اللغة العربية وإشكاليات الهوية

م. م فاطمة موسى عبد العباس1

1 مديرية تربية بابل، العراق

بريد الكتروني: hchumake@gmail.com

HNSJ, 2021, 2(11); https://doi.org/10.53796/hnsj21131

تاريخ النشر: 01/11/2021م تاريخ القبول: 12/10/2021م

المستخلص

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياء والمرسلين، أبي الزهراءِ محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ الصادقِ الأمينِ صلى الله عليه، وعلى أهلِ بيتِهِ الكرامِ الطيبين، اللهم لك الحمدُ والشكرُ والثناءُ أنَّكَ اللهُ الرحمنُ الرحيمُ، ولكَ الحمدُ كمَا يَنْبَغي لجلالِ وجهِكَ وَعَظيمِ سُلطانِكَ، ولك الحمدُ بالإيمانِ والإسلامِ والقرآنِ، ولكَ الحمدُ أنتَ الحقُ، وقولُكَ الحقُ ووعدُك الحقُ، ولِقاؤكَ الحقُ أَمَّا بعدُ:

إنَّ القرآنَ الكريم هو الأرضُ الخصبةُ للعلومِ كافّة، ولغة هذا القرآن العظيم هي اللغة العربية؛ ولَمَّا كانت معجزة نزول القرآن الكريم بهذهِ اللغة مِمَّا أضفى عليها القدسية والعناية الالهية، فقد تحولت مِنْ لغة تختص بقبائل الصحراء إلى لغة أمَّة إسلامية قادت الحضارة لقرون متتالية؛ إذ لها أهمية كبيرة في الثقافةِ والتراث والأدبِ العربيّ؛ لأنَّها تعتبر جزءاً من الحضارةِ العربيةِ، فهي مِنَ اللغات الإنسانية الساميّة والتي ما زالت محافظةً على تأريخها اللغويّ والنحويّ منذُ قديم الزمان.

تعتبر اللغة العربية مِنْ أخصِّ المكوناتِ المؤثرة على الهوية، ووعاء المعرفة والثقافة، ومَهدُ انطلاقاتها الكبرى، وحين تتطور الثقافة وتزدهر فانظر إلى الجانب الآخر تجد أنَّ اللغة في أفضل عصور ازدهارها، فهي مِنْ أهم مقومات الهوية العربية، حيث عملت طويلاً على نقل تأريخ وثقافة الحضارات العربية عبر الزمن وتعتبر مِنْ أهم العوامل التي حافظت على توحيد الامة العربية مِنَ المحيط إلى الخليج، كما ساهمت في حفظ تأريخ العرب منذ العصر الجاهلي، فقد حفظت تأريخهم الكامل, وبطولاتهم, وشعرهم؛ ولأنَّ اللغة العربية لغة الاسلام والمسلمين والقرآن الكريم وقد انتشرت انتشاراً واسعاً فه مِنَ اللغات التي يسعى العديد مِنَ الطلّاب إلى دراستها, وخصوصاً غير الناطقين بها مِنْ أجل التعرف على جمال كلماتها كما أنَّها مِنَ اللغات التي ظلت محافظةً على قواعدها اللغوية حتى هذا الوقت كما أنَّ الثقافة العربية غنيةٌ بالعديد مِنَ المؤلفات سواءً العلميّة أو الأدبية التي كُتِبَتْ بِلُغَةٍ عربيةٍ فصيحةٍ.

الكلمات المفتاحية: اللغة، الهوية، العربية، إشكاليات

Research Article

The Arabic language and identity problems

NS. M Fatima Musa Abdel Abbas1

1 Babylon Education Directorate, Iraq.

Email: hchumake@gmail.com

HNSJ, 2021, 2(11); https://doi.org/10.53796/hnsj21131

Published at 01/11/2021 Accepted at 12/10/2021

Abstract

Praise be to God, Lord of the worlds, and prayers and peace be upon the Seal of the Prophets and Messengers, Abu al-Zahra Muhammed bin Abdullah, the Truthful and Trustworthy, may God’s prayers and peace be upon him, and upon his honorable and kind family. Oh God, to you be praise, thanks and praise that you are God, the Most Gracious, the Most Merciful. Praise be to faith, Islam and the Qur’an, and praise be to You, You are the Truth, Your speech is the Truth, Your promise is the Truth, and Your meeting is the Truth. As for what follows:

The Noble Qur’an is the fertile ground for all sciences, and the language of this great Qur’an is Arabic; Since the miracle of the revelation of the Noble Qur’an in this language, which bestowed on it sanctity and divine providence, it turned from a language specific to the tribes of the desert to the language of an Islamic nation that led civilization for successive centuries; It has great importance in Arab culture, heritage and literature; Because it is considered part of the Arab civilization, it is one of the Semitic human languages, which has preserved its linguistic and grammatical history since ancient times.

