التجديد في الفكر السياسي العربي الإسلامي الحديث، الدكتور محمد عمارة أنموذجا

الدكتور خالد سلامة المعايطة1 الدكتور زيد نايف أبو قاعود2

1 باحث في الفكر السياسي العربي الإسلامي، المملكة الأردنية الهاشمية.

بريد الكتروني: khaledalmaaytah1974@gmail.com

2 باحث في الفكر السياسي العربي الإسلامي، المملكة الأردنية الهاشمية.

HNSJ, 2021, 2(12); https://doi.org/10.53796/hnsj21229

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/12/2021م تاريخ القبول: 24/11/2021م

المستخلص

هدفت الدراسة إلى التعرف على فلسفة التجديد الإسلامي في فكر الدكتور محمد عمارة، ومعرفة الأسس والاتجاهات الفكرية والتجديدية التي يطرحها في الجانب السياسي من قيم نظام الحكم في الإسلام. وتمثلت أهمية الدراسة في إبراز الصورة الحقيقية لمفهوم التجديد بوصفة مرتكزاً مهماً لإعادة بناء الفكر السياسي الإسلامي وتعزيز مثالية الحكم في الإسلام، وتوفر الدراسة عملياً مشروعاً فكرياً يمكن أن يتم تطبيقه من قبل نظام الحكم لتحرير العقل الإسلامي العربي من الجمود الفكري الذي أصابه لعدة قرون. واعتمدت الدراسة على كل من المنهج التاريخي- التحليل السياسي لدراسة الجذور التاريخية لمفهوم التجديد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث من وجهة نظر عمارة، والمنهج التحليلي الاستقرائي لدراسة الظواهر السياسية من وجهه نظره وبيان أراءه حول-موضوع الدراسة-.

وتحددت أهم أسئلة الدراسة في: ما هي فلسفة التجديد السياسي الإسلامي في فكر محمد عمارة؟ وما هي الأسس والاتجاهات الفكرية والتجديدية التي يطرحها في الجانب السياسي من قيم نظام الحكم في الإسلام؟.

توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، كان أبرزها أن الدكتور محمد عمارة كان أبرز دعاة التجديد والإصلاح وأحد أعلام النهضة العربية الإسلامية في العصر الحديث، ورسالته في التجديد تتمثل في تحرير الفكر من قيد التقليد، وتطهير الإسلام من البدع والضالات والعودة به إلى نقائه الأول، وإعادة النظر في عرض المذاهب الإسلامية على ضوء الفكر الحديث أو التوفيق بين الدين والعلم.

قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات، كان أبرزها: ضرورة تعزيز الاهتمام بموضوع التجديد في الفكر السياسي الإسلامي، والسعي لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي علقت بأذهان الكثير من مفكري العصر الحديث لمواجهة التحديات التي تواجه العالم العربي في المرحلة الراهنة.

الكلمات المفتاحية: التجديد، الفكر السياسي الإسلامي الحديث، محمد عمارة.

Research title

Renewal in Modern Arabic and Islamic Political Ideology

Dr. Muhammad Emara is a model

Dr: Khaled Salameh Almaaytah1 Dr:Zaid Nayef Ali Al-Qa’aida2

1 Researcher in Arab and Islamic political thought, the Hashemite Kingdom of Jordan.

Email: khaledalmaaytah1974@gmail.com.

1 Researcher in Arab and Islamic political thought, the Hashemite Kingdom of Jordan.

HNSJ, 2021, 2(12); https://doi.org/10.53796/hnsj21229

Published at 01/12/2021 Accepted at 24/11/2021

Abstract

The study investigates the renewal in the modern Islamic political ideology based on the viewpoints of the thinker Mohamed Amara. In addition, it brings to light the intellectual and modern trends that he imams present under the framework of the political aspect which is based on the values of the ruling system of Islam. The study importance lies in bringing to light the true nature of the concept of renewal as an important basis for reinitiating the political Islamic ideology and reinforcing the ideality of the Islamic rule. The study presents an ideological enterprise that can be applied by the ruling system so as to free the Islamic thoughts and mentality from the ideological rigidity that affected it over the past centuries. The study adopted the historical approach-political analysis so as to investigate the historical groundings and bases for the concept of modern renewal of the Islamic Ideology in the thoughts of both thinkers. The inductive analytical approach was also adopted for the sake of studying the political phenomena based on the thoughts of political thinker and the thought of thinker of the subject of concern. The study’s questions were determined as follows: What is the philosophy of the Islamic renewal ideology based on the viewpoints of the thinker Mohamed Amara? What are the foundations of the renewal in the Islamic political ideology based on the opinions of the thinker Mohamed Amara?

The study reached a set of results, the most prominent of which is that Dr. Muhammad Emara was the most prominent advocate of renewal and reform and one of the figures of the Arab-Islamic renaissance in the modern era, and his renewal message is: liberating thought from the shackles of imitation, purifying Islam from heresies and misguidance, returning it to its first purity, and reconsidering the presentation of Islamic doctrines in the light of modern thought, or reconciling religion and science.

The study concludes with the following recommendations, the most prominent of which were: the need to promote attention to the subject of renewal in the Islamic political ideology, and to seek to correct the misconceptions that have been suspended in the minds of many modern-day thinkers. Add to that the importance of rationalizing their awareness leading to resisting the currents of extremism, inertia and intolerance, in order to meet the challenges facing the Arab world at the current stage.

Key Words: Renewal, Modern Islamic Political Ideology, Mohammed Amara.

خلفية الدراسة

يعد مفهوم التجديد أحد المفاهيم المحورية في دراسات الفكر السياسي، فقد شغل اهتمام العديد من المفكرين العرب والمسلمين في عصور مختلفة، وخاصة في الفترة التي رافقها الغزو الغربي الذي تعرضت له الأمة العربية والإسلامية منذ أواخر القرن الثامن عشر، حيث توسع تطلعها بعد الاستعمار إلى نمط الثقافة الحضارية الغربية، وكثر الجدل الفكري والسياسي حول علاقة الدين بالسياسة في الفكر الإسلامي والذي كان نتيجة للاحتكاك بالحضارة الغربية.

وقد نتج عن هذا الاحتكاك أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ظهور العديد من التيارات التجديدية الفكرية، وهي(الجابري، 1986: 590):

  1. التيار الأصولي السلفي التقليدي، وينادي بضرورة السعي للعودة إلى الأصول – الموروث الديني الأصلي-، وليس الإتيان بجديد، والنظر للعلوم العصرية والتي منها العلوم السياسية من منظور إسلامي فقط رافض لكل ما جاء به الغرب معتبراً ذلك استعماراً فكرياً وسياسياً.
  2. التيار الرافض للحضارة الإسلامية والدين، وينادي بضرورة السعي للتمسك بكل ما جاءت به الحضارة الغربية باعتبار أن الدين أساساً وسبباً للتخلف الذي حلّ في الدول الإسلامية.

3- التيار السلفي التنويري(التجديدي/ الإصلاحي) ويدعو إلى تطوير الفكر والخطاب بما يتفق ومعطيات العصر، وضرورة التمسك بقيم الإسلام من أجل النهوض بالأمة الإسلامية والاندماج في الحضارة الغربية مع الاحتفاظ بالهوية الدينية، والسعي للتجديد والإصلاح السياسي والاجتماعي والديني والثقافي عن طريق الأخذ من الغرب انطلاقاً من الأصول.

من هنا فإن القضية الكبرى التي مازالت مطروحة على الفكر السياسي العربي الإسلامي تتعلق بتجديد الفكر السياسي، وهي قضية تدعو للرجوع إلى القيم الإسلامية المرجعية، وتأسيس الدولة المدنية والسلطة والقيم التي يمارس باسمها الحكم في إطار شرعي، فالجهل والفراغ الفكري وغياب الوعي بشؤون الإسلام السياسي وقيم نظام الحكم في الإسلام أدى لظهور أخطاء منهجية ومغالطات تاريخية حول فصل الدين عن السياسة.

وعليه فقد اتضح أن استلهام التطور الحضاري الغربي وعلومه والانطلاق منه على أساس منظور إسلامي، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التجديد وتخليص الدين الإسلامي مما قد علق به من شوائب نتيجة البدع أو التخلف في الفكر الذي لم يتماشى مع ما في الأسس العامة لنظام الحكم في الإسلام من مرونة والقدرة على مواجهه المواقف المستحدثة في كل ما يتعلق بالمجال السياسي،

ومن هنا سيتم تناول موضوع التجديد في الفكر السياسي العربي الإسلامي من خلال بيان فلسفة وموقف ومنهج منه، المفكر الدكتور محمد عمارة (1931- 2020)

مشكلة الدراسة:

تحاول هذه الدراسة البحث في موضوع إشكالية التجديد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث من وجهة نظر الدكتور المفكر محمد عمارة، وذلك للوقوف على موقفه وفلسفته من قضايا الفكر السياسي العربي الإسلامي الحديث لما لهذا المفكر من جهد عظيم ظهر في الدفاع عن قضايا الأمة العربية الإسلامية والدين الإسلامي والهوية العربية .

أهداف الدراسة: تهدف هذه الدراسة إلى:

  1. التعرف على مفهوم التجديد وخصائصه وموجات التجديد في الفكر السياسي الإسلامي.
  2. التعرف على الاتجاهات الفكرية والتجديدية التي يطرحها المفكر محمد عمارة في الجانب السياسي.
  3. . التعرف على موقف المفكر محمد عمارة من قيم نظام الحكم في الإسلام، مثل السلطة، والشورى، والقانون، ومسؤولية الحاكم، والطاعة، والحرية، والديمقراطية، والتعددية السياسية، والعدالة والمساواة، والاستقلال والوحدة، والاعتدال والوسطية، والسيادة والولاية والخلافة.
  4. التعرف على فلسفة التجديد الإسلامي فكر محمد عمارة.

أسئلة الدراسة:

في ضوء ما تقدم تتحدد مشكلة الدراسة من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية:

  1. ما طبيعة التجديد في الفكر السياسي العربي الإسلامي وابرز خصائصه ومراحله ؟
  2. ما الأسس التي يجب أن يبنى عليها التجديد في الفكر السياسي الإسلامي في فكر المفكر محمد عمارة؟
  3. ما أمكانية الإفادة من الاتجاهات الفكرية والتجديدية التي يطرحها المفكر محمد عمارة في الجانب السياسي؟ كمسؤولية الحاكم، والطاعة، والحرية، والديمقراطية، والتعددية السياسية، والعدالة والمساواة، والاستقلال والوحدة، والاعتدال والوسطية، والسيادة والولاية والخلافة؟.
  4. ما هي فلسفة التجديد السياسي الإسلامي في فكر محمد عمارة؟

أهمية الدراسة:

تبرز أهمية الدراسة من الناحيتين العلمية والعملية على النحو الآتي:-

1- الأهمية العلمية: تكتسب هذه الدراسة أهميتها العلمية في كونها تتطرق لموضوع ما زال خصباً في مجال البحث، حيث تحاول هذه الدراسة إبراز الصورة الحقيقية لمفهوم التجديد بوصفة مرتكزاً مهماً لإعادة بناء الفكر السياسي العربي الإسلامي وتعزيز مثالية الحكم في الإسلام، وإبراز دور المفكر محمد عمارة ورؤيته التحليلية نحو التجديد وأهميته في التعامل مع القضايا السياسية ونظام الحكم في الإسلام.

  1. الأهمية العملية: توفر الدراسة عملياً مشروعاً فكرياً يمكن أن يتم تطبيقه من قبل نظم الحكم العربية والإسلامية لتحرير العقل الإسلامي العربي من الجمود الفكري الذي أصابه لعدة قرون، وإيقاظ وعي الأمة الإسلامية نحو التحرر، وبعث الوطنية والثورة على الاستبداد والسخط على الحكام المستبدين، والدعوة نحو إحياء الاجتهاد الديني لمواكبة التطورات في اتخاذ الإسلام الحل ليقظة العقل المسلم لمواجهة التحديات الفكرية السياسية، والبديل ليقاوم دعاة التقليد والجمود الفكري من ناحية ودعاة التغريب الغربي من ناحية أخرى.

منهجية الدراسة:

اعتمدت الدراسة المناهج العلمية الأكثر ملائمة لدراسة وتحليل مشكلة الدراسة، والأكثر ملائمة مع بيانات الدراسة، وهي:

  1. المنهج التاريخي- التحليل السياسي للأحداث: اعتمدت الدراسة على المنهج التاريخي لدراسة الجذور التاريخية لمفهوم التجديد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث من وجهة نظر المفكر محمد عمارة ، ودراسة وفهم وتفسير الأحداث الماضية والتطور التاريخي الحاصل في الفكر السياسي العربي الإسلامي بشكل موجز ومفهوم التجديد في كل حقبة زمنية ومكانية المفكر ، بغـرض الوصـول إلى نتائج تتعلق بالأسباب والآثار للأحداث السابقة التي أثرت على الفكر التجديدي لدى محمد عمارة مما يساعد على تفسير رؤيتة في التجديد .
  2. المنهج التحليلي الاستقرائي: اعتمدت الدراسة على منهج الاستقراء لدراسة الظواهر السياسية من وجهه نظر الدكتور محمد عمارة وبيان أراءه من الخاص إلى العام أي من الحقائق الفردية إلى الفروض العامة، وبيان أدلته الفكرية لتحليل ما ورد من أفكار ورؤى في التجديد من جهه، ومناقشتها وبناء الاستنتاجات عليها من جهه أخرى، واستقراء ملامح الفلسفة الإسلامية في فلسفته.

الدراسات السابقة : دراسة برغش، سماء(2018)، بعنوان: “مشروعات التجديد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر: دراسة مقارنة“، هدفت الدراسة إلى عرض وتقويم الأفكار التي نادى بها المفكرون والتيارات في مجال تجديد الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر.. وخلصت الدراسة إلى أن قضية تجديد الفكر السياسي الإسلامي أصبحت إحدى أهم القضايا البارزة على مستوى المجتمعات، وأن التجديد كان يعني لمفكري التيار الأصولي السلفي العودة إلى الأصول وليس الاتيان بجديد، أما بالنسبة للتيار الإصلاحي فإن التجديد كان يعني تطوير الفكر والخطاب بما يتفق ومعطيات العصر .

