المناهج التربوية التقليدية: أصالتها وقابلية توظيفها في حل أزمة الهوية والانحلال الخلقي في مجتمعاتنا المسلمة (منهج الطريقة المريدية نموذجا)

أحمد انداك لوح1

1 أستاذ-باحث في كلية علوم وتكنولوجيا التربية والتكوين بجامعة شيخ أنتا جوب، دكار، السنقال.

بريد الكتروني: ahmedoundack@yahoo.fr

HNSJ, 2022, 3(10); https://doi.org/10.53796/hnsj31038

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/10/2022م تاريخ القبول: 24/09/2022م

المستخلص

يُعتبر الانحلال الخلقي وتدني مستوى السلوك والحياء من الظواهر الجديدة الغريبة علينا. وهي عموما قد انتشرت في مجتمعنا عن طريق الاحتكاك بالثقافة الاستعمارية الغربية ومناهجها التربوية التي تتناقض مع حقائقنا الاجتماعية. ومما يؤكد هذا الطرح أننا عند ما نتابع وسائل الإعلام المختلفة، والتصريحات التي يدلي بها مستخدمو قنوات التواصل الاجتماعي ومتصفحو برامجها المختلفة على وجه الخصوص نكتشف أن الرأي العام المحلي قد أجمع على أن أزمة الهوية والأخلاق التي تعيشها بلادنا السنغال تعود في الأغلب إلى أسباب عديدة، أبرزها: تفشّي الجهل والأمية وتدنّي مستوى الوعي وسيطرة المادة على النفوس وتحكيم الأهواء وغياب الوازع الديني. ولا توجد وسيلة للتغلّب على هذه الأزمات الحضارية ومحاربة الانحلال الخلقي إلا التوقّف واستلهام الذات ومراجعة تاريخنا الديني والاجتماعي وإلقاء نظرة فاحصة إلى الأساليب والطرق التربوية القديمة التي كانت تُستخدم قبل دخول الإسلام وانتشار ثقافته في المنطقة، أو خلّفها لنا الروّاد الأوائل من الآباء المؤسسين المغَيَّبين في مناهجنا التربوية، والتطرّق لدور المدارس الفكرية المحلية التي لا تعد ولا تُحصى كثرة، ومراجعة ثوابتها وأثرها في تكوين الشخصية القوية المحافظة على هويتها الدينية والوطنية،. وللاستدلال على أننا لا نعدم طرقا تربوية محلية أصيلة يمكننا – من خلالها- حل منغلقات جزء كبير من أزمة الهوية وتدنّي مستوى السلوك والأخلاق نقتبس لقطات من منهج الشيخ أحمد بامبا امباكى وفلسفته التربوية كنموذج واحد من عديد النماذج والأمثلة عن مناهج التربية وأساليب التكوين المطبقة في مدارسنا الفكرية والصوفية. ويعتبر الاستمرار في التنكّر للماضي وتجاهل ما خبّأت كنوزه من المفاهيم والرؤى المتعلقة بمناهج وفلسفات التربية مضيعة للوقت.

الكلمات المفتاحية: إيمان- أخلاق- وازع ديني – تربية – سلوك- فضيلة- رذيلة – تأهيل- انحلال خلقي- تهذيب – تكوين- تعليم- هوية- تراث- وعي- جهل- أمية – أهواء.

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله خلق الإنسان فسوّى خلقه ثم هداه إلى صراطه المستقيم وصلى الله على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿… إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم… ﴾ [الرعد: 11]