The Arabic language is considered one of the most important components affecting identity, the vessel of knowledge and culture, and the cradle of its major breakthroughs. Through time, it is considered one of the most important factors that preserved the unification of the Arab nation from the ocean to the Gulf. It also contributed to preserving the history of the Arabs since the pre-Islamic era. It preserved their complete history, heroism, and poetry; And because the Arabic language is the language of Islam, Muslims, and the Holy Qur’an, and it has spread widely, it is one of the languages ​​that many students seek to study, especially non-native speakers, in order to identify the beauty of its words. It is rich in many books, whether scientific or literary, that were written in fluent Arabic

Key Words: language, identity, Arabic, problems

المقدمة

وَمِمَّا لا شَكَّ أَنَّ اللغةَ العربيةَ هي الفِكر وهي الهوية والماضي والحاضر وفي المستقبل, وتواجه اللغة العربية في الوقت الحاضر عدة آفات منها استعمال لغة الباحثين والمذيعين والمحاضرين، وقد غلبت لغة العامَّة حتى على لغة المدَرِّسين والأساتذة في المدارس والجامعات، بخلافِ ما كانَ عليهِ الأمر مِنْ قبل، فقد كانَ المعلمون في المدارسِ الابتدائية لا يلقون دروسهم إلا باللغة العربية السليمة، وَمِنْ المعاناة انتشارها أيضاً في شتَّى وسائل الإعلام المرئية, والمسموعة والمنطوق بها وفي الإعلانات ولافتات المحال التجارية والمطاعم والمقاهي وغيرها، وممَّا يبعث على الأسى استعمال العامية في مناقشة الماجستير والدكتوراه في بعض كليات الدراسات العليا في الجامعات الرسمية في بعض الدول العربية؛ فبهذا علينا إنقاذ الهوية العربية مِنْ خلال التوعية الاجتماعية مِنْ طريق الإذاعة والتلفزة، وإقامة ندوات تثقيفية وإلقاء محاضرات تَحضُّ على استعمال اللغة الفصيحة، فهي التي تيسر التفاهم بين أبناء المجتمع العربي، فالوحدة السياسية لا يتأتى تحقيقها إلّا مِنْ طريق التوحيد اللغوي، والاعتزاز باللغة العربية والحرص على استعمالها في كل المجالات وتذكير المجتمع بما كان للغتنا مِنْ شأنٍ كبيرٍ في العصور المختلفة ولدى جميع الأمم التي انضوت تحت راية الدولة العربية الاسلامية. وقد استخدمت المنهج الاستقرائي في هذا البحث و جمعت المعلومات من عدة مصادر ومنها مثلاً الخصائص لأبن جني وكذلك البيان والتبين للجاحظ وغيرها.

اللغةُ العربيةِ و إشكاليات الهوية:

اللغة العربية لها وظائف وعلاقة بالهوية، فاللغة ليس كما يتصورها البعض هي تلك الأصوات التي يتواصل الناس بواسطتها فيما بينهم فحسب، وإنِّما هذه الوظيفة غاية الدور الذي تؤديه والبحر الذي تصل إليه، والحقّ أنَّ بحر اللغة أعمق، وأكبر، وأنَّها تتشارك مع الدين والتأريخ فتشكل بذلك هوية للمجتمع بكامل وظائفها المتعددة، فَمِنْ أبرزِ وظائف اللغة التي لها علاقة بالهوية هو التواصل، وهو أحدها وليس أهمها، فاللغة كما عَرَّفَها أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ) في كتابه الخصائص:(أَصْواتٌ يُعَبِرُ بِها كُلّ قومٍ عَن أَغْراضِهِم) (1)هذا التعريف يصلح لدور نشوء اللغة، أما بعد اكتمالها فقد صارت جزءاً من تفكير أصحابها، واكتسبت مع الزمن صفة أسمى وأرقى من مجرد الرمزية، لأنها اتصلت بخواطر الناس وعقائدهم ومشاعرهم.

فاللغة التي ينشأ فيها الفرد ويرضع لبانها ويحيط بأسرار أساليبها وعجائب تصاريفها على مر الزمن، حتى تصير ألفاظها وتراكيبها الموروثة حاملة من كل جيل بصماتِه، ومظهَر سلوكه، وملامحَ شخصيته، وتصبح بوضوحها وشمولها وعاءً لمعارفه ينتمي إليها بعقله وقلبه وخياله يحفظها من الضياع خوفاً من أن يفقد شخصيته حين يفقدها، فَمِنْ خلال اللغة يستطيع الإنسان أنْ يُعَبِّر عَنْ آرائهِ، ومَشاعرهِ، واتجاهاتهِ الخاصة نحو موضوعات كثيرة، وتميَّزه عَنْ غيرهِ مِنَ المخلوقات، كما قال تعالى:((وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ))(البقرة: ٣1)، فَكَرَّمَهُ بأنْ علَّمَهُ أسماء كلَ شيء، وهو بذلك يُثْبِتُ هويتَهُ وكيانه الشخصي ويُقَدِّم أفكار للآخرين(2).

لقد اهتم علماء الأمة المعتبرين باللغة العربية اهتماماً بالغاً؛ لأنَّهَا لغة القرآن الكريم ولغة نبينا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) يُفهَم الدين، ويُحفظُ ويُنْقَل، وكانَ اللحنُ أمراً مُشيناً يُعابُ بِهِ الناس، سيَّما أهل الفضل والعلم.

وقد حثَّ العلماءُ على تَعَلُم العربية وآدابها لِمَا ينعكس على صاحبها مِنْ فصاحة اللسان، وبلاغة البيان، وحُسن وتركيب الكلام، فضلاً عَنْ فهم الدين وجمال الخلق، فهي تؤثر في العقل والدين والخُلُق؛ فأولوها اهتماماً كبيراً لا يقل عن اهتمامهم بالعلوم الشرعية، فهي آلة ووسيلة لفهمها، والدليل على ذلك هو تأليفهم الكثير من الكتبِ والمجلدات في اللغة العربية وآدابها فيروى عن الشافعي أنه قال: “أقمت في بطون العرب عشرين سنة، آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن فما علمت أنه مَرّ بي حرفٌ إلا وقد علمت المعنى فيه. (3)

