موقف الدولة العثمانية من الإمارات العربية شمال شبه الجزيرة العربية خلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 1870م حتى 1914م

د. غازي فناطل العطنة1

1 أستاذ مساعد، جامعة الإسراء – كلية الآداب

بريد الكتروني: dr_malek78@hotmail.com

HNSJ، 2021، 2(12); https://doi.org/10.53796/hnsj21222

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/12/2021م تاريخ القبول: 24/11/2021م

المستخلص

تناولت الدراسة أهمية موقع شمال شبه الجزيرة العربية بالنسبة للدولة العثمانية، كذلك أشارت الدراسة إلى أبرز القوى المحلية التي ظهرت في شمال شبه الجزيرة العربية وطبيعة علاقتها مع الدولة العثمانية خلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 1870 حتى عام 1914م، التي سعت جاهدة لمنع النفوذ الأوروبي من الوصول إلى منطقة شمال شبه الجزيرة العربية.

الكلمات المفتاحية: غازي، العطنة، شمال الجزيرة العربية، إبن رشيد، إبن شعلان

المقدمة:

أخذت الدولة العثمانية تولي منطقة شمال شبه الجزيرة العربية أهمية بالغة مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، خاصة مع بدء ظهور مظاهر الاهتمام الأوروبي بالمنطقة، فقد كانت الدول الأوروبية تسعى لزعزعة كيان الدولة العثمانية بغية تقسيمها.

كانت منطقة شمال شبه الجزيرة العربية ذات موقع متميز، فهي تقع إلى الجنوب من بلاد الشام وتربط بين مصر غرباً والعراق شرقاً، ممّا جعل المنطقة محط أنظار القوى الأوروبية التي سعت بدورها لإيجاد موضع قدم لها في شمال شبه الجزيرة العربية.

ظهر في شمال شبه الجزيرة العربية إمارات عربية سيطرت على مجريات الأحداث في تلك المنطقة، ومنها إمارة آل رشيد في حائل ولاحقاً إمارة آل الشعلان في الجوف.

عندما بدأت الدولة العثمانية بمد خط سكة حديد الحجاز، سعت إلى حماية هذا الخط من اعتداءات القبائل، لذا عقدت الاتفاقيات مع آل الرشيد لحماية خط سكة حديد الحجاز.

تتكون الدراسة من تمهيد تاريخي، يتناول أهمية منطقة شمال شبه الجزيرة العربية للدولة العثمانية، كما أشارت الدراسة إلى موقف الدولة العثمانية من القوى المحلية في شمال شبه الجزيرة العربية، وكذلك طبيعة العلاقة بين الإمارات العربية في شمال شبه الجزيرة العربية والدولة العثمانية.

كما تناولت الدراسة السياسة التي انتهجتها الدولة العثمانية لمنع النفوذ الأوروبي من الوصول إلى منطقة شمال شبه الجزيرة العربية.

أهميّة الدراسة:

تكمن أهمية الدراسة بضرورة بيان أهمية موقع شمال شبه الجزيرة العربية، وكذلك أهم القوى المحلية التي ظهرت في شمال شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلاديين، وكذلك تسليط الضوء على علاقة الدولة العثمانية مع تلك القوى.

أهداف الدراسة:

تهدف الدراسة إلى:

  1. دراسة الدور الذي قامت به الإمارات العربية التي ظهرت في شمال شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الميلاديين.
  2. دراسة طبيعة العلاقة بين الدولة العثمانية والإمارات العربية في شمال شبه الجزيرة العربية خلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 1870 حتى عام 1914م.
  3. دراسة أهمية موقع شمال شبه الجزيرة العربية بالنسبة للدولة العثمانية.

تساؤلات الدراسة:

تسعى الدراسة للإجابة على العديد من التساؤلات ذات الصلة، ومن أبرز هذه التساؤلات: ما أهمية موقع شمال شبه الجزيرة العربية بالنسبة للدولة العثمانية؟، وما هي أبرز القوى المحلية التي ظهرت في منطقة شمال شبه الجزيرة العربية في نهاية القرن التاسع عشر؟، وما موقف الدولة العثمانية من هذه القوى المحلية؟.

حدود الدراسة:

من حيث الإطار الزمني، فإن حدود الدراسة تتضمن الفترة الزمنية من عام 1870 حتى عام 1914م.