لا بد من الاعتراف بداية أن مجتمعنا قد عرف الانحلال الخلقي، مثله في ذلك مثل جميع المجتمعات، لكنه لم يكن متفشيا كما هو اليوم؛ بل كان في حكم العدم، بسبب ترسّخ مبادئ أساسية في ذاكرته، متمثلة في: التمسّك بالدين والأعراف القبلية العريقة المتوارثة من الأسلاف. ويُعتبر الانحلال الخلقي وتدنّي مستوى السلوك والحياء من الظواهر الجديدة على مجتمعنا، حيث بدأت ملامحه تظهر منذ الاحتكاك بالثقافة الاستعمارية الغربية ومناهجها التربوية التي تتناقض مع حقائقنا الاجتماعية القومية. وعند متابعة وسائل الإعلام المختلفة والتصريحات التي يدلي بها مستخدمو قنوات التواصل الاجتماعي ومتصفحو برامجها المختلفة على وجه الخصوص يتأكد لنا أن الرأي العام المحلي يُجمع على أن أزمة الهوية والأخلاق التي تعيشها بلادنا السنغال تعود في الأغلب إلى أسباب عديدة، أبرزها: تدنّي مستوى الوعي وتفشّي الجهل والأمية وسيطرة المادة وتحكيم الأهواء وغياب الوازع الديني. ما يعني ضمنا أن نظامنا التربوي وجلّ البرامج والخطط التنموية قد فشل فشلا ذريعا، بالرغم من ضخامة الميزانيات الهائلة التي تُرصد لقطاع التربية والتكوين، خاصة بعد تغير الحكم في السنغال عام 2000م. ومن غير المنتظر أن تنجح برامج الإصلاح التربوي التي تُعتبر في الوقت الراهن مطلبا اجتماعيا ملحّا ما دام المسئولون عن قطاع التكوين يقدمون التعليم البحت على التربية التي تساعد في سدّ حاجتين من أهم حوائج الإنسان، وهما: الاحتفاظ بتراثه الثقافي، وتعزيزه ثم نقله إلى مَنْ بَعده من الجيل الجديد[1]. ولكي يتحقق ذلك لا بد من إعادة النظر في النظام التربوي الرسمي، وغربلة طرقه وأساليبه لإزالة العيوب والمكونات التي لا تتطابق مع فكر وواقع مجتمعنا، وبالتالي العودة إلى تراثنا الثقافي وتفعيله لانتقاء الجوانب النافعة منه. ولا توجد وسيلة للتغلّب على أزماتنا الحضارية إلا التوقّف واستلهام الذات ومراجعة تاريخنا الديني والاجتماعي الذي خلّفه لنا الروّاد الأوائل من الآباء المؤسسين المغَيَّبين في مناهجنا التربوية، والمنسيّين غير المعروفين لدى أوساط المثقفين من بني جلدتهم، ناهيكم عن العامة الغوغائيّين. ونتيجة لضياع عدد كبير من مؤلفاتهم وسياسات التغريب التي انتهجتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية أيام حكمها لأراضينا، وتجاهل من حُكّموا على الإدارة بعد الاستقلال من أبناء بلدنا المستوعَبين في بوتقة الثقافة الاستعمارية الغربية حُرمنا من الاستفادة من ذلك الكمّ الهائل من التراث الذي خلّفوه للأجيال الصاعدة. ولكيلا يكلف مشروع محاربة الانحلال الخلقي مزيدا من الوقت والمال والجهد فلنُراجع الدور المحوري الذي لعبته المؤسسات التربوية والتعليمية قبل قدوم الاستعماريين، للوقوف على ثوابتها وأثرها في تكوين الشخصية القوية المحافظة على هويتها الدينية والوطنية. ومن ثم نُلقى نظرة فاحصة إلى الأساليب والطرق التربوية القديمة التي كانت تُستخدم قبل دخول الإسلام أو تَلتْ انتشار ثقافته في المنطقة، وما تبع ذلك من تحوّلات اجتماعية عميقة اعترت حياة المجتمع السوداني لَما وجد نفسه وجها لوجه أمام الإدارة الاستعمارية الفرنسية التي حشدت كل طاقاتها في سبيل تكريس هيمنتها ونشر لغتها وثقافتها ابتداء من النصف الثاني للقرن التاسع عشر الميلادي. ولا يمكن حلّ هذه الأزمات الخانقة التي نعيشها في هذه الآونة بدون مراجعة تراثنا القومي، واستنباط ما فيه من كنوز معرفية وأخلاقية هائلة ويعتبر الاستمرار في التنكّر للماضي وتجاهل ما خبّأت كنوزه من المفاهيم والرؤى المتعلقة بفلسفة التربية المحلية مخاطرةً بمستقبل شباب هذه الأمة. وعليه سأكتفي بدراسة جانب من منهج الشيخ أحمد بامبا امباكى[2]، ومدى ارتباط فلسفته التربوية بالدين والأخلاق، وإمكانية الاعتماد عليها في حل ما نحن بصدد البحث عنه كنموذج واحد من عديد النماذج والأمثلة عن مناهج التربية وأساليب التكوين لدى الطرق الصوفية للاستدلال على أننا لا نعدم طرقا تربوية محلية أصيلة يمكننا – من خلالها- حل منغلقات جزء كبير من أزمة الهوية وتدنّي مستوى السلوك والأخلاق اللذين يشكو منهما الجميع.

