اطّـّراد المعيار في دلالة المبنى على المعنى: نماذج من الاشتقاق

د. شكري الشريف1

1 المعهد العالي للغات التطبيقية والإعلامية بباجة، جامعة جندوبة، الجمهورية التونسية

بريد الكتروني: chokcherif@hotmail.fr

HNSJ, 2022, 3(10); https://doi.org/10.53796/hnsj31034

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/10/2022م تاريخ القبول: 23/08/2022م

المستخلص

كلّ قراءة تأويل ، وتغيّر مناهج القراءة ليس سوى تغيّر في استراتيجيّة التّأويل وبعض إجراءاته. هكذا هي القراءات ، في ضوء المناهج المختلفة: تاريخيّة كانت أم نفسيّة ، أسلوبيّة أم بنيويّة.

غير أنّ المشكلة في التّأويل، هي أنّه لا بدّ له من أن يكون معيارياً ، والحقّ أنّ التّأويل إغناء للّغة والكلام، من حيث هو استحضار لغائب القول، وجلاء لغامضه، واكتشاف لأنساقه، وتحليل لبناه، وتعرّف إلى نسيج علاقاته.

ونظرا الى أهمّية الموضوع سنتوقّف في هذا البحث على جزئية هامة منه ترتبط ارتباطا وثيقا بتساؤلات عديدة، وتحرّك جوانب من موضوعات متنوّعة، هي “إشكالية اطّراد المعيار في دلالة المبنى على المعنى: نماذج من الاشتقاق”. وسنعمد فيها إلى رصد مختلف العلاقات التي تضبط الأفعال الثلاثيّة المجرّدة وماله صلة بها من مشتقّات. فنبحث في ما تشترك فيه كلمة ما مع غيرها من الكلمات، وما تتميّز به. وهذا يفترض أنّ المعرفة المعجميّة لا تقتضي تعلّم كلّ كلمة على حدة؛ بل تقتضي تعلّم كثير من الخصائص العامّة التي تحكم مجموعة من الكلمات، فتضبط المؤتلف منها وتميّز المختلف. إذ تتعلّق أهمّ القضايا المطروحة في هذا المستوى بالخصائص الذّاتية للوحدات المعجمية، وخصائصها العلاقيّة مع غيرها من الوحدات.

تمهيد:

كلّ قراءة تأويل، وتغيّر مناهج القراءة ليس سوى تغيّر في استراتيجيّة التّأويل وبعض إجراءاته. هكذا هي القراءات ، في ضوء المناهج المختلفة: تاريخيّة كانت أم نفسيّة ، أسلوبيّة أم بنيويّة.

غير أنّ المشكلة في التّأويل، هي أنّه لا بدّ له من أن يكون معيارياً ، والحقّ أنّ التّأويل إغناء للّغة والكلام، من حيث هو استحضار لغائب القول، وجلاء لغامضه، واكتشاف لأنساقه، وتحليل لبناه، وتعرّف إلى نسيج علاقاته.

ونظرا الى أهمّية الموضوع سنتوقّف في هذا البحث على جزئية هامة منه ترتبط ارتباطا وثيقا بتساؤلات عديدة، وتحرّك جوانب من موضوعات متنوّعة، هي “إشكالية اطّراد المعيار في دلالة المبنى على المعنى: نماذج من الاشتقاق”. وسنعمد فيها إلى رصد مختلف العلاقات التي تضبط الأفعال الثلاثيّة المجرّدة وماله صلة بها من مشتقّات. فنبحث في ما تشترك فيه كلمة ما مع غيرها من الكلمات، وما تتميّز به. وهذا يفترض أنّ المعرفة المعجميّة لا تقتضي تعلّم كلّ كلمة على حدة؛ بل تقتضي تعلّم كثير من الخصائص العامّة التي تحكم مجموعة من الكلمات، فتضبط المؤتلف منها وتميّز المختلف. إذ تتعلّق أهمّ القضايا المطروحة في هذا المستوى بالخصائص الذّاتية للوحدات المعجمية، وخصائصها العلاقيّة مع غيرها من الوحدات.

بهذاالاختيار نبحث في الخصائص المشتركة بين مجموعات من الأفعال التي على {فعُل} وتلك التي على {فعَل} و{فعِل} من جهة، وبينها والأفعال المزيدة من جهة، وقد اعتمدنا على مدوّنة من الأفعال التي على وزن {فعُل} استخرجناها من القاموس المحيط للفيروزبادي، ونظرنا في الوحدات المشتقّة التي لها صلة بها، وهو ما يستتبع التّطرّق إلى إشكالية “الشّكل والمحتوى”، لأنّ هذين المكوّنين هما الأسّ الذي تقوم عليه كلّ وحدة معجمية. وبذلك فإنّ ما ينبغي أن يراعى في دراسة خصائص الكلمة الصّرفية والمعجميّة، بعضه راجع إلى الأصوات وبعضه يتعلّق بالهيئات والصّيغ. ثم يقترن جميعها بالمعنى الحاصل من المادّة الأصليّة وهيئة البناء. ومن هنا تبرز الصّلة الوثيقة بين الجذر والصّيغة الصّرفية. ولبحث الموضوع بحثا دالاّ عميقا ارتأينا تقسيمه إلى المسائل الآتية:

(1 العلاقة بين اللّفظ والمعنى:

لقد شغلت قضية اللّفظ والمعنى حيّزا واضحا في الدّراسات اللّغوية واللّسانيات، فناقش القدامى العلاقة بين الشكل والمحتوى في المفردات، وكيف وضعت الألفاظ؟ وكيف ارتبط الدّال بالمدلول؟ وكيف تخصّصت الألفاظ بمعان دون أخرى؟ وأيّهما أكثر قيمة اللّفظ أم المعنى؟ وهل هناك علاقة بين الألفاظ ومعانيها أم أنّها مجرّد رموز اعتباطيّة لم يلتفت الواضع إلى علاقتها بالمعاني الدّالّة عليها؟

إنّ جمهور اللّغويين العرب القدماء وعددا لا بأس به من المحدثين يرون ارتباطا واضحا بين اللّفظ والمعنى، وأنّ الصّوت اللّغوي المتشكّل في الكلمة والكلام يرتبط بوضوح بالمعنى الذي يدلّ عليه. فهذا سيبويه يذكر عددا من المصادر التي جاءت على مثال واحد حين تقاربت المعاني، مثل “النّزوان والنّقزان والغليان والغثيان واللّمعان” والجامع بينها ما تجده فيها من اضطراب وتحرّك (الكتاب،2/217-218). فالمعاني المتقاربة استدعت أوزانا متقاربة، وهذه علاقة بين اللّفظ والمعنى. ويسهب ابن جنّي في بيان تلك العلاقة في أكثر من باب كقوله: “نضح الماء ونضخ، فالفعلان وإن تقاربا في أصل المعنى إلا أنّ بينهما فرقا هو أنّ النّضخ أشدّ من النضح، فإذا قيل: إنّ هذه العين تنضح أدّى ذلك إلى معنى خروج الماء من العين من غير معنى الغزارة والشدّة الذي يفهم من قولهم: هذه العين تنضخ” (الخصائص: 2/ 277) وبذلك يرى أنّ اختلاف الحرف الواحد في اللّفظتين أو الحرفين أو الثّلاثة يؤدّي إلى اختلاف دقيق في المعنى المراد من اللّفظ. فالأصوات عنده تابعة للمعاني متى قويت المعاني قويت الألفاظ ومتى ضعفت المعاني ضعفت الألفاظ.

ويستمرّ هذا النّهج مع بعض الدّراسات اللّسانية الحديثة غير أنّ بعضها الآخر يرى أن لا علاقة بين اللّفظ والمعنى، وأنّ الأصوات مجرّد رموز اعتباطيّة دلّت على معانيها مواضعة دون ارتباط مبرّر بالمعاني الدّالّة عليها. فالاتّجاه السّائد هو إنكار الصّلة في ألفاظ اللّغة عامّة مع الإقرار بوجود عدد من الكلمات تظهر فيها هذه المناسبة بشكل أو بآخر(أولمان: دور الكلمة في اللّغة، ص23).

إنّ هناك فرقا دقيقا بين الاعتقاد بوجود علاقة ومناسبة وضعيّة بين اللّفظ والمعنى والاعتقاد بالمناسبة الطبيعيّة بينهما. ولكنّ الواضح أنّ هناك علاقة بينهما تظهر في بعض الألفاظ قد قصدها الواضع. وممّا يوضّح دور الواضع العقليّ واهتمامه بالمناسبات ظواهر الإعراب والاشتقاق والحذف والتّضعيف والإبدال…إلخ، التي تجري على سنن واحد وقانون مطّرد، ممّا يدلّ على وجود التّفكير العقليّ المنظّم في عملية الوضع اللّغوي.

2) زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى:

يقوم هذا الأساس اللّغويّ على فكرة مفادها أنّه كلّما زاد اللّفظ زاد المعنى. وبعبارة أخرى: كلّما طرأت زيادة على عدد الحروف الأصليّة المؤدّية لأصل المعنى ازداد المعنى ودلّ على تفريعات جديدة في مفهومه لم يدلّ عليها اللّفظ في جذره الأصليّ. ويوضّح ذلك ابن جنّي عندما يجعل”الأصوات تابعة للمعاني، فمتى قويت قويت ومتى ضعفت ضعفت، ويكفيك من ذلك قولهم: قطع وقطّع وكسر وكسّر زادوا في الصوت لزيادة المعنى واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه” (المحتسب: 2/ 210)، وهنا يلفت ابن جني انتباهنا إلى مسألة مهمّة في فهم هذه الظّاهرة، وهي أنّ المعنى هو العنصر المتحكّم في البنية اللّفظية، ويجعل هذه الفكرة ذات طبيعة منطقيّة عندما يقول:” فإذا كانت الألفاظ أدلّة المعاني ثمّ زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى به” (الخصائص،3271/). على أنّ هناك خلافا بين اللّغويين في مدى قياسية هذه القاعدة اللّغوية. فقد ذهب البعض إلى أنّها مطّردة، بمعنى أنّه كلّما زاد المبنى زاد المعنى، وكلّما قوي المبنى قوي المعنى، بينما يرى ابن هشام خلاف ذلك عندما أشار إلى رأي القائلين بأنّ “سوف” أكثر مبالغة من “السين” في الدّلالة على المستقبل لأنّها أكثر حروفا بقوله:” وكأنّ القائل بذلك نظر إلى أنّ كثرة الحروف تدلّ على كثرة المعنى وليس بمطّرد”( مغني اللبيب،1 /139/)، وكأنّ القاعدة الجارية تقول: مهما أمكن التّأويل يعمل بهذا الأساس وإلاّ يحمل على عدم وجود الفرق بين الصّيغتين عند العجز والقول بأنّ القاعدة أغلبيّة وليست كلّية.