ومن الناحية الموضوعية، فقد اقتصرت الدراسة على أبرز القوى المحلية التي ظهرت في منطقة شمال شبه الجزيرة العربية، وطبيعة موقف الدولة العثمانية منها.

منهج الدراسة:

وفيما يتعلق بمنهج الدراسة، فقد تم اعتماد منهج البحث التاريخي التحليلي، أي المتضمن الإشارة إلى المواضيع الواردة في الدراسة وتسليط الضوء عليها متصدياً لها بالتحليل، الذي يؤدي إلى معرفة موقف الدولة العثمانية من الإمارات العربية التي نشأت في شمال شبه الجزيرة العربية خلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 1870م إلى عام 1914م.

التمهيد:

كانت الدولة العثمانية تتمتع بنفوذ واضح في شمال شبه الجزيرة العربية، لذا حرصت على الاهتمام بها وحفظ أمنها، لكونها ممراً لقوافل الحج الشامي والمصري والعراقي، تلك القوافل التي كان يقع على كاهل الدولة العثمانية حمايتها.

ومن أبرز مظاهر اهتمام الدولة العثمانية بمنطقة شمال شبه الجزيرة العربية بناء القلاع العسكرية وتزويدها بالجند، وذلك من أجل حماية قوافل الحجاج من اعتداءات القبائل.

ظهرت في منطقة شمال شبه الجزيرة العربية قوى محلية ذات تأثير، من أبرزها إمارة حائل(إمارة آل رشيد) وإمارة الجوف (إمارة آل الشعلان).

بدأ النفوذ العثماني بتزايد ملحوظ في شمال شبه الجزيرة العربية منذ إقامة خط سكة حديد الحجاز، الذي كان له انعكاسات إيجابية على حياة الأهالي في الجانب الاقتصادي والتعليمي.

كان معظم سكان شمال شبه الجزيرة العربية من البدو الرّحّل الذين يعانون من مشقة الحياة وصعوباتها، مما دفع بعض هذه القبائل لإمتهان الغزو على القرى ومحطات خط سكة حديد الحجاز، الأمر الذي دفع الدولة العثمانية لدفع مخصصات مالية لبعض شيوخ القبائل من أجل حفظ الأمن والنظام.

قامت الدولة العثمانية بالاستعانة بأمراء حائل والجوف من أجل تحقيق غايتها المتمثلة في حفظ أمن خط سكة حديد الحجاز، وعليه فقد ساهم آل رشيد في حائل وآل الشعلان في الجوف بتنفيذ توجيهات الدولة العثمانية والتصدي لغارات القبائل.

لم يكن آل الرشيد في حائل وآل الشعلان في الجوف يطمعون بمال الدولة العثمانية فحسب، وإنما بتأييد الدولة العثمانية لهما بإعتبارها الدولة صاحبة النفوذ.

على الرغم من ذلك، لم تكم إمارة حائل على وئام مع إمارة الجوف، فكثرت بينهما الحروب والصراعات، ولعل دافع ذلك التنافس على النفوذ في منطقة شمال شبه الجزيرة العربية.

أمّا الدولة العثمانية فقد كانت تدرك أهمية الإمارات العربية في شمال شبه الجزيرة العربية، لذا سعت لمدها بالدعم المعنوي والمالي، كما حرصت الدولة العثمانية على منع تواصل أمراء آل رشيد وآل الشعلان مع القوى الأوروبية الطامعة في أملاك الدولة العثمانية قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وفيما يتعلق بموقف الأمراء العرب في شمال شبه الجزيرة العربية من دخول الدولة العثمانية للحرب العالمية الأولى فقد اتصف بالتباين، فإبن رشيد أعلن تأييده المطلق للدولة العثمانية، بينما نوري الشعلان كان يُظهر عكس ما يبطن، فمن جانب أعلن تأييده للدولة العثمانية بينما كان يحتفظ بعلاقات جيدة مع الشريف الحسين بن علي (شريف مكة) الذي تحالف بدوره مع بريطانيا للثورة ضد الدولة العثمانية.

