك بها.
فهي تعد بمثابة العقل والقوة للنص، فالصورة تعتبر مبدأ الوجود بالفعل، وهي «لغة اللغة أو لسانها الصارم الذي يفصح عن مكونات سرها، فهي آلية الخطاب الأولى لإبراز وتوضيح لذة النص للقراء بمختلف مستوياتهم»، فالصورة ليست وافدة جديدة على الأدب، وإنما هي أهم مرتكزات الشعر التي يقوم عليها منذ أن وجد حتى اليوم، ولامجال لحياة الصورة في النص إلا بالخيال الذي كشف عنه مؤسس الفلسفة اليونانية “سقراط” حيث يرى فيه نوع من الجنون العلوي؛ وكذلك الأمر نفسه عند أفلاطون الذي كان يعتقد أن الشعراء مسكونون بالأرواح وهذه الأرواح قد تكون خيرة او تكون أرواح شريرة». ([24])
فهذا الجنون العلوي مختلف كل الاختلاف عن الجنون الطبيعي أو العادي؛ فأن الأول يبدع والثاني يفسد، وهذا يتوافق مع آراء العرب القدماء الذين يعتقدون أن الشعراء الكبار هم من امتزجت أرواحهم بالجن، فلذلك ينسبون العبقرية الى واد عبقر الذي يسكنه الجن كما يزعمون، وهذا مما يجعلهم يبدعون في التخيل، والتشكيل، والتصور. ([25])
ففي نظر عبد القادر القط هي: “الشكل الفني الذي تتخذه الألفاظ والعبـارات بعد أن ينظمها الشاعر في سياق بياني خاص ليعبر عن جانب من جوانب التـجربة الشعرية الكاملة في القصيـدة مستخدمًا طاقات اللغة وإمكانياتها في الدلالة، والتركيب، والإيقـاع، والحقيقة، والمجاز، والترادف، والتضاد، والمقابلة، والتجـانس وغيرها من وسائل التعبير الفني، والألفاظ والعبارات هما مادة الشاعر الأولى التي يصوغ منها ذلك الشكل الفني أو يرسم بها الصور الشعرية”. ([26])
الصورة الشعرية عند الغرب:
لقد نهل ادباء وشعراء الغرب المحدثون من التراث الفلسفي الحديث والمذهب “المادي، الروحي، الفينومينولوجي والوجودي” فطوّروا مفهوم “الصورة الشعرية” (تفسيرا وتحليلا)، وربطوها بالذات المبدعة المفعمة بالعواطف والأحاسيس وعادوا بها إلى لغة الفن بعدما كانت خاضعة لقواعد العقل ولغة المنطق، فصنفت في البداية على أنها ذهنية انطلاقا مما قدمته التصورات السيكولوجية عند سيغموند فرويد، الذي بحث في الصورة المشكلة في الذهن الإنساني والمتأثر بالإبداع الفني، بمعنى يكون التركيز موجها نحو ما يحدث في ذهن القارئ، وهنا تتم عملية تحليل ردود الأفعال التي جسدتها الصورة الحسية في ذهنه، والبحث عن فاعليتها في تمثيلها للعواطف والأحاسيس، وفي هذه الحالة يرى “إيفور آرمسترونغ ريتشاردز”([27]) (I. A. Richards) أن الصورة هي : أثر خلّفه الإحساس على نحو لا يمكن تفسيره حتى الآن، ولكننا نعلم استجابتنا العقلية والانفعالية إزاء الصور تعتمد على كونها تمثل الإحساس أكثر مما تعتمد على الشبه الحسي بينها وبين الإحساس وقد تفقد الصورة طبيعتها الحسية إلى حد يجعلها تكاد تكون صورة على الاطلاق، وإنما تصبح مجرد هيكل، ومع ذلك هي تمثل إحساسا لايقل عن الإحساس الذي تولده لو كانت على درجة قصوى من الحسية والوضوح([28])، أي الصورة التي يستقبلها القارئ وتتجسّد في ذهنه كما صاغها المبدع من خلال وعيه وخياله وأحاسيسه، وقد تكون غير واضحة المعالم لكنه يتفاعل معها هو الآخر بعواطفه ووعيه أيضا، وكذلك بهذا الصدد قال (جون بول سارتر) عن الصورة: «هي التنظيم التركيبي الكلي للوعي»([29])؛ فهذا الأخير لا ينفصل عن تعريف الصورة في حد ذاتها والمرتبط بالخيال؛ فقد اعتبره سارتر التعبير الكامل عن الحرية التي يتسم بها الوعي، ومهما تجـاوز الخيال حدود الإدراك المحدود فإنه يسمح للوعـي، بأن يستكشف تجربة المعاني الجديـدة وذلك من خلال التفكير بالصورة، لكن بعدها قد انتقد (بول ريكور) هذه النظرة قائلا: “إن التخيـل هو تجاوز متزامن بين عالميـن مختلفيـن، الواقعي، وغير الواقعي، فإنه ينتج من طبيـعة العلاقة بينهما معنى جديد” ([30]).
فبهذا استطاع ريكور أن يربط بين الخيال والرمز، معترفا بقوة الخيال، وهنا معتمدا على آراء بعض الدارسين خصوصا نظرة فرانكلين روجز كما في قوله: “الصورة هي الإبداع المحض للذهن فهي لايمكن أن تنشأ من تشابه ما، بل من خلال جمع واقعين بعيدين إلى حد ما عن بعضهما” ([31])، كذلك غاستون باشلار هو أول وأكثر من اهتم بأشكـال الصورة مؤكدا على هذين العنصرين ودعم بعناصر أخرى أي من باب منهجه الظـاهراتي فيرى أن ظاهراتية الخيال هي دراسة ظاهرية للصورة الشعرية حيث تنتقل إلى الوعي كنتاج مباشرة للقلب والروح والوجود الإنساني، ويضيف أن الظاهراتية هي دراسة الصورة في الوعي الفردي، وهنا يربط القارئ بالعمل الشعري على حسب فكره ووعيه في فهم الصورة بالشكل الأصح باقتناص حقيقة خصوصيتها، أما اللغة فهي التي تضفي الجدية على الصورة وهي بدورها انبثاق من اللغة، أما حديثه عن الرنيـن ورجع الصدى اللذان ينحدران من ذلك الازدواج الظاهراتي المتماثل لدى باشلار؛ فالترجيـح يدعو إلى إضفاء مزيدا من العمـق على وجودنا أي بالرنيـن تسمع القصيدة، والمقصود هنا هو ما تحمله الابيات الشعرية من موسيـقى إيحائية.([32])
لكن هذه العناصر جميعها تبقى بعيدة عن التكوين او المركب الحقيقي للصورة وذلك بسبب عدم الاتفاق من جميع الادباء والنقاد على تحديد مفهومها بوضوح، وبالرغم من إجماع الكثير منهم على أن الصورة وهي نتاج الخيال في العمل الفني والأدبي.
تقول مدام دي ستال: «يوجد داخل كل امرئ مشاعر ذاتية فطرية لا اكتفاء لها بالأشيـاء الخارجيـة، وخيال الرسامين والشعراء هو الذي يضيف ويكسب لهذه المشاعر صورة وحياة»([33]) هنا جاء الاهتمام بالخيـال الذي أدى إلى تطوير الصورة خاصة عند الرومانسييـن، أينما تجلت عواطف ومشاعر هذا المبدع فبفضلها تتكون هذه الصور الخيالية، وهكذا تصبح الصورة شعورية لا عقلية، والشاعر المبدع هو الذي لا يصوّر بعيدا عن ذاته، ولا يعتمد على صيغ جاهزة، بل هو الذي يصور على حسب ما يرى ويتخيل ويشعر، وهو الذي يبدع ويخترع، فبذلك يكون وفيا لذاته ولعملية الإبداع الفني الذي هو في الحقيقـة أثر يخلّفه الإحساس والشعور»([34]).
لكن دولوز في هذا الشأن كان له رأي مغاير، لأنه فصل بين يرى ويعبر عنه، عندما توسع في دراسة نظام المرئيـات ونظام العبـارات، فحسبه أن ما يرى لا يجد موقعه إطلاقا فيما يقال، والعكس صحيح ([35])، فهو يرفض أن تحل اللغة محل الشيء، والصورة لا يمكن أن تحل محل اللغة، أي برأيه لا علاقة بين الكتابة وما هو مرئي، لأن الصورة ليس دوما وليدة المرئيات، وإنما هناك صور تتشكل وتبنى من وسائل وعناصر تجريدية بحتة.
ثم جاء (سيسل دي لويس) وله رأي آخر مختلف عن نظرة دولوز في تعريفه للصورة بأّنها: (رسم قوامه الكلمات) ([36])، وهي الصورة التي تدرك بصريا والمشكّلة لغويا، ففي هذه الحالة لا يمكن الفصل بين الجانب المرئي واللغة، فكلاهما يساعدان على فهم الصورة.