إشكالية المقالة

تدنّي مستوى السلوك والأخلاق في الشارع العام؛ بل في البيوت وأماكن العمل الخاصة والعامة ليس وليد اليوم. فقد ظهرت بوادره منذ عقود خلت، بدليل وجود كتابات وأعمال فنية مختلفة تدعو إلى مواجهته واستئصاله قبل فوات الأوان. لكن المجتمع – مع الأسف – قد تنكّر له منذ البداية، مُبديا عدم اكتراثه بمؤثراته الهدّامة، وكانت النتيجة الطبيعية أن استفحل وعمّ في جميع الأوساط والشرائح دون استثناء، حتى القروية المحافظة منها. ولا يخفى على أحد أن الخلل بجميع أصنافه قد تفشي في جميع الأوساط والشرائح الاجتماعية المختلفة، خاصة في عصر تكنولوجيا المعلومات والعولمة الذي نعيش فيه، حيث تحول العالم إلى قرية صغيرة، بسبب توسّع دائرة استخدام شبكة المعلومات الدولية [الانترنت- Internet] وقنوات التواصل الاجتماعي -Réseaux sociaux (الفيسبوك- Facebook واليوتوب- Youtubeوالتويتر–Tweeter والاينستغرام Instagram – والواتساب – WhatsApp وغيرها). ولو كان الخلل مقتصرا على شريحة الشباب فحسب، لكنه تعداهم إلى من يكبرهم من المسئولين السلطويين في الدولة وغيرها. فالخلل المتفشي عامّ، لا تنجو منه شريحة دون أخرى (خلل نفسي وديني واجتماعي واقتصادي) وهو في تضخم مستمر وازدياد مطرد، وكلما يمر يوم فالمصيبة تكبر وتتفاقم.

ما جعلنا نحكم بأنه قد آن الأوان أن نعلن جميعا حالة الطوارئ وخطة إنقاذ عام لمواجهته، فالشعب يعتبر حله مطلبا اجتماعيا يجب على السلطات أن تلتفت إليه سريعا وتبحث عن حلول ناجعة له.

منهجية الدراسة

ولمعرفة أنماط الأنظمة التربوية في بلادنا قديما، وعند كل من الحضارتين العربية – الإسلامية والغربية – الاستعمارية، وملامح كل منها، ومدى تأثيره في بناء مواطن نموذجي محب لوطنه، وكذلك الرؤى المحلية المقترحة لإعادة صياغة المشروع التربوي الهادف إلى مواجهة الانحلال الخلقي المتفشي في المجتمع، ومن أجل إنجاز هذا العمل اعتمدنا على المنهج التاريخي الوثائقي الوصفي الذي سمح لنا بدراسة ما خلّفه مؤرخو السودان الغربي والرحّالين المسلمين من مؤلفات، من أمثال : محمود كعت القنبيلي (ت 1593م) وعبد الرحمن السعدي (1595-1654م)وابن بطوطة(1304-1377م) وعبد الرحمن بن خلدون (1332-1406م) وغيرهم من المؤلفين. ولمعرفة مدى ارتباط فلسفة الشيخ أحمد بامبا امباكى (18531927م) بالتربية الأخلاقية، وإمكانية الاعتماد عليها في إعادة صياغة مناهج وأساليب التربية والتكوين الخاصة بمدارسنا التقليدية عامة اعتمدنا نفس المنهج لاستنباط ما نحن بحاجة إليه في هذا الوقت الراهن من أساليب تربوية، وقد عثرنا من خلال هذه الدراسة في جميع الكتب والوثائق التي تمكنا من الاطلاع عليها على معلومات تاريخية قيّمة أفادت بأن المناهج التربوية في امبراطورية مالي والسنغي والدول التي قامت بعدها كانت راقية ومقنّنة، بدليل تمكّنهم من بناء مجتمع فاضل ذكر محاسنه الرحالون والقوّالون ومدوّنو تاريخ تلك الحقبة. ما دفعنا نفترض أنهم قد عرفوا أساليب راقية في تأديب الأطفال وتوعية أبناء الشعب فيما هو ضروري من الحقوق والواجبات. ويذكر أن الإسلام كان قد طهّر نفوس مسلمي السودان الغربي وزكّاها من الرذائل والشرور، كما حلاّها بالفضائل ومكارم الأخلاق، خاصة في العصور المتأخرة التي أعلن خلالها زعماء الطرق الصوفية والقيادات الإسلامية مقاومة ثقافية ضد الثقافة الغربية الاستعمارية.