دراسة , صافي ,2009 بعنوان ” اشكالية العلاقة بين الشورى والديمقراطية في الفكر الاسلامي المعاصر ” يسلط هذا البحث الأضواء على الديمقراطية والشورى، وطبيعة العلاقة فيما بينهما، والجسور والمحطات المشتركة التي تجمعهما على مستوى النظريات والمفاهيم العامة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر. على أساس تنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع والدولة من منطلق المساواة بين المواطنين ومنحهم حق المشاركة في صنع التشريعات، وسن القوانين التي تنظم الحياة العامة كون الشعب مصدر السلطات.

دراسة بو طغيان ومهري ,( 2019 بعنوان) ” جدل الحداثة والتجديد الديني والمدني في الفكر الاسلامي ” تتوخى هذه الدراسة تسليط الضوء على واحد من المشاريع الفكرية العربية الراهنة، وهو المشروع الفكري لمحمد عمارة، في محاولة منا لفهم طبيعة الجدل بين ما هو ديني وما هو دنيوي، وبين ما هو تراثي وما هو حداثي عبر تفكيك المفاهيم التي توظف في الخطاب الديني وإعادة بنائها ليتم توظيفها توظيفا عقلانيا يسهم في إخراج مجتمعاتنا من ضيق التكفير إلى أفق التفكير.

ما يميز هذه الدراسة عن سابقاتها أنها تشكل إضافة علمية في مجال الفكر السياسي العربي الإسلامي من خلال عرضها لمشكلة الجمود وموضوع التجديد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث من وجهة نظر المفكر الدكتور محمد عمارة، وتحليل وعرض القيم الأساسية في الفكر الإسلامي، وبيان موقفه نحو نظام وقيم الحكم في الإسلام، والأسس التي يبنى عليها التجديد، والاتجاهات الفكرية والتجديدية التي يطرحها نحو مفهوم التجديد في بعض القيم السياسية

تقسيم الدراسة تقسم الدراسة الى :

المبحث الأول : التجديد في الفكر السياسي العربي الإسلامي ويشتمل على تعريف التجديد والقضايا التي طالها التجديد, تيارات التجديد في الفكر السياسي العربي الإسلامي .

المبحث الثاني: فكر محمد عمارة السياسي وفلسفته في التجديد الإسلامي ويشتمل على حياته ونشأته ومنهجه ورؤيته للتجديد.

المبحث الثالث: ويشتمل على فلسفة محمد عمارة السياسية وموقفه من قيم الحكم في الإسلام.

المبحث الأول

التجديد في الفكر السياسي العربي الإسلامي

مفهوم التجديد لغة واصطلاحا:

1 مفهوم التجديد لغةً واصطلاحاً:

أ- التجديد لغةً: “إعادة الشيء إلى سيرته الأولى، وجدّد الثوب تجديداً أي صيره جديداً. وتجدد الشيء تجدداً: صار جديداً، تقول: جدده فتجدد وأجده أي الثوب وجدده واستجده: صيره، أو لبسه جديداً فتجدد، والجديد نقيض البلى والخلق” (ابن منظور، 1994، ج2: 202).

وتحدث الجوهري فقال: “جد الشيء يجد بالكسر جده، صار جديدًا، وهو نقيض الخلق”(الجوهري، 1990: 454) وهو يعني أيضاً ” وجود شيء كان على حالة ما، ثم طرأ عليه ما غيّره وأبلاه، فإذا أُعيد إلى مثل حالته الأولى التي كان عليها قبل أن يصيبه البلى والتغيير كان ذلك تجديدًا” (سعيد،2012: 15).

يقول الشيخ يوسف القرضاوي(2001: 28): “إن التجديد لشيء ما: هو محاولة العودة به إلى ما كان عليه يوم نشأ وظهر بحيث يبدو مع قدمه كأنه جديد وذلك بتقوية ما هوى منه، وترميم ما اهترئ، ورتق ما انفتق، حتى يعود أقرب ما يكون إلى صورته الأولى… فالتجديد ليس معناه تغيير طبيعة القديم، أو الاستعاضة عنه ببديل آخر مستحدث مبتكر، فهذا ليس من التجديد في شيء”.

ب ـ التجديد اصطلاحاً: اجتهد العلماء والمفكرون قديمًا وحديثًا في تحديد معنى التجديد، حيث عرَّفه آبادي في كتابه عون المعبود (1969: 391): بأنه إحياء كل ما في الكتاب والسنة والأمر بمقتضاها، وعرَّفه المودودي (1967: 16، 25) بأنه: “التجديد في حقيقته عبارة عن تطهير الإسلام من أدناس الجاهلية وجلاء ديباجته حتى يشرق كالشمس ليس دونها غمام” و”تنقية الإسلام من كل جزءٍ من أجزاء الجاهلية والعمل على إحيائه خالصًا محضًا على قدر الإمكان

كما ويعرفه عمارة (2019/ أ) بأنه” هو سنة وقانون وضرورة لإنزال الأحكام على الواقع المتغير، والانطلاق من الثوابت الجامعة إلى فقه الواقع المتغير والبحث له عن الأحكام التي تصله بمناهج الإسلام، على النحو الذي يجمع بين العقل والنقل، وبين فقه الواقع وفقه الأحكام.

خصائص وأسس التجديد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث:

الناظر في الدلالات السابقة لمفهوم التجديد لغةً واصطلاحًا يجد أن: للتجديد السياسي خصائص، ولكل خصيصة أسس ومنطلقات فكرية يمكن استنباطها منها، وهنا يمكن إجمال أهمها بما يلي:

السمة الأولى: إن التجديد السياسي الإسلامي امتداد لسنة الله في تجديد شؤون خلقه،

السمة الثانية: يغلب على التجديد السياسي الطابع الديني القائم عل فهم منهج الإسلام كدين تشريعي وسياسي،

السمة الثالثة: التجديد السياسي الإسلامي وسطي، تتولاه سلطة شرعية تأخذها نحو الاعتدال في الفكر والتوازن في كونه شريعة تحكم ويحاكم إليها وبين ضروريات الواقع يحكم بها ويحتكم إليها

السمة الرابعة: التجديد السياسي يتجه بمسئوليته التبادلية بين أطراف الرابطة السياسية والسلطة والعلماء والرعية، ويخاطب المصالح الشرعية لها حسب موقع كل طرف من المسئولية،

السمة الخامسة : الانفتاح على التراث السياسي والعطاء الحضاري للآخرين غير المسلمين، فأصول المسلمين وتجاربهم التاريخية تبرهن على أنهم تمازجوا حضاريًا بالأمم الأخرى وتفاعلوا وانفعلوا معها وبها، وهو يعني نفي الانكفاء عن الذات

السمة السادسة: أن التجديد السياسي ابتلائي أي أنه عرضة للامتحان في بقائه وأركانه وفصائله وقابل لتوقف في أطواره ونواحيه، ففعاليته وفعله في الأمة لا يثبت على حال بل قد يتعرض لتقلبات وتغيرات تحيله من كونه حسن لسيء، والابتلاء في التجديد يتعلق بابتلاء أطراف الرابطة السياسية وابتلاء الأمة باعتبارها الوعاء العقدي والسياسي والبشري لها (عكاشة، 2007: 279).

أسس التجديد في الفكر السياسي الإسلامي:

أضحى التجديد في الفكر السياسي الإسلامي عملية تمليها التحديات التي يطرحها العصر على العقل المسلم، لذلك فإن التجديد يتأسس على جملة من الأسس التي تضمن انسجام الفكر السياسي مع الأطر الإسلامية بما يضمن عدم انحراف ما أنتجه العقل البشري عن المحتوى الإسلامي في مجال علم السياسة، ومن أهم تلك الأسس التي يجب أن تُبنى عليها عملية التجديد ما يأتي:

1- التأصيل: وهو إخضاع الاجتهاد إلى المرجعية الحاكمة – القرآن والسنة – أو مقاصدها الشرعية، فالقران والسنة مصدر الأحكام والنظم السياسية الإسلامية، والأساس لبناء تصوراتها واستنباط لقواعدها، والمرجعية لتقويم الفكر السياسي ومراجعته(النجار، 2006: 13).

2- الشمولية: وهو شمول الظاهرة السياسية المدروسة بنصوص تؤيد فكراً أو تبرر اتجاهاً لاستخراج حكم عام ينظم فكر الناس وأفعالهم، (صافي، 1996: 36).

3- التأسي بتجربة الخلفاء الراشدين: ظل أسلوب حكم الخلفاء الراشدين أكبر مرجع رصد فيه الفكر الإسلامي وفلسفته في المجال السياسي وشؤون الحكم والسياسة، ففي زمن الراشدين تشكلت قيم ومفاهيم سياسية مرجعية حاكمة خاصة فيما يتعلق بأنماط ومسالك الحكم تبلورت عمليًا فيها أشكال السلطة، واختيار الحاكم فيها كان في جوهره: حرًا وشوريًا ونزيهًا، كما غدت هذه المرحلة مصدر إلهام لبعض المفكرين فيما بعد بالنموذج السلطاني أي السلطان، فالخلافة الراشدة كانت التصرفات السياسية فيها ملزم بالنص وليس الاجتهاد، حيث كانت ترجع لنصوص الوحي لتحديد المبادئ التي وجهت سلوكهم السياسي (صافي، 1996: 37-38).

4- التأسيس المقاصدي: ويعني أن يبنى الفكر السياسي ويؤسس على مقاصد الشريعة حاكمة، أي أن تكون المقاصد إطارًا عامًا لبناء الفكر السياسي وتقييم تاريخه، فالفكر السياسي الإسلامي لم تتأسس بعض أحكامه على مقاصد شرعية واضحة بل تأثرت وخضعت لظروف طارئة وأحوال جزئيّة اختلفت باختلاف الزمان والمكان، أي أن الفكر السياسي الإسلامي خضع للواقع الذي يعيشه المفكر أو الأمة أكثر من خضوعه لقواعد ومقاصد الشريعة، وثبتت مع الزمن في الكتب السياسية بغض النظر عن مدى مطابقتها أو مخالفتها لمبادئ الوحي ومقاصده (النجار، 2006: 14).

5- الاستفادة من الخبرة الإنسانية في مجال السياسة: فالتجارب الإنسانية راكمت في المجال السياسي ظواهر كثيرة حتى أصبح الواقع السياسي الحديث يدار بناء على ما وضع في أفكار التجارب الإنسانية للسلطات والحكومات السابقة، وهو ما جعل هذه التجارب تحقق نجاحات لا يمكن إنكارها خاصة في مجال تداول السلطة، ومراقبة ومحاسبة القائمين عليها، فضلًا عن أن بعض التجارب السياسية السابقة كانت تخلو من إشكاليات عدم ارتباطها بالقيم الثقافية والاجتماعية التي تحكم أفراده، فضلًا عن عدم تناقض بعضها لأهم مبادئ الشريعة الإسلامية، مثل: مبدأ تداول الحكم، ومبدأ فصل السلطة، ومبدأ الأنظمة الانتخابية، ومبدأ اختيار الحاكم ومساعديه بما يجعل الاستعانة بتلك التجارب أساسًا ينطلق منه تجديد ومراجعة الفكر السياسي الإسلامي(النجار، 2006: 15).

  1. مراعاته تطور العلاقات الإنسانية: فالتغيرات الجذرية الحاصلة على العصر في العلاقات بين الإنسان أفراد ودول وفئات كانت سببًا في نشوء اتجاه التجديد في الفكر السياسي موروث نظرًا لعدم عهديته بهذه التغيرات والأطوار الجديدة في العلاقات الإنسانية، كما وأن تشابك هذا الفكر وتوسعه عبر الزمان والمكان ساهم في تنظيم العلاقات الدولية وفق قوانين حددت كيفيات التعامل في الدول في حالات السلم والحرب، كما وأن فكر المسلمين في علاقاتهم بغير المسلمين أصبح في تشابك وتعقد وتوسع مما استلزم اجتهاداً واستنباط أحكام سياسية تسع عناصره وتفاصيله (صافي، 1996: 39)

تيارات وموجات التجديد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث: يشير البشري (1996: 6-12)

أن للتجديد في الفكر السياسي الإسلامي دورًا في إحياء المدركات الجماعية للأمة، وبروز تيارات له ويلخصها بما يلي:

أ- الموجة الأولى من التجديد، تتمثل بتيارين للإصلاح وهما:

الأول: تيار التجديد الفقهي والفكري: وهو تيار بعيد عن السلطة، امتد منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، ويركز على الدعوات التجديدية الإصلاحية

الثاني: تيار الإصلاح المؤسسي: وهو تيار تبنى السلطة، امتد منذ نهاية القرن الثامن عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر، وتمثل الإصلاح فيها في مجال الجيش وتحديث الآلات القتالية ووسائل تنظيم الجيش بمساعدة الغرب، بالإضافة لإنشاء مؤسسات جديدة، وقد كانت بداية ظهور التيار المؤسسي في العراق، والهند، والصحراء الغربية

الموجة الثانية من التجديد، وهي مرحلة اكتمل فيها الغزو الغربي على العالم الإسلامي بكل شؤون ومجالات الحياة، وانتشرت فيها أفكار التبشير، والتغريب، والفلسفات المادية، وهنا بدأت الحاجة لظهور تيارات تجديدية تدعو للمحافظة والدفاع عن العقيدة الإسلامية وإحياء علوم الدين في وجه الغزو والتغريب والبدع والانحرافات، هذه الموجة لم تهتم بفتح باب الاجتهاد، بل انصب اهتمامها نحو الدفاع عن أصول الدين وثوابته، وهوية المسلمين، باعتبار أن الإسلام يعد موروثًا غنيًا من الإصلاح والتجديد.

مما سبق يتضح أنه مع نهايات القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي شهد الفكر السياسي الإسلامي الحديث تطوراً كبيراً ساهم ذلك في تغيير ملموس على أفكاره وممارساته، فوجد أنصار الفكر السياسي الإسلامي ضرورة العمل على تطهير العقل المسلم من البدع والخرافات التي علقت في فكره السياسي أثر الركود والجمود الفكري الذي أصاب الأمة الإسلامية بعد غلق باب الاجتهاد، فسعى العديد من المفكرين لإصلاح الإسلام وتجديده ومنهم الدكتور محمد عمارة ، فشاع مفهوم الصحوة الإسلامية والإصلاح والتجديد خصوصاً بعد أن تغلغل الغزو الغربي للعالم الإسلامي.

وسيعمد الباحث إلى التركيز على احد رواد التجديد في الفكر السياسي الإسلامي في العصر الحديث وهو الدكتور المفكر محمد عمارة بوصفه أكثر تأثيراً في فكر التجديد .

