الاقتصاد الاجتماعي: ماهيته، مفاهيمه، آلياته، وتطبيقاته. مقاربة سوسيو-أنتروبولوجية لقطاع الصيد البحري التقليدي بشمال المغرب

عبد العزيز الطويل1

1 جامعة ابن طفيل _ كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية. المغرب

بريد الكتروني: ettouil.abdellaziz@gmail.com

HNSJ, 2021, 2(11); https://doi.org/10.53796/hnsj21127

تاريخ النشر: 01/11/2021م تاريخ القبول: 23/10/2021م

المستخلص

يندرج موضوع مقالتنا العلمية والبحثية هاته في إطار المواضيع التي تهتم بدراسة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب وحدود مساهمته في التنمية البشرية، وذلك من خلال البنيات والتنظيمات التعاونية في قطاع اقتصادي واجتماعي حيوي في المغرب، هو قطاع الصيد البحري التقليدي، وذلك للتعرف على كيفيات اشتغال مهنيين هذا القطاع، وطبيعة الاستراتيجيات والأدوار التي يقومون بها لتنظيم انفسهم، وتحديد حاجياتهم وتطلعاتهم، ودعم قدراتهم على انتاج الثروة وتوسيع قاعدة الاستفادة منها، وكذا التعرف على طبيعة العلاقات الاجتماعية التي ينخرطون فيها والتي قد تؤثر تأثيرا حاسما في صياغة مشاريعهم التنموية وتحديد مواقفهم وامتلاكهم لسلطة اتخاذ القرار التي تهم حاضرهم ومستقبلهم.

ومعلوم أن مجال الصيد البحري بالمغرب يزخر بثروات طبيعية وبشرية وإمكانيات اقتصادية واجتماعية هامة مما يتوجب تدبيرها على أفضل وجه في إطار سياسة عمومية فعالة وناجعة بشكل يخدم الاستراتيجيات التنموية الجديدة.

الكلمات المفتاحية: الاقتصاد، التضامن الاجتماعي، التعاونيات، الصيد البحري التقليدي

Research Article

Social economy: its nature, concepts, mechanisms, and applications.

A Socio-anthropological Approach to the Traditional Fishing Sector of Northern Morocco

Abdellaziz Ettouil1

1 Department of Sociology, Faculty of Humanitarian and Social Sciences, University

IBN TOFAIL, Kenitra, Morocco;

Email :ettouil.abdellaziz@gmail.com

HNSJ, 2021, 2(11); https://doi.org/10.53796/hnsj21127

Published at 01/11/2021 Accepted at 23/10/2021

Abstract

The topic of our scientific and research article falls within the framework of topics concerned with the study of the social and solidarity economy in Morocco and the limits of its contribution to human development, through cooperative structures and organizations in a vital economic and social sector in Morocco, the traditional fishing sector, in order to identify the working methods of the professionals of this sector. And the nature of the strategies and roles they play to organize themselves, determine their needs and aspirations, support their abilities to produce wealth and expand the base of benefit from it, as well as identify the nature of the social relationships in which they engage and which may have a decisive influence in formulating their development projects and determining their positions and their possession of decision-making power that concerns their present and their future.

It is known that the field of marine fishing in Morocco is rich in natural and human resources and important economic and social potentials, which must be managed in the best manner within the framework of an effective and efficient public policy in a manner that serves the new development strategies.

Key Words: economy, social solidarity, cooperatives, traditional sea fishing

1-أهمية الموضوع وخريطته المعرفية:

عرفت الإنسانية عدة تطورات ثقافية واجتماعية ثم اقتصادية، يمكن إرجاعها بالأساس إلى الرغبة الملحة للمجتمعات في الرقي بمستوى معيشتهم إلى الأحسن وذلك بالاعتماد على القطاعات المنتجة وخصوصا الفلاحة وتربية المواشي والصيد البحر.

