الظواهر المناخية القصوى بحوض إيناون (المغرب) وعلاقتها بالأنظمة البنيوية للدورة الهوائية العامة

صديق الياداري1 عبد الحميد جناتي إدريسي2

1 دكتوراه في الجغرافيا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، المغرب

بريد الكتروني: seddikelyadari@gmail.com

2 أستاذ التعليم العالي تخصص جغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، المغرب

HNSJ, 2022, 3(1); https://doi.org/10.53796/hnsj3135

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/01/2022م تاريخ القبول: 21/12/2021م

المستخلص

بحكم موقعه في العروض شبه المدارية، فإن حوض إيناون يعتبر من بين الأحواض الأكثر تعرضا للتغيرية المطرية المرتبطة بتناوب السنوات الجافة والمطيرة والتي تكون استثنائية في بعض الأحيان، بفعل تنوع وتباين الآليات والعوامل الجوية المتحكمة في تطور الطقس والمناخ بالمغرب. لاسيما المرتفع الجوي الآصوري على السطح، والتيار النفاث شبه المداري في الأجواء العليا، فهما اللذان يحددان نوع الحركات الجوية، ويتحكمان في أصناف الطقس بالبلاد. ناهيك أيضا عن الذبذبات التي تعرفها الدورة الهوائية العامة على نطاق واسع، خاصة ذبذبة المحيط الأطلنتي الشمالي وتأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط. تهدف هذه الدراسة إذن الى معرفة التطور الزمني للتغيرية المطرية وما يصحبها من ظواهر مناخية قصوى بالاعتماد على مؤشر التساقطات الموحد، التي سنعمل على تفسيرها من خلال ربطها بالذبذبتين المذكورتين وتقييم مدى تأثيرهما على هذه التغيرية من خلال حساب معامل الارتباط.

توصلت الدراسة الى أن هيمنة الطور الإيجابي لتأرجح شمال المحيط الأطلسي وذبذبة غرب البحر الأبيض المتوسط منذ نهاية السبعينيات، كان لهما دورا في غياب الكتل الهوائية الرطبة عن المغرب، مما تسبب في استقرار أوضاع الجفاف المناخي بمجال الدراسة، مع وجود بعض الحالات المطرية القصوى، التي ينخفض فيها دليل الذبذبتين بشكل قياسي. وفي الأخير اتضح أن التساقطات المطرية بمجال الدراسة تتأثر بشكل ضعيف بنظام تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط مقارنة مع تأرجح شمال المحيط الأطلسي.

الكلمات المفتاحية: حوض إيناون، التغيرية المطرية، مؤشر التساقطات الموحد، تأرجح شمال المحيط الأطلسي، تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط.

Research title

The Extreme climatic events in the watershed of Inaouen (Morocco) and the links between the dominant modes of variability in Large-Scale Atmospheric Circulation

Siddiq Al Yadari 1 Abdel Hamid Janati Idrissi 2

1 PhD in Geography from the Faculty of Letters and Human Sciences, Sais Fez, Morocco

Email: seddikelyadari@gmail.com

2 Professor of Higher Education, majoring in geography, Faculty of Arts and Human Sciences, Sais Fez, Morocco

HNSJ, 2022, 3(1); https://doi.org/10.53796/hnsj3135

Published at 01/01/2022 Accepted at 21/12/2021

Abstract

Due to its location in the subtropics, the Inaouene basin is considered among the basins most vulnerable to rainfall variability, marked by the alternation of dry and sometimes exceptional rainy periods, in view of the variance of atmospheric factors which control atmospheric circulation and types of weather in Morocco. In particular, the Azores high pressure on the surface and the subtropical jet stream at high altitude, which determine the type of air movements and control the types of weather in the country. Without forgetting the dominant modes of large-scale Atmospheric Circulation variability, notably the North Atlantic Oscillation (ONA) and the Oscillation Western Mediterranean (OMO). This study therefore aims to analyze the temporal evolution of rainfall variability and the extreme climatic phenomena that accompany it from the standardized precipitation index, which we will interpret by relating it to the two oscillations mentioned and by evaluating their impact on this variability by calculating the correlation coefficient.

The study revealed that the dominance of the positive phase of the North Atlantic Oscillation since the late 1970s had a major role in the absence of humid air masses from Morocco, which caused the stability of drought climatic conditions in the study area, with the presence of some extreme rainy cases, in which the North Atlantic oscillation is very weak. This consequently affects the movement of the air, which becomes more longitudinal, this also impacts the disturbances which take more southerly paths to deepen in Morocco, finally it turned out that the precipitation in our study area are weakly affected by the Western Mediterranean Oscillation system compared to the North Atlantic Oscillation.

Key Words: Inaouene basin, Rainfall variability, North Atlantic Oscillation, Western Mediterranean Oscillation.

مقدمة

يعتبر المغرب من أكثر المجالات هشاشة، اتجاه الظواهر المناخية والهيدرولوجية القصوى (Douglas et al, 2008)، حيث نجد أنه عرف في الثلاثين سنة الأخيرة فيضانات نتجت عنها خسائر بشرية وإقتصادية مهمة، مثل أوريكا سنة 1995 ومدن المحمدية، الجديدة، تازة، تطوان، سطات، برشيد، سنة 2002 ومدن الرباط، طنجة، الدار البيضاء، خنيفرة، الناضور، أكادير والصويرة وذلك سنة 2009، كلميم سنة 2014 et al., 2012) (Tramblay، بالإضافة إلى ذلك نجد أن بلادنا عرفت سنوات من الجفاف الحاد نذكر منها 1944- 45 1982-1983،1994-1995،1998- 2000 و2006-2007 (Benabdelfadel, 2010 et Bouaicha). وبناء عليه، فالجفاف حاضر بشكل مستمر في مناخ المغرب. هذا ما بينته أيضا الدراسات المعتمدة على علم تحديد عمر الأشجار (Dendrochronologie)، حيث انطلاقا من 10 قرون من الملاحظة (1000 -2000 م) تبين أن الفترات الأشد جفافا خلال هذه الفترة، هي تلك التي همت فترتي 1237-1256م و1981-2000م (Esper and al,2007).