المبحث الثاني : حياة الدكتور محمد عمارة ونشأته ومنهجه ورؤيته

ان المتتبع لحياة الدكتور محمد عمارة ونشأته ورؤيته في الإصلاحات الدينية والتعليمية والأدبية واللغوية, وكذلك فكره السياسي الإصلاحي وآراءه في تسليط الضوء على أحكام الإسلام في الحكم والسياسة الحديث ومسئولية الحاكم والحرية والعدالة والمساوة وغير ذلك من قيم الحكم الرئيسية. وبروز دوره بشكل جلي في موضوع التجديد الإسلامي من حيث المنهج العقلي والمنهج التربوي, يجد ان جهوده وتخصصه الدقيق في الفلسفة الإسلامية قد شكلت أنموذجاً للمفكر العربي الإسلامي، حيث ظهر مجال إبداعه في العديد من المؤلفات والدراسات، والكتب المحققة والمحررة، إضافة الى الإعمال الكاملة، والمشاركات في المواد العلمية في الموسوعات، والإشراف على الأعمال العلمية المشتركة وغيرها. في محاربة الغلو والجمود وتقديم مشروع حضاري نهضوي للأمة العربية والإسلامية كحل للخروج من المرحلة والدفاع عن الإسلام ورد الشبهات التي أثيرت حوله. (جاد، 2015 :21). (هيئة علماء المسلمين في العراق، 2020).

المطلب الأول : حياته ونشأته ومسيرته العلمية :

بدأت مسيرة الدكتور محمد عمارة مصطفى عمارة العلمية في أرياف مصر في قرية تدعى صراوة في محافظة كفر الشيخ، وهي تقع في شمال العاصمة المصرية (القاهرة)، حيث وُلد فيها في 8 كانون الأول/ ديسمبر من عام 1931، وحفظ القرآن الكريم، وفي رحلته العلمية ارتحل محمد عمارة عام 1945 إلى مدينة دسوق من أجل الالتحاق بمعهدها الابتدائي الأزهري، فنال فيها عام 1949 الشهادة الابتدائية الأزهرية، كما والتحق بالمعهد الأحمدي الثانوي الأزهري بمدينة طنطا، وحاز منها على الشهادة الثانوية التي درس بها في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة (عطية، 2020 :17).

وكانت الفترة التي عاشها بالقرية هي فترة التكوين الفكري والتعليمي والروحي له (بادي، 2003 :31). وتجدر الإشارة إلى مجموعة من العوامل أثرت في تكوينه العلمي، كان أولها والده ، وذلك من خلال اهتمامه به، وتوفير كل سبل التعلم له، وثانيها: ثقافته الإسلامية الأزهرية الغزيرة، التي حصّلها خلال مراحل تعليمه المختلفة، وثالثها: اطلاعه الواسع على المكتبة العربية الأدبية والفكرية، بعيدا عن الالتزام الدراسي.

بعد التحاقه بمعهد دسوق الأزهري، وتأثره بمدرسه الذي سعى إلى ان يلفت انتباهه إلى القراءة خارج المناهج الكتب الدراسية المقررة، فتعود القراءة منذ صغره، حتى كان يقرأ في اليوم ثماني عشرة ساعة وشجعه ذلك على شراء أول كتاب في حياته، كتاب “النظرات” للمنفلوطي ليكون بمثابة نواة مكتبة تحوي أربعة آلاف كتاب، ضمت أمهات العلوم الإسلامية.

مر عمارة في حياته بالكثير من التغيرات والتحولات الفكرية الكبرى وبدأت تزدهر اهتماماته وتتوسع مداركه الوطنية والعربية والإسلامية . فعلى الرغم من انه نشأ نشأةً أزهرية سليمة، إلا أنه قد بدأ في أول حياته بداية يسارية ماركسية. حيث انضم لحزب مصر الفتاة في بداية حياته دفاعًا عن العروبة ولمقاومة الاستعمار، ثم انضوى تحت مظلة الحزب الاشتراكي بعدها (العيسوي، 2020 :12)

وقد تبنى محمد عمارة مجموعة من الأفكار اليسارية واصبح يُدافع عنها كثيرًا، حتى انتهى به الأمر إلى الفصل من الجامعة وإلى السجن وكان ذلك في عام 1959م، واستمر في السجن ما يُقارب الست سنوات.

في أوائل السبعينات من القرن الماضي بعد أن تشرب الفكر الاشتراكي وعرف سلبياته بالرغم من انبهاره بايجابياته وإعجابه به. الا انه أدرك أن ما به من محاسن فهو موجود بالفعل في الدين الاسلامي, فبدأ التحول الفكري من الاتجاه الماركسي الاشتراكي فتوجه عمارة إلى ما يسميه “الفكر العربي الإسلامي العقلاني المستنير”متأثرا بأفكار محمد عبده والأفغاني والتي تنادي بالتحرر وقومية الدولة وخاصة مصر بعد احتلالها من الفرنسيين والإنجليز.

وفي حياته العلمية برز عماره من الطلبة المتميزين عن رفقائه حيث تفوق بسبب قدراته العلمية فهو باحث وكاتب قبل ان يحصل على الدراسات العليا , ومن خلال تقديمه لشهادة الماجستير من عام 1970، اختص محمد عمارة في الفلسفة الإسلامية، حيث حصل على الدرجة الجامعية بعد تقديمه رسالة عنونة ب «مشكلة الحرية الإنسانية عند المعتزلة». وفي عام 1975، تقدم محمد عمارة للحصول على درجة الدكتوراه، وحصل عليها بعد أن قدم أطروحة بعنوان «نظرية الإمامة وفلسفة الحكم عند المعتزلة» وكانت كلتا الشهادتان (الماجستير والدكتوراه) من دار العلوم في جامعة القاهرة (جاد، 2015: 13).

كانت أول تجارب محمد عمارة السياسية عندما انخرط عمارة في الحركة السياسية المصرية الوطنية، عام 1946 وكانت أول مظاهرة يشارك فيها ضد مشروع “معاهدة صدقي بيفن” وهي اتفاقية بين الحكومة المصرية وسلطة الاحتلال الإنجليزي، وبالرغم من صغر عمره إلا أنها كانت تجربة سياسية بالنسبة له حيث برز أول نشاطاته في عام 1947 في ظل سياسة تقسيم فلسطين ( الخطيب ,2020 : 3)..

وفي تلك الفترة (في ظلال القومية العربية)، التحق عمارة بحزب “مصر الفتاة” الذي لاقى فيه توافق مع أفكاره الدينية والقومية. وبعد ثورة 1952، شارك عمارة ضد الإقطاع الريفي، وبعدها تم إلغاء الأحزاب، فتوجه عمارة نحو اليسار. وفي عام 1956 قاوم عمارة العدوان الثلاثي على مصر بالسلاح والقلم، واستمرت علاقته باليسار ومشاركته السياسية والاجتماعية لهم لمدة (10 اعوام) متتالية خلال الفترة (1954 – 1964) (بادي، 2003 :13).

وفي يوم الجمعة من تاريخ (8/2) عام 2020، كانت قد وافت محمد عمارة المنية بعد عنائه مع المرض حيث كان قد بلغ من العمر 89 سنة، وقد شارك في تشييع جثمانه (في محافظة كفر الشيخ في مصر) العديد من رجال الأزهر إضافة إلى العديد من محبيه. وقد نشر الأزهر بيانا للتعبير عن حزنه لرحيله، كما ونعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين محمد عمارة وشبهه بـ «الحارس اليقظ المرابط على ثغور الإسلام» (BBC عربي، 2020 :11).

المطلب الثاني : منهجه ورؤيته:

كان لشخصيته ومعتقداته الثورية التي تؤمن بالحرية والعدالة الاجتماعية والسياسية أثرها في تكوين فكره وثقافته واهتماماته, فإيمانه بالحرية دفعه إلى رفض العمل الجماعي والاشتغال بأي منصب من المناصب حتى يبقى حراً وليس تابعاً لأي جهة وإلى الانضمام إلى الفكر الماركسي الذي يدعو إلى الحرية ثم تركه وقرر أن يكون مستقلاً لا ينتمي لأي جماعة من الجماعات حتى لا يكون أسير لأفكارها ومعتقداتها . وكان لإيمانه بالحرية الشخصية أثر في انتقاء الموضوعات والقضايا الكبيرة التي الف وكتب عنها ، فنجد رسالته للماجستير : مشكلة الحرية الإنسانية عند المعتزلة وكتابه : مسلمون ثوار. دليل على شخصيته المستقلة .

وقد كان لهذه العوامل أثرها في اتجاهه إلى إظهار ميزات الإسلام وكشف وتعرية خصومه ، و إن أهم ما يميز فكره كذلك هو إيمانه ودفاعه عن وحدة الأمة الإسلامية, وتدعيم شرعيتها في مواجهة نفي البعض لها والتقليل من قيمتها .

وهو فكريا وممارسة ينتمي إلى المدرسة الوسطية ويدعو إليها، فيقول عنها إنها (الوسطية الجامعة) التي تجمع بين مختلف عناصر الحق والعدل لدى الأقطاب المتقابلة, فتكوّن موقفا جديدا مغايرا للقطبين المختلفين ، لكن المغايرة ليست تامة ، فالعقلانية الإسلامية تجمع بين العقل والنقل، والإيمان الإسلامي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة ، والوسطية الإسلامية تعني ضرورة وضوح الرؤية باعتبار ذلك خصية مهمة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي ،بل هي منظار للرؤية وبدونه لا يمكن أن نبصر حقيقة الإسلام، وكأنها العدسة التي تعكس طبيعة وحقيقة النظام الإسلامي والفكر والفقه الإسلامي وتطبيقاته فقه الوسطية الذي يجمع بين الشرعية الثابتة والواقع المتغير, أو يجمع بين فقه الأحكام وبين فقه الواقع والنوازل.

ومن هنا تبلغ الوسطية في الرؤية الإسلامية مبلغ المنظار الذي لا يمكن لغيره رؤية الإسلام الحقيقي، فهي أساس الرؤية في حقيقة الإسلام، سواء ديناً أم دنيا، فهي تشكل توازناً؛ والتوازن هو السنة التي من غيرها يصعب أن يكون هناك وجود حقيقي على مستوى الفرد، فعلى سبيل المثال إذا اختلت التوازنات في ذات الشخص وجسمه عندها يشعر بالمرض، كذلك الطبيعة والطقس والجو إذا ما كان هنالك اختلال في التوازنات حينها يحدث الخلل، وإذا اختل التوازن في العلاقة ما بين الطبقات في المجتمع، يحدث الصراع والدمار، وإذا اختل التوازن بين العلاقات الدولية تحدث الحروب والصراعات. ومن هنا يتضح أن فكرة الوسطية ما هي إلا فكرة عميقة وشاملة كما حددها الإسلام والرؤية الإسلامية (عمارة، 1997: 5).

وتبرز في أعماله الفكرية اهتماماته بقضايا الفكر السياسي العربي الإسلامي المتنوعة ماضيها وحاضرها, كذلك قضايا التراث الفكري والفلسفي والحضاري في محاولة جادة للإسهام في صياغة المشروع الحضاري العربي الإسلامي البديل عن مشروع التغريب , كما تميزت كتاباته وأطروحاته بالنظرة النقدية الثاقبة لتراث فترة التراجع والجمود في تاريخنا الحضاري وبقراءة جديدة لأصولنا الفكرية في ضوء متغيرات العصر ومنطلق الأصالة الإسلامية المعاصرة المتميزة .

ويتميز الدكتور عمارة بمواكبة الأحداث وسعة الاطلاع على مختلف المؤلفات والثقافات المتنوعة ، ولذلك فهو يرى أنه يجب علينا الانفتاح على كل التجارب والتيارات الفكرية والحضارات والاستفادة من التجارب الإنسانية بأجمعها ، لكن بشرط أن يكون لدينا موقف نقدي راشد ومستقل يميزها عنها, مع بين الاطلاع على الثقافة العربية الأصيلة والثقافة الغربية واتجاهاتها .وهو يحاول تقديم مشروع حضاري يقوم على أسس إسلامية للأمة العربية والإسلامية في المرحلة التي تعيش فيها.

وينطلق منهج محمد عماره في تمجيد الفكر العربي الإسلامي فهو لا يعتبره وليد الساعة وإنما له جذوره التاريخية العميقة ، وانطلق عماره بالدعوة إلى الإصلاح متأثرا بمحمد عبد وجمال الدين الأفغاني , وانخرط في العديد من الحركات الإصلاحية والتجديدية التي تدعو إلى إصلاح الأمة وبنائها. (عمارة، 1997: 14).

وتبرز رؤيا ومنهج عماره من خلال إيمانه بوحدة الأمة الإسلامية والدفاع عنها، وتعزيز شرعيتها في مجابهة نفي البعض لها، ونتج عن ذلك ان وصف العلمانيون محمد عمارة بأنه منظر الحركة الإسلامية، ويقول هو: «ذلك شرف لا أدًعيه وهم لا يقصدون منه المديح وإنما استدعاء السلطات ضدي» وقد دعا عماره الى منهج الوسطية والدعوة اليها , وهي وسطية جامعة تشمل العدل والحق وتوحد الأقطاب المتضادة وتعتمد على العقل والدين وتجمع بينهما وهو يرى أن الإيمان يشمل عالم الغيب وعالم الشهادة (حسن، 2020 :12).

