المختار/ أحمد الأمين1
1 أستاذ مدرس مادة العقيدة، والفكر، والفرق الإسلامية، بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، موريتانيا
HNSJ, 2021, 2(10); https://doi.org/10.53796/hnsj2104
تاريخ النشر: 01/10/2021م تاريخ القبول: 13/09/2021م
المستخلص
يهدف هذا البحث إلى النظر في المسار الذي سلكته قضايا العقيدة في الفكر الإسلامي، وطبيعة الإشكاليات التي كانت محورا للحوار والمساجلات، وموضع جدال وخلاف بين الفرق الإسلامية.
ولكن الهدف كان منصبا على تلمس خصوصية البحث العقدي في الغرب الإسلامي، والمدونات التي أنتجها، والأسماء البارزة في تحريك المباحث العقدية المغاربية.
وكانت الغاية من هذه المداخل النظرية والتاريخية هو الوصول إلى الكشف عن مكونات البحث العقدي في بلاد شنقيط توطينا وتأليفا ودمجه في مناهج التدريس داخل المحظرة الشنقيطية.
الكلمات المفتاحية: العقيدة – الفرق الإسلامية – شنقيط
The Doctrinal Lesson in the Land of Chinguetti (Al-Ash’ariyyah as an example)
al mokhtar / Ahmed Al-Amin1
1 Professor of Creed, Thought, and Islamic Factions, at the Higher Institute of Islamic Studies and Research, Mauritania
HNSJ, 2021, 2(10); https://doi.org/10.53796/hnsj2104
Published at 01/10/2021 Accepted at 13/09/2021
Abstract
This research aims to look at the path taken by the issues of faith in Islamic thought, and the nature of the problems that were the focus of dialogue and debates, and the subject of controversy and disagreement between Islamic groups. But the goal was focused on touching the privacy of doctrinal research in the Islamic West, the blogs it produced, and the prominent names in moving Maghreb doctrinal investigations. The purpose of these theoretical and historical approaches was to arrive at discovering the components of doctrinal research in the country of Chinguetti, localizing and authoring it, and integrating it into the teaching curricula within the Shanqeeti maharah.
Key Words: Creed – Islamic difference – Chinguetti
تمهيد
تعتبر العقيدة في المنظومة الفكرية الإسلامية مجالا رحبا لإجراء حفريات في تطور هذا الفكر وولادة تياراته المختلفة.
فقد استقطبت مباحث العقيدة سجالا مبكرا وعنيفا حول حقيقة الإيمان والصفات ومرتكب الكبيرة ومنزلة القرآن الكريم.
لقد انتظمت هذه المسائل العقدية في البحث عن أسس الإيمان الصحيح الذي يطالب به كل مسلم في نظرته لخالقه الله في ذاته وصفاته، وعباداته، وضوابط سلوكه، والإيمان بالبعث والحساب وبالجنة والنار.
تعريف العقيدة لغة واصطلاحا:
إذا نحن رجعنا إلى قواميس اللغة العربية نجدها تحدد دلالة “العقيدة” بإرجاعها إلى معاني العقد والربط والشد بقوة، ومنه الإحكام والإبرام، يقال: عقد الحبل يعقده: شده، وعقد العهد والبيع وثقهما.[1]
والعقيدة اصطلاحا ما يؤمن به الإنسان إيمانا جازما لا يتطرق إليه الشك، فيعقد عليه قلبه وضميره، ويتخذه مذهبا ودينا يلتزم بشرائعه وشعائره أمرا ونهيا.
والعقيدة عند المسلمين ما يجب على المسلم المكلف أن يؤمن به خصوصا على مستوى الذات الإلهية والصفات والإيمان بأركان الإسلام من توحيد لله وتسليم بالرسالة المحمدية وبوجوب الصلاة والزكاة والحج والصوم.
والمحور الذي تدور حوله مبادئ العقيدة هو الاعتقاد بوحدانية الله، وتنزيهه عن المثيل والشبيه والشريك، وأنه هو وحده المستحق للعبادة دون سواه.
وحين يرد لفظ العقيدة ينصرف الذهن إلى تلك المباحث التي دارت بين الفرق الإسلامية حول الذات والصفات، وحول القرآن الكريم تعريفا وتأويلا.
وقد وردت عدة أدلة من القرآن الكريم والسنة حول صفات العقيدة الصحيحة كقوله تعالى من سورة البقرة (الآية: 285): ” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”، وكقوله تعالى من سورة الطلاق (الآية: 2): “ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ”، والآيات فش ذلك كثيرة. أما الأدلة من الحديث فنكتفي بما ورد في الحديث المشهور الوارد في معظم كتب السنة بروايات متعددة: ومنها رواية أبي داود في مسنده، الحديث 21: ” .. عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ مُقَوَّمٌ حَسَنُ النَّحْوِ والنَّاحِيَةِ فَقَالَ: أَدْنُو مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «ادْنُ» ثُمَّ قَالَ: أَدْنُو مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «ادْنُ» فَلَمْ يَزَلْ يَدْنُو حَتَّى كَانَتْ رُكْبَتُهُ عِنْدَ رُكْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَسْأَلُكَ؟ قَالَ: «سَلْ» قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ» قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: صَدَقْتَ، فَجَعَلْنَا نَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقْتَ كَأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُؤْمِنٌ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ: صَدَقْتَ”.
