الغزل العذري: نشأته وحقيقته

د. أمينة عبدالله أحمد الحشاني1

1 كلية التربية، جامعة بنغازي، ليبيا.

بريد الكتروني: abdallahamena4@gmail.com

HNSJ, 2021, 2(12); https://doi.org/10.53796/hnsj21228

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/12/2021م تاريخ القبول: 24/11/2021م

المستخلص

الغزل العذري، غزل عفيف، تجلى فيه لون من ألوان الفنون الشعرية التي تنم عن حرارة ‏العواطف الطاهرة، جسَّدَ فيه الشاعر آلام الفراق، ومكايد العشق، فقد كانت قصة العشق تجربة من ‏الألم والعاطفة الجياشة، يكللها الوفاء وتكسوها قساوة المكايد والفراق ثوب الحزن والبكاء.‏

‏ ترصدنا ثنائية العشق في الشعر العربي ابتداء من عصوره الأولى قبل ظهور الإسلام، وقد ‏تجللت هذه الثنائية بأثواب العفة والطهارة، التي خلدتها قصائد غزلية عفيفة تشير إلى امتداد هذا ‏الغزل العذري إلى عصر ما قبل الإسلام، وإن حاول بعض النقاد أن يربطه بالإسلام، وأن يخص ‏به بني عذرة ويعللوا لنشأة هذا اللون من الغزل في بني عذرة بما اشتهر به بنو عذرة من رقة ‏ودماثة وجمال إضافة إلى الفراغ من مشاغل الحياة فقد كانت حياتهم موسرة، وهذا القول مردود فإن ‏شباب القبائل كانوا يخرجون في جيوش لفتح المدن والحصون ومقارعة الروم والفرس فلماذا لا ‏يخرجون إسوة بهم ،أم أن أبناء عذرة ومن على شاكلتهم اُستثنوا من الجندية ليمكثوا قرب حبيباتهم ‏يتحينون فرص للقاء بهن؟

كما أن محاولة تأطير هذا الغزل لا تصح إذ إن المشاعر الوجدانية لا تؤطر ولا يمكن أن نرسم لها ‏بداية أو نحدد لها مكانا، ولعل أبرز ما قيل عن نشأته، أنه نشأ في البادية مدفوعا بعوامل (الدين، ‏اليأس، الفقر) وهذا الرأي لا يتفق وحقائق التاريخ.‏

Research title

Virgin spinning: its origin and reality

Dr. Amina Abdullah Ahmed Al Hashani 1

1 College of Education, University of Benghazi, Libya.

Email: abdallahamena4@gmail.com

HNSJ, 2021, 2(12); https://doi.org/10.53796/hnsj21228

Published at 01/12/2021 Accepted at 24/11/2021

Abstract

Alghazal al oudary (Virgin spinning) chaste spinning, manifested in a ‎color

of poetic artshat reflects the ‎heat of pure feelings, as the poet ‎embodies the pain of separation and the intrigues of love and crying.

We observe the duality of love in Arabic poetry from its early ages before the advent of Islam And to single out Bani Udrah and justify the emergence of this type of yarn in Bani Udrah, with what Banu Udrah was ‎ famous for in terms of delicacy, gentleness and beauty, in addition to ‎the emptiness of life’s concerns. And the battle of the Romans and the ‎Persians, so why do they not go out like them, or are the sons of ‎virgins and those like them excluded from the military to stay near their ‎beloved, waiting for opportunities to meet them?

Attempting to frame this thread is incorrect, emotional feelings are not framed .we cannot draw a beginning for them or determine a place for them, and perhaps the most prominent thing that was said about their origin is that they originated in the desert driven. Factors (religion, despair, poverty)This pinion does not agree with the facts of history.

المقدمة:‏

‏ الغزل حديث في الهوى وهو أساس بني عليه فكر الإنسان العربي، الذي عبر بلسان حاله عن ‏هذه القيمة الإنسانية في تجربة العشق الثنائية التي حفلت بها البيئة العربية، ففي العصر الجاهلي ‏تطل علينا هذه التجربة الثنائية من خلال شعراء أفنوا سنوات عمرهم يتجرعون آلامَه، ويسترخصون ‏عذاباته، فيبكون الأطلال ومنازل المحبوبة، ويشكون لوعة الفراق، ولحظات الوداع والرحيل، وقد ‏ارتبط كل محبٍّ بمن أحب ارتباطاً معنوياً، فالمرقش الأصغر: ربيعة بن سفيان وصاحبته فاطمة ‏بنت المنذر، والمرقش الأكبر: عوف بن مالك وصاحبته أسماء، وعبدالله بن علقمة وصاحبته ‏جيشة، وعنترة بن شداد وصاحبته عبلة وعُرْوة بن حُزام وصاحبته عفراء.،

‏ وفي هذا البحث نتناول ظاهرة برزت في تاريخ الشعر العربي وهي الغزل العذري، وحيث إن ‏هذه الظاهرة تناولها بالتحليل والدراسة كثير من النقاد، فإن الاختلاف في بداياتها وأسباب ظهورها ‏تعددت فيها الآراء واختلفت تبعا لاختلاف مناهج البحث واتجاهات النقاد وما يتمتعون به من مقدرة ‏على التحليل وتقصي الحقائق.‏

ومن ثمَّ فإن الظاهرة قابلة للدراسة ، والدراسات فيها تترى وتتنوع وفقاً لرؤية الباحث ومقدرته ‏على التحليل واستنتاج الحقائق.‏

‏ الحقيقة التي تتجلى لنا أن هذا الغزل وجد قبل الإسلام وقد امتدت جذوره إلى الجاهلية وإلى ‏اليمن، ‏وقد كان المبتلون به أبناء عمومة، حيث تشير المصادر إلى قصة مُضَّاض الجرهمي ‏وصاحبته ‏ميا الجرهمية وهي ابنة عمه من أقدم قصص العشق التي عرفها العرب، وقد كان للقرابة ‏أثرها في ‏الغزل.‏

‏ كما يستدل بظهور هذا الغزل قبل الإسلام بقصة عنترة العبسي التي اعتبرها بعض النقاد البذرة ‏‏الأولى للغزل العذري، وعمرو بن شأس الذي كان يعشق ابنة جار له من بني عامر، وقد كان ‏‏رقيق العاطفة صافي النفس مهذبها، بل ويقر أحد النقاد بأن هذا الغزل كان فنا مستقلا في ‏العصر ‏الجاهلي وأن عددا من شعراء هذا العصر أحبوا حبا عذريا، وتغزلوا غزلا عذريا ولكن لم ‏يصلنا من ‏نتاجهم غير غزل عروة بن حزام.‏

‏ العذرية لم تكن حكراً على طائفة، أو مؤطرة بزمن محدد، ودليل ذلك أن أبا الفرج الأصفهاني ‏ينقل ‏في أخبار من نسميهم عذريين – بهتاناً- مغامرات ماجنة فاحشة لا تمت إلى السلوك القويم، ‏‏وتُظهِرُ المرأة العاشقة عنيدة لعوباً خلعتْ حياء الأنثى، لا تصون وثاق الزوجية، والذي يبدو أن ‏‏العذرية ليست سمة لشخص وإنما سمة لتجربة ينقلها الشاعر ثم يتراجع عنها في تجربة أخرى.‏

‏ ويسعى هذا البحث من خلال مناهج النقد ولاسيما التاريخي والاجتماعي ومن خلال مصادر ‏البحث إلى إيضاح أن هذا الغزل الذي يحاول بعض النقاد نسبته إلى الإسلام هو غزل وجد قبل ‏الإسلام وأنه امتداد لغزل العصر الجاهلي، وأنه لايوجد شاعر عذري بالمفهوم المتداول ولكن توجد ‏تجربة عذرية يعيشها الشاعر ويُنْظِمُها شعرا، ثم يتخلى عنها في تجربة أخرى، وهذا ما نلمسه في ‏أشعار هذه الفئة وفي أخبارها التي تناقلتها كتب الأدب، والتي تصور جانبا كبيرا من الانفلات الذي ‏يستهجنه المجتمع، ويودي بهم إلى خلعهم أوهدر دمائهم من السلطات الحاكمة.‏

غزل الجاهليين:‏

‏ ظل غزل الجاهليين يحرص على العادات التي شكَّلت مجتمع القبيلة ، ولعل أهم ما اتسم به ‏غزل هذه الفترة أنه ” لهو صف فيه الشعراء كيف كانوا يحظون باللذائذ الحسية من الحبيب، ‏وكيف كانوا يؤدون فيه ما يجب للشباب ويسيمون فيه صرح اللهو ما سنحت الفرصة حتى إذا ‏ولَّى عهد الصبا ارعوي الرجل منهم من ذلك الباطل و من اللهو وعدَّه مجوناً لا يستقيم وجد الحياة “‏(غنيمي،د:ت:2)‏

‏‏ وهذا ما يعبر عنه دريد بن ‏‏الصمة في رثاء أخيه: يقول: (ابن الصمة،1981:50) ‏

صبا ما صبا حتى علا الشَّيبُ رأسَهُ فلمَّا عَــلاهُ قال للبَاطِلِ ابعَدِ

فقد مال إلى اللهو مدة صغر سنه فلما شاب ترك الملاهي.‏

وقول زهير بن أبي سلمى: (ابن أبي سلمى،1964:64)‏

صحا القلبُ عن سَلمى وأقْصَرَ باطِلُه ‏ وعُرِّي أفـــراسُ الصِّبَا ورَواحِلُه

فغزل الجاهليين يصف اللذة الحسية ويقترن بفترة عمْرية محددة وهي عهد الصبا والشباب، ‏وحين يولي عهد الصبا يعترف الشاعر بأن هذا الغزل ما هو إلا مجون لا يستقيم مع جد الحياة، ‏هذا الغزل الماجن ظل في صدر الإسلام وأيام الخلفاء الراشدين مع فروق هينة كانت تظهر أحياناً ‏نتيجة لانتشار الإسلام ، وتمكن عقيدته من النفوس. (هلال،د.ت: 3).‏