دراسة الوضعية على ضوء الكتابات التاريخية المحلية

وأكبر الأدلة الملموسة على وجود مناهج تربوية يمكن الاعتماد عليها في تراثنا الثقافي ما رآه ابن بطوطة[3] ووصفه لنا – خلال زيارته لمملكة مالي في عهد الأمبراطور مانسا سليمان- (13411360م) من شمول الأمن وقلة الظلم، ومواظبة الناس بالصلوات، والتزامهم لها في الجماعات، وضربهم أولادهم على تركها أو الإهمال في شأنها، واهتمام الشعب السوداني الغربي المسلم برمّته بتربية أبنائهم وفق مبادئ الشرع الإسلامي، ما يؤكد بكل وضوح عراقة وتجذّر التعليم العربي -الإسلامي في المنطقة، قال: “فمن أفعالهم الحسنة قلة الظلم، فهم أبعد الناس عنه. وسلطانهم لا يسامح أحدا في شيء منه. ومنها شمول الأمن في بلادهم، فلا يخاف المسافر فيها ولا المقيم من سارق ولا غاصب… ومنها عنايتهم بحفظ القرآن العظيم، وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقهم التقصير في حفظه، فلا تُفكّ عنهم حتى يحفظوه[4]“. وهذه الشهادة التي أدلى بها الرحالة تؤكد بكل وضوح أن شعب مالي في تلك الفترة كان من أكثر شعوب الأرض أدبا، وأعلاها أخلاقا. فالتربية الإسلامية كانت قد تمكّنت في نفوس أبناء الشعب السوداني الغربي، وتهذّبت أخلاقهم فسمَت إلى مستوى لم نعد نرى له أثرا إلا في دول نادرة، أخذت بناصية العلم، وأعادت صياغة أساليب التربية والتكوين في مؤسساتها التعليمية، وحاربت الفساد الأخلاقي والمالي، ما مكّنها من تحقيق إنجازات وقفزات نوعية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مثل دولتي: ماليزيا– Malisia وسنغافورة–Singapore بقيادة مؤسسيهما وصانع نهضتهما مهاتير محمدMahatir Mouhamad[5] و لي كوان يو- Lee Kuan Yew[6]. فللأول مقالة مشهورة جاء فيها: ” لقد شيدت لشعبي منظومة تعليمية عملاقة لا تتأثر بنوائب الدهر وبتقلبات الزمن، وأنا أجني ثمارها اليوم.. علّمت شعبي معنى الإسلام والتسامح ونبذ العصبية وحب العمل والإتقان وعشق الوطن ..[7]” وتسعى هذه الدراسة لكشف النقاب عن المناهج التربوية المحلية، والأساليب والطرق التي اعتُمدت قبل استخدام المناهج التعليمية الحالية التي يعتقد الكثيرون أنها هي السبب في تدني مستوى الأخلاق وقلة الحياء وعدم الشعور بالمسئولية. وبالتالي التعرف على الطرق والوسائل التي تساعد في التغلب على الصعوبات والعوائق التي تعترض قطاع التربية والتهذيب، وإمكانية انتقاء ما يصلح من المناهج والفلسفات التربوية وينسجم مع تراثنا.