فاللغة تعتبر وسيلة التفاهم والتخاطب والتعبير عن ما تكنَّه النفس البشرية، وما يحمله الإنسان من عواطف ومشاعر تجاه الآخرين وتجاه الأشياء، فهي رأس مطالع العلوم, فقد قيل: “مطالع العلوم ثلاثة: قلب مفكر، ولسان معبر، وبيان مصور(4)، وكان اللسان أحد مطالع الجود؛ ولهذا كان الكلام أداة السحر البياني، وقد وفق الشاعر الجاهلي إذ جعل الكلام نصف الحياة الإنسانية، أو أحد أجزئها الثلاثة فقد قال(5):

لِسانُ الفَتى نِصْفٌ وَنِصفٌ فُؤادُهُ … فَلَمْ يَبْقَ إلاّ صُورَةُ اللّحمِ والدّمِ

فبالعبارة الجزلة الجميلة المؤثرة تُستَدر عواطف، ويُجمع بها شتات قلوب، فاللغة أخطر الظواهر الاجتماعية الإنسانية على الإطلاق، وكل تقدُّم اجتماعي كُتِبَ لَهُ الكمال إنَّما تَمَّ لوجودِ اللغةِ، فَلو تَصورنا طائفة مِنَ الناسِ مجتمعة على عمل معيَّن، لا يتم إلَّا بالتعاون بين أفراد هذهِ الطائفة؛ فذا التعاون يقتضي توزيعاً للعمل بحيث يكون لِكلِ فرد دورهُ الخاص الذي يقوم بهِ، وبحيث يكون بعض الأفراد موَجهاً، وَرئيساً وبعضهم موَجِهاً ومرؤوساً، وبحيث يلزم أن يَتُم اتصال من نوع معين بين الرئيس والمرؤوس لصالح العمل، ثم نبحث في خيالنا فسوف لا نجد وسيلة للاتصال أنجح في هذا الباب مِنَ اللغة؛ إذ هي أداة مِنْ أدوات تنسيق الجهود الفردية، ومزجها في مجهود جمعي عام.(6)

واللغة أخطر رابطة تأريخية تربط بين الأجيال المختلفة مِنَ الشَعب الواحد رِبَاطاً، يجعل وحدة هذهِ الأجيال حقيقة ملموسة على رغم اختلاف العصور، ذلك بأنَّ اللغة وعاء التجارب الشعبية والعادات، والتقاليد والعقائد التي تتوارثها الأجيال واحداً بعدَ الآخر، فصفة الاستمرار لكل هذا لا تأتي إلَّا عَنْ طريق اللغة، تورث معها وتبقى ببقاء مِا يدل عليها مِنَ المفردات والتراكيب، وإحساس الخلف بجهة شِرْكَةٍ لغويَةٍ بينهُ، وبينَ السلف كفيل بخلقِ إحساس بالوحدة الشعبية بينَهما.(7)

وقال الثعالبي في باب مدح اللسان((كان يقال: ما الإنسان لولا اللّسان إلا صورة ممثّلة، أو ضالة، أو بهيمة مرسلة. وقال بعض الحكماء: المرء بأصغرية قلبه ولسانه، إن نطق نطق ببيان، وإن قاتل قاتل بجنان))(8)، وقال الجاحظ: ((اللسان أداة يظهر به البيان، وشاهد يعبر عن الضمير، وحاكم يفصل بين الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، وواعظ ينهي عن القبيح، ومبشر ترد به الأحزان، ومعتذر تذهب به الأضغان، ومله يونق الأسماع، وزارع يحرث المودة، وحاصد يستأصل العداوة، وشاكر يستوجب المزيد، ومؤنس يسلي الوحشة))(9). ويقال: ((المرء مخبوء تحت طي لسانه، لا تحت طيلسانه. وقال بعض العلماء البلغاء: للسان فضائل معدومة في الجوارح، ودرجته عالية على درجاتها، لما خصه الله به من النطق والبيان وأنطقه بالذكر والقرآن،…، اعلم أن كمال العالم هو الإنسان، وكمال الإنسان هو اللسان، وجماله هو البيان. نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى عمه العباس رضي الله عنه فتبسم، فقال له: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ فقال: «أعجبني جمالك يا عم» ، فقال: أين موضع الجمال مني؟ فأشار إلى لسانه، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: «جمال الرجل فصاحة لسانه»))(10).

وهنا يبرز إشكال الثقافة والهويّة لدى العرب كأحد أهمّ الإشكالاتِ المعاصرة، والتي لم تكن تحدثُ من قبل لأسبابٍ عديدةٍ. ويمكن تلخيص الإشكال في كل مجتمعٍ يقف ثقافياً بين ثلاثة أبعاد: البعدُ الأول ثقافتُه المحلية المرتبطةُ بعاداته ومنتجاته الفكرية المحلية من أدب محلي وصناعات وإبداعات محلية ولغة أو لهجة محلية….والبعد الثاني تاريخُه ومنتجاتهُ الفكرية الإبداعية والإنسانية كالآداب والثقافة والتراث على مدى القرون الماضية، وهو جهد المجتمعات المنتمية كلها عبر أجيالٍ بل قرونٍ …والُبعد الثالث مرتبطٌ بالثقافة العالميةِ التي تعبر الحدود بين الثقافات، ولا تعرف وطناً محدداً تأوي إليه، وتسكن في مجتمعه. وهذا مرتبطٌ بالعولمة أكثر شيء… وبين الأبعاد الثلاثة تحتار بعض العقول وتضيع بعض الهويات

والإشكال القائم هو: هل الثقافةُ المحلية هي المحددةُ للهوية الثقافية لدينا مثلاً، أم الانتماء الفكري لتراثنا العربي الإسلامي ومنتجاته هو المحدد الأعلى لهذه الهوية الثقافية ؟! وما مدى قبولنا للثقافة العالمية ماذا نأخذ وماذا ندع

