سيادة الدول في ظل التحولات الدولية

د. أحمد اسحق شنب محمد1

1 استاذ القانون الدولي العام / جامعة نيالا

بريد الكتروني: shanabahmed53@gmail.com

HNSJ, 2021, 2(11); https://doi.org/10.53796/hnsj21117

تاريخ النشر: 01/11/2021م تاريخ القبول: 23/10/2021م

المستخلص

تتناول الورقة سيادة الدول في ظل التحولات الدولية، وتهدف الورقة لمعرفة مفهوم وأنواع وخصائص السيادة، وأثر التحولات الدولية على سيادة الدول، وعوامل تقلص سيادة الدول، وتستند الورقة على فرضيات تتلخص في: السيادة في القانون الدولي أصبحت نسبية، تقلص مظاهر سيادة الدول في النظام الدولي الجديد، أن العولمة تنتقص من سيادة الدول. تتمثل مشكلة الورقة في التساؤل الرئيس: ما هو أثر التحولات الدولية على سيادة الدول؟ هل أدت التحولات الدولية إلى انتقاص سيادة الدول؟ كيف يؤثر النظام الدولي الجديد على سيادة الدول؟ ما هي مظاهر انتهاك العولمة لسيادة الدول؟ وللإجابة على هذه التساؤلات، تتبع الورقة المنهج الوصفي، والمنهج الاستقرائي، مع استخدام أسلوب الملاحظة والتحليل. توصلت الورقة لعدد من النتائج، منها: أن مبدأ المساواة في السيادة بين الدول المستقلة، المشار إليه في الفقه القانوني، إنما هو مبدأ نظري ويكاد يكون العمل في الغالب والواقع على غير ذلك. أن المجال الخاص للدول يتقلص باستمرار، كلما انخرطت الدول في علاقات منظمة قانونياً مع الأشخاص الآخرين في المجتمع الدولي. وقدمت الورقة بعضاً من التوصيات منها: تعزيز الانتماء للدولة  واحترام سيادتها  من خلال بناء المواطنة السليمة الواعية. التوسع في نظام الحكم الذاتي الداخلي في الدولة، ليشمل كافة أطياف المجتمع، واشتراط الموافقة على نظام الحكم من الجميع دون استثناء.

الكلمات المفتاحية: السيادة، القانون الدولي، التحولات الدولية، النظام الدولي الجديد.

Research Article

Sovereignty of states in light of international transformations

Dr. Ahmed Ishag Shanab Mohmmed

1 Professor of International Law, University of Niyala

Email: shanabahmed53@gmail.com

HNSJ, 2021, 2(11); https://doi.org/10.53796/hnsj21117

Published at 01/11/2021 Accepted at 23/10/2021

Abstract

The paper deals with the sovereignty of states in light of international transformations, and the paper aims to know the concept, types and characteristics of sovereignty, the impact of international transformations on state sovereignty, and factors of diminishing state sovereignty. What is new is that globalization detracts from the sovereignty of states. The problem of the paper is the main question: What is the impact of international transformations on the sovereignty of states? Have international transformations diminished the sovereignty of states? How does the new international order affect the sovereignty of states? What are the manifestations of globalization’s violation of the sovereignty of states? To answer these questions, the paper follows the descriptive approach. And the inductive approach, with the use of the method of observation and analysis. The paper reached a number of results, including: that the principle of equality of sovereignty among independent states, referred to in legal jurisprudence, is a theoretical principle, and work is almost always done, and the reality is otherwise. The private sphere of states is constantly shrinking, as states engage in legally regulated relations with other persons in the international community. The paper presented some recommendations, including: Strengthening belonging to the state and respecting its sovereignty through building sound and conscious citizenship. Expanding the system of internal self-government in the country to include all segments of society, and requiring approval of the system of government by all without exception.

Key Words: sovereignty, international law, international transformations, the new international order.

مقدمة:

السيادة الوطنية تمثل إحدى المواضيع المحورية في الدراسات السياسية والقانونية بصفة عامة، وفي علم العلاقات الدولية بصفة خاصة، فموضوع السيادة كان ولا يزال يحظى بأهمية بالغة في الفكر السياسي والقانوني، ذلك أن السيادة تعد من المحددات المركزية للدولة الوطنية.

فالسيادة الوطنية تعتبر أحد الأركان الجوهرية التي تقوم عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني، فالسيادة مفهوم قانوني وسياسي يتعلق بالدولة باعتبارها تشكل أحد أهم خصائصها وشروطها الأساسية، كما أنها تعد من المحددات السياسية والقانونية للدولة كعضو في المجتمع الدولي، وأيضاً يتجسد بموجبها الاستقلال الوطني للدولة، وكذا مساراتها مع الوحدات السياسية الأخرى المشكلة للنظام الدولي.

غير أن هذه الأركان والركائز المعيارية والساعية لتقديس سيادة الدولة وتعزيز هيبتها، فقدت كثيراً من صلابتها في ظل التحولات الدولية الراهنة التي عرفها عالم ما بعد الحرب الباردة، وخاصةً في ظل بروز قضايا جديدة على أجندة السياسة العالمية كمكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تنامي ديناميكيات التعاون الدولي التي تحولت تدريجياً إلى عولمة معقدة التركيبة، ومتعددة الفواعل ومركبة المضامين والأهداف.

فضلاً عن ظهور معايير تأسيسية جديدة ذات أبعاد جوهرية باعتبارها متمحورة حول الإنسان، وما ترتب عليها من إقرار مفاهيم جديدة كالأمن الإنساني، والحماية الدولية لحقوق الإنسان، وحق التدخل الإنساني والديمقراطي، الأمر الذي أدى إلى تفكيك القيم التي أسستها القواعد الآمرة للقانون الدولي، كمبدأ السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

يتم تناول السيادة الوطنية، في هذه الورقة، التي باتت تواجه وضعاً خطيراً، والواضح في العمل على تقليص وانكماش نطاق السيادة، ونقلها من مفهومها المطلق إلى المفهوم المرن أو النسبي، لتكون السيادة في ظل القانون الدولي المعاصر في حدها الأدنى، وذلك من واقع بعض الذرائع المستحدثة في بعض القيود التي تتيح التدخل في شؤون الدولة الداخلية، كالقول بانعدام الديمقراطية أو عدم احترام حقوق الإنسان فيها، وهذا ما حمل بعض الباحثين والمحللين السياسيين، بالحديث عن زوال أو اختفاء ظاهرة السيادة الوطنية، وهو حكم يراه البعض الأخر مبالغاً فيه، إلا أن هناك اتفاقا على خطورة ما جل بالسيادة الوطنية للدول المتوسطة، والنامية بصفة خاصة.

بناء عليه يتم تناول هذا الموضوع من خلال تقسيم الورقة إلى المحاور التالية:

أولاً: مفهوم ومظاهر وخصائص السيادة. ثانياً: ممارسة السيادة في ظل القانون الدولي المعاصر. ثالثا: السيادة في ظل النظام الدولي الجديد. رابعاً: أثر العولمة في اختراق السيادة الوطنية. خامساً: مستقبل السيادة الوطنية.

أولاً: مفهوم ومظاهر وخصائص السيادة.

تعد السيادة الوطنية من المقومات الأساسية التي يقوم عليها صرح القانون الدولي المعاصر، كما يُعد مفهومها من المفاهيم المهمة التي اهتم بها فقهاء القانون، وباحثوا السياسة على قدم المساواة، وذلك منذ أن جاء به المفكر الفرنسي جان بودان، عام 1576م، في كتبه الستة عن الدولة، وقد برزت فكرة السيادة بمستوياتها المتعددة منذ ظهور المجتمعات البشرية الأولى، إلا أنها عرفت عدة تطورات عبر مختلف العصور([1]).

مفهوم السيادة:

يقوم مفهوم السيادة على سلطة الدولة المطلقة في الداخل واستقلالها في الخارج، وأن الدولة تمتلك سلطة الهيمنة فوق إقليمها وأفرادها، وأنها مستقلة من أي سيطرة خارجية، وأن السيادة هي أعلى درجات السلطة، أما الحكومة فهي السلطة التي تمارس السيادة في الدولة لحفظ النظام، وتنظيم الأمور داخلياً وخارجياً، والحكومة كبناء، هي أجهزة ومؤسسات الحكم في الدولة، وتقوم بوضع القواعد القانونية، وتنفيذها، وتفصل في نزاعات الأفراد، مشتملةً على أعمال التشريع والتنفيذ والقضاء([2]).

تعريف السيادة لغة:

السيادة لغةً: من سود، ويقال: فُلان سَيِّد قومه إذا أُريد به الحال، وسائِدُ إذا أُريد به الاستقبال، والجمع سَادَةٌ، ويقال: سادهم سُوداً سُودُداً سِيادةً سَيْدُودة استادهم كسادهم وسوَّدهم هو المسُودُ الذي ساده غيره، فالمُسَوَّدُ السَّيّدُ. والسَّيِّدُ يطلق على المالك والشريف والفاضل والكريم والحليم والزوج والرئيس والمقدَّم، وأَصله من سادَ يَسُودُ فهو سَيْوِد، والزَّعامة السِّيادة والرياسة. وخلاصة المعنى اللغوي للسيادة أنها تدل على المُقدم على غيره جاهاً أو مكانة أو منزلة أو غلبة، وقوة ورأياً وأمراً([3]).