أما في منهجه الإصلاحي فانه يستند بشكل عام إلى عناصر أساسية تتضمن:

أولاً: الإصلاح الديني: يعتبر الدكتور محمد عماره من أبرز الكتاب الذين كثيرا ما كتبوا وحاضروا ، ونشروا عن أصول القضايا الكبرى التي اعتنت بها مدرسة الإصلاح والتجديد في العصر , ويعتبر من جهابذة ورواد مدرسة الإصلاح والتجديد الفكري , وهو ممن أضاف بعض التعديلات على اجتهادات الإمام محمد عبده وغيره من رواد هذه المدرسة ( مدرسة التجديد ) ، ، وخصوصا فيما يتعلق بالمبادئ السياسية للرؤية الإسلامية؛ التي أساسها الاعتدال، وصفتها الثقة بالذات الحضارية. وكانت تلك الرؤية تتوافق مع الفطرة الإنسانية وتتطابق معها، كما كان عمارة يؤكد هذه الصفات الأساسية، ويبرز كل الدعاوى الأخرى التي تتطرف يميناً أو يساراً عن هذه المدرسة الوسطية (غانم 2020 :4)

وفي اطار الإصلاح يضيف عماره ان الإصلاح هو رسالة الأنبياء والمرسلين على مر التاريخ، وان للإصلاح في الرؤية الإسلامية منهاج يميزه عن غيره من الأنساق والأيدولوجيات الفكرية والحضارية التي اشتهرت وانتشرت خارج إطار الإسلام، فلا يعد الإصلاح الإسلامي تغييرا جزئياً أو سطحياً، بل هو طريق لتهذيب الأخلاق والنفوس وتغيير كامل وعميق، بداية من الجذور، وحتى مختلف نواحي الحياة، كما أنه لا يستند فقط إلى ميادين الحياة الدنيا، بل يجعل صلاح الدنيا الطريق إلى الصلاح والسعادة فيما وراء الحياة الدنيا، وهو لا يقف عند الشخص الواحد (كما هو الحال في المذاهب الشخصية) مع مراعاة عدم إهمال الشخص الواحد، أنما يركز على الطبقة ( كما هو الحال في كثير من المذاهب والفلسفات الاجتماعية اليسارية الوضعية والمادية(عمارة, 2019 :12).

وان الإصلاح الإسلامي يبدأ بالشخص، حتى يمتد منه إلى الجماعة والأمة، اذ أن الدين الإسلامي يعد دين جماعة، والجماعة تعتبر أكثر شمولا وسعة من الطبقة، وبدون صلاح الأفراد لن يصبح هناك إصلاح حقيقي للأمة والجماعة. ونتيجة لهذه الحقيقة التي تعتبر من حقائق الإسلام فقد تضمنت التكاليف الشرعية الإسلامية الجمع بين الشخصي والاجتماعي، لأن صلاح الفرد هو الذي يجله مؤهلا للقيام بالواجبات الاجتماعية والمشاركة الواعية الفاعلة في الأعمال العامة، الذي يكون له أثر إيجابي على الجماعة (التي تتكون من الأفراد). كما رفع الإسلام مقام التكاليف الاجتماعية فوق مقام التكاليف الفردية، عندما جعل إثم التخلف عن التكليف الشخصي متعلق بالشخص وحده، بينما يكون إثم التخلف عن التكاليف الاجتماعية شامل للأمة جميعها، بل ورفع الإسلام ثواب التكاليف الشخصية إذا هي أديت في جماعة واجتماع (عمارة، 2015 :14).

ثانياً: الإصلاح التعليمي والتربوي : أثار الاهتمام التربوي والفكري رغبة عمارة في إحياء ما كان يطلق عليه “التنوير والعقلانية الإسلامية”، والتي كان يجدها في هذه المدرسة، ودعا إلى الدمج بين المعارف الشرعية والمعارف المدنية ورفض ما أطلق عليه “التقليد الشرعي” الذي تضمنته كتب الأزهر ومناهجه منذ فترة حكم المماليك هذا الموقف من محمد عمارة مع مسألة تطوير التعليم الأزهري، يتوافق مع ما دعا اليه الأمام محمد عبده حين كان مُفتيا في مصر والتي كانت سببا في نشوب الصراع بين الأمام محمد عبده وبين عدد من مشايخ وعلماء الأزهر حول “تجديد المناهج الأزهرية”.

فعلى الرغم من ثقافة محمد عمارة الأزهرية، وحفظه لكثير من دواوين الشعر العربي، ودراسته أسلوب الحواشي في الأزهر، واقترابه من تيار النهضة العربية في القرن الماضي، الا أنه لم يبتعد عن الانفتاح على الحياة الأدبية والفكرية لعصره، فقد بحث عن المناظرات الثقافية التي زخرت بها مجلات العصر الحالي، فقرأ مجلة “الأزهر” كاملة، ومجلة “الرسالة” كاملة، واللذان يعتبران من أبرز المجلات الثقافية في القرن الماضي، كما حاز النسخة الأصلية من مجلة “العروة الوثقى” التي أصدرها الأفغاني وعبده في باريس، وهو ما كوّن لمحمد عمارة اطلاعا واسعاً ومميزاً على أعلام القرن الماضي وأحداثه العديدة (فتوح، 2020 :9).

وفي اطار الثورة العلمية والتكنولوجية التي شهدها العالم , أكد عماره على أن توجهات الغرب تركزت حول محاولة منع وحرمان المسلمين والعرب من الوصول العلوم المادية واكتساب التكنولوجيا الحديثة لطمس الهوية العربية والعقل العربي بعيدا عن التفاعل والاستفادة من ثمرات هذه الثورة العلمية والإبقاء على تخلفهم وتبعيتهم للغرب في كل شيء ، وقد أشار إلى ان قتل يحيى المشد؟ (عالم ذرة مصري اتهم الموساد الإسرائيلي بقتله)هو دليل على طمس الهوية العربية وقتل المثقفين العرب من قبل الغرب وتحالفاتهم , وسارع محمد عمارة في الإشارة إلى العديد من مقولات المسؤولين والقادة والمفكرين في الإدارة الأميركية، ليشير الى مقولة للصحافي الأميركي توماس فريدمان في عام 2001 والتي نصت على «إن الحرب الحقيقية في المنطقة الإسلامية هي في المدارس»، وعدد أمثلة للتأثيرات الأميركية في المناهج التعليمية في العالم العربي، وأضاف أنه «ليس الخطأ هو أن تعلم مناهجنا أمجاد العرب، لكن الخطأ أنها فعلا تعلم الهزيمة النفسية( عبدالرافع, 2004 :14 ).

ثالثاً: الإصلاح الأدبي اللغوي: ان محمد عمارة “في هذا المجال تأثر بالإمام محمد عبده فنجده يقول :” أن اللغة تحتاج إلى إصلاح آخر إضافة إلى إصلاح التعليم لفنونها وآدابها، وإتقان الكتابة والخطابة فيها، وهو ما فعله الفرنسين وغيرهم من شعوب العالم في أوربا، حيث قاموا بتأليف المجامع لوضع المعاجم اللغوية وتاريخ تطور اللغة وما دخل فيها من اصطلاح ومعرب وغيره. ولا يمكننا أن نصل إلى وصل اليه أولئك الشعوب من إصلاح إلا بالعمل الجدي. كما إشارة عمارة إلى أن فن التأليف والتصنيف كان قد وصل أسمى ما وصله الارتقاء عندهم، وأننا بحاجة كبيرة إلى حذوهم فيه، فلا يمكن للعالم الإسلامي خدمة الإسلام بكل ما يتطلبه هذا العصر إلا إذا إلا اذا كانوا متقنين للغة واحدة من لغات العلم الأوروبية التي تمكنهم من الاطلاع على ما كتب أهلها في الإسلام وأهله من مدح وذم (عمارة، 1993: 16).

موقفه من مسألة الخلافة الإسلامية : بالنسبة محمد عمارة فقد تطور فكره السياسي تبعًا لتطور محطات حياته المختلفة، خاصة موقفه من قضية «الخلافة الإسلامية»؛ إذ وضع آراء عبد الرازق([1]) المُنكرة لدينية الخلافة، ضمن الفكر الإصلاحي الذي بدأه الإمام محمد عبده، ووصفه بأنّه “امتداد متطور للشيخ محمد عبده في الإصلاح الديني، بل إنّ آراءه في موضوع الخلافة قد كانت في عدد من نقاطها الجوهرية، وليس في كلّها؛ تفصيلاً وتطويراً وبلورة لآراء الأستاذ الإمام في ذات الموضوع”(عبد الرازق، 1988: 33).

ورأى محمد عمارة أنّ تديين مٍسألة الخلافة أمر غير منطقي، واستدل على ذلك بأنه لا مجال للنقض والمجادلة، حيث أن الأزهر رجع بعد سنوات عديدة، وألغى موقفه السابق من علي عبد الرازق، ورجع إلى نخبة العلماء، وذلك حينما انقضت الظروف السياسية التي قادت إلى اتّخاذ الموقف الأول، ولو كانت القضية دينية لما جرى ذلك من الأساس، الإسلام هو الإسلام، والدّين هو الدّين، ولا يوجد فرق سواء في عهد الملك فؤاد أو في عهد الملك فاروق فلم يتغير عليه شيء(عمارة، 1989: 46).

وخلال تلك الفترة توصل محمد عمارة إلى أن حقيقة الخلافة الإسلامية فهي ليست نظاماً مُلزماً، وكما ما استهواه الناس من أنظمة حكم جديدة ينبغي على الناس الانصياع لها كالخلافة، وأكد على أن ما تفعله بعض الجماعات التي وصفها بالمتشددة في تشكيل دولة باسم الخلافة واختيار أحد منهم ليكون أميراً عليهم، لا يمت الإسلام بأي صفة(عمارة، 2014: 27).

وحتى مع تطور موقف محمد عمارة، فإنه ظل وسطًا بين الآراء، فقد رفع من ضرورة الخلافة لوحدة المسلمين وجمعهم على كلمة سواء، وفي نفس الوقت حاول التأسيس لضرورة عدم التوقف عند شكل محدد أو تاريخي للخلافة، إنما الأهم هو غاية الخلافة نفسها وهي تحقيق وحدة الأمة(عمارة، 1977: 236).

يعتبر الدكتور محمد عمارة من أبرز المفكرين المسلمين المعاصرين الذين اهتموا بمجال السياسة والحكم في الإسلام، ومع مركزية هذه القضية لدى خصوم الدين ومشروعه الحضاري. قام محمد عمارة بالرد على منطق العلمانيين، في كتاب “الإسلام والسياسة”، والذي يشير إلى أن الشريعة الإسلامية لم تحوي على منظومة شاملة للسياسة والحكم، بالرغم من أن كثير من المستشرقين أنفسهم كانوا قد اعترفوا بأهمية تجربة الرسول ، كرجل دولة، في بعثته المدنية، وتجربة دولة المدينة المنورة في العدالة الاجتماعية ودولة المواطنة التي تستند إلى أسس دستورية، وقام محمد عمارة كذلك في الكتاب بتوضيح المحتوى الإسلامي لقضية السياسة والحكم، وكيف يقيم الإسلام دولة العدالة الاجتماعية والسياسية، ويحقق الاستقرار بقواعده المستندة على الكمال والشمول والعمومية، وبالتالي الصلاحية لكل زمان ومكان ومجتمع (عمارة، 2008: 33).

ويرى عمارة (1993: 44) أن تنوع شعوب وأجناس وألسنة وقوميات المسلمين لا يشكل تمايزاً في إطار أمة واحدة وحدها الإسلام في العقيدة والشريعة والحضارة ومعايير الأخلاق والسلوك. وهذه الوحدة التي أوجدها الدين الإسلامي ساعدت الأمة لئن تعيش في دولة واحدة تعرف “بدار السلام”، فعاشت الأمة فترة من الزمن تحت سلطة دولة واحدة وفترة أخرى تعددت فيه الدول، الا أن تاريخ الإسلام والمسلمين كافة، إلى ما قبل التجزئة التي فرضتها الغزوة الاستعمارية الغربية على المسلمين، كانت قد احتفظت بوحدة «الدار/الوطن»، الذي ساعد الشخص من أهل الكتاب على الانتقال بحرية عبر الأقاليم والإمارات والولايات، والإقامة أينما شاء وأينما يريد، فيتم معاملته كالمواطنين وله كل حقوق المواطنة وواجباتها. كما وبين محمد عمارة تنوع الدول والحكومات، لذلك استقر الرأي في الفكر السياسي الإسلامي منذ بداية تاريخه وحتى عصرنا الحالي على أن الإسلام يعتبر وطن ودار واحدة لأمة واحدة لا يمكن ان تمزق من قبل الجنسيات بالمعنى الغربي والامتيازات الخاصة بالجنسيات المختلفة(عمارة, 1993 :120).

واكد عماره في كتابه “الإسلام والسياسة” بعدم وجود خلاف في مضمون مصطلح السياسة، وذلك من قبل الاحتكاك الفكري بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية وبعد الغزوة الاستعمارية الغربية الحديثة لديار الإسلام؛ وذلك بسبب أن هذا المضمون الإسلامي كان يعتبر تعبيراً أميناً عن صورة الإنسان كما صورها الإسلام، وحتى يعتمد الرأي في الفكر السياسي الإسلامي على أن شرعية السياسة لا تقف عن ما نص عليه الشرع، وإنما هي “الشرعية” متحققة فيما يبدع المسلمون من السياسات، ما دامت لا تخالف شرع الله.( عمارة, 1993 :142).

وقدم محمد عمارة كتاب معنون ب “محمد صلى الله عليه وسلم… الرسول السياسي“، حيث يوضح من خلاله دور رسول الإسلام سيدنا محمد السياسي وعلاقة الدين بالدولة، حيث أشار بوجود فرق بين الرسالة والسياسة، وبين الدين والدولة في إنجاز رسول الله ، فالرسالة قصدت في جوهرها إزالة المشاكل عن الأمة، فيما لم تستطع إدراكه العقول، أما أحكام الرسالة فهي مما تدخل في نطاق السياسة، لأنها تقرب الناس إلى الصلاح وتبعدهم عن الفساد. كما أشار محمد عمارة في الكتاب إلى أن السياسة المجافية للسياسة الشرعية، في حال خالفت العدل، لا تعتبر رسالة وبالتالي تخرج من نطاق الدين (عمارة، 2011: 3-4).

كما وضح محمد عمارة، أن الإسلام فتح للإنسانية باب للتطور الحاسم والتغير النوعي في طبيعة السلطة السياسية للدولة الإسلامية، وفى طبيعة العلاقة بين الرسالة والدين، والسياسة والدولة، وذلك من خلال ختم النبوة، كما وضح عمارة أن الرسول نبه من خلال الأحاديث إلى أن لنظام الحكم في الإسلام طبيعة تخالف ما عرفه التاريخ القديم، والحضارات ما قبل الحضارة الإسلامية، وأضاف عمارة، أن الرسول نبه بقوله “فما كان من أمر دينكم فإلىّ، وما كان من أمر دنياكم فشأنكم به، وأنتم أعلم بشئون دنياكم”، الا أنه عند جمعه بين الرسالة والسياسة، قد ميز من خلال إنجازه ما بين الرسالة والسياسة، وما بين الدين والدولة، وذلك بتوضيح اختلاف الإسلام عن الكهانة التي سادت عصور وحضارات أخرى، موضحا أنه رغم هذا الهدى النبوي، قلد نفر من المسلمين من سبقوهم، وجعلوا السياسة دينا خالصا، وأوجبوا للإمام عصمة الأنبياء(البدوي، 2012 :14).