كما ذهب بعض الباحثين إلى البحث حول أسبابه خاصة بعد بداية الثمانينات وربطه بالدورة الهوائية العامة، إذ تم الوصول إلى تأثير نظام تأرجح شمال المحيط الأطلسي الذي عرف خلال هذه الفترة استقرار الذبذبات الإيجابية بجنوب أوروبا وشمال إفريقيا (Lambet Peppler,1987 ; Xoplaki et al., 2004,). وفيما يخص الدراسات الحديثة التي تناولت هذه الظواهر Filahi et al.,2015))، حول تطور الظواهر المناخية القصوى، بالاعتماد على معطيات التساقطات المطرية اليومية، فلقد خلصت إلى أن المناطق الشمالية والوسطى من المغرب تعرف ارتفاع في التساقطات المطرية القوية، رغم وجود اتجاه نحو انخفاض عام فيها، هناك أيضا بعض الدراسات (Khomsi ,2014، Donat et al,2014 ، Tremblay, 2012) التي تناولتها من جوانب متعددة لكن إجمعت في الأخير إلى أن هناك تطور في الظواهر المناخية القصوى، من حيث ترددها في مختلف أنحاء المغرب، و تشير هذه الدراسات أيضا إلى وجود علاقة وثيقة بين هذه الظواهر و الذبذبات المناخية (الذبذبة الشمالي الأطلسي، تذبذب حوض البحر الأبيض المتوسط).

هكذا أصبحت الدراسات المناخية في العقود الأخيرة، من منظور علم المناخ التشخيصي، تقر بوجود نوع من النظام يحكم بنية وظروف الحركة الهوائية العامة، عند مختلف العروض تتحدد من خلالها مجموعة من الآليات المتباينة والمتفاعلة العامة للهواء، لذا يشكل التعرف على بعض خصائص هذه الأنظمة، دور أساسي في معاينة الآليات المهيمنة على حركة الهواء، وديناميتها وبالتالي على عوامل تغيرية مناخ منطقة معينة. إذن الغاية الأساسية من خلال هذا المقال هو دراسة الذبذبات التي تطرأ على خصائص الدورة الهوائية العامة، خاصة حركات التيار النفاث ومراكز الضغط الفعالة، وانعكاس ذلك على التغير الذي يمكن أن يقع على عناصر الطقس والمناخ مثل الضغط الجوي، الحرارة التساقطات، الرياح…. إلخ، بحيث يؤدي هذا الانعكاس إلى حدوث ظواهر مناخية قصوى، مرتبطة أساسا بالاستقرار المطول للجفاف المناخي أوحدوث تساقطات مطرية استثنائية. ويعتبر نظام تأرجح شمال المحيط الأطلسي وغرب البحر الأبيض المتوسط، من أهم الذبذبات المناخية المهيمنة على حركة الهواء، والمتحكمة في التغيرية العامة للوضعية الجوية عند العروض الوسطى والمتوسطية، التي يوجد بها المغرب بشكل عام وحوض إيناون بشكل خاص.

  1. تقديم مجال الدراسة

عند الحدود الشمالية للأطلس المتوسط والنطاق الريفي، ينتشر المجال الجغرافي لحوض إيناون بمساحة تقدر بـ 3601 كيلومتر مربع وبمحيط يقدر ب 268 كلم، أي ما يناهز 12.92 % من مساحة حوض سبو. يمكن أن نحدد الحوض خرائطيا بين خطي طول 4°.91′ و3°.78′ غربا وخطي عرض 34°.58 ‘و33°. 84 ‘ شمالا (خريطة 1).

خريطة رقم 1: المجال المدروس

المصدر: إنجاز شخصي اعتمادا على معطيات Shapefile Maroc وبرنامج Arc Map.

يمثل واد إيناون المجرى الرئيسي الذي ينبع من جبل أمسيف وينتهي عند سد إدريس الأول، حيث يصب في واد سبو. يعتبر واد إيناون ثاني أهم روافد حوض سبو بعد واد ورغة ويمتد على طول 157 كلم، ويتغذى على روافد مهمة آتية من المنطقة الريفية وأخرى من الأطلس المتوسط كما هو مبين في الخريطة رقم 1.

2. المعطيات والمنهجية

للإجابة على الإشكالية المطروحة اعتمدنا على عدد مهم من المحطات المناخية، التابعة أغلبها لوكالة الحوض المائي سبو والمديرية الإقليمية للفلاحة بتازة والمياه والغابات بتازة أيضا (جدول رقم 1 وقد بلغ عددها 12 محطة، وفر لنا هذا العدد تغطية مجالية لا بأس بها، أعنتنا في إنجاز هذا العمل.

جدول رقم 1: معطيات التساقطات المطرية المعتمدة في الدراسة

الإحداثيات الجغرفية المصدر مدة الرصد المحطة الرصدية
الارتفاع (م) العرض الطول
السفح الأطلسي
458 34°13 4°2’ الأرصاد الجوية + الفلاحة 2012-13 1970-71 تازة
368 34°12 4°9′ و.ح.م سبو 2012-13 1970-71 باب مرزوقة
750 34° 4′ 4° 16 المياه والغابات 2002-03 1970-71 باب ازهأر
560 34°4 4°24 الفلاحة 2012-13 1970-71 تاهلة
1568 34° 4′ 4° 7′ و.ح.م سبو 2012-13 1973-74 باب بودير
السفح الريفي
540 34°29′ 4°12’ الفلاحة 2014-13 1972-71 أحد امسيلة
550 34°17’ و.ح.م سبو 2012-13 1970-71 إبن هيثم
1200 34° 33′ 4° 8′ الفلاحة 2013-14 1973-74 تايناست
285 34°12′ 4°17′ الفلاحة 2012-13 1978-79 واد امليل
402 34°15’ 4°6’ و.ح.م سبو 2013-14 1992-93 باب شهوب
200 34°12’ 4°46 و.ح.م سبو 2006-07 1974-75 سد إدريس الأول
230 34°11’ 4°29’ و.ح.م سبو 2001-02 1970-71 الكوشات

قبل الاستغلال المباشر للقياسات المناخية الخامة في الدراسة، تم التأكد أولا، من أن القياسات تتميز بالتجانس، وذلك بإخضاعها للدراسة النقدية. وتطلب ذلك، فحص سلاسل التساقطات المطرية في للمحطات الرصدية، قصد التأكد من أن معطياتها موثوق بها، وأنها لا تتوفر على قياسات خاطئة، أو غير متجانسة. وفي هذا الصدد تم الاعتماد على الطريقة التراكمية وطريقة التراكم المزدوج وعموما فالنتائج التي حصلنا عليها تبقى مرضية تسمح بإنجاز هذه الدراسة.

وللبحث في العلاقة الموجودة بين التغيرية المطرية بالمحطات السالفة الذكر وبنظام تأرجح شمالي أطلسي نظام وذبذبة غرب البحر الأبيض المتوسط. اعتمدنا على المنهجية التركيبية أو الديناميكية التفسيرية، التي عملنا من خلالها على إعطاء تفسير علمي دقيق لتطور الظروف الجوية في علاقتها مع هذه التغيرية. فهي تعتمد على تحليل أحوال الجو العامة بدراسة الترابطات البعيدة المدى لفهم الآليات المتحكمة في الدورة الهوائية العامة. ولقياس مدى تأثير الذبذبتين على تغيرية التساقطات المطرية السنوية بالحوض، تم في بداية الأمر حساب مؤشر التساقطات المطرية الموحد Standardized Precipitation Index الذي يعبر عنه رياضيا بالقاعدة التالية :

SPI = (Pi – Pm)/σ

هذا مع العلم أن:

Pi : مجموع التهاطل المطري لكل سنة ب ملم؛

Pm : متوسط التهاطل المطري للفترة المدروسة ب ملم؛

σ : الانحراف المعياري للسلسلة ب ملم.