مهاد تاريخي:
لقد برزت في ساحة القرن الأول الهجري كيانات إيديولوجية وسياسية وفكرية مثل الخوارج[2] والمرجئة[3] والمعتزلة[4]، وربما يمكن اختزال هذا المركب الفكري الديني إلى ثنائية تيار أهل السنة (أهل النقل والتوقيف، المذاهب الفقهية وبعض ألائمة) وتيار أهل العقل والنظر الفلسفي0 (المعتزلة وبعض الفلاسفة المحترفين كالكندي والفرابي، والمفكرين المستقلين كالجاحظ والغزالي)0
وقد تعزز التيار الأخير العقلاني بظهور علم الكلام كآلية شبه منطقية لتوليد المعقولات انطلاقا من استنطاق النصوص واقتراح حلول منطقية لتجاوز الإشكالات العقدية المثارة، وقد استخدم المعتزلة علم الكلام أساسا في المسائل العقدية0
أما الرافد الثاني الذي زاد من تعقيد القضايا العقائدية فهو دخول الفلسفة الإغريقية إلى الفكر العربي بطريقة “مقنعة”، فلم يفصح ناقلوها كثيرا عن الأصول الفلسفية التي وظفوها في كتاباتهم، لقد وجد الكندي وابن سيناء والفرابي في صفات العلة الأولى –التي نظر لها كل من افلاطون وأرسطو – ما يمكن ترجمته إلى مباحث الذات والصفات في الخطاب الإسلامي دون الكشف عن مصادرهم بشكل صريح
يضاف إلى ذلك تيارات غنوصية وتجمعات شعوبية هدامة تعمل على هدم الإسلام من الداخل بإثارة الشبهات والتشكيك في الأسس العقدية للإسلام.
في خضم هذا السياق الحضاري البالغ التعقد والتعدد، إذ تتصادم فيه ظواهر وتيارات دينية وفكرية وسياسية شتى انطرحت إشكالية الهوية الدينية والحاجة الماسة إلى اصطناع “سياجات عقدية” تحفظ للمؤمنين وحدتهم وإيمانهم وعقائدهم، فكان لا بد لكل مسلم أن يصرح بما يشبه “بطاقة الهوية” التي تحدد مذهبه الفقهي (حسب المذهب الحنفي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي)، وقوام عقيدته (السنية أو المعتزلية)، وطريقته في التصوف، وهو ما عبر عنه ابن عاشر في كتابه المرجعي في العقيدة والفقه عند المالكيين: “المرشد المعين على الضروري من علوم الدين”:
وبعد فالعون من الله المجيد في نظم أبيات للأمي تفيد
في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك[5]
إن محاولة تثبيت مقومات الهوية الإسلامية للمؤمنين إن هو إلا تعبير عن التصدعات العميقة التي أحدثها التحول الحضاري الجارف في العهد العباسي، عبر ما أثاره من حوار عمودي بين الإنسان العادي وسدنة الفكر الحديث، حيث الصراع المحتدم على كسب السلطة القائمة وتوطين المذهب بين العامة، كما أشار إليه الناظم بشكل صريح بقوله: ” في نظم أبيات للأمي تفيد”، وهو ما تولد عنه حوار أفقي متعدد الجبهات ضمن دائرة الاتجاهات الكبرى بين أهل السنة والمعتزلة.
ويمكن القول إن البيتين يلخصان منافذ الفتنة العقدية التي كانت تعصف بالعالم الإسلامي، المتمثلة في التصوف الذي انتقل من الزهد السني إلى شطحات الصوفة والبدع الغريبة مع الحلاج وابن عربي والسهروردي، كالقول بالحلول والوصول إلى مقامات يزعم فيها المتصوف أنه لم يعد فيها بحاجة إلى الالتزام بممارسة شعائر الإسلام من صلاة وحج وصوم …، والمباحث العقدية التي فتحت الباب على مصراعيه لأقوال وآراء متضاربة لم تكن معروفة في السلف الصالح، وضرورة الانحياز إلى مذهب فقهي في وجه تشعب التأويلات والتأرجح بين النص في ظاهرته ومقيداته والاختلاف في حول صحة الأدلة وأنواعها.
وقد كانت الإشكالات الكبرى العقدية تنبع من الثناشيات التالية:
- الجبر والاختيار: فهناك آيات تدل على مسؤولية الإنسان عن أفعاله، وأخرى تؤكد أن مصير هذا الإنسان قبل ولادته، كقوله تعالى من سورة آل عمران: ” ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)، وكقوله تعالى من سورة الأنعام: “وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)، والأحاديث في ذلك السياق كثيرة، منها ما أورده أبو داود في مسنده رقم 296: “قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: ” إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ لَيُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحَ وَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ – أَوْ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ – لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ – أَوْ إِنَّ أَحَدَكُمْ – لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا “، ومن ذلك الحديث الذي أورده البغوي في شرح السنة رقم 1302: “قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ” لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي دَوِّيَّةٍ مُهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَقَامَ يَطْلُبُهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ حَتَّى أَمُوتَ.
قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ “، وكذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث طويل: ” .. يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»، الحديث 55. وقد ذهب المعتزلة إلى حرية الإنسان، وأنه مخير وليس مسيرا، وسموا أنفسهم بأهل العدل، وذلك انطلاقا من منظور عقلاني، وحجتهم في ذلك أنه ما دام الله جل وتعالى وصف ذاته بالعدالة فليس من العدل أن يقدر على الإنسان أفعاله ثم يحاسبه عليها. وضعها المعتزلة ليقيموا بواسطتها براهينهم العقلية على بعض المسائل الدينية، وعلى رأسها القول إن الإنسان هو “خالق أفعاله” بقدرة يحدثها الله فيه عندما يختار هذا الفعل أو ذلك، وبالتالي فالإنسان عندهم حر مختار في أن يفعل أو لا يفعل، وبالتالي يتحمل مسؤولية أفعاله، حاول الأشعري أن يوفق بين هذا الموقف وموقف من يرفضون من أهل السنة نسبة “الخلق”، خلق الأفعال، إلى الإنسان، تمسكا حرفيا منهم بمبدأ “لا خالق ولا فاعل إلا الله”. وقد اتخذ الأشعري من مفهوم “الكسب” أساسا لهذا التوفيق، فقال إن الإنسان لا يخلق أفعاله وإنما هي من الله، ولكنه “يكسب” نتائجها إن خيرا فخير وإن شرا فشر، بمعنى أنه مسؤول عما يفعل.
وقد رأى أهل السنة أن مثل هذا التصور يتعارض مع كونه تعالى مطلق الإرادة، فتبنوا حلا توفيقيا بين الجبر والاختيار، حاصله أن الله جل وتعالى يخلق الأسباب والإنسان يكسبها.
- وثار الجدل طويلا حول التجسيم والتعطيل في تأويل بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث، فقد ذهب فريق السنة إلى التأويل المجازي لهذه الآيات والأحاديث كقوله تعالى من سورة الفتح (الآية 10): ” يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا”، فاليد هنا تعني القوة، وبالنفس الأويل المجازي خرجوا به دلالة الحديث الوارد في الصحيحين: ” إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ تَقَدَّمَ مِنِّي بَاعًا أَتَيْتُهُ أُهَرْوِلُ”، كما أثبت أهل السنة للذات الإلهية صفات القدرة والسمع والبصر مع مغايرة خلقه استئناسا بقوله تعالى من سورة الأنعام (الآية:103): ” لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ”، ومن سورة الشورى (الآية: 11) ” لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”، وهو ما أشار إليه ابن عاشر في نظمه:
وخلقه لخلقه بلا مثال ووحدة الذات ووصف والفعال
وقدرة إرادة علم حياة سمع كلام بصر ذي واجبات …[6]
- مسألة القدم والحدوث والعلم بالكليات والجزئيات: فقد ذهب الفلاسفة إلى القول بقدم العالم، ومعرفة الله جل وتعالى بالكليات دون الجزئيات، وهو ما يتعارض مع الشرع، فكانت إحدى المسائل التي دفعت بالغزالي إلى تكفيرهم في كتابه “تهافت الفلاسفة”.
- أما الموقف من القرآن الكريم فقد كان فتنة عظيمة فتحها المعتزلة على العالم الإسلامي بقولهم إن القرآن مخلوق ودفعوا بعض الخلفاء العباسيين إلى إجبار الأئمة والعامة على القول بذلك تحت طائلة التعذيب والسجن.
مكتبة مباحث العقيدة
لقد تولدت مكتبة المباحث العقدية من السجالات الساخنة بين أهل السنة والمعتزلة، ومن كتابات رواد هذين التيارين حول العقيدة ومسائل الاختلاف، وقد سارع مؤلفو الكتب المدرسية من الفقهاء والمتصوفة إلى دمج خلاصات هذه المساجلات في كتاباتهم بعد غربلتها ومواءمتها مع منطلقاتهم المذهبية.
ولعل أبرز المناظرات العقدية التي جرت تلك التي دارت بين أبي علي الجبائي المعتزلي[7] وأبي الحسن الأشعري[8]، وملخصها أن أبا علي الجبائي كان يرى وجوب فعل الصلاح والأصلح على الله، وكان أبو الحسن الأشعري لا يرى ذلك.. فسأل الأشعري أبا علي يوماً فقال: ما تقول في ثلاثة أخوة, أحدهم كان مؤمناً براً تقياً, والثاني كان كافراً فاسقاً, والثالث مات صبياً؟ فقال أبو علي: أما الزاهد ففي الدرجات, وأما الكافر ففي الدركات, وأما الصبي فمن أهل السلامة. فقال الأشعري: فإن أراد الصغير أن يصعد إلى درجات الزاهد، فهل يؤذن له؟ قال: لا, لأنه يقال له: إن أخاك إنما وصل إلى هناك بعمله. قال: فإن قال: ما التقصير مني؛ فإنك ما أبقيتني, ولا أقدرتني علي الطاعة, قال: يقول الله له: كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت, ولاستحقيت العذاب, فراعيت مصلحتك. قال: فلو قال الأخ الكافر: يارب كما علمت حاله فقد علمت حالي, فلم راعيت مصلحته دوني؟!.. فانقطع الجبائي.
ويمكن القول أن مدونة المباحث العقدية القديمة والمتأخرة أكثر اتساعا ولا يمكن لهذا البحث أن يتعمق في كل تفاصيلها، نذكر بعض أبرز مؤلفيها على سبيل التمثيل:
– أبو جعفر الطحاوي) المتوفى: 321هـ)، مؤلف كتاب: “بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة”.
– أبو الحسن الأشعري (المتوفى: 324هـ)، له مصنفات كثيرة تفوق ثلاثمائة تأليف في مباحث العقيدة.
– أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني (المتوف 385هـ).
– أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العُكْبَري المعروف بابن بَطَّة العكبري (المتوفى 387هـ(.
– أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (المتوفى418هـ(
– أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى458هـ( .
– محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى751هـ( .
– تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى728هـ.(
– محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى : 751هـ).
– إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى : 790هـ).
– عبد الرحمن بن أبو بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى911هـ( .
- محمد بن إسماعيل الأمير الكحلاني الصنعاني (المتوفى1182هـ).
- محمد بن عبد الوهاب بن سليمان (المتوفى: 1206هـ).
- محمد بن علي بن محمد الشوكاني (المتوفى1255هـ(
- محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى1420هـ( .
وتعتبر كتب كل من أبي جعفر الطحاوي) المتوفى: 321هـ) وأبي الحسن الأشعري (المتوفى: 324هـ) من أعظم مراجع البحث في مجال العقيدة، وقد تم تضمينهما في كتاب ابن عاشر: “المرشد المعين على الضروري من علوم الدين”، وكتاب أبي العباس سيد أحمد المقري: “إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة”، يضاف إلى ذلك مؤلفات كل من ابن قيم الجوزية (المتوفى751هـ ومحمد بن عبد الوهاب بن سليمان (المتوفى: 1206هـ).
وقد ترسخت في ساحة تيار أهل السنة مرجعان رئيسان في أصول العقيدة:
- الأشعرية: نسبة لأبي الحسن الأشعري، وهي مدرسة إسلامية سنية اتبع منهاجها في العقيدة عدد كبير من فقهاء أهل السنة والحديث، فدعمت اتجاههم العقدي. ومن كبار هؤلاء الأئمة: البيهقي والنووي والغزالي والعز بن عبد السلام والسيوطي وابن عساكر وابن حجر العسقلاني والقرطبي والسبكي .يعتبر الأشاعرة بالإضافة إلى الماتريدية، المكوّنين الرئيسيين لأهل السنة والجماعة إلى جانب فضلاء الحنابلة، وقد قال في ذلك العلاّمة المواهبي الحنبلي: ((طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة، وحنابلة، وماتردية، بدليل عطف العلماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من كتبهم الكلامية ((.
برز هذا المنهج على يد أبي الحسن الأشعري الذي واجه المعتزلة وانتصر لآراء أهل السنة وكان إمامًا لمدرسة تستمد اجتهادها من المصادر التي أقرّها علماء السنة فيما يخص صفات الخالق ومسائل القضاء والقدر. بهذا مثّل ظهور الأشاعرة نقطة تحول في تاريخ أهل السنة والجماعة التي تدعمت بنيتها العقدية بالأساليب الكلامية كالمنطق والقياس، فأثبت أبو الحسن الأشعري بهذا أن تغيير المقدمات المنطقية مع استخدام نفس الأدوات التحليلية المعرفية يمكن أن يؤدي إلى نتائج مختلفة.
إلى جانب نصوص الكتاب والسنّة، فإن الأشاعرة استخدموا العقل في عدد من الحالات في توضيح بعض مسائل العقيدة، وهناك حالات استخدم فيها عدد من علماء الأشاعرة التأويل لشرح بعض ألفاظ القرآن الموهمة للتشبيه، وهذا ما يرفضه السلفية وينتقدونهم عليه؛
- الماتريدية: مدرسة فكرية إسلامية تمثل أتباع أبو منصور الماتريدي[9]، وهي إحدى فرق الكلام ضمن الإسلام السني التقليدي ولا تختلف بشكل عام عن المدرسة الأشعرية إلا في بعض القضايا البسيطة.أحد أشهر الكتب الماتريدية هو متن العقيدة المشهور بمتن العقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي الحنفي]. يتبع الكثير من علماء الماتريدية المذهب الفقهي الحنفي في حين يغلب على الأشاعرة المذهب الفقهي الشافعي والمالكي.
مباحث العقيدة في الغرب الإسلامي
إن الحديث عن الدرس العقدي في القطر الشنقيطي يقودنا إلى الحديث عن الخصوصية الدينية والثقافية في بلاد الأندلس والمغرب العربي باعتبارهما الحاضنة المباشرة لنشأة الثقافة الشنقيطية بتشعباتها ومصادرها المختلفة. خصوصا أن الإقليم المغاربي كان في الماضي يشكل فضاء مترابطا ومفتوحا أمام الهجرات المتعاقبة في كل الاتجاهات.
يمكن القول إن الشخصية الثقافية والدينية للغرب الإسلامي أخذت في نهاية القرن السادس الهجري تأخذ ملامحها النهائية، بمذهبها المالكي، وتبني المذهب الأشعري، والطرق السنية كالشاذلية والقادرية والنقشبندية، واختارت رواية ورش لقرائها، بل وأصبح لها خطها المتميز المعروف بالخط المغربي. لقد حافظ هذا الكيان الجغرافي على وحدته الحضارية رغم الظاهرة الموحدية والدولة العبيدية التي حاولت إقحام الفكر الشيعي في نسيجه الديني.
وبدا الفضاء المغاربي بشماله وجنوبه تستقطبه حواضر علمية مثل مدينة فاس بجامع قروييها، وتونس بجامع الزيتونة، وتومبكتو وشنقيط في جنوب الصحراء.