تعريف السيادة اصطلاحاً:

تأخذ السيادة مفهوم السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب المُلزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال([4]). كما تعني امتلاك الدولة السلطة  العليا والهيمنة المطلقة والتحكم الكامل على وفي أرضها ورعاياها ومؤسساتها وخياراتها ومواقفها، وأن تكون مستقلةً عن أي سلطان آخر سواءً كان داخليا أو خارجيا، وأن تكون لها الكلمة العليا والوحيدة في جميع ما تقوم به من أعمال، وأن لا تعلو عليها أية سلطة أو أي هيكل أو كيان آخر([5]).

والتعريفات السابقة متقاربة، ولعل أشملها لمفهوم السيادة اصطلاحاً، هو التعريف الأخير، لوصفه السيادة بأنها سلطة عليا ومطلقة، وإفرادها بالإلزام، وشمولها بالحكم لكل الأمور، والعلاقات سواءً التي تجري داخل الدولة أو خارجها.

بهذا يمكن القول بأن السيادة هي اصطلاح قانوني، يعبر عن صفة من له السلطة، وهو لا يستمد هذه السلطة إلا من ذاته، ولا يشاركه فيها غيره، والسيادة أشمل من السلطة، إذ أن السلطة هي ممارسة السيادة، ويعتبر الكاتب الفرنسي جان بودان أول من وضع تحديداً لمفهوم السيادة، حين قال: إنها السلطة العليا المعترف بها، والمسيطرة على المواطنين والرعايا دون تقييد قانوني، ما عدا القيود التي تفرضها القوانين الطبيعية والشرائع السماوية([6]).

هناك بعض التعريفات المختلفة، التي قدمها فقهاء القانون ورجال السياسة، منها:

تعريف جون أوستن: بأن السيادة تقوم على فكرة القانون الطبيعي مفادها وجود رئيس أعلى في الدولة لا يطيع أحد، بل يفرض هو طاعته على الجميع، وهذا الرئيس هو صاحب السيادة في المجتمع([7]).

تعريف توماس هوبز: مؤسساً فكرته في السيادة على الإنسان، وذلك بأنه، مصلحي وذاتي التفكير ولا يحافظ على عهوده وعقوده ولا يطيع قوانين المجتمع إذا لم ينسجم ذلك مع مصالحه، ومن هنا فقد نشأت الحاجة إلى سلطة عليا تستطيع أن تفرض النظام والسلم الاجتماعي على مجموعات قد لا تتجه نحو العيش بسلام وانسجام مع بعضها البعض، وبالتالي فإن سلطة الدولة وسيادتها ضرورية للبقاء، ولا يمكن نقض العقد الاجتماعي الأصيل الذي تضمن التنازل عن الحقوق الطبيعية لصالح الدولة، ولأن الحاجة لمثل هذا التنازل، ضرورة مستمرة لضمان السلم الاجتماعي والحياة الجيدة([8]).

– تعريف مصطفى أبو زيد فهمي: بأنها السلطة الأصلية التي تنبع سائر السلطات الأخرى منها، وهي لا تنبع من أي منها لأنها الأصل([9]).

تعريف محكمة العدل الدولية في قضية مضيق كورفو عام 1949م، المتلخص في أن، السيادة بحكم الضرورة هي ولاية الدولة في حدود إقليمها ولاية انفرادية ومطلقة، وأن احترام السيادة الإقليمية فيما بين الدول المستقلة يعد أساساً جوهرياً من أسس العلاقات الدولية([10]).

بناءً على ما تقدم، يمكن القول أن السيادة تعتبر المميز الرئيسي للسلطة السياسية للدولة، ولأهمية هذا المميز، فقد انتقل من كونه صفة إلى اسم، فبدلاً من القول السلطة السياسية ذات السيادة أصبح الحديث عن سيادة الدولة، ليُقصد بها نفس المضمون: استقلالية الدولة وعدم خضوعها لأي سلطة أخرى.

مظاهر سيادة الدولة:

تتمثل سيادة الدولة في مظهرين، هما([11]):

أ. المظهر الخارجي: يكون بتنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى في ضوء أنظمتها الداخلية، وحريتها في إدارة شؤونها الخارجية، وتحديد علاقاتها بغيرها من الدول، وحريتها بالتعاقد معها، وحقها في إعلان الحرب أو التزام الحياد. فالسيادة الخارجية للدولة، هي مرادفة للاستقلال السياسي، ومقتضاها عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لأية دولة أجنبية، والمساواة بين جميع الدول أصحاب السيادة، فتنظيم العلاقات الخارجية يكون على أساس من الاستقلال، وهي تعطي الدولة الحق في تمثيل الأمة والدخول باسمها في علاقات مع الأمم الأخرى، وأن هذا المظهر لا يعني أن تكون سلطتها عليا، بل المراد أنها تقف على قدم المساواة مع غيرها من الدول ذات السيادة، ولا يمنع هذا من ارتباطها وتقييدها بالتزامات أو معاهدات دولية مع غيرها من الدول.

ب. المظهر الداخلي: يكون ببسط سلطانها على إقليمها وولاياتها، وبسط سلطانها على كل الرعايا، وتطبيق أنظمتها عليهم جميعاً، ولا ينبغي أن يوجد داخل الدولة سلطة أخرى أقوى من سلطة الدولة، وينبغي أن تكون سلطة الدولة على سكانها سامية وشاملة، وألا تعلو عليها سلطة أخرى أو تنافسها في فرض إرادتها.

وكِلا المظهرين في الدولة مرتبط بالآخر، فسيادتها الخارجية هي شرطاً لتحقيق سيادتها الداخلية.

خصائص سيادة الدولة:

تتلخص خصائص سيادة الدولة فيما يلي:

  • سيادة شاملة وهي التي تطبق على جميع المواطنين في الدولة، ومن يقيم في إقليمها أي بمعنى شمول السيادة للإقليم وما عليه من أشخاص وجمعيات وأموال وثروات، باستثناء ما يرد في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مثل: الدبلوماسيين، وموظفي المنظمات الدولية، ودور السفارات، الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية([12]).
  • سيادة لا يمكن التنازل عنها وهي أن الدولة لا تستطيع أن تتنازل عن السيادة، لأنها إذا تنازلت عنها فقدت ذاتها، فالدولة والسيادة مفهومان متلازمان ومتكاملان لا يجوز التصرف فيهما([13]).
  • سيادة مطلقة بمعنى أنها أعلى صفات الدولة، ويكون للدولة بذلك السلطة على جميع المواطنين، ولا مكان لسلطة أخرى منافسة أو معارضة، إلا أن هذا الإطلاق الذي كان خاصية أساسية في سيادة الدولة في الفقه التقليدي بدأ يخضع لقيود كثيرة سواءً في المجال الداخلي أو المجال الخارجي، ويرجع ذلك إلى ما يسود الدولة المعاصرة من مبدأ سيادة القانون، والذي تحولت بمقتضاه الدولة من دولة استبدادية إلى دولة قانونية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن سيادة الدولة تتأثر وتتغير بناءً على التطورات والتحولات التي تطرأ على مستوى العلاقات الدولية، لأن الملاحظ أن هذه الظواهر الجديدة مثل العولمة، والنظام الدولي الجديد، والتدخل الدولي، وغيرها، أضحت تشكل خطراً وعائقاً حقيقياً للسيادة الوطنية([14]).
  • سيادة دائمة وهي التي تدوم بدوام قيام الدولة، والعكس أيضاً صحيح أي بمعنى أن بقاء السيادة مرتبط ببقاء الدولة، وانتهاؤها بانتهاء الدولة، والسيادة تكون شبيهة بحرية الفرد التي لا تنتهي إلا بانتهائه.
  • سيادة غير قابلة للتقادم بمعنى أن السيادة لا تسقط حتى لو توقف العمل بها لمدة معينة، سواءً كانت هذه المدة طويلة أو قصيرة، كما في حالة الدول المستعمرة سابقاً، والتي عادت عن طريق مبدأ الانبعاث أي بمعنى بعد نيلها الاستقلال([15]).
  • سيادة لا تتجزأ بمعنى أنه لا يوجد في الدولة الواحدة سوى سيادة أو سلطة عليا واحدة، والتي الا يمكن تجزئتها، وذلك مهما كان النظام الدستوري أو الإداري لهذه الدولة، فسواءً أكانت دولة موحدة أو اتحادية، أو كانت تتبع نظام اللامركزية أو نظام المركزية الإدارية، فإنها ذات سيادة واحدة، وقد أثير موضوع تجزئة سيادة الدولة بمناسبة الصلاحية التي تم إعطاؤها للمنظمات الدولية التي تتخذ قرارات في بعض المسائل التي تدخل أساساً في نطاق السيادة والسلطان الداخلي للدولة، وقد ذهب معظم الفقهاء إلى أن السيادة لا تتجزأ، ومصدر مبدأ عدم التجزئة يعود إلى كون السيادة متلازمة مع شخصية الدولة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون في هذه الحالة مجرد توزيع اختصاصات تمارس تطبيقاً للسيادة، حيث تعاقدت الدول على منح المنظمة الدولية اختصاصات لكي تمارسها داخل حدودها بإرادتها ورضاها، ودون أن يمثل ذلك انتهاكاً لسيادتها([16]).