ففي ختام موضوع الصورة عند الغرب نجد من خلال الدراسة والبحث في الأدب الغربي الحديث أن “الصورة الشعرية” بالرغم من اختلاف التصورات، نشأت بفعل التيارات الفلسفية؛ ثم تحولت إلى مفاهيم عديدة وآراء متضاربة، وبعدها تطورت لتبقى تتضمن الخيال كعنصر أساسي، وهي التي يعبر بها الفنان والشاعر بأحاسيسـه وأفكاره بجميـع أّنماطها وأبعادها الدلايـة عما أدركه بحواسه.
نظريات المذاهب الأدبية للصورة الشعرية في الغرب؟
بدت الصورة عند الكلاسكيين تابعة لنظريتهم في المعرفة، والمعرفة العليا لديهم مُتمثّلة في الأفكار التجريدية، فالإدراك قوة تجريدية مستقلة عن صور الحس، وهو من سمات العقل وخواصه، ولهذا لم يكن للخيال والصورة تلك الأهمية الكبيرة في نظرهم،لأنها تؤدي إلى الفكرة الصحيحة البعيدة عن الزيف والاضطراب([37])، أولى الرومانسيون الصورة اهتمامًا خاصًا، فقد قامت الرومانسية على أسس منها: تمجيد العاطفة التي راجت في أوروبا نصوص أدبية زاخرة بها، وكان ذلك في القرن الثامن عشر، والفهم الذاتي والشعور أساسان للادراك الخاضع للإحساس بالجمال عندهم، ومن هنا تفرعت مسائل عدة منها: ارتباط الجمال بالذوق، ونسبية الذوق وفرديته وتأثر الإبداع بعبقرية الفنان وذاتيته، وتحول الجمال من الموضوعية سمة الجمال الكلاسيكية إلى الذاتية عندهم([38])، أمّا الرومانسيون فقد اعتنوا بالخيال أيّما اعتناء، وكان هو الملهم الذي مدّ الشعراء بأجمل الصور الشعرية، فكانت صورهم عاطفية شاعرة أكثر من كونها عقلية فكرية، لأن الفكرة لا تظهر إلا من خلال الصور الشعرية التي تتضمنها القصائد، وتبدو الصورة الحية برهانًا وجدانيًا عليها، وأشد ما يحذره الرومانسيون أن تكون الصورة عقلية صرفة جافة، أو حججًا ذهنية منطقية، فالأفكار التجريدية تقضي على روح الشعر، إذ إنّ روحه في صوره([39]).
كانت عناية البرناسيين بالصورة في الشعر أكبر من عناية الرومانسيّين بها، واشتركوا معهم في تسخيرها لنقل المشاعر من منطقة التجريد إلى التجسيد، واختلفوا معهم في طبيعة مصدرها، فأهملوا الذات ولم يعطوا العقل أي أهمية تُذكر لعدم مقدرته على إبداع صور شعرية جديدة، وقد رأى البرناسيون في الصور عالمًا موضوعيًا معبرًا عن مشاعر وحالات نفسية وأفكار عامة تختفي وراءها شخصية الشاعر([40]).
مصادر ومستويات الصورة الشعرية عند أصحاب المذاهب الأدبية:
قد استمد الشعراء المعاصرون صورهم من أكثر من مصدر نذكر منهم([41]):
الرمز: فالشعراء المحدثـون اعتادوا أن يرمزوا بالمطر إلى الخير، والتغيير والثورة كما فعل السياب، واعتادوا أن يرمزوا بالقحط، والجفاف، والخراب، إلى القهر، والتسلط، والعبوديـة، وبالصحراء يرمزون إلى الخواء الروحي، والفقر المادي، وبالأغنيـة يرمزون إلى الشعر الصادق.
الأسطورة: فقد اقتحم الشاعر الحداثـي عالم الأسطورة من أوسع أبوابه المختلفة المتعددة، فمنهم من لجأ إلى خلق أساطير معاصرة تناسب التجربة الجديـدة، ومنهم من لجأ إلى الأسطورة البابلية والإغريقية والرومانية وغيرها، فتكررت أسماء مثل: “تموز، وإيزيس، وبرومثيوس”، كما هو الحال عند أدونيـس.
الفرديـة والذاتيـة: وقد تبدو الذات مصدرًا للصورة، فالحديـث عن الذات يكون أكثر عمقًا وسيطرة على الأغوار النفسيـة البعيـدة التي لا يصل إليها المنطق السطحي، والصورة الذاتيـة المثلى هي التي تستحضر غيب النفس والوجود، وهي التي توحي بها وتحتمها في النفس دون أن تقوى النفس على فهمه.
ومن خلال ما تقدم فإن الصورة الشعرية مرّة بمستويات في البناء الشعري؛ فالصورة في البناء الشعري من الممكن أن تمر في ثلاثة مستويات؛ أي أنّها من الممكن أن تؤدي ثلاث دلالات وهي([42]):
الصورة الذهنية: وهو ما يحدث في ذهن القارئ نتيجة الاستجابة التي تولدها الصورة في ذهنه، وهي مُحدّدة الدلالة بكونها حسية تصف العلاقة بين العبارة المكتوبة والإحساس الذي تولده في الذهن.
الصورة بوصفها مجازاً: اهتموا باللغة التي صيغت بها الصور وما تؤدي إليه من دلالات؛ أي أنّ الصورة الوسيـلة بعد أن أكدت الدلالة الذهنية أو النفسيـة النتيجة في إدراك الصور وتصنيفها.
الخصائص والسمات التي ميزت الصورة المعاصرة:
هناك عدة “سمات وخصائص” تميزت بها الصورة الشعريـة وأصبحت جزءًا منها وهي([43]):
متعددة الأوجه: أي أنّ الصورة الشعريـة بما تتضمنه من عناصر بلاغيـة وجماليـة قد تؤدي من خلال الصورة الواحدة أكثر من معنى وقد تحمل أكثر من غرض، وهذا الذي جعل الشعراء يكثرون منها ويوظفـونها بعناية في أشعارهم وقصائدهم.
المراوحة بين البساطة والتعقيـد: فقد يغرق أحد الشعراء صوره بالإيهام والغموض حتى لا تكاد تفهم، كما فعل “درويش” في آخر قصائده، فقد أصبحه فهمها عصياً على القارئ، وقد يستخدم الشاعر صوراً بسيطة تؤدي غرضاً جمالياً واضحاً، تهفو النفس إليه لحلاوته وعذوبته كما هو الحال عند نزار قباني.
معبّرة: فالصور عند البنيويـين لم تكن عشوائية بل وجدت لتحقيق غرض أراده الشاعر، لكنه لم يرد أن يقوله صراحة في شعره، وإنما اختار له صورة بديـعة جميلة لتوصل هذا الغرض إلى نفس القارئ فيعلق في ذهنه ويُلامس سويداء قلبه.
قيّمة: فالصورة قيمة في ذاتها لا زينة أو أداة تعبيـر مجردة، بل هي التي تُوحّد بين عناصر المبنى الشعري وتمنحها قيمة جديـدة، أي أنّها تُحدث التغيير في نظام التعبير عن الأشياء، لتعطيها أكثر قيمة.
أهمية الصورة الشعريّة:
- تمثل الصورة الشعريـة فكر الشاعر؛ إذ إنَّ اختيار الشاعر لألفاظه يدل على براعة الشاعر، وقدرته على انتقاء الألفاظ المناسبة التي تعبر عن الفكرة.
- تمثل الصورة الشعريـة واحدة من المعايير التي يحكم بها على أصالة التجربة الشعريـة، وعلى قدرة الشـاعر على التأثير في نفس كل من المتلقي، والناقد والمبدع.
- يعبّر الشاعر بالصورة الشعريـة عن حالات لا يمكن تفهمها أو تجسيدها بدون الصورة.
- تعبّر الصورة الشعريـة أيضاً عن عواطف الشاعـر ومشاعـره، فتصبح الصورة هي الشعور، والشعور هو الصـورة.
- تتيح الصورة الشعريـة للشاعر الخروج عن الكلام المألوف، كأن يجمع الشاعر بين الألفاظ المُتنافرة، أي غير المنسجمة.
- للصورة الشعريـة دور في تحقيق المتعة لدى المتلقي، والتأثير فيه، من خلال نقل الفكرة بصورة أوضح، وشرح المعنى وتوضيحه؛ مما يؤثر في المتلقي أكثر.
- وسيلة الشاعر التي يهدف من خلالها إلى التجديد في طرق العرض الشعرية، والتي بها يحكم على العمل الشعري بالنجاح أو الفشل في الحكم على العلاقة بين العمل الشعري ونفس القارئ، وما أكسبته من تجربة متفردة إلى وعيه.