لاشكّ أن الثقافة المحليّة مهمةٌ؛ لأنها الثقافة المعيشة والمنقولةُ نقلاً مباشراً عبر المعايشة من جيلٍ إلى آخر، ولكنها قد لا تحدّد الهوية الثقافية، بل يحددها ماهو أعلى سقفاً من ذلك! وليس من حسن التخطيط الثقافي أن تعكف دولةٌ ما على ثقافتها المحلية فقط، وتهمل مكوناتها الفكرية المرتبطة بالبعد الثاني، حتى إن كانت خارج حدودها الجغرافية السياسية في أيّ مكان، خصوصاً أن بعض الدول الكبيرة في العالم لديها ثقافات متنوعة ومنتجات فكرية مختلفة، ولغات عديدة أحياناً، وثقافات محلية مرتبطة بالعادات أو التقاليد والفنون مما يجعل اختيار إحداها وترك الأخرى عملاً مضراً ليس بالبلاد نفسها فقط، بل بالتراث الإنساني… ومصر والهند نموذجان جيدان لذلك فمصر بلاد تعاقب عليها ثقافات مصرية قديمة ثم يونانية ثم رومانية ثم إسلامية عربية وفي كل مرحلة هناك تراث أدبي وفنون وآثار وفلسفات وأفكار ودين …والهند مثلها بل أكثر في هذا المجال. ومحاولة توحيد هذا التنوع والثراء وإلغاء بعضه غير جيدة؛ لأنها خسارة لهذه الدولة نفسها. وقد لا تدرك قيمة وحجم الخسارة إلا بعد جيل أو جيلين أو ثلاثة، وربما صعب استعادتها هنا.

هذه القراءة الفكرية للهويّة وارتباطها بالثقافة على جانب كبيرٍ من الأهمية لاتصالها بالمادة الثقافية التي نقدّمها عن أنفسنا، ولاتصالها بالمناهج التربوية التي تقرها الدول في مدارسها لأبنائها، وبفلسفة الوطن كله وهويّته …فقد ترى بعض الدول العربية مثلاً تعكف على تراثها الشعبي المحلي، وتنسى امتدادها التاريخي مع أنه هو الذي يمنح الأرضية الصلبة لهويتها الثابتة والحقيقية، وقد تنسى كذلك هويتها وتراثها القريب، وتتمسك بتراثها الموغل في القدم بما فيه، وهذا إشكال آخر يؤدي إلى ازدواجية الشخصية الثقافية.

وإذا كان لكلِّ أمةٍ حضارةٌ مبنّيةٌ على لغتِها وثقافتِها، فكلّ اختلال يعرضُ لِهذهِ الحضارة يكون نتيجة غياب لغتِها عن التداولِ، أو قلة الاحتفال بها، فتضعفَ سيطرتُها عليهم، إذ هي الرَّحِم بينهم، ويكون ذلك إيذاناً بانهيار حضارتهم أو سقوطها، وبين الإحاطة باللغة والقصور عنها، مزالق ومخاطر تستوجب الحذر، تضل عنها العقول، فتنقلب المعاني مُشوهة الصورة، فلا يتبين صحيحها من مزيفها، ولا صوابها مِنْ خطئِها، واللغة مفتاح، يساعدنا على ولوج أي مجتمع من المجتمعات، للكشف عن أنواع سلوكه ونشاطه الثقافي والاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي، وتحديد ملامح شخصيته في عصر من العصور، والعلاقة بين اللغة والفكر، هي العلاقة بين الألفاظ والمعاني، وقدرة اللفظ على اختزان المعاني أو قُدرة الفكر على شَحْن الألفاظ بأكبر طاقة من المعاني. والنظرة إلى المعنى تختلف باختلاف الدارسين من فروع الدراسات الإنسانية، كالأدب واللغة وأصول الفقه والفلسفة والمنطق وعلم النفس.(11)

ونَلْحَظُ أَنَّ الضياعَ القومي والانهيارَ الفكري الذي يُنْذِر بمحوِ روحِ الانتماءِ أو الهوية التي تُعَدُّ اللغة قُطبها الذي يَتجسد وتَتمثل فيهِ كلّ القيمِ والمثلِ وأنماطِ السلوكِ الفارقةِ بينَ قومٍ وقوم والمميزة لأمَّةً مِنْ أخرى، هو إيثارُ اللغات الأجنبية على لغتنا العربية فيهِ تقليلٌ لشأنِها واضعاف لمنزلتها بين الناس، حتى أصبحت دراسة اللغة العربية في الغالب قائمة على الاستيعاب المؤقت لحين تجاوز الاختبارات الدراسية، بيد أنَّنا نجد اللغة العربية تمتاز بعذوبة ألفاظها، وجمال تراكيبها الكلامية ومحسّناتها البديعية، مِمَّا يجعل دراستها رغبة في تذوق جماليتها والتحلي بتطبيقاتها، إضافة إلى آثارها التربوية العميقة في غرس الفضائل الخلقية، ونبذ الرذائل السلوكية، مِنْ خلال أدب اللغة العربية الذي تزخر بفيض مِنَ الحكم والأمثال والقصائد والنثر الذي يشحذ الهمم نحو اكتساب الفضائل والتمثل بها، من صدق وأمانة وكرم وعفة ونحو ذلك.