لقد اختلف السياق الحضاري المغاربي عن نظيره المشارقي، إذ كانت حواضر الشرق مثل بغداد ودمشق واصفهان تعج بمكونات دينية وثقافية متولدة عن انصهار شعوب وحضارات جد مختلفة. بينما كان الفضاء المغاربي يتمتع إلى حد ما بعوامل الوحدة والقواسم الانتروبولوجية تضمن لها التماسك والتماثل في نسيجه المعرفي العام، ووحدة خطابه العقدي بشكل عام.
دخل المذهب الأشعري إلى أرض المغاربة تباعا على يد مجموعة من العلماء، في مقدمتهم أبو عمران الفاسي (المتوفى 430هـ)، وأبو الوليد الباجي (المتوفى 474 هـ)، وأبو بكر محمد بن عبد الله المعافري (المتوفى 543هـ)، ومنظر الدولة الموحدية محمد بن تومرت (524 هـ/1130 م).
وما لبثت الكتبة المغاربية أن اغتنت بمؤلفات عديدة تتناول قضايا العقيدة شرحا وتلخيصا، وانطلق حوار أفقي بين علماء الغرب الإسلامي حول مسائل العقيدة. وتم دمج هذه المباحث العقدية في مكونات الشخصية المغاربية.
وقد بدا الفضاء الشناقطي مجسدا لهذه الشخصية الثقافية المغاربية في ثوابتها الفقهية والعقدية والتصوفية، ومثلت المحظرة الشنقيطية نقطة التقاء بين الرباط العلمي والزاوية الصوفية.
مباحث العقيدة عند الشناقطة
يغلب على بلاد شنقيط الطابع الصحراوي والحياة البدوية التي هي في شبه ترحال دائم بحثا عن المراعي وتتبعا لتساقطات المطر، ويتوزع مجاله الاجتماعي إلى ثلاث فئات رئيسة: الزوايا الذين يقومون على خدمة الدين والتعلم ، وحسان الحاملين للسلاح الذائدين عن من يقيم في حوزتهم الأميرية، والرعاة الذين يوفرون للمجتمع مصادر العيش المعتمدة أساسا على تنمية المواشي.
وكانت مراكز التعلم محدودة، وما إن يظهر عالم وينشئ محظرته حتى يبدأ طلاب العلم يتوافدون إليه من كل حدب وصوب، ومنهم من يقيم مع الشيخ ومنهم من يعود إلى حيه ليؤسس محظرته/زاويته الخاصة.
دخول الأشعرية إلى بلاد شنقيط (موريتانيا):
يتفق معظم المؤرخين الإمام أبا بكر المرادي الحضرمي قاضي المرابطين (ت489هـ )، أول من أدخل العقيدة الأشعرية إلى الصحراء، وهو مؤلف كتاب : ” الإشارة في تدبير الإمارة”.
ولد أبو بكر المرادي الحضرمي بالقيروان وارتحل إلى الأندلس، ثم انتقل بعد ذلك إلى أغمات حيث أُلحِقَ بحاشية أمير المرابطين أبي بكر بن عمر اللمتوني التي كانت تضم فقهاء وعلماء، وكان المرادي أول من أدخل علوم الاعتقادات بالمغرب الأقصى، وله مؤلف مطبوع، يعتبر أول مؤلف كامل عن العقيدة الأشعرية ألف في عهد الأمير المرابطي أبي بكر بن عمر اللمتوني (تـ 480هـ)، ومن شأن دراسة هذا المؤلف أن يفتح أمام المختصين بابا واسعا لمراجعة الكثير من الأحكام والمواقف المتعلقة بتاريخ دخول المذهب الأشعري إلى المغرب، وتتبع مسار تطوره.
لقد كانت بلاد شنقيط المستقر النهائي للعلماء المهادرين من الشرق إلى الغرب اللإسلامي كما يتضح من النص التالي:
” وأول عقيدة أشعرية من تأليف أهل الغرب الإسلامي ظهرت في تونس على يد أبي الطيب سعيد بن أحمد بن سعيد السفاقصي (تـ 501هـ) وعرفت باسمه، كما عرفت باسم العقيدة السنية. وقد أدى الصدام بين العقيدتين التسليمية والأشعرية بالخليفة المرابطي أبي الحسن علي بن يوسف ابن تاشفين أن يطلب من ابن رشد الجد (تـ 520هـ) فتوى في شأن هذا المذهب الجديد وأعلامه كالأشعري واليإسفرايني والباقلاني، ومع أن ابن رشد الجد لم يكن أشعريا فإن إجابته كانت انتصارا لأقطاب المذهب الأشعري واعتبرهم أئمة خير وهدى وممن يجب بهم الاقتداء لأنهم قاموا بنصرة الشريعة وأبطلوا شبه الزيغ والضلالة. إلا أنه رفض تعليم العامة من الناس المعتقد الأشعري الذي يرى أن النظر العقلي شرط أساسي في الإيمان؛ لأنه فرض عين على كل مسلم عالما كان أو جاهلا قادرا على الفهم والإدراك أم لا”.[10]
إن الناطر في مصادر المحظرة الموريتانية سيخلص لا محالة إلى تقرير حكم تاريخي، مفاده أن بلاد شنقيط عرفت مبكرا بعض مصنفات علم الكلام الأشعري مثل كتب السنوسي ، وإضاءة الدجنة لأحمد المقري التلمساني التي وصلت إلى هذه البلاد بعد تأليفها بأقل من نصف قرن على يد عبد الله بن أحمد بن عيسى الحسني الذي كان حيا سنة 1077هـ.