- تُحقق الصورة التّوازن بين ما ترصده من مظاهر حسية وما يعادلها من الانفعالات والأبعاد النفسية.
- تُعبّر الصورة عن أثر ذوقي مباشر أو تداعٍ وارتباط لا شعوري مُبهم لدى الشاعر تكشف عنه الصورة.
10- الصور الشعرية بمجموعها تتحد لتكون الحالة النفسية الموحدة لدى القارئ، وأي خلل يطرأ على واحدة من هذه الصور في البناء الشعري يظهر أثره جليًا على المعنى وعلى تفكك البناء.([44])
الصورة الشعرية المعاصرة:
لقد بدأ هذا المصطلح بالظهور في أواخر القرن التاسع عشر، وانتشر بمسميات عديدة مثل: (“الصورة الفنيّة”، و “التصوير في الشعر”، و “الصورة الأدبية”)، والصورة الشعريـة هي عملية تفاعل متبادل بين الشاعر والمتلقي للأفكار والحواس من خلال قدرة الشاعر على التعبير عن هذا التفاعل بلغة شعريـة تستند مثلاً إلى المجاز والاستعارة والتشبيه، بهدف استثارة إحساس المتلقي واستجـابته، وفي ما يأتي بيان ذلك.([45])
فتأتي الصورة الشعريـة أو الفنية “كما اصطلح عليها حديثاً” بعدة أشكال، وتؤدي وظيفتها في إيصال المعنى المقصود بعدة طرق منها: الرمز، والاستعارة، والتشبيه، والمجاز، والكناية، أي جميع العناصر لبلاغتنا العربية.
فالصورة الشعريـة في العصر الحديث أصبحت، وسيلة للتعبير عن الشعور أو الفكرة في أبسط معانيها، ولا يمكن الفصل بين الشعور والفكرة في تشكيل الصورة الشعريـة، ولكن هذه الصورة لا تتشكل بصورة مباشرة أو حرفيـة، بل إن الشاعر فيها لا يرتبط بنسق الأشياء كما هي في الحياة، بل يلجأ إلى اللاوعي يستمد منها الرموز المتباعدة في الزمان والمكان؛ ليعبّر عن فكرة أو شعور أو رؤية أو تجربة مر بها في قصيدته، فالقصيدة تتشكل من مجموعة من الصور التي قد لا ترتبط ببعضها في الواقع، ولكن الشاعر بخياله الابتكاري يستطيع الربط بينها، لإقناع المتلقي بأسلوب فني إبداعي بلاغي يؤثر في نفسه، ويثير عاطفته وفكره، ويحفزه على الفَهم والتفسير للنص الشعري؛ ([46]) ويؤدّي الخيال الإبتكاري دورًا مهمًّا في تشكيل الصور الشعرية، بهدف التعبير عن معنى جديد، وتُسهم اللغة أيضًا في تشكيل الصورة الشعريّة، فلا يستخدم الشاعر المعنى المعجميّ المباشر للفظة، إنّما يعيد تشكيلها بصورة خاصّة، أيْ استخدام التعبير الأدبي الذي ينطوي على الانزياح الأسلوبي الذي المتلقي إلى التأويل والتفسير، وهذا ما يجعل النص الشعري يمتلك خصوصية، فقد ينظر إليه كل قارئ من زاويته الخاصة، ليكون النص الشعري ينطوي على معانٍ وتأويلات متعدّدة. ([47])
إن التحول الشعري المتمثل في ظهور الشعر الحر أدى إلى تغييريكاد يكون جذريا في بناء الصورة الشعرية حيث كان عمود الشعر أساس الصورة الشعرية التقليدية باعتماد الاستعارة والتشبيه والتمثيل التي هي عناصر تكون الصورة الشعرية في التراث العربي، «أدى الانقلاب الجذري في نظرية الشعر إلى انقلاب مثله في الصورة الفنية ابتعدت به عن وضعها التقليدي»([48]).
إن الصورة الشعرية يتداخل ويتفاعل فيها الوجود النفسي وعالم الكائنات، بمعنى أن التفاعل يكون بين الفكرة والرؤية الحسية “العالـم الخـارجي” والشعور والذات واللغة وجودة الصياغة والسبك الشعري والتجربة والزمن حاضراً وماضياً والموقف والسياق، والمفهوم الشامل الذي استقر عليه النقد العربي للصورة الشعرية «هو التفاعل المتبادل بين الفكرة والرؤية والحواس الإنسانية الأخرى، من خلال قدرة الشاعر على التعبير عن ذلك التفاعل بلغة شعرية مستندة إلى طاقة اللغة الانفعالية بمجازاتها، واستعاراتها، وتشبيهاتها في خلق الاستجابة والإحساس بذلك التفاعل عند المتلقي سواء أكانت الاستجابة حسية أم معنوية تجريدية؛ فإذا أضفنا إلى هذا التحديد الدلالة التراثية النقدية العربية في التوكيد على عنصري: الصياغة وجودة السبك في تحقيق الحس الصوري أو التصويري للغة الشعرية في القصيدة يستقر مصطلح الصورة عندنا في هذه المبحث ليحلل ويوضح التأثير الذي يخلقه في التفاعل الفني بين الفكرة والرؤية الحسية عن طريق جودة الصوغ والسبك بالغة الشعرية وانفعالية صافية بعيدة عن التجريد المستغلق والخطابية المباشرة»([49])، وبذلك فإن الصورة الأجمل هي التي تترك لدى المتلقي انطباعا قويا؛ فالصورة الشعرية الناجحة تمتاز من غيرها بكونها تعطي للقارئ انطباعا قويا، كأنه لايقرأ قصيدة وإنما يشاهد لوحة لها([50])، وتشكل الصورة الشعرية الجزئية في مجموعها الصور الشعرية الكلية للنص حيث تتحد تلك الصور وتمثل رؤيا عامة وتستبين في كامل النص، تختلط فيها الحواس بالأصوات والألوان والعطور وغيرها للتعبير عن رؤيا في إطار صورة شعرية تتفاعل فيها كل الموجودات مع مخيلة الشاعر وذاتيته.
نظرة المعاصرون للصورة في النثر والأدب:
وكما ذكرنا أن هناك ثلاثة مصطلحات، كثر ترددها في كتـب النقد المعاصر والحديث وهي: الصورة الشعرية، والصورة الأدبيـة، و الصورة الفنيـة، فبمجرد سماع مصطلح الصورة الشعريـة، يتبادر إلى ذهننا، حصر مفهوم الصورة في جنس الشعر، وبالتالي نسجل نقصا في مفهـومها، فما مصير جنس النثر من التصوير؟.
لقد صاحب عصر النهضة الأدبيـة، ظهور المذاهب الأدبيـة، التي كان لها إنعكاس على مفهوم الصورة، ذلك أن كل مذهب أدبي يقوم على فلسفة معينة، فتعدد المدارس الأدبيـة، نتج عنه تعدد في مفهوم الصورة، الذي أسهم في تطورها، و بالتالي التعـدد في مصطلحاتها بداية من البرناسية، التي ترى أن الصورة تتشكل بالمحاكـاة، بإستخدام حاسة البصر، إنهم يعترفون فقط بالصور المرئيـة المجسمة أو ما يسمى بالبلاستيكـية([51])؛ فالبرناسية تنطلق من الوجود الحسي الواقعي وتعود إليه في تشكيـل الصورة، فلا دخل لأي عالم أخر في تشكيـلها. إذن الصورة، عند البرناسية ماديـة حسية ويمكننا أن نطلق عليها مصطلح ” الصورة الحسيّـة” هكذا حمّلت البرناسية الصورة مفهوما آخر إنطلاقا من فلسفة أصحـابها في الأدب، أما الرمزية، فإنها ترى أن المبدع في تشكيـله الصورة، ينطلـق من الموجود الحسي، ثم أثره في أعماق اللاوعي، لينتج لنا في النهاية، صورة هي مزيج من المحيط الواقعي والذات الفردية، وقد إستخدموا الحواس في التصويـر، حاسة تخدم الأخرى، إذ تتلقى مثلا حاسة السمع فكرة واقعيـة، تقوم حاسة البصر، بعد تسجيل أثر الفكرة المسموعة في أعمـاق المبدع، بتشكيل صورة تبدو للمتلقي مرآة تعكـس لنا تلك الفكرة، و يحصل الشيء نفسه في الحواس، فقد “إبتدعوا و سائلهم الخاصة في التعبير، كتصويـر المسموعات بالمبصرات والمبصرات بالمشمومات و هو ما يسمى بتراسل الحواس”.([52])
بعدها يتعرض إلى جانب آخر من الصورة، هو أن كل حاسـة تسهم في خلق الصورة، غير أن حاسـة الرؤية تشترك فيها كل الحواس و ذلك في قوله: «إنّ الطابع الأعم للصورة هو كونها مرئيـة، ولكن من الواضح أن الصورة يمكن أن تستقى من الحواس الأخرى أكثر من إستقائها من النظر».([53])، فإن للصورة القدرة على إضفاء طابع حسي مرئي على المشاهد التي تحملها، والملاحظ أن “لويس” يتجاوز ما قاله في البداية، عن كون الصورة عبارة عن رسم قوامه الكلمات، بدليل أن خلق صور حسيـة بواسطة الكلمات، مهمة لا تقتصر على الشاعر أو الروائي، بل هي أوسع من ذلك، إذ بإمكان الصّحفي أن يخلق صورة حسيـة بالكلمات، لذا يستدرك لويس فيما بعد ليصحح ما قاله «إن الصورة الشعريـة هي رسم قوامه الكلمات المشحونة بالإحساس و العاطفة»، يضيف إذن شيئا إلى مفهوم الصورة، في أنها تشع بالإحسـاس والعاطفة.