‏ ‏يقول حسان بن ثابت: ( ابن ثابت ، 1978: 59) ‏

عفت ذات الأصابع فالجــواء إلى عذراءَ منــزلُها خـلاءُ

ديارٌ من بين الحسحــاس قفرٌ تُعَفَّتها الروامسُ والســماءُ

وكانت لا يــزالُ بها أنيـسٌ خلال مُروجَها نَعَـمٌ وشـاءُ

فــدعْ هذا ولكن من لطيفٍ يُؤرِقُني إذا ذهبَ العِشـــاءُ

لِشعثاءَ التي قـــد تيمتــه فليس لقلبـه منهــا شفـاءُ

كأن خَبيـــأةً من بيتِ رأسٍ يكونُ مِزاجَها عسـلٌ ومـاءُ

على أنيــابِها أو طعـم غَضٍ من التفاحِ هصَّــرهُ الجُناءُ ‏

‏ يبدأ ببكاء الأطلال والنسيب، ثم يعرج على وصف الخمر، وفي قصيدته التي يفخر فيها بيوم ‏بدر: (تبلت فؤادك في المنام خريدة) مضى يتغزل في صدر القصيدة كالطبيعة الثابتة للشعر ‏الجاهلي.‏

يقول في مطلع قصيدته: ( ابن ثابت، 1978: 410)‏

تَبَلَتْ فؤادَكَ في المَنــامِ خَريدةٌ تسْقي الضَجيعَ بباردٍ بَسَّــــامِ

كالمسكِ تَخلِطُهُ بمــاءِ سحابةٍ أو عاتقٍ كَدَمِ الذَّبيحِ مُــــــدامِ

نُفُجُ الحَقيبَةِ بوصُها مُتَنَضِّــدٌ بلهاءُ غير وشيكةِ الأقسَـــــامِ

بُنِيَتْ على قَطَنٍ أجـــمَّ كأنَّهُ فُضُلاً إذا قَعَدتْ مَداكُ رُخـامِ

وتكادُ تَكْسِلُ أنْ تجيءَ فِراشَها في لينِ خرعَبةٍ وحُســن قَوامِ

كذلك نجد كعب بن زهير في قصيدته بانت سعاد يقول: ( ابن زهير ، 1997: 60 )‏

بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليومَ مَتْبُـــولُ مُتَيَّــمٌ إثْرها لم يُفْدَ مكبُــــــــــــولُ

وما سعادُ غَداةَ البينِ إذ رَحَلُـوا إلا أَغنُّ غَضِيضُ الطَّرفِ مكْحُول

هيفاءُ مُقْبِلةٌ، عجزاءُ مُدبِــــــرةٌ لا يشتكي قِصـرٌ منها ولا طــــولُ

‏ يبدأ القصيدة بنسيب يستغرق خمسة عشر بيتاً يتعرض فيه لبعض الصفات الحسية وكل ذلك ‏ينافي وجهة النظر الإسلامية ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أغضى عمَّا في هذه القصائد ‏لإدراكه أن الشعراء لم يقصدوا إلى هذه المعاني بذاتها بل لكونها تقليداً لنهج فني موروث.‏

‏ ولكن هل خلا غزل ما قبل الإسلام من العذرية؟ وهل بقي على منواله يصف فيه الشعراء كيف ‏كانوا يحظون باللذائذ الحسية من الحبيب فقط إلى أن ظهر الغزل العذري الذي يراه بعض ‏الدارسين أنه ثمرةٌ أينعت بعد ظهور الإسلام ؟

الغزل العذري امتداد لغزل الجاهليين:‏

‏ اعتاد الدارسون عند تناولهم لظاهرة معينة أن يضعوا لها تاريخا أو يحددوا لها مكانا معينا، ‏وبفعلهم هذا كادوا أن يؤطروا حتى المشاعر الوجدانية بأن يرسموا لها بداية، ويحددوا لها مكانا، وقد ‏كان الغزل العذري الذي نقره في الأدب العربي مثار اهتمام كثير منهم، فرأى بعضهم أنه ظهر ‏بتأثير الإسلام وأكدوا جدته وأنه خالف غزل الجاهليين، واعتبره بعضهم الآخر امتدادا لغزل العصر ‏الجاهلي، فإن كان قد خالفه في طبيعته وغايته فقد جرى في مجاريه القديمة وسلك السبل والطرق ‏التي سلكها الجاهليون. ‏

القول بأن الغزل العذري ظهر بظهور الإسلام:‏

‏ رأى بعض النقاد أن غزل العذريين ظهر بظهور الإسلام في البادية لدى شعرائها الذين نسوا ‏السياسة وعاشوا منكفئين عن أنفسهم في البادية يحيون حياة قانعة، فيها دين صحيح، ويأس تام، ‏وكفاف في العيش، وكانت المرأة فيه ملك طاهر، والرابطة فيه بين الرجل والمرأة رابطة الوفاء ‏والإخلاص والمحبة، وبقي هؤلاء الشعراء عاكفين على أنفسهم يصفون آلامها وآمالها ويذكِّرونها ‏بالوفاء مرة، وبالغناء أخرى، ويأخذونها أحياناً بالصبر. وحينا يرصدونها وقفاً على المرأة لأجلها ‏تحيا، ولها تفي وفي سبيلها تموت؟ غزل وصفه طه حسين بالصوفية النفسية (الشايب، 1994: ‏‏59،60) لأنه كما زعم نشأ بظهور الإسلام مدفوعا بعوامل ثلاثة (الدين واليأس والفقر) فهو ‏نتيجة من نتائج التقوى والتصوف والزهد والمثل الأعلى في الحياة الخلقية، والحرمان من مزاولة ‏الحياة السياسية والفقر. فاليأس والفقر أحدثا في البادية فعل ما أحدث اليأس والغنى في الحاضرة ‏من نشأة الغزل الحضري العابث ( حسين، د,ت: 185 والشايب 1994: 49. 50)‏

‏ وهذا الرأي لا يتفق وحقائق التاريخ؛ إذ لم يكن لأهل البادية أصبع في الحكم والسلطان قبل انتقاله ‏من الحجاز إلى الشام، وكان الكثير منهم قد ارتدَّ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا ‏من الطامحين الطامعين حتى ييأسوا منه (الزبيدي،1983: 16) كما أن بني عذرة لم يكونوا ‏فقراء، ولا أهل زهد وتصوف، بل كانوا أهل زراعة وتجارة ( الحموي،1979: 338) ‏

‏ ويتفق الجواري مع طه حسين في أن الحب العذري ظاهرة إسلامية لا عهد للجاهلية بها يقول: “الحب العذري ظاهرة اجتماعية إسلامية لم نعرف لها أصلا في العصر الجاهلي… ظاهرة ‏إسلامية، كان للدين الجديد والنظام الاجتماعي الذي جاء به الأثر في خلقها وفي إخراجها على هذه ‏الصورة.” (الجواري،2006: 74)، ويخص به بني عذرة فيقول:” في هذا العصر–عصر ‏الاستقلال السياسي في الإسلام– يشتهر بنو عذرة بشيء لم يعرفوا به من قبل، بل لم يعرف به ‏أحد من قبلهم، يشتهرون بالحب القوي الصادق العفيف، الذي يملك الروح وينتظم النفس ويسمو ‏على شهوات الجسد، ويشيع هذا الحب فيهم، ويعرف به حتى يقال للعاشق الثابت على حبه، ‏المخلص في وده، المنزه حبه عن شهوة الحس ولذة الجسد، إنه” محب عذري”( الجواري، 2006: ‏‏59) إذاً هو يقر بظهوره بعد الإسلام وأنه نشأ في بني عذرة لما اشتهر به بنو عذرة من رقة ودماثة ‏وجمال إضافة إلى الفراغ من مشاغل الحياة والشقاء والكد في كسب العيش فقد كان بنو عذرة في ‏حال من اليسر وخفض العيش، فاجتماع هذين العاملين نتج عنه كما يزعم هذا الحب الذي عرف ‏عن بني عذرة وبذلك يتفق مع طه حسين في أن هذا الحب ظاهرة إسلامية لكن طه حسين يخالفه ‏فيجعل الفقر أحد العوامل التي هيأت لظهور هذا الحب عند بني عذرة.‏

‏ وفي قول الجواري تناقض حين جعل هذا الحب ظاهرة اجتماعية إسلامية ثم علل لذيوع هذا ‏الحب بعاملين اثنين وهما رقة بني عذرة ودماثتهم، ثم الفراغ من مشاغل الحياة، ولا ندري هل خلا ‏العصر الجاهلي من الدماثة والجمال واقتصر على بني عذرة، ثم إن الفراغ من مشاغل الحياة دافع ‏إلى اللهو والعبث لا إلى العفة والحب الصادق، أما شكري فيصل فيقول: ” لم يكن من الممكن أن ‏يظهر هذا الغزل بقدسيته وطهارته قبل عصر بني أمية.”( فيصل، د.ت:191) ثم يناقض نفسه ‏في موضع آخر حين يقول: ” الحب العذري إنما نشأ عن التقاء عنصرين اثنين: أولهما العاطفة ‏الدينية والثاني الميول الجنسية في نفس المؤمن الذي حسن إيمانه، وقوي يقينه “(فيصل، د.ت: ‏‏252) فإذا صح هذا القول أمكن للحب أو الغزل العذري أن يوجد قبل العصر الأموي الذي لم ‏يعرف الاستقرار إلا زمن عبدالملك بن مروان إذ تحول هذا الغزل إلى ظاهرة عامة (الزبيدي.‏1983: 27).‏

هذه الآراء تناقضها آراء لفريق ثان يرى أن هذا الغزل وجد قبل الإسلام، وتمتد جذوره إلى ‏الجاهلية وإلى اليمن، وكان المبتلون به أبناء عمومة، حيث تشير المصادر إلى قصة مُضَّاض ‏الجرهمي وصاحبته ميا الجرهمية – وهي ابنة عمه- من أقدم قصص العشق التي عرفها العرب، ‏ومن هنا يذهب البعض إلى أن القرابة خلفت أثرها في هذا السلوك العاطفي.(الجزائري،1996: 126).