  • موقف الدولة العثمانية:

اهتمت الدولة العثمانية بمسألة الحفاظ على طرق قوافل الحج المارة عبر شمال شبه الجزيرة العربية اهتماما بالغاً، لكون ذلك جزء من واجبها باعتبارها دولة ترعى شؤون المسلمين أنذاك. كانت إحدى هذه الطرق تمر عبر أراضي إمارة آل رشيد في حائل، والتي كانت تقوم بحماية قوافل الحجاج القادمة من العراق. ولكن الأمر لم يتوقف عند حماية طرق قوافل الحجاج، وإنما تعداه إلى الرغبة العثمانية الهادفة لبسط نفوذها على شمال شبه الجزيرة العربية خاصة بعد شق قناة السويس عام 1870م، وتحقيقاً لهذه الغاية سيطرت الدولة العثمانية على قضاء الجوف([1]).

ويظهر جلياً أن الدولة العثمانية استشعرت الخطر الأوروبي المتمثل في النفوذ البريطاني في منطقة الخليج العربي وجنوب البحر الأحمر، والذي أخذ بدوره يسعى لإيجاد موضع قدم له في شمال البحر الأحمر، مما يعني أن مناطق شمال شبه الجزيرة العربية أصبحت محط أنظار النفوذ البريطاني، ومن أجل الحد من منع انتشار النفوذ البريطاني في مناطق شمال شبه الجزيرة العربية سعت الدولة العثمانية إلى ربط منطقة الجوف بولاية الشام مباشرة بعد أن سيطرت عليها عام 1872م([2]). غير أن مسألة تبعية منطقة الجوف لولاية الشام كانت مثار جدل واسع([3])، فولاية الشام كانت ترغب بأن تبقى منطقة الجوف تابعة لها من أجل حماية الأهالي من ابن رشيد، وكذلك الاستفادة الاقتصادية من منطقة الجوف لوجود مملحة فيها تدرّ دخلاً على خزينة ولاية الشام، أما ولاية الحجاز فكانت تعتبر تبعية منطقة الجوف لابن رشيد أفضل، مما يساعد على إدارة شؤون المنطقة بصورة قوية ومباشرة. وقد أسفرت تلك المباحثات بين الولايتين (الشام والحجاز) إلى تبعية منطقة الجوف لابن رشيد([4])، على أن يُقدّم ابن رشيد تعهدات بحفظ الأمن وعدم الاعتداء على الأهالي([5])، ودعم خزينة الحرمين بمبلغ (70) ألف قرش سنوياً([6])، على أن تبقى المملحة الواقعة في منطقة الجوف تابعة بشكل مباشر لولاية الشام.

وعليه فقد أعادت الدولة العثمانية منطقة الجوف لابن رشيد، غير أنها كانت تراقب تحركاته من أجل الاستفادة من قوته المحلية([7])، للتصدي للأطماع البريطانية([8]).

ومن بين الأسباب التي دفعت الدولة العثمانية لتعزيز نفوذ ابن رشيد هو رغبتها في بناء تحالفات مع شيوخ المناطق في شمال شبه الجزيرة العربية، وعليه نلحظ أن الدولة العثمانية عزّزت مكانة ابن رشيد وقلدته الأوسمة وأرسلت ممثلين لها لحائل مقر حكم ابن رشيد، الذي كان يعتبر بدوره مخلصاً للدولة العثمانية وداعماً لها([9])، لذلك زودته بالمال والسلاح([10])، واعتمدت عليه في حل النزاعات القبلية([11]).

بيد أن بعض رجال الحكم العثماني كان يشعر بالقلق من تنامي قوة إبن رشيد خوفاً من محاوله مهاجمة الحجاز كما فعلت الدولة السعودية الأولى([12])، وفي هذا الصدد كان بعض مسؤولي الدولة العثمانية يسعون إلى إقناع الدولة العثمانية بضرورة السيطرة العثمانية المباشرة على حائل والجوف، وإبعاد ابن رشيد عن منطقة شمال البحر الأحمر على أن تتولى الحامية العثمانية المتواجدة في منطقة الاحساء شرق شبه الجزيرة العربية مسألة السيطرة المباشرة على إمارة حاتل ومنطقة الجوف([13])، غير أن الدولة العثمانية لم تُقدم على ذلك بل وقفت إلى جانب محمد بن عبد الله بن الرشيد وخلفائه من بعده وزودتهم بالمال والسلاح لكسب ولائهم([14])، فقد كانت الدولة العثمانية بأمس الحاجة إليه بعد قرارها بمد سكة حديد الحجاز وخط التلغراف من الشام إلى المدينة المنورة([15])، من أجل حماية مصالح الدولة العثمانية ومنع تعديات القبائل على سكة حديد الحجاز([16]).