إلا أن التطور الذي عرفه العالم خصوصا بعد الحربين، و ما أفرزه من تحولات عميقة مست هذه المجتمعات بفعل نهج السياسة الاقتصادية ( اقتصاد السوق ) التي تدر الربح السريع وما ترتب عنه من استغلال مفرط للموارد الخامة الطبيعية واستنزاف خيرات الأرض، حتى أصبح العالم يواجه تحديات متعددة ومترابطة جراء آثار الأزمتين المالية والاقتصادية المستمرتين، وأوجه الهشاشة في مواجهة تغير المناخ و في الوقت ذاته العالم مطالب بتلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة وهذا ما يفسر التوجه للبحار باعتبارها ملاذا للعنصر البشري، و مجال يتيح مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية كفرص لزيادة الأمن الغذائي. والتخفيف من وطأة الفقر وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لفئات عريضة شريطة الاستخدام الرشيد والرصين للموارد الطبيعية البحرية (المنظمة العالمية للتغزية والزراعة، 2015) بل يؤكد الكثير من الباحثين أن أهمية البحار ستزداد أكثر خلال العقود القليلة القادمة فالقطاع الفلاحي أصبح عاجزا عن إطعام سكان العالم بفعل تكرار موجات الجفاف، تعاظم مستويات التصحر الأمر الذي ينبئ بمشكلة تفاقم العجز في الموارد الغذائية العالمية(الضحاك، 1987).

وهكذا لم يعد خافيا اليوم على أحد أن البحار أصبحت بعد هذا الانفجار السكاني المهول وعدم تناسب الغذاء على اليابسة مع حاجيات الإنسان، آمال الإنسانية جمعاء لإنقاذها من النتائج السلبية للاستغلال غير الرشيد من طرف الإنسان لخيرات الأرض الاحالة. و نظرا لأهمية التنمية، والسعي الحثيث لتحقيقها في واقع المجتمعات الإنسانية، ولاسيما المتخلفة منها، فان مفهوم التنمية أصبح عنوانا للكثير من السياسات والخطط والأعمال، على مختلف الاصعدة كما اصبح هدا المصطلح مثقلا بالكثير من المعاني و التعميمات ، وإن كان يختزل في كثير من الأحيان في شقه الاقتصادي ويرتبط الى حد بعيد بالعمل على زيادة الإنتاج الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الاستهلاك لدرجة أصبحت معها حضارات الأمم تقاس بمستوى دخل الفرد ومدى استهلاكه السنوي للمواد الغذائية والسكنية بعيدا عن تنمية خصائصه و مزاياه وإسهاماته الإنسانية وإعداده لأداء الدور المنوط به في الحياة، وتحقيق الأهداف التي خلق من أجلها. (بوركية مصطفى، 2016م)

2-مفهوم الاقتصاد الاجتماعي:

يشير مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إلى ممارسة جديدة مبنية على العمل الجماعي، وعلى مبادئ وقيم التعاون والتآزر. وتتعارض فلسفة هذا التوجه مع المنطق الاقتصادي التراكمي المؤسس على النفعية والربح ولغة المصالح في إطار مقاربة تنموية كمية تختزل التنمية في بعدها الاقتصادوي الضيق، بينما يؤسس مفهوم الاقتصاد الاجتماعي لرؤية جديدة قائمة على كونه نشاطا مدرا للدخل، ليس الهدف منه هو الربحية ومراكمة الثروة، وإنما يهدف أساسا إلى تقوية قيم التعاون والتضامن والتركيز على الأبعاد الاجتماعية، في أفق تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية والمجالية والحد من الفقر والهشاشة.