وتكون القيم المحصلة عليها بواسطة (SPI)؛ محددة لفترات وسنوات العجز على مستوى التساقطات وذلك وفق الجدول التالي

جدول رقم2 : فئات قساوة الجفاف من خلال (SPI)

نوعية الفترة فئات قيم
فترة ذات رطوبة قصوى أكثر من 2,0
فترة شديدة الرطوبة ما بين 1.50 و 1.99
فترة ذات رطوبة معتدلة ما بين 1,0 و 1.49
فترة قريبة من العادية ما بين 0.99 و 0.99-
فترة ذات جفاف معتدل ما بين 1.0- و 1.49-
فترة شديدة الجفاف ما بين 1.5- و 1.99-
فترة ذات جفاف قاس أقل من 2.0-

المصدر: McKee et al ,1993))

وفي خطوة موالية بحثنا في مدى الارتباط الموجود بين مؤشر التساقطات الموحد ومؤشر الذبذبتين وذلك باستخراج معامل الترابط بالاعتماد على برنامج Excel ؛ إذ يعتبر معامل الارتباط الأداة الإحصائية الأساسية المستعملة، على نطاق واسع، في دراسة وتحليل العلاقة أو درجة الارتباط بين متغيرات ظاهرة واحدة أو ظاهرتين أو مجموعة من الظواهر، والتي تنتظم معطياتها على شكل سلاسل إحصائية. والصيغة الرياضية المعتمدة في حساب معامل الارتباط الخطي لـ Karl PEARSON، تتمثل في المعادلة الآتية :

( xi – x ) ( yi – y )

= 𝑟

N x . y

حيث أن

– الرمز يدل على المجموع.

– (xi) هي متغيرات السلسلة الإحصائية الخاصة بالظاهرة الأولى، و(x) هو معدلها، وx) ( هو انحرافها المعياري.

– (yi) هي متغيرات سلسلة الظاهرة الثانية، و(y) هو معدلها، وy) ( هو انحرافها المعياري.

– ( N ) هو عدد البيانات الإحصائية في السلسلة .

ويستعمل هذا المعامل في هذه الحالة في التحليل الجغرافي للكشف عن القواسم المشتركة أو الروابط المجالية لعناصر هذه الظاهرة. فإذا إقترب هذا المعامل من 1 أو 1 – فإن العلاقة تعتبر قوية، أما إذا كانت هذا المعامل يبعد عن 1 أو 1- ويقترب من الصفر، فإن ذلك يدل على العلاقة ضعيفة بين التغيرية المطرية وبنظام تأرجح شمالي أطلسي ونظام تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط.

3. النتائج والمناقشة:

3.1. مدى ارتباط الحالات الجوية الاستثنائية بنظام تأرجح شمالي أطلسي

يرجع اكتشاف ما يمكن اعتباره بالظروف العامة المهيمنة، على حركة الهواء بين حقول الضغط الجوي المتمركزة بالمحيط الأطلنتي الشمالي إلى الميتيورولوجي الإنجليزي جيلبير “والكير” G. Walker سنة 1924، وقد حددت مؤشرات وميكانيزمات نظام التأرجح الشمالي الأطلنتي بشكل دقيق، منذ سنة 1932 من طرف كل من “والكير” و “بليس” Bliss. لم يتم اعتماد تأرجح شمال أطلتني كعامل مهيكل للحركة الهوائية العامة، إلا مع بداية الثمانينيات من القرن الماضي، بفضل بعض الدراسات التي اعتمدت على الطرق الكمية خاصة دراسة (Wallace ;Gutzler,1981)، حيث بفضلهما تم وضع اللبنات الأولى لما أصبح يعرف بالترابط البعدي (Teleconnexion)، إذ شكل ذلك تطورا مهما في البحث المناخي وبالتالي أصبح الكل يدرك أن الدينامية العامة للهواء، تخضع لترابطات هيكلية شاملة. ونتيجة للإهتمام المتزايد الذي أعطاه علماء المناخ لهذه الترابطات، تم الوصول إلى نتائج ملموسة على مستوى فهم الآليات المتحكمة في الدورة الهوائية العامة، أو التعرف على عوامل التغيرية المناخية.

تظهر هذه الأنظمة على شكل خلل في توزيع الظروف المكانية والزمنية لكثافة الهواء وحركته، مما ينتج عن ذلك ارتباطات على المستوى المجالي وانعكاسات ذات أبعاد زمنية متغيرة وشاملة، الشيء الذي يعطيها طابع مهيكل يتحكم بشكل متماسك على حركة الهواء وذلك على نطاق واسع من الكرة الأرضية، مما يعني أن أي خلل في حركة الهواء في منطقة معينة يكون له انعكاس على منطقة أخرى في العالم. من هنا انطلقت المقاربات المعتمدة في المناخ التشخيصي، على تبنى مناهج إحصائية مناخية في محاولة، إعطاء تفسير للظواهر الشاذة. فالترابط البعدي يعطي نظرة شاملة عن الشكل الذي يمكن أن تنتظم وفقه الحركة الهوائية والاختلالات، التي يمكن أن تهمها عند منطقة معينة والتأثيرات الناتجة عن ذلك.

1.3.1. تنتج ذبذبة المحيط الأطلنتي الشمالي بفعل تأرجح شاذ بين حقلي الضغط الآصوري والآيسلندي

تعرف الذبذبة الأطلنتية الشمالية أو نظام التأرجح الشمالي الأطلنتي l’oscillations nord atlantique ، بأنها عبارة عن تأرجح في اتجاه متعاكس، يحدث في قوة الضغط الجوي وتتعرض له الخليتين الضغطتين، المتمركزتين في المحيط الأطلسي الشمالي أي المنخفض الآيسلندي والعالي الآصوري، فأي تزايد (أو انخفاض) في قوة العالي الآصوري، يقابله بشكل مباشر وآلي انخفاض (أو ارتفاع) في قوة المنخفض الآيسلندي، والعكس صحيح (باحو،2002). لا تقتصر هذه الذبذبة على الخليتين المذكورتين، بل تؤثر أيضا على حركات الدورة الهوائية العلوية، فوق المحيط الأطلنتي نتيجة تغير سرعة وحركات التيار النفاث شبه مداري. ينتج هذا التأرجح إذن، عن تفاعل ديناميكي مرتبط بتغير قوة وحركات التيار النفاث شبه مداري، في الأجواء العليا وعوامل أخرى حرارية خاصة حرارة المحيط الأطلنتي.