وعندما حاول عبد العزيز بن متعب بن رشيد خليفة محمد بن عبد الله الرشيد على إمارة حائل أن يعقد اتفاق مع بريطانيا عام 1901م، سعت الدولة العثمانية إلى منع عقد هذا الاتفاق، رغم أن ابن رشيد قد أحاط اتصالاته مع بريطانيا بالسرية التامة، وكان هدفه من الاتفاق التمتع بالحماية البريطانية([17]).

غير أن العلاقات بين الدولة العثمانية وإمارة حائل بدأت بالتحسن عندما علمت الدولة العثمانية بعلاقة أمير الكويت مبارك الصباح بالجانب البريطاني، وأخذت الدولة العثمانية تحث ابن رشيد على مهاجمة الكويت ووعدت ابن رشيد بأن يصبح حاكماً للكويت، وفي سبيل ذلك قلّدته الدولة العثمانية لقب (باشا)، وبذلك استطاع الجانب العثماني من ثني ابن رشيد عن مواصلة اتصالاته بالجانب البريطاني([18]).

ويبدو جلياً أن حاجة الدولة العثمانية لإبن رشيد قد تزايدت من أجل تأمين مشروع سكة حديد الحجاز، رغم التحفظات التي أبداها بعض القادة العثمانيين، حتى اتهمه بعضهم بأنه يسعى لاستغلال الدولة العثمانية لتحقيق أهدافه الخاصة، وأنه ليس الرجل المناسب للدولة العثمانية([19]).

ورغم ذلك، استمرت الدولة العثمانية بكسب ود ابن رشيد، عندما بدأت فرنسا وروسيا عام 1904م بالاتصال بابن رشيد لعقد معاهدة حماية معهما، كما أن المشروع البريطاني الهادف إلى إنشاء سكة حديد بين بورسعيد والكويت عبر شمال شبه الجزيرة العربية عزّز من مكانة إبن رشيد لدى الدولة العثمانية، التي كانت تدرك أن الدول الأوروبية تسعى للسيطرة على ممتلكاتها.

وعلى الرغم من اضطراب الأحوال داخل إمارة حائل والمتمثلة بمقتل عبد العزيز بن متعب بن رشيد، وتولي ابنه متعب حكم الإمارة، الذي حظي بدوره بدعم السلطان العثماني ومساندته ضد خصومه، بيد أن القوات العثمانية المتواجدة في منطقة القصيم عجزت عن تقديم العون للحاكم الجديد بسبب الضغط الذي تعرضت له من قبل قوات عبد العزيز آل سعود([20])، الأمر الذي أدى إلى مقتل الحاكم الجديد على يد معارضيه بعد فترة حكم استمرت تسعة أشهر.

لم تعترف السلطات العثمانية بالحاكم الجديد لإمارة حائل وهو سلطان الحمود، ومنعت عنه المساعدة([21])، وأيدت سعود بن عبد العزيز بن رشيد([22])، وخصّصت له راتباً ومنحته لقب أمير نجد([23]).

ولعل الدافع العثماني لذلك استشعار الدولة العثمانية لقرب الخطر البريطاني، حيث أرسلت بريطانيا مندوباً لها لمنطقة الجوف، في محاولة منها التوصل لإتفاق مع آل رشيد([24]).

كانت الدولة العثمانية تسعى جاهدة للسيطرة على شمال شبه الجزيرة العربية بشكل مباشر، فعندما استاء أهالي منطقة تيماء من اعتداءات ابن رشيد عليهم، قامت الدولة العثمانية بإنشاء حامية عسكرية لها في تيماء([25]).

لقد جاءت أحداث تيماء عقب تولي جمعية الاتحاد والترقي لمقاليد الأمور في الدولة العثمانية، حيث اتبعت السلطة العثمانية الجديدة سياسة المركزية المتمثلة بربط الولايات العثمانية بالمركز([26]).