(3مظاهر الاختلاف والائتلاف بين الصّيغ الثلاثية المجرّدة:

إنّ البحث في صيغ الفعل الثـّلاثي المجرّد يمكن أن يكتسب أهمّية تختلف باختلاف أهمّية حركة عين الفعل. إذ يمكن أن تكون هي العنصر الوحيد الذي يميّز بين الأفعال. وهذا ما يلاحظ في الأفعال المشتقـّة من جذر واحد ولا تختلف إلاّ باختلاف حركة العين شأن “حسُب” و”حسَب” و”حسِب”. وذلك ما يدفعنا إلى مقارنة الصّيغ الثلاثية المجرّدة، وما يستتبع ذلك من اختلاف وائتلاف في المادّة الاشتقاقيّة ومختلف استعمالاتها. فالعلاقات الاختلافيّة تنبني على مجموعة من القيم الخلافيّة الضّروريّة التي تتمايز الكلمات بها. إذ تتـّجه الكلمات إلى التّخالف فيما بينها عن طريق أربعة أضرب من العلاقات؛ هي التي تظهر ما للوحدات المعجميّة من خصائص ذاتيّة (Propriétés intrinsèques) تختصّ بها. فإنّ لكلّ وحدة معجميّة خصيصة واحدة على الأقلّ تختصّ بها ولا يشاركها فيها غيرها من الوحدات. والعلاقات الاختلافيّة الأربع هي: التّأليف الصّوتيّ والبنية الصّرفيّة والانتماء المقوليّ (l’appartenance Catégorielle) والدّلالة المعجميّة((D) Corbin ،1991، ص ص 33- 56). وهذه الخصائص الأربع تكسب الوحدة المعجميّة ماهية وتنزّلها حيّزا خاصّا بها في المعجم وفي نظام اللّغة عامة تستقلّ به. وهذه الخصائص ضرورية تتيح للوحدات المعجميّة التّمايز فيما بينها حسب أنساق معيّنة من العلاقات الاختلافيّة.

على أنّ شبكة العلاقات في المعجم لا تقتصر على القيم الخلافيّة، بل تهتمّ الدّراسات المعجمية بنوع ثان من العلاقات هو العلاقات الائتلافيّة، أي مجموع الخصائص التي تشترك فيها الكلمات في المعجم، وهي في أساسها علاقات صرفيّة دلاليّة (Morpho-sémantique) تقوم على ما يتأسّس بين شكل الكلمة ومحتواها من ارتباط يفترض وجود صلة بين البنية والدّلالة العامّة التي تفيدها الكلمات المصوغة عليها. فالكلمة المشتقـّة تقوم على التّأليف بين جذرها و صيغتها التي يختارها المتكلّم فتؤدّي معنى عامّا تشترك به مع غيرها من الكلمات المنتمية إلى نمطها الصّيغيّ، ومع تلك التي تتّفق معها في الجذر و تختلف في الصّيغة.

فـالمتكلّم يعتمد قواعد اشتقاقيّة منتظمة قياسيّة كي يولّد وحدات معجميّة جديدة توليدا اشتقاقيّا. أي إنّه يصوغ كلمات ذات بُنى صرفيّة مستقلّة بسيطة دالّة بنفسها من أصل ما.

وهذه المشتقّات لا تثير أيّ إشكال أو صعوبة في التّأويل. وعادة لا تذكرها المعاجم لأنّ دلالتها شفّافة يمكن بلوغها بأيسر السّبل. لذلك بينما تكون دلالة الكلمات غير المصوغة أو الألفاظ العامّة “اعتباطيّة”، تكون دلالة المشتقّات، وخاصّة الكلمات المصوغة صرفيّا مبرّرة بواسطة التّطابق بين بنية دلاليّة شفّافة وبنية صرفيّة تحيل عليها إحالة مباشرة.

فنظام البنية في العربيّة يتميّز بأنّه نظام قائم على أبنية صرفيّة مقيّدة. إذ لا يمكن للكلمة أن تخرج عن قواعد في الصّياغة معروفة مضبوطة. ومهما زيد إلى الكلمة من حركات وحروف فإنّها لا تخرجها عن أنماط صيغيّة معيّنة. لذلك يصعب أن ينضاف إلى البنية ما ليس منها أو ما يخرجها عن نمطها الصّيغي. فيتبيّن أن اللّغة العربية بحكم طبيعتها الاشتقاقيّة تشتمل على ظاهرة أساسيّة هي انتماء كلماتها الاشتقاقيّة إلى أنماط صيغيّة معلومة تساهم إلى حدّ كبير في تحديد معناها. إذ بمجرّد إدراك صيغة الكلمة يتوصّل مستعمل اللّغة إلى الدّلالة العامّة التي تفيدها الكلمة أو على الأقلّ إلى جانب كبير منها.

ونشير إلى أنّ هذا النّوع من العلاقات الشّكلية الدّلالية قد شغل النّحاة العرب القدامى وكذلك بعض المهتمّين باللّغات الهندية الأوروبية في إطار ما يعرف بالنّموذج الجمعي(Modèle Associatif). فقد عملت الباحثة “دانيال كوربان” وفريقها في جامعة ” ليل 3″ الفرنسية([1]) على وضع نظرية تعرف “بالنّظرية الجمعية”(Théorie associative) لمعالجة خصائص الكلمة اعتمادا على علاقاتها الشّكلية والدّلالية.أي الرّبط بين بنية الكلمة وما تفيده من دلالة.

وقد بيّنت “كوربان” أنّ المتكلّم يعتمد قواعد اشتقاقية منتظمة قياسية كي يولّد وحدات معجمية جديدة توليدا اشتقاقيا. أي إنّه يصوغ كلمات ذات بُنى صرفية مستقلّة بسيطة دالّة بنفسها من أصل ما. والتّوليد الصّرفي بالاشتقاق حسب “كوربان” ضروب كثيرة منها: اشتقاق فعل من فعل، واسم من فعل، واسم من اسم، وفعل من اسم، وصفة من اسم…. الخ. وهذا ما يوجد علاقات مقولية بين الكلمة الأصلية وما يشتقّ منها.

4)خصائص صيغ الأفعال الثلاثيّة المجرّدة وعلاقة بعضها ببعض:

يقوم تحديد الكلمة في التّراث النّحوي على نوع من التّكامل بين الشّكل و المحتوى. ذلك أنّ للكلمات جذورا تعود إليها تمثّل مادّتها الأصلية الحاملة للمعنى الأوّلي أو المعنى النّواة. وتضاف إلى الجذور حركات فتتكوّن جذوع يمكن أن نشتقّ منها جذوعا أخرى بزيادة بعض الصّوامت والصّوائت. ولكنّها تظلّ حاملة للمعنى النّواة الذي يدلّ عليه الجذر. فينتج عن كلّ زيادة في المبنى زيادة في المعنى.ذلك أنّ “المراد من بناء الكلمة ووزنها وصيغتها، هيئتها التي يمكن أن يشاركها فيها غيرها وهي عدد حروفها المرتّبة، وحركاتها المعيّنة وسكونها، مع اعتبار الحروف الزّائدة والأصلية كلّ في موضعه”.(الاستراباذي: شرح الشافية ج1/ ص 2).

بذلك أخضع القدامى جانبا من الكلمات للدّراسة القياسيّة. وعلى هذا فإنّ الأسس التي ينبغي أن تراعى في دراسة خصائص الكلمة الصّرفية قسمان: أسس راجعة إلى الأصوات وأسس تتعلّق بالهيئات أو الصّيغ.

4-1خصائص الدّلالة المعجمية والصّرفية الحاصلة من التّفاعل بين دلالة الجذر ودلالة الصّيغة في الأفعال الثلاثيّة:

تشترك الكلمات في اللّغة العربية في الصّيغة كما يمكن أن تشترك في الجذر. والصّيغة هي القالب الشّكلي الذي تتشكّل وفقه حروف الجذر، فتصير اسما أو فعلا أو صفة. وكما أنّ الجذر ذو خاصّية معجميّة، فإنّ الصّيغة تمثّل الجدول الصّيغيّ الذي تنتمي إليه الكلمة.

ومن المفروض أن تكون هناك صلة شكليّة ومعنويّة بين الجذر وما يشتقّ منه. أماّ الشّكلية فتقوم على اشتمال كلّ مشتقّ على حروف الجذر الذي اشتقّ منه. وأماّ المعنويّة فتقوم على تمثّل الجذر للمعنى العامّ الذي ينتظم معاني مشتقّاته، وما يطرأ على هذا الجذر من تغيير أو إضافة في الحروف والحركات. ويكون الغرض منه توجيه المعنى العام الذي يحمله الجذر إلى معان فرعيّة تتّصل به. ومن اليسير في أغلب الأحيان التوصّل إلى هذه المعاني الفرعيّة، إذا عرفنا المعنى الذي يشملها متمثّلا في معنى الجذر، وتبيّنّا معاني الصّيغ التي تحملها مشتقّات الجذر. فتتحدّد دلالة الكلمات المشتقّة بمعنى الجذر أوّلا وبمعنى الصّيغة ثانيا. ويلازم المعنى الذي يدلّ عليه الجذر كلّ الصّيغ المتّصلة به.

فمعنى “الكرم” الموجود في [جك ر م] موجود أيضا في المشتقّات الاسميّة و الفعليّة مثل “كريم” و”مُكرِم” و”إكرام” و”تكارم” … الخ.

ومن هنا تبرز الصّلة الوثيقة بين الجذر والصّيغة الصّرفيّة، إذ أنّ شكليهما يحملان معنى نواة، أي وهما مادّة خامّ قابلان للاستعمال بالتّوليد الاشتقاقيّ. وهذا المعنى الذي يفيده الجذر والصّيغة هو الذي يكوّن معنى الكلمة وهي مصوغة، مستعملة.