يتم التعبير على هذه الذبذبة بمؤشر إحصائي وهو الفرق بين قيمة الضغط المرتفع الآصوري والمنخفض الآيسلندي (Rogers,1984)، وبناءا عليه يتم التمييز بين:

  • الحالة الأولى: حيث يكون مؤشر التأرجح الشمالي الأطلسي سالب (NAO-)، وذلك نتيجة حدوث انقلاب في الضغط الجوي الآيسلندي والآصوري، هكذا يتحول المنخفض الآيسلندي في الشمال إلى مرتفع جوي، وفي المقابل يضعف ويتلاشى المرتفع الآصوري ويحل محله منخفض جوي، هذه الوضعية تسمح بتوجيه كتل هوائية رطبة وسلسلة من الاضطرابات المحيطية إلى المغرب (خريطة رقم 1).
  • الحالة الثانية: تدل على مؤشر مرتفع (NAO++)، يحدث ذلك عند الانخفاض غير العادي للضغط الآيسلندي حيث يرافق ذلك تزايد في حجمه، واتساع في مجاله الجغرافي بامتداده أحيانا نحو الجنوب. وفي المقابل ارتفاع غير عادي للضغط الآصوري، ويرافق ذلك استقرار مطول لهذه الخلية الحاجزية فوق الأجواء المغربية، ينتج عن هذه الوضعية ممال ضغطي قوي، يؤدي إلى حركة نطاقية عند العروض الوسطى، مما يؤدي إلى تغيير مسار الاضطرابات التي تصبح هي الأخرى نطاقية تهم بشكل كبير شمال هذه العروض (خريطة رقم 2).

خريطة رقم 1: تذبذب شمال المحيط الأطلنتي الطور السلبي

مصدر خرائط الطقس: http://www1.wetter3.de

خريطة رقم 2: تذبذب شمال المحيط الأطلنتي الطور الموجب

ينتج عن الحاليتين طبعا تغير في حركة الهواء، سواءا عند العروض الوسطى وعروض البحر الأبيض المتوسط، وقد أكدت دراسات عديدة على مدى مساهمة ظروف هذا التأرجح، في التغيرية العامة للمناخ بصفة خاصة على مناطق المناخ المتوسطي (البليشي،2012).

2.3.1. تأثير ذبذبة المحيط الأطلسي الشمالي على التساقطات المطرية الشتوية بحوض إيناون

ترجع أولى الدراسات التي إهتمت بربط التغيرية العامة للتساقطات بالمغرب، مع نظام تأرجح الشمال الأطلسي إلى دراسة Lamp وPeppler سنة 1987. تحدثت هذه الدراسات عن وجود علاقة إحصائية عكسية ما بين التساقطات في 12 محطة مغربية، ودليل Rogers المعبر عن وجود حالة تأرجح هاته، حيث يصل هنا معامل الترابط إلى -0 ,64 في محطات الساحل الأطلسي الشمالي وهو ما يفسر حوالي 41 % من التغيرية العامة للتساقطات وحوالي -0 ,57 بالنسبة لأربع محطات من الساحل الأطلسي الجنوبي، وهي الدار البيضاء أسفي، الصويرة، أكادير، أي أن هذه العلاقة تفسرما يعادل 32 % من التغيرية العامة لتساقطات المنطقة، لكن هذا الرقم يصل فقط إلى 0,47- (وهو ما يفسر فقط 22% من التغيرية العامة) عند اعتبار مجموع المحطات الإثنا عشر بكاملها (بليشي، 2012) . يتضح من خلال هذه الدراسة أن هناك ترابط إحصائي متوسط، ودال بين التساقطات المطرية ومؤشرات هذه الذبذبة، وذلك من خلال الوضعية التي تتخذها حركة الهواء، عند العروض الوسطى وحوض البحر الأبيض المتوسط (تم التطرق لهذه الوضعيات في التعريف بنظام التأرجح الشمالي الأطلسي).

3.3.1. علاقة تأرجح شمال المحيط الأطلسي الشمالي بالجفاف المناخي بحوض إيناون

لدراسة تأرجح شمال المحيط الأطلسي الشمالي، في علاقته مع الجفاف بحوض إيناون. تم الاعتماد على مؤشرات هذا التأرجح والتي حصلنا عليها من خلال الوقع التالي: http://www.cru.uea.ac.uk/cru/data/nao.htm، هذه المؤشرات تمثل الفرق إلى المعدل أو ما يعبر عنه بالخلل (Anomalie ) الإجابي والسلبي، حيث يعتبر ( Kapala et al ,1998 عن البلشي ، 2012 ) أن الحالات القصوى تلك التي يتعدى دليلها عتبة 1+ بالنسبة لحالات الدليل المرتفع، و1- بالنسبة لحالة الدليل المنخفض. ولتبيين تأثير هذا التارجح على التساقطات المطرية بمجال الدراسة، خلال الشهور الممتدة من نونبرإلى مارس ، قمنا بحساب معامل الارتباط البسيط، لمعرفة العلاقة الموجدودة بين مؤشر التساقطات الموحد ومؤشرات هذه الذبذبة. كما عملنا على مقارنته مع مؤشر التساقطات الموحد على غرار بعض الدراسات ( بليشي، 2012 ) لتوضيح تغيراته على مستوى التساقطات السنوية. يتضح إذن من خلال الجدول رقم 3 أن هناك علاقة عكسية بين مؤشر التساقطات الموحد ومؤشرات الذبذبة الأطلسية الشمالية، فنتيجة ارتفاع قيم مؤشرات هذه الذبذبة يؤدي إلى انخفاض مؤشر التساقطات الموحد، حيث عادل وتجاوز معامل الارتباط 40- في أغلب المحطات باستثناء محطة أحد امسيلة، مما يدل على أن نظام التأرجح الشمالي الأطلسي وما يحدثه من تغييرات في حركات الدورة الهوائية عند العروض المغربية، يسبب في انحباس التساقطات المطرية وحدوث جفاف مناخي.

جدول رقم 3: معامل الترابط بين مؤشر التساقطات الموحد ومؤشرات الذبذبة الأطلسية الشمالية

المحطات الكوشات تاهلة أحد امسيلة تايناست باب بودير باب مرزوقة تازة واد امليل
معامل الارتباط -0.40 -0.43 -0.15 -0.46 -0.39 -0.51 -0.46 -0.50

المصدر: إنجاز شخصي اعتمادا على مؤشرات الذبذبة الأطلسية ومؤشر التساقطات الموحد، 2020.

