خصائص الفتوى عند الشيخ محمد قريو

د. مصطفى عبدالرازق محمد بالرازق1

1 كلية الشريعة والقانون- الجامعة الأسمرية-ليبيا

بريد الكتروني: ms.razg@gmail.com

HNSJ، 2021، 2(11); https://doi.org/10.53796/hnsj21119

تاريخ النشر: 01/11/2021م تاريخ القبول: 12/10/2021م

المستخلص

يهدف البحث إلى إبراز خصائص الفتوى عند الشيخ محمد قريو وذلك من خلال مجموعة من المحاور تتعلق بما اتصفت به من الواقعية والمحلية، وما يتعلق بمواضيعها وطريقة عرضها، وعلاقتها بالجانب الاجتماعي، وطريقة الشيخ في الاستدلال فيها وأمانته العلمية، وموقفه من المذاهب الأخرى وغيرها من المحاور.

الكلمات المفتاحية: فتاوى – قريو – الاجتهاد– الواقعية – المحلية.

Research Article

Characteristics of the fatwa of Sheikh Muhammad Qaryu

Dr. Mustafa Abdel Razek Mohamed Belrazek1

1 College of Sharia and Law – Asmarya University – Libya

Email: ms.razg@gmail.com

HNSJ، 2021، 2(11); https://doi.org/10.53796/hnsj21119

Published at 01/11/2021 Accepted at 12/10/2021

Abstract

The research aims to highlight the characteristics of the fatwa of Sheikh Muhammad Qariu، through a set of axes related to what characterized it of realism and locality، and what is related to its topics and method of presentation، and its relationship to the social aspect، and the Sheikh’s method of inference in it and his scientific honesty، and his position on other doctrines and other axes.

Key Words: fatwas – Qario – ijtihad – realism – local.

المقدمة

أهمية الموضوع:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد: فإنَّ موضوع البحث يستمد أهميته من كونه متعلقاً بالكلام عن فتاوى عالم من علماء البلاد الليبية، الذَّي أفنى عمره في خدمة أهله، والنُّصح لهم، وخدمة مذهبه المالكي، إفتاء، وتدريساً، وتأليفاً، فرأيت أن من الواجب في حقي كطالب علم متخصص في الدراسات الإسلامية، ومن البلاد الليبية، أن أساهم في إبراز جهوده العلمية، ولمّا كان الشيخ قد اشتهر في بلده بالفتوى، وكانت له فتاوى مكتوبة متفرقة قام بجمع بعضها الدكتور جمعة الزريقي في كتاب سماه فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية، وبعد حصولي على نسخة من هذا الكتاب لاحت لي فكرة دراسة هذه الفتاوى، وإبراز خصائصها في بحث علمي تحت عنوان: خصائص الفتوى عند الشيخ محمد قريو.

أسباب اختياره:

بالإضافة إلى ما ذكرته سابقا، هناك أسباب أخرى لاختيار هذا الموضوع منها:

1- المساهمة في إبراز جهود علماء ليبيا، وإسهامهم في خدمة المذهب المالكي.

2-التعرف على أسلوب الشيخ قريو في الفتوى، ومنهجه فيها.

3- رغبتي في إظهار الخصائص التي تميزت بها هذه الفتاوى، وإبرازها للقراء.

إشكالياته:

الإشكالية التي سيركز البحث على حلها تتمثل في التساؤل التالي: ما هي خصائص الفتوى عند الشيخ محمد قريو؟.

الدِّراسات السَّابقة:الدراسات التي تتعلق بالشيخ، والتي وقفت عليها تتمثل في:

1- فتاوى الشيخ محمد قريو وبعض آثاره العلمية، جمع وتحقيق جمعة الزريقي.

2- منهج فقهاء ليبيا في الإفتاء، الشيخ قريو وجوابه في مسألة أجرة العمال الصناع ممن يدفع لهم القروض المصرفية بالفائدة الربوية أنموذجا، لمحمد شيرة، نشرتة مجلة كلية الآداب جامعة مصراتة.

3- جهود الشيخ محمد قريو في خدمة العقيدة من خلال كتابه” شرح لب العقائد الصغير”، ورقة بحثية قدمها سالم رحيل للمؤتمر العلمي الموسوم بــــ محمد بن مفتاح قريو- رحمه الله- سيرة ومسيرة.

4- جهود علماء ليبيا في الفتوى على المذهب المالكي، الشيخ محمد مفتاح قريو أنموذجا، للباحثة زينب الغصني، نشرتة مجلة الجامعة الأسمرية.

هذه هي الدراسات التي اطلعت عليها، والتي تتعلق بالشيخ قريو، وكما هو واضح فإن الدراسة الأولى والثانية تتعلق بجانب التحقيق للفتاوى، والدراسة الثالثة تتعلق بجانب العقيدة، وأما الدراسة الرابعة فقد ركزت فيها الباحثة على جهود الشيخ قريو في الإفتاء، ومدى مساهمته في إثراء المذهب المالكي.

وأما موضوع هذا البحث فهو يتعلق بخصائص الفتوى عند الشيخ قريو، من حيث واقعيتها وطريقة الاستدلال فيها، وعلاقتها بالجانب الاجتماعي، وغير ذلك من المحاور التي سيأتي ذكرها لاحقا، وقد قسمت الكلام في الموضوع إلى مبحثين:

المبحث الأوَّل:نبذة مختصرة عن معنى الفتوى، وحكم التصدى لها، والفرق بينها وبين قضاء القاضي.

المبحث الثَّاني: خصائص الفتوى عند الشيخ قريو، وسيكون الكلام فيه مقسماً على مجموعة من المحاور، تناولت كل واحد منها بالبيان، والتمثيل لما أقوله من خلال فتاوى الشيخ.

الخاتمة: واحتوت على مجموعةٍ من النتائج.