‏ويرى البهبيتي أن “هذا المذهب ‏يشتق أصوله… من مقدمات وقعت في الشعر… وأستاذ الجميع ‏في هذا على مانعرف، هو ‏عنترة العبسي… وقصته فيها البذرة الأولى للغزل العذري الذي نشأ ‏بعد ذلك في الإسلام، وترعرع ‏في وادي القرى في بيئة بين بين، لاهي من الحضر بمعنى الكلمة، ‏ولا هي من البادية بمعنى ‏الكلمة، حيث تضطرب الحياة بين الجفوة واللين، والشقوة الملهمة والأمل ‏الخلب” (البهبيتي، ‏‏1950: 160. 161)، ويذكر عمرو بن شأس فيقول عنه:” كان عمرو رقيق ‏العاطفة، صافي ‏النفس، مهذبها،… قوي الخلق، يحب ابنة جار له من بني عامر” ‏‏(البهبيتي،1950: 160) ويقر ‏الحوفي بأن هذا الغزل كان فنا مستقلا في العصر الجاهلي وأن ‏عددا من الشعراء في العصر ‏الجاهلي أحبوا حباً عذريا وتغزلوا غزلا عذريا بل وقصر شعر بعضهم ‏على الغزل فلم يصلنا من ‏نتاجهم غير غزل عروة بن حزام (الحوفي،1950:158)، ويرى حسين ‏نصار أن الحب العذري ‏ليس وليد العصر الأموي وإنما امتدت جذوره إلى الغزل الجاهلي. (نصار، ‏د.ت، 249 )، وهو ‏ثمرة القيم البدوية القبلية ، ويؤكد الزبيدي رأيه في أن هذا الحب العذري عامة ‏قديم الأصول في ‏غزل العصر الجاهلي (الزبيدي،1983: 14)، ويستشهد بأمثلة من غزل الشعراء ‏الجاهليين ‏والمخضرمين نذكر منها قول المرقش الأكبر الذي ارتبط اسمه بمحبوبته أسماء بنت ‏عوف بن ‏مالك وهام بحبها حتى أودى هذا العشق بحياته ت(75ق ـ) يقول:( الأصفهاني،ج6، ‏د.ت: 141 ‏والضبي،1952: 223) .‏

سرى ليلا خيـــــــــــــــالٌ من سليمى فأرقني وأصحـابي هُجـــــــــــودُ؛

فبِتُّ أُديـرُ أمري كلَّ حــــــــــــــالٍ وأذكرُ أهلَها ، وهم بعيـــــــــــــد؛

على أن قد سما طــــــــــــــرفي لنار يشبُّ لها، بذي الأرطي وقـــــــود

حواليها مها بيـــضُ التـــــــــــــراقي وأرآملٌ وغـزلانٌ رقــــــــــــــــودُ

نواعمُ لاتُعـــــــــالج بــــــــؤسَ عيشٍ أوانس لا تـــراح ولا تــــــــــرود

سكنَّ ببلدة، و سكنتُ أخــــــــــــــرى وقُطِّعتِ المواثقُ والعهـــــــــــــودُ

فما بالي أفي، ويُخَــانُ عَهْـــــــــــدي وما بالي أُصَادُ، ولا أَصِيـــــــــدُ؟

وقوله: (الأصفهاني، ج6 ، د.ت: 143) ‏

أغالبُكَ القلبُ اللجـــــوجُ صبـــــــابةً وشَوقاً إلى أسْمَاءَ أم أنْت غالبُــــهْ

يَهيـمُ ولا يَعْيـا باسمــــــــــــــاءَ قلبـُهُ كذاك الهوى إمرارُه وعواقِبُــــــهْ

أيُلْحَى امرؤ في حبِّ أسمـــاءَ قدنأى بغَمْزٍ من الواشين وازورَّ جانبُـــــْ

وأسمـاءُ هَمُّ النفْسِ إنكُنتَ عَالمـــــــاً وبادي أحاديثَ الفؤادِ و غائبُـــــهْ

إذا ذَكَرَتْهَـا النَّفْـــــــــسُ ظَلْتُ كَأنَّني يُزعزعُني قَفْقافُ وِرْد وصــالبُـهْ

وللمرقش الأصغر: ( الأصفهاني، ج 6 د.ت : 242)‏

أمِنْ بنتِ عَجْلانَ الخيـــــالُ المُطــرّحُ ألمَّ ورَحْلِي سَاقِطٌ مُتَزْحـــــــــــزِحُ؟

فلمَّا انْتَبَهْتُ بالخًيــــــــــــــــالِ ورَاعَني إذا هُو رَحْلي والبــلادُ تَوَضَّـــــــحُ

ولكنـَّهُ زَوْرٌ يُيَقِــــــــــــــــــــــــظُ نَائمـاً ويُحْدِثُ أشْجَاناً بِقَلْبِكَ تجَـــــــــــرَحُ

بِكُلِّ مَبِيْتٍ يَعْترِينـَا و مَنْــــــــــــــــــزِلٍ فلو أَنَّهَا إذْ تُدْلِجُ الليلَ تُصْبــِــــــــحُ

فولَّتْ، وقَدْ بَثَّتْ تَبَـارِيحَ مَاتَــــــــــــرى ووجْدِي بهَا إذْ تَحْدُرُ الدَّمْعَ أبــــْرَحُ

‏ والأرجح أن هذا الغزل وجد قبل الإسلام، أما القول بأنه ظهر بعد الإسلام فيصح لو أن ما قالته ‏العرب وصل إلينا كاملاً، فأقوال القدامى تشير إلى أن الرواة لم يعنوا إلا بالفحول من شعراء ذلك ‏العصر، فابن قتيبة في مقدمة كتابه يقول:” الشعراء المعروفون بالشعر عند عشائرهم وقبائلهم في ‏الجاهلية والإسلام أكثر من أن يحيط بهم محيط، أو يقف من وراء عددهم واقف، ولو أنفد عمره في ‏التنقير عنهم، واستفرغ مجهوده في البحث والسؤال. ولا أحسبُ أحداً من علمائنا استغرق شعر ‏قبيلة حتى لم يفُته من تلك القبيلة شاعر إلا عرفه، ولا قصيدة إلا رواها.” (ابن قتيبة، 1996: 60) ‏

‏ ويخبرنا أبو عمرو بن العلاء أن أشعار العرب لم تصلنا كلها فيقول:” ما انتهى إليكم مما قالت ‏العرب إلا أقله ولو جاءكم وافراً لجاءكم علمٌ وشعرٌ كثير.”(الجمحي، 1978: 10) ونقل عن ‏سيدنا عمر -رضي الله عنه- أنه قال: ” كان الشعر علْم قومٍ لم يكن لهم علمٌ أصحُّ منه، فجاء ‏الإسلامُ فتشاغلت عنه العرب وتشاغلوا بالجهاد، وغزوا فارس والروم ولهِيتْ عن الشعر وروايته، ‏فلما كثُر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العربُ بالأمصار، راجعوا رواية الشعر فلم يئلوا إلى ‏ديوان مدون ولا كتابٍ مكتوب فألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل فحفظوا أقل ‏ذلك وذهب عنهم منه أكثره “(الجمحي،1978:10) إذاً الشعر العربي لم يصلنا كاملاً لنحكم ‏على بداية هذا الغزل بالعصر الأموي، وخير دليل يؤيد وجود هذا النوع من الغزل قبل العصر ‏الأموي وعلى كثرة شعرائه ومكانتهم أن السكري يؤلف كتاباً عنهم ويسميه (أخبار المتيمين من ‏الشعراء في الجاهلية والإسلام.”‏

لقد أيدت كتب المصادر وما نقل عن القدامى من أقوال ما ذهب إليه الفريق الثاني من أن ‏الغزل المسمى بالعذري لم يكن سواء في مادته وروحه أم في اتجاهاته وتقاليده ظاهرة إسلامية ‏جديدة لا أصول لها في غزل العصر الذي سبق الإسلام أو عاصره، ففي غزل الشعراء ‏المخضرمين الذين تكونت ثقافتهم الشعرية واتجاهاتهم الفنية قبل إسلامهم: كعمرو بن شاس ‏الأسدي الخزيمي، وتميم بن مقبل العامري، وأبي ذؤيب الهذلي، وحسان بن ثابت، ما يؤكد امتداد ‏الغزل العذريإلى ما قبل الإسلام أو لبعض مظاهره وألوانه، مع تطوير لها في حدود معينة.‏

نقرأ في أشعار العذريين إشارة إلى سابقيهم في هذا المضمار ‏

كقول جميل: ( جميل،د.ت : 25 )‏

قد مات قبلي أخو نهدٍ، وصــــــاحبُهُ مُرَقِشٌ واشتفى من عـــــــــــــروةَ الكَمَدُ