فعالج لويس عدة جوانب في الصورة، محاولا تحديد مفهوم لها، نلاحظه من قوله «أنّ الصورة مادتها اللغة، تعكس الواقع بطريقة متقنة، تخلق روابط جديدة بين حقائق واقعية بإستخدام المجاز، مشحونة بإحساس أو عاطفة شعرية خاصة تنساب نحو القارىء».([54])
و يدرج لنا لويس “Dallas. S. E” فهو أول ناقد يستخدم تعبيـر اللاوعي على النحو الذي عرفه فرويد، يقول: «إنّ إنتاج الصورة الشعريـة يرجع بشكل عام إلى عمل العقل في عتمة اللاوعي»([55])، بمعنى أن الصورة الشعرية لاواعية؛ فإن لويس يسقط مفهوم الرمزيـة، بحجة أن كل متلق له إستجابته الخاصة عند تلقّيـه الصورة تبعا لتجربته الشخصية.
فالسرياليين أسهموا في توسيع مفهوم الصورة برؤيتهم المتميزة، في كيفيـة تكوين الصورة، إذ نجدهم يهملون إسهام الوعي([56])، في تشكيل الصورة وحملوا اللاوعي تشكيـل الصورة، إذ جعلوه منبعا تتولد منه الصوّر باستمرار؛ هكذا حصر السرياليـون مفهوم الصورة في اللاوعي، فالصورة عندهم لاواعية، إلى درجة أن المتلقي يحس أن الصور التي يشكـلها المبدع السريالي، تنبعث من حلم عميق أو خيال مجنح لا يقيده ضابط، وفي محاولة تتبّعنا مسار تطـور مفهوم الصورة، يجب علينا أن نلتفت قليلا إلى مكوناتها؛ فالباحثون في مجال النقد والأدب أولوا إهتمامهم بالإستعارة، باعتبار أن كل تطور يحصل على مستوى الاستعـارة، يتعدى إلى الصورة، فيحصل التطور أيضا، “أي الإهتمام بالجزء لتحقيق الكل”؛ فالإستعـارة هي: « مجال الروابط الجديـدة بين الأشياء كما يخلقها الخيال([57])»، فالعلاقة وطيدة بين الاستعارة والصورة ،فإن ذكرنا مصطلح الاستعـارة، حضر مصطلح الصورة وإذا ذكرنا مصطلح الصورة حضرت الاستعـارة.
الخيال والصورة في الشعر:
الخيال: هو قدرة الشاعر أو الأديب على انتزاع شتى الصور الذهنية من الواقع المشاهد واستحضارها في الذهن في أي وقت، والتصرف فيها على مختلف الأشكال والأوضاع، فهو من المواهب التي يمتاز بها الإنسان على سائر الأحياء، ويمتاز بها المبدع على سائر ذوي العلم والاختصاص.
فرقي الشعر رهين برقيه، واتساع الأدب متصل باتساعه، وهو بين الجماعات الأولى مصدر تلك الأساطيـر والأوهام التي تسود بينهم، كما أنه مصدر ما تغص به اللغات من مجازات وتشبيهات، بها تتسع جوانب اللغة وجوانب التفكير معاً أيما أتساع، ولولا الخيال لالتزم الفكر الإنساني الواقع المتحجر أي التزام، والخيال قوام جانب عظيم من الأدب، إن لم يكن قوام الجانب الأرقى فيه، إن لم يكن قوام الأدب جميعًا، فبالمجازات والتشبيهات يتأتى للأديب أن يصور شعوره ويبرز تفكيره، إذ يمثل لنضرة “الخد” بنضرة “الورد”، ولطلعة “البطل” بهيبة “الأسد”، ولجيشان المعركة بتدافع الآذى، وهلم جرا، فبالخيال يستطيع الأديب أن يسبك موضوعه ويجمع أطرافه، وينبذ ما لا حاجة به إليه من تفصيلات قد تشوه ما هو بسبيله، ويضفي ثوباً من الجمال والانسجام على ما ينشئ، والخيال يظهر ملكات الشاعر وأول مميزات “الشعر” التي تفرق بينه وبين “النثر”.
فإرتقاء الخيال واتسـاعه وكثرة آثاره أهم ظواهر دخول الأدب في طوره الفني؛ فإنه إذا خرجت الأمة من بداوتها وعزلتها وبسطت سيادتها واتصلت بجيـرانها القريبين والبعيدين، وتحضرت وتثقفت، اتسعت أذهان أبنائها وترامى خيالهم وتصوروا من الحقائق والمعاني والممكنات ما لم يكونوا يتصورون، وغزر المعين الذي يستمدون منه التشبيـهات والاستعارات، وينتزعون منه الحكم والأمثال، ويتوفر الفراغ ويتسع للمجهود الأدبي المتصل، فتظهر القصة والدرامة والقصيـدة الطويـلة، ويحلق الأدباء في أجواز الخيال وآماد الماضي والمستقبل، مبتعدين عن دواعي الحاضر الحازبة ومجالاته الضيـقة، ولا يبلغ الأدب أوج رقيه حتى يرتقي الخيال فيه هذا الارتقاء وحتى يشغل أكثر جوانبه.
الخيال والصورة في الأدب والشعر الإنكليزي:
Fiction and image in English literature and poetry
الخيال عنصر من أهم عناصر الأدب مهما اختلفت أنصبة الأدباء منه، وهو أسس التشبيـهات والمجازات، ولولاه لالتزم الفكر الإنساني الواقع المتحجر أيما التزام.
وللخيال في الأدب وظائف شتى- فالخيال الصحيح يعين الأديـب على إبراز الحقائق بشتى الوسائل، ويقدره على سبك موضوعه سبكاً فنياً لا شذوذ فيه، وعلى نبذ ما لا حاجة به إليه من تفصيـلات قد تشوه ما هو بسبيـله، ويساعده على إضفاء ثوب من الجمال على ما ينشئ.
وللخيال في الأدب الإنكليزي يد طولى؛ فالأديب الإنكليزي غزير العاطفة، إذا جاشت أطلق العنان واسترسل مع خياله، وأثار به منظر طبيعي أو غناء طائر أو ذكرى طارئة أو أثر من آثار الغابريـن أو أسطورة من أساطيرهم، أو غير هذا وذاك كله، شتى الخيـالات والأحلام والأطيـاف، وتناهت به عاطفته إلى حدود الأماني وآفاق الماضي والمستـقبل، وهذا الاسترسال للخيال إذا أثارته فكرة رئيسية هو مرجع وحدة القصيدة في الإنكليزية.