المبحث الأول

نبذة مختصرة عن معنى الفتوى، وحكم التصدي لها، والفرق بينها

وبين قضاء القاضي

أولاً:معنى الفتوى لغة وشرعاً:

الفتوى جمعها فتاوى، وأصلها من الفعل أفتى، وهو يطلق في اللغة على عدة معانٍ منها:

1-التَّوضيح، والإبانة، يقال:” أَفْتَاه فِي الأَمر: أَبانَه لَهُ”([1])، قال تعالى:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}([2])، قال ابن عطية في تفسير هذه الآية::” أي يبيِّن لكم حكم ما سألتم عنه”.([3])

2- تعبير الرؤيا، وتفسيرها، يقال:” أَفْتَيْت فُلَانًا رُؤْيَا رَآهَا، إِذا عَبَّرْتَهَا لَهُ”.([4])

3- الإجابة عن السؤال، يقال:”أَفْتَيْتُه فِي مسأَلته، إِذا أَجبته عَنْهَا”([5])، فالفتوى ناتجة عن سؤال موجه من المستفتي الراغب في معرفة الحكم الشرعي في واقعة ما إلى المفتي الذي يجيبه عن ذلك.

وأما تعريفها في الاصطلاح فقد عرفها صاحب مواهب الجليل بقوله:” الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ”.([6])، والإخبار عن الحكم الشرعي قد يكون شفوياً، أو كتابياً، وهذا ما أوضحه بعض أهل العلم عند تعريفه لها بقوله:” الإخبار لفظًاً، أو كتبًا بالحكم على غير وجه الإلزام”.([7])

وبالنظر في التعريفين يفهم منهما أنَّ المستفتي غير ملزم باتباع الحكم الصادر من المفتي، فهو مخير في ذلك، إن شاء أخذ بالفتوى، وعمل بها، وإن شاء تركها، ولم يعمل بها.

ثانياً: حكم التصدي للفتوى:

لابد لمن يتصدى للفتوى في النازلة، أن يكون من أهل العلم المبرزين في الفن المستفتى فيه، وأن تتوفر فيه شروط الاجتهاد، ويختلف حكم تصديه للفتوى باختلاف حاله، فقد يتعين عليه وجوباً التصدي للإفتاء، وذلك إذا نزلت به نازلة تتعلق بنفسه؛ لأنَّ المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره، وكذلك إذا كانت النازلة تتعلق بغيره، ولم يوجد غيره ليستفتي فيها، أو وجد ولكن خشي فوات النازلة دون معرفة حكمها الشرعي.([8])

وقد يكون حكم تصديه للفتوى فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الأخرين، وهذا في حالة وجود غيره ممن هو أهلٌ للفتوى، ولم يخش فوات النازلة.

قال النووي:”… الْإِفْتَاء فرض كِفَايَة، فَإِذا استفتي وَلَيْسَ فِي النَّاحِيَة غَيره، تعيَّن عَلَيْهِ الْجَواب، فَإِن كَانَ فِيهَا غَيره وَحضر، فَالْجَوَاب فِي حَقّهمَا فرض كِفَايَة”.([9])

وفي بعض الحالات يكون الحكم مكروهاً، وذلك في المسائل التي لا يتوقع حدوثها، فقد سئل الإمام مالك عن مسألة لم تقع، فكره إجابة السائل، ورأى ذلك مما لا فائدة في الخوض فيه، وقد سجل لنا القاضي عياض هذا الموقف في مداركه بقوله:” وسأله رجل عراقي عن رجل وطىء دجاجة ميتة، فخرجت منها بيضة، فأفقست البيضة عنده عن فرخ أيأكله؟، فقال مالك: سل عما يكون، ودع ما لا يكون”.([10])

وذكر صاحب كتاب صفة الفتوى، أنَّ العَامي إذا سَأَل عن مسأَلَة لم تقع، لم تجب إجابته، لكن تستحب، وقيل: تكره؛ل أَنَّ بعض السلف كان لا يتَكَلَّم فيما لم يَقع”.([11])

وقد يكون الإفتاء حراماً، وذلك إذا صادمت الفتوى دليلاً قطعياً من نصّ أو إجماع؛ لأنَّ من شروط الاجتهاد أن لا يخالف نصّاً قطعياً.([12])

ثالثاً: الفرق بينها وبين قضاء القاضي:

سبق وأن ذكرت معنى الفتوى، وبقي لي أن أوضح معنى قضاء القاضي حتَّى يتَّضح الفرق بينهما، فأقول: عرَّف العلماء قضاء القاضي بقولهم:” الْقَضَاءِ: الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ”.([13])

وبهذا يمكن القول إنَّ كلاَّ من الفتوى والقضاء إخبار عن حكم الله تعالى، ولكنهما يختلفان من حيث الإلزام والتنفيذ للحكم في القضاء، وعدم الإلزام في الفتوى، وكذلك شمول الفتوى لعبادات النَّاس ومعاملاتهم، بينما القضاء يختص بالمعاملات، وأيضاً فإنَّ الفتوى ناتجةٌ عن توجه سؤال من المستفتي إلى المفتي، ومن ناحية أخرى فإنَّ معتمد المفتي في فتواه على الأدلة الشرعية من القرآن والاحاديث النبوية وغيرهما من الأدلة المعتبرة، بينما القاضي يعتمد في حكمه على تتبع الحجج، وسماع البينات، والإقرارات.([14])

قال القرافي مبيناً الفرق بين المفتي والقاضي:”مثال الحاكم والمفتي مع الله تعالى – ولله المثل الأعلى- مثال قاضي القضاة يولّي شخصين، أحدهما نائبه في الحكم والآخر ترجمان بينه وبين الأعاجم، فالترجمان يجب عليه اتباع تلك الحروف، والكلمات الصادرة عن الحاكم، ويخبر بمقتضاها من غير زيادة ولا نقص، فهذا هو المفتي، يجب عليه اتباع الأدلة بعد استقرائها، ويخبر الخلائق بما ظهر له منها من غير زيادة ولا نقص إن كان المفتي مجتهداً، وإن كان مقلداً فهو نائب عن المجتهد في نقل ما يخص إمامه لمن يستفتيه، فهو كلسان إمامه، والمترجم عن جنانه، ونائب الحاكم في الحكم ينشئ من إلزام الناس، وإبطال الإلزام عنهم ما لم يقرره مستنيبه، الذي هو القاضي الأصلي، بل فوّض ذلك لنائبه، فهو متبع لمستنيبه من وجه، وغير متبع له من وجه، متبع له في أنه فوّض له ذلك، وقد امتثل، وغير متبع له في أنَّ الذي صدر منه من الإلزام لم يتقدم مثله في هذه الواقعة من مستنيبه، بل هو أصل فيه، فهذا مثال الحاكم مع الله تعالى، هو ممتثل لأمر الله تعالى في كونه فوض إليه ذلك، فيفعله بشروطه، وهو منشئ؛ لأنَّ الذي حكم به تعيّن، وتعيُّنه لم يكن مقرراً في الشريعة، وليس إنشاؤه لأجل الأدلة التي تعتمد في الفتاوى،… بل الحاكم يتبع الحِجاج، والمفتي يتبع الأدلة، والمفتي لا يعتمد على الحجاج بل على الأدلة، والأدلة: الكتاب، والسنة، ونحوهما، والحِجاج: البيِّنة، والإقرار، ونحوهما”.([15])