ولكي نتمكن من التعرف عن مدى تأثير هذا التأرجح على التساقطات المطرية الشتوية، تم تتبع تغيرات دليل هذه الذبذبة مقارنة مع مؤشر التساقطات الموحد، على امتداد السنوات المدروسة (شكل رقم 1). وكما حددنا سلفا، عرف حوض إيناون تعاقب مجموعة من السنوات الجافة اختلفت حدتها من سنة إلى أخرى، فخلال الفترة المدروسة بلغ هذا التأرجح أقصى قيمه سنة 89-1990 2,12+ ، في هذه السنة بلغ متوسط الضغط عند المرتفع الآصوري 1023هيكتوبسكال، والخريطة رقم 4 توضح قوته وامتداده العرضي في حين يلاحظ تعمق المنخفض الآيسلندي الذي بلغ فيه متوسط الضغط 991 هيكتوبسكال.

خريطة رقم 4: متوسط الضغط الجوي عند المرتفع الآصوري والمنخفض الآيسلندي خلال شهور يناير فبراير ومارس سنة 1990

خريطة رقم 5: متوسط الضغط الجوي عند المرتفع الآصوري والمنخفض الآيسلندي خلال شهورو دجنبر، يناير وفبراير سنة 1983

ثم 1,55+ سنة 1982-81. وفي سنة 1991-1992 بلغ دليل الذبذبة الأطلسية الشمالية 2,04+ تميز خلالها المرتفع الآصوري بالقوة وبامتداده المجالي (خريطة رقم 5)، حيث ناهز متوسط الضغط فيه 1022 هيكتوبسكال، بينما يلاحظ من خلال نفس الخريطة تعمق المنخفض الآيسلندي والذي قارب متوسط الضغط المسجل فيه 994 هيكتوبسكال.

شكل رقم 1: تغيرية مؤشرات الذبذبة الأطلسية الشمالية ومؤشر التساقطات الموحد بحوض إيناون للفترة الممتدة ما بين 1970-71 و2012-13

المصدر: إنجاز شخصي اعتمادا على مؤشرات الذبذبة الأطلسية وعلى مؤشر التساقطات الموحد، 2020.

بشكل عام يلاحظ من خلال الشكل رقم 1 أن السنوات الجافة الممتدة من سنة 1979-80 إلى سنة 2006-07، تميزت بدليل سلبي لهذا التأرجح، ويرجع سبب تعاقب الفترات الجافة، إلى هيمنة حالات الاستقرار لجوي التي ترجع بدورها إلى الاستقرار المطول للمرتفع الآصوري ولتقلص المنخفض الآيسلندي.

4.3.1. علاقة تأرجح شمال المحيط الأطلسي الشمالي بالتساقطات القصوى بحوض إيناون

أثبتت الدراسات (Zamrane ,2016 ; Khomsi,2014 ; Filahi ,2015 ; Nouaceur,2014 ) التي أجريت على العلاقة الموجودة، بين تأرجح شمال المحيط الأطلسي الشمالي وتغيرية التساقطات المطرية بالمغرب، أن هناك علاقة ترابط قوية بينهما. ولإثباتها قمنا بحساب معامل الإرتباط الموجود بين هذين العنصرية، وللإشارة فقد أعطى نفس النتائج المدرجة في الجدول رقم 3، إذ يلاحظ من خلاله أن هناك علاقة عكسية بين دليل هذا التأرجح ومعامل انحراف التساقطات المطرية عن المعدل؛ إذ يؤدي انخفاض مؤشرات الذبذبة الأطلسية الشمالية، إلى ارتفاع قيم التساقطات المطرية المسجلة بالمحطات المدروسة، مما يدل أن للذبذبة الأطلسية الشمالية دور أساسي في حدوث تساقطات مطرية استثنائية في مجال الدراسة.

وبمقارنة مؤشر هذه الذبذبة مع مؤشر التساقطات الموحد (الشكل رقم 1)، يلاحظ، أن هناك تطابق بين السنوات الرطبة ومؤشرات هذا التأرجح في حالته السلبية، فخلال سنة 1995-96 تراجع الدليل إلى 2,14- ، كما تميزت أيضا بتساقطات مطرية مهمة تجاوزت في معظمها قيمها الاعتيادية بحوض إيناون. إذ نتج ذلك عن تقلص المرتفع الآصوري، الذي لم يتجاوز فيه متوسط الضغط 1017 هيكتوبسكال (خريطة رقم 6)، الشيء الذي سمح للمنخفض الآيسلندي، بتوجيه كتل هوائية رطبة نحو العروض المغربية، خاصة وأنه تميز بالقوة (1008هيكتوبسكال) وبامتداده المجالي (خريطة رقم 6) .

على غرار نموذج السنة السابقة، تميز مؤشر تأرجح شمال المحيط الأطلسي الشمالي سنة 2009-10 بتسجيله أدنى قيمه (3,01 -)، بالنظر إلى الفترة المدروسة، وقد عرفت هذه السنة حدوث فيضانات لم يسبق أن عرفها مجال الدراسة، نتيجة التساقطات المطرية المهمة التي سجلت بحوض إيناون. إذ ارتبط ذلك بتقلص المرتفع الآصوري (1015هيكتوبسكال)، فاسحا المجال أمام الكتل الهوائية الرطبة الآتية من المنخفض الآيسلندي، حيث يلاحظ أن هذا الأخير(خريطة رقم 7) تميز بامتداده المجالي وناهز متوسط الضغط في مركزه 1010 هيكتوبسكال.

خريطة رقم 6: متوسط الضغط الجوي عند المرتفع الآصوري والمنخفض الآيسلندي خلال شهور دجنبر، يناير وفبراير سنة 2010

خريطة رقم 7: متوسط الضغط الجوي عند المرتفع الآصوري والمنخفض الآيسلندي خلال شهور يناير، فبراير ومارس سنة 1996

مصدر خرائط قيم الضغط الجوي: https://climatereanalyzer.org

إذن يتضح أن لنظام تأرجح شمال المحيط الأطلسي، دور أساسي في تغيرية التساقطات المطرية بحوض إيناون. إذ يلاحظ بشكل عام أن الفترات الرطبة والممتدة من سنة 1970-71 إلى سنة 1979-80 ومن سنة 2007-08 إلى سنة 2010-11، تميز فيها هذا التأرجح بدليل منخفض، الشيء الذي جعل حركة الهواء يغلب عليها طابعا طولانيا، إذ تتخذ الاضطرابات مسارات أكثر جنوبية مما جعلها تتوغل داخل المغرب.