هذه الآلية الجديدة المنبثقة والمعبرة أساسا عن الرؤية الغربية لقضايا التخلف والتنمية والتي تقترحها المؤسسات الدولية في إطار توجهات تنموية جديدة تستهدف بالأساس مساعدة المجتمعات المحلية على النهوض بأوضاعها الاجتماعية، في إطار مقاربة ميكرو-سوسيولوجية، تشترط انخراط الفاعلين المحليين في تجسيد روح المقاربة التشاركية المؤسسة على اقتسام الخبرات والمهارات والمشاركة في الفعل والعمل وفي كل مراحل المشروع التنموي مما يجعل منهم شريكا أساسيا وفاعلا في العملية التنموية. (الدكتور محمد كريم، 2012)

وفي مقالتنا هاته حاولنا من موقعنا كباحثين في مجال الاقتصاد الإجتماعي استثمار كل معارفنا ومكتسباتنا النظرية والمنهجية والميدانية في محاولة حثيثة لفهم الواقع الاجتماعي الذي يرتبط بموضوع دراستنا والوقوف على نقاط ضعفه وقوته والاجابة عن مختلف الاسئلة التي تحيط بجميع أبعاده.

لقد أدى تراكم الاهتمام بموضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتعدد التجارب التنموية المنضوية تحته عبر العالم إلى توسيع خريطة تطبيقه في الكثير من مجتمعات العالم الثالث. وهكذا نجد عددا هاما من النماذج والتجارب العالمية المعاصرة التي تنضوي تحت شعار: “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني”. وقد أدى ذلك بالتالي إلى توسيع الخريطة المعرفية للموضوع في أبعادها الجغرافية والاقتصادية والسياسية والتنظيمية والاجتماعية والثقافية، وتشمل هذه الخريطة بشكل خاص مختلف الكتابات والمساهمات والرؤى التي صيغت في حقول معرفية متنوعة وخاصة في حقول العلوم الاجتماعية التي تناولت التجارب التنموية في دول العالم الثالث خاصة في إفريقيا من بينها دول شمال إفريقيا كالجزائر وتونس والمغرب وبعض الدول الآسيوية والأمريكية اللاتينية.

ولا نستطيع المجازفة بالقول بأننا نجد قاعدة عامة تقوم عليها هذه التجارب التنموية المندرجة في إطار اقتصاد اجتماعي وتضامني، بقدر ما نجد تمايزات لا حصر لها تعبر عن اختلاف الخصوصيات الثقافية المحلية التي تطبع مختلف المجتمعات المحلية المستهدفة ببرامج الاقتصاد الاجتماعي. ويعبر هذا الوضع عن تعدد المفاهيم والمعاني والاستراتيجيات التي ترتبط بتطبيق وتنزيل هذا المفهوم على أرض الواقع، تبعا لاختلاف الخصوصيات المحلية وتنوع الفاعلين المؤثرين على صياغة القرار الاقتصادي والاجتماعي في هذه المجتمعات وكذا تبعا لإشكال الارتباط والتبعية التي تعبر عنها التوجيهات المحتملة للفاعلين الخارجيين في مراكز القرار العالمي الذين يؤثرون في صياغة المشاريع التنموية المحلية بالمجتمعات النامية.

أما فيما يتعلق ببواعث وبروز هذا النوع من الاقتصادات ذات المنحى الاجتماعي والتضامني في الحقل المغربي وهو مجال اشتغالنا، فقد بدأ المجتمع المغربي يستأنس بهذا النسق المستورد عبر ندوة دولية نظمت بالمغرب(الاقتصاد الاجتماعي، 1987)، بمعنى أن الدولة هي التي كان لها سبق المبادرة في إدراج هذا المفهوم في الثقافة السياسية والتدبيرية الرسمية، كتعبير عن تحول يلوح في الأفق على مستوى تدبير الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية. ومنذ ذلك الوقت بدأ مصطلح الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يؤثث الخطابات الرسمية والبرامج الحكومية خصوصا وأن المرحلة التي برز فيها شهد المغرب احتقانا اجتماعيا نتيجة ضعف وعجز السياسات العمومية المنتهجة.