وهناك عدا هذا الخيال المنبث في كل مناحي الأدب، أغراض خاصة من الأدب قوامها وهيكلها الخيال، يجمع أطرافها وينهض بكيانها، ويوثق وشائجها، وهذه هي الملاحم الطوال في الشعر والقصص الممثلة أو المقروءة “شعرًا أو نثرًا”، ففي هذه لا يلتزم الأديب الواقع المجرد، بل يفترق عنه افتراقًا جسيمًا، ويصوغ من شتى أفكاره وتجاربه وأمانيه عالماً يجيش بالحياة والحركة، ويموج بالعواطف والنوازع، ويفيض بالجمال والإمتاع.([58])
والأدب الإنكليزي حافل بهذه الضروب القائمة على أساس من التخيل المحض، فهناك ملاحم “ملتون وهاردي”، وفيها يستعرض كلا الشاعرين مشاغل عصره ويبحث آراءه وينفث لواعج نفسه؛ ومن طبيعة أشعار الملاحم أنها تعج بالمردة والجبابرة والآلهة، وتحفل بخوارق الأعمال وجسائم البطولة، وهي على رغم هذا كله لا تخرج عن عالمنا الإنساني ولا تغفل النفس الإنسانية، بل تظل نوازع تلك النفس ومشاغلها هي الهدف الوحيد الذي يرمي إليه ناظموها، إذ فيها يتخذ أولئك الأرباب والجبابرة طبائع الناس وم فاقو البشر قوة وعظماً، ومن هنا يتأتى للشاعر أن يبسط آراؤه في ميدان متسع وإلى مدى فسيح، فالخيال هنا لا يعدو الحقيقة، وإنما يوضحها أحسن توضيح، فضلاً عما يمتع النفس به من قصص متسق وجمال وجلال.([59])
وفي الأدب الإنجليزي مالا يعد من قصص في الشعر أو النثر ممثلة ومقروءة. وقوام القصة بطبيعتها الخيال، وإن تراوح نصيبها منه؛ فهناك القصص الواقعية التي تلتزم الحقيقة إلى أكبر حد مستطاع وتصور المجتمع الحاضر تصويراً دقيقاً، كقصص هاردي ودرامات جالزورذي؛ وهناك القصص التي ترمي إلى أغوار الماضي وتدور حول عظيم من رجال التاريخ أو الأساطير، من طَموح يبيع نفسه للشيطان ليعينه على مطامحه، إلى دائن يتقاضى دينه من لحم غريمه ودمه، كما في روايات “شكسبير” و”مارلو” وغيرهما؛ كما أن هناك القصص التي تتطاول إلى آفاق المستقبل، وفارس هذه الحلبة “ولز”.
هذه الأغراض والأوضاع التي سداها ولحمتها الخيال غير ظاهرة في الأدب العربي؛ فلا قصائد تحتوي على قصص ولا ملاحم، والمقامات وأشباهها إذا زج بها في هذا المجال بدت هزيلة عجفاء ركيكه، فأولى بها أن تظل حيث أراد كاتبوها وقصدوا بها من غرض بعيد عن القصص؛ والأثر الوحيد الذي يعتد به “بل يفتخر به” في هذا الباب رسالة الغفران: ففيها من آثار الخيال ومتعاته ما لا نظير له في الأدب كله، على رغم اكتظاظها بأخبار الأدباء ومسائل الأدب والنحو.
وفضلاً عن انعدام هذه الفنون الخاصة فإن نصيب الأدب العربي عامة من الخيال ضئيل إذا قيس بنصيب الأدب الإنجليزي منه، فالأديب العربي كان شديد الحرص على الواقع يلزمه به موضوعه وأفكاره، شديد الاختصار في مقاله وتعبيره عما يحس، يعبر عن تلك الأفكار أشتاتاً كلما عنَّ له حافز إلى الكتابة، لا يدخر أفكاره ولا يربط منها حاضرًا بماض، بل يرسلها على السجية أبياتاً محكمة النسج موجزة البيان.([60])
فالفكرة التي تخطر للأديب الإنجليزي فيحوك حولها قصة تربط ما يتصل بها من أفكار، وتنشئ حولها شتى الصور المنتزعة من الحياة، يكتفي الأديب العربي بصوغها في بيت شعر محكم، فكبح عنان الخيال هذا سبب انعدام القصص وكثرة الحكم والأمثال في الأدب العربي، وهو كذلك سبب توسط طول القصائد وعدم تراوحها بين الملاحم الطوال والمقطوعات الصغار، ثم هو سبب اكتظاظها بالأفكار لا يربطها رباط جامع من خيال وثيق.
تداخل الصورة بالخيال حسب نظريات الغرب:
وتتداخل طبيعة الحديث عن الصورة بالحديث عن الخيال الذي تصوره بعض النقاد مرادفاً لها، مع أنه في حقيقته عنصر يندرج فيها، ويضفي عليها فنية التعبير وفضاء التأمل الشاعري، وهو وسيلة لإنجازها، بما يجعلها “أقدر على التميز والتأثير من الكلمات المجردة”، فضلاً عن أن قوة الخيال هي مجال التميز والإبداع بين شاعر وآخر، لأن “خلق الصورة من أي شيء يعتمد على القوة الخيالية لاستجابة الشاعر أولاً، وعلى المدى الذي استوعب به وعي الشاعر هذا المشهد أخيراً”، لقد اغتنت الصورة الشعرية بروح فنية جديدة لدى الشعراء الرومانتيكيين، هي نتاج إعلائهم قيمة الخيال ودوره في القصيدة حتى عدت نظرتهم آلية سمة أساس لاتجاههم الشعري، فهو طبقاً لرأي “وردزورث” أهم موهبة يمتلكها الشاعر”.
وفي هذا الموضوع لابد الوقوف عند صاحب أحدث نظرية عصرية في “الخيال” هو الشاعر والفيلسوف “صموئيل كولريدج” (Samuel Taylor Coleridge) والذي حقق الخيال بفضله أكبر تطور في مجال الدراسات النقدية، وإكتسب أهميته البالغة في شتى مجالات الإبداع، وخاصة الشعر، فعنده أن الخيال “هو النشاط البالغ الحيوية للعقل، لأنه ذو صلة بالحواس التي تصدر عنها معارفنا الدنيا، ولكنه يستقل عن هذه الحواس في أنه يستطيع وحده أن يكوّن صوراً من دون ضرورة مثول الأشياء الحية أمامه”، كما تطور الخيال كذلك على يد الفيلسوف الألماني “كانط” (Immanuel Kant) الذي تأثر والذي تأثر به كولريدج، وأفاد منه، كما أفاد من نظيره “شيلينج”.([61])
ويقسم “كولريدج” الخيال إلى نوعين: خيال أولي، وخيال ثانوي.
- أما الخيال الأولي: فهو ضروري لمعرفة النفس (لأنه القوة الأولى أو العامل الأول لكل ادراك إنساني، وهو نسخة معادة لعلة الخلق في “أنا المنطق”، ولسنا ندري ما إذا كان هذا هو ما قصده “محي الدين بن عربي” حين قال: «أن النفس لاتكون مدركة إلا بسبب الخيال”لأنه هو الوسيط بين النفس التي هي من عالم الغيب وبين الحس الذي هو من عالم الشهادة».([62])
- وأما الخيال الثانوي: فهو صدى للخيال الأول، وإن كان من الإرادة الواعية، ومتطابق مع الخيال الأول بالرغم من الاختلاف عنه في الدرجة، وفي طريقة عمله، وذلك أنه يفتت ويشتت لكي يعيد الخلق، ويوحد من أجل بلوغ المثال الأعلى.([63])
ويقول “كولريدج”: «إنني أنني أعتبر الخيال إذن، إما أولياً وإما ثانويا: فالخيال الأولي هو في رأيي القوة الحيوانية أو الأولية التي تجعل الإنساني ممكناً، وهو تكرار في العقل المتناهي لعملية الخلق الخالدة في الأنا المطلق.
أما الخيال الثانوي فهو عرفي صدى للخيال الأولي، غير أنه يوجد مع الإرادة الواعية في نوع الوظيفة التي يؤديها، ولكنه يختلف عنه في الدرجة وفي طريقة نشاطه: فإنه يذيب ويلاشي ويحطم كي يخلق من جديد.([64])
وهذا الخيال الثانوي هو الخيال الشعري أو الخيال الإبداعي الذي لا يرى “كولريدج” فرقا بينه وبين الشعر حيث يقول: «إن الخيال هو الشعر».([65])
فإذن يمكننا أن نفرق بين الخيال الأولي والثانوي عند “كولريدج” بأن نقول: ان الخيال الأولي غير ارادي، لأننا لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من أن نتخيل أوندرك.
بينما نجد الخيال الثانوي مصحوباً بالإرادة الواعية، ومتضامنا، بل وممتزجا مع الفكر، لأن الخيال في الحقيقة لا يعد «ملكة منفصلة عن الفكر، ولكنه الفكر نفسه في عملية تلقائية أو لاشعورية».([66])
كما يمكننا أن نلحظ فرقين آخرين بنوعين من الخيال، وهو أن «الخيال الثانوي لايقدر دوما على بلوغ الوحدة التي ينشد، وهو لايفلح دوما بشكل كامل في جهده نحو التوحيد ولكن الخيال الثانوي كالأولي عملية خلق»([67]).
إن الخيال الشعري عند “كولريدج” قوة خلاقة توجد مع الإرادة الواعية، وهو الملكة التي توصلنا إلى الحقيقة، وليس هو عملية «تذكر شيء أحسسناه من قبل، وقد تجرد من قيود الزمان والمكان، ومن كل علاقاته وارتباطاته، ولا هو جمع بين أجزاء أحست من قبل لتأليف شيء لم يحس، ولكنه في الواقع خلق جديد، إنه خلق صورة لم توجد وما كان لها أن توجد بفضل الحواس وحدها أو العقل وحده، وإنما هو صورة تأتي ساعة تستحيل الحواس والوجدان، أو العقل كلاً واحداً في الشاعر أو الفنان، كلاً واحداً في الطبيعة».