3.2. تأثير نظام تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط على مناخ الحوض

يدل نظام تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط، على الاختلاف الذي يقع في قيم الضغط الجوي على مستوى السطح بين محطتي سان فيرناندوSan Fernando (إسبانيا) وباديوا Padua (إيطاليا). يؤثر هذا التأرجح على التساقطات المطرية بمنطقة البحر الأبيض المتوسط (Knippertz et al, 2003) ، بشكل عام والمغرب بشكل خاص. تم التعريف بالحالتين التي تتخذها هذه الذبذبة من طرف Martin-Vide et Lopez-Bustins, 2004) ) حيث في:

  • الحالة الأولى: يكون مؤشر هذا التأرجح موجب، يسمح ذلك بتقوية المرتفع الآصوري، الذي يصبح ممتدا على الربع الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة الإبيرية، مصحوبا بضغط منخفض على مستوى خليج الليغوري (Golfe de Ligure)، مما ينتج عن ذلك دورة عامة ذات اتجاه شمالي غربي-جنوبي شرقي للكتل الهوائية عند السطح (شكل رقم 8).
  • الحالة الثانية: تدل على مؤشر سلبي بهذا التأرجح، وهي حالة معاكسة للأولى، حيث يظهر فيها الضغط المنخفض بالجنوب الشرقي لشبه الجزيرة الإبيرية، مصحوب بضغط مرتفع والذي يمتد من وسط أوروبا إلى خليج الليغوري (Golfe de Ligure)، فينتج عن هذه الحالة دورة عامة ذات مسارشرق-غرب للكتل الهوائية بالسطح (شكل رقم 9).

خريطة رقم 8: حالة الشذوذ في الدورة الهوائية المصاحبة للطور السلبي لتأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط. (T) تدل على الضغط المنخفض و(H) تدل على الضغط المرتفع وكلاهما بسطح الأرض.

http://www1.wetter3.de/Archiv/GFS/2014112800_1.gif

خريطة رقم 9: حالة الشذوذ في الدورة الهوائية المصاحبة للطور الإيجابي لتأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط. (T) تدل على الضغط المنخفض و(H) تدل على الضغط المرتفع وكلاهما بسطح الأرض.

http://www1.wetter3.de/Archiv/GFS/1976120206_1.gif

يحدث هذا التأرجح اضطراب في توزيع الظروف المكانية والزمنية لكثافة الهواء وحركته، مما يترتب عنه تأثير في حركة الهواء. فيكون له انعكاس على المناطق المجاورة لهذا التأرجح خاصة عند عروض البحر الأبيض المتوسط، وعلى غرار الذبذبة الأطلنتية الشمالية. يعتبر تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط في إطار الترابط البعدي، من الأنظمة المهيكلة والمؤثرة على تغيرية تساقطات المغرب، لكن هذا التأثير يبقى جهويا.

1.3.2. دور تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط في تغيرية التساقطات المطرية بحوض إيناون

بدأ الاهتمام بهذا التأرجح من خلال محاولة ربطه بالتغيرية المطرية سنة 2004 من طرف (Martin-Vide et Lopez-Bustins)، لكن هذا الاهتمام اقتصر فقط على الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، في حين الضفة الجنوبية خاصة المغرب، لم تنل نفس الاهتمام باستثناء بعض الأبحاث التي أجريت حديثا مثل (Zamrane ,2016 ؛Hanchane, 2017 ؛ Filahi,2015 ؛ (Singla,2009. استطاعت هذه البحوث الكشف عن وجود ترابط إحصائي دال بين التساقطات المطرية ومؤشرات هذا التأرجح، فموقع المغرب في العروض شبه المدارية وفي الهوامش الجنوبية للمنطقة المعتدلة الشمالية، إضافة إلى انفتاحه على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، يجعله يتأثر مباشرة بالذبذبة المتوسطية الغربية.

إحصائيا يتم التعبير عن هذه الذبذبة بمؤشر تم وضعه من طرف (Camuffo et Jones , 2002)، وهي قيم الضغط المسجلة على المستوى اليومي بالمحطات الرصدية الأولى تسمى (Padoue) بشمال إيطاليا والثانية بجنوب غرب إسبانيا وتسمى (San Fernando). وقد حصلنا على قيم هذا المؤشر من خلال الموقع التالي: http://www.ub.es/gc/English/wemo.htm.

3.2.2 علاقة تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط بالجفاف المناخي بحوض إيناون

لمعرفة تأثير الذبذبة المتوسطية على التساقطات بحوض إيناون تم إخضاعها للمقارنة مع مؤشر التساقطات الموحد، بالإضافة إلى حساب معامل الترابط لتوضيح العلاقة الترابطية الموجودة بين هذين العنصرين. يتضح من خلال نتائج معامل الارتباط والمدرجة في الجدول رقم 4 أن هناك علاقة عكسية بين هذين المعطيين، إذ بارتفاع قيم هذا التأرجح تنخفض التساقطات المطرية المسجلة بحوض إيناون، لكن الملاحظ هو ضعف معامل الإرتباط، مقارنة مع نظام التأرجح الشمالي الأطلسي، مما يدل على ضعف تأثيره على تغيرية التساقطات المطرية بمجال الدراسة.

وبالرجوع إلى قيم الارتباط يلاحظ أنها تراوحت ما بين -0.01 بمحطة أحد امسيلة و-0.40 بباب بودير. يتبين إذن أن هذا التأثير يقل في المحطات ذات التوجيه الضعيف للمؤثرات الجوية بفعل المخبأ التضاريسي (كمحطة أحد امسيلة، باب مرزوقة وواد أمليل) في حين المحطات المتبقية ذات التوجيه الجيد يرتفع فيها هذا التأثير.

جدول رقم 4 : معامل الترابط بين مؤشر التساقطات الموحد ومؤشرات تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط

المحطات الكوشات تاهلة أحد امسيلة تايناست باب بودير باب مرزوقة تازة واد امليل
معامل الارتباط -0.31 -0.34 -0.01 -0.30 -0.40 -0.18 -0.26 -0.17

المصدر: إنجاز شخصي اعتمادا على مؤشرات تأرجح غرب البحر الأبيض ومؤشر التساقطات الموحد، 2020.

ومن خلال مقارنة دليل هذا التأرجح، مع مؤشر التساقطات الموحد (شكل رقم 2) يتضح أن له دور في حدوث الجفاف بحوض إيناون. إذ يلاحظ أن السنوات الجافة يقابلها دليل إيجابي في هذا التأرجح، فخلال سنة 89-1990 والتي كانت جافة ارتفع مؤشر هذه الذبذبة إلى 0,50+، وبالمقابل سجل مؤشر التساقطات الموحد 0,44-. وفي سنة 2011-10 بلغ دليل هذا التأرجح 0,44+، في حين مؤشر التساقطات الموحد بلغ 0,69-، وبشكل عام يلاحظ أن الفترات الجافة المحددة سلفا تميزت بدليل إيجابي في غالب الأحيان.

ينتج الجفاف المناخي بحوض إيناون نتيجة للخلل التي تحدثه هذه الذبذبة، في حركة الهواء عند حوض البحر الأبيض المتوسط، إذ يسمح ذلك بتقوية المرتفع الآصوري الذي يصبح ممتدا على الربع الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة الإبيرية، مصحوبا بضغط منخفض على مستوى خليج الليغوري (Golfe de Ligure). مما ينتج عن ذلك دورة عامة ذات اتجاه شمالي غربي-جنوبي شرقي، للكتل الهوائية عند السطح، مما يجعل المغرب يعيش ظروف من الاستقرار الجوي.