المبحث الثاني

خصائص الفتوى عند الشيخ محمد قريو

لا شك أنَّ لفتاوى الشيخ قريو قيمة علمية عظيمة؛ وذلك لما احتوته من معلومات قيمة ومتنوعة، ولِمَا تميزت به من خصائص قد لا توجد في كتب الفقه المعهودة؛ لأنَّها تجسد واقعاً ملموساً، وصورا حية، تحتف بها معطيات، وأحوال مؤثرة في الأحكام، بحيث لا يمكن إصدارها إلا بمعايشة هذه الوقائع، وتحقيق المناط فيها، وفي المحاور التالية توضيح لخصائص الفتوى عند الشيخ قريو مدعمة بمجموعة من الأمثلة من خلال فتاويه:

أولاً: الواقعية: إنَّ مما تتميز به الفتاوى عموماً، وفتاوى الشيخ قريو خصوصاً عن بقية كتب الفقه الأخرى، هي واقعيتها، فهي تتناول قضايا واقعية قد حدثت، ومشكلات ملموسة قد حصلت، تستدعي معرفة حكمها الشرعي، فهي إذن ليست قضايا افتراضية لا وجود لها في الواقع الملموس، ومن أمثلة ذلك في فتاوى الشيخ: ما ذكره عند كلامه على مسألة قيام أهل الميت بضيافة المعزين، وهي قيامهم بعد فراغهم من دفن ميتهم بذبح الذبائح وطبخ اللحم والطعام، وجمع الناس عليه، وهي عادة كانت موجودة عندهم، فقد قال بعد أن فصّل في المسألة:” إذا علمت ما ذكره الكاتب لتلك الصحائف، وما ذكرناه زيادة عليه، تعلم أنَّ فقهاء المذاهب الأربعة، لم يختلفوا في ضيافة المأتم، بل اتفقوا على أنَّها بدعة مكروهة كراهة تحريمية، وأنَّ علة الكراهة فيها شبهها بفعل الجاهلية في إنفاقهم على النياحة، وأنَّ الأصل فيها الخبر المروي عن جرير([16]) وأنَّ حقيقتها هي الطعام الذي يصنعه أهل الميت في أيام العزاء، ويجمعون النَّاس لأكله، إذ لم يفرقوا بين الأغنياء والفقراء في الدعوة إليه”.([17])

ثم ذهب إلى تقسيمها إلى أركان ثلاثة، الأول: ما يصنعه أهل الميت من الطعام الثاني: جمع الناس عندهم للأكل، الثالث: عدم تفريقهم بين الأغنياء والفقراء في الدعوة إليه، ثم دلَّل للأول والثَّاني بخبر جرير الذي تقدم ذكره، وللثَّالث ما ذكره قاضيخان([18]) في فتاويه من التفريق بين الضيافة وغيرها، ثم قال:”ويؤخذ من كلام قاضيخان أيضاً أنَّ أهل الميت إذا صنعوا طعاماً، وخصوا به الفقراء، يكون حسناً لا مكروهاً، وكذلك إذا خصّوا به مَن يأتي للتّعزية من بلاد أخرى بعيدة، يشقّ الرُّجوع إليها بدون استراحة عند أهل الميت”.([19])

ثانياً: المحلية: تصطبغ الفتاوى في بعض مسائلها بالصبغة المحلية من حيث المكان، والزمان والأعراف وغير ذلك، ومن المعروف أنَّ الفتوى تتأثر بهذه العوامل المحلية، فقد تطبق الفتوى في مسألة معينة في مكان ما، بينما لا يمكن تطبيقها في مكان آخر، أو زمن آخر؛ وذلك راجع إلى اختلاف الظروف والأحوال المحيطة بها، ومن أمثلة ذلك عند الشيخ ما جاء في مسألة ملكية أرض زريق التي سئل عنها الشيخ قريو وهي أرض تقع في منطقته ولها ظروف خاصة بها، وملخصها أنَّ هذه الأرض كانت مشاعاً بين أهل زريق، وكانت مغطاةً في معظمها بالكثمان الرمليّة، فقامت الدولة بتشجيرها؛ منعاً لزحف الرمال عليها وحمايتها من النّاس، وسمحت لأهل القرية باستغلال الأرض الطّينيّة المحيطة بها، فقام أهل القرية باستصلاحها، والاستفادة منها، لكن على اختلاف حصولهم على مساحات الأرض في القلة والكثرة، وقد سجلت هذه الأرض في سجلات الدولة، وصرفت لها وثائق حيازة، مبينة فيها حدود الأرض ومساحتها، وجعلت ملكيتها على سبيل الحيازة ووضع اليد.([20])

فأجاب الشيخ بما نصه: “إنَّ الذي فهمته من خلال القول، هو سيطرة الدولة على هذه الأرض بسبب قيامها بصد الرمال بالأشجار، مما جعلها تمنع من يقوم بالتعرض للغابة وجعلها تبيِّن نوع ملكية النَّاس الذين عمَّرُوا الأرض بأنّها وضع يد، والمهم أن تفهم مني هذا البيان، أربعة أشياء حق للدولة التصرف فيها: البحار، والسباخ والوديان، قوز الرمل إذا لم يوجد له سند يثبت ملكيته، والله أعلم”.([21])

ثم بين قضية امتلاك الأرض بوضع اليد فقال:” إذا وضع شخص يده على أرض- أي حازها-، ولم يقم أحد بإخراجه، ولا التعرض له بدليل مدة تجاوزت العشر سنوات، فيصبح متصرفاً، يُعطي من يشاء ويمنع من يشاء،يُحكم له بامتلاك الأرض، والله أعلم”.([22])

ثالثاً: الاستدلال: لما كانت الفتوى هي بيان لحكم الله تعالى في القضية المسؤول عنها، فلابد أن يكون مصدر هذا الحكم هو الأدلة الشرعية، فالأساس الذي ترتكز عليه الفتوى هو الدليل الشرعي، وهو نهج الرسول في إجاباته عن أسئلة الصحابة، فكان يضرب لهم الأمثال، ويوضح المسألة بنظائرها، مع أنَّ قوله وحده حجة، فقد رُوِي أنَّ امرأة جاءت إِلى النَّبِيِّ ، فقالت:«إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَن تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟، قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟، اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ».([23])

وهو المنهج الذي سلكه أصحابه من بعده، وكذلك فعل من جاء بعدهم من التابعين، فكان أحدهم يذكر حكم المسألة، ثم يذيل قوله بذكر الدليل الذي استند عليه الحكم.