إن “كولريدج” يربط هنا بل يمزج بين قوى المعرفة جميعا، ذلك لأن الصورة الشعرية هي نتاج تفاعل هذه القوى الحية كلها، وهذا التفاعل لايتم بين هذه القوى الا في حالة الإبداع الشعري الأصيل، حيث يطلع الشاعر روحه على موضوعات العالم الخارجي، ويفرض عليها عاطفته ووعيه وذاته، وفي أثناء هذه العملية يبدو له كأنه يسبر أغوار هذه الموضوعات وكأن حقيقتها الجوهرية تكشف له.([68])
إذن يتبين مما سبق أن الخيال مرتبط إرتباطاً وثيقاً بغيره من قوى النفس وله صلة بجميع الحواس التي هي منابع المعرفة ووسائلها في الإنسان؛ كما أن له صلة وثيقة ببقية عناصر العملية الشعرية من موسيقى ولغة وعاطفة، بل إن هذه العناصر لا يمكن أن تشتغل دون الخيال؛ فهو هنا وهناك الذي يكشف وسائل التجسيد للشعور والفكر ويصوغ التجربة في رموزها الخاصة([69])؛ وإذا إشتغلت فان ما سوف يصدر عنها من صور شعرية سيكون أقل تأثير.
علاقة العاطفة بالخيال:
إن الخيال أساس لهذه العناصر جميعا، «فهو للعاطفة موقظ، وللتفكير باعث وموجه، وللأسلوب غذاء، وهو أيضاً للشاعر عون من أقوى أعوان الإلهام»([70])، لكن العلاقة الهامة والخطيرة هي العلاقة التي نجدها بين الخيال والعاطفة، وذلك لأن الوحدة في القصيدة الشعرية؛ إنما هي وحدة الخيال أو وحدة العاطفة، والإرتباط العضوي الذي الذي ينشده النقاد في القصيدة أو ما يسمى بالوحدة العضوية، ليس في الواقع سوى وحدة الخيال الذي شكل صورها الشعرية المتجانسة، غير أن الخيال الذي لاتذكية عاطفة حارة وشعور حي قوي، لايمكن أن يسعف الشاعر في خلق قصيدة شعرية جيدة، «فالخيال إذا سار دون أن تعززه العاطفة كان إنتاجه كالصورة الخالية من الحياة أو كالأشباح العمياء».([71])
فالعاطفة إذن تلهب خيال الشاعر وتعبث فيه القدرة على الخلق وإقتناص الأحاسيس وطبعها في صورة شعرية معبرة ومثيرة، هذا فضلاً عن كونها توجه الخيال وتحدد المجالات والمسافات المكانية والزمانية التي يجب أن يرتادها ويطوف فيها بحثاً معاني الصورة وحتى الأشياء المختزنة في الذاكرة، والأحلام النائمة في أعماق النفس؛ فإن العاطفة هي التي تقود الخيال في أثناء العملية الإبداعية، وهي التي «تخط الطريق وترسم الإتجاه وتسيطر على ما يعمل العقل في هذه الناحية من إختيار وإرتضاء لبعض الأجزاء أو المناظر أو إبعاد لبعضها، وتصرف وأفتتان فيها([72])، ومن خلال الخيال والعاطفة يمكن أن تجد في الطبيعة وتصور من خلالها صورة شعرية ذو قوة خلاقة تغني الشعر بصورها وتفتح للمخيلة مجالات حيوية للتأمل والإبداع، فكان ذلك مساراً جديداً يضاف إلى فاعلية الصورة الشعرية في القصيدة.
ومن خلال ماتقدم يمكننا أن نقول: «خلف كل لغة شعرية ترقد طبقة من الإشارات والرموز الأسطورية، ويترسب قدر من لغة الإنسان الأولى بكل ما فيها من تجسيد للأهواء والمشاعر ومن بث الحياة في الأشياء، ومن إحساس بوحدة الكون والإنسان وحدة تجعله جزاً من الكيان الحي الخالد».([73])
لم يتوقف الشعراء في المراحل اللاحقة عند الخيال وحده سبيلا لإغناء الشعر بعوالم من الصور التي تحقق له أبعاداً فنية مؤثرة، فقد تعددت مصادر الصورة الشعرية بعد أن وضع الشعراء أيديهم على مجالات تعبيرية –فنية تغني القصيدة بحيويتها وتضفي عليها روحاً جديدة، لأنها لا تتوقف عند مسار التجربة والموضوع، بل تتسع لإحداث نقلة في أفق الصورة الشعرية، بوصفها المجال الفني المتميز في إمكانية التحديث والابتداع، أكثر مما هو عليه الحال في مجالي اللغة والموسيقى اللذين ترسخت في تكوينهما مؤثرات الماضي وفاعليته التعبيرية.
فالسياب يتحدث عن الخيال مرادفاً للصورة، وهو ما يحيلنا إلى رأي الرصافي قبله، ويعد الموروث مصدراً مهماً في إغناء الخيال، ويرد على من زعموا باكتفاء وجود الخيال في الشعر الغزلي دون سواه، لاسيما الشعر الحماسي، فيرى أن كلا النوعين من الشعر يحتاج إلى الخيال؛ ولهذا وجب علينا دراسة الشعر القديم لأن فيه السبك الممتاز والبلاغة الرصينة واللغة السليمة، ولا يفصح السياب في حديثه عن صلة السبك والبلاغة واللغة بالخيال، لعله كان يرى فيها ما يتمنى الشاعرية ويفتح لها مجالات متسعة من الخلق الموحي الذي يستثمر فيه الخيال وتتعمق الصور.
وللخروج من هذا الفقر المعرفي السائر بهذا الاختصاص إلى طريق مسدود، لابد لنا من تجاوز مرحلة الدراسات المقارنية التاريخية، كما تجاوزها الغرب الذي أنتجها منذ منتصف القرن العشرين، وبدأ الاشتغال على توجهين آخرين، أولهما استثمار ما توصلت إليه مختلف المناهج النقدية العالمية الجديدة لكي تبقى الدراسات العربية المقارنة رابطا قويا بما حدث في منابع الحضارة المعاصرة، و ثانيهما العمل على تطوير الاتجاه العربي الإسلامي في الأدب المقارن الذي ظهرت بوادره كما جاء في الفصلين السابقين والذي بإمكانه أن يقدم إضافة متميزة إذا تأسس على الاستفادة من التراث الأصيل والحداثة المستنيرة، وهذا ما نحاول تجسيده من خلال دراستنا في هذا الفصل، هو مقارنة الصورة الشعرية المعاصرة بين الأدب الإنكليزي والأمريكي والأدب العربي العراقي، من خلال نماذج الشعراء الإنكليزي والأمريكي والشعراء العرب العراقيين.
علاقة الخيال بالموسيقى:
أما علاقة الخيال بالموسيقى فلا يحتاج إلى توضيح، ففضلا عما يضطلع به الخيال من تصوير عن طريق إقامة الرموز والصور الحسية كبدائل للصور الذهنية؛ فيقوم بأسلوب آخر من التصوير معتمداً الأصوات والأنغام الموسيقية التي تحتوي عليها اللغة باعتبارها أصواتا، فضلا عن كونها صورا، وهذه الموسيقى التي تنشأ من تناغم الأصوات، وايقاع الألفاظ بمقاطعها وحروفها يمكن أن تثيرنا وتؤثر فينا عن طريق حاسة السمع باعتبارها الحاسة الأولى التي تخاطبها الأصوات.
فقد بحث أحد نماذج شعراء بحثنا الشاعر الأمريكي “توماس سترن إليوت” (Thomas Stern Elliot) في مثل هذا الخيال الذي يتوسل بموسيقى الألفاظ أو اللغة ليثير إنفعال الملتقى ويحرك مخيلته، وهو ما يسمى بالخيال السمعي، فاهتدى إلى أن الشعر يؤثر في إيقاظ نوع من الخيال لمجرد موسيقاه، فمثلا: عندما نسمع شعرا لا نفهمه ولاندرك معناه عن طريق العقل، نرى صورا خيالية نتحسسها عن طريق السمع، وهذه الصور تنشأ في أنفسا من أثر الوزن والإيقاع الموسيقى،([74]).
وقد نسي “إليوت” أن يشير إلى وقع اللفظة في ذاتها وما يحدثه جرسها وحروفها ومقاطعها من أصوات في إذكاء هذا الخيال بالذات، أعني الخيال السمعي الذي يتحدث عنه هذا الناقد، ولايخفى مايتضمن هذا الكلام من إشارة إلى علاقة الموسيقى بالخيال واللغة بصفة عامة.