فلسفة التجديد الإسلامي في فكر محمد عمارة:

ينتمي المفكر إلى مدرسة التجديد نفسها، وهي المدرسة التي تنبني في تجديدها على أسس فكرية ومقومات مفاهيميه ترسخ التجديد وتوضح معناه ومبناه وفقا لقواعد منهجية تتمثل فيما يلي:

  1. الإسلام دين في خير وصلاح للإنسان في حياته الدنيا والأخرة، كما يعتبر بمثابة نهضة دينية ومدنية في الوقت ذاته، وتستوعب التجديد في كل الأزمان وذلك لأن هدفه الارتقاء بالإنسانية جمعاء (أبو سليمان والعوضي والنقيب، 2017: 80).
  2. من الصعب على الإنسان أن يصل للكمال في العلم وحتى وإن عاش لوقت طويل فهناك جهود تراكمية يجب الارتكاز عليها.
  3. المجدد ينبغي أن يتنزه عن التعصب ببين الجماعات الإسلامية وبالأخص ما هو موجود بين أهل السنة والشيعة، فلا يجوز أن يكون لمذهبة أثر في هدفه من التجديد، ولا حتى في ما يقصد الوصول إليه من النهوض بالمسلمين، وإنما يتوجب أن يعيد النظر في دعوته ويسعى لإصلاحهم والارتقاء بهم دون طائفية أو فئوية(الصعيدي، 1996: 5).
  4. التركيز على الإصلاح والتحديث في جميع الأمور بما فيها من الأصول والفروع وعدم تجاهل الاجتهاد ضمن حدود أن يكون هناك ضرورة استدعت التجديد وأن يكون متوافقاً ومنسجماً مع كتاب الله وسنة رسوله، ولكن يجب الانتباه هنا إلى أن الاجتهاد يختلف عن التجديد وذلك لأن التجديد أعمل وأشمل فهو يستوعب الاجتهاد ومناهجه ويطرح فهماً أوسع وأدق له بما ينسجم ومفاهيم العصر الجديد(صالح، 2009: 580).

إن قضية الاتفاق ما بين الإسلام ومتطلبات العصر الجديد من القضايا التي نالت حظاً وافراً من الاهتمام عند المفكر محمد عمارة حيث شكلت جانباً هاماً من القضية الرئيسية التي واجهها إلا وهي تخلف المجتمعات الإسلامية وتراجعها مقابل المجتمعات الأوروبية وتوصلا إلى أن الحل الملائم للتعامل مع هذه المعضلة يكون في إعادة استيعاب الأصول الإسلامية والتي هي عدد من العقائد التي تنسجم ومتطلبات العقل البشري، كما أن الشريعة ما هي إلا التنفيذ الفعلي لهذه المرتكزات والمبادئ على الأوضاع الاجتماعية التي تشهد تغير باستمرار، وبعبارة أوضح فإن هنا يحتاج لإعادة تفسير النصوص الدينية للتغلب على المشكلات التي تواجه المسلمين، وهضم الحضارة الغربية وأخذ ما يتلاءم والشريعة الإسلامية (أحمد، 2012: 97؛ والقصاص، 2018: 268).

ويعتبر مصطلح الحداثة الغربية وكيفية تلقيها في المجتمع العربي الإسلامي أحد أبرز المواضيع الفلسفية التي أتاحت جدلاً واسعاً في أواسط النخب، كون المصطلح كان قد أوجد في سياقات وبيئة غربية معاكسة للسياقات والبيئة العربية الإسلامية لخضوعها لسلطة النص الديني، ومن المعلوم أن الحداثة هي فعل يتجاوز كل أمر مقدس، وهو ما أوجد في ثقافة الإسلامية نوع من الخوف من الوافد الجديد. وبالتأكيد برز هنالك العديد من الأساليب للتلقي مثل (الموقف الرافض، والموقف المتفاعل، والموقف التوفيقي)، ومن بين المواقف التي آمنت بضرورة الانفتاح والتفكير في أفق محمد عمارة الذي يتيح تصورا مختلفاً عن باقي الأطروحات، لأنه يظن أن الشريعة الإسلامية لا تتفق مع الحداثة في المبادئ الإنسانية وهي مختلفة عنها في المضامين الأيديولوجية. لذلك يقترح عمارة أهمية تجديد الخطاب الديني من خلال ضبط عملية الاجتهاد من أجل الخروج من حالة الفوضى والعدمية والعنف من خلال مجموعة من المناهج (نصيرة، 2019: 21).

أولاً: المنهج العقلي: كانت من أبرز اهتمامات محمد عمارة الاهتمام بأهمية تشكل العقل والعقلانية المؤمنة ، حيث اعتبر أن للعقل المؤمن أهمية كبيرة في الرؤية الإسلامية منذ العصر القديم في مقابل العقلانية المادية الغربية الحديثة التي برزت في القرن 18، فالدين الإسلامي منح العقل مجالاً واسعاً في الرؤية الفكرية الإسلامية. حيث تضمن القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعوا إلى التفكر والتدبر والتأمل، مثل آيات ( أفلا تعقلون)، (أفلا تبصرون)، (أفلا تذكّرون)، وهناك العديد من الإشارات التي وردت في القرآن الكريم، تشير إلى أهمية استغلال العقل وكذلك مكانته في الدين الإسلامي، ليتم الإيمان والإقناع عن طريقه، فإذا عطل العقل أو أصابه مكروه، فلا يعد الشخص مكلفاً، فالإسلام يخاطب العقل، ويدعو إلى التأمل والتدبر بآياته العديدة الموجهة إلى الإنسان. ويرى عمارة في كتابه “مقام العقل في الإسلام”، أن للعقل في القرآن مكانة عظيمة، حيث تحول على يدي الرسول والمؤمنين معه الى الجيل الفريد الذي صنعه الرسول على عينه في مدرسة النبوّة، تحول إلى خلق وأمة وثقافة وحضارة ومدنية ، ولم يقف عند العبر والمواعظ والصلوات في دور العبادة، فإن العقلانية المؤمنة المتبلورة في آيات القرآن الكريم وطرقه في المحاورة والاستدلال، سرعان ما تبلورت وشكلت فلسفة إسلامية لها أعلامها ومدارسها وإبداعاتها منذ النصف الثاني من القرن الهجري الأول في علم الكلام الإسلامي وعلم التوحيد” (عمارة، 1987 :12).

محمد عمارة يتوافق إلى ما ذهب اليه حجة الإسلام أبو حامد الغزالي بتصويره للعقل وعلاقته بالشرع ان العقل نور البصر، في حين صور الشرع بالضياء. فمن يمتلك العقل دون الشرع فهو مبصر يمشي في الظلام، ومن يمتلك شرعا دون عقل فهو أعمى يمشي في ضوء النهار، فلا ينتفع بالضوء، ومن ثم أكمل ذلك التشبيه بقوله: “فالعقل مع الشرع نور على نور”. وكما أن لكل شخص نصيب من العقل، لم تخلوا أي حضارة من النزعة العقلانية في الاعتقاد والفكر وتدبير الاجتماع. فعلى سبيل المثال، ميزت المستشرقة الألمانية سيجريد هونكه (1913 – 1999) بين ثلاثة عقول (العقل اليوناني القديم والعقل المسيحي الذي انتشر في ظل سيطرة الكاثوليكية على أوروبا في عصورها الوسطى وبين العقل الإسلامي)، فتوصلت الى أن العقل اليوناني عقل تأملي، يبتعد عن الخبرة الملموسة، كما وينكر على الرجل العمل اليدوي الذي هو فرض على العبيد فقط، ويحلق في مملكة الأفكار العامة والقوانين. أما نظرة الكنيسة الكاثوليكية الأوربية للعقل، فإنها ظهرت من مقولة بولس: “إن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله، والرب يعلم أن أفكار الحكماء باطلة، أما العقل الإسلامي، فإنه يحتفل بالواقع الحقيقي. ، فقد سلك نهجاً صعبا، يشتمل على المنهج التجريبي الذي يعمل على الرصد والملاحظة دون كلل، والقياس والحلول الرياضية والمعادلات. ولئن كان الشخص اليوناني، من فلاسفة الطبيعة، فإن المسلم قد غدا عالم الطبيعة بالمعنى الحرفي للكلمة، ومخترع علم الطبيعة التجريبي. هكذا كان ويكون الحال مع العقل والعقلانية، تتفاوت فيها حظوظ الناس، وتمتاز مناهج مع تميز الحضارات، ما دعا ذلك إلى إعادة قراءة التراث الإسلامي العلمي والفلسفي، وإعادة قراءة تراث الاستشراق، لمعرفة حقيقة التمايز بين الحضارات، مما يؤدي الى الاستلهام ما هو مشترك عام، والحفاظ على الخصوصيات التي تميز الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات (عمارة، 2018 :13).

ومن هنا يتضح أن العقلانية الإسلامية هي العقلانية المتميزة بمجموعة من الصفات، فحيث الفكر المادي يظهر أن العقل مادة تشع الفكر؛ فإن العقلانية الإسلامية تعرف ماهية العقل بأنه أولا ملكة، غريزة نور في القلب، ثانيا أن العقلانية الإسلامية تنبع من القرآن الكريم، اذ يتواجد (49) آية في القرآن الكريم تتحدث عن العقل باللفظ، أما المرادفات فقد ورد في آيات قرآنية ما يقارب 300 آية (عمارة، 2009).

ثانياً: المنهج التربوي: أشار عمارة (2003: 8) في كتابه “روح الحضارة”، إلى أن “الدين الإسلامي يتميز بكونه ديناً فجّر حضارة، وصاغ مدنية، وأثمر اجتماعا إنسانيا، وألف في نفس الشخص (المنهاج التربوي الشامل) ذلك الائتلاف المتوازن الذي أتاح للشخص ابداع الحضارة المتشكلة بصبغة الدين”. لقد أتاح الدين الإسلامي الائتلاف والتوازن والأمن في نفس الشخص المسلم، فنتج عن ذلك الشخص الحضارة الإسلامية (ابداع مدني) كناتج مجسد لهذا الذي أحدثه الدين في نفس هذا الشخص، فلما بعدت هذه الحضارة وثقافتها عن هذه الصبغة ظهر هذا الخلل الذي نشكو منه، والذي تطلب لحله كافة دعوات وحركات الإصلاح في الأمة الإسلامية(عماره , 2012 ).

المبحث الثالث: محمد عمارة وموقفه من نظام الحكم في الإسلام.

يعتقد بعض من الباحثين أن النظام الإسلامي يعتبر دين ووحي وضعه الله عز وجل بشكل ثابت (كالعقيدة والشريعة والقيم والأخلاق)، وأصحاب هذا الاعتقاد لا يمتلكون القدرة على التفريق ما بين النظام وبين المرجعية والأهداف التي يقوم النظام لتحقيقها، فالنظام؛ هو أي نظام هو وجود الآليات والمؤسسات والتراتيب أي الوسائل التي تقيمها جماعة من الجماعة، من أجل إنجاز مقاصد المرجعية دينية كانت أو فلسفية أو حتى سياسية، ووضعها في الممارسات والتطبيقات في الاجتماع والحياة. ولأن التفريق بين المرجعية وبين النظام، هي بديهة وفطرة لدى أصحاب الفطرة السَّوية، فلقد مارسها المسلمون قديما عند إقامة نظام الحكم الإسلامي (الخلافة الإسلامية)، الذي أبدعوا فيه من أجل إقامة المرجعية الإسلامية في السياسة والاجتماع، فمارسوا هذا التمييز دون فلسفة أو تنظير، فالمرجعية الإسلامية في السياسة والاجتماع هدفها وحدة الأمة، التي تدعوا الى تكامل دار الإسلام، وإقامة المرجعية الدينية في الاجتماع الإسلامي. أما النظام الإسلامي فهو الآليات والتراتيب والأساليب التي من خلالها يتم انجاز هذه المرجعية ومبادئها وأهدافها في الممارسة والتطبيق، وفي هذه الرؤية يكون النظام مدنيّاً ووضعّها بشريّاً ومتطوراً، وفي ميادينه يكون للمسلمين وبه يستطيعون التفاعل مع الحضارات الأخرى غير الإسلامية والمبادئ والقيم (عمارة، 2009 :13).

وينطلق موقف محمد عمارة من قيم الحكم في الإسلام بما يلي:

أولاً: الشورى: أشار عمارة (2012: 93) الى أن الشورى ما هي إلا مصطلح إسلامي يشير الى “اسم من المشاورة التي تعني اصطلاحا استخراج الرأي” فهي فعل ذو أثر إيجابي، لا يقترن فقط بالتطوع بالرأي، بل يزيد على التطوع إلى درجة العمل على استخراج الرأي. ولم تكن الشُّورى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ذات هيكلية سياسية محددة، وذلك بسبب عدم تواجد الحاجة إلى تلك الهيكلية، حيث كان حجم الدولة الإسلامية صغير وقلة في عدد المسلمين، ولم تعرف الخلافة إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أنه لم يضع آليات معينة للشورة، حتى يتضح للناس أنه لا يجوز تطبيق الشورة بأساليب مختلفة بشرط بقاء الأصل وتحقيق الهدف نفسه (علي، 2015: 50).

والشورى، عند محمد عمارة، هي “فلسفة نظام الحكم والاجتماع والأسرة، تعني إدارة أمر الاجتماع الإنساني، الخاص والعام، بواسطة الائتمار المشترك والجماعي الذي هو سبيل الإنسان للمشاركة في تدبير شئون هذا الاجتماع” (بوطغان، 2019، 184-185).

ويرى محمد عمارة الشورى في إدارة الأسرة بأنها “فلسفة للتراضي المؤسسة عليه المودة والنظام والانتظام”، والشورى في شؤون إدارة الدولة “يوجب الإسلام أن تكون الشورى هي الفلسفة التي تدار وفقاً لها أمور الناس” (عمارة، 2012، 94).

ثانياً: القانون: على العكس من الإمام محمد عبده، جاء محمد عمارة حادًا فيما يخص القانون الوضعي، وهي الحدة التي عُرفت عن محمد عمارة في كثير من مواقفه تجاه كثير مما يأتي من الغرب، فرأى الرجل أن القانون الوضعي ما هو إلا أثر استعماري، مثله مثل الاستعمار العسكري للدول، وأنه يتوجب تطبيق الشريعة الإسلامية وفقه المعاملات المستندة للشريعة الإسلامية ومراعاة مدرسة الإحياء والتجديد في استنباط الأحكام لما يستجد وللمواءمة بين مقصد الشريعة الإسلامية والواقع(بن سليمان، 2017: 106).