والمتأمل في فتاوى الشيخ قريو، يلاحظ أنَّ بعضها لا يخلو من ذكر الدليل الشرعي، الذي يدعم الفتوى ويوضحها، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك للتوضيح:

1- القرآن الكريم: استشهد الشيخ بالآيات القرآنية في كثير من المسائل، وقدمها على غيرها من المصادر التي استعان بها في فتاويه، فمثلاً في مسألة حكم الاحتفال بالمولد النبوي، استدل على وجوب تعظيم النبي وتوقيره بقوله تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون.([24])

واستدل على وجوب الألفة، والتعاون والتأزر بين المسلمين بقوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ ع.([25]) وبقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون.([26])

وفي تحديد مصارف الزكاة ذكر أنَّ الله تعالى تولّى بيان مصرفها بنفسه؛ تبرئةً لنبيه،وإلجاماً لألسنة اللامزين، فلا يجوز أن تُصرف لغيرهم لقوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم.([27])

وفي مسألة تحديد أقل مدة الحمل، ذكر أنَّ أقل مدة الحمل ستة أشهر، ثم بَيَّن أنَّ مستند هذا الحكم هو القرآن الكريم، فقال:”لأنَّ قوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا ([28])،إن ضممت إليه قوله تعالى:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ }([29])، بقي عن مدة الفصال من الثلاثين شهرا لمدة الحمل ستة أشهر، فدل ذلك على أنَّها أمد للحمل، يولد فيه الجنين كاملا “.([30])

2- الأحاديث النبوية:استدل الشيخ قريو بالأحاديث النبوية، واستشهد بها في بعض المسائل التي أفتى فيها،وهذا فيه دلالة على اهتمامه بالحديث النبوي والاستدلال به على رأيه في المسائل المعروضة عليه، وفيه أيضاً ردٌّ على من يتّهمون علماء المالكية -خاصة المتأخرين منهم- بعدم استدلالهم بالحديث النبوي، وطريقته في الاستدلال بالحديث فيها تنوع فأحيانا يورد نصّ الحديث مع ذكر روايته في بعض المسائل، ويهملها في البعض الآخر،مع التزامه بتخريج الحديث من كتب السُّنة في البعض، فمثال الأول: قوله في مسألة ضيافة المعزين:”ويكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت؛لأنَّه يُشرع في السرور لا في الشرور، وهي بدعة مستقبحة، رُوِي عن الإمام أحمد، وابن ماجة بإسناد صحيح عن جرير بن عبدالله أنَّه قال:« كُنَّا نعد الاجتماع عِندَ أَهلِ الميِّت وصنعهم الطَّعام بعد دفنهِ من النِيَاحَةِ».([31])

فقد أورد الحديث بروايته عن جرير مع عزوه إلى كتب السنة التي خرجته.

وقوله أيضاً في نفس المسألة: وعن أنس قال:قال رسول الله:«لاَ عَقر فِي الإسْلامِ»، ثم بين أنَّ المقصود به أن يذبح الإنسان على القبر بقرة أو شاة.([32])

فقد أورد الحديث دون عزوه إلى المصادر الحديثية، والحديث أخرجه أبوداود في سننه، كتاب الجنائز، باب الذبح عتد القبر. ([33])

ومثال الثاني: ما ذكره في مسألة الأرض المحبسة على المسجد أنَّ الرسول قال:«مَن حبَّس فَرساً فِي سَبِيل الله إيماناً بِالله وتَصدِيقاً بَوعدِه، فإنَّ شَعْرَه، ورَوثه فِي مِيزَانِه يَوم القيامة”»، ثم قال:” أخرجه البخاري”.([34])

ولفظ البخاري الذي وقفت عليه هو:« مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».([35])

وكذلك في مسألة صندوق التكافل الأهلي بعد أن فصّل في المسألة، ذكر أنَّ النَّبيّ قال:« مَن عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ([36]) ، ثم قال:”رواه مسلم وأحمد”.([37])

وفي بعض الأحيان يورد الحديث مجرداً من اسم راويه، وبدون تخريجه من كتب السُّنَّة ومن أمثلة ذلك قوله:”…ويندب إن كان وسيلةً للخير كالطعام، إذا قصد به التقوي على العبادة، «ومَاءُ زَمْزم لِمَا شُرِبَ لَهُ»، ويحرم إن كان وسيلةً للمحرم…”([38])، فقد أورد الحديث في سياق كلامه مجرداً عن راويه، ودون تخريجه من المصادر الحديثية والحديث أخرجه ابن ماجة عن جابر بن عبدالله([39])

وأحياناً لا يذكر نصَّ الحديث، بل يكتفي بالإشارة إليه فقط، ومن أمثلته: ما جاء في مسألة الحمل الذي طال في بطن أمه بعد وفاة والده فبعد أنَّ فصّل في المسألة بذكر أقوال أهل العلم فيها قال:”…والأدلة تدل على صدق المرأة في دعواها، وأنَّ الولد الذي أنجبته ينسب لأبيه…بحسب الشرع الشريف”.([40])

فقد أشار الشيخ في فتواه هذه إلى قوله:«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»([41])، واكتفاء الشيخ بالإشارة هنا دون ذكر نصه، ربما يرجع ذلك لعلمه بشهرة الحديث، فهو مرويٌّ في أغلب كتب الصِّحاح والسُّنن، أو ربما يرجع لرغبته في اختصار الفتوى دون التطويل؛ مراعاة لحال السائل، أو لغير ذلك، والله أعلم.