وإذا لم يكن للعرب تمدن مادي قديم، فإن مدنيتهم قد ظهرت في عنايتهم بلغتهم، حتى كان يندر من يلحن بينهم، فقَديماً كانَ اللحنُ مَثلَبَةٌ مِنْ مَثَالِب الفَتى، لا يَرتقي فِي أعْين ذوي الألباب والأفهام حتى يُحْسِنَ مِنْ لِسانِهِ، قالَ ابن الأنباري: ((وكيف يكون الخطأ في الكلام مستحسناً والصواب مستسجماً، والعرب تقرب المعربين، وتنقص اللاحنين، وتبعدهم،…، قوم استقبح رميهم: ما أسوء رميكم، فيقولون: نحن قوم متعلمين، فيقول: لحنكم أشد عليَّ مِنْ فساد رميكم، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلَّم) يقول “رحم الله امرأً أصلح مِنْ لسانهِ”.(12)

ويعتبر اللحن شنيع خاصةً في طبقة المتعلمين، يقول شعبة: “مثل الذي يتعلم الحديث، ولا يتعلم النحو، مثل البرنس لا رأس له”. وقال المأمون لأحد أولاده وقد سمع منه لحناً:” ما على أحدكم أن يتعلم العربية فيقيم أودَه، ويزين بها مشهده، ويَفَلَّ بها حجج خصمه بمستمسكات حُكمه، ويملك مجلس سلطانه بظاهر بيانه، أو يَسًرًّ أحدكم أن يكون لسانه كلسان عبده، أو امته، فلا يزال الدَّهرَ أسير كلمته(13).

وفي عصرنا ازداد الجهل بقواعد اللغة وبأدائها وعلومها وفنونها، وربما أخذت اللغات الأجنبية عناية تربوية تفوق العناية بالعربية، وهي شكوى قديمة الأثر، وذكر ذلك الإمام الشافعي بقوله: ((ما جهِل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس))(14).

اللغة العربية لها قيمة ومنزلة تربوية عظيمة، انبثقت مِنْ مكانتها العظيمة التي اختصت بها وتميَّزت، فمِنَ الآثار الخلقية للغة العربية هو التمسك بِأهداف الشريعة الإسلامية وهو اول أوصاف الأخلاق الحميدة للفرد، فللمُتَمَعِن في اللغة العربية وفروع علومها يجد أنَّها وعاء عميق للتربيةِ الخلقيةِ، وهجر للرذائل السلوكية، وَأَنَّ العناية بِها عِنايةٌ بالأخلاقِ والسلوك، وأَنَّ رعايتها رعاية للتربيةِ الخلقية؛ إذ أَنَّ لها أثَراً عظيماً وفاعلاً في بث الفضائل الخلقية، وَمِنْ خلال البلاغة اللفظية التي تَمَيَّزت بها اللغة العربية يستطيع الكاتب أو الداعية أنّ يثير بالنثر الجميل أو الشعر البديع التأمل في آيات الله الكونية، وما أودعه الله فيها مِنْ جمال وإعجاز وأسرار، ومِنْ آثارها أيضاً الحث على مكارم الأخلاق، للغة العربية آثار تربوية عظيمة في اكتساب الفضائل الخلقية وهجر الرذائل السلوكية، وذلك بما اشتمل عليه الأدب النثري والشعري من حث على مكارم الأخلاق، فللغة العربية آثار تربوية عظيمة في اكتساب الفضائل الخلقية وهجر الرذائل السلوكية، وذلك بِما اشتمل عليه الأدب النثري والشعري مِنْ حث على مكارم الأخلاق.

تعتبر اللغة بصفة عامَّة الوعاء الذي يحتضن ويحمل العلم، ويُنْتَقَلُ بهِ مشنْ مَكَان إلى مَكَان، وَمِنْ زمَن لآخر، ولولا نعمة اللغة التي امتَّنَ الله بها على عبادهِ، لما توارثت الأمم حضارات غيرها، واستفادت مِن عِبَرِ الأحداث وما تفتقت عنهُ عقول العقلاء في كل فن وعِلْم. فهي لغة القرآن الكريم، ولغة خاتم الأنبياء والمُرسلين، تغيرت اللغات واندرست أخرى، وهي ثابتة في نمو وازدهار، تأثرت بالفصحاء في جمال تركيب وحسن البيان، وأثرت في البلغاء، فأمدَّتهم بأجمل الكلمات وأفصح الألفاظ، حتى وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً، وما ضاقت عَنْ آية بهِ وعضاة، ونلحظ أنَّ بهذه اللغة صاغ العرب الحِكَمَ والأمثال، ونَظموا الأشعار وتحدثوا بأعذبِ العبارات، وأجمل الألفاظ، متأثرين بلغتهم العربية التي صنعت فيهم التَمَدُن الفكري والذوقي، يقول مصطفى صادق الرافعي: (0ولكننا إذا اعتبرنا لغتهم رأينا حقيقة التمدُن فيها متمثلة، وشروطه في مجموعا متحققة، فهي مِنْهُم بحر الحياة))(15).

ذلك حينها بَدأ علماء الأمَّة تقنين اللغة كانَ الباعث تعليمياً، قبل كل شيْ، مِنْ مُنْطلَق الحفاظ على صحة التعبُد بهِ، وكان أمام علماء الأمَّة لغة ناضجة متكاملة، والمطلوب تدوين قوانين هذهِ اللغة وصورها التعبيرية في قواعد وأصول نحوية يمكن الرجوع إليها لِتَعَلم طرق الأداء اللغوي، لا سيَّما أنَّ كثيراً مِنْ غير العرب قدْ دخلوا الدين الإسلامي، ولا بًدَّ لهم مِنْ أجل أنْ يفهموا الإسلام ويقرؤوا القرآنَ الكريم مِنْ أنْ يتعلموا العربية.