وكُلُّهم كانَ منْ عِشـــــــــــــقٍ مَنِيَتُهُ وقد وجدتُ بها فـوق الذي وجِــــــــــدُوا

إني لأحسبُ، أوقد كدْتُ اعْلَمُـــــــــهُ أنْ سوفَ تُورِدُني الحوضَ الذي وَرِدوا

وقيس بن ذريح يقول: (ابن ذريح، 2004 : 73 والقالي،1324هـ:223)‏

وفي عُروَةَ العُذْري، إن مُتُ أَســـــــــــوةٌ وعمر بن عجْلان الذي قَتلتْ هِندُ

وبي مثلُ ما ماتا به، غيــــــــــــــــرَ أنَّني إلى أجَلٍ لم يأتني وقتَه بَعْــــــــــدُ

هل الحبُّ إلا عَبْــــــــــــــــــرةٌ بَعْدَ عَبرةٍ وحَرُّ على الاحشاءِ ليس له بَـــرْدُ

وفَيضُ دموع العيـن ياليل كلمـــــــــــــــا بدا علمٌ من أرْضِكم لم يكنْ يَبْـــــدُ

وكثير عزة يشتكي ما لم يلقه عروة في حبه ولا النهدي

يقول: (كثير، د.ت : 156)‏

وعُــــــــــــرْوَةُ لَمْ يَلْقَ الذي قــد لَقِيتُهُ ‏ ‏ ‏ بعفرَاءَ والنَّهــديُّ ما أتفجَّـــــعُ

ونصيب يقول: ( الأصفهاني، ج1،د.ت : 342 )‏

ووجدْتُ وَجْـداً لم يكُنْ أحَــــــــــــــدٌ قَبْلي مِنَ اجْلِ صَبَــابةٍ يَجِـــــــــــــدُهْ

إلا ابنُ عَجْــــــــــــــلانَ الذي تَبَلَتْ هِنْدٌ، فَفَــاتَ بنَفْسِهِ كَمَـــــــــــــــــدُهْ

‏ ومما يؤكد أن هذا الغزل امتداد لغزل الجاهليين أن في أشعار الجاهليين مقطوعات لاتقل في ‏عفتها عن غزل العذريين، ومن ذلك قول المرقش الأصغر:(الضبي، د.ت: 246.والأصفهاني، ‏ج6 :148)‏

وإنِّي لأَستحيى فُطَيْمَــــــــــــةَ جائعـــاً خَمِيصاً وأستحيي فُطَيْمـَـــــــــةَ طاعِما

إنِّي لأستحييكِ والخَـْـــــــــــــرقُ بَينَنَـا مخافةَ أنْ تَلْقي أخــــاً لى صــــــــارِما

وإنِّي وإنْ كلَّتْ قُلوصِي لراجِـــــــــــــمٌ بها وبنَفْسي يافُطيمَ المَرَاجِمَــــــــــــــا

أفاطِمَ إنَّ الحُبَّ يَعْفـــــــــو عَنْ القِلَـى ويُجْشِمُ ذا العِـــرْضِ الكَرِيمِ المجَاشِمَا

ألايااسْلمي بالكوكَبِ الطَّلقِ فاطِمَــــــــا وإن لم يكن صَرْفُ النَّــوى مُتَلائمَــــــا

ألا يااسلمي ثمَّ اعْلَمي أنَّ حـــــــــاجَتي إليكِ، فَــــــــرُدِّي مِنْ نَوالِكِ فاطِمـــــــَا

أفاطــمَ لو أنَّ النِّســــــــاءَ ببَلْــــــــــدَةٍ وأنتِ بأُخـــــــــــــرى لاتَّبَعْتُـكِ هَائمَـا

كما تفوح رائحة العذرية في هذه الأبيات من قصيدة الشاعر الجاهلي قيس الحدادية الخزاعي ‏في ابنة عمه وقد رحلت مع أخيها: (الأصفهاني، د.ت، ج 16 : 155 )‏

كأن فؤادي بين شقين من عصــــا حذار وقوع البين والبين واقـــــــع

يحُثُ بهم حادٍ سريعٌ نجــــــــــاؤه مُعْرى عن الساقين والثوبُ واســـعُ

فقلتُ لها يا نُعْــــــمُ حُلِّي مَحلَّنـــــا فإن الهوى يا نُعْمُ والعيشُ جامـــــعُ

فقالتْ وعيناها تفيضـــــــان عَبْرَةً بأهلي بيِّنْ لي متى أنت رَاجـــــــــعُ

فقلتُ لها تالله يدري مســــــــــافرٌ إذا أضمرتْهُ الأرضُ مالله صـــــانعُ

فشدَّتْ على فيها اللثَامَ وأعْرَضتْ وأمْعنَ بالكُحْلِ السَّحيقِ المدامــــــعُ ‏

العذرية ليست صفة لشخص بقدر ما هي صفة لتجربة :‏

ظهر هذا الغزل بصورة واضحة مكونا ظاهرة أو سمة لغزل بعض شعراء العصر الأموي وقد عد ‏بعض النقاد ظهوره بمثابة رد فعل احتجاجي عن حياة اللهو والعبث والانغماس في الشهوات، وهو ‏رد فعل فني مترفع، فمن الشعراء من يتأذى من الغايات الوضيعة، فيعشق المرأة التي تشاركه في ‏السمو إلى الآفاق الروحية، وهذا ديدن الشاعر العذري كما يصفه زكي مبارك ” يطلب غاية ‏مجهولة في العالم المجهول، وهو يكره أن تكون معشوقته إنسانة هينة لينة يملك من سرائر جمالها ‏مايشاء حين يشاء، ومن هنا صح ماقيل إن المجنون أنه تناوم في حضرة ليلاه ليراها في تهاويل ‏الطيف وإنما كان ذلك لأن الصورة النموذجية للمرأة الجميلة لايمثلها الواقع كما يمثله الخيال”(مبارك، د.ت: 13) .‏

‏ في هذا القول شطحات واضحة وإلا كيف نفسر تلك المغامرات الخارجة عن نطاق العرف ‏والدين التي تملأ كتب الأدب ولاسيما كتاب الأغاني، ثم ياترى ما السبب الذي جعل السلطان يبيح ‏دماء بعضهم إن كانوا كما يراهم مبارك؟

‏ لقد حافظ الشعراء العذريون أو العاطفيون في الإسلام على تقاليد الغزل الجاهلي، وتأثروا بها ‏بدرجات متفاوتة، وكرروا المواقف العاطفية نفسها والمشاهد الطبيعية التي تتعلق بها عواطفهم ‏وأحاسيسهم كما كرروا الصور والتشابيه، وأساليب القول أو التعبير وصيغه التي تظهر في هذا ‏الغزل، واشتركوا مع الشعراء الذين سبقوهم في الكثير مما صوروه من أحوال النفس العاشقة ‏ومواجدها (الزبيدي،1983:14)، وهذا يؤيد أن هذه الظاهرة الوجدانية ليست مؤطرة بزمن و ليست ‏صفة لشخص بقدر ما هي صفة لتجربة وقد تكون مرحلة حياة وليست سمة حياة، وربما هي مجرد ‏تجربة عبر عنها الشاعر ثم تراجع عنها في قصائد أخرى (عبدالله، 1987:217) .‏

فقصيدة المرقش الأصغر:‏

وإنِّي لأَستحيى فُطَيْمَـةَ جائعــاً ‏ خَمِيصـاً وأستحيي فُطَيْمَةَ طاعِما

‏ رغم عذريتها التي تمكننا دون تردد من تصنيفها ضمن الشعر العذري وتمكننا من الزج به في ‏زمرة العذريين ينقل الأصفهاني خبر تعلق المرقش بفاطمة في قصة يندى لها الجبين، تجعلنا نعيد ‏قراءة هذا الشعر والتحقق من الأخبار التي تضفي ضبابية على سطورة العفة العربية، والتي تؤكد ‏لنا حقيقة لا مجال للشك فيها أن العذرية ليست صفة لشخص بقدر ماهي صفة لتجربة، فالمرقش ‏صاحب هذه القصيدة يذكر له صاحب الأغاني هذين البيتين اللذين لا علاقة لهما بالعذرية: ‏(الأصفهاني، د.ت،ج6 : 149)‏

‏ إذا قلتُ تَسْلو النفسُ أو تنتهي المُنى ‏‏ ‏‏ أبى القلبُ إلا حبَّ أُمِّ حكيـــــــمِ

مُنَعَّمــةٌ صفــــــــــــــــــاء حُـلوٌ دلالُها ‎‏ أبيتُ بها بعـدَ الهُــــــدُوء أهيمُ

وهذه قصيدة لجميل بن معمر العُذري مزدوجة أو مضطربة بين العذرية والحسية يقول: ‏‏(جميل، د.ت: 88)‏

حلَّت بُثينةُ من قلْبي بمَنْـــــــــــــــــزلةٍ بين الجوانِحِ لم ينـــــــزلْ بِهَا أحَـــــــدُ

صادَتْ فُؤادي بعيْنَيـــــــــــها وَمُبتَسـَمِ كأنـه حين أبْدتْـــــــــــــــــــــه لَنـا بَـرَدُ

عذْبٍ كأن ذكيَّ المِســــــــــــكِ خالطَهُ والزَّنْجَبيلُ وماءُ المُــــــــزْنِ والشُّهُدُ

وجيدِ أدْماءَ تحْنــــــــــــــوهُ إلى رشَـــإٍ أغَـنَّ لمْ يتَّبِعْهـــــــــــــــــــا مِثْـلَهُ وَلَـدُ