وبخصوص موضوعنا الخيال السمعي، يمكن أن نعدد بقية أنواع الخيال كما حددها النقاد وفسروها، ويبدوا أن أول تصنيف لأنواع هذه الملكة هو ذلك الذي وضعه “لونجينوس” وهذا الأخير هو أول من أدخل كلمة “خيال” في النقد.
واما تقسيم “كولريدج” للخيال فقد مر ذكره في هذا المبحث، وقد كان تقسيمه هذا بمثابة نظرية أرست دعائمها جميع الدراسات الأدبية التي تناولت مفهوم الخيال عند هذا الشاعر الناقد، ولقد فتح علم النفس الحديث المجال واسعاً أمام النقاد لكي يأخذوا بعض مصطلحاته ويوظفوها في النقد، وأصبح الخيال عندهم أنواعاً أهمها: الخيال العلمي، والخيال الأدبي، والخيال الجمالي، والخيال المنتج…….إلخ، وقد ربط علماء النفس الخيال بحواس المعرفة، كما ربطوه بالفكر وعمليات الفهم والإدراك والتذكر، فوجد ما يسمّى: بالخيال البصري، والخيال السمعي، والخيال العضلي، والخيال اللمسي، …….إلخ.([75])
المصادر والمراجع:
– القرآن الكريم.
– Dilles Deleuze ; An introduction to the phylusophy ; edited by Jean Khalaf, London, N,Y ; Continum ;2003 ; P144.
– Sarter (J.P) ; L’Imaginaire ; Ed. Gallimard; Paris; 1940, P: 19.
– أ. أ.ريتشاردز، مبادئ النقد الأدبي والعلم والشعر، تر: محمد مصطفى بدوي، المشروع القومي للترجمة (416)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1961م، ص172.
– ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، ط6، مادة (صور)، دار الفكر للطباعة والنشر، بير وت – لبنان، 1997م، ص114.
– أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي السلمي (ت219هـ)، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، جـ3، 1975م، ص336.
– إحسان عباس، فن الشعر، ط3، دار الثقافة، 1955م، ص2.
– أحمد درويش، في النقد التحليليّ للقصيدة المعاصرة، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1996م، ص127.
– أحمد كمال زكي، النقد الأدبي الحديث: أصوله وإتجاهاته، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروتم، 1981م ص126.
– إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، جـ2، مادة (صور)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1987م، ص717.
– الجاحظ، الحيوان، دار أحياء العلوم، ط3، القاهرة، 1955م، ص557.
– الولي محمد، الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي و النقدي، المركز الثقافي العربي، لبنان، ١٩٩٠م، ص80.
– أنس داود، الأسطورة في الشعر العربي الحديث، مكتبة عين شمس، (د. ت) ص215.
– إيليا حاوي ، الرمزية والسريالية في الشعر الغربي والعربي، ص116.
– إيمان محمد أمين خضر الكيلاني، بدر شاكر السياب دراسة أسلوبية لشعره، ط1، دار وائل للنشر، عمان، 2008م، ص16، نقلا عن الغزوان عناد، الصورة في القصيدة العراقية الحديثة، مجلة الأقلام، 1987م، العددان 11 و12، بغداد، ص85.
– بشرى موسى صالح، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1994م، ص19.
– جابر عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، ط3، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1992م، ص7.
– دي لويس، الصورة الشعرية، ترجمة: أحمد نصيف الجنابي، مالك ميري سليمان، حسن إبراهيم، دار الرشيد، العراق، (د. ت)، ص79.
– رابح بوحوش، اللسانيات وتحليل النصوص، ط1، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن، 2007م، ص82.
– سليمان القرشي، صورة المرأة في الشعر الاندلسي، ص90.
– سهير القلماوي، فن الأدب (المحاكاة)، مطبعة البابي الحلبي، مصر، 1953م، ص13.
– سي دس لويس، الصورة الشعرية، ترجمة: أحمد نصيف الجنابي، مالك ميري، سلمان حسن إبراهيم، مراجعة عناد غزوات إسماعيل، دار الرشيد للنشر، العراق، ١٩٨٢م، ص٢١.
– شكري الماضي، مقاييس الأدب: مقالات في النقد الحديث والمعاصر، طـ1، دبي: العالم العربي للنشر والتوزيع، 2011م، ص73.
– عبد الحميد حسن، الأصول الفنية للأدب، ط2، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر، 1994م، ص107.
– عبد القادر القط، الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1978 م، ص391.
– عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي القاهرة ص 508.
– عبد الله خضر حمد ، مناهج النقد الأدبي: السياقية والنسقية، دار القلم، بيروت، طبعة 2017م، ص 186- ينظر: الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة مصطفى البابيّ الحلبيّ، 1948م، ج3، ص 131- 132- وحازم القرطاجنّيّ، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمّد الحبيب ابن الخوجه، تونس، 1966 م، ص17-19، و ص71-90، و ص143-144.
– عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، طـ3، القاهرة: دار الفكر العربي، 1978م، ص35-39.
– علي البطل، الصورة في الشعر العربي، دار الأندلس، بيروت، 1981م، ص27.
– علي الخرابشة ، وظيفة الصورة الشعرية ودورها في العمل الأدبي، مجلة الآداب، العدد 110، 2014م، ص97-99.
– علي الصبح، الصورة الادبية تاريخ ونقد، (د.ط)، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة (د.ت)، ص5.
– غاستون باشلار، جماليات المكان، تر وتحقيق: غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط2 ،بيروت، 1984م.
– فخري أبو السعود، مجلة الرسالة/ العدد 165/ الخيال في الأدبين العربي والإنجليزي.
– فرانكلين روجر، الشعر والرسم، تر: مهى مظفر، دار المأمون، وزارة الثقافة والإعلام، ط1، بغداد، 1990م، ص132.
– كولريدج، سلسلة نوافع الفكر العربي، ترجمة: محمد مصطفى بدوي، دار المعارف، مصر، (د. ت)، ص85.
– ل. بريث، التصوير والخيال: موسوعة المصطلح النقدي، ترجمة: عبد الواحد لؤلؤة، دار الرشيد للنشر، العراق، ص52-53.
– محمد حسن عبد الله، الصورة والبناء الشعري، دار المعارف، القاهرة، ص43.
– محمد غنيمي هلال، النقد الادبي الحديث، ط1، دار العودة بيروت، 1982م، ص410 .
– محمد غنيمي هلال، دراسات ومناهج في مذاهب الشعر ونقده، دار النهضة، مصر، ص75، نقلا عن: عبد الحميد هيمة، الصورة الفنية في الخطاب الشعري الجزائري، دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2005م، ص76.
– محمد غنيمي هلال، دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، دار النهضة للطبع، مصر، القاهرة، (د. ت)، ص60.
– محمد مصايف، النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي، ط2، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984م، ص332.
– محمود قاسم، الخيال في مذهب محي الدين بن عربي، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1969م، ص50.
– ناصر معماش، نفس المرجع، ص57.
– نعيم اليافي، تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث، منشورات اتحاد الكتاب العرب (د. ت(، ص216.
– نورمان فريدمان ، الصورة الفنية، ص33.
– يوسف حسن نوفل، الصورة الشعرية والرمز اللوني، دار المعارف، القاهرة-مصر، 1995م، ص6-7.