وأما ما يتعلق بالحكم على الحديث، فإن الملاحظ على الشيخ عدم ذكره إلاَّ في القليل النادر، كما في مسألة ضيافة أهل الميت للمعزين فقد قال بعد أن تكلَّم في المسألة:” ويستحب لجيران أهل الميت، والأقرباء الأباعد، تهيئة طعام لهم، يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله:«اصْنَعُوا لأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ».([42])، ثم قال:”حسنه الترمذي وصححه الحاكم”.([43])

3- الإجماع: استشهد الشيخ قريو في بعض المسائل بالإجماع، فمن الأمثلة التي حكى فيها الإجماع مسألة وجوب تعظيم النَّبي، فقد قال:”أما تعظيم النَّبي فهو واجبٌ بالكتاب والسُّنَّةِ والإجماع… ولإجماع الأمة على أنَّ مَن لم يحبّه وأهله وأمَّته لم يُؤمن به”.([44])

وفي مسألة انتفاع الأحياء والأموات بالدعاء، قال الشيخ:” وقد نصّ كثير منهم على أن قراءة القرآن على الميِّت إذا نَوى بها القارئ نفعَ الميِّتِ عند الشُّروعِ فيها، ودعا بإيصال ثوابها إليه عند الفراغ منها، فإنَّها تكون من قبيل الدُّعاءِ والدُّعاءُ ينفع الأحياء والأموات بإجماع أهل السُّنَّةِ”.([45])

4- القواعد الفقهية: استعان الشيخ بالقواعد الفقهية لإثباث الأحكام لبعض المسائل، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما جاء في مسألة دعوة القاضي، أو الحكمين الخصوم للصلح، فقد قال بعد أن تكلَّم في المسألة، وذَكرَ أقوالَ العلماء، واستدلَّ من القرآن والسُّنَّة:”وهذا يدل على أنَّ الحاكم مصيبٌ في حكمه في الظَّاهر، وإن أخطأ في الصَّواب عند الله في الباطن”، ثم قال:” الحديث والآية يدلان على أنَّ حكم الحاكم لا يحلِّل الحرام؛ لأنَّه لا يتناول إلا الظَّاهر على القول الصَّحيح”.([46])

فقد أشار الشَّيخ هنا إلى القاعدة الفقهيَّة:”حكم الحاكم هل يتناول الظَّاهر والباطن أو لا يتناول إلا الظَّاهر وهو الصَّحيح”.([47])

رابعاً:الأمانة العلمية في نقل الأقوال: طريقة الشيخ في نقله لأقوال العلماء للاستدلال بها على رأيه تتلخص في النقاط التالية:

1- تقيد الشيخ في الغالب بالنص عند النقل من المصدر، وفي بعض المواضع ينقله بتصرف دون أن ينبه على ذلك، كما فعل عند نقله لكلام التسولي، فقد نقل كلاماً عن التسولي ونصه:” أنَّ أفعال العبادات إذا عمَّت يلتمس لها وجه ما أمكن، ولا تتقيد بالمشهور، ولا بمذهب واحد”.([48])

فقد نقله الشيخ بتصرف دون أن ينبه على ذلك؛ لأنَّ نص التسولي في البهجة هو:” أَن مَا ارْتَكَبهُ النَّاس، وتقادم فِي عرفهم، وَجرى بِهِ عَمَلهم، يَنْبَغِي أَن يلْتَمس لَهُ وَجه شَرْعِي مَا أمكن على خلاف أَو وفَاق، إِذْ لَا يلْزم ارتباط الْعَمَل بِمذهب معِين، وَلَا بِمَشْهُور من قَول قَائِل”.([49])

2- التزم الشيخ في فتاويه بعزو الأقوال إلى أصحابها، أو إلى مصادرها التي نقل عنها، وله في ذلك طريقتان:

أ- إذا نقل نصاً لعالم من العلماء، يذكره منسوباً إلى صاحبه مع مصدره بقوله:قال فلان أو كقول فلان، والأمثلة على ذلك كثيرة، من ذلك ما ذكره عند كلامه على مسألة الإحتفال بالمولد النبوي([50])، فقد نقل كلاماً لابن الحاج([51]) مبينا مصدره فقال:”…بل جوز صاحب المدخل تزيينها بالكتان الرفيع أو القطن فقال في نصه:”وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْكَتَّانِ الرَّفِيعِ، أَوْ الْقُطْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا فَذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ وَلَا يَصِلُ إلَى التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ مُبَاحٌ”.([52])

وأيضا قوله:”قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي([53]) في كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ما نصه:”أخذ بعض العلماء من هذه الآية…..”. ([54])

ب- أحيانا ينقل قولاً منسوباً إلى صاحبه بدون أن يذكر مصدره كما فعل ذلك في كثير من المواضع، منها على سبيل المثال لا الحصر قوله في مسألة مدة الحمل:” وقال ابن عبدالبر:هذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد…” ([55])، وكقوله أيضا:”وقال الضحاك:وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين”([56])، فقد نقل هنا كلاماً لابن عبدالبر، والضحاك، ولم يذكر المصادر التي نقل عنها.

ج- ينقل الشيخ في بعض المواضع من فتاويه كلاماً بالمعنى، ويعبر عنه بأسلوبه ذاكراً مصدره، مثال ذلك ما جاء في مسألة الزكاة فقد قال:”…أو كانت له كتب يحتاج إليها ولو كثرت جداً، إذا كانت فيه قابلية لها كما قال البرزلي نقلاً عن شيخه ابن عرفه، أو كانت له غرفة للسكنى، أو بيت للكراء، إذا كان الكراء للمعيشة لا للكنز كما قال البرزلي نقلاً عن اللخمي”.([57])

أيضا قوله في مسألة بيع الحيوان بالوزن:”…يؤخذ من كلام المواق، والحطَّاب والخرشي على خليل، أن محل المنع إذا كان البيع بالوزن القديم، وهو ما يقع لخصوص اللحم بعد تمام السلخ، ونزوع الحشوة”.([58])