نستخلص ممّا سبق أنّ الكلمة المشتقّة -إذا ما أهملنا التّغيير الدّلالي الذي يمسّها تاريخيا فينقلها من الحقيقة إلى المجاز- تعتمد في تحديد معناها على:

– حروف الجذر التي تحمل المعنى المعجميّ وترجع إليها الكلمة المصوغة.

– الصّيغة التي تأخذ شكلها حروف الجذر وتعطي الكلمة صورتها التي تميّزها عن الأشكال الصّيغية الأخرى.

– معنى الكلمة المتحصّل من جذرها وصيغتها.

4-2-الصّيغ المجرّدة ومعانيها:

ما يلاحظ أنّ البنية الثّلاثيّة هي الأكثر استعمالا في اللّغة العربيّة. أي أنّ الأفعال تكون في أغلبها ثلاثيّة الأصول، وأنّ ما زاد على الثّلاثة لا يمثّل إلاّ عددا محدودا. وللفعل الثّلاثيّ المجرّد ثلاث صيغ تختلف باختلاف حركة العين. وهذا الاختلاف قد حظي باهتمام النّحاة، فحاولوا تبيّن فائدة حركة العين والبحث عن دورها في تحديد المعنى.

ويغلب على الصّيغة {فعَل} معان من قبيل الأعمال أو الأفعال الخارجية أي الموجّهة من ذات الفاعل إلى غيره. والأفعال التي ترد على هذه الصّيغة تستعمل لازمة ومتعدّية. ومن أمثلتها “سحَق”، و”وسَم”، و”وزن”… الخ من المتعدّي، و”عتَق الشيءُ”، و “طلَق الوجهُ”، و”طرَف البصرُ”… الخ من اللاّزم.

ويتّفق النّحاة على خفّة هذا البناء ولذلك يتّسع لعدّة معان. يقول الاستراباذي: “اعلم أنّ باب” فعَل” لخفّته لم يختصّ بمعنى من المعاني بل استعمل في جميعها لأنّ اللّفظ إذا خفّ كثر استعماله واتّسع التصرّف فيه”. ( شرح الشّافية، ج1، ص70).

لذلك تتّسع {فعَل} لتشمل دلالات {فعِل} و{فعُل} لكنّ المعنى الأكثر تواترا عند النّحاة هو معنى العمل أو ما يفيد الحدوث في مقابل الثّبوت في {فعُل} مثلا. ومن أمثلة دلالة {فعَل}على ما تدلّ عليه {فعُل} و{فعِل}:

محَض زيد عمروا محْضا: سقاه لبنا خالصا لا ماء فيه.

محُض اللّبن مُحُوضة: كان خالصا.

محِض زيد مُحْضا: شرب المحْضَ أي اللّبن الخالص.

ومن خصائص الأفعال الدّالة على الأعمال أنّ فاعلها النّحوي هو أيضا فاعلها الحقيقي، يقوم بها أو يكون سببا مباشرا في حدوثها أو عدم حدوثها.

وأمّا الصّيغة {فعِل} فتغلب عليها معاني الصّفات غير القارّة أو الأحوال، وأفعالها “داخلية” موجّهة إلى ذات الفاعل. ولازم {فعِل} أكثر من متعدّيه. وهي صيغة تكثر فيها الدّلالة على العلل نحو “سقِم” و”مرِض” والأحزان نحو “حزِن” و”سئم” وأضدادها نحو “فرِح” و”نشِط”. وتجيء عليها الألوان والعيوب نحو “أدِم”، أي اشتدّت سمرته و”خرِق”،أي حمُق.

والصّيغة الثالثة هي {فعُل} و تتكيّف دلالتها حسب المعنى المعجميّ للأصل، نحو استنتاج صفة الكرم من {كرُم} وصفة الشّرف من {شرُف}. و{فعُل} يجري للهيئة التي يكون عليها الفاعل، فيدلّ على أفعال الطّبائع، أي ما جبل عليه الإنسان أو غيره، نحو {حسُن} و{قبُح}و{كبُر}…الخ.

وفي هذا يقول الاستراباذي “واعلم أن فعُل في الأغلب للطّبائع والغرائز أي الأوصاف المخلوقة كالحسن والقبح… وقد يجري غير الغرائز مجراها إذا كان له لبث ومكث نحو حلم وبرع وكرم” (شرح الشافية ج 1،ص 74). والملاحظ في الأفعال الدّالة على الصّفات والأحوال أنّ فاعلها النّحوي لا شأن له في حدوثها وحصولها أو عدم حصولها. وتتميّز هذه الصّيغة باطّراد اللّزوم فيها، لأنّ الصّيغتين الأخريين لازمتان تارة ومتعدّيتان تارة أخرى.

ونفسّر وجود أفعال تختلف صيغها وحركة العين فيها دون أن تكون ذات سمة تمييزيّة من حيث المعنى المعجميّ، بسلوك العرب طريق الاحتمال والإمكان، لأنّ اللّغويّ قديما (أي الذي يهتمّ بصناعة المعجم) كان ينهج طريق السّماع في أكثر الأحيان. ويستحسن القدامى بعض اللّهجات ويفضّلونها على غيرها بدليل قول السّيوطي: “جرَعت الماء بالفتح لغة أنكرها الأصمعيّ والمعروف جرِعت بالكسر” (المزهر، ج 1، ص218). وهذا يدلّ على تعدّد اللّهجات وتداخلها.

ونستنتج من ذلك أن وصف اللّغويين يعكس موقفا معياريا انتقائيا يفضّل “لغة” على أخرى، ويحتكم غالبا إلى موافقة القياس أو مخالفته. وقد عُبَّر عن اللّهجات باللّغات. وهذا ما يفسّر وجود أفعال مشتقّة من نفس الجذر تفيد نفس المعنى المعجمي رغم اختلاف حركة العين، مثل:

[جذ ء ب] – ذؤُب ذَآبة: صار كالذّئب خبثا ودهاء.

– ذأَب فلان ذَأَبا: فعَل فعل الذئب، و- في السّير أسرع-، و-الشيءَ: جمعه.

– ذَئِب ذَأَبا: صار كالذّئب خبثا ودهاء، و-خاف من الذّئب.

فالصّيغ الثلاث {فعُل} و{فعَل} و{فعِل} تشترك في الجذر وفي المعنى العامّ الذي يفيده هذا الجذر، وهو الاتّصاف بصفة الذّئب أو فعل فعله. على أنّ هذا الائتلاف والتّوافق في الحروف الأصول، وفي المعنى العامّ، لا ينفي وجود سمات تمييزيّة تختصّ بها كلّ صيغة.

كما نجد صنفا تكون فيه الصّيغ الثلاث مختلفة في معناها المعجميّ ومثاله:

[ج ح س ب]:- حسُب الإنسان يحسُب حسَبا من زنة كرُم يكرُم: كان له ولآبائه شرف ثابت، فهو حسْب.

– حسَب المال ونحوه يحسِب حِسَابا وحُسْبانا: عدّه وأحصاه وقدّره فهو حاسب.

يقول تعالى: “الشّمس والقمر بحسُبان”(الّرحمان(5)).أي بنظام محسوب.

– حسِب الرّجل الشّيءَ كذا يحسَبُ حِسْبانا: ظنّ، وقد يكون مضارعه يحسِب فيفيد معنى من قبيل العلل هو: “ابيضّت جلدته من داء” فهو أحسبُ.وفي المعنى الأوّل، معنى الظّن، يقول تعالى: “وتحسَبهم أيقاظا وهم رقود” (الكهف(12))، ويقول: “أفحسِب الذين كفروا أن يتّخذوا عبادي من دوني أولياء” (الكهف(102)).

فيبدو أنّ الصّيغ الثلاث تشترك في الحروف الأصول ولكنّها تختلف اختلافا بيّنا في المعنى والدّلالة. إذ تفيد مع {فعُل} معنى هو من قبيل الصّفات يتمثّل في شرف النّسب والحسب فيدلّ على المكانة الاجتماعيّة للمتّصف. وتفيد مع {فعَل} معنى هو من قبيل الأعمال يتمثّل في العدّ، ومع {فعِل} تفيد معنى هو من قبيل الاعتقاد والظّنّ و كذلك العلل.

ويبدو أن لا صلة معنويّة تربط الصّيغ الثلاث مع بعضها، ما يطرح السّؤال التّالي: إذا كان الأمر على هذه الشّاكلة من التّنافر الدّلالي، فما الذي جعل هذه الصّيغ تشتقّ من جذر واحد؟ ألا يوجد معنى عامّ هو معنى الجذر يبدو ثاويا وراء المعاني المستعملة؟

يتوضّح هذا الأمر عندما ننظر في المشتقّات الفعليّة المزيدة ذات الصّلة بالصّيغ الثلاث. فحين التمعّن في الصّيغة المزيدة {فعَل} نجد أن “حسَّبه” تعني أذاع حسبه وعدّد مناقبه. وبذلك يظهر معنى الشّرف والحسب الذي نجده في “حسُب”، كما يظهر معنى العدّ والحساب الذي نجده في “حسَب”. في حين تظهر صلة {فعِل} بـ{فعُل} من خلال الصّيغة {افتعل}. إذ أنّ “احتسب” تعني” جعل لنفسه حسبا” و- الأمرَ: ظنّه. كما أنّ النّظر في مصادر هذه الصّيغ يدعم هذا الافتراض. فالحساب هو العدّ، وحسَبُ الشّيء هو قدره وعدده وما يعدّه المرء من مناقبه أو شرف آبائه، والحُسبان هو العدّ والتّدبير الدّقيق. والحِسبان هو الظنّ، أو هو ما يعدّه المرء على سبيل الاعتقاد. وهذا يوحي بأنّ الصّيغ التي تعود إلى جذر واحد تتحقّق فيها وحدة معنويّة ظاهرة أو خفيّة، وأنّ اختلافها الدّلالي ناجم عن الانزياحات التي يحقّقها الاستعمال، لأنّ الدّلالة هي أكثر النّظم اللّغوية قبولا للتّغيير.

ويظهر من هذه الأمثلة التي ذكرنا، أنّ للصّيغة دورا يتمثّل في اختزالها عددا من المعاني المتآلفة والمتشابهة، وحتى المتقابلة في حقل معجميّ واحد. كما لها فضل اختزال التّراكيب والجمل أيضا.