وقد انتقد محمد عمارة المضمون الغربي لمصطلح الحداثة، وبين أن كافة الأشخاص المتعاملين بالحداثة (الحداثيين) في البلاد الإسلامية وغيرها (العلمانيين) يقيمون قطيعة معرفية مع الشريعة ويتبنون “القانون الوضعي الغربيعوضاً عن الفقه الإسلامي في المعاملات. ومن هؤلاء العلمانيين من يقفون بالدين عند ما لله، وجاعلين ما لقيصر هو للنظم الغربية في الحكم والإدارة والقضاء والتشريع، ومنهم من يجعلون قيصر هو السيد على ما لله أيضاً، فهذه الحداثة تقيم قطيعة معرفية مع الدين كما أن العلمانية تقيم قطيعة بين الأرض والسماء. من هنا طرح محمد عمارة سنة التجديد وقانون لإنزال الأحكام على الواقع المتغير وأشاد بإبداعات مدرسة الإحياء والتجديد التي ارتاد ميدانها الإمام محمد عبده (1849-1906) ومن سار على دربه من علماء الأزهر ودار العلوم ومدرسة القضاء الشرعي ونظائرها في مشرق العالم الإسلامي ومغربه (رمضان، 2020 :15).

يمكن القول ان محمد عمارة اكد أن القانون الوضعي هو أثر استعماري، مثله مثل الاستعمار العسكري للدول المسلمة واستعمار لمواطنيها سواء كانوا مسلمين او غير مسلمين، وانه يتوجب تطبيق الشريعة الإسلامية وفقه المعاملات المستندة للشريعة الإسلامية وبما مراعاة مدرسة الأحياء والتجديد في استنباط الأحكام لمدى يستجد ولموائمة بين مقصد الشريعة الإسلامية والواقع.

ثالثاً: مسؤولية الحاكم: فيما يخص مسؤولية الحاكم، وما يوجب له وعليه، فإن إشكالية كبيرة قد عانى منها الفكر السياسي الإسلامي لسنوات، ولم يخرج عنها عمارة، حيث يلحظ ان هنالك تأسيسًا يوتوبيًا لعلاقة الحاكم بالمحكوم في الإسلام، إلا أن هذا التأسيس يأتي في جمل مطاطة غائمة، (عبد الباقي، 2005: 139).

قام محمد عمارة بعرض عملية التوازن المبدع في نظام الحكم وتنظيم العلاقة بين الأشخاص ببعضهم البعض، والمجتمعات داخليا، إضافة إلى ما يربط بين الدول الإسلامية الواحدة، والتوازن المبدع بين الحاكمية الإلاهية بالعودة الى النصوص الشرعية، وبين سلطة الأمة علي الحاكم، “فالحاكم مفوض من الأمة وليس نائبا عن الله في الأرض يحكم بما يريد، وهو مسؤول أمامها في إنجاز كل ما يقيم حضارتها ويحقق طرق الوصول إليها بداية من مسئوليته تجاه الشخص وإتاحة أسباب قدرته علي تنفيذ رسالته من غير معيقات أو خوف (مختار، 2020 :16).

يعتبر الخلاف المتعلق في مسألة الخروج على الحاكم الفاسد قديم منذ الطوائف الإسلامية، فبينما يرى الخوارج والمعتزلة ضرورة الخروج على الحاكم الفاسد، وجعلوا ذلك فرعًا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما يرى أهل السنة والجماعة لا يجوز الخروج على الحاكم الفاسد عمومًا ولا يخرج حال الحاكم عند علماء السنة عن أحد ثلاثة: مسلم عادل، أو مسلم جائر، أو كافر (جلال، 2018 :15).

ووجه محمد عمارة رساله لهؤلاء الذين يؤيدون حرمة الخروج على الحاكم الفاسد بقوله: “إن جميع ما خرج عن القسم الخاص بتبليغ الرسالة الدينية لا يعتبر ديناً وإنما دنيا، وسياسة على العقل المسلم أن يتناول موضوعها بالنظر والاجتهاد من دون تقيد بما يُروى من نصوص ومأثورات، فالعدل مبدأ رئيسي من مبادئ الإسلام، وعدل الحاكم في الدولة الإسلامية أحد الأسس التي أسس لها الإسلام وطبقها المسلمون”. واستشهد محمد عمارة بالخليفة عمر بن الخطاب، والذي يعتبره القدوة والمثل للحاكم المسلم، اذ أن القدوة العادلة التي يقدمها الحاكم للمحكوم في ميدان العدل والمساواة كانت ولا تزال إحدى أروع القيم التي ورثها للمسلمين بشكل خاص وللإنسانية بشكل عام. فالعدل ليس نصوصاً وقوانين وصياغات تصدر عن حاكم يحيا حياة تتميز عن حياة الأشخاص الآخرين، لذا وضع الخليفة عمر مبدأ ضرورة تساوي الحاكم في القانون والاقتصاد بجمهور المحكومين. ومن هنا يتضح أن أساس قيام العدل أو اختلاله هو الحاكم، ففي عدله يستقيم النظام كما يعدل ويستقيم المحكومين، وبه يبرز سيادة العدل في المجتمع الذي يعيشون فيه والعكس صحيح؛ أي اذا فسد الحاكم فسد الحكم وانتشر الظلم واختفت العدالة (عمارة، 2011 :13).

رابعاً: الحرية : كان مبحث الحرية أو المباحث التي بدأت بها الفلسفة الإسلامية في التاريخ الحضاري، وذلك بعد ظهور الإسلام، ودلت ملابسات تلك النشأة على ارتباط الحرية بالمسؤولية في نظرة الإسلامية؛ لأن القضية التي أثارت الجدل فولدت البحث في هذه القضية هي تغيرات التي أحدثتها الدولة الأموية في نظام الحكم الإسلامي، والصراعات التي حصلت بين المسلمين حول تلك التغييرات. وهل القائمون عليها يحاسبون عليها بما أنهم أحرار، أم أنهم غير مسئولين بشكل كلي ولا حساب عليهم، لأنهم مسيرون مجبورون؟ ومن هنا نشأ مبحث الحرية الذي عبر عنه في بعض الأحيان بالكلام في “القدر” مرتبط بالمسؤولية (مسؤولية الإنسان) (عمارة، 2009: 7).

ويرى محمد عمارة ان «الإسلام جاء ليجعل مفتاح الدخول فيه الشعار الذي يحرر الشخص من كل أشكال العبودية لغير الله عز وجل، وهو ما يتبين في الشهادة «أشهد أن لا إله إلا الله»، وقد ظهر الإسلام، لأول مرة في الشرائع والفلسفات، من أجل رفع قيمة الحرية من مستوى الحق إلى مستوى الفريضة والواجب والتكليف الإلهي والأهمية الحياتية، وجاء الإسلام ليساوي بين الحرية والحياة، وذلك بجعل الحرية هي أساس الحياة، ومن دونها يظهر الموت والأموات». كما يرى محمد عمارة مشكلة كفارة القتل الخطأ في الشريعة الإسلامية وذلك بقوله “هي عتق رقبة أي تحريرها أن القاتل قد أخرج إنساناً من عداد الأحياء إلى عداد الأموات، لذلك فالكفارة هي أن يخرج إنساناً من عداد الأموات والأرقاء إلى عداد الأحياء الأحرار، لأن الرق موت، والحرية حياة”. وذكر محمد عمارة: “جاء الإسلام ليجعل الأسرة والأمة والدولة مؤسسات تدار بالشورى التي تنمى ملكات الحرية في الإنسان عن طريق ممارسة المشاركة في صنع القرار، سواء كان ذلك على مستوى: الأسرة، الأمة، والدولة”. ويضيف محمد عمارة موضحاً في اعتقاده عن الحرية: “إن الإسلام جاء ليستنفر في الإنسان ملكات الحرية وطاقاتها، كما ان الإسلام هو بمثابة ثورة تحطم القيود والأغلال التي كانت مفروضة على حريات الناس، فقد جاء الإسلام ليأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويحل الطيبات ويحرم الخبائث ويضع عن المسلمين الإصر والأغلال التي كانت عليهم. ويخلص محمد عمارة الى أن الإسلام يفتح آفاق العالمية والعمومية أمام الحرية، حتى لا تكون حكراً على جماعة أو فئة، وإنما لتكون الحرية سمه إنسانية بين كل أصحاب العقائد والديانات” (عمارة، 2013: 723).

ويوضح المؤرخ القبطي (يعقوب نخلة روفيلة) (1847- 1905) حقيقة اقتران الفتوحات الإسلامية بالحرية والتحرير بقوله: “إن الفتح الإسلامي قد حقق للأقباط نوعا من الحرية والاستقلال المدني، وراحة لم يروها من أزمان، وهي ميزة كانوا قد جردوا منها في أيام الدولة الرومانية” (عمارة، 2013: 726).

فلم تكن الفتوحات الإسلامية الا إنقاذ للشعوب وديانتها، والتي أتاحت لهذه الشعوب أبواب الحرية الدينية والاجتماعية كافة. ولم تكن الحرية الدينية فقط هي التي حملها الإسلام إلى الشعوب، بل حملت كذلك مزيدا من الحريات الاجتماعية والاقتصادية، ومع كافة أشكال هذه الحريات، حمل الإسلام إلى الشعوب، وهو ما أكده الفيلسوف الأمريكي جون تايلور (1753- 1824م) بقوله: “ثورة على المجادلة الجوفاء في العقيدة، ومنح العبيد رجاء والإنسانية إخاء، ووهب الناس إدراكاً للحقائق الأساسية التي تقوم عليها الطبيعة البشرية”. ومن هنا يتضح أن الحرية هي المغزى الأساسي في هذه الفتوحات التي حررت الأغلال عن المستضعفين (عمارة، 2016 :13).

خامساً: الديمقراطية: عندما كان التصور الفلسفي الإسلامي لوجود الإنسان في هذه الحياة، ولعلاقته بالآخرين، قائم على حقيقة أن هذا الإنسان مخلوق لله سبحانه وتعالى، ومستخلف عنه في عمارة الكون، كانت مكانة الإنسان في العمران هي مكانة الخليفة عن الله عز وجل، فهو ليس سيد الكون حتى تكون حريته مطلقة دون حدود، وشوراه وائتماره وإمارته وسلطته دون ضوابط وأطر، وفي ذات الوقت، فإن خلافته عن الله سبحانه تعني وتقتضي أن تكون له سلطة وإرادة وحرية وشورى وإمارة يستطيع من خلالها النهوض بتكليف العمران لهذا الوجود، فهو ليس الكائن المجبر المهمش بإطلاق (عمارة، 2003 :13).

وعلى الرغم من الشعور الواضح بأهمية مقولة الحاكميّة، الا أن مشكلة خشية الأعداء الغازين والافتخار ببطولات الأسلاف بقيت عقدة على تصوّر محمد عمارة، فالتعدّدية وحدها “تحت شعار الرابطة الإسلامية” هي من تؤسّس مشروع “التنوير الإسلامي” وما دون ذلك باطل. وعمَ اليقين بالمؤامرة وبأن الغزو الفكري قد ظهر ليطلب من المسلمين التخلّي عن تميّزها الحضاريّ، واللجوء الى النموذج الغربي في التقدّم والنهضة والتحديث، وتقليد المذهب الوضعي الغربي في الحكم والإدارة والتشريع؛ أي طالبا التخلّي عن التعددية الحضاريّة، والإيمان بالحضارة الواحدة بدلا من تعدّديتها، ولقد اتفقت في ذلك مذاهبه الشموليّة مع مذاهب الليبراليين (بن حمودة، 2018 :13).

الا أن هذه النظرة تطوّرت في فكر دعاة الإسلام السياسيّ مع تطوّرها في فكر محمد عمارة؛ فالإسلام في نظره لا يعتبر مغلقا في الأمور الحياتيّة، والنظم والآليّات التي تحقّق مقاصده وفلسفاته. وينفي محمد عمارة التناقض بين الشّورى والديمقراطيّة بإطلاق او تطابقهما بإطلاق؛ ولكنّ ذلك لا ينفي الاختلاف بين المفهومين، رغم ما يبديه تمييزه بين المفهومين من تأكيد التناقض بينهما؛ إذ يفضي فهمه للشورى إلى إقرار الحاكميّة (بوطغان، 2019: 185).

ويرى عمارة بأن الديمقراطيّة تقوم على جعل السيادة في التشريع ابتداء للشّعب والأمّة، إمّا صراحة، وإمّا على شكل ما أطلق عليه بعض مفكّريها “القانون الطبيعي” الذي يمثّل بنظرها أصول الفطرة الإنسانيّة. أمّا في الشورى الإسلامية، فإنّ السّيادة في التشريع تبدأ من عند لله عز وجل، ومن ثم تجسّدت في الشريعة التي تعتبر وضع إلهيّ. ولا تعتبر إفرازا بشريّا ولا طبيعيّا، كما وتبقى السّلطة المتاحة للبشر محكومة بإطار فلسفة الإسلام في التشريع، كم أن فصول الشريعة ومبادئها وفلسفتها الإلهيّة تتمثّل فيها حاكميّة اللّه عز وجل(عمارة، 1998: 72).