رَجراجَةٌ رَخْصَةُ الأطـــــــرافِ ناعمةٌ تكادُ منْ بُدْنِها في البيتِ تَنْخَضِــــــــــدُ

خدْلٌ مُخَلْخَلُهـــــــــــــا وَعْثٌ مُؤزَّرُهـا هيفاءُ لمْ يَغْذُهَـــــــــــــا بُــؤسٌ ولا وبَدُ

هَيْفَاءُ مُقْبِلَةً، عجْــــــــــــــزَاءُ مُدْبِــرَةً تَمَّتْ ، فليس يُرى في خَلْقِــــــــــها أوَدُ

نِعْمَ لِحافُ الفتى المقْـــــــــرورِ يجْعَلُها شِعارَهُ حين يُخْشى القُـــــــــرُّ والصَّرَدُ

وما يَضُرُّ امــــرءاً يُمْســــــي وأنتِ لهُ ألا يكونَ من الدّنيـــــــــــــا لَهُ سَـــــبَدُ

يا ليتنا والمُنى ليْستْ مُقَــــــــــــــــــرِّبةً أنَّا لقِيناكِ والأحـراسُ قــــــــــــد رَقَدُوا

فيسْتَفِيقَ محبٌّ قد أضَـــــــــــــــــــرَّ بِهِ شوقٌ إليكِ ويُشْفى قلبُه الكَمِـــــــــــــــدُ

تلْكُمْ بثينةُ قـــــــــــــــــد شفَّتْ مودَّتُهَــا قلبي ، فلمْ يَبْقَ إلا الــــــــروحُ والجَسَدُ

فهذه القصيدة قدمت صورة كاملة للجمال الأنثوي بما فيها من أوصاف حسية، لكن ورودها ‏في ديوان جميل موثقة بعدد من المصادر الأخرى، وذكر بثينة فيها، أكَّد نسبتها لهذا المحب الذي ‏تصفه الأخبار بأنه عذري. (عبدالله، 1987: 123) ‏

‏ إذاً الحب العذري لم يكن وليد الدولة الأموية إنما جذوره تؤكد أنه لم يظهر بظهور الإسلام، وأنه ‏ليس حكراً على طائفة محددة أو مؤطراً بزمن محدد، فهذا بشار بن برد الشاعر العباسي الماجن ‏الذي عُرِفَ بغزله الفاحش في عصر امتزج بثقافات متنوعة وشاعت فيه موجة الشك والخلاعة نقرأ ‏له غزلا عفيفا يعكس العلاقة النبيلة بين المرأة والرجل يقول: (ابن برد، 1993: 418)‏

نبا بكَ خلْفَ الظاعنيـنَ وِســـــادُ وما لك إلا راحتيكَ عِمَـــــــــــــادُ

لخدِّكَ مِنْ كَفَّيــــــكَ فـي كلِّ ليلةٍ إلى أنْ تَرى وَجه الصَّباحِ وِســـادُ

تبيتُ تُراعي الليلَ ترجو نفـــادَهُ وليس لليل العاشقين نفـــــــــــــادُ

كأنكَ للشوقِ الغريبِ إذا سـرى من الوجه مَشْــــــدُودٌ عليكَ صفادُ

تَقَلَّبُ في داجٍ كأن ســـــــــــوادَهُ إذا انجابَ موصُولٌ إليه ســــــوادُ

‏ لقد رحل الأحبة وخلفوه وحيداً مكتئباً، متوسداً كفيه، لايذوق طعم النوم حتى الصباح، يشده ‏الشوق إلى تصور وجه المحبوب الراحل، فيقضي الليل ساهراً يراعي النجوم، ويرجو نفاد الليل ‏المتواصل بهمومه وسواده.‏

‏ هذه القصيدة لا تختلف في صورتها الفنية عن أشعار العذريين، بل حملت أحد النقاد على الشك ‏فيها إذ يرى أن بشار قد فاق في هذه الناحية الفنية كثيرين ممن سموا بالعذريين(نافع،1983: ‏‏245). ‏

‏ أما من نضفي عليهم العذرية فقد امتلأت أخبارهم بالمغامرات الخارجة عن عرف المجتمع وعن ‏الدين ومن ثم فإن هذه العذرية لم تكن سلوكاً واقعياُ بالضرورة. (عبدالله، 1987:229)، ففي ‏كتاب الأغاني أخبار لا تستقيم وحياة العرب وتقاليدهم ،كما أنها تتنافى وديننا الإسلامي. يذكر ‏الأصفهاني أن جميلا عشق بثينة وهو غلام” فلما بلغ خطبها فمُنع منها، فكان يقول فيها الأشعار، ‏حتى اشتهر وطُرد، فكان يأتيها سراً ثم تزوجت فكان يزورها في بيت زوجها خُفية (الأصفهاني، ‏د.ت، ج8: 115) ويحسن بنا أن نُذكِّرَ من يزعم أن هذه الفئة ترى الصورة النموذجية للمرأة ‏الجميلة لا يمثلها الواقع كما يمثلها الخيال، ومن أسماهم بهتانا بالعذريين ببعض من أخبارهم التي ‏لا تمت إلى السلوك القويم ولا إلى الأخلاق بصلة، بل تظهرهم بأفعال شنيعة لا يرضاه كريم خلقٍ، ‏وتُظهر هذه المرأة العاشقة التي يصورونها عفيفة امرأة عنيدة لعوباً وقد خلعت حياء الأنثى، لا ‏تصون وثاق الزوجية، ينقل لنا أبو الفرج خبر تتبع زعيم العذريين لمعشوقته فيقول: ” ذكر الهيثم ‏بن عدي أن جماعة من بني عذرة حدَّثوا أن جميلاً رصد بثينة ذات ليلة في نجعةٍ لهم حتى إذا ‏صادف منها خلوة سكر ودنا منها وذلك في ليلة ظلماء ذات غيم وريح ورعد، فحذفها بحصاة ‏فأصابت بعض أترابها، ففزعت وقالت: والله ما حذفني في هذا الوقت بحصاة إلا الجن! فقالت لها ‏بثينة وقد فطنت: إن جميلا فعل ذلك فانصرفي ناحيةً إلى منزلك حتى ننام ، فانصرفت وبقيت مع ‏بثينة أم الجسير وأم منظور فقامت إلى جميل فأدخلته الخِباء معها…”( الأصفهاني، د.ت، ج8: ‏‏122)، هذا اللقاء كاد أن يفضي إلى فضيحة، فقد جاء غلام زوجها بصبوحي من اللبن فرآها ‏نائمة مع جميل فارتاعت بثينة وقالت يا جميل نفسك نفسك ، ويرد جميل بقوله: ( جميل ، د.ت ‏‏: 33).‏

لعمــرك ما خوَّفْتِنِي من مخافةٍ بُثين ولا حذَّرْتِنِي موضـعَ الحَذَرْ

فأُقْسِمُ لا يُلْفي لي اليومَ غِــــــرَّةٌ وفي الكفِّ منِّي صارمٌ قاطعٌ ذكرْ

‏ خشيتْ الفضيحة لكنها تأهبت لها بنفسية المرأة ومكائدها، فهي تعرف كيف تتجنب أزماتها ‏الشداد باللجوء إلى سلاح الحيلة فتخرج من المأزق بمساعدة أختها وأقسمتْ عليه ” أن يُلقي نفسه ‏تحت النضد وقالت: إنما أسألك ذلك خوفا على نفسي من الفضيحة لا خوفا عليك، ففعل ذلك ‏ونامت كما كانت واضطجعت أم الجسير إلى جانبها… وجاؤوا بأجمعهم إلى بثينة وهي نائمة ‏فكشفوا عنها الثوب فإذا أُم الجُسير إلى جانبها نائمة. فخجل زوجها وسبَّ عبدَه وقالت ليلى لأخيها ‏وأبيها قبحكما الله! أفي كلِّ يوم تفضحان فتاتكما.”( الأصفهاني، د.ت، ج8 :123)، أهذه صورة ‏للمثال المختار من أمثلة الكرامة العربية التي يمجدها مبارك ؟( مبارك ،د.ت: 22). وهل هذه ‏أفعال لشاعر يتأذى من الغايات الوضعية، ولا يرضى المرأة إلا إن تشاركه في السمو إلى الآفاق ‏الروحية؟(مبارك، د.ت:22) وهل يحسن أن نرى في هذه المغامرات الماجنة غاية أشرف من ‏المتاع المبذول في دنيا الأهواء؟ (مبارك د.ت :22) .‏

‏ هذه المغامرات العاطفية الفاحشة لهذا العذري تشبه مغامرات عمر بن أبي ربيعة -زعيم مدرسة ‏الغزل الحسي- ففي إحدى مغامراته مع حبيبته نُعم يقول: (ابن أبي ربيعة، 2007 : 101 ).‏

فقلت أبادلهـــم، فامَّا أفـــــــــــــوتُهُمْ وإما ينالُ السيف ثأراً فيثــــــــــأرُ

فقالت: أتحقيقاً لما قــال كاشـــــــــــح علينا، وتصديقا لما كان يؤثـــــــرُ

فقالت لأختيــــــــــــها أعينا على فتى أتى زائراً والأمر للأمر يُقْـــــــدّرُ

فأقبلتا فارتاعتــــــــــــــــــــا، ثم قالتا أقلي عليك اللوم فالخطب أيســــرُ

فقالت لها الصغرى سأعطيه مِطرفي ودرعي وهذا البرد إن كان يحذرُ

‏ لقد اجتهد كلاهما في البحث عن اللذة واقتناصها، ثم في خروجهما من أزمة كادت أن ‏تفضحهما.‏

‏ ونقرأ لجميل هذه الأبيات التي يحاول فيها اقتناص لحظة تواصل حسية مع بثينة يقول: ‏‏(جميل، د.ت:15)‏