هذا الموضوع المرتبط بالاقتصاد الاجتماعي يدفعنا للتساءل بقلق وشغف معرفيين، عن جدوى وواقعية هذه الاداة الجديدة باعتبارها وصفة اقتصادية واجتماعية جديدة يتم الترويج لها ربما لتهدئة الاوضاع وامتصاص الغضب الاجتماعي؟ ويحق لنا أن نتساءل أيضا ربما عما إذا كانت وصفة يتوخى منها التطبيع مع سياسة احتواء منسوب الفقر؟ كما أننا نتساءل عن قابلية تحريف هذا المفهوم على نحو يؤدي إلى إفراغه من محتواه ويجعله أداة للتضليل والتمويه بعيدا عن قيم التضامن والتعاون والتكافل؟

وقد حاولنا استثمار هذا العصف الفكري المتمثل في هذه الهواجس والانشغالات والاسئلة في بناء اشكالية علمية سليمة لموضوع مقالتنا انطلاقا من بحثنا الميداني لمهنيي قطاع الصيد البحري التقليدي بشمال المغرب، التي تروم بحث ودراسة التنظيمات التعاونية المنظمة في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، من حيث خصائص البنيات التعاونية القائمة، وطبيعة الأدوار والاستراتيجيات التي يقوم بها الفاعلون المعنيون بالعمل التعاوني، وكذا العلاقات الاجتماعية التي تميز هذه التنظيمات التعاونية.

وهكذا تقتضي إشكاليتنا الجواب عن الأسئلة المتصلة بحدود مساهمة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في منطقة البحث في تحسين أوضاع المشتغلين بالقطاع بما يخدم أهداف التنمية البشرية في أبعادها المتعددة. ويطرح ذلك ضرورة التساؤل عن حجم العائدات المادية والمعنوية والاجتماعية التي يتيحها المجال البحري لفائدة المهنيين المشتغلين بالقطاع، وكذا طرح معضلة تناقص العائدات والمقدرات والموارد السمكية بفعل الآثار السلبية لعوامل التعرية والرعي الجائر وتناقص الغطاء النباتي الجبلي، وهو ما يعني غياب سياسة تهتم بالاهتمام وحماية الجانب الإيكولوجي واستدامة الموارد الطبيعية. كما نتساءل عن دور الجماعات الترابية المحلية في تثمين وتقوية البنى التحتية وتقديم الدعم اللازم لقرى الصيادين قصد تمكينهم من الحفاظ على الإرث الطبيعي والخيرات البحرية وتوسيع قاعدة الاستفادة منها لفائدة المجتمع المحلي.

ونستنتج من خلال ما تقدم أن السؤال المركزي الذي تنتظم حوله إشكاليتنا يمكن طرحه وصياغته على الشكل التالي:

ما هي طبيعة التنظيمات التعاونية المهيكلة في إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في قطاع الصيد البحري وحدود مساهمتها في التنمية البشرية؟

ومن خلال تجديد النظر في الموضوع تتكشف لنا العناصر الأولى للإشكالية المراد الوقوف عليها وتحليلها عبر مراحل هذا البحث. ولم يكن بإمكاننا فرز هذه العناصر بما توقعناه من السهولة واليسر لولا الإنجاز الذي تهيأ لنا غداة بحثنا الميداني، والفرصة المواتية التي أتيحت لنا من خلال ذلك لإجراء زيارات استطلاعية ولقاءات تواصلية لمدة تناهز ستة أشهر مع الفاعلين المحليين قي المجتمع المدروس مكنتنا من الوقوف على السمات والعناصر الاجتماعية والأنتروبولوجية للفاعلين والمجتمع المحلي، واستطعنا بفضل ذلك إلى حد ما فك الخيوط الرقيقة الثاوية خلف البنيات والتنظيمات التعاونية في قطاع الصيد البحري التقليدي بمنطقة الجبهة بشمال المغرب.