لم تقف اضطراب الأوضاع في شمال شبه الجزيرة العربية عند أحداث تيماء، فقد قام نواف بن نوري الشعلان بالسيطرة على منطقة الجوف وانتزاعها من يد ابن رشيد، ولم تقم الدولة العثمانية بمساندة ابن رشيد لاسترداد منطقة الجوف واكتفت بمنح ابن رشيد الأوسمة والألقاب كلقب (أمير الأمراء) ([27]). فقد حرصت الدولة العثمانية لكسب ود ابن رشيد للوقوف بوجه بريطانيا التي كانت تسعى بدورها لذات الأمر([28]).

سعت الدولة العثمانية إلى فرض سيطرتها المركزية على جميع نواحي شمال شبه الجزيرة العربية، ولعل الدافع وراء ذلك تسارع وتيرة الأطماع الأوروبية بالمنطقة، فسعت إلى إنشاء خط سكة حديد الحجاز وخطوط البرق([29]).

على الرغم من اعتماد الدولة العثمانية على ابن رشيد كقوة محلية ومساندتها له، إلا انها وقفت بحزم بوجهه عندما هاجم القبائل العربية المجاورة لسكة حديد الحجاز، وأكدت على أن مهمة حماية سكة حديد الحجاز من مهمة الحاميات العثمانية. أمّا دور ابن رشيد فيقتصر على تتبع القبائل العربية القادمة من أعماق الصحراء، ولعل الدولة العثمانية هدفت من ذلك إظهار هيبتها وقدرتها على حماية سكة حديد الحجاز([30]).

كانت علاقة الدولة العثمانية مع نوري الشعلان علاقة سيئة قبل تأسيسها إمارة الجوف، فقد قامت الدولة العثمانية بسجن نوري الشعلان وأطلقت سراحه عام 1908م وفرضت عليه الإقامة في منطقة دمّر بالقرب من دمشق، ولعل سبب اعتقال نوري الشعلان من قبل السلطات العثمانية هو الاعتداءات المتكررة التي قام بها ضد القبائل العربية القريبة من الشام، أما السبب الكامن خلف إطلاق سراحه هو سعي الدولة العثمانية لتهدئة أتباع نوري الشعلان، فالدولة العثمانية لم تكن تثق بنوري الشعلان لعلاقته الجيدة مع عبد العزيز آل سعود وعدائه لابن رشيد([31]).

كما كان نوري الشعلان من دعاة الانفصال عن الدولة العثمانية، حيث كانت الدولة العثمانية تخشى من تحالف نوري الشعلان مع القوى المعارضة للوجود العثماني، مما دفع الدولة العثمانية لاعتقاله مرة أخرى عام 1911م، وطالبته بإعادة ما سلبه من القبائل القريبة من الجوف ودمشق، ولعل الهدف الذي سعت الدولة العثمانية إلى تحقيقه منع أي اتصال بين نوري الشعلان ودعاة الانفصال عن الدولة العثمانية([32]).

لم تسند الدولة العثمانية إلى نوري الشعلان أي مهام، فقد كانت تعتمد على المخلص لها ابن رشيد، بيد أن تبدل الموقف الدولي واحتمالية دخول الدولة العثمانية للحرب العالمية الأولى دفعها إلى انتهاج سياسة احتواء القوى المحلية في شمال شبه الجزيرة العربية بدلاً من سياسة التوازن، فقامت السلطات العثمانية بإطلاق سراح نوري الشعلان ووعدته بمساندته ضد ابن رشيد، ويبدو كذلك أنها قدمت وعداً مماثلاً لابن رشيد. كما أوكلت الدولة العثمانية لنوري الشعلان مهمة حفظ قوافل الحج وخصصت له راتباً شهرياً([33]).

كما أنشئت الدولة العثمانية (قائمقامية) في الجوف وعينت ابن شعلان بمنصب (قائمقام)، وشكّلت لواء من (الجندرمة) والحقت قيادته بنوري الشعلان. كما منعت الدولة العثمانية أي مناوشات بين ابن رشيد وإمارة الجوف([34]).

وعليه يمكننا القول أن سياسة الدولة العثمانية تجاه الإمارات العربية في شمال شبه الجزيرة العربية تأثرت سلباً وإيجاباً بالظروف الدولية والمحلية، التي مرت بها الدولة العثمانية في تلك الحقبة التاريخية، فالموقف العثماني من تلك الإمارات لم يكن يتسم بالتناسق والتناغم ولم يكن على وتيرة واحدة، وإنما كان متغير وفق الأحداث التاريخية، مما انعكس بشكل واضح على تلك الإمارات.