مازلت أبغي الحي اتبـــــــع فّلَّهم حتى دُفعتُ إلى ربيبة هــــــــــودج

فدنــــوت مختفياً ألمُ ببيتِــــــــــها حتى ولجتُ إلى خفي المــــــــــولجِ

فتناولت رأسي لتعــــــرف مسَّه بمخضَّبِ الأطرافِ غير مشــــــنجِ

قالتْ وعيش أخي وحرمة والدي لأنبهن الحـي إن لم تخْــــــــــــــرجِ

فخرجتُ خيفة قـولها فتبســـــمتْ فعلمتُ أن يمينها لم تخــــــــــــــرجِ

فلثمتُ فاها آخذاً بقــــــــــــرونها شربَ النزيف ببرد ماء الحشــــرج

وأبيات تشبهها لابن أبي ربيعة كان يقتنص فرصة لقاء مع نُعم بعد أن يأمن الرقيب والقوم ‏يقول: ( ابن أبي ربيعة ، 2007: 101 )‏

فبتُّ رقِيباً للرفـــــــــــــاقِ على شَفا أُحاذِرُ مِنْهٌمْ مَنْ يَطُــــــــــــــــوفُ وأَنْظُرُ

إليهم متى يَسْتَمْكِنُ النَّــــــــــومُ مِنْهُمُ ولي مَجْلسٌ لولا اللُّبـانةُ أوعــــــــــــــــــرُ

وباتَتْ قَلوصِي بالعَـرَاءِ ورَحْلُهَـــا لطارقِ لَيْلٍ أو لمنْ جَاءَ مُعْــــــــــــــــــوِرُ

وبتُّ أُناجِي النَّفْسَ أينَ خِبَــــــــاؤهَا وكيفَ لِمَا آتي مِنَ الأَمْـــــــــــــــرِ مَصْدَرُ

فَلمَّا فَقَدْتُ الصـــــوتَ مِنْهُمْ وأُطْفِئتْ مصابيحُ شُبَّتْ في العِشَـــــــــــــــاءِ وأْنؤرُ

وغابَ قُميرٌ كُنْتُ أهْوى غُيـــــــوبَهُ ورَوَّحَ رُعيانٌ ونَــــــــــــــــــــــوَّمَ سُمَّرُ ‏

‏ فهل نزج بعمر بن أبي ربيعة في زمرة العذريين أم نستل جميلاً وأمثاله من هذه العذرية ‏المزعومـة؟ وهل في مثل هذه الأفعال أدنى شك في أن العذرية ليست سمة لشاعر وليست مؤطرة ‏بزمن معين ؟ ‏

‏ وبذلك يرى الكفراوي ونتفق مع ما ذهب إليه من أن الغزل المسمى بالعذري أو العفيف مفترى ‏عليه أو على الإسلام، ومما يؤيد براءة الإسلام من الغزل المسمى بالعفيف وجود أمثلة كثيرة منه ‏في العصر الجاهلي، كما أن سلوك أصحاب هذا المذهب لا يمت إلى الزهد والتقوى في أدنى ‏درجاتها لما عرف عن بعضهم من التعلق بنساء ذوات أزواج شرعيين، ناهيك بمثل هذا العمل بعداً ‏عن الدين والمروءة (الكفراوي ، د.ت :60 ) ‏

‏ أما الزهد الذي يضفيه بعض النقاد على هذه الفئة من الشعراء فلم يخطر لهم ببال، والمرء يزهد ‏في أمر قد تمكن منه ثم ينصرف عنه بمحض إرادته، كزهد أبي العتاهية في ملذات الدنيا بعد أن ‏كان أحد مجان عصره، وهؤلاء الشعراء لم يكن حالهم كذلك فقد تركوا من يحبون مرغمين، فهذا ‏الغزل نتيجة للحرمان لا للزهد والتقوى، بدليل تراجعهم عن ذلك في قصائد أخرى، وإن غلبت ‏العاطفة عليهم فمرد ذلك إلى بنقصان الجرأة والمرونة والخبرة العملية وغير ذلك من الأمور التي ‏تمكن المرء من بلوغ أهدافه، فلم يكن أمامهم إلا أن يقضوا أوقاتهم في ترتيل أناشيد التشوق والهيام ‏والآلام ( الكفراوي، د.ت: 59).‏

‏ ويقول جميل : ( جميل، د.ت :21 )‏

يقولون جاهد يا جميل بغــــــــــزوة وأيَّ جهادٍ غيرهُنَّ أُريـــــــــــــدُ ‏

لكل حديث بينهنَّ بَشــــــــــــــــاشةٌ ‏ وكلِّ قَتيلٍ بينهُنَّ شَهيــــــــــــــدُ

لقد كان عصره عصر فتوحات وانتصارات ففي عصر بني أمية فتحت أعتى المدن ‏والحصون وكان شبابها يخوضون أعنف المعارك، ولربما أشار عليه أحدهم بالمشاركة في الجهاد ‏في قوله ” يقولون جاهد يا جميل بغزوة ” لكنه فضل مجاهدة العشق والبقاء قرب بثينة، ولاننسى ‏أنه عاصر فترة حُكم مروان بن الحَكَم (64- 65) الفترة التي شهدت صعوبات وثورات وانقسامات فتصدى لها إلى أن استقر له الأمر فاعتبر ‏مؤسس ‏الدولة الأموية الثانية (‏الكوراني،2006 ‏:69‏)، فعن أي فراغ يتحدث من يرى أن ‏الدماثة ‏والفراغ وخفض العيش أوجدت هذا الغزل في بني عذرة، ‏ولعل في قول الكفراوي نجد ما ‏يدعم ما ‏نذهب إليه، يقول:” لوعرف جميل أن بعض الباحثين ‏يجعلون قوله– الأبيات السابقة- ‏دليلاً على ‏أنه كان يعتقد حقاً أنه سيموت شهيداً إذا سقط تحت ‏أقدام بثينة، لتوارى حياءً وخجلاً من ‏تلك ‏السذاجة التي يرميه الناس بها لمجرد أنه شاعر يقول مالا ‏يعتقد كغيره من الشعراء. بل ربما ‏تذكر ‏شيئا مخجلاً بجانب ذلك وهو أن يذهب شباب المسلمين ‏لجهاد عدوهم من الفرس والروم ‏ويظل هو ‏بجانب حبيبته يجاهدها ويجاهد نفسه أحيانا ، ثم يدَّعي ‏بعد ذلك أنه مسلم زاهد.”‏(‏الكفراوي، د.ت: ‏‏62 ) ‏

‏ لقد كان الشعر ديوان العرب وسجلا لحياتهم صور لنا وقائعهم ونقل لنا تجاربهم في موسيقية ‏رائعة مستلهمة من إيقاعيته التي ساعدت على حفظه وانتشاره وبالرغم من ذلك لم يصلنا من كلام ‏العرب بما فيه الشعر إلا أقله،ولو جاءنا وافرا لجاءنا علم كثير وفي هذا إشارة إلى ضياع كثير مما ‏قالته العرب شعرا ونثرا، فإن وصلنا هذا الغزل العذري كما يزعم مبارك وتناقلته الأجيال جيل بعد ‏جيل برياضة أخلاقية منحته قوة البقاء لأمد الإنسانية بشمائل رفيعة جعلت من الواجب أن تكون ‏أشعارهم أغاريد يترنم بها الصادقون من الصوفية في أوقات الصفاء.(مبارك، د.ت:17) ولا ‏نغالط هذا القول، الغزل العذري غزل عفيف ينقل عاطفة سامية صادقة، تمد الإنسانية بشمائل ‏رفيعة، لكننا لا نخص هذه العذرية بقبيلة معينة أو فئة أو نؤطرها بفترة محددة، الحب عاطفة ‏إنسانية ومشاعر وجدانية تترفع عن القيد والتأطير .‏

أما وصم هؤلاء الشعراء بالعفة فهذا تنفيه أخبارهم التي امتلأت بها كتب الأدب كالأغاني إذ ‏نقرأ لهم فيه أخباراً يندى لها الجبين، ولعل مقارنة بين أبيات لجميل وأبيات للشنفري تجعلنا لا ‏نستطيع أن نقر لهم بعفة وصفاء.‏

يقول الشنفري: ( الضبي، 1361 هـ : 107 )‏

لقد أعجبتني لا سقـــــــــوطا قناعها إذا ما مشـت ولا بــــــــذات تلفتِ

تحل بمنجــــاة من اللوم بيتـــــــــــها إذا ما بيوت بالمذمــــــــــــة حُلَّتِ

كأن لها في الأرض نســيا تقصـــــه على أمها وأن تكلمـــــــــــك تبلَّتِ

أميمة لا يخـــزي نثاها حليــــــــــلها إذا ذكر النســـــــوان عفت وجلَّتِ

إذا هو أمسى آب قرَّة عيــــــــــــــنه مآب السعيد لم يســــــل أين ظلَّتِ

فدقت وجلَّتْ واسبكــــــرت واكملت فلو جُن إنسان من الحســــن جنتِ

ويقول جميل بثينة : ( جميل ، د.ت : 20 )‏

سبتني بعيني جؤذُرٍ وسط ربْـــــربٍ وصدر كفاتُور اللجين وجِيـــــــــــــدُ

تزيفُ كما زَافتْ إلى سَلفـــــــــــاتها مباهيةٌ طيَّ الوشــــــــــــاحِ مَيــــودُ

إذا جئتُهَا يَوماً من الدَّهْرِ زَائــــــــراً تعرَّضَ منْقوضُ اليَدينِ صَـــــــدُودُ