إن القيمة العلمية لهذا المشروع تبرز أكثر عند مقاربة السؤال المركزي والمحوري المذكور اعلاه لهذا البحث، والذي تتناسل في خضمه جملة من التساؤلات الفرعية نصوغها على الشكل التالي:

ما هي طبيعة الأدوار التي يقوم بها الفاعلون المنضوون في إطار العمل التعاوني؟ وهل يجسدون فعلا قيم التعاون والتآزر؟ وهل يمتلكون حقا الحرية والسلطة في اتخاذ القرار في إطار عمل تعاوني منظم تسوده الشفافية؟ وهل يمتلكون استراتيجيات ذاتية ومستقلة في التعاطي مع أوضاعهم والحلول التي يلجؤون إليها، أم أنهم يخضعون لمخططات واستراتيجيات لفاعلين آخرين متدخلين في القطاع؟

ما طبيعة البنيات والتنظيمات التعاونية القائمة؟ ووفق أي إستراتيجية قمينة بتحقيق أهدافها المسطرة؟ وهل يمكن تأكيد ما تشير إليه بعض الملاحظات الأولية من أنه لا توجد في الأصل استراتيجية تنموية تحكم سلوك الفاعلين من خلال تنظيماتهم التعاونية، وإنما هناك اتجاه سائد لديهم إلى معالجة المشكلات المطروحة بطريقة آنية وظرفية؟

ثم ما هي طبيعة الصعوبات والعوائق التي تحد من فاعلية التنظيمات التعاونية، ومن قدرة الفاعلين المعنيين بتغيير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية على إنجاز ما ينتظر منهم من أدوار، وخاصة على توسيع مجالات الحرية والاختيار أمامهم؟ وهل باستطاعتنا إبراز الأهمية المفترضة للعوامل الثقافية والأنتروبولوجية والاجتماعية المؤثرة سلبا أو إيجابا في تحقيق أو إعاقة التنمية المنشودة؟

3-استنتاجات و نتائج الدراسة الميدانية:

يتبين لنا من خلال ما سبق أن مجتمعاتنا واقتصاداتنا تشهد حالياً تحولات نوعية عميقة وسريعة بدأت تفرز أخطارا محدقة، وهذا الواقع الجديد أضحى يحتم على الباحثين والمهتمين بقضايا التنمية مراجعة مقاربات ومضامين التنمية السائدة في عالمنا اليوم. ومن خلال دراستنا الميدانية واطلاعنا على مجموعة من النماذج على أرض الواقع نجد انها في اعتقادنا لا زالت بعيدةٌ كل البعد عن النموذج التنموي الذي من شأنه تحقيق كرامة الانسان من خلال التوزيع العادل لثمار العائدات بين كافة فئات المجتمع دونما المساس طبعاً بحقوق الأجيال اللاحقة من ثروات ومقدرات من خلال التدبير المسؤول والمعقلن والمستدام لمواردها الطبيعية.

ومن خلال مقاربتانا لتمثلات الفاعلين في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وكذلك مساءلتنا لآليات اشتغال مؤسسات هذا النسق الإنتاجي والعلائقي، تكونت لدينا فكرة وقناعة بأن سبب إخفاق هذه المشاريع التعاونية المُدرة للدخل والتي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. اخفاقها في هذا المطلب يرجع بالأساس إلى عدة أسباب نجملها كالاتي: (إبراهيم بايزو، 2015)