الخاتمة:

حظيت منطقة شمال شبه الجزيرة العربية بأهمية بالغة لدى الدولة العثمانية؛ لما تتميز به هذه المنطقة من أهمية استراتيجية بالنسبة للدولة العثمانية. وقد تزايدت هذه الأهمية مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي عندما بدأت الأطماع الأوروبية تطل برأسها، خاصة عقب افتتاح قناة السويس. فقد سعت بريطانيا لبسط نفوذها على المنطقة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زعزعة السيطرة العثمانية على منطقة شمال شبه الجزيرة العربية.

ظهرت في منطقة شمال شبه الجزيرة العربية قوى محلية، سعت بدورها لبسط نفوذها على المنطقة، كان من أبرز هذه القوى إمارة آل الرشيد في حائل وإمارة آل الشعلان في منطقة الجوف.

تعاملت الدولة العثمانية مع هذه القوى المحلية بما يخدم مصالح الدولة العثمانية، فقد سعت الدولة العثمانية إلى استغلال هذه القوى لحماية خط سكة حديد الحجاز وكذلك تأمين قوافل الحجاج ومنع تعديات القبائل.

تميزت العلاقات بين هذه القوى المحلية بالتنازع والتنافس على النفوذ، وقد استغلت الدولة العثمانية هذا التنافر لخدمة مصالحها، كذلك سعت الدولة العثمانية جاهدة لمنع وصول النفوذ الأوروبي لمنطقة شمال شبه الجزيرة العربية.

  • قائمة المصادر والمراجع:

أولاً: الوثائق:

  1. كمالي، سليمان شفيق، حجاز سياحتنامه سي، د.م، دار الخلافة، 1310ه .

ثانياً : الكتب العربية والمعّربة:

  1. إبراهيم، عبد العزيز، أمراء وغزاة، ط3، بيروت، دار الساقي، 1997م.
  2. أبو علية، عبد الفتاح، المخطوط التركي، الرياض، دار المريخ، 1983م.
  3. البادي، عوض، الرحالة الأوروبيون في شمال الجزيرة العربية، ط2، بيروت، الدار العربية للموسوعات، د.ت.
  4. براي، مغامرات لجمن في العراق والجزيرة العربية 1908-1920، ترجمة سليم التكريتي، بغداد، دار واسط، 1989م.
  5. البلوي، مطلق، العثمانيون في شمال الجزيرة العربية، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 2007م .
  6. الثنيان، محمد، عبد العزيز بن رشيد والحماية البريطانية، الرياض، الجمعية التاريخية السعودية، 1999م.
  7. حسني، حسين، الأوضاع العامة في منطقة نجد في العهد العثماني، ترجمة سهيل صابان، استانبول، مطبعة أبي الضياء، 1330ه .
  8. الرشيد، مضاوي، السياسة في واحة عربية، ترجمة عبد الإله النعيمي، بيروت، دار الساقي، 1988م.
  9. رفعت، إبراهيم، مرآة الحرمين الشريفين، مج2، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، ب.ت .
  10. الرّيس، رياض، جواسيس العرب، ط2، لندن، رياض الرّيس للكتب والنشر، 1990م.
  11. الزركلي، خير الدين، شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز، ج1، ط2، بيروت، دار العلم للملايين، 1977م.
  12. الزعارير، محمد، إمارة آل رشيد في حائل، بيروت، بيسان للنشر والتوزيع، 1997م.
  13. السديري، عبد الرحمن، الجوف وادي النفاخ، ط2، الجوف، مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية، 2005م.
  14. السعدون، خالد، أحداث في تاريخ الخليج العربي، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 2001م.
  15. عبيد، جبار، التاريخ السائل لحائل، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 2003م.
  16. لوريمر، تاريخ الخليج العربي (القسم التاريخي)، ج2، د.م، د.ن، د،ت.
  17. نولده، إدوارد، الأوضاع السياسية في وسط الجزيرة العربية أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، تعريب عوض البادي، ط2، الرياض، دار بلاد العرب، 2000م.

ثالثاً: المذكرات:

  1. فيضي، سليمان، مذكرات سليمان فيضي، تحقيق باسل سليمان، ط4، بيروت، دار الساقي، 2000م.