ويبدو أنّ للمعنى دورا أساسيّا في تحديد مظاهر الائتلاف والاختلاف بين الجذوع الثلاثيّة التي على {فعُل} و{فعَل} و{فعِل}. وهذا يعني أنّ المسألة، وإن كانت في مبدئها اشتقاقيّة تحدّد علاقة الجذوع بالجذور، فإنّها في أساسها دلاليّة؛ إذ لا يمكن دراسة العلاقات القائمة بين مختلف المشتقّات إلاّ بالرّجوع إلى مجال الدّلالة، و ما له من صلة بالاستعمال الفعلي للكلمات بين المتخاطبين.

نخلص من هذه المقارنات بين الصّيغ الثلاثيّة المجرّدة الثّلاث {فعُل}، و{فعَل}، و{فعِل}، إلى أنّ المكوّنات الحرفية الجذريّة ثابتة فيها، وهي مكوّنات مفصولة بمواضع حركيّة يمثّل فيها اختلاف حركة العين السّمة التّميزيّة الأساسيّة، لأنّها تقترن بالدّلالة على نوع الحدث صفة أو حالة أو عملا. وعلى هذا الأساس يكون الجذر صرفما حاملا لمعنى نواة يخرج من التّجريد نحو التّعجيم بواسطة الحركات. فيؤدّي معاني تختلف باختلاف حركة العين، رغم الاتّفاق في الحروف الأصليّة.

5- خصائص صيغ المزيد وعلاقتها بصيغة المجرّد:

ما هي الخصائص المميّزة لصيغة مزيدة ما تشترك مع غيرها في الجذر والمعنى المعجميّ والمعنى الصّرفيّ، وحتّى فيما تطلبه من مواضيع في الجملة؟ وماهي المعايير التي نعتمدها لبيان صلة صيغة مزيدة ما بصيغة مجرّدة دون أخرى فنعتبر بعضها مركزيا إذا خضع لهذه المعايير، وبعضها هامشيا إذا خرج عنها؟

5-1- دور البنية الصّرفية في تحديد خصائص الأفعال المزيدة وعلاقتها بالأفعال الثّلاثيّة المجرّدة:

تزيد صيغ الفعل المزيد النّظام الصّرفيّ العربيّ انتظاما وتمكّنا، لأنّ طرق الزّيادة محدّدة بقواعد مضبوطة وحروف معلومة. بل هي إثراء للمعجم وتوسّع في مادته، نظرا إلى متانة الصّلة بين المباني المزيدة والمعاني التي تضيفها إلى المفردات. ويمكن القول إنّ الصّيغة المزيدة تؤدّي في أغلب الأحيان معنى الصّيغة المجرّدة مع معان أخرى تستفاد من العناصر المزيدة. فتصبح صيغ الفعل المزيد حاملة لدلالة عامّة تقترن فيها دلالة الصّيغة المجرّدة بمعان تضيفها حروف الزّيادة.

إنّ الزّيادة تؤثـّر في مبنى الكلمات و معناها وقيمتها الصّرفيّة والإعرابيّة. فهي ظاهرة قياسية تتجسّم في أنماط و أشكال محدّدة، أمكن للنّحاة أن يضبطوها باستقراء اللّسان. وهي صيغ ثابتة في أغلبها لأنّها تمثّل نظاما صرفيّا. ونظام الألسنة الصّرفيّ لا يقبل التّغيير بيسر. لكن ينبغي الإشارة إلى أنّ اشتقاق أفعال مزيدة من أصل واحد ليس قياسيّا؛ أي أنّه لا يمكن صياغة ما نريد من الأفعال المزيدة من أيّ أصل من الأصول. إذ لا بدّ من مراعاة الاستعمال.” فليس لك أن تقول مثلا في ظرُف أظرف و في نصر أنصر… بل يحتاج في كلّ باب إلى سماع استعمال اللّفظ المعيّن” (الاستراباذي، شرح الشافية ص 84).

فصيغة {استفعل} تفيد الطّلب أو المطاوعة أو وجود الشّيء على حالة معيّنة. لكن عندما نستعرض الأفعال التي جاءت على هذه الصّيغة، نلاحظ أن كلّ فعل يمكن نظريّا أن يفيد أكثر من معنى، ولكن شاع استعماله في معنى واحد مثل “استكرم الشيءَ”، معناه الشائع هو “وجده كريما”. لكن لا يوجد مانع من أن يدلّ على أن يكون الشّخص القائم بالحدث كريما فنقول “استكرم زيد عمرا”، أي طلب كرمه.

فالاستعمال محّض أفعال كلّ صيغة لمعان معيّنة دون أن يوجد مانع منطقيّ يجعل الفعل يدلّ على معنى غير المعنى المستعمل. كما أنّه لا يمكن أن نشتقّ من كلّ فعل ثلاثيّ كلّ الصّيغ المزيدة. فليست هذه الزّيادات حسب الاستراباذي قياسا مطّردا.

حيث نجد من الجذور ما لا يطلب أيّ مشتقّ مزيد، مثل:

(1) جهُن: قرُب ودنا.

حمُز الرّجل: اشتدّ وصلُب.

ومنها ما يطلب مشتقّا واحدا، مثل:

(2) حمُت اليوم: اشتدّ حرّه.

حمَتَه اللّه عليه: سلّطه.

حمِت الجوز وغيره: فسد وتغيّر.

← تحمّت: صار لونه خالصا.

ومنها ما يطلب أكثر من ذلك، مثل:

(3) حمُق: قلّ عقله.

حمِق: خفّت لحيته، و- قلّ عقله.

← أحمقَ: ولد ولدا أحمق.

← حمّقه: نسبه إلى الحمق.

← تحمّق: تكلّف الحماقة.

← حامقه: جاراه في الحمق.

← تحامق: تظاهر بالحماقة.

5-2- دور المعنى في تحديد خصائص الأفعال المزيدة وعلاقتها بالأفعال الثلاثيّة المجرّدة:

لا يفسّر الجذر وحده الخصائص الاشتقاقيّة و التّصريفيّة والإعرابيّة للجداول المشتقّة منه، لأنّه وإن كان نواة للأفعال والأسماء، فهو محكوم بخصائص اشتقاقيّة تجعله يخرج من التّجريد إلى الاستعمال بواسطة حركات ثلاث هي، الفتحة والضمّة والكسرة، فيحقـّق أفعالا ثلاثيّة مجرّدة؛ وبواسطة الزّوائد الصّرفية التي جمعها الصّرفيّون في عبارة “سألتمونيها”، فيحقـّق أفعالا مزيدة معبّرة عن أحداث تجريديّة كالجعل والطّلب و الصّيرورة…. وهي معان عامّة يمكن أن تعبّر عن أحدها صيغ صرفيّة متعدّدة، كدلالة {أفعل} و{فعّل} على الجعليّة. ودلالة {فاعل} و{تفاعل} على المشاركة.

غير أنّ هذا لا ينفي أنّ لكلّ صيغة خصائصها التي تميّزها عن غيرها، بل إنّ الأفعال المزيدة التي تأتي على صيغة واحدة وتفيد نفس المعنى العام، كالجعليّة مثلا، لا تفيده على نفس الشّاكلة، وإنّما ثمّة خصائص تميّز كلّ فعل عن غيره.

فإن كان الجعل في “أخرج زيد عمرا” لزيد والخروج لعمرو، بمعنى أنّ فاعليّة زيد تكمن في الهمزة إذ هو فاعل للجعل، وفاعلية عمرو تكمن في الخروج إذ هو “فاعل حدثي” و”مفعول للجعل”، فإنّ الأمر يختلف بالنّسبة إلى “أكرم”، حيث أنّ حدث الجعل وحدث الإكرام متعلّقان بالفاعل وأمّا المفعول فهو مستفيد لا أكثر. والاستفادة هنا حاصلة عند الفاعل أيضا لأنّه يتّصف بصفة” الكريم” نتيجة حدث الإكرام الموجّه نحو المفعول. فإذا كان الإخراج المتعلّق بزيد والخروج المتعلّق بعمرو يحدثان حدثين يتّجهان في نفس الاتجاه، فإنّ الإكرام يحدث حدثا في اتّجاه معاكس. إذ ينطلق من الفاعل ولكنّ نتيجته عائدة إليه (أي صفة الكرم)، دون إغفال استفادة المفعول.

5-3- صلة الأفعال الثلاثية المجرّدة بمشتقّاتها:

يتحقـّق الثلاثي على الأشكال {فعُل} و{فعَل} و{فعِل} ، وتمثّل الصّيغ الثّلاث مدخلا معجميّا أسّا لقيامه واسطة أو رابطا بين الجذر وجميع المشتقّات التي تعود إليه بواسطة المدخل الأسّ، كما يعبّر عن ذلك الشّكل(4) التّالي، حيث الرّمز “ش” يدلّ على المشتق.

و تنشئ العربية صيغا صرفيّة تساير ما يحدث على مستوى الاشتقاق من تفريع المعاني. وأمام اتّساع إمكانيّة الاشتقاق، يُضطرّ مستعمل اللّغة إلى عدم التقيّد بمبدإ الوضع القاضي بضرورة إفراد معنى اشتقاقيّ بوسيلة صرفيّة معيّنة. لأن التقيّد بمبدإ الوضع يتسبّب في عدم مسايرة المكوّن الصّرفي للنّسق الاشتقاقيّ. فما يظهر من ملازمة معان اشتقاقيّة مخصوصة لصيغ صرفيّة معيّنة، كاقتران معاني “الطّلب” و”المشاركة” و”التّعدية” على التّوالي بالصّيغ الصّرفيّة {استفعل}، و{تفاعل} و{أفعَل}، فإنّ مردّه كثرة الاستعمال لا غير. بمعنى أنّ صيغة {استفعل} مثلا، تستعمل وهي مقيّدة بضوابط تجعلها تفيد “الطّلب” أكثر من دورانها بضوابط أخرى تجعلها تفيد “التّحوّل”. ولو غلب استعمالها بما يجعلها تفيد “الاعتقاد”، لبدت كأنها وضعت لهذا المعنى في الأصل. وغلبة الاستعمال يؤيّدها ترديد جلّ الصّرفيين، كابن الحاجب والرّضيّ، مثل العبارة التّالية:

“أفعل للتّعدية غالبا… وفعّل للتّكثير غالبا… وافتعل للمطاوعة غالبا… واستفعل للسّؤال غالبا… وأمّا افعلّ فالأغلب كونه للّون”(شرح الشافية، ص196).