  1. لتحقيق الأهداف المُسطرة لأي إقلاع تعاوني ذي بعدٍ اجتماعي ويُتوخى منه تحقيق النمو والتنمية بمفهومها الشامل. لا يتأتى هذا المطلب بالاقتصار على الرأسمال المادي بالرغم من أهميته وضرورته بل يجب استحضار رساميل أخرى ذات أبعاد لا مادية نجمل هذه الرساميل في الآتي:
  • الرأسمال البشري المؤهل والمكون والمتطور وذو الجودة العالية، والبلد الذي يتوفر على هذه النوعية من الرساميل لا يمكنه إلا أن يكون في مصاف الدول المتقدمة، وهذه الدول تحتضن الباحثين والعلماء وترتكز في تكويناتها على منظومة محكمة وملائمة للتربية والتكوين المهني والبحث العلمي والتكنولوجي وتشجع وتحتضن المعرفة العلمية.
  • الرأسمال المؤسسي المحتضن من قبل تُربة خصبة ونقصد بها الاحتكام الى الديمقراطية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة من جهة، ومحاربة الاحتكارات والمضاربات،وغير ذلك من القيم الكونية الداعمة للرأسمال المؤسسي من جهة أخرى.
  • الرأسمال الاجتماعي يعتبر الخيط الناظم للتماسك المجتمعي، فالإنسان الذي كتب له أن يعيش في وطنٍ تُعمم فيه الحماية الاجتماعية من قبيل التعويضات العائلية والتعويض عن المرض والتقاعد… كلها قيم تدل على أن الانسان الذي يتمتع بها هو مواطن له حقوق وعليه واجبات. كما أن هذه القيم الاجتماعية تقوي ثقة المواطنين بمؤسساتهم.
  • الرأسمال الثقافي وهو رأسمال يستمد شرعيته ومقاومته من التاريخ والجغرافيا والتراث وحضارة المجتمعات، هذا المشترك هو بمثابة لحمة وموطد لروابط العيش المشترك بين كافة مكونات المجتمع شريطة أن يكون أي الرأسمال الثقافي منفتحا على عوالم خارجية أخرى في إطار تلاقح ثقافيٍ ذي بعدٍ انساني.

هذه المكونات أو الدعامات الأربع غير المادية مجتمعةً هي الكفيلة بضخ دماء جديدة في مؤسساتنا التعاونية ولها القدرة في فسح المجال لاستقطاب أعضاء جدد على قاعدة الادماج المهني والاجتماعي المنصف والتوزيع العادل للمكتسبات وفق هذه الشروط يمكننا اعتبار الاقتصاد التضامني آلية ناجعة لخلق عدالة اجتماعية وباستطاعته محاربة الفقر والهشاشة والحد من التفاوتات الطبقية والمجالية. هذه الرساميل اللامادية أيضاً إن توفرت ستمنح رؤية وتوجه تنموي جديد من شانه التقليل من حدة وقبح وشراسة العولمة التي تتغذى على روح الرأسمالية المتوحشة. (ادريس الكراوي، 2018)

  1. يحتل العمل التعاوني أهمية بالغة كوسيلة واستراتيجية في يد الفقراء لإعادة الاعتبار إلى الذات وفق مقولة ” أنا اتعاون أنا أعمل أنا أنتج إذن أنا موجود”. الوجود كمنتج هو وجود لذاته والوجودُ كأجير لدى الرأسمالي كما لدى الدولة هو وجود لغيره.
  2. العمل التعاوني كاستراتيجية بديلة يخلق الجماعة ويدعمها، والعمل الجماعي عادةً هو فضاء للخلق والابداع والمنافسة، والأهم هو فضاءٌ للتقليل من آفة الفقر والهشاشة وتحسين الأوضاع.
  3. العمل التعاوني هو بديل لتوثين وتقديس الرأسمالية المتوحشة، هو انعتاق من براثن الدولة التي تدعى أنها حاضنة لأبنائها وهي في الواقع عاجزة عن فعل ذلك بل تمكن ثُلة قليلة من المحظوظين عكس العمل التعاوني هو مجال وفضاء مفتوح للكل دون تمييز شريطة التحلي بروح المبادرة والمثابرة.
  4. العمل التعاوني كحلقة أساسية في مشروع أية ثورة ثقافية يُتيح أكثر من الرأسمالية في صيغتها المتوحشة تحقيق التوازن بين الدولة والمجتمع والسوق، الدولة كناظم وكحكم والمجتمع كقدرة على خلق فائض القيمة والسوق كفضاء مفتوح لتوزيع وتبادل هذه القيم بعيداً عن المضاربات والاحتكارات التي تركز الثروة في يد ثُلة من الانتهازين والمضاربين. لتبدأ معاناة فئات واسعة مع الفقر والتهميش.
  5. العمل التعاوني باعتباره استراتيجية بديلة للخروج من دائرة الفقر يتطلب معركة طويلة الأمد، ولكي تُحقق هذه المعركة أهدافها المعلنة ينبغي أن ينخرط المجتمع والدولة انخراطاً حقيقياً في مجابهة اقتصاد الريع المؤسس على الامتيازات والولاءات والذي يفضي في نهاية المطاف إلى خلق وإنتاج تنمية معطوبة.