شكل رقم 2: تغيرية مؤشرات الذبذبة المتوسطية ومؤشر التساقطات الموحد بحوض إيناون للفترة الممتدة من 1970-71 /2012-13

المصدر: إنجاز شخصي اعتمادا على مؤشرات تأرجح غرب البحر الأبيض ومؤشر التساقطات الموحد، 2020.

3.3.2. علاقة تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط بالتساقطات المطرية الاستثنائية بحوض إيناون

لتبيان العلاقة الموجودة بين التساقطات المطرية، خاصة الاستثنائية منها وتأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط، تم الاعتماد على معامل الارتباط ومؤشر التساقطات المطرية. وانطلاقا من نتائج الجدول رقم 4 يتضح، أنه كلما كان دليل هذا التأرجح سلبي، فإن التساقطات المطرية ترتفع بحوض إيناون (شكل رقم 2). ففي الحالة السلبية يظهر الضغط المنخفض بالجنوب الشرقي لشبه الجزيرة الإبيرية، مصحوب بضغط مرتفع الذي يمتد من وسط أوروبا إلى خليج الليغوري (Golfe de Ligure)، فينتج عن هذه الحالة دورة عامة ذات مسارشرق-غرب للكتل الهوائية بالسطح، مما يجعل المغرب يعيش ظروف عدم استقرار جوي. ومن السنوات الرطبة التي كان فيها دليل هذه الذبذبة سلبيا نجد 1988-87 إذ تراجع إلى 1,31-، وسنة 1994-95 بلغ 1,01- ، وخلال سنة 2010-09 التي تميزت بالتساقطات المطرية المهمة التي تسببت في حدوث الفيضانات سجل دليل هذه الذبذبة 0,96- .

خلاصة

من خلال دراسة الارتباط بين تغيرية التساقطات المطرية والذبذبتين الشمال أطلسية وغرب البحر الأبيض المتوسط، تبين أن تأرجح شمال المحيط الأطلسي يساهم بشكل كبير في تغيرية التساقطات المطرية، والتي من بين تجلياتها الجفاف المناخي والتساقطات المطرية الاستثنائية بحوض إيناون. كما لوحظ هيمنة الطور الإيجابي لتأرجح شمال المحيط الأطلسي منذ نهاية السبعينيات، الشيء الذي كان له دور في غياب الكتل الهوائية الرطبة عن المغرب، مما تسبب في استقرار أوضاع الجفاف المناخي بمجال الدراسة.

إذا كانت موجات الجفاف بمجال الدراسة تنتج في أغلب الحالات، عن حدوث مؤشر إيجابي في الذبذبة الأطلنتية، نتيجة تزايد قوة الضغط الجوي في المرتفع الآصوري، واستقراره المطول قبالة سواحل البلاد، فإن هناك بعض الحالات من الجفاف تحدث بالرغم، من ظهور مؤشر سلبي في الحقل الضغطي لهذه الخلية. كما اتضح أن النزعة الغالبة على هذا النظام، تتمثل في تعمق منخفض أيسلندا من جهة، وتقوية مرتفع الآصور من جهة أخرى مع امتداده في اتجاه العروض المتوسطية، وضعف ملموس لمرتفع سيبيريا. هذا التغيير في متوسط الضغط في هذه المنطقة، يواكبه انتقال واضح لمسارات الاضطرابات الجوية، نحو الشمال مع انخفاض في عددها، وهي ظروف تعزى طبعا لاستمرار هيمنة نظام الدليل الإيجابي لتأرجح شمال أطلسي.

وفي الحالات المطرية القصوى، ينخفض دليل تأرجح شمال المحيط الأطلسي بشكل قياسي، مما يؤثر على حركة الهواء التي تصبح أكثر طولية، مما يجعل الاضطرابات تأخذ مسارات أكثر جنوبية لتتعمق في المغرب. كما ثبت وقوع سنوات ممطرة نسبيا، أثناء تسجيل مؤشر إيجابي في الحقل الضغطي الآصوري، ويعبر هذا عن تدخل ميكانيزمات جوية أخرى، كالمنخفض المتوسطي، والاستعصارات المحلية بفعل تسلل القطرات الهوائية الباردة في الأجواء العليا، وتزحزح المنخفض الآيسلندي أحيانا نحو الجنوب. وأخيرا تتأثر التساقطات المطرية بحوض إيناون بشكل ضعيف، بنظام تأرجح غرب البحر الأبيض المتوسط مقارنة مع تأرجح شمال المحيط الأطلسي. حيث اتضح وجود علاقة بين ذبذبة غرب البحر الأبيض المتوسط وتغيرية التساقطات المطرية بحوض إيناون، إذ توافق حالات الجفاف المناخي الدليل الإيجابي لهذه الذبذبة، في حين الدليل السلبي يوافق التساقطات فوق المعدل.

المراجع

باحو عبد العزيز (2002): الجفاف المناخي بالمغرب: خصائصه وعلاقاته بآليات الدورة الهوائية وأثره على زراعة الحبوب الرئيسية. أطروحة دكتوراه الدولة، كلية الآداب بالمحمدية.

البليشي على (2012): دور الأنظمة البنيوية للحركة الهوائية في التغايرية العامة للتساقطات في المغرب، حالة نظام تأرجح الشمال الأطلسي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية، أعمال المؤتمر الوطني للجغرافيين المغاربة العدد 27.

جناتي إدريسي عبد الحميد (2017): التراجع المطري والموارد المائية بحوض سبو في عالية مشرع بلقصيري. منشورات كلية الاداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، جامعة سيدي محمد ابن عبد الله فاس.

Adjim H., Djedid, A., (2018: ( Drought and water mobilization in semi-arid zone: The example of Hammam boughrara dam (North-West of Algeria, Journal of Water and Land Development. N°37. DOI : 10.2478/jwld-2018-0019 .

Bellichi, A., )2004( :Anomalies et déficit pluviométriques : climatologie de la sécheresse de 1979-1984 dans le Maroc nord occidental. Thèse de doctorat en sciences, Faculté des sciences, Université de Liège.

Bouaicha, R. et Benabdelfadel, A., )2010( : Variabilité et gestion des eaux de surface au Maroc », Sécheresse vol. 21, n° 1e.

Camuffo, D . and Jones, P., )2002: ( Improved Understanding of Past Climatic Variability from Early Daily European Instrumental Sources. Kluwer Academic Publishers: Dordrecht, The Netherlands.

Cazale, H ., )1954( :classification des types de temps au maroc en fonction de l’indice de circulation. Bull,liason et doc. Secret .Gener . aviation civile, France , n° 76 .

Delannoy, H., )1970(: Aspects de la climatologie du Bassin du Sebou. In. Atlas du Bassin du Sebou : Livret explicatif.

Donat, M. G., Peterson, T. C., Brunet, M., King, A. D., Almazroui, M., Kolli R. K., Boucherf, D., Al-Mulla, A. Y., Youssouf Nour, A., Aly, A. A., Nada, T. A. A., Al Dashti, H. A., Salhab, T. G., El Fadli, K. I., Muftah, M. K., Eida, S. D., Badi, W., Driouech, F., El Rhaz, K., Abubaker, M. J. Y., Ghulam, A. S., Sanhouri Erayah, A., Mansour, M. B., Alabdouli, W. O., Al Shekaili, M. N. (2014) :Changes in extreme temperature and precipitation in the Arab region: long-term trends and variability related to ENSO and NAO. International Journal of Climatology 34: doi: 10.1002/joc.3707

Douglas, A., Fortuniak, K., Razuvaev, V. N., Forland, E., Zhai, P.M. (2008) :Changes in the probability of heavy précipitation: important indicators of climate change. Climatic Change 42.

El Jihad, M . D .,(2003) : Les sécheresses saisonnières dans le haut bassin de l’Oum-er-Rbia (Maroc central) : aspects et fréquences. Sècheresse, 14 (3).

Esper, J ., Frank., D., Buntgen, U., Verstege, A ., Luterbacher, J ., et Xoplaki, E .,  (2007) : Long-term drought severity variations in Morocco. Geophysical Research Letters, VOL. 34, L17702, doi:10.1029/2007GL030844 .

Filahi, S ., Mounir, L., Tanarhte,  M., Tramblay, Y., (2015) : tendance et variabilité des evenements extrêmes au maroc. Actes XXVIII eme colloque de l’associations internationales de climatologie ,1-4 juill 2015.liege ,Belgique .

Florian, R., (2017) : Longs épisodes secs hivernaux dans le bassin méditerranéen et conditions atmosphériques associées : variabilité contemporaine et future (1957-2100). Climatologie. Université Bourgogne Franche-Comté, 2017. Français. ffNNT : 2017UBFCK017ff. fftel-01780797ff.

GRISOLLET,H. GUILMET, B et ARLERY, R ; 1973 : ” Climatologie, méthodes et pratiques ” , édi. Gauthier-Villars, Paris, pp.173-174

Hanchane, M., (2017) : variabilité pluviométrique de la cote méditerranéenne marocaine et modes de la circulation atmosphérique a grande échelle. In. acte du xxxème colloque de l’association internationale de climatologie, Sfax 03-06 juillet 20017

Herrera, R.G., Puyol, D.G., Martin, E.H., Presa L.G. et Rodriguez, P.R., (2001): Influence of the North Atlantic Oscillation on the Canary Islands précipitation, Journal of Climate 14(19).

Kapala, A., Machel, H., and Plohn. H., (1998) : Behavior of the centers of action above the Atlantic since 1881. Part II: Associations with regional climate anomalies. Int. J. Climatol., 18.

Khomsi. K., (2014) : Variabilité hydroclimatique dans les bassins versants du bouregreg et du tensift au maroc : moyennes, extrêmes et projections climatique, Thèse pour obtenir le garde de Docteur de l’Université de faculté de science de Rabat.

Knippertz, P., Christoph, M., Speth, P., (2003) : Long-term precipitation variability in Morocco and the link to the large-scale circulation in recent and future climate, Meteorology and Atmospheric physics, Volume 83.

Lamb, P.J. and Peppler R.A., (1991) : West Africa: Teleconnection linking climate anomalies , Cambridge Univer.

 Lamb, P.J., Peppler R.A., (1987) : North Atlantic Oscillation: Concept and an Application. Bull. Americain and Meteorological Society, Vol. 68.

Martin-Vide . J., Lopez-Bustins, J. A., (2004) : The Western Mediterranean Oscillation (WeMO) and its influence in the Eastern Spanish rainfall. A methodological approach. EMS Annual Meeting Abstracts 1: 00166

McKee T.B., Doesken N.J., Kleist J., (1993) : The relationship of drought frequency and duration to time scales, Proceedings of the 8th Conference on Applied Climatology, 17-22 January 1993, Anaheim, California.

Nouaceur, Z., Laignel B. et Turki, I., (2014 ) : changement climatique en Afrique du nord : vers des conditions plus chaudes et plus humides dans le moyen atlas marocain et ses marges , acte de colloque de l’association internationale de climatologie ,Dijon France 2-5 juillet.

Rogers, J.C., (1984) : The association between the North Atlantic Oscillation and the Southern Oscillation in the northern hémisphère. Mon Weather Rev 112.

Singla, S., Mahe, G., Dieulin, C., Driouech, F., Milano, M., El Guelai, F.Z., Ardoin-Bardin, S., (2010) : Évolution des relations pluie débit sur des bassins versants du Maroc. In: Global Change: Facing Risks and Threats to Water Resources (ed. by E. Servat et al.) (Proc. Of the Sixth World FRIEND Conference, Fez, Morocco, October 2010). IAHS Publ. 340.

Tramblay, Y., Badi ,W., Driouech, F., El Adlouni, S., Neppel L., Servat E., (2012) : Climate change impacts on extreme precipitation in Morocco-, Global and Planetary Change, vol. 82-83. DOI : 10.1016/j.gloplacha.2011.12.002.

Tramblay, Y., Badi ,W., Driouech, F., El Adlouni, S., Neppel L., Servat E., (2012) : Climate change impacts on extreme precipitation in Morocco-, Global and Planetary Change, vol. 82-83. DOI : 10.1016/j.gloplacha.2011.12.002.

Walker G.T. et Bliss e.W., (1932) : World Weather V, Mem. Roy. Meteo. Societ. n° 4, London

Walker GT., (1924) : Correlations in seasonal variations of weather IX. Mem Ind Meteor Dept, 24.

Wallace, J.M. and Gutzler, D.S., (1981) : Teleconnections in the Geopotential Height Field during the Northern Hémisphère Winter. Monthly Weather Review, 109.

Xoplaki, E., Gonzàlez-Rouco J.F., Luterbacher, J. et Wanner, H., (2004): Wet season Mediterranean precipitation variability: influence of large-scale dynamics and trends. Clim. Dyn., 23, pp 63-78, doi: 10.1007/s00382-004-0422-0

Zamrane, Z., (2016) : Recherche d’indices de variabilité climatique dans des séries hydroclimatiques au Maroc : identification, positionnement temporel, tendances et liens avec les fluctuations climatiques : cas des grands bassins de la Moulouya, du Sebou et du Tensift. Thèse de doctorat, Université Montpellier.