ويبين عمارة في الاختلاف بين الشورى والديمقراطية إذا كان البعض يضع الشورى الإسلامية بديلاً للديمقراطية، فإن النظرة الإسلامية الموضوعية والفاحصة للعلاقة بين الشورى والديمقراطية تنفي الفرق بينهما بإطلاق، أو تطابقهما بإطلاق، وتزكي التمييز بينهما بالشكل الذي يوضح مجال الاتفاق والاختلاف بينهما. فمن حيث الطرق والأساليب التي تحقق المقاصد والأهداف من كل من الديمقراطية والشورى، فإنها تجارب وخبرات إنسانية لا تمتلك أي ثوابت مقدسة، عرفت التطور في التجارب الديمقراطية، وتطورها وارد في تجارب الشورى الإسلامية، وفق للزمان والمكان، والخبرة التي حققتها تجارب الديمقراطية في تطور الحضارة الغربية، والتي أفرزت النظام النيابي، والتمثيل عبر الانتخابات هي خبرة غنية وثروة إنسانية( عمارة، 1998 :66)

سادساً: العدالة والمساواة: يوضح محمد عمارة أهمية العدل في الحضارة الإسلامية فيقول: “وفي الإسلام نجد قيمة (العدل) عالية متألقة تتصدر كل القيم والثوابت التي يدعو إليها الدين، فهو المقصد الأول للشريعة، وكل السبل التي تكفل تحقيقه هي سبل إسلامية شرعية حتى لو لم ينص عليها الوحي او ترد في المأثورات، بل إننا واجدون العدل اسماً من أسماء اللّه الحسنى وصفة من صفاته سبحانه وتعالى، وكفى بذلك دليلا على المكان الأرفع للعدل في فكر الإسلام، والعدل في شريعة الإسلام، فريضة واجبة وليس مجرد حق من الحقوق التي باستطاعتنا التنازل عنها، او التفريط فيها دون وزر وتأثيم؛ انه فريضة واجبة، فرضها اللّه، سبحانه وتعالى على الكافة دون استثناء، فرضها على رسوله وأمره بها”. والعدل في الحضارة الإسلامية لا تتوقف على التعامل مع الغير بل يتضمن كذلك عدل الشخص مع نفسه، كما لا يقل ظلم النفس إثما عن ظلم الغير، حيث يبين عمارة هذا الأمر ويقول: “يستوي، في وجوب العدل ان يكون تجاه الغير او حيال النفس، فلو كان العدل مجرد حق لجار للإنسان أن يتنازل عن نصيبه منه ولكان ظلمه لنفسه مما لا يدخل في دائرة الإثم والتحريم؛ لكن الإسلام الذي جعل العدل فريضة واجبة قد جعل ظلم الإنسان لنفسه جريمة كبرى وظلما عظيما” (التل، 2006 :25).

وفيما يتعلق بالمساواة فأنها تشبه المكانة الاجتماعية والمسؤوليات والفرص المتاحة أمام الأشخاص في المجتمع بالشكل الذي تقوم فيه الحالة المتماثلة بين هؤلاء الأشخاص. وفي عام 1789، ومع إعلان مبادئ حقوق الإنسان الصادر من الثورة الفرنسية، انتشر الحديث عن المساواة في فكر الحضارة الغربية، فانضمت المساواة منذ ذلك الوقت إلى العديد من الدساتير والمواثيق القومية والدولية. ومن أشكال المساواة تذكر عادة (المساواة السياسية والاقتصادية والمدنية والاجتماعية)، ويتم الإشارة اليها في علاقات المواطنين الداخلية وبين الأمم والدول وبين الأجناس والقوميات والشعوب، وبعض المذاهب والفلسفات. وقد اتخذت منحى خيالياً في الحديث عن تصوراتها لتطبيقات مبدأ المساواة بين الأشخاص، فتصورت إمكانية تحقيق التماثل الكامل والتسوية المادية الحسابية بين الأشخاص في كافة الميادين، خصوصاً في الميادين الاقتصادية (كشؤون المال والثروة والدخل) وفي الميادين الاجتماعية (التي تتأثر أوضاعها ومراتبها عادة بأوضاع الاقتصاد والدخل والأموال والثروات)، إلا أن تلك التصورات قد صعبت على الممارسة الواقعية وعلى التطبيق في أي مجتمع من المجتمعات إضافة إلى تلك التي حكم فيها انصار هذه المذاهب والفلسفات (عمارة، 2004: 111).

ولعل أهم التصورات التي تشير إلى الدقة والواقعية في مذهب المساواة وإمكانية وضع مبدئها في الممارسة هو التصور الذي يميز بين (عمارة، 1999 :14):

  1. المساواة بين الأشخاص أمام القانون، على الشكل الذي يرفض امتيازات المولد والوراثة واللون والعرق والجنس، والمعتقد، فهذه المساواة ضرورية وواجبة التطبيق، وهي قد أنجزت بدرجات ضخمة في مختلف من المجتمعات.
  2. المساواة في الفرص المتكافئة أمام كافة المواطنين، وكافة الأمم، وكافة الدول؛ أي المساواة في الفرص المتكافئة المتوفرة بعديد الميادين، وذلك حتى يكون التفاوت ثمرة للجهد الذاتي والطاقة المتاحة، ليس نتيجة التمييز والقسر والحجب أو الامتياز، وهذه المساواة ممكنة، وهي غرض يستحق الجهاد في سبيل تحقيقه في الإطار الاجتماعي والدولي.
  3. وأخيرا المساواة في بعد الفرص المتكافئة، فهي تلك التي تعتبر أمراً يصعب تحقيقه ويتناقض مع القوانين الحاكمة لسير الاجتماع والعمران؛ فبعد تكافؤ الفرص أمام كافة الأشخاص ينتج عنه ما يسمى التكافل، وهو التوازن عند حدود العدل والوسطية (أي تحقيق الكفاية لكافة الأشخاص مع فتح الأبواب للتفاوت).

سابعاً: الاستقلال والوحدة: حصلت كثير من دول الشرق والجنوب (بما في ذلك الدول الإسلامية) على الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أن معظم هذه الدول قد نالت استقلالاً شكلياً (وهو ما يتضمن استقلال العلم والنشيد وعضوية الأمم المتحدة) لا الاستقلال الحقيقي ( وهو ما يتضمن استقلال حضاري، الذي يشتمل على استقلال الفكر والعقل والاقتصاد والقرار السياسي). ولذلك بقيت هذه الدول مرتبطة برباط التبعية إلى المركز الغربي الذي انسحبت جيوشه من تلك الدول، فيما بقيت سيطرته الاقتصادية وغزوه الفكري متمسك بهذه الدول بما يشبه بقيود ناعمة الا أنها أشد ضرراً من قيود الحديد، فالأشخاص الذين يعلمون الأبعاد الحقيقية التي صنعها الإسلام منذ ظهوره يعرفون ما هو الاستقلال الحقيقي الذي نتج عن التدين بهذا الدين. فلقد أظهر أمة امتلكت دولة، قامت بتحرير الشرق من قهر حضاري واقتصادي وثقافي رومان وغيره استمر 10 قرون، فقامت في دول الشرق حضارة هائلة جعلته العالم الأول على كوكب الأرض لأكثر من 10 قرون. ولقد تفاعلت هذه الحضارة مع جميع المواريث الحضارية في ما هو مشترك إنساني بشكل عام، مع الاحتفاظ باستقلالها العقلي والسياسي والاقتصادي الذي هو أساس الاستقلال، ولقد عرف علماء المسلمين مثل الإمام الشيخ محمود شلتوت (1893 – 1963)، وهو من الذين نظروا نظرة فلسفية لمعنى الاستقلال، هذه الحقيقة فكتبوا عن أهمية الاستقلال العقلي الذي يحرر الأمة الإسلامية من الغزو الفكري معتبرين ذلك هو الطريق إلى زعامة الأمة، لأن طريق الأمه الإسلامية إلى الزعامة هو مقاومة الفكر الوافد اليها عن طريق الاستشراق والإلحاد (عمارة، 2013 :13).

كان أهم ما يميز فكر محمد عمارة إيمانه ودفاعه عن وحدة الأمة، وتدعيم شرعيتها في مواجهة نفي البعض، حيث حرر في كتابه “الإسلام والوحدة القومية” في تمهيده للكتاب: «إن أعداء الأمة يريدون أن يصبح الإخاء الديني، الذي يقرّره الإسلام إطاراً لتعايش الديانات المتعدّدة، ثغرة لتحطيم وحدة هذه الأمة القومية والوطنية، وأن تتحوّل الجزر البشرية غير المسلمة، بل وبعض المذاهب الإسلامية، أن تتحول من وسام على صدر هذه الأمة، يشهد بتحضّرها، إلى سبل للتجزئة، ووقود للفتنة، ومراكز جذب للتفتّت القومي والتشرذم الوطني، إنهم يريدون أن تعود هذه الأمة إلى جاهليتها الأولى(عماره , 1979: 79).

ويشير إلى أن الشرق الطامح إلى التحرّر والوحدة، واجه الغرب الاستعماري بسيوف العرب، وتحت راية الإسلام في عصر الفتوحات، ثم عاد العرب فواجهوا هذا الغرب الاستعماري في الحروب الصليبية بالعصور الوسطى، وفي كلتا الحقيقتين والمواجهتين جمعت القومية والوطنية والمصلحة كل العرب، على اختلاف عقائدهم في الدين من المستعمرين والغزاة، لم تأت دعوة الكتاب إلى الوحدة الوطنية والقومية من منطلق تجاوز الدين واستبعاده، بل من فكر الدين الحق ومنطقه، فالدين ينكر كل ما يمسّ الوحدة الوطنية والقومية بسوء، وإن الكثير مما شاع ويشاع وانتشر وينتشر باسم الدين في هذا الحقل هو إلى التجارة بالدين أقرب منه إلى جوهر الدين، خاصة إذا كان هذا الدين هو دين الإسلام، تحت عنوان حضارة واحدة، ويؤكد محمد عمارة حقيقة أن لهذه الأمة على اختلاف شرائع أبنائها الدينية، حضارة واحدة متحدة، ذات قسمات محددة طبعت وتطبع العرب أجمعين، وهي حضارة لا يماري أحد بأن وحدتها قد استعصت على سهام التجزئة والإقليمية التي سادت في فترات طويلة، وتغلّبت على آثار اختلافات المذاهب والشرائع، بل استفادت من ذلك التعدّد والاختلاف على الجبهة الفكرية، في إثراء محتواها وإغناء مضامينها، واكتساب الطابع الإنساني البريء من العنصرية وضيق الأفق والنظرة وحيدة الجانب للأمور (خشيني ، 2010 :13).

ثامناً: الاعتدال والوسطية: يعتبر مفهوم الوسطية من المفاهيم التي اجري عليها عديد التغييرات التي أخرجتها عن معناها الإسلامي الأصلي، وأبعدتها عن كونها أهم خصائص منهج الإسلام في الفكر والحياة والنظر والممارسة والتطبيق والقيم والأصول، حيث نتج عنها معان خالفت أصل مسماها، فلم تعد تمت إلى الوسطية بصلة، ولا ترتبط بها بأي سبب (عمارة، 2004: 189).

تتمثل الصفة والقسمة في الوسطية الإسلامية أهم ما يختص به المنهج الإسلامي عن مناهج أخرى لمذاهب وشرائع وفلسفات؛ فبها ظهرت الحضارة الإسلامية بكافة القيم والمعايير والأصول والمعالم والجزئيات، حتى نتكمن من القول أن هذه الوسطية هي عدسة الإسلام وحضارته وزاويةُ رؤيته كمنهج، فهي (بنفيها الغلو الظالم والتطرف الباطل) تمثل الفطرة الإنسانية قبل أن يتم إجراء عليها التعديلات، وهي تمثل الفطرة الإنسانية في بساطتها وصدق تعبيرها عن فطرة الله التي فطر الناس عليها. إنها صبغة الله، أراد لها أن تكون صبغة أمة الإسلام (عمارة، 2006: 38).

والمعنى الإسلامي للوسطية هو التوازن الذي يجمع عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة، مكونا الموقف الثالث الوسط البريء من الإفراط والتفريط، ولقد عبر الحديث النبوي الشريف أدق التعبير عن هذا المعني للوسطية الإسلامية. ولأن العدل الوسط الخيار، إنما يتحقق بجمع عناصر الحق والعدل من المدعي والمدعي عليه، واتخاذ موقف الشاهد علي هذه الموازنة بين مكونات هذا الموقف الوسط العادل، كانت الوسطية، بهذا المعني خصيصة الإسلام العقيدة والشريعة والقيم والأخلاق وخصيصة تجليات هذا الإسلام في مختلف ميادين الثقافة والمدنية وسائر ممارسات الإنسان المسلم في سائر مناحي الحياة، ولقد وازنت الوسطية بين آيات الله في كتابه المسطور القرآن الكريم ـ وذلك حتى لا يغرق العقل المسلم في كتاب الكون وعالم الشهادة، غافلا عن عالم الغيب وملكوت ما وراء المادة والطبيعة والمحسوسات؛ فيقع في الدهرية (عمارة، 2019 :14).

يمكن القول ان محمد عمارة ومن خلال صياغته للمفاهيم الحديثة في الفكر السياسي المستحدث، قيامه بطرح رؤيته للإصلاح بجميع أطرافه الدينية والتعليمية والأدبية، كذلك تطرق لشرح رؤية محمد عمارة في مفاهيم الحكم في العصر الحديث وما شابها من صراعات بين رجال الدين ونظرائهم ممن يعارضوهم، حيث أعلن موقفه من الشورى والديمقراطية و الحرية والمساواة والوحدة وغير ذلك من قيم الحكم الرئيسية.

النتائج والتوصيات :

  1. أن قضية التجديد في الفكر السياسي الإسلامي من وجهة نظر الدكتور محمد عمارة أصبحت إحدى أهم القضايا البارزة على مستوى المجتمعات، وأن التجديد كان يعني لمفكري التيار الأصولي السلفي العودة إلى الأصول وليس الإتيان بجديد، أما بالنسبة للتيار الإصلاحي فإن التجديد كان يعني تطوير الفكر والخطاب بما يتفق ومعطيات العصر.
  2. أن التجديد السياسي من وجهة نظر المفكر محمد عمارة منهج يستند إلى قواعد النظام المعرفي الإسلامي، وهو عملية للتحرك الفكري، وهو قاعدة للإصلاح والصلاح، وتجاوز التحديات الراهنة من خلال انتقادهم للاجتهادات المطروحة المنافية لتعليم الدين.
  3. أظهرت نتائج الدراسة أن الدكتور محمد عمارة كان أبرز دعاة التجديد والإصلاح وأحد أعلام النهضة العربية الإسلامية في العصر الحديث، ورسالته في التجديد تتمثل في تحرير الفكر من قيد التقليد، وتطهير الإسلام من البدع والضالات والعودة به إلى نقائه الأول، وإعادة النظر في عرض المذاهب الإسلامية على ضوء الفكر الحديث أو التوفيق بين الدين والعلم.
  4. يركز تصور محمد عمارة للإصلاح التعليمي على إعادة التفكير في المناهج الدينية وإعادة الاعتبار للعقل في المنظومة التعليمية وذلك بدمج تدريس المعارف المدنية مع المعارف الشرعية، تجديد التعليم ومناهجه، ليضم معارف مادية تمهد لنهضة حضارية إسلامية.
  5. أن الدين لا يتعارض مع العقل بفكر عمارة، والتجديد عنده يمثل تنقية الدين من البدع والخرافات والإضافات وتجديده بشكل كامل بما يستلهم العقلانية في التراث الإسلامي ويضيف له ما ينمي علوم العصر والحضارات ليقدم للأمة الإسلامية البدائل عن الجمود والتغريب بنمطه الليبرالي أو الشمولي.