الهوامش
- – يوسف حسن نوفل، الصورة الشعرية والرمز اللوني، دار المعارف، القاهرة-مصر، 1995م، ص6-7. ↑
- – الولي محمد، الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي و النقدي، المركز الثقافي العربي، لبنان، ١٩٩٠م، ص80. ↑
- – محمد غنيمي هلال، دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، دار النهضة للطبع، مصر، القاهرة، (د. ت)، ص60. ↑
- – جابر عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، ط3، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1992م، ص7. ↑
- – محمد غنيمي هلال، النقد الادبي الحديث، ط1، دار العودة بيروت، 1982م، ص410 . ↑
- – إحسان عباس، فن الشعر، ط3، دار الثقافة، 1955م، ص2. ↑
- – احمد درويش، في النقد التحليلي في القصيدة المعاصرة، (د ط) مكتبة النهضة المصرية، 1989م، ص185. ↑
- – أحمد درويش، في النقد التحليليّ للقصيدة المعاصرة، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1996م، ص127. ↑
- – عبد الله خضر حمد ، مناهج النقد الأدبي: السياقية والنسقية، دار القلم، بيروت، طبعة 2017م، ص 186- وعبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق محمّد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، 1978 م، ص 196- ينظر: الجاحظ، عمرو بن بحر: البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة مصطفى البابيّ الحلبيّ، 1948م، ج3، ص 131- 132- والحيوان: تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة مصطفي البابيّ الحلبيّ، القاهرة، 1968 م، ج 1 ص 206 ، ج 4 ص 5- وحازم القرطاجنّيّ، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمّد الحبيب ابن الخوجه، تونس، 1966 م، ص17-19، و ص71-90، و ص143-144. ↑
- – رابح بوحوش، اللسانيات وتحليل النصوص، ط1، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن، 2007م، ص82. ↑
- – علي الصبح، الصورة الادبية تاريخ ونقد، (د.ط)، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة (د.ت)، ص5. ↑
- – بشرى موسى صالح، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1994م، ص19. ↑
- – جابر أحمد عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، دار المعارف، القاهرة، 1980م، ص50. ↑
- – محمد حسن عبد الله، الصورة والبناء الشعري، دار المعارف، القاهرة، ص43. ↑
- – الجاحظ، الحيوان، دار أحياء العلوم، ط3، القاهرة، 1955م، ص557. ↑
- – عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي القاهرة ص 508. ↑
- – علي الخرابشة ، وظيفة الصورة الشعرية ودورها في العمل الأدبي، مجلة الآداب، العدد 110، 2014م، ص97-99. ↑
- – ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، ط6، مادة (صور)، دار الفكر للطباعة والنشر، بير وت – لبنان، 1997م، ص114. ↑
- – سورة غافر، الآية: 64. ↑
- – سورة الانفطار، الآية: 8. ↑
- – إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، جـ2، مادة (صور)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1987م، ص717. ↑
- – أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي السلمي (ت219هـ)، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، جـ3، 1975م، ص336. ↑
- -(Hyle) الهيولى: كلمة يونانية تعنى الأصل أو المادة التي تكون واحدة في جميع الأشياء في الجماد، والنبات، والحيوان، وإنما تتباين الكائنات في الصور فقط. ↑
- – حسان عباس، فن الشعر، دار الثقافة، بيروت، لبنان، ط2 ،1959م، ص141. ↑
- – ناصر معماش، نفس المرجع، ص57. ↑
- – عبد القادر القط، الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1978 م، ص391. ↑
- – إيفور آرمسترونغ ريتشاردز (I. A. Richards): ناقد أدبي وعالم بلاغة، تلقى تعليمه في الكلية المجدلية في كامبردج، أثرت كتبه في توجهات النقد الجديد ككتاب “معنى المعنى” و “مبادئ النقد الأدبي” و “النقد العملي” و “فلسفة البلاغة”، قاد مبدأ “النقد العملي إلى تطبيقات “القراءة الوثيقة” التي يعتقد أنها أسست لبدايات النقد الأدبي الحديث، يعتبر ريتشاردز أحد مؤسسي دراسات الأدب الإنجليزي المعاصرة. ↑
- – أ. أ.ريتشاردز، مبادئ النقد الأدبي والعلم والشعر، تر: محمد مصطفى بدوي، المشروع القومي للترجمة (416)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1961م، ص172. ↑
- – Sarter (J.P) ; L’Imaginaire ; Ed. Gallimard; Paris; 1940, P: 19. ↑
- – سليمان القرشي، صورة المرأة في الشعر الاندلسي، ص90. ↑
- – فرانكلين روجر، الشعر والرسم، تر: مهى مظفر، دار المأمون، وزارة الثقافة والإعلام، ط1، بغداد، 1990م، ص132. ↑
- – غاستون باشلار، جماليات المكان، تر وتحقيق: غالب هلسا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط2 ،بيروت، 1984م. ↑
- – محمد غنيمي هلال، دراسات ومناهج في مذاهب الشعر ونقده، دار النهضة، مصر، ص75، نقلا عن: عبد الحميد هيمة، الصورة الفنية في الخطاب الشعري الجزائري، دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2005م، ص76. ↑
- – عبد الحميد هيمة، المرجع السابق، ص76. ↑
- – Dilles Deleuze ; An introduction to the phylusophy ; edited by Jean Khalaf, London, N,Y ; Continum ;2003 ; P144. ↑
- – سيسل دي لويس، الصورة الشعرية، تر: أحمد نصيف الجنابي، مالك مير، سلمان حسن، دار النشر وسنته، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982م، ص12. ↑
- – محمد غنيمي هلال، دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، ص70. ↑
- – محمد غنيمي هلال، الأدب المقارن، ص36. ↑
- – محمد غنيمي هلال، دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، ص383. ↑
- – محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، ص416. ↑
- – إيليا حاوي ، الرمزية والسريالية في الشعر الغربي والعربي، ص116. ↑
- – نورمان فريدمان ، الصورة الفنية، ص33. ↑
- – أحمد درويش ، في النقد التحليليّ للقصيدة المعاصرة، ص127. ↑
- – نعيم الباقي ، تطور الصورة الفنية في الشعر العربي، ص239. ↑
- – علي الخرابشة، وظيفة الصورة الشعرية ودورها في العمل الأدبي، مجلة الآداب، العدد 110، 2017م، ص97-99. ↑
- – عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، طـ3، القاهرة: دار الفكر العربي، 1978م، ص35-39. ↑
- – شكري الماضي، مقاييس الأدب: مقالات في النقد الحديث والمعاصر، طـ1، دبي: العالم العربي للنشر والتوزيع، 2011م، ص73. ↑
- – نعيم اليافي، تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث، منشورات اتحاد الكتاب العرب (د. ت(، ص216. ↑
- – إيمان محمد أمين خضر الكيلاني، بدر شاكر السياب دراسة أسلوبية لشعره، ط1، دار وائل للنشر، عمان، 2008م، ص16، نقلا عن الغزوان عناد، الصورة في القصيدة العراقية الحديثة، مجلة الأقلام، 1987م، العددان 11 و12، بغداد، ص85. ↑
- – محمد مصايف، النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي، ط2، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984م، ص332. ↑
- – علي البطل، الصورة في الشعر العربي، دار الأندلس، بيروت، 1981م، ص27. ↑
- – المرجع نفسه. ↑
- – سي دس لويس، الصورة الشعرية، ترجمة: أحمد نصيف الجنابي، مالك ميري، سلمان حسن إبراهيم، مراجعة عناد غزوات إسماعيل، دار الرشيد للنشر، العراق، ١٩٨٢م، ص٢١. ↑
- – سي دس لويس، الصورة الشعرية، ص23-26. ↑
- – سي دس لويس، الصورة الشعرية، ص43. ↑
- – الوعي: هو منظومة المبادىء الأخلاقية التي يتقبلها الإنسان، ينظر: ملحق المصطلحات. ↑
- – البطل، الصورة في الشعر العربي، ص24. ↑
- – فخري أبو السعود، مجلة الرسالة/ العدد 165/ الخيال في الأدبين العربي والإنجليزي. ↑
- – فخري أبو السعود، مجلة الرسالة/العدد 165/الخيال في الأدبين العربي والإنجليزي. ↑
- – فخري أبو السعود، مجلة الرسالة/العدد 165/الخيال في الأدبين العربي والإنجليزي. ↑
- – كولريدج، سلسلة نوافع الفكر العربي، ترجمة: محمد مصطفى بدوي، دار المعارف، مصر، (د. ت)، ص85. ↑
- – محمود قاسم، الخيال في مذهب محي الدين بن عربي، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1969م، ص50. ↑
- – أحمد كمال زكي، النقد الأدبي الحديث: أصوله وإتجاهاته، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروتم، 1981م ص126. ↑
- – كولريدج، سلسلة نوافع الفكر العربي، ص87. ↑
- – سهير القلماوي، فن الأدب (المحاكاة)، مطبعة البابي الحلبي، مصر، 1953م، ص13. ↑
- – دي لويس، الصورة الشعرية، ترجمة: أحمد نصيف الجنابي، مالك ميري سليمان، حسن إبراهيم، دار الرشيد، العراق، (د. ت)، ص79. ↑
- – ل. بريث، التصوير والخيال: موسوعة المصطلح النقدي، ترجمة: عبد الواحد لؤلؤة، دار الرشيد للنشر، العراق، ص52-53. ↑
- – سهير القلماوي، ِفن الأدب: المحاكاة، ص26. ↑
- – أنس داود، الأسطورة في الشعر العربي الحديث، مكتبة عين شمس، مصر، (د. ت)، ص14. ↑
- – عبد الحميد حسن، الأصول الفنية للأدب، ط2، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر، 1994م، ص107. ↑
- – عبد الحميد حسن، الأصول الفنية للأدب، ص101. ↑
- – عبد الحميد حسن، الأصول الفنية للأدب، ص149. ↑
- – أنس داود، الأسطورة في الشعر العربي الحديث، مكتبة عين شمس، (د. ت) ص215. ↑
- – سهير القلماوي، فن الأدب: المحاكاة، ص110 وما بعدها. ↑
-
– عبد الحميد حسن، الأصول الفنية للأدب، ص105. ↑