ويتحدث البعض عن وجود ثلاثة اتجاهات عقدية في بلاد شنقيط، يمكن اختصارها في ما يلي:
- اتجاه أشعري عقلاني متوسع في مذهبه يؤمن بالمنطق الصوري وعلم الكلام المنطقي وتمثله مدرسة المختار بن بونة؛
- واتجاه سلفي نصاني يعادي علم الكلام والمنطق اليوناني متأثرا بالظاهرية والوهابية يمثله المجيدري اليعقوبي،
- والاتجاه الثالث اتجاه صوفي قوامه التبحر في العلم والاستقامة في السلوك يمثله الشيخ سيدي المختار الكنتي[11]
ومن أشهر أعلام المذهب الأشعري الذي تأثر بهم الشناقطة:
- . محمود بن عمر بن محمد ﺍﮔﻴﺕْ: (868-955هـ) قاضي تنبكتو كان يدرس بها ومن أهم الكتب التي كان يدرس عقيدة السلالجي.
- الحاج أحمد بن أحمد بن عمر ﺍﮔﻴﺕْ: (929-991هـ) حج والتقى بجماعة منهم الناصر اللقاني ويوسف تلميذ السيوطي والأجهوري وغيرهم، له تعليق على صغرى السنوسي، وشرح منظومة المغيلي في المنطق.
- أحمد باب التنبكتي )ت1036هـ) له عدة تآليف منها شرح البرهانية للسلالجي وشرح الصغرى للسنوسي، وكتاب المأرب والمطلب في أعظم أسماء الرب.
- محمد بن أحمد بن القاضي محمد بن أبي بكر بَغَيُغُ الونكري (ت1040هـ) له نظم أم البراهين.
- سيدي محمد بن أحمد بن يحي الحساني الدليمي: (ت1048هـ) له شرح على صغرى السنوسي.
- عبد الله بن أحمد بن عيسى البوحسني: كان حيا 1077هـ أول من أدخل إضاءة الدجنة للمقري إلى القطر الموريتاني، عند عودته من حجه حيث أخذها إجازة عن مفتي الحرمين أبي مهدي.
- عمر الخطاط بن محمد نَضَّ: (1028-1107هـ) من مشاهر المتكلمين، حكي عنه أنه قال: لو علمت عقيدة في علم الكلام لا أعرفها وفي مصر من يعلمها لرحلت إليها حتى أتعلمها، كان هو شيخ علم الكلام في زمنه يقرئ كتب السنوسي والجزائرية وإضاءة الدجنة.
- الطالب محمد بن المختار بن الأعمش العلوي الشنقيطي (1037-1107هـ) مفتي شنقيط له شرح على إضاءة الدجنة لأحمد المقري التلمساني التي أهداها له صديقه عبد الله بن أحمد البوحسني لما قدم بها من الحج، ويعتبر هذا هو أول شرح لها في هذا القطر.
- نور الدين محمد بن المبارك بن حبيب الله بن الفالل بن محمد بن أشفغ يديمان، من أهل القرن الحادي عشر له نظم السبعة المطالب في استحالة قدم العالم.
- أشفغ الأمين بن الفالل ت 1101هـ. عم المتقدم اختصر نظم ابن أخيه المتقدم.
- أبو محمد عبد الله بن عمر الْيِزَيْگِذِي ت 1110هـ، له نظم السبعة المطالب..
- محمد اليدالي ألف عقيدته المشهورة ووضع عليها شرحا سماه: “فرائد الفوائد في شرح قواعد العقائد”. (ت 1166هـ
لقد ساهم هؤلاء العلماء في إغناء المكتبة الشنقيطية بعدة مؤلفات في العقيدة تأليفا وشرحا واختصارا، كشرح الصغرى للسنوسي، وكتاب المأرب والمطلب في أعظم أسماء الرب، ونظم أم البراهين، وإدخال المدونة المحورية في الاعتقاد: “إضاءة الدجنة” لأحمد المقري التلمساني مع الاشتغال عليها شرحا وتعليقا، وكذلك نظم ابن عاشر، وأنتج الشناقطة بعض المؤلفات مثل:
- نظم السبعة المطالب لنور الدين محمد بن المبارك
- فرائد الفوائد في شرح قواعد العقائد نور الدين محمد بن المبارك
الدرس العقدي في المحظرة الشنقيطية
تتميز الساحة الشنقيطية بالانسجام والانبناء على بنيات معرفية تعليمية متماثلة، تحكمها مدونات تربوية شائعة، تشكل منهاجا متكاملا لتكوين المتعلمين في المؤسسات البدوية المكفية لاقتصاد الصحراء وحالة التنقل والترحال لهذه المؤسسات التربوية.
وهذا الفضاء البدوي كان من الناحية العقدية متصالحا ومستقرا، لا يكدر صفوه سوى التطورات الحاصلة في الخطاب الصوفي، إذ تظهر فيه من حين لآخر “شطحات” وممارسات لا تنسجم مع الخطاب الإسلامي العام.