لهذا وذا فعلماء العربية لم ينطلقوا مِنْ فراغ بل انطلقوا مِنْ قواعد أساسية كانت ترشدهم إلى رواية اللغة واستنباط أحكامها، فَمِن القرآن الكريم وطرق تلقيهِ أخذوا السماع؛ لأنَّ القرآن الكريم وصل إلى اناس مسموعاً وأوَّل حفَّاظهِ هو السول الأكرم محمد(صلى الله عليه وآلهِ وسلَّم) وقد أكَّدَ هذا المعنى بقولهِ تعالى:(( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))[الأعراف :204]، فإنَّ اللغة العربية حافظت على الهوية مِنَ الضياع؛ لأنَّها لغة القرآن الكريم التي وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً، قال تعالى(( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))[فصلت:3].

وخُصَّت اللغة العربية من بين لغات العالمين بخصائص انفردت بها عن غيرها، سَمَتْ بها عن لغات الدنيا، وأصبحت بينها كالقمر بين الكواكب تتضاءل الأنوار من حولها، وكأنها القطب والكل في فلكها يدور، ومن تلك الخصائص التي انفردت بها عن لغات الدنيا قاطبة ما يلي:(16)

1- مرونة الاشتقاق وجذورها متناسقة.

2- الاشتقاق، الذي يعدّ مِنَ الخصائص النادرة في اللغة العربية.

3- الترادف والتضاد اللذان يعتبران مظهراً مِنْ مظاهر اللغة العربية.

4- الأصوات إذ إنَّ اللغة العربية بلغت الكمال والإعجاز خاصَّة في صفة الصوت.

5- دقة التعبير حيث إنَّ اللغة العربية تتميَّز بالفصاحة، والرصانة، والجودة، وسلامة التراكيب.

6- التعريب، عبارة عن عملية تهذيب للكلمة التي تخرجُ وِفْقاً للأوزان العربية وأبنيتها.

7- الإيجاز.

8- التمييز بين المذكر والمؤنث، واحتواؤها على الضمائر الخاصة بكل مِنَ المذكر والمؤنث.

9- قدرتُها على استيعاب اللغات المختلفة الأخرى.

ولا يخفى أَنَّ هذهِ الزوايا والمنطلقات التربوية تؤكد أهمية التطرق لهذا الموضوع والكشف عن أهمية اللغة العربية وعلومها في الحفاظ على الهوية، والتي يغفل عنها كثير من الناس، حتى لكأن دراستها مِنْ قبل الطالب لحصول النجاح بتجاوزها، مصروف النظر عن إدراك أهميتها والحاجة إليها، في حين أنَّ ما تغرسه مِنْ آثار تربوية جدير بأن يبذل فيها الدارس وسعه ونشاطه وجهده.

الظاهر أن الشعور بالانتماء إلى هوية ثقافية معينة هو بمنزلة حاجة نفسية واجتماعية ضرورية لا غنى عنها لأي إنسان . فهذا الانتماء هو المجال العاطفي والرمزي لنمو الذات وإثباتها وتفتحها . فالكائن البشري يمكن تشبيهه بشجرة ، ليس بمقدوره أن ينمو ويعيش حياة عادية إذا لم تكن له جذور ثقافية عميقة يتغذى منها روحيا ومعنويا ، ويستمد منها معاني لحاضره ومستقبله . وفي تقديرنا أن الإحساس بالهوية الثقافية والوعي بها لا يُصطنع أو يُصنع صنعاً ، بل يوجد دائما كالمكبوت في حالة الكمون . يستيقظ ويشتد ، في ظروف التحولات والانتقالات الكبرى التي تجتازها الشعوب، وتتخللها الأزمات والتصدعات الاجتماعية والنكسات . ذلك لان التشبث بالهوية الثقافية في هذه الحالة يكون بمنزلة الملجأ والملاذ الآمن.

إن إطلالة استقرائية سريعة إلى تراثنا الثقافي ، تكشف بقدر كافٍ من الوضوح أن الخطاب عن الهوية الثقافية في فكرنا العربي الحديث والمعاصر ارتبط غالبا بالماضي أكثر مما ارتبط بالمستقبل ، بسبب اعتقاد سائد عندنا بأننا ورثنا من الماضي وعن السلف تراثاً قيمياً قادراً على أن يوقع بختمه شخصيتنا مرةً واحدة وإلى الأبد ، تراثاً وصف بأنه متحرر من قيود المكان والزمان ، ومُسقِط من حساباته التغيرات الطارئة على العالم باستمرار . يكفينا إلقاء نظرة متأنية على السمات العامة التي تطبع عادة المراحل الحاسمة في التطور التاريخي للبشر ، للوقوف على ما يتعارض تماما مع ذلك الاعتقاد . فمهما كانت المجتمعات البشرية حريصة على أن تظل وثيقة الصلة بقافاتها في صبغها العريقة وأصولها القديمة ، فإنها غير قادرة على الاستمرار إلى الأبد باعتبارها مجرد مستهلك عقيم لتلك الثقافات ، لذا فهي تضطر إلى تحديثها تدريجيا كلما أرغمتها الظروف والضرورة على ذلك ، طبقا بالقدر الممكن لها استيعابه مرحلياً وتحمله.