التوصيات :

  1. ضرورة تعزيز الاهتمام بموضوع التجديد في الفكر السياسي الإسلامي، والسعي لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي علقت بأذهان الكثير من مفكري العصر الحديث، وترشيد الوعي لديهم ومقاومة تيارات الغلو والجمود والتعصب، وذلك لمواجهة التحديات التي تواجه العالم العربي في المرحلة الراهنة.
  2. تعزيز مفهوم التجديد في قضايا الوسطية والاعتدال ومكافحةٌ للغلو والتطرف ومواجهة الفكر التكفيري المتطرف بكافة أنواعه وأشكاله بما يتوافق مع القيم الإسلامية والعربية من جهة، وبما يسهم في ترسيخ التعاون الإنساني بين أتباع الأديان والمعتقدات، ومعالجة المشكلات الفكرية والسياسية.
  3. إعادة قراءة أدبيات أو أرث محمد عمارة ، وعمل تحليل مضمون لها، وذلك للبحث في تراثهم عن حلول للمشاكل التي تعيشها البلاد العربية في ظل الانقلابات السياسية التي تعرضت لها بلدانهم.
  4. 5- أهمية جعل عمارة كمشروع تأسيسي لمراكز الفكر والهيئات البحثية، والاستفادة منه في عملية الإصلاح والتجديد بما يتناسب وظروف المجتمع واحتياجاته ومتطلباته وقدرته على التعاطي مع هذه الأفكار.

قائمة المراجع

ابن منظور، محمد بن مكرم.(1994). لسان العرب، ج3، بيروت: دار صادر

أبو سليمان، عبد الحميد؛ والعوضي، رفعت؛ والنقيب، عبد الرحمن.(2017).أهم الكتب التي أثرت على فكر الأمة- في القرنين التاسع عشر والعشرين، المجلد(5)، مصر، القاهرة: دار الكلمة للشنر والتوزيع

أحمد، عبدالعاطي.(2012). الفكر السياسي للإمام محمد عبده، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب

بن سليمان، رحمة.(2017). العنف والسياسة في المجتمعات العربية المعاصرة (الجزء الأول): مقاربات سوسيولوجية وبعض الحالات، ط1، قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

الجابري، محمد.(1986). بنية العقل العربي، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.

صافي، لؤي.(1996). العقيدة والسياسة، فرجينيا: منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

الصعيدي، عبد المتعال.(1996). المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى الرابع عشر (100هـ – 1370هـ)، القاهرة: ملتزم النشر والطبع.

عبدالرازق، علي.(1988). الإسلام وأصول الحكم، تحقيق محمد عمارة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

عبدالرافع، محمد.(2004). تطوير التعليم يفجر مناظرة بين عمارة والأنصاري، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات.

غانم، ابراهيم وآخرون.(2008). بناء المفاهيم: دراسية معرفية ونماذج تطبيقية، ج1، القاهرة: دار السلام للطباعة وللنشر والتوزيع والترجمة.

عمارة، محمد. (2013). الإسلام وفلسفة الحكم، ط4، القاهرة: دار الشروق.

عمارة، محمد.(1977). الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، عمان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(1981). الإمام محمد عبده مجدد الإسلام، القاهرة: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

عمارة، محمد.(1988/أ). الإمام محمد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين، ط2، القاهرة: دار الشروق.

عمارة، محمد.(1988/ب). التعدّدية الرؤية الإسلاميّة والتحدّيات الغربيّة، ط1، مصر: دار نهضة مصر.

عمارة، محمد.(1988/ج). جمال الدين الأفغاني: موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام، ط2، بيروت: دار الشروق.

عمارة، محمد.(1989). معركة الإسلام وأصول الحكم، عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(1990). أزمة الفكر الإسلامي المعاصر، عمان: دار الشرق للنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(1991/أ). تيارات الفكر الإسلامي، ط2، عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(1991/ب). معالم المنهج الإسلامي، ط1، القاهرة: دار الشروق.

عمارة، محمد.(1993/أ). الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده الكتابات السياسية، القاهرة: دار الشروق.

عمارة، محمد.(1993/ب). الفلسفة الإسلامية المتميزة في حقوق الإنسان: الأبعاد الثقافية لحقوق الإنسان في الوطن العربـي، القـاهرة: دار سعاد الصباح، ومركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية.

عمارة، محمد(1993/ج). الإسلام والسياسة، القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية.

عمارة، محمد.(1997/أ). التعدّدية الرؤية الإسلاميّة والتحدّيات الغربيّة. القاهرة: دار نهضة مصر.

عمارة، محمد.(1997/ب). معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، القاهر: دار النهضة للنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(1998/ أ). أزمة الفكر الإسلامي الحديث، ط3، دمشق: دار الفكر المعاصر.

عمارة، محمد.(1998/ ب). الإسلام والأمن الاجتماعي، عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(1998/ج). الأصولية بين الغرب والإسلام، القاهرة: دار الشروق.

عمارة، محمد.(2000). الأسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق، الاسكندرية: مكتبة الأسكندرية.

عمارة، محمد.(2003). روح الحضارة الإسلامية. القاهرة: دار نهضة مصر..

عمارة، محمد.(2005/أ).الإسلام والتحديات المعاصر، مصر: دار نهضة مصر للنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(2005/ب).المنهج الإصلاحي للإمام محمد عبده، الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية.

عمارة، محمد.(2006/أ). الإصلاح بالإسلام. القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(2007/أ). الإسلام والمرأة في رأي الإمام محمد عبده، سلسلة التنوير الإسلامي، القاهرة: نهضة مصر للنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(2008/أ). الإسلام والسياسة. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية.

عمارة، محمد.(2008/ب). معالم المنهج الإسلامي، ط5، القاهرة: دار السلام.

عمارة، محمد.(2008/ج). مقام العقل في الاسلام، القاهرة: دار النهضة للنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(2009). في النظام السياسي الإسلامي. القاهرة: مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع.

عمارة، محمد.(2011). تيارات الفكر الإسلامي، ط4، القاهرة: دار الشروق.

عمارة، محمد.(2014). بحث الخلافة الإسلامية، كتاب مؤتمر الأزهر حول الإرهاب.

عماره، محمد.(1979). الإسلام والوحدة القومية، مراجعة الناصر خشيني، ط2، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

عماره، محمد.(2012). روح الحضارة الإسلامية، القاهرة: دار النيل للنشر.

. القرضاوي، يوسف.(2001). من أجل صحوة راشدة تجدد الدين…. وتنهض بالدنيا، القاهرة: دار الشروق.

نموس، محمد.(2020). محمد عمارة والرواد، القاهرة: دار فراس للنشر والتوزيع

بادي، راجح. (2003). حوار مع الدكتور محمد عمارة، مجلة شؤون العصر، المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، 10-11(7)، 179-203

بوطغان، نصيرة. (2019). جدل الحداثة والتجديد الديني والمدني في الفكر الإسلامي لدى محمد عمارة، مجلة دراسات – جامعة عبد الحميد مهري قسنطينة للعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، 1(6)، 165-196.

جاد، يحيى. (2015). فقه الواقع عند يوسف القرضاوي ومحمد عمارة، مجلة المدونة – مجمع الفقه الإسلامي بالهند، 5(2)، 82-111.

عمارة، محمد.(1987). الإجتهاد والنهضة الحضارية، التربية المعاصرة – رابطة التربية الحديثة، 8(2)، 5-6، 25-43.

عمارة، محمد. (2013). الحرية روح الاسلام، مجلة مركز البحوث والدراسات الإسلامية، مركز البحوث والدراسات الاسلامية، 40، 722-728.

الدوريات والمجلات

برغش، سماء أشرف.(2018). مشروعات التجديد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر: دراسة مقارنة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الكويت، الكويت، الكويت.

بادي، راجح. (2003). حوار مع الدكتور محمد عمارة، مجلة شؤون العصر، المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، 10-11(7)، 179-203

بوطغان، نصيرة. (2019). جدل الحداثة والتجديد الديني والمدني في الفكر الإسلامي لدى محمد عمارة، مجلة دراسات – جامعة عبد الحميد مهري قسنطينة للعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، 1(6)، 165-196.

جاد، يحيى. (2015). فقه الواقع عند يوسف القرضاوي ومحمد عمارة، مجلة المدونة – مجمع الفقه الإسلامي بالهند، 5(2)، 82-111.

عمارة، محمد.(1987). الإجتهاد والنهضة الحضارية، التربية المعاصرة – رابطة التربية الحديثة، 8(2)، 5-6، 25-43.

عمارة، محمد. (2013). الحرية روح الاسلام، مجلة مركز البحوث والدراسات الإسلامية، مركز البحوث والدراسات الاسلامية، 40، 722-728.

المواقع الإلكترونية:

التل، سعيد.(2006). هوية الانسان في الوطن العربي – «مشروع قراءة جديدة» الديمقراطية: هي الصورة المعاصرة للشورى التي توضحها التطورات السياسية، مقال انترنت تم الاسترجاع بتاريخ 11/7/2020 في 8:57 مساءاً، عبر الرابط: https://www.addustour.com/articles/460613-%D9%87%D9%88%D9%8A%D8%A9

حسن، علي. (2020). د.محمد عمارة.. ورحل “مفكر القرن العشرين”، موقع بوابة الحرية والعدالة، مقال انترنت تم الاسترجاع بتاريخ 14/7/2020 في 9

رمضان، صابر.(2020). الدكتور محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء فى آخر حوار له، مقال انترنت تم الاسترجاع بتاريخ 11/7/2020 في 12:38 مساءاً، عبر الرابط:

https://alwafd.news/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-

عطية، رندة. (2020). محمد عمارة.. كاسحة الألغام الإسلامية في المواجهات الفكرية، مقال انترنت تم الاسترجاع بتاريخ 14/9/2020 في 10:17 مساءاً، عبر الرابط: https://www.noonpost.com/content/35970

علي، محمد.(2019). أقلام فكرية، كيف نفسر الفكر السياسي الإسلامي أبستمولوجياً؟!، صحيفة المثقف، (4822)، بحث الكتروني تم الاسترجاع بتاريخ 18/11/2019 في 5:03 مساءاً، متاح عبر الرابط: http://ns1.almothaqaf.com/a/b12-1/936668.

عمارة، محمد (2015). المعنى الحقيقي للإصلاح، تم الاسترجاع بتاريخ 1/9/2020 في 12:47 صباحاً، عبر الرابط: https://arabi21.com/.

عمارة، محمد.(2019/أ). تجديد الخطاب الإسلامي سنة لإنزال الأحكام على الواقع المتغير، حوارات، جريدة الأمة الإلكترونية، تم الاسترجاع بتاريخ 10/3/2020 في 11:18 مساءاً متاح على الرابط:

https://al-omah.com/%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-

عمارة، محمد.(2019/ب). سنة التدرج في الإصلاح، مقال على الانترنت، تم الاسترجاع بتاريخ 10/8/2020 في12:01 صباحاً، عبر الرابط:

https://al-omah.com/%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-

العيسوي، طه. (2020). محمد عمارة.. هذه سيرة فارس النقد الإسلامي وحارس تعليمه، مقال انترنت تم الاسترجاع بتاريخ 17/8/2020 في 1:57 مساءاً، عبر الرابط:

https://arabi21.com/story/1248919/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-

غانم، ابراهيم.(2020). العلامة الدكتور محمد عمارة في رحاب الله، مقال في مجلة اضاءات، تم الاسترجاع بتاريخ 18/8/2020 في12:01 صباحاً، عبر الرابط:

https://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:AUItsAj6n2oJ:https://www.ida2at.com/scholar-dr-muhammad-death/+&cd=1&hl=ar&ct=clnk&gl=jo

فتوح، محمد.(2020). آخر أجيال المفكرين الإسلاميين.. قصّة محمد عمارة بين الأزهر واليسار والصحوة الإسلامية، مركز الجزيرة للدراسات، تم الاسترجاع بتاريخ 18/8/2020 في12:01 صباحاً، عبر الرابط: https://www.aljazeera.net/midan/intellect/history/2020/6/2/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7

القاعود، حلمي.(2020). محمد عمارة.. أصالة الفكر وشموخ المفكر، مقال منشور في مجلة المجتمع، تم الاسترجاع بتاريخ 19/8/2020 في12:18 صباحاً، عبر الرابط:https://mugtama.com/articles/item/102111-2020-04-05-13-50-39.

البدوي، محمد. (2012). الدكتور-محمد-عمارة-يشرح-العلاقة-بين-الدين، موقع اليوم السابع، مقال انترنت تم الاسترجاع بتاريخ 12/8/2020 في 5:55 مساءاً، عبر الرابط: https://www.youm7.com/story/2012/1/25/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9

عمارة، محمد. (2011). رسول الإنسانيّة كان أعظم الثوار في التاريخ، مقال انترنت تم الاسترجاع بتاريخ 14/7/2020 في 9:58 مساءاً، عبر الرابط: https://www.aljarida.com/articles/1462013295371767000/?fbclid=IwAR17y3YtUlzLrMctXSdaU

عمارة، محمد.(2018). مناهج النظر العقلي. موقع اسلام ويب مقال انترنت تم الاسترجاع بتاريخ 14/7/2020 في 9:57 مساءاً، عبر الرابط: https://www.islamweb.net/ar/article/221458/%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%87%D8%AC-

هيئة علماء المسلمين في العراق (2020). مجلس الخميس الثقافي يسلّط الضوء على حياة الدكتور (محمد عمارة) الفكرية وجهوده في الدفاع عن الإسلام وشريعته، تم الاسترجاع بتاريخ 1/7/2020 في 11:45 صباحاً، عبر الرابط: http://iraq-amsi.net/

الهوامش:

  1. () اسمه بالكامل علي حسن أحمد عبد الرازق هو مؤلف كتاب الإسلام وأصول الحكم، الذي يرى البعض أنه يدعو إلى فصل الدين عن السياسة، بينما يرى البعض الآخر أنه أثبت بالشرع وصحيح الدين عدم وجود دليل على شكل معيّن للدولة في الإسلام، بل ترك الله الحرية في كتابه للمسلمين في إقامة هيكل الدولة.