يقوم الدرس المحظري على التدرج ومراعاة عمر الطالب وقدرته على الاستيعاب، يمكن توصيفه بالمصطلحات التربوية الحديثة على النحو التالي:
ابتدائي:
تعليم القراءة والكتابة للأطفال ، وعادة ما تتولى النساء القيام بهذه المهمة، كما أن هناك بعض المحاظر المتخصصة في تعليم الأبجدية للأطفال؛
متوسط:
وله محاظر متوسطة المستوى تتولى تحفيظ القرآن وتعليم رسمه وتجويده، وقد تدرس بعض المتون الابتدائية في اللغة والفقة الآجرومية وابن عاشر؛
عالي:
وهي المحاظر التي تدرس المتون المتعمقة في شتى العلوم والمعارف، وعادة ما تكون موسوعية تدرس جميع المتون، إلا أن بعض المحاظر قد تكون متخصصة اكثر من غيرها في بعض جوانب المعرفة؛
ما فوق العالي:
بتفرغ الطالب الذي درس كافة المتون للاستماع إلى الحلقات والدروس التي يقدمها شيخ المحظرة لجميع الطلاب في شتى الفنون، لتعميق معرفته وإحاطته بشروح المتون المدروسة، ويطلع على كافة الشروح المتعمقة لهذه المتون، كما يتولى التكرار للطلاب والشرح لهم مرة ثانية بعد شرح شيخ المحظرة.
وهذا التدرج في التعليم اقتضى من القائمين على هذه المحاظر انتقاء مصادر ملائمة من المكتبة المتوفرة. ويمكن تقديم النموذج التالي التقريبي لمحتوى هذا البرنامج التعليمي:
- على مستوى الفقه: يتم تدريس الأخضري أو نظم ابن عاشر، وفي مرحلة لاحقة يتم تعلم مختصر الشيخ خليل انتهاء بكتب الأصول مثل مرتقى الوصول إلى علم الأصول لابن عاصم، ومراقي السعود لمبتغي الرقي والصعود لسيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي الشنقيطي.
- وفي مجال النحو يقدمون للمبتدئ متن الآجرومية أو نظم عبيد ربه، ومن ثم الرقي به إلى ألفية ابن مالك ختاما بلامية الأفعال بشروحها وهوامشها المتعددة؛
- أما الدرس العقدي فيبدأ الطالب بأحد كتب محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي[12] (العقيدة الصغرى (أم البراهين) وشرحها، أو عقيدة صغرى الصّغرى) مع تعزيز ذلك بمقدمة ابن عاشر، ليتجاوز بعد ذلك إلى دراسة إضاءة الدجنة لأحمد المقري التلمساني.
وعلى مستوى أسلوب التعليم يتم تدريس النصوص العقدية بطريقة تلقينية دون اللجوء إلى أسلوب الحوار والتجادل، فلا يسمح للمتعلم بالنقاش وتحليل المكونات النقلية والمنطقية ومصادرها في هذه النصوص.
ويبدو أن الشناقطة لم تكن على معرفة كافية بالاتجاهات السائدة في مباحث العقيدة، خصوصا عند المعتزلة، فلم تكن البيئة الشنقيطية البدوية التي توجد في نهاية الفضاء المغاربي تسمح لهم بهذا الاطلاع والتوسع فيه.
لم تحدث رجة قوية في منظومة العقائد الشنقيطية إلا ما عرفته في القرن التاسع عشر على يد لمجيدري بن حبيب الله اليعقوبي الذي سافر إلى الشرق وتعرف إلى الحركة الوهابية وقرأ كتابات محمد عبده، وحاول مراجعة بعض الأسس العقدية والسلوك عند الشناقطة، لكنه جوبه بمقاومة ورفض شديدين خصوصا من قبل شيخه المختار بن بونا الجكني.
الخاتمة:
من كل ما تقدم، يتضح أن المباحث العقدية عند العلماء الشناقطة كانت امتدادا للسياق الثقافي المغاربي العام الذي تأسس بعد نهاية العقود الفكرية الساخنة في المشرق الإسلامي، وبعبارة أخرى، فقد تأسست المنظومة العقدية المغاربية بعد انحسار الفكر المعتزلي واختفاء أطروحاته العقلية الجريئة.
تميز الدرس العقدي في بلاد شنقيط باستناده إلى مدونة شبه ثابتة يتساند فيه التأليف الفقهي مع المنظومات العقدية، وتحكمه مباحث أصولية تمنحه تماسكه المنطقي وقوته الحجاجية.