الحاصل لدينا من كل ذلك هو أن الظاهرة اللغوية ظاهرة طبيعية ، بمعنی أنها تسير من تلقاء كينونتها وفق نوامیس خفية تحدد سيرها بشكل مطلق يصدق على كل الألسنة البشرية ، ثم بشكل مقيد ينطبق على الألسنة الطبيعية كل لسان منها على حدة بحسب خصائصه الذاتية وبحسب طبيعة الأسرة التي ينتمي إليها والفصيلة التي يندرج في خانتها . ولكن الحاصل الأهم هو أن الإنسان بوسعه أن يتدخل في الظاهرة اللغوية – تماما كما يتدخل في عديد الظواهر الطبيعية الأخرى – فيحدد مسيرتها ، ويتحكم في مجريات أحداثها ، وقد تصل الإرادة البشرية في توجيهها للظاهرة اللغوية إلى حد إبادتها وهي في أوج تألقها ، أو إحيائها وهي على عتبة مدافن التاريخ . إن اللغات تترك على عواهنها فتتغير وتتبدل ، فتستحيل عبر القرون من هيئة إلى هيئة حتى تنحل إلى ألسنة تتغایر ، ثم تنفصل عن الأم الأولى ، ثم يتباعد ما بينها من أواصر النسب حتى تتمایز وتتباين فتمسي ألسنة مختلفة . غير أن تبدل اللغات وانسلاخها الزمن قد تحف بهما عبر ظروف تاريخية تكبح نزوع الظاهرة الطبيعية نحو التبدل ، فيستمر كيانها ، ويكتب لها الدوام فتبقى ، ويتعطل حيالها قانون التاريخ القاضي بفنائها عبر الانسلاخ .

إننا نفهم من الهوية الثقافية قبل كل شيء الشعور بالاعتزاز القوي بالانتماء إلى الأرض والتاريخ المشترك ، وإلى الوطن الذي يحمي الكرامة ويوفر الإحساس بالأمن والأمان ، ويضمن حق التمتع بالعدالة الاجتماعية وبكل الحقوق المتعارف عليها عالمياً ، كما يتيح إمكان الاستفادة من المكتسبات الإنسانية المتاحة في عالم اليوم ، في ظل الانفتاح على الثقافات الإنسانية المغايرة . نراهن بقوة على أن الهوية الثقافية لشعب من الشعوب لیست معطى ثابثا ، ولا مقولة مطلقة خارج المكان والزمان ، بل هي على العكس من ذلك ، إنجاز وعملية تشييد وبناء مستمرة إذا صح ان الهوية الثقافية لشعب من الشعوب تورث في جزء من نواتها وتتناقل عبر الأجيال والعصور ، فهي في جزء مهم منها مشروع مستقبلي متفتح دائما على القابلية للتجدد ، وإعادة التشكل واكتساب سمات جديدة اعتمادا على إمكانات واقعية ، توفرها معطيات المرحلة المعاصرة للتطور البشري في مجالاته المختلفة . والحق أن الحالة الطبيعية والسرية لأي ثقافة ولأي هوية ثقافية في أن تظل قادرة على الحياة وعلى الانفتاح والتطور والتفاعل والاغتنتاء والعطاء ، ولان الهوية تتعين اكثر ما تتعين في الثقافة، فإن الثقافة بقدر ما هي أسلوب متميز في الحساسية والتفكير والسلوك والتعبير ، هي كذلك تفاعل وتبادل مع ثقافات أخرى ، ومثاقفة إيجابية و متكافئة.

النتائج:

تظهر أهمية البحث من عدة منطلقات، وهي:

1- أهمية اللغة العربية والعناية بها فاللغة الفصحى هي أساس القومية العربية ومحورها الذي تدور حوله.

2- الضعف التربوي في ميدان ممارسة اللغة العربية.

3- الحاجة إلى إظهار الخصائص التربوية العظيمة للغة العربية التي تنعكس على المهتم بها في فكرهِ وعلمهِ وأخلاقهِ، وذوقهِ.

4- حاجة الجهات التعليمية إلى معرفة الآثار التربوية للغة العربية مِنْ أجل الاستفادة مِنْها في مجال التدريس، وفي وضع المناهج الدراسية.

5- حفز المعلمين نحو استشعار وتذوق اللغة العربية مِنْ خلال آثارها التربوية بما ينعكس على طرائق تدريسهم.

6- المساهمة في حفز الطلاب نحو الاهتمام باللغة العربية مِنْ خلال بيان آثارها التربوية العظيمة التي تنعكس عليهم مِنْ دراستها.

7- إضافة إلى أنَّ اللغة العربية كانت وما زالت مأرزاً في حفظ العلم وتسهيله على طلابهِ مِنْ خلال نظم الكثير من متون العلم في قصائد بديعة جميلة.

8- كما أنَّ اللغة العربية وسيلة تربوية للنمو الفكري مِنْ حيث توسعة المدارك والخيال، والتأمل والتفكر.

9- لا بد من إيلاء أهمية كبيرة للغة العربية، وَدراستها وتدريسها والاهتمام بتفعيل قواعدها وفروع علومها.

وأرجو أن يكون هذا البحث مساهمة في بيان أبرز الآثار التربوية للغة العربية في الحفاظ على الهوية العربية وأن يكون عوناً لشحذ الهمم نحو مزيد من العناية بهذه اللغة الشريفة وبتدريسها ودراستها وتفعيلها في حياتنا.

الاستنتاج والتوصية:

لا يخفى أن الاهتمام بإشكاليات الهوية يتنامى باستمرار، وأن الحالة السوية لأي هوية أن تظل قادرة على الحياة ، وعلى الانفتاح والتطور والتفاعل والاغتناء والعطاء فلا بد من الحفاظ على الهوية لا بالتقوقع وبغلق الأبواب والنوافذ خوفا عليها فهو من أنجع السبل لإصابتها بالشلل والعقم الدائم،فاللغة تمثل أقدم تجليات الهوية، وأنها مقوم أساسي ضامن لوحدتها وأستمرارها فأن اللغة العربية تنماز بتنوع أساليبها في التعبير، وتعدد صور الاسلوب الواحد منها ولا تقف الصورة الواحدة على ضرب واحد من النظم بل تأتي الصورة أيضاً على ضروب من التركيب والنظم والتآلف ، مما يجعل من العربية زاخرة بأساليبها وصورها وضروبها وتراكيبها ونظمها وتآلفها.