فالسّائد من أحكام الاشتقاق العامّة أنّه إذا زيد حرف أو حرفان أو أكثر، كان لكلّ زيادة من هذه الزّيادات معناها الملحوظ. وذلك تفرقة بين المجرّد والمزيد. ولكنّنا نجد في مسموع اللّغة من الأفعال المزيدة ما هو في معنى الأفعال المجرّدة دون تفريق. وينطبق الأمر كذلك على الأفعال المجرّدة فيما بينها. إذ يمكن أن ينوب بعضها بعضا. ولكنّ الاتّفاق المعنويّ الذي يعتبر من الخاصّيات الائتلافيّة لا ينفي وجود خاصّيات اختلافيّة تظهر خاصّة في البنية الإعرابيّة التي تدخل فيها هذه الأفعال.

ومن الصّنف الأوّل الذي يتطابق فيه المجرّد والمزيد في المعنى، نذكر الأمثلة التّالية:

(5) أ- أقعر البئرَ: أبعد قعرها.

ب- قعُرت البئر: بعُد قعرها.

(6) أ- كرّم السّحابُ: جاد بمطره.

ب- كرُم فلان: جاد وأعطى بسهولة.

فنلاحظ أن “أقعر” و”قعُر” في(5) أفادا معنى واحدا هو الدّلالة على عمق البئر. وإن اختلفا في البنية الإعرابيّة التي يكوّنان. ففي الجملة (5 أ) اقتضى الفعل ” أقعرَ” فاعلا للحدث ومفعولا متحمّلا. أمّا في

الجملة (5 ب) فقد اقتضى الفعل ” قعُر” فاعلا متّصفا لم يجاوزه إلى غيره. ووجه الاختلاف بين الفعلين يحدّده لزوم أحدهما وتعدية الآخر بواسطة الهمزة.

أمّا في المثال (6) فإنّ الفعلين في (6 أ) و(6 ب) أفادا نفس المعنى وهو الدّلالة على الكرم والجود، كما اقتضى كلّ منهما ما اقتضاه الآخر من محلاّت. وهو هنا محلّ الفاعل فحسب نظرا إلى لزوم الفعلين. ولعلّ الاختلاف الوحيد هو ذاك الذي يفيده التّضعيف، وهو الدّلالة على الحدوث مع تكرير الحدث والمبالغة فيه. في حين يدلّ “كرُم” على ثبوت الصّفة في صاحبها.

أمّا من الصّنف الثّاني الذي يتطابق فيه المجرّد مع المجرّد، فنذكر الأمثلة التّالية:

(7) أ- صرُح الأمرُ: بان وظهر ووضُح.

ب- صَرَح فلانٌ الأمرَ: بيّنه وأوضحه.

(8) أ- رجُس الثوبُ: فُصِّل وخِيط.

ب- رجَس الخيّاط الثوبَ: فصّله وخاطه.

فنلاحظ، بين هذه الجمل، اتّفاقا دلاليّا واختلافا إعرابيّا يكشف أنّ تغيير عين الفعل غير كاف لأن تصير إحدى الصّيغ الأصول الثّلاث {فعَل} و{فعُل} و{فعِل} وسيلة صرفيّة لتشقيق المعاني. لذلك أهملت العربيّة بعض استعمالات هذه الصّيغ، وكذلك فعلت بعض لهجاتها قديما. فقد ذكر سيبويه أنّ بعض العرب استعملوا {أفعل} و{فعّل} حيث استعمل غيرهم {فعَل}، فقال:

“وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته، وأرجعته، وأعورت عينه، أرادوا جعلته حزينا وفاتنا فغيروا {فعَل} … وقالوا: عوّرت عينه كما قالوا فرّحته وكما قالوا سوّدته” (الكتاب، ج2، ص234).

فثمّة زيادة من أصل الوضع لأنّه لا يتكلّم فيها إلاّ بزائد حيث وضع على المعنى الذي أرادوه بهذه الهيئة، نحو استغنائهم بـ”افتقر” و”اشتدّ” عن “فقُر” و”شدُد”. يقول سيبويه في هذا:

“ولم نسمعهم قالوا فقُر كما لم يقولوا في الشّديد شدُد. استغنوا بافتقر واشتدّ كما استغنوا باحمارّ عن حمِر… واستغنوا بارتفع عن رفُع، ولم نسمعهم تكلّموا برفُع” (ن المرجع، ج2، ص225).

وقد مكّنتنا الأمثلة المذكورة من إيجاد تلازم مضبوط في المعنى بين المجرّد والمزيد. فتكون العلاقة بين الجذر ومواقع صرافم الزّيادة منه علاقة مقصودة منتظمة. ومزيّة هذا التّجريد التّفسيري أنّه يتيح إنتاج كلمات قد لا تكون مستعملة في العربيّة، ولكنّه تفسير قادر على التنبّؤ بكلمات جديدة.

وهذا يقودنا إلى أنّ الأصل في التّصنيف الصّرفي للكلمات اجتماع دلالتين، دلالة الشّكل ودلالة المعنى. ولكنّنا نلاحظ أنّ أغلب التّصنيفات القديمة تعدّد معاني الصّيغة الممكنة دون تحديد قاعدة مضبوطة لاشتقاق معنى الزّيادة من الجذر. فكثيرا ما يكون الحاصل من معنى الجذر ومعنى الزّيادة دلالة سماعيّة لا غير. فنحن لا نجد قاعدة، مثلا، للتّمييز بين معنى الصّيرورة وغيره في {فعّل}، أو معنى الجعل وغيره في {أفعل}، أو معنى المشاركة وغيره في {تفاعل}… فكلّ هذه الصّيغ المزيدة لا تدلّ دلالة قياسيّة على معنى محدّد. وإنّما تتعدّد معانيها وتختلف باختلاف السّياقات التي ترد فيها.

وهذا ما تؤكده الأمثلة التّالية التي انتقيناها من مدوّنتنا وأتت على صيغة واحدة هي {أفعل}، مثلا.

الصّيغة المعنى المثال
أفعل. -الجعليّة

-الدّخول في المكان.

-الدّخول في الزمان.

-وجود الشّيء على صفة.

-الصّيرورة.

– أثقل فلان: حمّله حملا ثقيلا.

– أبصر الرّجل: دخل البصرة.

-أصبح الرّجل: دخل في الصّباح.

-أكرمت زيدا: وجدته كريما.

– أكثر الرّجل: كثر ماله.

نلاحظ من هذه الأمثلة، أنّ الصّيغة المزيدة لا تختصّ بالدّلالة على معنى واحد، وإنّما تأتي لمعان مختلفة يضبطها السّياق. إضافة إلى أنّ بعض المعاني يمكن أن تشترك فيها صيغتان أو أكثر. ومثال ذلك:

(9)- كثُر- أكثر- كثّر- استكثر: الكثرة ضدّ القلّة، والتّكاثر: التّباري بكثرة المال والولد. ويُقال كثُر الشّيء بضمّ العين في الماضي والمضارع: زاد. ويتعدّى الفعل بالهمزة أو التّضعيف فيقال: أكثر الشّيءَ وكثّره: زاد عليه. وقد يأتي المزيد بالهمزة لازما كقولهم أكثر الرّجل: إذا كثر ماله. والهمزة فيه للصّيرورة. والمضعّف يفيد معنى صيرورة القليل كثيرا. بينما صيغة {أفعل} تدلّ على الإكثار من الحدث. ويقال كذلك: استكثر من الشّيء: إذا طلب الكثير منه أو رغب فيه.

فالنّظر في هذه المشتقّات المزيدة، يكشف أنّها تتولّد عن بعضها. فلا تقف عند اشتقاق واحد، وإنما نجد فيها تعدّدا في اللّفظ والدّلالة. وعند التأمّل في الوحدات المعجمية ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها مجموعة من السّمات الدّلالية، لأنّه في أكثر الأحيان تتّفق كلمتان أو أكثر في كثير من الخصائص المقوليّة والدّلاليّة رغم الاختلاف في الصّيغة، فتكون السّمات الدّلاليّة هي الفيصل في التّفريق بينها. وعادة ما تكون هذه السّمات معاني جزئيّة لا يتوصّل إليها بيسر، وإنّما بما تفيده صرافم الزّيادة من معنى ومدى علاقته بمعنى الجذر ومعنى الجذع الأصليّ الذي تعود إليه هذه السّمات.

فالسّمات الدّلالية الموجودة في الفعل “خبُث” مختلفة عن تلك التي في “أخبَث”. فرغم دلالة كليهما على “الجعل” و”التحوّل” من صفة إلى أخرى أي”جعل نفسه تخبث” أو “جعل غيره يخبث” و”صار خبيثا”، فإنّ ” خبُث” تفيد أنّ التحوّل ذاتي. في حين “أخبث فلان فلانا”: جعله يخبث أو علّمه الخبث، يكون فيه المفعول محورا لأثر الفاعل فيه، وتحوّله من حال إلى حال ناتج عن فعل الجعل الصّادر من الفاعل. وبذلك يكون المفعول فاعلا في المعنى ولكّنه فاعل سلبي. فكأنّك قلت: “أخبثه فخبُث”. أي أنّه مفعول من حيث أنّ الفاعل النّحوي علّمه الخبث. وفاعل من حيث أنّه “خبُث”. والمعنيان في “أخبث” متلازمان، وإن كان أحدهما –وهو “الجعل”- هو الأظهر. وأمّا “خبُث”، فإنّه وإن كان يشبه “أخبث” في اتّخاذ الفاعل صفة جديدة، فإنّ الأظهر فيه فاعلية الفاعل.

بهذا يظهر أنّ المعايير الصّرفية ليست هي الحكَم النّهائي في التّمييز بين الوحدات المعجميّة المشتقّة من نفس الجذر، وأنّ للسّمات الدّلاليّة دورا أساسيا في ذلك، خاصّة إذا ما أردنا معرفة صلة المشتقّات المزيدة بالجذوع المجرّدة المشتقّة من نفس الجذر. فإذا كانت بعض الجذور تعطي صيغة واحدة على {فعُل} دون أن تشاركها {فعَل} و{فعِل} لا تثير إشكالا في علاقتها بالمشتقّات المزيدة، فإنّ أغلب الجذور تعطي صيغتين {فعُل- فعَل} أو {فعُل- فعِل} أو ثلاث صيغ {فعُل- فعَل- فعِل}. ما يجعل معرفة المشتقّات المزيدة المتّصلة بإحدى الصّيغ الثلاثيّة المجرّدة دون غيرها أمرا صعبا.

5-3-1صنف المشتقـّات ذات الصّلة المباشرة بـ{فعُل}:

احتوت مدوّنتنا على مجموعة من الجذور التي أعطت جذعا ثلاثيا واحدا على {فعُل}، وقد وجدنا من هذا الصّنف ستّة وأربعين(46) فعلا تفاوتت في عدد المشتقـّات المزيدة ذات الصّلة بها. إذ نجد من الجذوع ما لم يطلب أيّ مزيد كـ (01) “جهُن”: قرُب ودنا.

و ما طلب مزيدا واحدا كـ (11) “رذُل” رذالة ورُذُولة: ردُؤ فهو رذْل ورذيل. وقد تعلّق به مزيد واحدعلى {أفعل}، إذ نقول:”أرذل فلان”: فعَل فعلا رذيلا، و-الشّيء عدّه رذيلا.

ومنها ما طلب أكثر من ذلك، كــ (12) [ج ح س ن] الذي يعطي الفعل “حسُن” بمعنى صار حسَنا فهو حسَن وهي حسناء، (ج) حِسان. وهذا بدوره نشتق منه المزيدات التالية:

← {أفعل}– أحسَن: فعَل ما هو حَسَنٌ، و-الشيءَ: أجاد صنعه.

←{فعّل}- حسّن الشيءَ: جعله حسنا، و- زيّنه وأحسن حالته.

←{تفعّل}- تحسّن: تجمّل وتزيّن.

←{فاعَل} حاسَنه: عامله بالحسنى، و- به الناسَ: باهاهم بحسنه.

←{استفعل}- استحسنه: عدّه حسنا.

نلاحظ أنّ الفعل الثلاثيّ المجرّد على {فعُل} قد أعطى مشتقّات مزيدة على صيغ مختلفة منها اللاّزم (تحسّن، أحسن)، ومنها المتعدّي (أحسن، حسّن، حاسن، استحسن). ورغم اشتراكها في المعنى المعجميّ العامّ وهو الجمال والحسن الذي نجده في الجذر كما في الفعل المجرّد “حسُن”، فإنّ لكلّ صيغة سمة دلاليّة تميّزها عن غيرها مثل الجعلية في “حسّن” والصّيرورة في “تحسّن” واعتبار الشّيء على صفة في “استحسن”… وهكذا.

5-3-2-صنف المشتقـّات المتعدّدة الصّلات بالصّيغ الثّلاثيّة المجرّدة:

بيّنت مدوّنتنا أنّ أكثر الجذور تعلّقت بها صيغتان مجرّدتان أو ثلاث صيغ ما يجعل البتّ في المشتقـّات المزيدة ومدى صلتها بصيغة مجرّدة دون أخرى أمرا مشكلا. ولكنّنا نسعى قدر المستطاع إلى إدراك ذلك انطلاقا من السّمات الدّلاليّة التي نجدها في كلّ من الجذر والصّيغة المجرّدة وكذلك المشتقـّات المزيدة ومدى صلتها ببعضها.

نذكر من هذا الصّنف:(14) [ج ح س ب] الذي يعطي ثلاثة جذوع فعليّة تختلف حركة عينها هي: – حسُب الإنسان حَسَبا: كان له ولآبائه شرف ثابت متعدّد النّواحي فهو حسيب.

– حسَب المال ونحوه حِسابا وحُسْبانا: عدّه وأحصاه وقدّره، فهو حاسب.

– حسِب: ابيضّت جلدته من داء فهو أحسب وهي حسْباء (ج) حُسُب والشيءَ كذا:

ظنّه.

وقد أعطت هذه الجذوع المختلفة مشتقّات مزيدة متعدّدة في الصّيغة والدّلالة هي التّالية:

-{أفعَل}:- أحسَبَ: قال حسبي، و- الشيءُ: كفى و- فلان فلانا: أعطاه وأطعمه وسقاه حتى قال حسبي، ويقال: أعطاه فأحسبه: أجزل العطاء.

– {فعّل} – حسّبه: أذاع حسبه، وعدّد مناقبه، و- فلان فلانا: أحسبه.

– {تفعّل}- تحسّب الأمرَ: سعى في معرفته.

– {فاعَل} – حاسبه محاسبة وحِسابا: ناقشه الحساب، و- جازاه.

– {تفاعل}- تحاسبا: حاسب أحدهما الآخر.

– {افتعل}- احتسب بكذا: اكتفى به، و-على فلان الأمرَ: أنكره، و-الأمر:حسِبه وظنّه،

واعتدّ به.

فقد دلّ الفعل “حسُب” بزنة {فعُل}، على صفة ثابتة هي من قبيل الطّبائع وهي الشّرف الثـّابت. فأفاد توجيه الحدث إزاء الفاعل من زاوية كونه محدثا إحداثا سلبيّا، فهو خفيّ غير مدرك، أو هو قوّة مجهولة تمتنع تسميتها أو لا يفيد ذكرها. وقد أسند الفعل إلى فاعله لمقتضيات بنية إعرابيّة تستوجب الملء.

ودلّ الفعل “حسَب” بزنة {فعَل}، على حدث هو من قبيل الأعمال وهو العدّ والإحصاء؛ فأفاد توجيه الحدث إزاء الفاعل من زاوية كونه محدثا إحداثا إيجابيا. أي أنّه يأتي الحدث إتيانا إراديا.

ودلّ الفعل “حسِب” بزنة {فعِل} على علّة أو حالة طارئة، هي “بياض الجلدة من داء”، عندما ورد لازما، وعلى الاعتقاد عندما أتى متعدّيا. وقد أفاد توجيه الحدث إزاء الفاعل من زاوية كونه محدثا إحداثا متردّدا بين الإيجاب والسّلب، لأنّها أحوال تلابسه وقد أحدثتها عوامل أخرى، وهو في ذات الوقت محدث لها يملك التصرّف فيها ([2]).

ونلاحظ هنا أنّ الأفعال الثلاثيّة المجرّدة تكون إمّا أحداث صفات أو أحداث أعمال. وأنّ صدورها عن نفس الجذر يحقّق ائتلافها الجزئيّ من حيث الأصوات المكوّنة لها والمعنى العام الذي يفيده الجذر. ولكنّ الصّيغة التي تأخذ شكلها حروف الجذر، تجعل كلّ فعل يختصّ بدلالة تميّزه عن غيره. ونسجّل هنا الدّلالات الرّئيسية الأكثر حضورا في جميع الكلمات المشتقّة على صيغ مزيدة، علّنا ندرك بذلك صلاتها بالصّيغ الثلاثيّة المجرّدة. لأنّه إن كانت {فعُل} تشترك مع {فعَل} و{فعِل} في المشتقّات المزيدة، فإنّ السّمات الدّلاليّة يمكن أن تكون الفيصل في تحديد العلاقات بينها وبين ماله صلة بها، مقارنة بالصّيغتين الأخريين وما يتّصل بهما.

وبهذه الاعتبارات نجد أن [ج ح س ب] أعطى ثلاث صيغ بزنة {فعُل} و{فعَل} و{فعِل}. وهذه الصّيغ اقترنت بها صيغ مزيدة على {أفعل} و{فعّل} و{فاعل} و{تفاعل} و{افتعل}. ولكنّ الغموض يسود علاقة الصّيغ المجرّدة بالمزيد. حيث لا ندرك بيسر إن كانت {افتعل} مثلا، ذات صلة بـ{فعُل} أم بـ{فعَل} أم بـ{فعِل} . وهنا لابدّ من البحث في السّمات الدّلاليّة التي يحافظ عليها الفعل المزيد في الاشتقاق على صيغة معيّنة فنعرف علاقته بالصّيغة المجرّدة التي يعود إليها.

فحين ننظر في “حاسَب” بزنة {فاعَل}، نجد أنّه يعني “ناقش الحساب مع المفعول”. وهو أيضا ما يفيده “تحاسب” بزنة {تفاعل}. فحافظ الفعلان بذلك على سمة العدّ والحساب التي نجدها في “حَسَبَ”. ما يعني انتماءها جميعا إلى نفس المجموعة. ولكن عندما ننظر في “احتسب” بزنة {افتعل}، نجد أنّه يعني “احتسب أخطاءه”، أي عدّدها وهذا يرجعه إلى “حَسَب”. كما يعني “ذكر حسبه”، فيكون فعلا انعكاسيّا له صلة بـ”حسُب”. كما يعني ” احتسَب الأمر: أي حسِبه وظنّه” ما يجعله ذا صلة بـ”حسِب”.

وهذا يعني أنّ “احتسب” يعمل للصّيغ الثّلاثيّة المجرّدة جميعا وذلك بسبب من تعدّد دلالاته. فقد حافظ في اشتقاقه على سمات دلاليّة تجعله ذا صلة بـ”حسُب” و” حسَب” و “حسِب”.

ولكنّ الملاحظ أن الصّيغ الثلاثيّة المجرّدة نفسها تربطها صلات ائتلافيّة بسبب اشتراكها في الحروف الأصول. فلا بدّ أن ينجرّ عن ذلك توافق دلاليّ يكون جزئيّا ظاهرا أو خفيّا. فالشّخص لا يمكن أن يكون ذا حسب (في حسُب) إلاّ إذا عدّد حسبه. كما أنّ الظنّ (في حسِب) نوع من الحساب الذي يقع في الذّهن. وبذلك تحمل “حسُب” و”حسِب” بعض السّمات الدّلاليّة التي تحملها “حسَب” أي العدّ الخارجيّ الذي يقع خارج الذّهن.

ويزداد الأمر تأكيدا عندما ننظر في “حسّبه” بزنة {فعّل}. الذي يفيد “أذاع حسبه وعدّد مناقبه”، فنجد أنّ الصّيغة تشتغل على جهتين. فهي تدلّ على “حدث صفة” يتعلّق بالحسب والشّرف فتقترن بـ”حسُب”؛ وتدلّ على “حدث عمل” يتعلّق بالعدّ والحساب، فتقترن بـ”حسَب”.

وهذا يعني أنّ الصّيغة المزيدة إذا تعدّدت دلالاتها تعدّدت صلاتها بالصّيغ الثلاثيّة المجرّدة. وإذا أفادت دلالة واحدة اقترنت بصيغة مجرّدة واحدة. وهو أمر يدعم خاصّية الانتظام في الاشتقاق في اللّغة العربية.

والسّؤال الذي يطرح هو: متى يمكن القول إنّ صيغة مزيدة ما تتّصل بـ{فعُل} وليس بـ{فعَل} أو {فعِل}، ومتى يثبت العكس؟

نسعى للإجابة على هذا الطّرح انطلاقا ممّا توفّر لنا من إحصاءات تتعلّق بمختلف المشتقـّات المزيدة ومدى صلتها بصيغة ثلاثيّة دون إخرى، أو اتّصالها بأكثر من صيغة ثلاثيّة.

6) العلاقات الدّلالية بين الصّيغ المزيدة والصّيغ المجرّدة: إنّ صلة الصّيغة {فعُل} بالمشتقـّات المزيدة تكون على درجات متفاوتة. إذ لا يمكن أن نشتقّ من كلّ فعل ثلاثيّ كلّ الصّيغ المزيدة فلا بدّ من مراعاة الاستعمال. ولذلك يكثر وجود صيغ مزيدة {كأفعل، وفعّل، وتفعّل} … ويندر وجود أخرى كـ{انفعل}، و{افعلّ} و{افعالّ} و{افعوعل}.وسنكتفي في تحليل هذا العنصر بصيغتين مزيدتين هما [أفعل] باعتبارها من الصّيغ المطّردة أكثر من غيرها، والصّيغة [افعوعل] باعتبارها من الصّيغ قليلة الاستعمال.

6-1-أفعل: عند تحليلنا لمواد هذه الصّيغة لاحظنا ما يلي:

– أنّ 78 فعلا من مجموع 227 على وزن {أفعل} بدت صلتها بـ{فعُل} واضحة، بنسبة تعدل 34.36 %، وبنسبة 7.10% من مجموع المشتقـّات المزيدة في مدوّنتنا البالغ 1098 مشتقـّا على اختلاف صيغها.

– أنّ 45 فعلا من مجموع 227 على {أفعل} بدت صلتها بـ{فعَل} أوضح، وذلك بنسبة تعدل 20%.

– أنّ 23 فعلا من مجموع 227 على {أفعل} بدت صلتها بـ{فعِل} أوضح، وذلك بنسبة تعدل 10.12%.

– أنّ 81 فعلا من مجموع 227 على وزن {أفعل} اتّسمت بالغموض فبدت متعدّدة الصّلات أي بـ{فعُل} و{فعَل} و{فعِل} على حدّ سواء، وذلك بنسبة تعدل 35.68%، وهو ما يدخل في إطار ما يسمّى المشترك اللّفظي أو المشترك الدّلالي.

ومن النّوع الأوّل الذي تبدو فيه صلة {افعل} بـ{فعُل} واضحة نذكر:

(15) *حلـُم حِلـْما: تأنّى وسكن عند غضب أو مكروه مع قدرة وقوّة، و- صفح، و- عقل.

*حلـَم حُلـْما وحُلـُما: رأى في نومه رؤيا.

*حلِم البعير حَلـْما: كثر عليه الحَلـْم، و- الجلد: وقع فيه دود فتثقّب وفسد.

← أحلم الرّجل: ولد أولادا حُلَماء، أي عقلاء.

فنلاحظ أنّ “أحلم” متّصل دلاليا بـ”حلـُم”، باعتبار أنّ كليهما يتعلّق بالمصدر “حِلـْم” المشتقّ مباشرة من [ج ح ل م]. في حين يبدو أنّ “الحُلـُم” بمعنى الرّؤيا و”الحَلـْم” بمعنى الدّاء الذي يصيب الجلد مختلفان عن معنى الحِلم الذي في “حلـُم”، ما يؤكّد أنّ الصّيغة {فعُل} في هذه الأمثلة هي الأصليّة، وأنّ الصّيغتين الأخريين {فعَل} و{فعِل} ناتجتان عن تحويل صيغيّ ودلاليّ بسبب من تعدّد اللّهجات عند العرب.

ومن النّوع الثّاني الذي تبدو فيه صلة {أفعل} بـ{فعَل} أوضح نذكر:

(16) *حمُشت قوائم الدّابّة حماشة وحُموشة: دقـّت.

*حمَش وغيرَهم حَمْشا: جمعهم، و- فلانا: هيّجه وأغضبه، و- القومَ:ساقهم بغضب.

*حمِش الرّجلُ حِمَشا: كان دقيق السّاقين، و- اللّثة:قلّ لحمها.

←أحمش النّارَ:ألهبها وقوّاها بالحطب، و-الشّرّ:هيّجه، و-القومَ:حرّضهم على القتال.

ويمكن توضيح المثال بالشّكل التّالي:

نلاحظ أنّ [ج ح م ش] مع الصّيغة {أفعل} يفيد معاني الإثارة والتّحريض والدّفع والتّهييج. وهي معان تتّصل وثيقا بالمعاني التي أفادتها الصّيغة الثّلاثيّة {فعَل}، في حين أنّ الصّيغتين {فعُل} و{فعِل} أفادتا معنى هو من قبيل الصّفات غير المحمودة، وهذا لا صلة له بمعاني {فعَل} ولا {أفعل}، ما يعني أنّ ما يجمع هذه الصّيغ جميعا هو الجذر[ح م ش]، ويمكن تصنيفها ضمن المشترك اللّفظي الذي يقوم على التّوافق في الجذر والاختلاف في الدّلالة. وعلى هذا الأساس تكون {أفعل} متّصلة اتّصالا وثيقا بـ{فعَل}، وتكون {فعُل} و{فعِل} نوعا من التّوسّع في الاستعمال والخروج عن المعنى الأصليّ الذي وضع له الجذر[ح م ش].

ومن النّوع الثّالث الذي تبدو فيه صلة {أفعل} بـ{فعِل} أوضح نذكر:

(17)*برُؤ بُرْءا و بَرْءا: كان سليم الصّدر، خالص النّية، و- بريء الذمّة: خالص من الدّين.

*برَأ اللّه الخلقَ: خلقهم فهو بارئ.

*برِئ المريضُ: شُفي.

← أبرأ اللّه المريض: شفاه.

ويمكن توضيح المثال بالشّكل التّالي:

نلاحظ أنّ [ج ب ر ء] والصّيغة {فعِل} قد اتّفقا في المعنى وهو البُرْء والشّفاء في حين أفادت {فعَل} معنى الخلق، وأفادت {فعُل} معنى النّية الخالصة والصّدر السّليم وبراءة الذمّة، ما يعني مخالفة المعنى الأصليّ في الجذر. وهذا على خلاف صيغ مزيدة أخرى مثل {فعّل} مع هذا المثال، إذ تفيد “برّأه من العيب والذّنب والتّهمة: أعطاه البراءة منه”.وهو معنى له صلة واضحة بما أفادته {فعُل}.

ومن النّوع الرّابع الذي تبدو فيه الصّلة بين {أفعل} والصّيغ الثلاثيّة المجرّدة ملتبسة نذكر: (18)*حرُض حَراضة: طال همّه، ورذُل وفسد.

*حرَض حُروضا: كلّ وأعيا، و-أشرف على الهلاك، و-فسد خلقه أوعقله أومذهبه، و- الشّيءَ: أفسده.

*حرِض الثـّوب: بليت طرّته، و-فلان: فسدت معدته، وأذابه الهمّ.

← أحرض فلان: ولد له ولد سوء، و-الحبّ ونحوه فلانا: أشقاه.

نلاحظ أنّ المعنى الذي أفادته “أحرض” قد ورد موزّعا على الصّيغ المجرّدة الثّلاث {فعُل} و{فعَل} و{فعِل}، فأفادت كلّ منها جزءا ممّا أفادته الصّيغة المزيدة {أفعل}. وبسبب من هذه الصّلات الدّلاليّة بين الصّغ المجرّدة والصّيغة المزيدة والجذر، تصنّف هذه البنى ضمن المشترك الدّلاليّ. وهو ما يجعل إمكانيّة الجزم بأصليّة صيغة منها دون الأُخَر أمرا صعبا، إذ لا يمكن إدراك أيّ الصّيغ أصل وأيّها فرع. والملاحظ أنّ نسبة هذه الأمثلة مرتفعة نسبيا إذ بلغت ما مجموعه 81 فعلا مزيدا على {أفعل} تبدو علاقاتها موزّعة على صيغتين أو أكثر من الصّيغ الثلاثية المجرّدة.

6-2 افعوعل:

من خلال تحليلنا لمواد هذه الصّيغة لاحظنا ما يلي:

– أنّ فعلين اثنين من مجموع ثلاثة على وزن {افعوعل} لهما صلة دلالية واضحة بـ{فعُل} ، بنسبة تعدل 66%، وبنسبة 0,18% من مجموع المشتقّات المزيدة البالغ عددها 1098 مشتقّا واشتملت عليها مدوّنتنا على اختلاف الصّيغ.

– أنّ فعلا واحدا من مجموع ثلاثة على وزن {افعوعل} له صلة بـ{فعُل} و{فعِل}.

فمن النوع الأوّل نذكر:

(19) *خشُن خشونة: غلظ ملمسه فهو خشِن.

← اخشوشن: اشتدّت خشونته، و-لبس الخشن أو أكله أو تعوّده.

فقد أتت صلة الفعلين ببعضهما من حيث أنّهما يعودان إلى جذر واحد [ج خ ش ن]، أعطى صيغة ثلاثية واحدة على {فعُل}.

(20)* عذب الطّعام والشّراب عذوبة: ساغ.

* عذَب عذْبا: ترك الأكل لشدّة العطش، و-فلانا عن الشّيء: منعه وكفّه.

← اعذوذب الماء وغيره: ساغ.

نلاحظ اختلافا بيّنا بين معنى عذوبة الماء والطّعام الذي أفادته الصّيغتان {فعُل} و{افعوعل} ومعنى الامتناع عن الأكل الذي أفادته {فعَل} ما يعني أنّنا إزاء جذر واحد أعطى {فعُل} ثم أقرّ الاستعمال صيغة {فعَل}، أو أنّنا إزاء جذرين بنفس الحروف الأصول أعطى أحدهما {فعُل} و{افعوعل}، وأعطى الأخر {فعَل}.