بيد أن قضية التجزئة الخاصة بسيادة الدولة ترتبط بمبدأين أساسيين، هما:

  1. مبدأ عدم قابلية السيادة للتنازل عنها، وقد كان جان جاك روسو، أول المفكرين الذين ذكروا فكرة عدم تنازل الشعب عن سيادته في كتابه العقد الاجتماعي، حيث ذكر أن السيادة ليست إلا تعبيراً عن الإرادة العامة، ويمتنع على الأفراد التنازل عنها، لأن هذا التنازل يؤدي بشكل قهري إلى زوال الإرادة، فحين تزول الإرادة تنعدم الشخصية القانونية، وتنعدم معها السيادة([17]).
  2. يرتبط مبدأ وحدة السيادة وعدم تجزئتها بمبدأ عدم إمكانية نقل السيادة وعدم إمكانية تفويضها والتفويض يُقصد به التوكيل أي بمعنى أن المفوض يفوض إلى المفوض إليه بعض الصلاحيات، ويبقى للمفوض الحق في العدول عن قراره وممارسة الصلاحيات التي تم تفويضها مباشرة دون الرجوع إلى المفوض إليه، وهو ما يختلف عن التنازل الذي يعني الترك النهائي، وبالتالي زوال صفة المتنازل عن ممارسة الحقوق موضوع التنازل، والتفويض لا يمكن أن يتناول أساس الحق، بل تطبيقاته ونتائجه العملية، وكل تنازل للدولة عن سيادتها هو باطل ومستحيل لأن السيادة لا يمكن تفويضها، ولأن التفويض يُعد في هذا المقام كالتنازل يفقد الدولة إرادتها وشخصيتها([18]).

ثانيا: ممارسة السيادة في ظل القانون الدولي المعاصر

من قبيل الصحيح أنه لا يوجد سلطة أعلى من السيادة، ولكن تبقى السيادة في إطار القانون الدولي المعاصر مرهونة بعدة تطورات للمجتمع الدولي، ولذلك فإن السيادة، يتطور مضمونها ومجالها تبعاً لتلك التطورات في إطار العلاقات الدولية، وهذا ما يحد أحياناً من ممارسة السيادة في بعض المجالات، الأمر الذي يجعل للسيادة حدود في إطار القانون الدولي، وتختلف هذه القيود من ظرف إلى آخر، ومن زمن لآخر، ومن بين هذه القيود، قيد السيادة في ظل فكرة التضامن الدولي.

يشكل التضامن الدولي مرحلة فاصلة في الانتقال من حياة العزلة أو الفوضى الدولية إلى مرحلة التجمع وانتظام العلاقات الدولية، وقد بدأت أفكار التضامن الدولي عند الفلاسفة الأوائل في الشرق والغرب على حد سواء، وأخذت مداها العملي مع الاتحادات الدولية لتحقيق بعض المصالح المشتركة، وتنظيمها وصولاً إلى الفاصل التاريخي الأهم المنشئ لعصبة الأمم، ومنها إلى الأمم المتحدة، فقد أفرز واقع العلاقات الدولية استحالة فكرة الاكتفاء الذاتي للدولة، وإمكانية العيش بمعزل عن المجتمع الدولي([19]).

وقد أجبر واقع الحاجات المتنامية للدول على تجاهل دعاتها بالسيادة المطلقة، والتنازل عن مبدأ التمسك الجامد بالاختصاصات الحصرية في عدة مجالات لأجل تحقيق غايات تسد هذه الحاجيات، ونتج عن ذلك تداخل علاقات الدول مع بعضها البعض، وقد عبر الفقه الدولي عن هذا التداخل بالتضامن الدولي، وهو يمثل ذلك الإسهام في عمل مشترك يفترض تعدد القائمين بالعمل، ويكون ثمرة لرغبة عدد من القوى([20]).

هذا ما أثبتته التحديات الدولية الراهنة، أن أي اختلاف أمني أو سياسي أو حتى اقتصادي في دولة ما، قد يؤثر بصورة أو بأخرى في دولة أخرى في نطاق المجتمع الدولي، فهناك العديد من المشاكل في عدة مجالات التي لا يوجد لها حل إلا بتضامن من المجتمع الدولي كافة، لأجل الحفاظ على استقراره، وهذه الحاجات تحولت إلى مطلب التزم به الحاكم السياسي ونفذه من خلال عمل قانوني، يحدد التزامات الدول المتضامنة ويبين حقوقها، وللتضامن الدولي عدة نماذج، كمجلس الأمن الدولي، والذي تأسس على فكرة التضامن الدولي، لتحقيق الأمن الجماعي بصورة موحدة لمجموعة الدول على فرض عدم انقسام الأمن أو تجزئته، ويكون بذلك نتاج مصلحة دولية مشتركة، ولتحقيق هذا الأمن الجماعي يحتاج الأمر إلى منظمات دولية وأفضل جهاز يقوم بهذا الأمر هو مجلس الأمن، ولكنه في إطار ممارسته لنشاطاته في سبيل ضمان الأمن الجماعي فإنه يصطدم بالسيادة الوطنية واختصاصها الداخلي([21]).

بيد أن مجلس الأمن أخذ يباشر اختصاصه في جميع المسائل التي يراها من زاويته، المتعلقة بحفظ الأمن والسلم الدوليين، كما أن قيد احترام سيادة الدول لم يعد له وجود في إطار سلطات مجلس الأمن، ذلك لأن مبدأ حفظ السلم والأمن الدوليين واحترام حقوق الإنسان أسمى وأعلى من مبدأ احترام السيادة، وهذا نظراً للتصور القائم وقت صياغة ميثاق الأمم المتحدة، كمنظمة أمنية بالدرجة الأولى تهدف إلى توفير آلة دولية تمنع تكرار الحروب بين الدول عن طريق تطبيق نظام الأمن الجماعي والتزام الدول بتنفيذ قرارات مجلس الأمن.

بهذا يتضح أن نطاق السيادة قد تراجع وتقلص أمام التطورات الدولية الراهنة من صيغته المطلقة إلى النسبية، بحيث أصبح وسيلة لا غاية، ويعمل على تحقيق الخير العام الداخلي والدولي، على اعتبار أن الإنسان هو الهدف الأسمى له، بحيث لم تعد السيادة مسوغاً لانتهاك حقوق الإنسان، لاسيما وأن الدولة ملتزمة في ممارستها لمظاهر سيادتها بالقانون الدولي، وما يتضمنه من التزامات تفرض عليها احترام حقوق الإنسان وكرامته، وبذلك ظهرت فكرة تدويل حقوق الإنسان أي بمعنى إخراجها من الاختصاص الداخلي للدول وجعلها في إطار الاختصاص الدولي، وكانت لهذه التطورات انعكاسات على السيادة الوطنية([22]).

ثالثاً: السيادة في ظل النظام الدولي الجديد

لقد أصبح القانون الدولي في ظل النظام العالمي الجديد، إحدى أدوات اختراق حرمة الاختصاص الداخلي والوسيلة المثلى للحد من السيادة، وقد كتب براين أوركارت، تحت عنوان، تألم السيادة: (إن الكثير من التطورات في عصرنا أصبحت تتحدى مصداقية مبدأ سيادة الدولة، ونحن نعيش اليوم مرحلة نمو الاعتماد المتبادل الشامل، ذلك أن الاهتمام بآلام الإنسانية وبحقوق الإنسان كان عادة ما يتوقف في الماضي عند الحدود)([23]).

انطلاقا من مبدأ سيادة الدولة، يأتي المبدأ المصاحب والمكمل لسيادة الدولة وهو مبدأ عدم التدخل، غير أن القضية الجوهرية تبقى معرفة ماهية الشؤون الداخلية والتي يعبر عنها أيضاً بالمجال المحفوظ، ولتحديده فقد عرفه الفقه الدولي بأنه: ذلك الذي تكون فيه أنشطة الدولة أو اختصاصاتها غير مقيدة بالقانون الدولي، وينتج عن هذا التعريف مسألة في غاية الأهمية، وهي أن المجال الخاص للدولة يتقلص كلما توسعت الالتزامات ذات الطبيعة التعاقدية أو العرقية([24]).

وبزيادة التعاون الدولي يمكن القول أن المجال الخاص للدول يتقلص باستمرار كلما انخرطت الدول في علاقات منظمة قانونياً مع الأشخاص الآخرين في المجتمع الدولي، كالتزامها بالاتفاقيات المتعددة الأطراف سواء فيما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، أو حفظ السلام أو تحقيق مبادئ الاعتماد المتبادل، وعادة ما تكون الدولة مضطرة بمقتضى التزامها الى التنازل عن بعض الاختصاصات التي كانت تندرج سلفا ضمن المجال المحفوظ، وذلك لفائدة مؤسسات دولية أو تنظيمات إقليمية، وهي في هذه الممارسة لا تنقص في الواقع من سيادتها بقدر ما تعبر عن تلك السيادة([25]).

ويتبين من مراجعة أحكام القضاء الدولي أن هناك اتجاها لترجيح علو القانون الدولي على القانون الداخلي، ففي حكمها الصادر بتاريخ 18 ديسمبر1951 في قضية المصائد، ذهبت محكمة العدل الدولية إلى أن حجية تحديد البحر الإقليمي بالنسبة للغير، إنما تنبع من القانون الدولي العام، وفي حكمها الصادر في 27 يناير 1952م، بشأن حقوق ومصالح رعايا الولايات المتحدة الأمريكية في المغرب، أعلنت أن القوانين الصادرة في المغرب سنة 1948م، تتعارض مع القانون الاتفاقي السابق عليها([26]).

كما أن العديد من القضايا المرتبطة بالبيئة والصحة والاقتصاد التي كانت تحسم في إطار الاختصاص الداخلي لكل دولة أو حتى في الإطار الإقليمي، أصبحت أهم تلك القضايا اليوم تتجاوز حدود الدول مثل حماية البيئة وندرة المياه واستفحال المجاعة والأمراض الفتاكة، وتوحيد الجهود بشأن هذه القضايا ومثيلاتها أصبح يفترض اتخاذ تدابير لن تكون فعالة إلا إذا اتخذت بشكل جماعي.

من جهة أخرى قدم كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، في المشروع الذي طرحه على الجمعية العامة في دورتها الـ54، اعتبار أن السيادة لم تعد خاصة بالدولة القومية التي تعتبر أساس العلاقات الدولية المعاصرة ولكن تتعلق بالأفراد أنفسهم، وهي تعني الحريات الأساسية لكل فرد والمحفوظة من قبل ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي فهو يدعو إلى حماية الوجود الإنساني للأفراد، وليس حماية الذين ينتهكونها، وبهذا الطريق يكون قد أزال العقبات أمام المنظمات الدولية لكي تباشر أعمالها في مشروع التدخل لوقف انتهاكات حقوق الإنسان دون تفويض من الأمم المتحدة([27]).

التدخل الإنساني وإشكالية السيادة:

التدخل الإنساني أو التدخل لأغراض إنسانية، هو مفهوم قديم حديث في آن واحد، وظهر هذا المفهوم في إطار ما عرف بحماية حقوق الأقليات وبعض الجماعات العرقية الأخرى، وكان ذلك بالتقريب في منتصف القرن التاسع عشر([28]).

تم النظر إلى مبدأ التدخل الإنساني في ذلك الوقت باعتباره إحدى الضمانات الأساسية التي ينبغي اللجوء إليها لكفالة الاحترام الواجب لحقوق الأفراد الذين ينتمون إلى دولة معينة ويعيشون- على الرغم من ذلك- على إقليم دولة أخرى([29]).

أما الآن، وبالتحديد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام منظمة الأمم المتحدة، فقد أضحت المسألة الخاصة بالحماية الدولية لحقوق الإنسان- بصرف النظر عن الانتماءات الوطنية أو العرقية أو الدينية أو السياسية أو غيرها- تمثل أحد المبادئ الأساسية للتنظيم الدولي المعاصر.

وإذا كانت الضمانات الدولية لحقوق الإنسان التي قررتها المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات- الصلة- ومنها الضمانة المتمثلة في إمكان تدخل المجتمع الدولي لكفالة الاحترام الواجب لهذه- الحقوق- قد ظلت كمبدأ عام، بعيدة عن مجال التطبيق الفعلي خلال العقود الأربعة الأولى من حياة الأمم المتحدة، فإن المشاهد هو أن الضمانة المتعلقة بإمكانية التدخل الإنساني، قد أضحت مؤخرا على قائمة الإجراءات التي يلجأ إليها لفرض مثل هذا الاحترام.

وقد أصدرت الجمعية العامة في عام 1988م، القرار 131/43 المتعلق بالمساعدة الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية والحالات الاستعجالية المشابهة. وقد اعتبرت الأمم المتحدة ضمن هذا القرار، أن بقاء الضحايا بدون مساعدة يمثل تهديداً لحياة الإنسان ومساسا بالكرامة الإنسانية([30])، ومن ثم فإن الاستعجال يحتم سرعة التدخل مما يجعل حرية الوصول إلى الضحايا شرطاً أساسياً في تنظيم عمليات الإسعاف، وهذا يقتضي أن الوصول إلى الضحايا لا ينبغي أن تعرقله لا الدولة المعنية ولا الدول المجاورة، إلا أن القرار أكد على السيادة والوحدة الترابية والوحدة الوطنية للدول، كما اعترف بأنه يقع على عاتق الدول أن تعتني بضحايا الحوادث الطبيعية والحالات المشابهة التي تقع فوق إقليمها.

إن التدخل الإنساني لا يؤثر بشكل كبير على السيادة عندما يقتصر على التزويد بالمواد الغذائية والطبية أو حتى إيفاد بعض المدنيين لمعالجة أوضاع الكوارث المستعصية، إلا أن الأمر يختلف عندما يتعلق بتدخل قوة مسلحة لمنع بعض خروق حقوق الإنسان([31]).

في هذا المنحى، شكلت حرب كوسوفو مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، فقد أدت إلى إعادة تشكيل النظام الدولي، أو الدخول على العكس من ذلك في مرحلة جديدة من الفوضى في العلاقات الدولية.

تذرع قادة حلف شمال الأطلسي بأن حرب كوسوفو هي حرب أخلاقية لأن الهدف منها هو القضاء على سياسة التطهير العرقي في كوسوفو بهزيمة الرئيس الصربي، ولأنه يتعين منع الحكام الدكتاتوريين من ارتكاب الأعمال الوحشية حتى يستمروا في السلطة، لكن الحرب الأخلاقية مفهوم نسبي ينطوي على ازدواجية المعايير، فالحلف الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية لم يفكرا بالتدخل في بلدان أخرى رغم وجود اعتبارات مماثلة.والأمثلة على ذلك عديدة ومنها إبادة الجنس البشري بأبشع الصور في رواندا وسيراليون وليبيريا وأنغولا والكونغو الديمقراطية. ولا يكترثان لما حل ويحل ببعض الشعوب من تدمير وتشتيت كالشعب الفلسطيني المحتل([32]).

غير أن حرب كوسوفو وإن تم تبريرها بوقف انتهاكات النظام الصربي لحقوق الإنسان في كوسوفو، فإن الهدف الحقيقي منها هو تتبيث أوضاع معينة وفرض ترتيبات محددة في إطار تكريس التفوق الغربي الشامل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وباتجاه بلورة دور جديد لحلف شمال الأطلسي يجعل منه مؤسسة عالمية.
فقد تصاعدت وتيرة المناداة بإعادة تقويم التدخل العسكري خاصة بعد تدخل الحلف الأطلسي في كوسوفو دون موافقة مجلس الأمن، وعقدت مؤتمرات ودراسات عديدة حول الأمر، بما في ذلك قيام مكتب الأمين العام للأمم المتحدة عام 2000م، بإجراء مشاورات موسعة حول وضع أسس سليمة للتدخل العسكري بواسطة الأمم المتحدة، ومطالبة كوفي عنان، المجتمع الدولي للتوافق من جديد على تعريف التدخل الإنساني وتحت مسؤولية أية جهة والكيفية التي يتم بها ذلك([33]).

وبمبادرة من الحكومة الكندية تم تكوين اللجنة الدولية حول التدخل والسيادة الوطنية، المكونة من شخصيات دولية من مختلف أنحاء العالم. قدمت اللجنة تقريرها ونشرته في ديسمبر 2001م، ورحب به الأمين العام للأمم المتحدة كوثيقة مهمة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. ويشير التقرير إلى أن الاعتبار الأساسي ينبغي أن يكون مسؤولية (توفير الحماية) وليس (حق التدخل)، مما يضع القرار في إطار حاجات وحقوق المواطنين، بدلا عن مصالح أو خلافات الدول. وتشمل مسؤولية توفير الحماية ليس فقط التدخل، بل منع الانتهاكات من الوقوع، ومسؤولية إعادة البناء، وخلصت اللجنة إلى أن التدخل العسكري ينبغي أن يكون إجراءاً استثنائياً يتم اللجوء إليه فقط في الانتهاكات الجسيمة التي تتسبب في وقوع أذى بالغ الخطورة أو ترجح وقوعه، كالقتل الجماعي بنية الإبادة أو نتيجة فعل الدولة أو عجزها أو إهمالها أو التطهير العرقي واسع النطاق سواء عن طريق القتل أو الترحيل القسري أو الإرهاب أو الاغتصاب([34]).

خرق السيادة بدعوى مكافحة الإرهاب:

للحرب على الإرهاب ثلاثة أبعاد ظاهرة، بعد قيادي، إذ أنها حرب تخوضها الولايات المتحدة بشراسة كبيرة من أجل قيادة العالم على أساس الزعامة الأمريكية الأحادية، وبعد انتقامي من حيث أنها تنطوي على الانتقام الأمريكي للمذلة والهوان الناتج عن هجمات 11 سبتمبر 2001م، ولهذه الحرب أيضا بعد وقائي بسبب تحويل الحرب ضد القاعدة في أفغانستان إلى حرب وقائية أو استباقية([35]).

أثارت أحداث 11 سبتمبر 2001م، تساؤلات عديدة حول مسألة التدخل بدعوى مكافحة الإرهاب إثر الهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك اليوم ارتأت أمريكا أنها تعتبر نفسها في حالة حرب بسبب الاعتداء الذي وقع عليها، وأنها ستقوم بالرد دفاعا عن نفسها، غير أن أحد فقهاء القانون الدولي، وهو في ذات الوقت عضو ورئيس سابق للجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، سارع إلى القول بعد أيام معدودة على وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 بأن الأمر لا يتعلق بالحرب([36]).

لذلك فإن هذه الهجمات باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها تشكل بدون شك تهديدا للسلم والأمن الدوليين كما أكدت ذلك قرارات مجلس الأمن([37])، لكن على الرغم من تصنيف الإرهاب في خانة تهديد السلم والأمن الدوليين، وإبداء المجلس استعداده لاتخاذ كافة الترتيبات للرد على أحداث 11 سبتمبر ومحاربة الإرهاب، لم يقم المجلس نفسه بمباشرة إجراء محدد بموجب الفصل السابع، إذ يقتضي ذلك بالضرورة تحديد الجهة- الدولة- التي ينبغي أن توجه ضدها إجراءات القمع، الأمر الذي لم يكن متاحا بالنسبة للمجلس، حتى وإن كان تنظيم القاعدة هو الجهة التي وجهت إليها أصابع الاتهام، فلم يثبت أن حكومة طالبان وأفغانستان- الدولة- هي الجهة التي تقف وراء العدوان. غير أن تأكيد القرار على حق الدول في ممارسة حق الدفاع عن النفس، ترك الباب مفتوحا لتبرير ما أعلنته الولايات المتحدة عن الحرب على الإرهاب بالأسلوب الذي ارتأته، وفي هذا يمكن القول أنه على الرغم من نص القرار على مبدأ ممارسة حق الدفاع عن النفس، ينبغي أن يكون بموجب الميثاق([38]).

غير أن العمليات العسكرية للولايات المتحدة المنفردة أو بالاشتراك مع القوت المسلحة التابعة للدول الأخرى في التحالف العسكري ضد الإرهاب، لم تخضع لأي تحديد زمني أو لأي رقابة من قبل مجلس الأمن، وهما شرطان جوهريان من شروط الدفاع الشرعي بحسب مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة.

إن الحرب على الإرهاب هي حرب أمريكية الأهداف والمصالح، وتكاد تكون حربا صليبية جديدة بالمفهوم التاريخي للحرب، وتستند إلى تبريرات تهدم المكاسب التي حققها القانون الدولي منذ إنشاء الأمم المتحدة، وهي مكاسب توصف بأنها مبادئ قانونية عالمية، كالمبادئ المتعلقة بتحريم استخدام القوة واحترام السيادة والاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للدول ومبدأ عدم التدخل([39]).

لقد تم إضفاء صفات الحرب العالمية على الحرب الجديدة ضد الإرهاب. وحسب تعبير وزير الدفاع الأمريكي -الأسبق- دونالد رامسفيلد، لن تنتهي هذه الحرب باحتلال منطقة أو بانهزام قوة عسكرية معادية، لأنها تتطلب عملية ضبط سياسي وأمني واستخباري على المدى الطويل وتحقيق الشفافية في الأنشطة السياسية والاقتصادية والمالية لجميع الدول([40])، وهو ما يعني تجاوز جميع المكتسبات التي حققها مبدأ السيادة القانونية للدول وخاصة المستضعفة منها، على امتداد قرون عديدة بوصفه ركنا جوهريا في القانون الدولي.

إن الحرب على الإرهاب هي سابقة خطيرة في العلاقات الدولية من حيث إنها تعطي الولايات المتحدة وحلفائها فرصة ابتداع شرعية دولية جديدة موازية وبديلة عن شرعية الأمم المتحدة، فهذه الشرعية الجديدة المزعومة ستفتح الباب على مصراعيه أمام أي تدخل بدعوى الدفاع عن المبادئ أو المحافظة على المصالح تحت ذريعة محاربة الارهاب، وفي التواجد الدائم في منطقة مصالح حيوية وإستراتيجية بالنسبة لأية مواجهة محتملة مع القوى الكبرى الأخرى كروسيا والصين أو مع القوى الإقليمية المجاورة كإيران وباكستان واافغانستان، وهي بالإضافة إلى ذلك مقاربة تنطوي على صياغة جديدة لمبدأ التدخل الذي تتحصن وراءه الدول الصغيرة لحماية سيادتها الوطنية واستقلالها، وبحيث يتم إضفاء المشروعية على التدخل الجماعي من خلال استثناء الحرب على الإرهاب من قاعدة تحريم استخدام القوة، ومن الخضوع للقيود والضوابط التي يفرضها القانون الدولي وذلك بدعوى ممارسة الحق في الدفاع الشرعي بصورة جماعية.

ادوات النظام الدولي الجديد التي تمس بسيادة الدوله:

من خلال ما سبق تناوله، يمكن القول أن سيادة الدول في ظل النظام الدولي الجديد، قد تراجعت وتقلصت، بسبب توافر مفاهيم وأدوات جديدة متمثلة في:

أ. مكافحة الارهاب: بات الارهاب حصان طروادة الذي تستخدمه بعض الدول للتدخل بشؤون الدول الاخرى، وضرب سيادتها ، خاصة انه للان لا يوجد تعريف واضح ومتفق عليه  للإرهاب، وقد كثرت مؤخرا  صور التدخل بسيادة الدول تحت ذريعة الارهاب.

ب. احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية: هناك اتجاه متنامي في وضع الاتفاقيات والضمانات التي تحفظ هذه الحقوق في العالم، حتى باتت جانب مهم من جوانب تدخل المنظمات والدول في سياسات وسيادة دول العالم، ولعل موضوع حقوق الانسان والحريات من بين المواضيع الحساسة والتي تلاقي صدى في ارجاء العالم وتستطيع ان تكسب تضامن دولي مع قضاياها، وهنا لابد من الإشارة الى دور الدولة أو النظام في هذا الجانب، اذ ان الأنظمة التي لا تحترم حقوق مواطنيها ولا تحقق الحريات الاساسية لهم، وتعطي المجال للمؤسسات الدولية وباقي الدول ان تتدخل بشؤنها وتفرض عليها الشروط والعقوبات([41]).

ج. الشركات عابره القارات: والتي تشكل اليوم قوة اقتصادية عظمى، فإنتاجها يزيد بمعدل يبلغ نحو ضعف معدل نمو الاقتصاد الداخلي للدولة الصناعية المتقدمة، ومن المتوقع أن يكون لنحو 500 أو 600 شركة من هذه الشركات في منتصف هذا القرن ملكية ما لا يقل عن ثلثي مجموع الأصول الثابتة في العالم بأسره، وأن تقوم بإنتاج أكثر من نصف الإنتاج العالمي، والشركات عابرة القارات تمارس سيطرة مركزية كاملة من البلد الأصلي على فروعها المنتشرة في أنحاء العالم، وجميع الفروع تعمل تحت نظام دقيق، وفي إطار إستراتيجية عالمية وسيطرة عالمية مشتركة، ذلك لأن المركز الرئيس للشركة عابرة القارات هو بمثابة الدماغ، والجهاز العصبي المركزي لهذه الإستراتيجيات([42]).

د. صندوق النقد الدولي والبنك الدولي: هما منظمتان أمميتان. صندوق النقد الدولي هو وكالة متخصصة من منظومة بريتون وودز تابعة للأمم المتحدة، أنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1944م، للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، ويقع مقر الصندوق في واشنطن، ويديره أعضاؤه الذين يشملون جميع بلدان العالم تقريباً  ويقوم على ضبط النقد الدولي واستقراره([43]).

البنك الدولي هو أحد الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة التي تعنى بالتنمية. وقد بدأ نشاطه بالمساعدة في إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وهي الفكرة التي تبلورت خلال الحرب العالمية الثانية في بريتون وودز بولاية نيو هامبشير الأمريكية، و يمارس عمليات الإقراض ودراسات الجدوى في مجال الإنشاء والتعمير للدول المتضررة من الحروب والدول الفقيرة ضمن شروط قاسية([44]).

ورغم أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مؤسستان  تابعتان للأمم المتحدة، دورهما دعم الاقتصاد العالمي، والمعاملات التجارية بين البلاد المختلفة، فإنه عادة ما يتم اتهامهما بكونهما أحد أدوات الشركات العالمية لبناء إمبراطورية تسيطر على اقتصاد العالم، وتهزم الدول، ونهب وتدمير اقتصاد الدول النامية،  والمؤسستان تتبنيان سياسات رأسمالية تساعد على السوق الحر، فهما يرفضان أية قيود من الدول المقترضة على النقد الأجنبي، وضد الرقابة على الصرف، وضد أي تدخل من الحكومات على السياسات النقدية، ويعتبر البعض أن البنك الدولي وصندوق النقد، هما أبرز أدوات  النظام  العامي الجديد حيث يقومان بإقراض الدول الفقيرة بقصد التنمية بينما تقوم بتطبيق الشروط الخاصة بها، والتي عادة ما تكون ضد مصلحة الدول الفقيرة، إذ تقوم المؤسستان بإقراض الدول الصغيرة بما يساعد حكومات الدول الكبرى على التدخّل اقتصادياً في هذه الدولة، عبر استثمارات وجماعات ضغط تجعل من هذه الدول تابعة لها.

ه. نشر الديمقراطية: تأخذ بعض الدول شعار نشر الديمقراطية في دول العالم وخاصة دول العالم الثالث، ليكون هذا سبباً لانتهاك سيادة تلك الدول، والتأثير في قراراتها وإدارتها لشؤونها الخاصة، ولعل هذا الموضوع تتشارك فيه أيضاً الأنظمة في العالم الثالث خاصة تلك التي لا تسمح للديمقراطية بالنمو والتحرك، أو حتى تمنع وجود الديمقراطيه في دولها وبالتالي، تعطي الذريعة للمنظمات والمؤسسات العالمية وبعض الدول للتدخل في شؤون هذه الدول([45]).

و. منظمة التجارة العالمية: هي منظمة عالمية مقرها مدينة جنيف في سويسرا، مهمتها الأساسية هي ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية. وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول.

تأسست المنظمة عام 1996م، ليتم بدء مرحلة جديدة للاقتصاد العالمي، وتنطوي إتفاقية إنشاء منظمة التجارة الدولية على تحويل قدر من صلاحيات اتخاذ بعض القرارات الوطنية إلى منظمة التجارة، حيث أوجبت على الدول ضرورة التواصل معها قبل اتخاذ القرارات المتعلقة بالتجارة، بالإضافة إلى التحكم بتحديد أنواع الدعم المسموح به والدعم غير المسموح به([46]).

إن منظمة التجارة العالمية هي تجسيد للنظام الدولي الجديد على المستوى المؤسساتي، فقد تعدت منظمة التجارة العالمية على سيادة الدول من خلال قوانينها في السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية، ومن خلال هيئة فض المنازعات والتحكيم، حيث تحول مفهوم التجارة لدى المنظمة من مفهـوم تقليدي إلى مفهوم يشمل البيئة والعمل وحقوق الإنسان والعمال.

تؤثر شروط  نظام العضوية في منظمة التجارة العالمية على السيادة الوطنية، لأن هذه الشروط لا تنتهك السياسة الاقتصادية وسياسة الحماية فقط، ولكنها تؤثر سلباً في السياسة الامنية، فالقبول بشرط تعديل القوانين الداخلية، كي تتماشى وأهداف ومبادئ منظمة التجارة يعني قيام الدولة بإلغاء قوانين تهدف إلى حماية الامن الوطني([47]).

رابعاً: أثر العولمة في اختراق السيادة الوطنية.

لعل أبرز التدفقات التي يعرفها النظام الدولي الراهن هي ظاهرة العولمة، هذه الظاهرة التي تعني الاتجاه المتزايد نحو تدويل السلع والأفكار ورؤوس الأموال على مستوى العالم الأرحب([48])، كما تعني من الناحية الموضوعية تجاوز الولاءات القديمة، كالولاء للوطن أو الأمة أو الدين وإحلال ولاءات جديدة محلها، وفي هذا السياق، فالعولمة من شأنها أن تؤدي إلى تراجع عام في دور الدولة وانحسار نفوذها، وتخليها عن مكانتها شيئاً فشيئاً لمؤسسات أخرى تتعاظم قوتها يوما بعد يوم، ويتعلق الأمر بالشركات العملاقة متعددة الجنسيات والمؤسسات الدولية العالمية([49]).

المؤشرات العديدة على التراجع الكبير في سيادة الدولة القومية، وسلطتها، جعل الكثير من الكتاب يقولون بفكرة تلاشي الدولة بفعل العولمة، فجلال أمين مثلا، ورغم إثارته إلى ظاهرة التغير المثمرة لوظائف الدولة على مر العصور يؤيد في تحليله فرضية اختفاء الدولة لمصلحة الشركات متعددة الجنسية لأن الحكومات أصبح من الصعب عليها ضبط الأنشطة التجارية للشركات داخل حدود بلادها، حيث أن هذه الشركات قد تلجأ إلى عملية الموازنة التنظيمية، فإذا كانت شركة ما تعارض سياسة حكومة معينة فبإمكانها التهديد بالحد من إنتاجها المحلي أو إيقافه وزيادة إنتاجها في دولة أخرى أو حتى الإطاحة بالنظام السياسي القائم، كما فعلت شركة I.T.T الأمريكية التي أطاحت بنظام سالفا دور ألندي، رئيس دولة شيلي، في عام 1973م([50]).

لقد تمكنت الشركات المتعددة الجنسيات من القفز فوق الحدود التي تفصل بين الدول والأقطار وإزالة الحواجز الجمركية، وتغلبت على كل القيود التي تحول دون تدفق المعلومات والبيانات، فسلبت بذلك الكثير من سلطات الدول التي كانت تمارسها ضمن حدودها السياسية، التي هي من أهم مقومات سيادتها الوطنية، فأصبحت هذه الدول اليوم عاجزة عن تطبيق ما كانت تقوم به بالأمس من نفوذ وصلاحيات على أرضها([51]).

يمكن القول بأن العولمة قادت الدولة الوطنية في اتجاهين يهددان بانتزاع سيادتها الوطنية لصالح كيانات جديدة فوق وطنية، أو تفكيكها إلى كيانات إثنية دون وطنية، تفقد الدولة في ظلها طابعها كممثل حقيقي للقوى الاجتماعية المتجددة، ودول العالم الثالث مهددة أكثر من غيرها بهذين الخطرين، خطر انتزاع السيادة ونقلها إلى كيانات دولية أكبر منها كمنظمة التجارة العالمية والمؤسسات العالمية الدولية، أو كيانات إقليمية أضخم منها كمشروع الشرق الأوسط الكبير والشراكة الأورمتوسطية([52]). والخطر الثاني هو صراع الهويات والحروب الأهلية التي تهدد بتفتيت السيادة، وتمزيق الوحدة الوطنية، وتؤدي إلى انفراط عقد الدولة إلى مرحلة أسماها برهان غليون” التعويم التاريخي للمجتمع([53]).

مما سبق، يمكن الوصول إلى أن تأثير انتهاك العولمة لسيادة للدول، من الناحية السياسية، يتجلى في: تزايد دور المؤسسات والمنظمات الدولية، وتزايد دور الهيئات الداخليه أو الكيانات المحلية، وإذابة دور الدولة القومية وتحويلها لشرطي لتأمين مصالح الرأسمالية العالمية، أما من الناحية الاقتصادية، فيظهر التأثير في: عدم قدرة الدولة على السيطرة على مواردها وتوجيه انشطتها الاقتصادية، سطوة وتأثير الشركات العابره للقارات على اقتصاد الدولة، الاندفاع نحو النزعه الاستهلاكية، زيادة الاعتماد على التكنولوجيا وبالتالي تراجع الحاجة للعمالة البشرية وزيادة في العاطلين عن العمل.

أما في الجانب الاجتماعي، يتضح التأثير من خلال: تأثر الولاء القومي بمفاهيم اخرى كالعالمية وفوق القومية، تراجع في العدالة الاجتماعية خاصة بعد ان تفقد الدولة، أو تضعف سيطرتها، على قطاع الخدمات في الدولة، التوزيع الطبقي للمجتمع، وضعف درجة الالتزام بالأنماط الاجتماعية للدولة وما يصاحبها من صراع اجتماعي.

عليه يمكن الوصول إلى أن تأثير العولمة على سيادة الدولة يتمثل في أن قدرات الدول تتناقص تدريجياً بدرجات متفاوتة فيما يتعلق بممارسة سيادتها في ضبط عمليات تدفق الأفكار والمعلومات والسلع والأموال والبشر عبر حدودها.

خامساً: السيادة الوطنية ورؤيتها المستقبلية

استناداً على المتغيرات والتحولات التي طرأت على شبكة العلاقات الدولية الراهنة، في عالم ما بعد الحرب الباردة، وعلى جميع الأصعدة والمستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، فإن مستقبل السيادة الوطنية يمكن أن يتخذ أربعة سيناريوهات أساسية، تتلخص في:

السيناريو الأول: اختفاء السيادة: يقوم على فكرة تلاشي واضمحلال السيادة بحكم تأثير قوى العولمة بجميع أبعادها واتجاهاتها الإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، لتصبح الوظيفة الجديدة للدولة هي خدمة المصالح المسيطرة، ولا سيما أن للدول الكبرى دور كبير في تدعيم هذا التوجه لتحقيق مصلحتها عالمياً.

السيناريو الثاني: استمرارية السيادة، ويستند على أن السيادة الوطنية قد أصبحت نسبية أي بمعنى أنها مرنة بما يمكنها من استيعاب والتكيف مع المتغيرات الدولية الراهنة، كما يقر هذا الاتجاه بتراجع دور الدولة، ويرتبط بقاء السيادة الوطنية بالمقابل بديمومة واستمرار الدولة، فالتطورات الراهنة في النظام الدولي لن يأتي على السيادة تماماً، وإنما يعمل على إضعافها، ولكنه في ذات الوقت يرفض فكرة اختفاء السيادة، بل إنها ستظل قائمة بنسبية السيادة.

السيناريو الثالث: الحكومة العالمية. ويؤكد على فكرة تحول وانتقال السيادة الوطنية إلى مؤسسات الحكم العالمي هدفاً في تحقيق الحكومة العالمية المنشودة، أي بمعنى أن الدولة ستتنازل عن سيادتها لصالح حكومة عالمية منبثقة من نظام عالمي ديمقراطي، وتغير العولمة طرح فكرة الحكومة العالمية ليس باعتبارها حلاً بعيد المنال، وإنما باعتبارها عملية في طور التكوين.

السيناريو الرابع: تفكيك الإقليم. هنا تكون الدولة موجودة، إلا أنها غير قادرة على مباشرة مظاهر سيادتها على إقليمها، بسبب تفككها إلى عشرات الدول القومية الصغيرة في داخل الإقليم الواحد، أي بمعنى أنه من شأن هذا التشظي في داخل الإقليم الواحد، أن يحدث انقسامات واختلافات في التوجيه والتوجه، والذي بدوره يعيق ممارسة الدولة سيادتها في ظل هذا التشظي، ويبدو هذا واضحاً في العديد من المطالبات التي تعلو تارة تحت دعوى التعبير عن هويات من حقها التعبير عن نفسها، وتارة أخرى تحت توطيد صلة المواطن بالسلطة، وتارة تحت دعوى احتجاج على تحيز النظام الدولي الجديد لجماعات دون أخرى، وأيضاً ما يؤيد هذا السيناريو ذاك التزايد في الحروب الأهلية والنزعات الانفصالية، وهو ما يجعل احتمالية حدوثه أكثر واقعية، إلا أن هناك بعضاً من التحفظات التي تلاحقه، بدعوى أنه لابد من وجود قوى مضادة تعمل على هذا السيناريو، فقط بسبب خطورته الشديدة، كي لا يخرج عن السيطرة، لتحقيق المبتغى.

بقراءة تحليلية، فإن السيناريو الثاني القائل بمرونة السيادة واستمراريتها، هو الأكثر تطابقاً مع الواقع الدولي الراهن، وهذا راجع إلى عاملين أساسيين، أولهما: أن السيادة لم تعد مطلقة، ذلك أنها ملزمة باحترام القوانين والأعراف الدولية، وكذا القيام بالتزاماتها الدولية، بما يناسب القوى الكبرى المحركة للمجتمع الدولي، وهو ما يؤكد على أنها أصبحت مرنةً ومشروطة.

أما ثانيهما هو التأكيد على استمرارية السيادة باعتبار أن سيادة الدولة هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها النظام الدولي، مضافاً إلى ذلك أن الدولة في نهاية المطاف هي التي تقرر الحرب والسلم في العلاقات الدولية.

مما سبق يتضح أن السيادة الوطنية قد عرفت نقلة نوعية من بعدها التقليدي الذي يقوم على مطلق حرية الدولة في التصرف بلا قيود ولا ضوابط في المجالين الداخلي والخارجي، إلى البعد النسبي أو ما يعرف بالسيادة المحدودة أو المقيدة بأداء الالتزامات الدولية، ومن هذا المنطلق فإن نظرية السيادة المطلقة لم تعد موجودة، خاصة في ظل نسق عولمي يتميز بتنامي ديناميات الاعتماد المتبادل، والترابط الشبكي على المستوى العالمي، حتى أصبحت الدولة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة كائناً اعتبارياً أكثر منه طبيعياً بفعل انكماش القيمة المادية للمجال الوطني.

وأيضاً بحكم تنامي دور الفواعل غير الوطنية، وميوعة القدرة الرقابية للدولة على حدودها بسبب النشاطات والعمليات العابرة للحدود، فقد تقوضت وأفرغت السيادة من محتواها الاستقلالي حيث أن السيادة الوطنية في ضوء التحولات الدولية الراهنة، هي عرضةً للتآكل من الأعلى من الخارج، بفعل الضغوطات والتدخلات الخارجية، ومن الأسفل من الداخل بفعل المطالب الداخلية، والصراعات بدعوى الهوية، والحركات الانفصالية، والتي غالياً ما تؤدي إلى تفتيت السيادة، وتمزيق الوحدة الوطنية وذلك كله، لتكون السيادة الوطنية في ظل شبكة العلاقات الدولية الراهنة طوعاً ورهناً بما يتناسب والأوضاع والظروف الدولية المستحدثة.

خاتمة:

تناولت الورقة السيادة قي ظل التحولات الدولية، وجاءت مقسمة على خمسة محاور، تعرض أولها إلى مفهوم ومظاهر وخصائص السيادة، فيما تطرق ثانيها إلى ممارسة السيادة في ظل القانون الدولي، فيما ذخب ثالثها إلى توضيح السيادة في ظل النظام الدولي الجديد، وفيه تم توضيح مبدأ السيادة في ظل القانون الدولي، وكذلك المبادئ الجديدة التي ينادي بها النظام الدولي الجديد والأدوات المستخدمة التي قادت لتراجع وتقلص السيادة الدولية.

أما رابع المحاور، فقد أشار إلى أثر العولمة في اختراق السيادة الوطنية، وفيه تم التعرض إلى مفهوم العولمة، واتجاهات العولمة التي تهدد بانتزاع السيادة الوطنية للدول، وكذلك تأثير العولمة على سيادة الدول في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

خامس المحاور تطرق إلى الرؤية المستقبلية للسيادة والتي تنحصر في أربعة سيناريوهات، تتمثل في اختفاء السيادة، استمرارية السيادة، الحكومة العالمية، تفكيك الإقليم.

نتائج:

1. أن مبدأ السيادة دائم مستمر لا يتغير، إلا أن صورتها وحقيقتها والمسئوليات التي تنهض بها تتغير مع الزمن أو يعاد توزيعها.

2. أن التطورات العالمية الحالية أدت إلى تدويل السيادة وتوسيع نطاقها بحيث لم تعد خاصة بالشعب والدولة وحدها، بل يشارك فيها المجتمع الدولي ممثلاً في القوى المتحكمة به.

3. أن مبدأ المساواة في السيادة بين الدول المستقلة، المشار إليه في الفقه القانوني فإنما هو مبدأ نظري ويكاد يكون العمل في الغالب والواقع على غير ذلك.

4. أن السيادة ترتبط من حيث طبيعتها ومدى اتساع أو ضيق نطاق تطبيقها بقدرات الدولة وإمكاناتها الذاتية، أي أن القوة شرط من شروط ممارسة السيادة والحفاظ عليها، وهو ما يثير في النهاية قضية العدالة الدولية.

5. أن المجال الخاص للدول يتقلص باستمرار، كلما انخرطت الدول في علاقات منظمة قانونياً مع الأشخاص الآخرين في المجتمع الدولي.

6. أن نطاق السيادة قد تراجع وتقلص أمام التطورات الدولية الراهنة، من صيغته المطلقة إلى النسبية، بحيث أصبح وسيلة لا غاية.

7. أن نظرية السيادة المطلقة لم تعد موجودة، خاصة في ظل نسق عولمي يتميز بتنامي ديناميات الاعتماد المتبادل، والترابط الشبكي على المستوى العالمي.

توصيات:

1. تعزيز الانتماء للدولة  واحترام سيادتها  من خلال بناء المواطنة السليمة الواعية.

2. التوسع في نظام الحكم الذاتي الداخلي في الدولة، ليشمل كافة أطياف المجتمع، واشتراط الموافقة على نظام الحكم من الجميع دون استثناء.

3. لابد من توضيح أن العولمة لا يمكن إيجاد حل ناجح للتعامل معها من خلال دولة واحده فقط، بل تحتاج الى تكتلات وتجمعات، لذا لابد من احسان انتقاء التكتلات والاحلاف.

قائمة المراجع:

ريمون حداد، العلاقات الدولية، بيروت: دار الحقيقة، 2000م، ص23.

أحمد سرحال، قانون العلاقات الدولية، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2000م، ص28.

مجد الدين الشيرازي، القاموس المحيط، ج3، بيروت: عالم الكتب، (ب: ت)

عبد الواحد الناصر، العلاقات الدولية الراهنة، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 2003م، ص62.

أحمد أبو الوفا، الوسيط في القانون الدولي العام، القاهرة: دار النهضة العربية، 1996م، ص38

حافظ إبراهيم وآخرون، السيادة والسلطة: الآفاق الوطنية والحدود الدولية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006م، ص63.

عبدالقادر القادري، القانون الدولي العام الرباط: مكتبة المعارف، 1984م، ص92.

سهيل حسين الفيتلي، الوسيط في القانون الدولي العام، بيروت: دار الفكر العربي، 2002م، ص125.

علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1995م، ص103.

عماد جاد، التدخل الدولي بين الاعتبارات الإنسانية والأبعاد السياسية، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، 2006م، ص162.

عمران عبد السلام محمد الحاج، مجلس الأمن وحق التدخل لفرض احترام حقوق الإنسان، رسالة لنيل درجة الدكتوراه في القانون العام، (غير منشورة)، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الرباط، 2001م، ص21.

سعيد الركراكي، مقترب في دراسة العلاقات الدولية، مراكش: المطبعة والوراقة الوطنية، 1991م ، ص117.

بد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، الكتاب الأول: المبادئ العامة، عمان: مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1997م، ص132.

محمد تاج الدين الحسيني، المجتمع الدولي وحق التدخل، سلسلة المعرفة للجميع، منشورات رمسيس، العدد 18، الرباط،2004م، ص 137.

عبد العزيز النويضي، اشتراطيه حقوق الإنسان: ربط المساعدة باحترام حقوق الإنسان في العلاقات بين الدول، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، رقم 18، 1999م، ص37.

صادق محروس، المنظمات الدولية والتطورات الراهنة في النظام الدولي، مجلة السياسة الدولية، العدد (122)، القاهرة: مركز الأهرام للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أبريل 1995 ، ص17.

للمزيد من التفصيل: أنظر ديباجة القرار 131/34 الفقرة 3.

عبد الواحد الناصر، حرب كوسوفو: الوجه الآخر للعولمة، سلسلة كتاب الجيب، العدد السابع ، منشورات جريدة الزمن، الرباط، أكتوبر 1999م، ص47.

أمين مكي مدني، التدخل والأمن الدوليان: حقوق الإنسان بين الإرهاب والدفاع الشرعي، المجلة العربية لحقوق الإنسان، العدد العاشر، المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس، يونيو 2003م، ص113.

ليلى حلاوة، السيادة: جدلية الدولة والعولمة، القاهرة: دار النهضة، 2001م، ص132.

جلال أمين، العولمة والدولة، العرب والعولمة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998م، ص 157.

محمد الصوفي، تحولات النظام الدولي في عصر العولمة، بيروت: مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، 2001م، ص12.

محمد سعد أبو عامود، العولمة والدولة، مجلة السياسة الدولية، العدد(161)، القاهرة: مركز الأهرام للبحوث والدراسات، يوليو 2005م، ص203.

محمد علي الفرا، العولمة والحدود، مجلة عالم الفكر، العدد 4، المجلد 32، أبريل- يونيو 2004 ، ص80.

محمد إبراهيم منصور، العولمة ومستقبل الدولة القطرية في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد (288)، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2002م، ص149.

برهان غليون، نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1995م، ص198.

الهوامش

  1. . ريمون حداد، العلاقات الدولية، بيروت: دار الحقيقة، 2000م، ص23.
  2. . أحمد سرحال، قانون العلاقات الدولية، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2000م، ص28.
  3. . مجدالدين الشيرازي، القاموس المحيط، ج3، بيروت: عالم الكتب، (ب: ت)
  4. . عبد الواحد الناصر، العلاقات الدولية الراهنة، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 2003م، ص62.
  5. . المرجع نفسه، ص67.
  6. . أحمد أبو الوفا، الوسيط في القانون الدولي العام، القاهرة: دار النهضة العربية، 1996م، ص38
  7. . ريمون حداد، مرجع سابق، ص75.
  8. . حافظ إبراهيم وآخرون، السيادة والسلطة: الآفاق الوطنية والحدود الدولية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006م، ص63.
  9. . عبدالقادر القادري، القانون الدولي العام الرباط: مكتبة المعارف، 1984م، ص92.
  10. . سهيل حسين الفيتلي، الوسيط في القانون الدولي العام، بيروت: دار الفكر العربي، 2002م، ص125.
  11. . علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1995م، ص103.
  12. . عبدالقادر القادري، مرجع سابق، ص98.
  13. . عبد الواحد الناصر، مرجع سابق، ص102.
  14. . حافظ إبراهيم وآخرون، مرجع سابق، ص76.
  15. . سهيل حسين الفيتلي، مرجع سابق، ص132.
  16. . أحمد سرحال، مرجع سابق، ص79.
  17. . ريمون حداد، مرجع سابق، ص87.
  18. . المرجع نفسه، ص169.
  19. . عماد جاد، التدخل الدولي بين الاعتبارات الإنسانية والأبعاد السياسية، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، 2006م، ص162.
  20. . عمران عبد السلام محمد الحاج، مجلس الأمن وحق التدخل لفرض احترام حقوق الإنسان، رسالة لنيل درجة الدكتوراه في القانون العام، (غير منشورة)، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الرباط، 2001م، ص21.
  21. . المرجع نفسه، ص34.
  22. . سعيد الركراكي، مقترب في دراسة العلاقات الدولية، مراكش: المطبعة والوراقة الوطنية، 1991م ، ص117.
  23. . عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، الكتاب الأول: المبادئ العامة، عمان: مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1997م، ص132.
  24. . محمد تاج الدين الحسيني، المجتمع الدولي وحق التدخل، سلسلة المعرفة للجميع، منشورات رمسيس، العدد 18، الرباط،2004م، ص 137.
  25. . عبد العزيز النويضي، اشتراطيه حقوق الإنسان: ربط المساعدة باحترام حقوق الإنسان في العلاقات بين الدول، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، رقم 18، 1999م، ص37.
  26. . المرجع نفسه، ص39.
  27. . عبد العزيز النويضي، مرجع سابق، ص41.
  28. . صادق محروس، المنظمات الدولية والتطورات الراهنة في النظام الدولي، مجلة السياسة الدولية، العدد (122)، القاهرة: مركز الأهرام للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أبريل 1995 ، ص17.
  29. . المرجع نفسه، ص19.
  30. . للمزيد من التفصيل: أنظر ديباجة القرار 131/34 الفقرة 3.
  31. . محمد تاج الدين الحسيني، مرجع سابق، ص161.
  32. . عبد الواحد الناصر، حرب كوسوفو: الوجه الآخر للعولمة، سلسلة كتاب الجيب، العدد السابع ، منشورات جريدة الزمن، الرباط، أكتوبر 1999م، ص47.
  33. . محمد تاج الدين الحسيني، مرجع سابق، ص164.
  34. . أمين مكي مدني، التدخل والأمن الدوليان: حقوق الإنسان بين الإرهاب والدفاع الشرعي، المجلة العربية لحقوق الإنسان، العدد العاشر، المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس، يونيو 2003م، ص113.
  35. . عبد الواحد الناصر، مرجع سابق، ص121.
  36. . أمين مكي مدني، مرجع سابق، ص114.
  37. . ليلى حلاوة، السيادة: جدلية الدولة والعولمة، القاهرة: دار النهضة، 2001م، ص132.
  38. . محمد تاج الدين الحسيني، مرجع سابق، ص192.
  39. . عبد الواحد الناصر، مرجع سابق، ص86.
  40. . المرجع نفسه، ص112.
  41. . ليلى حلاوة، مرجع سابق، ص182.
  42. . أمين مكي مدني، مرجع سابق، ص117.
  43. . عبد العزيز النويضي، مرجع سابق، ص127.
  44. . أمين مكي مدني، مرجع سابق، ص121.
  45. . ليلى حلاوة، مرجع سابق، ص196.
  46. . ليلى حلاوة، مرجع سابق، ص209.
  47. . جلال أمين، العولمة والدولة، العرب والعولمة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998م، ص 157.
  48. . محمد الصوفي، تحولات النظام الدولي في عصر العولمة، بيروت: مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، 2001م، ص12.
  49. . المرجع نفسه، ص17.
  50. . محمد سعد أبو عامود، العولمة والدولة، مجلة السياسة الدولية، العدد(161)، القاهرة: مركز الأهرام للبحوث والدراسات، يوليو 2005م، ص203.
  51. . محمد علي الفرا، العولمة والحدود، مجلة عالم الفكر، العدد 4، المجلد 32، أبريل- يونيو 2004 ، ص80.
  52. . محمد إبراهيم منصور، العولمة ومستقبل الدولة القطرية في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد (288)، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2002م، ص149.
  53. . برهان غليون، نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1995م، ص198.