وبذلك إنه لا ثقافة بغير هوية حضارية . ولا هوية بغير إنتاج فكري . ولا فكر بغير مؤسسات علمية متينة . ولا علم بغير حرية معرفية . ولا معرفة ولا تواصل ولا تأثير إلا بلغة قومية تضرب جذورها في التاريخ ، وتشارف بشموخ حاجة العصر وضرورات المستقبل

الهوامش:

(1) الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ)، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: الرابعة، ص:1/34. والمزهر في علوم اللغة وأنواعها، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت: 911هـ)، تح: فؤاد علي منصور، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1418هـ 1998م، ص:1/11.

(2) يُنْظَر: التضمين النحوي في القرآن الكريم، محمد نديم فاضل، أصل الكتاب: أطروحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم بالخرطوم، الناشر: دار الزمان، المدينة المنورة – المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، (1426 هـ – 2005 م)، ص:1/29.

(3) سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى : 748هـ)، ت: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة : الثالثة ، 1405 هـ / 1985، ص: 8/239، وتاريخ بغداد وذيوله، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت: 463هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، تح: مصطفى عبد القادر عطا، ط: الأولى، 1417 ه ص:1/62، وتاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت: 571هـ)، تح: عمرو بن غرامة العمروي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عام النشر: 1415 هـ – 1995 م، ص:51/297.

(4) الآثار التربوية لدراسة اللغة العربية، خالد بن حامد الحازمي، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة: العدد (121), السنة (35) 1424هـ، ص:446-450.

(5) جمهرة أشعار العرب، أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي (المتوفى: 170هـ)،ت: علي محمد البجادي، الناشر: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، ص:178، وشرح المعلقات التسع، منسوب لأبي عمرو الشيباني (ت 206 هـ) ولا تصح نسبته ففي الكتاب نقول متأخرة عن زمن أبي عمرو وليس الأسلوب أسلوبه تح: عبد المجيد همو، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1422 هـ – 2001 م.

(6) يُنْظر: الآثار التربوية لدراسة اللغة العربية، ص: 446-450.

(7) يُنظر: مناهج البحث في اللغة، تمام حسان، الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية، ص:1

(8) اللطائف والظرائف، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت: 429هـ)، الناشر: دار المناهل، بيروت:1/102.

(9) البيان والتبيين، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (ت: 255هـ)،الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت، عام النشر: 1423 هـ، ص:2/50.

(10) اللطائف والظرائف:1/103.

(11) يُنظر: التضمين النحوي:1/30.

(12) الملاحن، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، صححه إبراهيم طفيش الجزائري، بيروت: دار الكتب العلمية (1407هـ ـ 1987م)، ص:72.

(13) بهجة المجالس وأنس المجالس، ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي، تح: محمد موسى الخولي, بيروت: دار الكتب العلمية، ص:1/64.

(14) سير أعلام النبلاء:10/74.

(15) تاريخ آداب العرب، ط1، مصطفى صادق الرافعي، بيروت، دار الكتب العلمية (د. ت)،ص: 441.

(16) ينظر : دراسات في علم اللغة، كمال بشر، الناشر: دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع،ص:193.

المصادر والمراجع:

  • القرآن الكريم.
  • الآثار التربوية لدراسة اللغة العربية، خالد بن حامد الحازمي، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة: العدد (121), السنة (35) 1424هـ ـ
  • بهجة المجالس وأنس المجالس، ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي، تح: محمد موسى الخولي, بيروت: دار الكتب العلمية.
  • البيان والتبيين، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)، الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت، عام النشر: 1423 هـ
  • تاريخ آداب العرب، ط1، مصطفى صادق الرافعي، بيروت، دار الكتب العلمية (د. ت).
  • تاريخ بغداد وذيوله، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة: الأولى، 1417 هـ.
  • تاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571هـ)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عام النشر: 1415 هـ – 1995 م.
  • التضمين النحوي في القرآن الكريم، محمد نديم فاضل، أصل الكتاب: أطروحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم بالخرطوم، الناشر: دار الزمان، المدينة المنورة – المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، (1426 هـ – 2005 م).
  • جمهرة أشعار العرب، أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي (المتوفى: 170هـ)، حققه وضبطه وزاد في شرحه: علي محمد البجادي، الناشر: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
  • الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ)، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: الرابعة.
  • دراسات في علم اللغة، كمال بشر، الناشر: دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع.
  • سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى : 748هـ)، ت: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة : الثالثة ، 1405 هـ / 1985.
  • شرح المعلقات التسع، منسوب لأبي عمرو الشيباني (ت 206 هـ) ولا تصح نسبته ففي الكتاب نقول متأخرة عن زمن أبي عمرو وليس الأسلوب أسلوبه، تحقيق وشرح: عبد المجيد همو،الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1422 هـ – 2001 م
  • أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، الملاحن، صححه إبراهيم طفيش الجزائري، بيروت: دار الكتب العلمية (1407هـ ـ 1987م) .
  • اللطائف والظرائف، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)، الناشر: دار المناهل، بيروت.
  • المزهر في علوم اللغة وأنواعها، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)، المحقق: فؤاد علي منصور، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1418هـ 1998م.
  • مقالات في اللغة والهوية، أحمد محمد قدور الناشر، دار القلم العربي للنشر، تاريخ الإصدار، 1/ كانون الأول، ۲۰۰۹.
  • الملاحن، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، صححه إبراهيم طفيش الجزائري، بيروت: دار الكتب العلمية (1407هـ ـ 1987م).
  • مناهج البحث في اللغة، تمام حسان، الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية.