تخييل الذات والذاكرة الجمعية والهوية في رواية “لا تنسى ما تقول”

أ. د. عثماني الميلود1

1 باحث بالمملكة المغربية

بريد الكتروني: atmani50@yahoo.fr

HNSJ, 2022, 3(1); https://doi.org/10.53796/hnsj318

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/01/2022م تاريخ القبول: 14/12/2021م

المستخلص

تروم هذه المقالة الانطلاق من فرضية أن التخييل الروائي هو الحقل المعرفي الذي يحتمل تجاور كل مدونات التذويت والذاكرة الجمعية والفردية والتاريخ وكل البرامج السردية والخطط التخييلية، أملا في الإحاطة بالعناصر المركبة والهاربة، وكل الجوارات التي تتأبــى الوقوع في فخ التخدير والنسيان. من هذه الناحية تعدّ رواية” لا تنس ما تقول” لشعيب حليفي (2019) امتدادا للمشروع الروائي الذي استهله برواية مساء الشوق (1992) فتخللته مدونات مختلفة (البحث في الرواية والذاكرة والتراث المادي واللامادي) الأمر الذي يجعل تحليل هذه الرواية وتأويلها إطلالات على المتعدد والمضمر والعرفانيّ والوجدانيّ.

تتضمن الرواية حكايات متعددة ومتنوعة، منها ما يتصل بالذات في صيرورتها الدائمة ومجموع التعالقات التي ترسيها الذاكرة الجمعية والثقافية بالواقع والتاريخ.

نروم، في هذه المقالة، تحقيق مجموعة نتائج هي عبارة عن أجوبة على الأسئلة الآتية: كيف يتم تمثيل صورة النشأة والتطور؟ كيف يتم تقديم الآخر، هل بوصفه هوية منفصلة أو هوية متصلة؟ ما الهدف من العودة إلى تاريخ هامشي غير معترف به رسميا؟ لماذا قرر شمس الدين الغناميّ العودة إلى الصالحية وتجسير العلاقات بالأرض والفلاحين والاصدقاء القدامى؟ ما التكلفة النفسية لهذه العودة؟

الكلمات المفتاحية: التخييل، الذات، الذاكرة الجمعية، الذاكرة الثقافية، التاريخ، الإيكولوجيا التخييلية.

Research title

Fictionalization of self, collective memory and identity

In « Don’t forget what you say »

Professor Elmiloud Atmani1

1 Morocco

Email: atmani50@yahoo.fr

HNSJ, 2022, 3(1); https://doi.org/10.53796/hnsj318

Published at 01/01/2022 Accepted at 14/12/2021

Abstract

This article aims to start from the premise that fiction is the field of knowledge that is likely to juxtapose all blogs of subjection, collective and individual memory, history, all narrative programs and fictional plans, in the hope of encompassing complex and fugitive elements, and all neighborhoods that refuse to fall into the trap of anesthesia and forgetfulness. From this point of view, the novel “Do Not Forget What You Say” by Chouib Halifi (2019) is an extension of the novelistic project that began with the novel Evening of Longing (1992), which was interspersed with various blogs (research on the novel, memory, material and immaterial heritage), which makes the analysis and interpretation of this novel views of the multiple and implicit The spiritual and the sentimental.

The novel includes many and varied tales, including those related to the self in its permanent development and the total relationships established by the collective and cultural memory with reality and history.

In this article, we aim to achieve a set of results that are answers to the following questions: How is the image of origin and development represented? How is the other presented, is it a separate identity or a connected identity? What is the point of going back to a marginal history that is not officially recognized? Why did Shams al-Din al-Ghanami decide to return to Salhia and bridge relations with the land, farmers and old friends? What is the psychological cost of this return?

Key Words: fiction, collective memory, cultural memory, History, fictional ecology.

  1. قبل التحليل: عتبة لابد منها

لا يمكن لقارئ رواية” لا تنس ما تقول” لشعيب حليفي، أن يتجاهل أهم عتبات النص، مهما كان ذكاؤه، ليس لأنها تتكرر في كثير من صفحات النص الروائي، ولكن لأنها وردت في أكثر من سياق تواصلي. لا تنس ما تقول، هي دعوة صريحة إلى الكلام، تيمنا بالزمن السردي العربي منذ الليالي والسير الشعبية. تتضمن عتبة العنوان دعوة مباشرة إلى حفظ الذاكرة وجعل التذكر واجبا فرديا وجمعيا لأن الكلام، إنتاجه وتداوله وحفظه في خزائنه المعلومة، هو الطريق إلى صيانة الذاكرة الجمعية، وصون مشتقاتها، الهوية والكرامة ودفع الخذلان والنسيان وكل أصناف التخديرات الخطابية. “لا تنس ما تقول”، هي جزء من هذه الخطابات التخييلية-التمثيلية التي جعلت هدفها اقتصاد النسيان وحسن تدبيره. من هنا نفهم لماذا هناك عناية بجميع أصناف السير والذكريات وتوثيق لكل أشكال الترحل والحرص على بلورة تخييل جغرافي وعناية بأبعاده السوسيو-ثقافية والأنثروبولوجية والإيكولوجية، كونَ الفضاءات والأمكنة لا تنفك تحتفظ بمشاعر الشخصيات وتوقر الحميميات ولا تفتر تكتم الأنفاس على الأسرار. لكن هل يمكن للرواية، بوصفها مدونة سردية تخييلية، أن تحتفظ بالأسرار من أشكال التلصص والتربص؟ لم تكن الرواية يوما، مثل الشعر والألغاز والمحكيات السرية، لتحفظ لسانها الطويل والمتشقق من هواء الحقيقة. نعدّ رواية” لا تنس ما تقول” تعبيرا تذويتيا رفيعا عن الهوية والذاكرة الجمعيتين ودرسا في كيف تصبح الذات معبرا لمرور الآخرين وحضورهم وبروزهم، فتصبح ذاتا متفردة وقد تجمعت فيها ذوات الآخرين تجمعا لا ينشأ سوى من عوالم التخييل وفسحاته اللامنتهية.

  1. بناء حكاية شمس الدين الغناميّ

تحكي الشخصية الرئيسة، شمس الدين الغناميّ، ذكرياتها ومسيراتها المختلفة والمتنوعة بين عدة أمكنة (الصالحية، القلعة الكبرى، طليطلة ولندن). استهلت الرواية بوصف لحظة تأمل وصمت بين الأب سليمان وابنه شمس الدين، واختتمت بلحظة حلم قصير استفاق منه الابن وقد خال ذئبا ينوي شرا بديكه المدلل.

في مستهل الرواية عبَّر السرد عن انسجام تام ما بين الرجلين والجوار البيئي والذاكرة الأصلية.[1]

يسعى الفعل التخييلي، في “لا تنس ما تقول”، إلى إعادة بناء الذات التي حجبها الغياب وأتلفت ملامحها سلطة التاريخ وتاريخ السلطة. ويمثل شمس الدين النواة الصلبة لهذه الذات العابرة للتاريخ على غرار الأساطير. إنه أهم علامة فارقة على الهوية الجمعية للصالحية، بخاصة، وتامسنا، بعامة. تحلى شمس الدين الغنامي، منذ ميعة صباه، بوعي مضاعف بفضل الوسط الأسري المتمثل في الأب سليمان الغنامي والأم “طامو” والوجود والوعي الحاد في الجمع بين الماضي المجيد والحاضر المتطلع. ومن آثار خطاب الوعي مضمونُ الأفعال والممارسات التي ميزت سلوك الأب تجاه ابنه:

” في الليل، عاد سليمان الغنامي، أخذ ابنه خارج البيت ليخبره أنه سيحج معه، بعد غد الخميس، ولمدة ثلاثة أيام يقضيانها في ضيافة رب العالمين، بعيدا عن هذه الدنيا، وأوصاه بكتم السر”[2].

لهذا سيترسخ في ذهن شمس الدين الغناميّ البعد المتعالي، فاستقرت في ذهنه كل معاني الغموض مقترنة بالقداسة، نظرا لهذا التاريخ السحيق الذي انغمست فيه المنطقة منذ القدم. ستتمتن صلة شمس الدين، مع مرور الوقت، مع الصالحية، مكانا وناسا، لتصالح وعيه مع ضرورة الارتباط بها والإخلاص لها. الصالحية، بالنسبة لشمس الدين، هي التمثيل المادي والوجداني والممكن لرؤية العالم واستمراره في الحياة وبها وعبرها، فصار” يعيش زمنين مختلفين يتكاملان في روحه ويحققان له الاطمئنان”[3]. هذا الوجود المضاعف والطَوَفان المريح فوق سحابتين أو زمنين هو ما مكّن شمس الدين من اختراق قلب أستاذته صفاء الزياني، أولا، واختراق هويتها التي وجدت طريقها إلى الصالحية، وكأنها جزء من تاريخها النفسي والأنثروبولوجيّ، يقول السارد:

“استطاع أن يدخل على عقلها حكايات الصالحية فاندمجت، وأصبحت مؤمنة بمدينة صغيرة، سحرها فيما تختزنه داخل قلوب أهلها”[4]،

لكن شمس الدين الغناميّ حينما أحس بالتعارض بين حب صفاء وحب الصالحية، انتصر لحب الثانية، وعاد إليها كي يبقى قريبا منها قرب الحبيب من المحبوب، إن حب صفاء مجرد حب شخص، في حين يسمو حب شمس الدين للصالحية إلى حب مقدس يجب ألا يدنسه أي نوع آخر من الحب، خاصة إذا كان أقل منه أو أدنى[5]. وانطلاقا من هذه اللحظة سيتحول شمس الدين إلى القلب النابض والشمس التي يدور حولها بقية الخلق في الصالحية. إنه نموذج المثقف المغربي الذي شق طريقه مزودا بالعلم، غير أنه لم يتورع عن الرنوِّ إلى أسطورة الأسلاف والرغبة الملحاحة في الارتباط بزمنهم بوصفه زمنا مباركا، أو ما دعاه مرسيا إلياد بالعودة إلى الوراء[6]،حتى عاش عمره وقد سكنته المعرفة والتاريخ وظلال القداسة.

شمس الدين الغنامي هو سليل صالح بن طريف، انتعشت فيه جمرة هذه النبوءة المتأخرة، مما جعل العلم والحدس يتساكنان لديه، فأعلن عن نفسه مما جعل أهل الصالحية يزكون فيه هذه القداسة ويجعلوه حكيمهم يحتكمون إليه كلما طفت الخصومة على صفحة ماء حياتهم. لقد رأت الصالحية، في شمس الدين الغنامي، صالحا (الجديد) ورمز الصلاح. لهذا، مع تعزيز صداقته مع جعفر المسناوي وسعيد الحربيليّ، ستترسخ “ولايته”، فكانت الفرصة سانحة للانغماس في سرد تاريخي سعى فيه شمس الدين إلى المرافعة على تاريخ الصالحية، من خلال إعادة قراءة تاريخها، لأن حاضرها ليس سوى صوتٍ مكتوم لماضيها المجيد، وأفعال حركة متصلة (حل، ترحال، مقاومة…) للحد من النسيان وإغناء للأبعاد الأنثروبولوجية والإيكولوجية في “لا تنس ما تقول”. وبصحبة رفيقيه جعفر وسعيد، لن ينفك شمس الدين أن يرتبط ارتباطا نوستالجيّا بالصالحية، محققا العود الأبديّ إلى المكان والزمان المباركين. من هنا سيصبح شمس الدين مسكونا، على الدوام، بهاجس التذكر ومقاومة النسيان، فقرر أن يشيد ذاكرة جمعية من الذاكرات الاجتماعية لقبائل الصالحية من خلال توثيق الجذور وكتابة تاريخ مضاد بتعبير غابرييل روكهيل[7]:

“- لماذا تحكي لي كل هذا التاريخ الآن. قال سعيد.

  • نحن في زمن بلا مزايا. أذكرك بالحرابلة، ولا تنس ما تقول، لأننا جميعا، في الصالحية، سلالات عاشت نفس التجارب بطرق مختلفة، وعلينا ألا ننسى حتى لا نفقد أرواحنا. قال جعفر”[8].

وفي هذا الكلام، إشارة قوية إلى الطابع المتخيل والسلطوي للتاريخ الرسمي الفاقد لشَرطه الإنساني[9].

يروم شمس الدين الغنامي إلى رواية تاريخه، في جميع صوره، وفي كل معاني انكساراته، وغامر بتسجيل تاريخ فترة من أصعب الفترات، حيث تعرضت ثاني أقوى دولة حكمت المغرب للمحو والنسيان والتهميش، فشمس الدين لم يعد يرغبُ في أن تكون فترة البورغواطيين مجرد حكاية شاحبة ومشوشة، في مدونة التاريخ الرسمي، وطريف بن صالح مجرد صورة بعيدة، قد لا تعني للجموع أي شيء.

إن شمس الدين الغنامي، في رواية” لا تنس ما تقول”، هو مقدس الحاضر، يستمدُّ وضعه الاعتباري من مقدس ماضي جده صالح بن طريف الذي تماهى هو الآخر مع العقيدة الإسلامية، غير أنه لم يعترف به، لهذا السبب كانت القداسة، سواء في الماضي أو الحاضر، أحد أشكال المقاومة السياسية لكل أنواع الغزو. ويشكل هذا الأمر مضمرا ثقافيا لا يفصح شمس الدين ولا السارد ولا بقية الشخصيات عنه، لكنهم يضعون أمام أعيننا أسبابَهُ.

يوظف السارد، في إطار الكتابة عن ذات شمس الدين الغنامي، الميتا-تخييل باعتباره أداة لتصحيح مسار التاريخ الرسمي، وردّ الاعتبار إلى تامسنا، سواء من خلال إدراج الحوار الذي دار بين جعفر المسناوي والقاضي التباع[10] أو الحوار الذي جرى بين جعفر وسعيد الحربيلي[11]، أو من خلال الحالة التي انتابت شمس الدين بعد أن استمع إلى ما حكاه الطاهر السليماني، وإخباره أن جعفر المسناوي أصبح يؤمن أن شمس الدين هو المصطفى في حياة جماعته[12]:

“ارتعش شمس الدين كليا، واعترته هزات، ثم اغرورقت عيناه، فأخفى تأثره وهو صامت يستمع إليهم، تحدثوا بينهم، لساعة أخرى، عن بويا صالح، وكأنه ينصت إلى أحاديث نبيّ ضاع منهم كما ضاعت سيرته وحكمه المتفرقة بين الناس، ولم يستطع جمع إلا اليسير منها والاحتفاظ بالكثير لنفسه، والتي كلما تذكرها، أضحكته وسرّت عليه…”[13].

وهكذا جنّد شمس الدين ذاكرته وخياله لجعل بويا صالح يختفي في روحه بعناية ربانية لا يعلمها إلا هو. ولم يكن يشعر إلا بالفخر، وهو يتذكره ويتخيل حياته، فلم يعد يستطيع أن يعيش حياته، ولو ليوم واحد، دون أن يكون متصلا بالأنوار العليا، يربي في صدره وخياله ذلك التاريخ المشترك الذي همشه المؤرخون وخلفوه يتيما[14].

  1. الذاكرة الجمعية في الصالحية

قبل أن نشرع في تحليل حكاية شمس الدين ورفقائه، يتوجب علينا العودة إلى علاقة الذاكرة بالمكان. فمنذ ألفيْ سنة طرح الفكر القديم قضية القرابة بين الإثنين. من ذلك، نجد أن الإغريق استحدثوا تقنية سموها فن الاستذكار، تقوم على تقوية الذاكرة بنسج روابط بين الأمكنة والصور[15]. تستعين هذه التقنية بالهندسة المعمارية المعاصرة باعتبارها مكانا للذاكرة والصور التي تحيل على صور أخرى. وكلها تفاصيل يجدها الفرد في العمارة التي يقيم بها ويتذكرها عن ظهر قلب. بإمكان أي فرد، إذا ما وظف هذه التقنية، أن يحتفظ بعدد هائل من الصور ويربطها بأفكار ومشاعر وصور. إن الذاكرة والمكان والإحساس هي أمور مترابطة ترابطا شديدا، وإن استدعاء المكان، معناه منح الصور والمشاعر والأحاسيس وجودا. وقد لاحظ بيير نورا في كتابه “أماكن الذاكرة”(1984)[16] أن الصلة بين الذاكرة والمكان قد طبعا بالتغير الجذري؛ فالذاكرة المستمرة المكونة من الطقوس والأشياء التي تحفظها الكنيسة والعائلة والمدرسة لم يعد لها من وجود[17]. ذاكرة الماضي والإحساس بالاستمرار بين الماضي والحاضر توجد الآن في الأماكن، وفي الوثائق على وجه الخصوص. نحن الآن، حسب بيير نورا، نعاين شروق شمس “مجتمعات-الذاكرة” التي تنقل الطقوس والذاكرات والتقاليد. وقد اعتقد نورا أنه من المفيد تمييز الذاكرة من التاريخ[18]، فالذاكرة تمثل رابطا معيشا وحاضرا على الدوام، بينما يشير التاريخ إلى فعل بناء الماضي. ونجد لدى نورا قناعة راسخة بأن المجتمع الفرنسي مثلا، قد أضاع صلاته بالماضي، وأن أماكن الذاكرة (البقايا) هي التي تتكفل، الآن، بنقل الإحساس بالاستمرارية. وبتعبير مختلف، فإن الذاكرة توقفت، وتتوفر مجتمعاتنا الحالية على أمكنة تذكرها بالماضي بدل الذاكرة الحية.

عندما قرر صانع التخييل، في رواية “لا تنس ما تقول”، الانهمام بذاكرة الصالحية (مجاز تامسنا)، كان يحيط علما بمقدار الغبن الذي طال المنطقة من الناحية التاريخية؛ فقد كان متيقنا أن تاريخها قد تمّ تزييفه بكيفية ممنهجة، لكن الذاكرة الجمعية لمجموع الذاكرات الاجتماعية لقبائل تامسنا، تقاوم النسيان، فيضع صانع التخييل، في الرواية، قدما في الحاضر وأخرى في الماضي، دون أن يكلف نفسه إفشاء نواياه وهو يحتفي بالصالحية وملاحمها الأسطورية. ومن هنا تستمدُّ الذاكرة الجمعية، في الصالحية، التاريخ، لأن التاريخ، في آخر الأمر، ليس سوى وجهة نظر فيما جرى من الأحداث، لذلك تنطلق الذاكرة الجمعية، هي الأخرى، من منظور إيديولوجي معين، والغاية تجنب التماهي مع سلطة التاريخ وتاريخ السلطة.

ترتبط الذاكرة الجمعية، في الصالحية، في الغالب الأعم، ارتباطا قويا ومتينا، من الناحية الوجدانية، بمروياتها عن التاريخ؛ مرويات تنتقل من جيل إلى آخر عبر السرد والمشافهة. ومن العتبات الأولى التي تشيد خطاب الذاكرة، عنوان النص الروائي. فمنذ هذه العتبة يُوجَّه القارئ إلى “التذكر المشترك” الذي يدفع الآخر إلى حماية نفسه من النسيان[19]. ونظرا لقوة مرافعة شخصيات الرواية عن أحقيتها في الوجود بزمنيه الماضي والحاضر، نجد أن رفقاء شمس الدين الغنامي، يشيدون تاريخهم المنشود (تاريخ الصالحية وبويا صالح)، ليس اعتمادا على التوثيق التاريخي وصنمية الوثيقة فقط، بل يقرنون ذلك باعتماد الأركيولوجيا الثقافية وما تفيده حفرياتها، لهذا نجد جعفر المسناوي يبذل قصارى جهده في محاججة القاضي التباع لكي يعدل ما استقر في ذهنه من أحكام قبلية حيال كل من شارك في الاحتجاجات، فنجده يعمد إلى المفارقة والسخرية المبطنة والمكر الخطابي لكي يحدث التحول المأمول في ذهن ممثل السلطة القضائية:

“- هل تريد، سيدي القاضي، أن أقول الحقيقة؟ (كان، كعادته، يسعى إلى استدراج القاضي إلى ملعب آخر).

  • الحقيقة هي ما نبحث عنه، عجّلْ.
  • الحقيقة هي تلك الحمرة التي تعلو وجنتيْ سماء الصالحية وملائكتها وروح تلك التي ضاعت تامسنا في روحها. (قال مستعيدا ما كان قد قاله له شمس الدين في آخر حوار لهما).

ارتبك القاضي، ثم استعاد توازنه بسرعة، وقال متهكما:

  • لا أعرف كيف وجدت الشرطة لديك مؤلفات ماركس ولينين وهوشي منه وماو، ووثائق تدعي أنه مصحف جدك صالح بن طريف.
  • (قاطع جعفر القاضي بلباقة) أستسمحك سيدي القاضي. هذه هي الحمرة التي أتحدث عنها، هي في كون جدي صالح قد سبق من ذكرت، وربما كان أسمى من بوذا”[20].

فقد كان أمل جعفر المسناوي، وبقية رفقائه، في نهاية المطاف، أن يكتب فقط ما أحسّ به وليس ما رواه المؤرخون[21].

تمثل الدولة البورغواطية مضمرا ثقافيا لا يفصح عنه صانع التخييل، في “لا تنس ما تقول”، بكيفية مباشرة، غير أن ظلالهم ترخي على الرواية ككل. تشير الرواية، كما قلنا سلفا، إلى صالح بن طريف ونبوءته وحضارته التي بسطت نفوذها لما يزيد عن ثلاثة قرون، لهذا السبب أخذت الرواية صيغة تاريخ مضاد بالمعنى الذي حدده غابرييل روكهيل في مؤلفه المركزي “التاريخ المضاد للزمن الحاضر”[22]، وفيه تتم دعوة القارئ إلى إعادة النظر في المصطلحات والمفاهيم الموظفة في حقل التاريخ، مذكرا أن اللغة، في عصرنا الحاضر، مرتبطة، في غالب الأحوال، بالإيديولوجيات. والتاريخ، في نظر روكهيل، يستند إلى مراحل من “اللاانسجام الزمني التاريخي” و”جغرافيات الزمن الراهن” و”طبقات من الممارسات الاجتماعية”[23] ممثلة، في “لا تنس ما تقول”، في جماعتين متناقضتين؛ جماعة شمس الدين الغنامي وجماعة القاضي التباع والحاج الحبحاب. ومن أجل الوقوف في وجه تاريخ السلطة، يتمّ اللجوء إلى ما سماه روكهيل ب ” المتخيل السياسي”[24] بوصفه خالق المفاهيم الموجهة للعالم. والمتخيل السياسي، لدى روكهيل، مختلف كل الاختلاف عن مفهوم الإيديولوجيا، لأنه من صياغة المجتمع متضمن للقيم والعواطف والمفاهيم، مستبعد للأمور المزيفة والوهمية. إن المتخيل السياسي يتجاوز هذا التعارض بين السذاجة والواقع وفق جدلية تميز العالم الاجتماعي[25]. يتأسس المتخيل السياسي لجماعة” القتلة” في المراقبة فالملاحظة ثم المشاركة من أجل ألّا يستفرد أحد باتخاذ القرار النضالي، أما الجماعة المصغرة ممثلة في شمس الدين وجعفر المسناوي وسعيد الحربيلي فتصوغ متخيلها السياسي اعتمادا على قيم مجتمع الصالحية التي يمتزج فيها التاريخي بالأسطوري بالعرفاني دون إحساس بالتعارض لأن الأهم هو تمجيد الأشياء والخطابات والقيم والمفاهيم الخاصة المستمدة من ماضي بويا صالح.

لا تتوخى “لا تنس ما تقول”، اتخاذ موقف جذريّ من التاريخ الرسمي فقط، وهو موقف إيديولوجي بطبيعة الحال، بل تدعو إلى إرساء ما سماه روكهيل بــ “رسم خريطة طوبوغرافية معقدة”[26] تحول دون انتساب المزيفين وأبنائهم شأن رئيس الجماعة ابن الحاج الحبحاب. التاريخ الرسمي الذي تعارضه جماعة شمس الدين، تاريخ مشيد على التبسيط المسيء، ويتغاضى عن تبني نظرة شاملة تأخذ في الاعتبار الواقع وظواهره المتغيرة، لذلك لا يمكن أن يكون التاريخ الرسمي سوى متخيل سلطوي، ومن هنا تستمد الذاكرة الجمعية صفة تجاوز التاريخ، لأنه، في آخر المطاف، قراءة مجردة، موجهة ووجهة نظر في الذي حصل، لذلك لا يعدو أن يكون مجرد سردية كبرى تتبنى منظورا إيديولوجيا الهدف منه التناغم والتماهي مع السلطة. وهنا تقوم الحاجة إلى مراجعته قصد تفكيك خطابه وتعطيل مقاصده. يمكن أن نعتبر شمس الدين الغنامي وجعفر المسناوي وسعيد الحربيليّ بمثابة مراجعي التاريخ الرسمي وبناة تاريخ مضاد؛ فقد خرجت إلى الوجود مجموعات بحثية دعت نفسها بـــ” المراجعون”، أي أولئك الذين لم يقبلوا التاريخ الرسمي الذي وصلنا كما هو، وقرروا البحث في الحقائق والتفاصيل بغاية تصحيحها. وبالتالي، فإن المجموعتين المشار إليهما، قد حولتا الرواية (بما هي ملحمة لجماعة واقعية) إلى فن سردي، توثيقي، تخييلي، مواز للحقيقة وربما مجاور لها. تتحول رواية “لا تنس ما تقول” إلى تاريخ للجماعات المشار إليها بتقديمها خدمة جمالية.

  1. التاريخ بوصفه خدمة جمالية

يشبه فن بناء الرواية فن بناء القبة التي اختار سعيد الحربيلي موادها وسهر على تشييدها تحت عين الفنان. والرواية صنعة النجار الفنان الذي يذهب إلى الغابة، فيجد فيها أخشابا مقطوعة وغير مقطوعة، فيشتغل عليها السارد محولا إياها إلى تحف فنية مدهشة، تنسي القارئ ما هو أساسها، غير أنها تبقى، من حيث الجوهر، خشبا من تلك الغابة، التي سماها جورج لوكاتش تاريخا[27]؛ فقد تكون الرواية تاريخا شخصيا كما في رواية “العطر” لباتريك زوسكيند[28]، أو تاريخا أسريا كما في ثلاثية نجيب محفوظ أو ثلاثية خيري الذهبي “التحولات”[29]، أو تاريخ مدينة “إسطنبول” لأورهان باموق[30]، أو تاريخا كونيا كما فعل بلزاك، أو تاريخا افتراضيا كما في رواية “عالم جديد شجاع” لألدوس هكسيلي[31]، أو عالما نحنُّ إليه جميعا، كما في رواية ” نحنُ” ليفغيني زامياتين[32]. ورواية “لا تنس ما تقول” ليست بدعة بين هذه الروايات.

هذه الرواية، كما أكدنا سلفا، فعل مضاد للتاريخ، يكتبه ثلاثة مراجعين جدد (شمس الدين الغنامي، جعفر المسناوي، سعيد الحربيلي)، ومثلهم كثير، منتشرون في أصقاع الأرض، ممن يرغبون في أن يسردوا رواياتهم التي نبذها التاريخ الرسمي وحقرها، ولم يقر بوجودها[33]. فقد سعى السارد إلى عرض حكايات شمس الدين المختلفة (مرحلة النشأة والتكون، مرحلة الرحلة والبحث عن عوالم بديلة، مرحلة العودة والانخراط في نداءات التاريخ والذاكرة) في فضاءات متنوعة (الصالحية، القبة الصغرى، القبة الكبرى، طليطلة، باريس…)، وتمجيد حب الصالحية وحكايات غرامية مختلفة (حكاية الوعدودي وريما الحمرية، مثلا)[34] وحب الأرض وحب الأسرة والقبيلة والبيئة والرفاق، بل فتح باب السرد ليقتحمه كل من يشكون في التاريخ ويعتبرونه نهر زور. فقال هؤلاء جميعهم التاريخ الذي لم تقله كتب التاريخ، تاريخ المنتصرين، بل رووا لنا تاريخهم في جميع أحواله، وفي كل انكساراته، وسجلوا لنا وللحاضر تاريخ فترة من أصعب فترات التاريخ المغربي (مأساة البورغواطيين). ونظرا لهذا الوعي المتجذر سينتقل المراجعون الثلاثة، وعلى رأسهم جعفر المسناوي إلى رواية حكاية سلالتهم في رحلاتها السبع:

“كان حديثهم كالعادة حول الصالحية والقبة وضيعة الحبحاب قبل أن يقطع جعفر المسناوي الحوار وهو يقول لسعيد الحربيلي بأن اللحظة حانت ليروي له، كما وعده حكاية سلالته في رحلاتها السبع خلال ثمانية قرون جزاء إبداعه في بناء القبة”[35].

فانتقل شمس الدين ورفقاؤه من مرحلة الحماس والنقاش عن سر الصالحية وأهلها، الأمر الذي دفعهم إلى البحث في بطون كتب التاريخ “فوجدوا ما وثّق ارتباطهم بمساحة خيال لا محدود، ملأ وجدانهم ولم يترك فيه مكانا لشيء آخر”[36]. ومن هنا ندرك الطفرة التي ميزت، منذ بداية الألفية الثالثة، التخييل التاريخي المغربي؛ إذْ لم يعد هذا التخييل ابتكارا لأشكال فنية وحيل جمالية، بل تجاوزها ليحدث نقلات تتصل برهانات المعرفة الروائية (نقل الذاكرة الجمعية، ترميز وحدة الثقافة، تخييل الأحداث العظام، إدماج كل التوترات والتناقضات) ضدا على الواحدية والهوية المفروضة. ونظرا لما يملكه التخييل التاريخي من قدرات على التحبيك وتشييد العوالم التخييلية، فقد صارت حبكة هذا النوع من التخييل انتصارا على النشاز الذي يميز الزمن، فتمكن، بالتالي، من لمّ تبايناته ومفارقاته من خلال التصورات التي أرساها كل من بول ريكور وهايدن وايت. صار الماضي حاضرا والوعد قابلا للتحقق “الحرابلة قادمون”[37]،”وعد قديم”[38] وأمكن انتظار” عودة الطيور”[39]وصارت” الجملة الأخيرة هي الأولى”[40]، و”لا تسبح الصالحية في خط واحد، هكذا هي مصائر أهلها”[41]. بهذا الدفق القوي والمتتالي للمعرفة بتاريخ بويا صالح، حصلت تحولات كبيرة على مرايا النفوس والقناعات والخلاصات:

  • “ذاب الزمن في بياض الفجر الذي تململ من شوقه ورمى بكل شيء خلفه، حتى يستطيع التخلص من الليالي الميتة، ويمنح الآتي روحا متجددة وخالدة، قريبة من الحقائق التي لا يراها الراؤون”[42]؛
  • “من لا تاريخ له، لن يخطو نحو المستقبل، بشكل طبيعي، ومن لا ذاكرة له لن يستطيع التحديث في الشمس، أما الخيول الرابضة في دروب مجهولة بالغابة وبالسماء فهي في الانتظار”[43]؛
  • “يقول جعفر المسناوي مخاطبا أحمد الكردان: لا أستطيع يا أحمد الكردان أن أكتب إلا تاريخ بويا صالح، أما باقي التواريخ فهي زور وبهتان”[44].

وستكتمل هذه الفرحة بما أخبر جعفر المسناوي رفقاءه به وقد اجتمعوا في بيت الطاهر السليماني؛ فقد جاء متأخرا ليخبرهم بأنه تم العثور على ثلاثة أمكنة، من سبعة، كان يقيم بها صالح بن طريف:

” أظن أني عثرتُ أخيرا على ثلاثة أمكنة، من سبعة، كان يسكنها صالح بن طريف بتامسنا. أنا متأكد”[45].

  1. بحثا عن هوية هاربة

تمثل الهوية أهم أسئلة رواية “لا تنس ما تقول”، وهي هوية” قلقة”، تشكل السلطة، بالنسبة إليها، مصدر قلق وإزعاج وتهديد. وهكذا تحاول هذه الهوية القلقة الهاربة توقير المسافة بينهما فتغيب، بشكل ملحوظ، الهوية الوطنية لتحل محلها الهوية القبلية[46]، وهي هوية لا تشترط الانتماء إلى المكان فقط، بل تشترط، بالإضافة إلى ذلك، الانتماء إلى التاريخ. وهنا نلاحظ أن جل شخصيات” لا تنس ما تقول” تكشف عن حالات انتشاء بالسلالة، مما يمنع الآخرين من الانتماء هوياتيا للصالحية، لذلك سخر رفقاء شمس الدين من رئيس المجلس البلدي وهو يحاول تزييف التاريخ[47] كتابة ماضي عائلته وتلميعه:

“لم يدهش جعفر والباقي مما سمعوه، فهم يعرفون أصول وتفاصيل آل الكردان الغارقة في الدم والسرقة، وإن هذا الكتاب هو صحوة كاذبة لطمس الحقائق بافتراءات لا تصمد”[48].

تتفرد الهوية، في “لا تنس ما تقول”، بالانغلاق وعدم التأقلم، على النقيض مما تمناه جاك بيرك (1953) [49]بوضعه مفهوم القبيلة بين قوسين تمييزا منه بين طرحه الخاص والرأي الذي ما “يزال سائدا في عصر تلاشي الهيمنة الاستعمارية الذي يجرد سكان شمال إفريقيا الأصليين من هوياتهم الاجتماعية المعقدة”[50].

ليس شعيب حليفي أول روائي عربي يتحدث عن التشابهات العائلية كاشفا عن قوتها، معتبرا إياها ولاءات شخصية وجماعية وبديلا لاختزالات العمل السياسي[51]. هناك روائيون عرب آخرون شأن غالب هلسا، في “زنوج وبدو وفلاحون”، ومحمود شقير في”فرس العائلة” وحمدي أبو جليل في “الفاعل”، ويوسف لمحيميد في “فخاخ الرائحة”، (مع إشارات خفيفة إلى عبد الرحمن منيف وإبراهيم الكوني وميرال الطحاوي) سعوا إلى بناء صورة الشخصية البدوية وقيمها الأخلاقية وسلوكاتها الواقعية ونوعية نظرتها إلى الفضاء الصحراوي الذي يعده البدويّ خلاصا له مما يمكن أن يفسد نفسه وأهليه وقيمه[52]. من الأمور المثيرة للانتباه، في رواية ” لا تنس ما تقول” أن جماعة شمس الدين الغناميّ المكونة أصلا من جعفر المسناوي وسعيد الحربيلي، ترتبط بالهوية القبلية ارتباطا شديدا من حيث أحلامها ومشاريعها وآفاق عملها واستقرارها. ونستطيع أن نؤكد بأن المجموعة القبلية ممثلة في هؤلاء الرموز، تنتظم حول الأملاك المشتركة (الأرض، العقارات، المكاتب، الضيعات، المقاهي، الخ) وتخضع لتنظيمات جماعية لاتخاذ القرار وتمنح البعد العملي أولوية قصوى حيث تنتقل المجموعة من مجرد التفكير في التاريخ المشترك إلى الاستدلال عليه، ومن الإيمان بخلوة بويا صالح إلى بناء القبة. وفي المقابل يتم إقصاء كل من لا ينتمي إلى إحدى السلالات السبع (مثال أحمد الكردان) من الحياة السياسية والثقافية. فرغم أن أحمد الكردان أقام مع أبيه، في الصالحية، مدة كبيرة غير أن ذلك لم يشفع له في أن يعد من المجموعة القبلية كما نجد شمس الدين الغنامي يعود، على الدوام، إلى قبيلته لأنه يدرك أن الانتماء للهوية القبلية يستلزم واجبات وإثباتات وتماثلات حتى لا تصير هويته القبلية، كما يؤكد ذلك حسن رشيق، هوية رخوة[53]. ويرتبط سكان الصالحية بعلاقات أبوية صريحة ومباشرة (بويا صالح، خلوة شمس الدين صحبة أبيه) وهم مقتنعون بأنهم مترابطون بعلاقة أبوية كناية عن وحدة الأصل، موظفين استعارات الشكل الاجتماعي التي تفيدها رموز الدم وأجزاء الشجرة (شجرة القبيلة). ولوْلا هذا المعطى لكان المعطي قد قتل شمس الدين أو آذاه إذاية بليغة[54]. وعلى النقيض من سكان القبائل الأخرى الذين يجهلون أصولهم لكونهم يحيلون على كبار السن لأنهم من يعرفون أنواع القرابات وشكلها وطبيعتها، فإننا نلاحظ، في “لا تنس ما تقول”، أن الرفقاء الثلاثة (شمس الدين وجعفر المسناوي وسعيد الحربيلي) قرروا أن يستدلوا على أصولهم المشتركة انطلاقا من المعرفة (الوثائق، كتب التاريخ) والأسطورة والإحساس[55].

  • خاتمة:

ثلاث قضايا جوهرية طرحتها الرواية المغربية، من خلال تاريخها القصير، على غرار كثير من المدونات التخييلية العربية؛ التخلص من السياق التاريخي الكولونياليّ، والانفتاح على الذات في تشابكاتها الخالصة والمجتمعية والتخييل التاريخي بما هو تشييد للحكاية السردية على أحداث ووقائع تاريخية. ورواية “لا تنس ما تقول” سعت إلى ضم هذه القضايا والاستراتيجيات من أجل إقامة عوالم تخييلية خالصة. وقد سعينا، من خلال هذه المقالة النقدية، إلى تحليل العناصر الآتية: بناء شخصية شمس الدين الغنامي؛ والذاكرة الجمعية؛ والتاريخ بوصفه خدمة جمالية، والبحث عن هوية هاربة (الزمن الضائع) وخلصنا إلى أن صانع التخييل الروائي، في ” لا تنس ما تقول” يفترض أن ذات شمس الدين ليست مجرد معادل لما هو فردي وخاص وإنما هي تمثيل مجازي لكل الآخرين المؤمنين بماضي الصالحية وحاضرها ومستقبلها، لهذا نجد اشتغال هذا الصانع على الذاكرة الجمعية باعتبارها الطريقة الوحيدة التي تتذكر بها مختلف سلالات الصالحية تاريخها وأمكنة هذه الذاكرة وكل ما تأثرت به اجتماعيا وسياسيا، ومختلف الطرائق التي رسم بها التاريخ أو تم نقله وتغييره، كل ذلك من أجل صياغة تاريخ مضاد لم توله التواريخ الرسمية عنايتها، مع جعل هذا التاريخ في خدمة التخييل ومختلف وظائفه الجمالية. وقد اختتمنا كل ذلك بالإشارة إلى أن الهوية المنشودة، في الرواية، هي هوية هاربة ما تزال في طور التصور والإنشاء نظرا لعدة اعتبارات منها تعارضها مع الهوية الوطنية.

  • المراجع:

حسن رشيق (2010)، “الهوية الناعمة والهوية الخشنة”، ترجمة أحمد يعلاوي، مجلة إنسانيات”، العدد المزدوج 47-48، صص.41-55.

  1. ديل إيكلمان (2017)،” الانتماء القبلي في وقتنا الراهن: التداعيات والتحولات”، مجلة عمران، العدد 19، شتاء 2017، صص 57-68.
  2. ربيع محمود ربيع (2019)، القبيلة والنص: تحولات البداوة في الرواية العربية، وزارة الثقافة، عمان-الأردن.
  3. زوهير، سوكاح (1998)،” الهوية بين الكتابة التاريخية والذاكرة الجمعية نحو نموذج ذاكراتي فلسطيني”، مجلة رؤى تربوية، العدد 27.
  4. زوهير، سوكاح (2020)،” حقل دراسات الذاكرة في العلوم الإنسانية والاجتماعية: حضور غربي وقصور عربي”، مجلة أسطور، العدد 11(كانون الثاني/يناير).
  5. عبد الأحد السبتي (2012)، التاريخ والذاكرة، أوراش في تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب
  6. عبد الله الحمودي (2017)، ” الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية: خطوة في طريق تأسيس خطاب أنثروبولوجي مستقل”، ترجمة من الفرنسية المولدي الأحمر، مجلة عمران، العدد 19/ 5، شتاء 2017.
  7. عبد العزيز الطاهري (2017)، الذاكرة والتاريخ: المغرب خلال الفترة الاستعمارية (1912-1956)، دار أبي رقراق، ط1، الرباط، المغرب.
  8. محمد حبيدة (2015)، بؤس التاريخ، مراجعات ومقاربات، دار الأمان، ط1، الرباط، المغرب.
  9. مرقومة، منصور (2015)، القبيلة والمجتمع في المغرب العربي: مقاربة أنثروبولوجية، ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، ط1
  10. موريس هالبفاكس (2016)، الذاكرة الجمعية، ترجمة نسرين الزهر، بيت المواطن للنشر والتوزيع، ط1، دمشق-سوريا.
  11. ندوة التاريخ والذاكرة (2001)، منشورة في العدد 01، مجلة البحث التاريخي، 2003.
  12. Arendt, H, (1988), La condition de l’homme moderne, Paris, Pocket.
  13. Frances, A. Yates (1966), The Art of memory ; Routledge and Kegan Paul, London
  14. Gabriel, Rockhill (2017), Contre-histoire du temps présent, Interrogations intempestives sur la mondialisation, la technologie, la démocratie, paris, CNRS Editions
  15. Gabriel, Rockhill, (2005), Logique de l’Histoire : la pensée contemporaine aux prises avec le passé https://www.theses.fr/2005PA082513
  16. Jacques Berque, « Qu’est-ce qu’une « tribu » nord-africaine », dans J. Berque, Maghreb, histoire et sociétés, sociologie nouvelle. Situations p.7 (Gembloux : Duculot ; Alger : Société nationale d’éditions et de diffusion (S.N.E.D), (1974), pp. 22-47 (origine. 1954), et Ernest Renan, Qu’est-ce qu’une nation ? : Conférence faite en Sorbonne, le 11 Mars 1882, (Paris : Calmann-Lévy, 1882).
  17. Mircea, Eliade (1982), Le sacré et le profane, Paris, Gallimard.
  18. Pierre, Nora (1984), Les lieux de mémoire, 4 vols, Paris.

الهوامش:

  1. شعيب حليفي (2021)، لا تنس ما تقول، ط4، منشورات القلم المغربي، الدار البيضاء، المغرب، ص.10.
  2. الرواية، ص.19
  3. نفسه، ص11.
  4. الرواية، ص.28
  5. كتب شمس الدين إلى صديقه جعفر المسناوي من طليطلة حيث كان يتابع دراسته صحبة صفاء الزياني، قائلا:” أنا أحبها ولا أستطيع فراقها، لكن الصالحية وبا الغنامي ومي طامو وصية ربانية في عنقي. لذلك، وبدون تفكير، قلت لها: لكل بداية نهاية[…]سأتحمل دموعها وغضبها، لكنني لن أستطيع تحمل غضب ذرة واحدة من تراب الصالحية. أتعرف أمرا لعلك تفكر فيه مثلي، إذا كان الله ربنا العظيم يراقبنا جميعا في هذا الكون، فإن جدنا صالح يراقبني أنا وأنت بأمر من ربنا” ص.30
  6. إن علاج الإنسان من ألم الوجود في الزمن، هو ما دفع صوفية الهنود إلى حرق آخر جرثومة من جراثيم المستقبل في إطار دورة قائمة على الكارما التي تخلص الكائن من سجن الزمن. ميرسيا إلياد(1982) :

    Le sacré et le profane, Paris, Gallimard, pp.21, 23, 24.

  7. هو فيلسوف وناقد ثقافي ومنظر سياسي. من مؤلفاته: تاريخ مضاد للحاضر (2017)، تدخلات الفكر المعاصر (2016)، التاريخ الراديكالي وسياسة الفن (2014). من أجل مزيد من التوضيحات نحيل القارئ على أطروحته:

    Logique de l’Histoire : la pensée contemporaine aux prises avec le passé

    تحت إشراف ألان باديو، نوقشت سنة 2005:

    https://www.theses.fr/2005PA082513

    تمت زيارتها بتاريخ 12 دجنبر 2021

  8. الرواية، ص.94.
  9. وهنا نجد صانع التخييل، في “لا تنس ما تقول”، ينظر في نسيان الماهية السياسية للصالحي بدل نسيان الوجود بمعناه الهيدجري. وبذلك يدعو إلى الانتقال من حقل الميتافيزيقا إلى حقل السياسة:

    Arendt, H, (1988), La condition de l’homme moderne, Paris, Pocket, p.42-44.

  10. الرواية، صص.26-27.
  11. الرواية، ص.94
  12. الرواية، ص.118
  13. الرواية، ص.119
  14. الرواية، ص.118
  15. Frances, A. Yates (1966), The Art of memory ; Routledge and Kegan Paul, London

    كما يمكن العودة الى دراسة زوهير سوكاح لمعرفة سياقات نشأة مفهوم الذاكرة الجمعية وتشكله وتحليه بالطابع الإشكالي:

    زهير، سوكاح (2020)،” حقل دراسات الذاكرة في العلوم الإنسانية والاجتماعية: حضور غربي وقصور عربي”، مجلة أسطور، العدد 11(كانون الثاني/يناير)، ومدلول الهوية بين الكتابة التاريخية والذاكرة الجمعية في دراسته:

    زهير، سوكاح (1998)،” الهوية بين الكتابة التاريخية والذاكرة الجمعية نحو نموذج ذاكراتي فلسطيني”، مجلة رؤى تربوية، العدد 27.

  16. Pierre Nora (c1984, c1986), Les lieux de mémoire, 4 Vols, Paris
  17. ندوة التاريخ والذاكرة (2001)، منشورة في العدد 01، مجلة البحث التاريخي، 2003.

    – عبد الأحد السبتي (2012)، التاريخ والذاكرة، أوراش في تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب.

    – محمد حبيدة (2015)، بؤس التاريخ، مراجعات ومقاربات، دار الأمان، ط1، الرباط، المغرب.

    – عبد العزيز الطاهري (2017)، الذاكرة والتاريخ: المغرب خلال الفترة الاستعمارية (1912-1956)، دار أبي رقراق، ط1، الرباط، المغرب.

  18. يشير هالبفاكس في كتابه “الذاكرة الجمعية” إلى ما يلي:” لذلك يمكن لنا ربط مختلف مراحل حياتنا بالأحداث الوطنية”، ص.40
  19. الرواية، ص.119.
  20. الرواية، صص.26-27
  21. الرواية، ص.154
  22. Gabriel Rockhill (2017), Contre-histoire du temps présent, Interrogations intempestives sur la mondialisation, la technologie, la démocratie, Paris, CNRS Editions,
  23. نفسه، ص.28
  24. نفسه، ص.30
  25. نفسه، صص.34، 76، 56، 102
  26. نفسه، ص.77
  27. إذا كانت الملحمة تعبير عن وحدة الذات والموضوع، والتراجيديا تعبير عما يجب أن تكونه الأشياء (ردم القطيعة بين الذات والموضوع)، فإن الرواية هي الشكل الجدلي الذي يتوسط الجنسين السالفين، ويجمع بين الوحدة والموضوع، لكنها تبقى، في نظر لوكاتش، الشكل الملائم للتجزيء والتشظي ونتائج الاستلاب داخل المجتمع البورجوازي بغية تشييد جزئية تمكن البطل الروائي الإشكالي من أن يتعرف ذاته، عن:

    باختين، ميخائيل (1987)، الخطاب الروائي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، ص.11

  28. باتريك زوسكيند (2007)، العطر، قصة قاتل، ترجمة د. نبيل الحفار، منشورات المدى، ط4، دمشق-سوريا.
  29. خيري الذهبي (1996، 1997، 1998)، التحولات (ثلاثية)، منشورات مشرق-مغرب، دمشق-سوريا.
  30. أورهان باموق (2010)، إسطنبول الذكريات والمدينة، ترجمة دكتورة أماني توما وعبد المقصود عبد الكريم، الهيئة المصرية للكتاب، ط1، القاهرة-مصر.
  31. ألدوس هكسلي (2016)، عالم جديد شجاع، ترجمة مروة سامي، عالم الأدب والبرمجيات والنشر والتوزيع، ط1، القاهرة- مصر
  32. يفغيني زامياتين (2016)، نحْنُ، ترجمة يوسف حلاق، أثر، ط1، المملكة العربية السعودية.
  33. مثل هذا الصنيع التخييلي هو ما قام به معلم سرد روسي، داخل مجتمع سوفياتي مفبرك. ففي الوقت الذي كانت فيه السلطة تهيمن على المجتمع وتحرمه من حرية التعبير، كان ميخائيل بولغاكوف يسرد رواية” المعلم ومارغريتا” بوصفها تاريخا مضادا مشفرا ومرمزا، كي يعبر، بشكل خفي، أمام آليات الرقابة والمصادرة والاعتقال. استطاع بولغاكوف من قول كل شيء في تلك الرواية؛ جيله ومشاكله المزمنة، وضعه الحالي، وضعية الكنيسة وقضايا الإيمان والشيوعية:

    ميخائيل بولغاكوف (2015)، المعلم ومرغريتا، ترجمة هڤال يوسف، منشورات الجمل، ط1، بيروت-بغداد

  34. الرواية، ص.157
  35. الرواية، ص.78
  36. الرواية، ص.22
  37. الرواية، ص.72
  38. الرواية، ص.113
  39. الرواية، 92
  40. الرواية، ص.141
  41. الرواية، ص41
  42. الرواية، ص.175
  43. الرواية، ص.172
  44. الرواية، 143
  45. الرواية، ص.118
  46. يقوم هذا الاعتقاد على أساس فكرة ابن خلدون المتعلقة بالعصبية. أما أصل القبائل فقائم هو الآخر على فكرة تداخل المجموعات وفق تفسير جاك بيرك لفكرة ابن خلدون الذي فسره بهيمنة ما اصطلح عليه ب “الأسطورة المفسرة” أكثر من الحقيقة الملاحظة:

    نقلا عن:

    مرقومة، منصور (2015)، القبيلة والمجتمع في المغرب العربي: مقاربة أنثروبولوجية، ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية ناشرون، ط1، صص7-15

    والهوية القبلية، بالنسبة إلى مقالتنا، هي الشعور بالانتماء إلى القبيلة وشيوع التضامن الجماعي. ولا أوظفها نقيضا لأي مفهوم آخر (الهوية الوطنية، المدينة، الدولة).

    ونحن نتبنى تعريفا أنثروبولوجيا صاغه غودليي حيث اعتبرها ” شكلا من أشكال المجتمع، يتكون عندما يتحد ويتضامن رجال ونساء يعتبرون أنفسهم أقرباء- على أساس حقيقي أو افتراضي- عبر التناسل أو المصاهرة، من أجل السيطرة على مجال ترابيّ محدد، وتملك موارده التي يستغلونها بصفة مشتركة أو خاصة، مع الاستعداد للدفاع عنها بالسلاح. والقبيلة تحمل دائما اسما خاصا تعرف به”:

    نقلا عن عبد الله الحمودي (2017)،” الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية: خطوة في طريق تأسيس خطاب أنثروبولوجي مستقل”، ترجمة من الفرنسية المولدي الأحمر، مجلة عمران، العدد 19/ 5، شتاء 2017، ص.08.

  47. وبالفعل، أصدر أحمد الكردان، سيرة من ثلاثة أجزاء؛ خصص الجزء الأول لأجداده ممن هاجروا من الأندلس، والجزء الثاني عن بطولات والده في الفترة الاستعمارية، أما الجزء الثالث فركز على أحمد الكردان بوصفه الابن الوحيد، الناجح في حياته (الرواية، صص.142-143)
  48. الرواية، ص.143
  49. Jacques Berque, « Qu’est-ce qu’une « tribu » nord-africaine », dans J. Berque, Maghreb, histoire et sociétés, sociologie nouvelle. Situations p.7 (Gembloux : Duculot ; Alger : Societé nationale d’editions et de diffusion (S.N.E.D), (1974), pp. 22-47 (origin. 1954), et Ernest Renan, Qu’est-ce qu’une nation ? : Conférence faite en Sorbonne, le 11 Mars 1882, (Paris : Calman-Lévy, 1882).
  50. ديل إيكلمان (2017)،” الانتماء القبلي في وقتنا الراهن: التداعيات والتحولات”، مجلة عمران، العدد 19/5، شتاء 2017، ص.58.
  51. “…فسكان القبائل المغربية، على سبيل المثال، يشرحونه [مفهوم التشابهات العائلية]، لدى مناقشتهم تصورهم عن القبيلة، بطرق مختلفة، بحسب الجيل الذي ينتمون إليه وبحسب وضعهم الاجتماعي. والأفراد الذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية والسياسية المهيمنة غالبا ما يشرحون الإيديولوجيات القبلية بطرق معقدة، ويستخدمونها أداة لتقوية التحالفات السياسية مع المنتمين إلى المجموعات القبلية الأخرى، وأيضا لتعزيز مواقفهم تجاه السلطات الحكومية”، نفسه، ص.62
  52. ربيع محمود ربيع (2019)، القبيلة والنص: تحولات البداوة في الرواية العربية، وزارة الثقافة، عمان-الأردن.
  53. “…تكون المرجعية إلى الهوية[القبلية] رخوة والأشخاص المعنيون بها يستعلونها بوصفها نظاما تصنيفيا ونادرا ما تصبح مصدرا أو مرجعية لتسوية المسائل الخصوصية (اقتراض، زواج، تبادل، خدمات، ألخ.). وعندما يتعلق الأمر بالأفكار، فإن هذه الهويات الجماعية تختزل، واقعيا، في جرد السمات الثقافية والقوالب النمطية”:

    حسن رشيق (2010)، “الهوية الناعمة والهوية الخشنة”، ترجمة أحمد يعلاوي، مجلة إنسانيات”، العدد المزدوج 47-48، صص.41-55.

  54. الرواية، ص. 124:”…صرخ[المعطي] في وجه الرداد بصوت مرعد: – لماذا لم تقل لي بأن صاحبك، هذا، هو ابن بويا الغنامي؟”
  55. ” أكتبُ فقط ما أحسّ به وليس ما رواه المؤرخون. سأكتب بقوة، وما تاه عني سأراه فيك أنت، ألستَ الحفيد الوحيد المتبقي؟”، جعفر المسناوي، الرواية، ص.157

    • المصادر:
    1. شعيب حليفي (2021)، لا تنس ما تقول، ط4، منشورات القلم المغربي، الدار البيضاء، المغرب.
    2. ألدوس هكسلي (2016)، عالم جديد شجاع، ترجمة مروة سامي، عالم الأدب والبرمجيات والنشر والتوزيع، ط1، القاهرة- مصر
    3. أورهان باموق (2010)، إسطنبول الذكريات والمدينة، ترجمة دكتورة أماني توما وعبد المقصود عبد الكريم، الهيئة المصرية للكتاب، ط1، القاهرة-مصر.
    4. باتريك زوسكيند (2007)، العطر، قصة قاتل، ترجمة د. نبيل الحفار، منشورات المدى، ط4، دمشق-سوريا.
    5. خيري الذهبي (1996، 1997، 1998)، التحولات (ثلاثية)، منشورات مشرق-مغرب، دمشق-سوريا.
    6. ميخائيل بولغاكوف (2015)، المعلم ومرغريتا، ترجمة هڤال يوسف، منشورات الجمل، ط1، بيروت-بغداد.
    7. يفغيني زامياتين (2016)، نحْنُ، ترجمة يوسف حلاق، أثر، ط1، المملكة العربية السعودية.