رابعاً: الدوريات:

  1. موزل، تاريخ بيت ابن رشيد، مجلة العربي، مج 7-8، د.م، د.ن، يناير وفبراير1976م.

الهوامش:

  1. () السديري، عبد الرحمن، الجوف وادي النفاخ، ط2، الجوف، مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية، 2005م، ص50.
  2. () كمالي، سليمان شفيق، حجاز سياحتنامه سي، د.م، دار الخلافة، 1310ه، ص101.
  3. () السديري، الجوف وادي النفاح، ص55.
  4. () البادي، عوض، الرحالة الأوروبيون في شمال الجزيرة العربية، ط2، بيروت، الدار العربية للموسوعات، د.ت، ص244-245.
  5. () السديري، الجوف وادي النفاخ، ص51.
  6. () كمالي، حجاز سياحتنامة سي، ص101
  7. () لوريمر، تاريخ الخليج العربي (القسم التاريخي)، ج2، د.م، د.ن، د،ت، ص1733.
  8. () إبراهيم، عبد العزيز، أمراء وغزاة، ط3، بيروت، دار الساقي، 1997م، ص175
  9. () الزركلي، خير الدين، شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز، ج1، ط2، بيروت، دار العلم للملايين، 1977م، ص118.
  10. () فيضي، سليمان، مذكرات سليمان فيضي، تحقيق باسل سليمان، ط4، بيروت، دار الساقي، 2000م، ص54.
  11. () الزعارير، محمد، إمارة آل رشيد في حائل، بيروت، بيسان للنشر والتوزيع، 1997م، ص55.
  12. () نولده، إدوارد، الأوضاع السياسية في وسط الجزيرة العربية أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، تعريب عوض البادي، ط2، الرياض، دار بلاد العرب، 2000م، ص281.
  13. () أبو علية، عبد الفتاح، المخطوط التركي، الرياض، دار المريخ، 1983م، ص78-79.
  14. () الرشيد، مضاوي، السياسة في واحة عربية، ترجمة عبد الإله النعيمي، بيروت، دار الساقي، 1988م، ص138.
  15. () موزل، تاريخ بيت ابن رشيد، مجلة العربي، مج 7-8، د.م، د.ن، يناير وفبراير1976م، ص573-574.
  16. () عبيد، جبار، التاريخ السائل لحائل، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 2003م، ص173.
  17. () الثنيان، محمد، عبد العزيز بن رشيد والحماية البريطانية، الرياض، الجمعية التاريخية السعودية، 1999م، ص70.
  18. () المرجع السابق، ص68، 69 ،70.
  19. () حسني، حسين، الأوضاع العامة في منطقة نجد في العهد العثماني، ترجمة سهيل صابان، استانبول، مطبعة أبي الضياء، 1330ه، ص98.
  20. () لورمير، تاريخ الخليج العربي، ص1711-1713، 1743.
  21. () المرجع السابق ص1743.
  22. () رفعت، إبراهيم، مرآة الحرمين الشريفين، مج2، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، ب.ت، ص131.
  23. () السعدون، خالد، أحداث في تاريخ الخليج العربي، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 2001م، ص133.
  24. () البادي، الرحالة الأوروبيون في شمال الجزيرة العربية، ص347.
  25. () البلوي، مطلق، العثمانيون في شمال الجزيرة العربية، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 2007م، ص151.
  26. () المرجع السابق، ص152.
  27. () السعدون، أحداث في تاريخ الخليج العربي، ص148-149.
  28. () براي، مغامرات لجمن في العراق والجزيرة العربية 1908-1920، ترجمة سليم التكريتي، بغداد، دار واسط، 1989م، ص7 ،65.
  29. () البلوي، العثمانيون في شمال الجزيرة العربية، ص154.
  30. () جبار، التاريخ السياسي لإمارة حائل، ص183؛ السعدون، أحداث في تاريخ الخليج العربي، ص131.
  31. () الرّيس، رياض، جواسيس العرب، ط2، لندن، رياض الرّيس للكتب والنشر، 1990م، ص69.
  32. () البلوي، العثمانيون في شمال الجزيرة العربية، ص157.
  33. () البادي، الرحالة الأوروبيون في شمال الجزيرة العربية، ص347.
  34. () البلوي، العثمانيون في شمال الجزيرة العربية، ص159.