خامساً: موقفه من المذاهب الأخرى:لا يتقيد الشيخ بالمذهب المالكي في بعض المسائل، بل يقوم بجلب أقوال العلماء من المذاهب الأخرى وعرضها، ومقارنتها، ثم يقوم باستخلاص الرأي الذي يراه مناسباً للفتوى من ذلك على سبيل المثال لا الحصر قوله في مسألة مصارف الزكاة:”بل أئمة المذاهب الأربعة اتفقوا على أنَّ المستحقين للزكاة، يشترط في مجموعهم لا في جميعهم شروط خمسة…” ([59])، ثم ذكر أقوال كل مذهب مفصلاً، مُقَارِناً بينها، ثم ذكر خلاصة قولهم في المسألة فقال:” أعلم أنَّ خلاصة ما تحصل من كلامهم على تخصيص الأصناف الثمانية أنَّ الزكاة لما كثر فيها الكلام في عهد النبي …تولّى الله مصرفها بنفسه؛ تبرئةً لنبيه وإلجاماً لألسنة اللامزين… فهي تدل على أنَّ الزكاة محصورة على هؤلاء الأصناف لا تتعداهم، ولا تدفع لغيرهم … فلذلك نص المالكية أنها لا تجزئ لغير الأصناف الثمانية”.([60])

سادساً:الاجتهاد:عند النظر في فتاوى الشيخ يظهر جلياً قدرته على الاجتهاد واستخلاص الأحكام للمسائل المسؤول عنها، خاصة التي يكثر فيها الخلاف بين أهل العلم، فالغالب من طريقة الشيخ في مثل هذه المسائل جلب أقوال العلماء في المسألة المسؤول عنها، ثم يقوم باستخلاص الرأى الذي يراه صواباً حسب رأيه، ومعتمده في ذلك إما على القياس، أو الترجيح بين الأقوال، ومن الأمثلة على ذلك، ما جاء في مسألة الاصطياد بالفلوبر- وهي بندقية لصيد الطيور- فبعد أن جلب أقوال العلماء في الشروط اللازم توفرها في آلة الصيد، وقام بمقارنتها وتحليلها قال:”الفلوبر ليس من القسم الأول على كل حال… وحينئذ فإما أن يكون من القسم الثاني إن كان من النوع الغليظ، ومن القسم الثالث إن كان من النوع الرقيق، وكلاهما لا يجوز الصيد به، وعلى هذا فمن أفتى بجواز الاصطياد به فقد خرج عن الشروط التي اشترطها الفقهاء في آلة الصيادة، وصار مخالفا للكتاب والسنة والقياس، وهذ ما ظهر لنا”.([61])

وكذلك من الحالات التي استعمل فيها الشيخ القياس جواز إعطاء الزكاة لأصحاب سيارات النقل، فقد نقل عن الشافعية أنَّ من قدر على مال يساوي نصف ما يكفيه أو أكثر لا يخرجه عن كونه مسكيناً تُعطى له الزكاة، ولو كان مالكاً لسفينة، إذا كان يعمل عليها للمعيشة لا لكنز المال، واستدل على ذلك بقوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا.([62])

ثم ألحق بالسفينة سيارات النقل، إذا كان صاحبها يعمل عليها للمعيشة لا لكنز المال، وكذلك الأرض التي يحتاج إليها الفلاح في معيشته من الفلاحة.([63])

وفي مسألة الطعام الذي يُعد لقراء القرآن في أيام العزاء، قال بعد جلب أقوال العلم فيها:” والراجح في ذلك الطَّعام التَّفصيل، وهو أنَّ القراء الذين يأكلونه إذا كان فيهم أغنياء يكون من ضيافة المأتم، وإذا لم يكن فيهم أغنياء لم يكن من ضيافة المأتم”.([64])

سابعاً:اتصالها بالجانب الاجتماعي:من الملاحظ في فتاوى الشيخ اتصالها بالجانب الاجتماعي، ويظهر ذلك جلياً في المسائل التي تشكل على الناس، وتجعلهم في ضيق وحرج، خاصة في المسائل التي تضاربت فيها الأقوال، فيتدخل الشيخ بعلمه وذكائه ليزيح عنهم هذا الحرج، موضحاً لهم القول السَّديد في المسألة، مستعيناً بالأدلة لدعم رأيه، وللرد على من خالفه فيها، ومن المسائل التي وقع فيها الإشكال، وجعلت النَّاس في حيرة من أمرهم وسئل عنها الشَّيخ من مائة رجل أو أكثر كما صرح بذلك الشيخ نفسه قضية بيع الحيوان بالوزن، فقد أفتى الشيخ فيها بالجواز، ثم ظهرت فتوى بمنعه، فوقع الناس في حيرة، فقام الشيخ بالرد على المخالف ببيان عدم صواب رأيه، واعتماده على قراءات خاطئة لنصوص الكتب التي اعتمد عليها في فتواه متناولاً في رده كل ما يتعلق بجزئيات المسألة، فكان رده شافياً وافياً. ([65])

ثامناً:طريقة عرض الفتوى:تختلف طريقة عرض المسائل في الفتاوى عن بقية كتب الفقه العامة فالغالب في الفتوى أن تكون مقرونة بالمسألة المستفتى فيها، وقد تذكر أحياناً أسماء أصحاب المسألة، وكذلك مكان حدوثها، ومن أمثلة ذلك في فتاوى الشيخ قريو، ما قاله في مسألة الأرض المحبسة على المسجد المعروضة عليه بعد الحمدلة والصلاة على النبي:” وبعد فقد سألني أعيان قرية جامع الغيران الغربية، التي بين رأس العمارات ورأس غومة عن قطعة حبسها رجل من أفراد تلك القرية على الجامع المذكور، والآن احتاجوا إليها وإلى القطيعات المجاورة لها؛ ليجعلوهن جبانة لدفن أمواتهم…فهل يجوز لهم ذلك أم لا؟.

فأجبت بأن التحبيس سنة قديمة، مرغب فيها على سبيل الاستحباب…” ([66])، ثم أخذ يفصل في المسألة ويستجلب أقوال أهل العلم فيها.

فالشاهد هنا أنَّ الشيخ عند عرضه للفتوى ذكر أسماء المستفتين وموقع الأرض المسؤول عنها.

تاسعاً: مواضيع الفتاوى: مواضيع الفتاوى المطبوعة والتي وقفت عليها متنوعة، وهي ليست مرتبة حسب الترتيب المعهود في كتب الفقه التي تبتدئ بالطهارة والصلاة ثم الزكاة…وهكذا، بل جاءت متفرقة ابتدأت بالإجابة عن سؤال يتعلق بحديث نبوي سئل عنه الشيخ، وانتهت بسؤال يتعلق بالصيد، كما اشتملت أيضا على فتاوى وتعليقات لبعض الشيوخ على بعض المسائل وتخللتها أيضا تعليقات للمحقق على بعض القضايا في المتن، ولكن يمكن بنظرة متفحصة تقسيمها حسب مواضيعها إلى ستة أقسام:

القسم الأول: مسائل تتعلق بالحديث النبوي وحكم سب الدين.

القسم الثاني:مسائل تتعلق بالعبادات، وتشتمل على فتاوى في الصلاة، والذكر والزكاة، والصيد.

القسم الثالث: مسائل تتعلق بأحكام الأسرة والمواريث، وتشتمل على فتاوى في نكاح الشغار، وأقصى مدة الحمل، والميراث.

القسم الرابع: مسائل تتعلق بعادات الناس، وتشتمل على حكم الاحتفال بالمولد النبوي، والضيافة في المأتم.

القسم الخامس: مسائل تتعلق بالبيع وما شاكله، وتشتمل على فتاوى في البيع، والملكية، والحيازة، والمغارسة، والأحباس، والمناقلة.

القسم السادس: مسائل تتعلق بالدعاوى، وتشتمل على حكم دعوة القاضي، أو الحكمين الخصوم للصلح.

الخاتمة

بعد جولة علمية مع فتاوى الشيخ قريو، يأتي بيان أهم نتائجها التي تم التوصل إليها، وقد وقفت بتوفيق من الله تعالى على جملة من النتائج أسجلها في النقاط التالية:

1- من خصائص الفتوى عند الشيخ قريو تميزها بالواقعية، وذلك من خلال علاجها لقضايا واقعة يلمسها الناس في حياتهم واصطباغها أيضاً بالصبغة المحلية من حيث الزمان والمكان، فهي تتناول المسائل التي وقعت في منطقته.

2- اعتمد الشيخ في فتاويه على مجموعة من الأدلة، بعضها متفق عليه بين أهل العلم وبعضها مختلف فيه.

3- تُظْهِر الفتاوى مدى قدرة الشيخ الاجتهادية في استصدار الأحكام للمسائل المعروضة عليه، وذلك من خلال قياساته وترجيحاته.

4- التزم الشيخ في فتاويه بالأمانة العلمية في نقل الأقوال، فهو لا ينقل قولا لعالم من العلماء أو نصاً من كتاب إلا ويصرح باسمه أو يشير إليه.

5- لم يتقيد الشيخ في بعض الفتاوى بالمذهب المالكي الذي ينتمي إليه بل نجده يستعين بآراء المذاهب الأخرى، ويقارن بينها، وقد يرجح بعضها إذا رآه صواباً، ولو خالف مذهبه.

المصادر والمراجع

1- ابن الأثير، أسد الغابة، تح:علي معوض وعادل عبدالموجود، دار الكتب العلمية، ط1 ، 1415ه.

2- ابن الحاج، المدخل، دار التراث، القاهرة.

3- ابن الصلاح،أدب المفتي والمستفتي، تح:موفق عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم،المدينة المنورة، ط2 ،1423هـ.

4-ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تح:عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى، 1422ه.

5- ابن ماجه، سنن ابن ماجة، تح: محمد عبدالباقي، دار إحياء الكتب العربية.

6- ابن منظور، لسان العرب، ، دار صادر، بيروت، ط الثالثة، 1414ه.

7- أبو داود، سنن أبي داود، تح: محمد عبدالحميد،المكتبة العصرية، بيروت.

8- أحمد النميري، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، تح: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثالثة، 1397ه.

9- أحمد بن حنبل، المسند، تح:شعيب الأرنؤوط ومن معه، مؤسسة الرسالة، ، ط1 ، 1421ه.

10- أمير بادشاه، تيسير التحرير، دار الفكر، بيروت.

11- البخاري، صحيح البخاري، تح:محمد الناصر، دار طوق النجاة،، ط1 ، 1422هـ.

12- الترمذي، سنن الترمذي، تح: أحمد شاكر ومن معه، مكتبة مصطفى الحلبي، مصر، ط2، 1395ه.

13-التسولي، البهجة في شرح التحفة، تح: محمد شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418ه.

14- الحطاب، مواهب الجليل، دار الفكر،بيروت، ط الثالثة،1412ه.

15-الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه، تح:عادل الغرازي، دار ابن الجوزي، السعودية، ط2 ،1421ه.

16- الزرقاني، شرح مختصر خليل، صححه عبدالسلام أمين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1422ه.

17- الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت،2002م، ط15.

18- الشاطبي، فتاوى الشاطبي، تح: محمد أبوالأجفان، مكتبة العبيكات، الرياض، ط الرابعة 1421ه.

19- عمر مولود، الوسيط في أصول الفقه الإسلامي،الجامعة المفتوحة، ليبيا، ط2 ، 2002م.

20- القاضي عياض، ترتيب المدارك، تح: ابن تاويت ومن معه، مطبعة فضالة، المغرب، ط1.

21- القرافي، الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، الإمام القرافي،:عبدالسلام بلاجي، دار ابن حزم، بيروت، ط الأولى،1431ه.

22- القرشي، الجواهر المضية في طبقات الحنفية، مير محمد كتب خانه، كراتشي.

23- قريو، فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية، تح:جمعة الزريقي، جمعية وأبشروا، مصراتة، ط1 ،11437ه.

24- مالك، الموطأ، تح: كلال علي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1 ، 1430ه،ص562.

25- محمد مخلوف، شجرة النور الزكية، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط2، 2012م.

26- مرتضى، الزَّبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، تح: مصطفى حجازي ومن معه، دار الهداية.

27- مسلم، صحيح مسلم، تح:محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

28- النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، تح: بسام الجابي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1408ه.

29- الونشريسي، إيضاح المسالك، تح:الصادق الغرياني، دار الحكمة، ليبيا، ، ط2 ،1997م.

الهوامش:

  1. () ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط الثالثة، 1414ه،15/147.
  2. () النساء:127.
  3. () ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تح:عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى، 1422ه،2/118.
  4. () المصدر نفسه.
  5. () مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، تح: مصطفى حجازي ومن معه، دار الهداية،39/211.
  6. () الحطاب، مواهب الجليل، دار الفكر،بيروت، ط الثالثة،1412ه،1/32.
  7. () الزرقاني، شرح مختصر خليل، صححه عبدالسلام أمين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1422ه، 3/190.
  8. () انظر الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه، تح: عادل الغرازي، دار ابن الجوزي، السعودية، ط2 ،1421ه،2/386، وابن الصلاح، أدب المفتي والمستفتي، تح:موفق عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط2 ،1423هـ،ص109.
  9. () النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، تح: بسام الجابي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1408ه،ص35.
  10. () القاضي عياض، ترتيب المدارك، تح: ابن تاويت ومن معه، مطبعة فضالة، المغرب، ط1، 1/191.
  11. () أحمد النميري، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، تح: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثالثة، 1397ه،ص30.
  12. () انظر أمير بادشاه، تيسير التحرير، دار الفكر، بيروت،3/76، وعمر مولود، الوسيط في أصول الفقه الإسلامي، الجامعة المفتوحة، ليبيا، ط2 ، 2002م،ص433.
  13. () مواهب الجليل،6/86.
  14. () انظر الشاطبي، فتاوى الشاطبي، تح: محمد أبوالأجفان، مكتبة العبيكات، الرياض، ط الرابعة 1421ه، ص101.
  15. () القرافي، الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، تح:عبدالسلام بلاجي، دار ابن حزم، بيروت، ط الأولى،1431ه، ص63.
  16. () أبوعمرو جرير بن عبدالله البجلي أسلم قبل وفاة النبي بأربعين يوما حضر القادسية وغيرها روى عنه بنوه وغيرهم توفي سنة:51ه. انظر ابن الأثير، أسد الغابة، تح:علي معوض وعادل عبدالموجود، دار الكتب العلمية، ط1 ، 1415ه،1/529.
  17. () قريو، فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية، تح:جمعة الزريقي، جمعية وأبشروا، مصراتة، ط1 ،11437ه،1/154.

  18. () الْحسن بن منصور بن أبي الْقَاسِم مَحْمُود بن عبد الْعَزِيز الأوزجندي الفرغاني الْمَعْرُوف بقاضي خَان تفقه بأبي إِسْحَاق الصفاري وغيره، من مؤلفاته:الفتاوى،توفّي سنة: 592ه.انظر القرشي، الجواهر المضية في طبقات الحنفية، مير محمد كتب خانه، كراتشي،1/205.
  19. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية،1/154.
  20. () انظر المصدر نفسه،1/166.
  21. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية، 1/167
  22. () المصدر نفسه.
  23. () البخاري، صحيح البخاري، تح:محمد الناصر، كتاب جزاء الصيد، باب الحج والنذور عن الميت، دار طوق النجاة،، ط1 ، 1422هـ،3/18.
  24. () الأعراف:157.
  25. () المائدة:2.
  26. () الحجرات:10.
  27. () التوبة:60.
  28. () الأحقاف:15.
  29. () لقمان:14.
  30. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية.1/139.
  31. () أحمد بن حنبل، المسند، تح:شعيب الأرنؤوط ومن معه، مؤسسة الرسالة، ، ط1 ، 1421ه،11/505، وابن ماجه، سنن ابن ماجة، تح: محمد عبدالباقي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي الاجتماع إلى أهل الميت وصنعه الطعام، دار إحياء الكتب العربية،1/514.
  32. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية،1/150.
  33. () أبو داود، سنن أبي داود، تح: محمد عبدالحميد، كتاب الجنائز، باب كراهية الذبح عند القبر،المكتبة العصرية، بيروت،3/216.
  34. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية،1/188.
  35. () صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من احتبس فرسا في سبيل الله،4/28.
  36. () مسلم، صحيح مسلم، تح:محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة،3/1343.
  37. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية، 1/260.
  38. () المصدر نفسه،1/79.
  39. () سنن ابن ماجة، كتاب المناسك، باب الشرب من ماء زمزم،2/1018.
  40. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية، 1/145.
  41. () الإمام مالك، الموطأ، تح: كلال علي، كتاب الأقضية، باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1 ، 1430ه،ص562.
  42. () الترمذي، سنن الترمذي، تح: أحمد شاكر ومن معه، أبواب الجنائز، باب ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت، مكتبة مصطفى الحلبي، مصر، ط2 ، 1395ه،3/314.
  43. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية، 1/145.
  44. () المصدر نفسه،1/82-83.
  45. () المصدر نفسه،1/158.
  46. () المصدر نفسه،1/257.
  47. () الونشريسي، إيضاح المسالك، تح:الصادق الغرياني، دار الحكمة، ليبيا، ، ط2 ،1997م،ص177.
  48. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية،1/80.
  49. () التسولي، البهجة في شرح التحفة، تح: محمد شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418ه،1/82.
  50. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية،1/82.
  51. () محمد بن محمد العبدري الفاسي، كان فقيهاً عارفاً بمذهب مالك ، من شيوخه:أبوإسحاق المطماطي، من مؤلفاته: المدخل، توفي سنة:737ه.انظر محمد مخلوف، شجرة النور الزكية، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط2، 2012م،1/536.
  52. () ابن الحاج، المدخل، دار التراث، القاهرة،1/273.
  53. () محمد الأمين الجكني الشنقيطي، من علماء شنقيط، حج عام 1367ه،واستقر مدرسًا في المدينة المنورة، وتوفي بمكة، من مؤلفاته: أضواء البيان في تفسير القرآن، توفي سنة:1393ه، أنظر الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت،2002م، ط15 ،6/45.
  54. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية، 1/139.
  55. () المصدر نفسه،1/142.
  56. () المصدر نفسه،1/143.
  57. () المصدر نفسه،1/95.
  58. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية،1/112.
  59. () المصدر نفسه، 1/93.
  60. () المصدر نفسه، 1/94.
  61. () فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية،1/267.
  62. () الكهف:79.
  63. () انظر فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية،1/96.
  64. () المصدر نفسه،1/155.
  65. () انظر فتاوى محمد قريو وبعض آثاره العلمية،1/109.
  66. () المصدر نفسه،1/187.