لقد تأسست المنظومة المعرفية والعقدية على أساس هجرات مجموعة من العلماء القادمين من الشرق أو الشمال الإفريقي، تاركين يعدهم مدونات تعمل على استمرارية مذاهبهم وآرائهم، ومن أبرز هذه المدونات كتب السنوسي إضاءة الدجنة للمقري التلمساني، ومؤلفات أبي بكر المرادي الحضرمي، لكن علماء شنقيط ما لبثوا أن بدؤوا التأليف في مجال العقيدة مقدمين عطاء ينسجم مع البيئة الشنقيطية البدوية، وذلك مع نور الدين محمد بن المبارك بن حبيب الله وأشفغ الأمين بن الفالل ومحمد اليدالي …
امتاز السياق العقدي في شنقيط بالاستقرار والتقليد ولم يعرف هزات قوية إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
سور (حسب ورودها في النص):
- البقرة
- الطلاق
- الأنعام
- الفتح
- الشورى
الحديث
صحيح البخاري
صحيح مسلم
القواميس
الفيروزآبادي: القاموس المحيط
ابن منظور: لسان العرب
مؤلفات العقيدة
- أبي العباس سيد أحمد المقري: إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة
- ابن المبارك، نور الدين محمد : نظم السبعة المطالب
- ابن عاشر، عبد الواحد: المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، مكتبة القاهرة ب ت، القاهرة
- ابن يوسف ، محمد السنوسي:
- العقيدة الصغرى (أم البراهين) وشرحها
عقيدة صغرى الصّغرى
الخليل النحوي: بلاد شنقيط المنارة والرباط،، المظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1987
- محمد اليدالي ألف عقيدته المشهورة ووضع عليها شرحا سماه: فرائد الفوائد في شرح قواعد العقائد
ولد سيدي محمد محمدن: المدرسة الأشعرية في السياق الإفريقي وأثرها في تعزيز التسامح والسلام، مجلة العلماء الأفارقة السنة الأولى العدد 1 – 2019
- ينظر: لسان العرب لابن منظور، باب الدال، فصل العين: 3/196، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، باب الدال، فصل العين، ص: 383. ↑
- الخوارج هي فرقة إسلامية، نشأت في نهاية عهد الخليفة عثمان بن عفان وبداية عهد الخليفة علي بن أبي طالب، نتيجة الخلافات السياسية التي بدأت في عهده تتصف هذه الفرقة بأنها أشد الفرق دفاعا عن مذهبها وتعصبا لآرائها، كانوا يدعون بالبراءة والرفض للخليفة عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والحكام من بني أمية، كسبب لتفضيلهم حكم الدنيا، على إيقاف الاحتقان بين المسلمين. أصر الخوارج على الاختيار والبيعة في الحكم، مع ضرورة محاسبة أمير المسلمين على كل صغيرة، كذلك عدم حاجة الأمة الإسلامية لخليفة زمن السلم. ↑
- المرجئة هم فرقة إسلامية، خالفوا رأي الخوارج وكذلك أهل السنة في مرتكب الكبيرة وغيرها من الأمور العقدية، وقالوا بأن كل من آمن بوحدانية الله لا يمكن الحكم عليه بالكفر, لأن الحكم عليه موكول إلى الله تعالى وحده يوم القيامة, مهما كانت الذنوب التي اقترفها. وهم يستندون في اعتقادهم إلى قوله تعالى )وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). والعقيدة الأساسية عندهم عدم تكفير أي إنسان، أيا كان، ما دام قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين، مهما ارتكب من المعاصي، تاركين الفصل في أمره إلى الله تعالى وحده، لذلك كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقد نشأ هذا المذهب في أعقاب الخلاف السياسي الذي نشب بعد مقتل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وعنه نشأ الاختلاف في مرتكب الكبيرة. فالخوارج يقولون بكفره والمرجئة يقولون برد أمره إلى الله تعالى0 ↑
- المعتزلة فرقة كلامية سنية ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري(80 هـ- 131 هـ) في البصرة في أواخر العصر الأموي، .اعتمد المعتزلة على العقل في تأسيس عقائدهم وقدموه على النقل، وقالوا بأنّ العقل والفطرة السليمة قادران على تمييز الحلال من الحرام بشكل تلقائي. ↑
- ابن عاشر، عبد الواحد: المرشد المعين على الضروري من علوم الدين، مكتبة القاهرة ب ت، القاهرة، ص:1 ↑
- ابن عاشر: مصدر سابق، ص: 3 ↑
- هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي، المعروف بأبي علي الجبائي. شيخ المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره، مؤسس فرقة الجبائية. ولد سنة 235 هـ\849م في مدينة جُبّى في خوزستان، وتوفي في البصرة سنة 303 هـ\916م. ↑
- أبو الحسن الأشعري: ولد بالبصرة عام 260هـ، وتوفي ببغداد عام 324هـ، المنظر الأول لمواقف أهل السنة ومؤسس المذهب المعروف باسمه، بعد أن انشق عن المعتزلة إثر خلاف بينه وبين شيخه. كان يريد أن يقيم مذهبا وسطا يجمع بين منهج المعتزلة العقلاني والفكر السني المعتمد على الرواية والحديث . له مصنفات كثيرة تفوق ثلاثمائة تأليف منها : الرد على المجسمة، ومقالات الإسلاميين، في جزءين، ومقالات الملحدين، والإبانة عن أصول الديانة، وخلق الأعمال، وإمامة الصديق، واللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، وغيرهم. ↑
- أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، والماتريدي نسبة إلى ماتريد، وهي محلة بسمرقند فيما وراء النهر .وكان الإمام الماتريدي والإمام أبو الحسن الأشعري الإمامين الجليلين الذين حررا عقيدة الاشاعرة والماتريدية بالأدلة النقلية والعقلية، وقد لقب الماتريدي بـ”إمام الهدى” و”إمام المتكلمين” وغيره من الألقاب وهي ألقاب تظهر مكانته في نفوس مسلمي عصره ومؤرخيه. ورغم ذيوع اسمه واشتهاره واشتهار فرقة الماتريدية المنسوبة إليه فقد كان المؤرخون الذين كتبوا عنه قلة. ↑
- محمدن ولد سيدي محمد: المدرسة الأشعرية في السياق الإفريقي وأثرها في تعزيز التسامح والسلام، مجلة العلماء الأفارقة السنة الأولى العدد 1 – 2019 ↑
- الخليل النحوي: بلاد شنقيط المنارة والرباط،، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1987، ص: 196 ↑
-
الإمام أبو عبد الله السنوسي هو محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي نسبة لقبيلة بالغرب الجزائري ويلقب أيضاً بالحسني نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه, وهو تلمساني أيضاً نسبة إلى بلدة تلمسان. وهو عالم تلمسان وصالحها، لم يتم تحديد تاريخ ولادته بشكل دقيق إلا إنه من المتفق عليه بين أغلب المؤرخين أنه ولد بعد سنة 830 للهجرة. ↑