يَصدُّ ويَغْضَي عن هَـواي ويجتَــني ذنوباً عليها إنـَّهُ لَعَنـُــــــــــــــــــــــودُ

فأصرمُهَا خوفاً كأني مجُـــــــــانبٌ ويغفلُ عنَّا تـارةً فنَعُــــــــــــــــــــــودُ

‏ إن قراءة في هاتين المقطوعتين توقفنا عند فتنة وإغراء وعبث ومجون في أبيات جميل بجانب ما ‏في أبيات الشنفري من جد وعفة، و يعقب الكفراوي على هذه الأبيات قائلاً: ” ليت شعري من هذا ‏الذي كان يحرسها من شيخ الزهاد، ولعله زوجها الشرعي، ولا ينبغي أن نعجب أو نأسى لما ناله ‏من أذى، فإن حظه على أية حال كان خيرا من حظ زوج عزة الذي يقول فيه شريكه أو منافسه فيها ‏كثير :‏

يُكلِّفُهَا الخِنزيرُ شَتْمي وَمَا بهَا هَواني ولكنْ للمَلِيكِ اسْتذلَّتِ ‏

‏ (الكفراوي ،د.ت :64. وكثير، د.ت : 68) ‏

تشابه بين الغزلين:‏

‏ لقد تشابه غزل من يسمون بالعذريين في كثير من جوانبه مع ما نسميه بالغزل الحسي، فغزلهم ‏لايختلف في تصويره للمرأة عن غزل الشعراء الحسيين، ووصفهم لايتجاوز الجمالية العامة الشائعة ‏في ذلك العصر في تشبيهات يسيرة مألوفة، ألم بها عمر وغيره في الشعر الغزلي ووصف محاسن ‏المرأة. ” كما ألمَّ بها العذريون أنفسهم.”( القط 1987: 178) ففي كلا النوعين تتوق النفس ‏البشرية إلى الاتصال بالجنس الآخر ولكن تختلف وسائله ونتائجه تبعا لاختلاف الشخصيات ( ‏الكفراوي، د.ت:59) وإن حاول طه حسين -مجانبا الصواب -أن يجد تفسيراً لاعتماد العذريين ‏على التشابيه والألفاظ والمعاني التي استعملها الجاهليون، حين وصفوا حبيباتهم وصفاً حسياً قائلا ‏‏”كان في الجاهلية جسم المرأة، فأصبح في الإسلام نفس العاشق “(حسين، د.ت:221) فزعم أن ‏هذا الوصف وسيلة إلى وصف النفس وما تلقى بالحب من شقاء أو سعادة، ومن بؤس أو نعيم، ‏وأن الشاعر العذري أضاف إلى المادة شيئاً آخر هو الحب وما يترك في القلب من أثر، وما يبعث ‏في النفس من عاطفة.(حسين، د.ت:221)، وبذلك يرى أنه اختلف عن غزل الشاعر الجاهلي ‏الذي كان مادي العاطفة غليظها غير معني بصدق العاطفة وآلامها(حسين، د.ت :221)، لكن ‏هذا القول لا يشمل كل الغزل الجاهلي وإنما لا يصح إلا على صنف واحد منه يظهر عند كبار ‏الشعراء كامرئ القيس وأوس بن حجر والأعشى والنابغة وزهير ( الزبيدي،1983: 20) وبذلك ‏ناقض طه حسين نفسه في موضع آخر حين قال: ” إن شعرهم – العذريون- لم يصدر عن ‏فطرة وسليقة ويصفهم بأنهم كانوا ” عمالاً وصناعاً يجدون في فنونهم ويكدحون ويخضعون لما ‏يخضع له غيرهم من العمال والصناع وأهل الفن.” (حسين، د.ت: 215 ) ‏

ويوازن الجواري بين غزل الجاهليين والعذريين فيرى أن غزل الجاهليين وإن وجدت ” في ‏بعض ثناياه بذور عاطفة الحب وصورة بسيطة من صوره، فيها سذاجة وليس فيها السعة التي ‏نشهدها في الحب العذري .”(الجواري،2006: 52.) لكن الزبيدي ونتفق معه يفند هذا القول إذ ‏يرى أن تجربة الحب بين الشعراء العذريين والشعراء المتيمين في الجاهلية لا تكاد تجد فيها سعة ‏أو عمقا وأن التشابه بينهما يبلغ حدا تكاد تختفي معه الفروق (الزبيدي، 1983 :23) . ‏

لقد تشابه شعر الغزل في العصر الأموي سواء أكان حسيا أم عذريا في كثير من جوانبه، ‏فقد أسقط كثيرا من التقاليد التي ورثها الإسلاميون عن الجاهليين، قلَّ الاستهلال بالمقدمة الطللية، ‏وإن عاد إليها فإن عودته لأمر يتصل بموضوع أبياته، كما استأثر الغزل بقصيدة الشاعر، فلم ‏تتسع لأغراض شعرية أخرى، بل استأثر أيضا ببعض شعراء هذا العصر فلم يتجاوزوه إلى فن ‏آخر، فاستقلت بشعر الغزل دواوين كاملة، نجد الشاعر عمر بن أبي ربيعة اقتصر ديوانه عن ‏شعر الغزل كذلك جميل بثينة وقيس بن ذريح ، ومن ناحية الألفاظ فإن ألفاظ القصيدة الغزلية ‏العذرية والحسية رقت إلى حد بعيد وابتعدت عن الغرابة وقوة الأسر، واقتربت الجملة الشعرية في ‏تركيبها إلى لغة الكلام العادية خاصة عندما حاكى الشعراء أقوال النساء .‏

يعد امرئ القيس أول من أفحش في شعره وشبب بالنساء وقد سبقه في ذلك خاله المهلهل ثم ‏تبعهما بعد ذلك النابغة الذبياني الذي تهالك في غزله، وأفحش في بعض نسيبه إفحاشا كأنه رومي ‏أو فارسي، لطول ما صحب المناذرة والغساسنة.‏

يذكر الأصفهاني أن النابغة كان من ندماء النعمان بن المنذر وأهل أنسه، وأنه فاجأ ‏المتجردة يوما بالدخول فسقط نَصيفُها – خمارها- واستترت بيدها وذراعها ، فكادت ذراعُها تستر ‏وجهها لعَبالتها وغلظها فقال قصيدته التي أولها :‏

‏ (الذبياني،2005: 38)‏

أمِنْ آلِ ميَّةَ رائحٌ أو مُغْتـــــــــدي عجلانَ ذا زادٍ وغيرَ مُـــــــزَوَّدِ

أفِدَ الترحْلُ، غيــــــــــر أنّ رِكابَنا لما تَزُلْ برحالنا، وكأن قَـــــــــدِ

زعمَ الغُرابُ أنّ رحلتنا غـــــــــدا وبذاك خبرنا الغُداف الأســــــودُ

ويُعد عمر بن أبي ربيعة زعيم الغزل الحضري، فيما كان جميل زعيم الغزل العذري، لكن ‏غزل عمر كان تعبيرا عن طبقة متحررة تضع شهواتها وملذاتها فوق كل اعتبار، هو تعبير عن ‏العاطفة التي تكالبت على اللذة في غير حرمان، كذلك في شعر امرئ القيس؛ فقد تشابه غزلهما ‏وتشابهت ظروف معيشتهما، بينما أشعار العذريين امتلأت بالبكاء واللوعة والحسرة والزفرات لأن ‏الظروف: الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في الرقباء والوشاة وسلطة الأبوين والتقاليد وربما ‏الظروف السياسية أيضاً قد وقفت حجر عثرة في طريقهم، وحالت بينهم وبين مآربهم وغاياتهم في ‏تحقيق التواصل مع المحبوب، فما كان أمامهم إلا تلك الأشعار الممتلئة بأمانيهم البائسة وآمالهم ‏المتبددة بسبب هذا الحب الفاشل، يقول مجنون ليلى:( المجنون ، ص 156)‏

أتبكي على ليلى ونفسكَ باعـــــــدت مزارك من ليلى وشِعْبَاكُما معـــــا

فما حسنٌ أن تأتي الأمـر طائــــــعا وتجزعَ أن داعي الصبابـة أسمعا

قفا ودِّعا نجـــــــداً ومن حل بالحمى وقَلَّ لنجدٍ عنـدنا أن يُودِّعـــــــــــا

‏ وتأجج هذا الحرمان بين السخط والرضى واليأس والأمل، يقول عروة بن حزام: (القالي،1926هـ: ‏‏158) ‏

فيا ليتَ كُلَّ اثنين بينهما هــــوى من النَّاسِ والأنعـام، يلتَقِيـان

فيقضي حبيبٌ من حبيبٍ لُبانـــة ويرعاها ربي، فـلا يُرَيَـان

ومثل هذه الظروف ما كان لها أن تحول بين كل الشباب ومحبوباتهم ، فهي إن وقفت حجر ‏عثرة أمام الضعفاء وأبناء الطبقة الوسطى، فإنها لم تستطع الوقوف أمام أبناء الطبقة الارستقراطية ‏كامرىء القيس وعمر بن أبي ربيعة ومن ثم تشابه غزل امرىء القيس وغزل ابن أبي ربيعة كما ‏تشابهت الظروف بينهما. ‏

الخاتمة:

‏ سعى البحث من خلال عرض موضوع الغزل العذري إلى بيان مفاهيمه وتتبع أطواره وصوره، وتبيان أنه وبرغم محاولة بعض النقاد نسبته إلى الإسلام فإن الشواهد الشعرية أثبتت أنه امتداد لغزل العصر الجاهلي، وأنه لايوجد شاعر عذري بالمفهوم المتداول، ولكن توجد ‏‏تجربة عذرية يعيشها الشاعر ويبوحها شعراً.‏

وأبان البحث أن من شعراء عصر ما قبل الإسلام من التزم بعرى الأخلاق النبيلة التى رسمت خطوطها الأعراف القبلية والسمات الأخلاقية العربية، وأن العذرية بمفهومها الطاهر الخالي من الفحش لم تكن حكراً ورسماً لقوم بعينهم، برغم تماهيها مع قبيلة بني عذرة حتى اكتسب الفعل اسمه من اسمها، وصوره من تفاصيلها، وذلك ديدن القصيدة العذرية، ذلك لأن الشعور الإنساني الفطري ليس وقفاً على أناس بعينهم دون العالمين.