أمّا الفعل الذي كانت له صلات دلاليّة مزدوجة بـ{فعُل} و{فعِل} فهو:

(21)← “اخلولق” الثوب والجلد: بلي، و-قارب.

* خلُق الثوب والجلد خَلاقة: بليَ، و-فلان بكذا وله: جدُر فهو خليق: جدير به.

* خلَق الله العالم: صنعه وأبدعه.

* خلِق الثوب والجلد: بلي.

كما تلاحظ فإنّ “بلي الثوب والجلد” الذي أفادته الصّيغ {فعُل} و{فعِل} و{افعوعل} يخالف مخالفة بيّنة معنى الخلق والإبداع الذي أفادته {فعَل}. وهذا يعني أنّ {افعوعل} لها صلات دلاليّة مع {فعُل} و{فعِل}. وأمّا {فعَل} فهي صيغة اشتقّت من جذر ثان [ج خ ل ق] يتّفق مع الجذر الذي اشتقّت منه {فعُل} و{فعِل} و{افعوعل} في الحروف الأصول ويختلف معه في المعنى.

والخلاصة أنّه رغم الغموض الذي يسود علاقة الصّيغ المجرّدة بالصّيغ المزيدة وصعوبة إرجاعها إلى صيغة دون غيرها، فإنّ تتبّع السّمات الدّلاليّة الظّاهرة والضّمنيّة التي تحافظ عليها الصّيغة المزيدة في الاشتقاق، تمكّن من معرفة صلتها بالصّيغة المجرّدة التي تعود إليها. فإذا كان لنا مع {فعُل}: {فعَل} أو {فعِل}، وكان لنا مزيد من نفس الجذر الذي عليه هذه الثّلاثة، فإنّ هذا المزيد: إمّا أن يكون مشتركا بين الصّيغتين أو الثّلاث صيغ. وإمّا أن يكون لإحداها دون الأخرى أو الأخريين. وإمّا أن يكون المزيد في ظاهره اللّفظي واحدا، وهو بتحليل دلالته متعدّد بحسب ما بين الصّيغ الثّلاث من اختلاف.

خـــــــاتــــمة:

نخلص من هذا التحليل إلى الملاحظات التّالية:

– أنّ المداخل المعجميّة المستخرجة من مدوّنتنا ثلاثة أصناف: فإمّا أن يكون لها صيغة واحدة {فعُل} ، وإمّا صيغتان {فعُل- فعَل} أو {فعُل – فعِل}، وإمّا ثلاث صيغ {فعُل – فعَل – فعِل}. وهو ما يعني أنّ نسبة هامّة من المداخل تعتبر من المشترك الذي يحتوي كثيرا من اللّبس والغموض في الدّلالة. ولذلك وجدنا من النّماذج ما اختلفت صيغته واتّفق في المعنى، وفيها ما اختلفت صيغته ومعناه، وفيها ما اتّفقت صيغته واختلف معناه، كما لاحظنا أنّ حالات المقابلة بين الضمّة والكسرة {فعُل/فعِل} أقلّ من حالات المقابلة بين الضمّة والفتحة {فعُل/فعَل}؛ فمن الواضح أنّ التّمييز بين دلالات {فعُل} ودلالات {فعِل} ليس أساسيّا في النّظام، وذلك على خلاف التّمييز بين دلالات {فعُل} و{فعَل}.

  • أنّه لا يمكن صياغة ما نريد من الأفعال المزيدة من أيّ أصل من الأصول، وأنّ الاستعمال هو المحدّد للصّيغ الممكن اشتقاقها من أصل واحد.
  • أنّ الصّيغ المزيدة يمكن نظريا أن تقترن بمعان متعدّدة، ولكنّ الاستعمال يمحّضها للدّلالة على معنى محدّد. كما أنّ معنى واحدا يمكن أن تفيده صيغتان مختلفتان مثل اشتراك {أفعل} و{فعّل} و{استفعل} في الدّلالة على الجعلية.
  • أنّ دلالة المشتقّات الفعلية المزيدة قائمة على الجمع بين معنى الجذر والمعنى الذي تحمله الصّيغة الصّرفية، بحكم انتمائها إلى أنماط صيغيّة معلومة تساهم إلى حدّ كبير في تحديد معناها والرّبط

بين أشكال الكلمات ومحتوياتها، بين دوالّها ومدلولاتها.

  • أنّه إذا كان لنا مع {فعُل}: {فعَل} أو {فعِل}، وكان لنا مزيد من نفس الجذر الذي عليه هذه الثـّلاثة، فإنّ هذا المزيد: إمّا أن يكون مشتركا بين الصّيغتين أو الثـّلاث صيغ. وإمّا أن يكون لإحداها دون الأخرى أو الأخريين. وإمّا أن يكون المزيد في ظاهره اللّفظي واحدا، وهو بتحليل دلالته متعدّد بحسب ما بين الصّيغ الثـّلاث من اختلاف.
  • أنّ الأفعال المزيدة التي تأتي على صيغة واحدة وتفيد نفس المعنى العام كالجعلية مثلا، أو المشاركة، لا تفيده على نفس الشّاكلة، وإنّما ثمّة خاصّيات اختلافية تميّز كلّ فعل مزيد عن غيره. وفي هذا دليل على أنّ الصّيغة المزيدة ليست حصيلة الجعلية أو المشاركة أو المطاوعة أو غيرها والجذر. فإنّ “أكرم” مثلا، أكثر من مجرّد جمع الهمزة مع الجذر [ك ر م]. فيكون الكلّ مختلفا عن مجموع أجزائه.
  • أنّ المعايير الصّرفية ليست هي الحكم في التّمييز بين الوحدات المعجميّة المشتقّة من نفس الجذر، وأنّ للسّمات الدّلاليّة دورا أساسيّا في ذلك. فلئن كانت{فعُل} تشترك مع {فعَل} و{فعِل} في المشتقّات المزيدة، فإنّ السّمات الدّلاليّة الخاصّة بكلّ صيغة يمكن أن تكون الفيصل في تحديد العلاقات بينها وبين ماله صلة بها.

د. شكري الشريف جامعة جندوبة تونس

المراجع:

العربية:

  • ابن جنّي أبو الفتح عثمان(392هـ):- 1990، الخصائص، تحقيق محمد علي النّجار، دار الشؤون الثّقافية، بغداد، ط4.
  • ابن هشام عبد الله بن يوسف (761هـ):1987، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية،صيدا، بيروت.
  • أولمان ستيفان: 1962، دور الكلمة في اللغة ، ترجمة كمال محمد بشر، مكتبة الشباب، القاهرة.
  • الزناد لزهر: 1998 ،المعجم في اللغة العربية: تولّده وعلاقته بالتركيب، أطروحة دكتورا دولة (مرقونة) كلية الآداب بمنوبة، تونس.

– الاستراباذي رضي الدين (686 هـ) :- 1975 ،شرح شافية بن الحاجب ، دار الكتب العالميّة بيروت.

  • سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر: 1977،الكتاب،تحقيق عبد السلام هارون،

الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.

  • السيوطي جلال الدّين(911 هـ): -المزهر دار الجيل، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، د.ت.
  • الفاسي الفهري عبد القادر: -1986 ،المعجم العربي:نماذج تحليلية جديدة، دار توبقال للنّشر، الدار البيضاء، المغرب.
  • 1988،اللسانيات واللّغة العربية:نماذج تركيبية ودلالية، دار توبقال للنّشر، الدار البيضاء، المغرب، ط2.
  • 1990،البناء الموازي،نظرية في بناء الكلمة وبناء الجملة، دار توبقال للنّشر، الدار البيضاء، المغرب.

الأعجمية:

Anderson Stephen: 1988, Morphological Theory in:Fr.New Meyer(éd( linguistics: The Cambridge University Press.

Aronoff Mark: 1976, Word Formation in Generative Grammar,

Massachusetts, MIT Press, Mars.

Corbin Danielle:-1987, Morphologie dérivationnelle et structuration de Lexique, Presses Universitaires de Lille, Lille.

-1991, La formation des mots : Structure et Interprétation, Pul (in

Lexique n°10) pp7-30.

  1. () انظر corbin ،1987، ص ص 416-421. وقد وقع التّمييز في هذه النّظرية بين الكلمات التي تنشأ دلالتها عن عمل صرفي اشتقاقي، وهي الكلمات المصوغة صرفيا (ك م ص)، ((les mots construits morphologiquement (MCM) ، والكلمات التي نشأت دلالتها عن أصول قديمة، وهي الكلمات غير المصوغة صرفيا (ك غ م ص) (les mots non construits morphologiquement(MNCM)). والنّوع الأوّل من الكلمات يخضع لقواعد صرفية تسمح بتفسير ظهور الوحدات المعجمية الجديدة والإخبار عن دلالتها، كما تسمح بمعالجتها خارج السّياق باعتبارها أفرادا لغوية مستقلّة لها خصائصها المميّزة.

    وأمّا النّوع الثاني من الكلمات، وهي التي لا صلة لدلالتها بأبنيتها الصّرفية فترجع إلى الدّلالة المعجمية الخالصة. وهذا النّموذج الوصلي هو أساسا نموذج منتظم متراتب Stratifié)) يشتمل على ثلاثة مستويات هي: (انظر،1987، Corbin(D)،ص ص416-421).

    المكوّن الأساسLe composant de base)): و يشمل الكلمات غير المصوغة وكل العناصر التي تصاغ بها الكلمات المعقّدة (Mots complexes). وتتمّ معالجة الانتظامات الشّكلية والدّلالية التي تظهر في هذا المستوى بواسطة قواعد الأساس(Règles de bases)، باعتبارها قواعد اطّراد ذات وظيفة وصفية تقويمية.

    – المكوّن الاشتقاقي(Le composant dérivationnel): وفيه كلّ الكلمات الممكنة المشتقّة. وهو منتظم تمكّن فيه قاعدة صوغ الكلمات (ق ص ك) من إنتاج عدد لا متناه من الكلمات المصوغة انطلاقا من عناصر أوّلية أساسية.

    – المكون الاتّفاقي الاصطلاحي(Le composant conventionnel): هو مجال الانتظام الجزئي والاستعمالات الخاصّة يقع فيه الاهتمام بقائمة الكلمات الاصطلاحية أي التي لا تنبئ أشكالها بدلالتها المحتملة.

  2. () انظر لمزيد التوسّع: لزهر الزناد، 1998، ج 2، ص ص 743، 746