التربية والتعليم في حقبة ما قبل الاستعمار

عُرّفت التربية بأنها هي: مجموعة التغيّرات والتوجيهات المؤثرة في سلوك الإنسان وتشكل أسلوب حياته وتتحكم في تفكيره وتحدد أنواع علاقاته وكل تصرفاته[8]. وعليه فإن التربية أعم من التعليم وأكبر أثرا في تكوين الطفل وتكييف شخصيته. ومما يساعد على نجاح التربية أن يأخذ المربي في الاعتبار واقع المربَّى الاجتماعي[9]. وإذا كان القصد من وضع المناهج التعليمية جمع الخبرات والمعارف وشتى التجارب المتعلقة بالبيئة والظروف الاجتماعية المحيطة بالإنسان، وتنظيمها في مدوّنات وأشكال كتب أو مذكرات ومثلها، وخلق آليات معرفية ومادية يُستعان بها في تكوين النشء تكوينا جيدا، يسمح لهم بأن يكونوا عناصر فاعلة في المجتمع، يضطلعون بدورهم في صناعة مستقبل أمتهم، فإن من الواقع الثابت أن الأفريقيين منذ عهود ما قبل احتكاكهم بالعالم الخارجي كانوا يملكون أنظمة تربوية راقية تضاهي ما عند الأمم الأخرى، اعتمدوا عليها لتلقين شبابهم مبادئ فلسفة التربية المحلية، وتأطيرهم على الوجه اللائق والمناسب لحقائقهم الاجتماعية. إذ التربية بكل أشكالها وتوجهاتها تنبع من حاجات المجتمع، وتستند إلى فلسفته ورُؤاه الاجتماعية والدينية والثقافية والسياسية.

وتُقسّم حقب التربية عند الأفارقة عامة خلال فترة ما قبل الاستعمار إلى مرحلتين اثنتين، هما:

أولا: مرحلة ما قبل التعليم العربي الإسلامي

إن كثيرا من الباحثين يعتقدون أن الأفريقيين لم يبنوا حضارة قبل احتكاكهم بالعالم الخارجي، حيث لم يتلق أطفالهم أي صنف من أصناف التربية والتعليم. وهو اعتقاد خاطئ، بُنِي على أوهام وأحكام مسبّقة وسوء استنتاج. يقول المؤرخ البوركينبي الكبير جوزيف كي زيربوJoseph Ki-Zerbo [1922-2006م]عضو اللجنة العلمية الدولية المكلفة بإعادة كتابة تاريخ أفريقيا[10]: ” انتشرت فكرة واسعة عن طريق الأدب الاستعماري مفادها أن أفريقيا كانت تشكل من الفراغ السياسي، حيث تضرب أطنابها الفوضى والوحشية الدموية الاعتباطية والعبودية والجهل الأعمى والشقاء و…يعتبرون أنفسهم [المستعمرين] من هذا المنظور فرسانا أتوا لنشر الحضارة والتقدم “[11] وفي هذا الوقت تؤكد الكتابات التاريخية والروايات الشفهية والأبحاث الاجتماعية أن الأفارقة” كانوا يتعلمون عن طريق العمل والمشاركة الإيجابية في جميع الأنشطة الثقافية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، ففي المنازل وفي المزارع يتعلمون المهارات اللازمة والأنماط السلوكية المرغوبة والمتوقعة منهم كأعضاء في المجتمع، حيث كانوا يتعلمون أنواع الأعشاب والحشائش، ولأي غرض تستعمل، وكيفية الاستفادة منها. كما يتعلمون الأعمال التي يجب القيام بها في مختلف المواسم السنوية، ويتعلمون أيضا طرق العناية بالحيوانات وتربيتها. كل ذلك يحدث عن طريق اختلاطهم بالكبار في المجتمع أثناء تأدية أعمالهم في المراعي والمزارع[12]“ويؤكد البروفسور جِبْ جَخَتى- Djib Diakhaté [13] هذا المذهب قائلا: إن الشباب الأفريقي كان يتربّى ويتعلم قبل الفتح الإسلامي واحتكاك مجتمعاتهم بالثقافة الغربية انطلاقا من المبادئ الحضارية الأفريقية الأصيلة غير المستوردة، عن طريق التلقين والمحاكاة المباشرة داخل إطار الأسرة. ويبدو أن الطرق التي اتبعوها في تلقين الأطفال مبادئ التربية المحلية، خاصة في الأطوار الأولى كانت مشوّقة وجذابة، حيث لا توجد الغلظة أو القساوة؛ بل تتم في الكثير من الأحايين مع اللين والرومانسية. فالمنهج التعليمي المطبّق في المجتمع كان منهجا تربويا أدبيّا متكاملا، يهدف بالدرجة الأولى إلى تكوين إنسان نموذجي، تترسخ لديه مقومات الشخصية الوطنية، لكي تضطلع بدورها في المجتمع[14]. وبالإضافة إلى ما ذكرنا من تعلّمهم المهارات الإنتاجية والخدمية فإنهم كانوا يتعلمون الآداب عن طريق الروايات الشفهية والأحاجي تواريخ قبائلهم والعلاقات التي تربطهم بالقبائل الأخرى، وكذلك الفنون والآداب والتراث والمهارات المختلفة. وكانت الثقافة المحلية تُتوارث كابرا عن كابر بما تتضمنها من معايير وقيم وأساليب وعلاقات عاطفية. وغيرها[15].