واستدل البحث ببعض قصص العذريين من غير بني عذرة، من مثل قصة مُضَّاض الجرهمي ‏‏وصاحبته ‏ميا الجرهمية وهي ابنة عمه، وهي قصة يمكن اعتبارها من أقدم قصص العشق التي ‏عرفها العرب، ومثله عمرو بن شأس الذي كان يعشق ابنة جار له من بني عامر، إضافة لمشهور القصص المتداول شعراً ونثراً كقصة عنترة بن شداد وعبلة، وكثيّر وعزة وغيرهم.

وأبان البحث أن الغزل ظاهرة أو سمة لغزل بعض شعراء العصر الأموي وقد عد ‏بعض النقاد ظهوره بمثابة رد فعل ‏احتجاجي عن حياة اللهو والعبث والانغماس في الشهوات، وهو ‏رد فعل فني مترفع، فمن الشعراء ‏من يتأذى من الغايات الوضيعة، فيعشق المرأة التي تشاركه في ‏السمو إلى الآفاق الروحية، وهذا ‏ديدن الشاعر العذري‏.

وعرّج البحث على نقد فكرة الزهد وبعدها عن الغزل، لأن الزهد الذي يضفيه بعض النقاد على فئة من الشعراء فلم يخطر لهم الغزل على بال، والمرء يزهد ‏‏في أمر قد تمكن منه ثم ينصرف عنه بمحض إرادته، كزهد أبي العتاهية في ملذات الدنيا بعد أن ‏‏كان أحد مجان عصره، وهؤلاء الشعراء لم يكن حالهم كذلك فقد تركوا من يحبون مرغمين، فهذا ‏‏الغزل نتيجة للحرمان لا للزهد والتقوى، بدليل تراجعهم عن ذلك في قصائد أخرى، وإن غلبت ‏‏العاطفة عليهم فمرد ذلك إلى بنقصان الجرأة والمرونة والخبرة العملية وغير ذلك من الأمور التي ‏‏تمكن المرء من بلوغ أهدافه، فلم يكن أمامهم إلا أن يقضوا أوقاتهم في ترتيل أناشيد التشوق ‏والهيام ‏والآلام. ‏

كما ظهر تشابه غزل العذريين في كثير من جوانبه مع ما نسميه بالغزل الحسي، فغزلهم ‏‏لايختلف في تصويره للمرأة عن غزل الشعراء الحسيين، ووصفهم لايتجاوز الجمالية العامة الشائعة ‏‏في ذلك العصر في تشبيهات يسيرة مألوفة‏، والظاهر في مقاربة الشعر العذري في الجاهلية مع أشعار الغزل في العصور الإسلامية أن تجربة الحب بين الشعراء العذريين والشعراء المتيمين في الجاهلية لا تكاد تجد فيها سعة ‏أو ‏عمقا وأن التشابه بينهما يبلغ حدا تكاد تختفي معه الفروق.

‎مراجع البحث:

‏-‏‏ الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين،(د.ت) الأغاني، الأجزاء،1/6/8/14/16، دارالفكر، د.ب.‏

‏-‏ ابن برد، أبو معاذ ‏بشار بن برد العُقيلي، (1993) ديوانه،، شرحه ورتب قوافيه وقدَّم له مهدي محمد ناصر الدين، ‏ط1، دار الكتب العلمية، د.ب .‏

‏-‏ البهبيتي، نجيب (1950) تاريخ الشعر العربي حتى القرن الثالث الهجري، مطبعة دار ‏الكتب المصرية، القاهرة.‏

‏-‏ ابن ثابت، أبو الوليد حسان بن ثابت الأنصاري المخزومي، (1978) ، ديوانه، شرح عبدالرحمن البرقوقي، دار الأندلس، بيروت.‏

_ الجزائري، محمد، (1996)، خطاب العاشق: مثيولوجيا ورؤى من عشتار سيدة الحب الأولى إلى

المتنبي عاشقا، دار الشروق، القاهرة.

‏- الجمحي، أبو عبد الله ‏محمد بن سلام الجمحي البصري (1978)، طبقات الشعراء، دار النهضة العربية ، بيروت.‏

‏-‏ الجواري، أحمد عبدالستار، (2006)، الحب العذري: نشأته وتطوره ،ط1، دار الفارس، ودار ‏الشروق عمان. ‏

‏-‏ حسين، طه، (د. ت) حديث الأربعاء، ج1، ط12، دار المعارف، القاهرة.‏

‏-‏ الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت، (1979)، معجم البلدان، ج4، دار صادر ودار بيروت، بيروت.‏

‏-‏ الحوفي، أحمد محمد، (1950) ، الغزل في العصر الجاهلي، مكتبة نهضة مصر و مطبعة ‏لجنة البيان ، القاهرة .‏

‏-‏ الخزاعي: كثير بن عبد الرحمن بن الأسود المشهور بكثيّر عزة، (د.ت) ديوانه، شرحه عدنان ‏زكي درويش، دار صادر ودار بيروت.‏

‏-‏ الذبياني، زياد بن معاوية بن ضباب المري الذبياني المعروف بالنابغة، (2005) ديوانه، اعتنى به حمدو طمَّاس ط2، دار المعرفة، بيروت.‏

‏-‏ ابن ذريح، قيس بن ذريح الليثي الكناني، (2004) ديوانه، شرحه عبدالرحمن المصطاوي، ط 2، دار المعرفة، ‏بيروت. ‏

‏-‏ ابن أبي ربيعة، عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، (2007) ديوانه، شرح وتحقيق وتعليق محمد عبدالمنعم خفاجي ‏وعبدالعزيز شرف، المكتبة الأزهرية للتراث، د.ب ‏

‏-‏ الزبيدي، عبدالمنعم خضر،(1983) مقدمة لدراسة الغزل العذري، جامعة قاريونس، ليبيا.‏

‏-‏ ابن زهير، أبو المضرَّب كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، (1997) ديوانه، تحقيق وشرح علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت.‏

‏-‏ ابن أبي سلمى، زهير بن أبي سُلْمى ربيعة بن رباح المُزَنِي، (1964) ديوانه، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت.‏

‏-‏ الشايب، أحمد، ( 1994 ) الغزل في تاريخ الأدب العربي، ط1، سوسة، تونس.‏

‏-‏ ابن الصمة، دريد بن الصمة بن الحارث الغزي ،(1981) ديوانه، قدمه شاكر الفحام وجمعه وحققه وشرحه محمد خير ‏البقاعي، دار قتيبة، د.ب .‏

‏-‏ الضبي، المفضل بن محمد بن يعلى، (1952) المفضليات، نشر أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون، ط2، ‏دار المعارف، القاهرة.‏

‏-‏ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1361هـ) المفضليات، ج1، مطبعة المعارف.‏

‏-‏ عبدالله، محمد حسن، (1987) صورة المرأة في الشعر الأموي، ط1، ذات السلاسل، الكويت. ‏

‏-‏ فيصل، شكري، ( د.ت ) ، تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام، ط5، دار العلم للملايين، ‏بيروت.‏

‏-‏ القالي، أبوعل يإسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (1324هـ)، الأمالي، ج2، ط1، المطبعة الأميرية الكبرى بولاق، القاهرة. ‏

‏-‏ ______________،(1926) كتاب ذيل الأمالي والنوادر، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة.‏

‏-‏ ابن قتيبة، أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري(1996) الشعر والشعراء، ج1، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الحديث، ‏القاهرة. ‏

‏-‏ القط، عبدالقادر، (1987) في الشعر الإسلامي والأموي، دار النهضة العربية ، بيروت.‏

‏-‏ الكفراوي، محمد عبدالعزيز، (د.ت) الشعر العربي بين الجمود والتطور،، ط2، دار القلم ، ‏بيروت.‏

_ الكوراني، علي (2006). جواهر التارخ، ج3‏،دار المحجة البيضاء، بيروت.

‏-‏ مبارك ، زكي، ( د.ت) العشاق الثلاثة، المكتبة العصرية، بيروت,‏

‏-‏ ابن معمر، جميل بن عبد الله بن مَعْمَر القُضاعي، (د.ت) ديوانه، شرحه وقدم له وعلق على حواشيه سيف الدين الكاتب ‏وحمد عصام الكاتب، نشر حسن نصار، دار مكتبة الحياة، بيروت. ‏

‏-‏ ابن الملوح، قيس بن الملوح بن ذريح العامري، (د.ت) ديوانه، ، تحقيق عبدالستار أحمد فراج، ‏مكتبة مصر.‏

‏-‏ نافع، عبدالفتاح صالح، (1983) ، الصورة في شعر بشار بن برد، دار الفكر، عمان.‏

‏-‏ نصار ، يوسف حسين،(د.ت) اتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري، دار الأندلس، د.ب .‏

‏-‏ هلال، محمد غنيمي، (د.ت) ليلى والمجنون في الأدب العربي، مكتبة الأنجلو ، القاهرة.