4-توصيات الدراسة

وحتى نكون عمليين وعلميين في تحليلاتنا للواقع الميداني ومن خلال نتائج البحث التي توصلنا إليها، بالإضافة إلى مجمل هذه التوصيات التي خلصنا إليها وحتى نكون منسجمين مع ما طرحناه في البناء المنهجي لبحثنا وخصوصاً فيما يتعلق بالغرض العلمي وخصوصاً فيما يتعلق بوضع نتائج بحثنا ضمن خطة أو برنامج يهم منطقة البحث ويشكل قاعدة للاستفادة العلمية منه لدى صناع القرار الاقتصادي والاجتماعي بالمنطقة، نقترح المقترحات والتوصيات التي نراها ضرورية للنهوض بالعمل التعاوني كالاتي:

  1. نوصي بضرورة الاهتمام بالتعاونيات التي تعاني من نقص حاد على مستوى الأطر الفنية والإدارية وعلى مستوى نقص في المخططات ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي وإعطائها الأولوية من قبيل دعمها مادياً في بداية الامر، ومحاربة الأمية لأطرها ومنخرطيها، وتثمين منتوجها السمكي وتسويقه.
  2. عقد شراكات مع فاعلين اقتصادين واجتماعيين لهم تجارب ومقومات حقيقية للعمل التعاوني.
  3. لتحقيق عمل تعاوني صلب ذي أبعاد اجتماعية حقيقية وللخروج من مأزق الإخفاقات نوصي بضرورة أن تنطلق اهتمامات العمل التعاوني بالتركيز أولاً على الاحتياجات والمشاكل التي يعانيها المهنيون المشتغلون في قطاع الصيد البحري والعمل على إعطاء فرصة للكل للعمل على دعم فرص مشاركتهم في التنمية وذلك بمنحهم سلطات واسعة وحرية أكبر وتمكينهم من التكوين والتأطير في مجال تقنيات إعداد وتنفيذ المشاريع التنموية ذات الصلة. كما يجب تجنب الخلافات التي من شأنها أن تعيق المسار التنموي وأهدافه الحقيقة.
  4. يجب على الدولة أن تدعم تعاونيات الصيد البحري على مستوى التشريعات التي توفر غطاءً قانونياً لها وتنظم أسلوب تكوينها وادارتها.
  5. نوصي الدولة بتقديم دعم مادي خصوصاً في المراحل الأولى من التأسيس حتى لا يتحول هذا الدعم إلى سيطرة على التعاونيات كما لا يجب على التعاونيات أن ترتكن لهذا الدعم مدى الحياة بل عليها الارتكاز على الذات.
  6. يجب تقديم الدعم الفني والإداري للتعاونيات وهو يعتبر من وجهتنا مطلباً اساسياً لقيام التعاونية وذلك بغية تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
  7. يجب حماية المصايد من الاستنزاف والصيد الجائر الذي يقترفه الصيد في أعالي البحار وكذلك حماية الصياد من تداعيات الاتفاقيات الدولية المبرمة مع جهات خارجية والتي تستهدف من بين ما تستهدفه تعطيل تنمية المنطقة والتنمية المستدامة عموماً.
  8. يجب محاربة والتصدي للتلوث الذي يهدد المحيط الايكولوجي البحري وفي نفس الآن يهدد الصياد البحري في كينونته وفي رزقه اليومي.
  9. أخيراً نوصي بإتاحة الفرصة لأعضاء التعاونية المشاركة في وضع قواعد الشكل التنظيمي الذي يرغبون فيه بعيداً عن المقاربة الافقية وسياسة التعليمات وتزيين الواجهة. كما أوصي بانتخاب الكفاءات والأطر ذوي الخبرة في المجال التدبيري في المجالس الإدارية بعيداً عن منطق استراتيجية القرابة وفي حالة ما تعذر على التعاونية توفير أطر كفئة نوصيها باستقطاب إطار كفئ من خارج التعاونية شريطة أن يكون تحت إشراف الجهاز المنتخب من لدن المنخرطين.

5-خلاصة:

في ختام مسيرتنا البحثية والتي تميزت بمجموعة من السجالات النظرية لمختلف التوجهات والرؤى المعرفية المتعددة راهنا منذ البداية على أن بحثنا السوسيولوجي ليس رفاهيةً أكاديمية بل على العكس من ذلك اعتبرناه رحلةً لترتيب وتجزئ الأفكار والبيانات التي تكشف عن بعض الانتظامات والجمع فيما بينها محاولين قدر المستطاع صياغة أفكاراً جديدة منطلقها الواقع والميدان وفي الآن نفسه متسلحةٌ بعدة نظرية هاذان المنطلقان بين ما هو نظري وما هو تطبيقي شكلتا بالنسبة لنا بوصلة وخارطة طريق مكنتنا إلى حدٍ ما رسم معالم بحثنا السوسيولوجي.

من دون شك فإن ما توصلنا إليه في هذا البحث يبرز بوضوح وجلاء ضعف المؤسسات التعاونية في قطاع الصيد البحري والتي تُعد بنية من بنيات الاقتصاد التضامني والذي لا يرقى إلى تحقيق الإقلاع التنموي الاقتصادي والاجتماعي لمهنيي القطاع بشكل خاص وللساكنة المحلية بشكل عام، وهنا يمكن القول أن النهوض بالأوضاع التنموية في أبعادها الشمولية هو رهين بمدى تمثل الفاعلين في قطاع الصيد البحري بأسس ومتطلبات العمل التعاوني كما هو متعارف عليه في البلدان التي راكمت تجارب ناجحة ورائدة في هذا الباب، كما هو رهين بكفاءة الأطر المسيرة والمدبرة للشأن التعاوني بعيداً عن الطروحات الانتهازية والوصولية، وهو يجب أن يكون شرط أساسي لولوج عضوية المجالس الإدارية للتعاونيات بدل الانخراط استناداً إلى عوامل قرابيه وزبونيه ومصلحيه.

6-المراجع:

عن المنظمة العالمية للتغذية والزراعة حالة مصايد الاسماك وتربية الاحياء المائية في العالم

ادريس الضحاك الموجز في قوانين الصيد البحري و تطبيقاتها في المغرب مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 1 ، 1987،صفحة 3

ندوة دولية نظمتها الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلف بالتخطيط حول موضوع: “الاقتصاد الاجتماعي ومكوناته في المغرب من 20 أبريل إلى 26 من نفس الشهر، سنة 1987”

إبراهيم بايزو، التنمية مشاركة في مقاربة المسألة التنموية من منظور تشاركي، افريقيا الشرق، 2015م.

إدريس الكراوي، التنمية نهاية نموذج، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2018.

بوركية مصطفى، المقاربة التشاركية وأليات تتبع وتقييم مشاريع التنمية المحلية، المطبعة السريعة، القنيطرة، 2016م.

الدكتور محمد كريم، الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب، التنمية المعاقة وجدلية الاقتصاد الاجتماعي القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مطابع أفريقيا الشرق 2012م.