آخرا: مرحلة التعليم العربي الإسلامي

يعود تاريخ نشأة المدارس القرآنية الرسمية في منطقة السودان الغربي إلى عهد المرابطين، بعد انتصار حركتهم في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي،حين أصدر أميرهم عبد الله بن ياسين الجزولي[16] وخليفته أبوبكر بن عمر اللمتوني[17] الأوامر ببناء الأربطة والمساجد،لإقراء الناس القرآن الكريم وتدريسهم السنة النبوية المطهرة والشريعة الإسلامية الغرّاء. ونتيجة للهمة العالية التي نُفّذت بها تلك الأوامر صار حولهم– خلال فترة وجيزة – الفقهاء المبرّزون والدعاة المتمرّسون. ومنذ خروجهم برفقة أتباعهم من رباط السنغال أصبح إلحاق المدارس بالمساجدسنة متّبعة في كل الأقاليم السودانية المفتوحة، فكان إلى جانب كل مسجد غرفة أو أكثر لتحفيظ الأولاد القرآن الكريم ومبادئ الدين. حيث أصبح التعليم المستخدِم للحرف العربي ركنا أساسا لنشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في المنطقة.ويذكر أن لغة القرآن الكريم لم تتقهقر منذ تلك الأيام؛ بل اختطفت كل الأضواء، مكتسبة صفة لغة رجال الأدب والعلماء وبعض التجار الأثرياء. مع الإشارة إلى أنه لم يكن هنالك تعريب مقصود بالمعنى الكلاسيكي. وقد احتلّت اللغة العربية في امبراطورية غانة القديمة والتكرور وفي غيرهما من بلاد السودانيْن الغربي والأوسط المكانة المرموقة التي احتلتها في الشرق العربي – الإسلامي، أو اللاتينية في أوروبا الغربية في العصور الوسطى، ما مكّنتها من الهيمنة واحتواء الحياة العامة حتى دخلت المنطقة في أيدي الاستعمار الغربي، ابتداء من النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي[18].

ونتيجة للسياسات الساعية إلى تقليص رقعة الجهل والأمية في وسط المجتمع السوداني[19] ارتفعت نسبة التعليم في وسط المجتمع السوداني الغربي، واهتم الناس- تبعا لذلك – بفتح المدارس والمؤسسات التعليمية التي أُلحقت بالأربطة ودور الانعزال التي كانوا يعتكفون فيها للتربية والتعبّد[20].ومن نتائج متابعة الدولة واهتمامها حرص الأهالي على تحفيظ أبنائهم القرآن الكريم وتعليمهم أسس القراءة والكتابة، وتهذيب أخلاقهم وتكييفها حتى تتلاءم مع تعاليم الشريعة الإسلامية و مبادئها السمحة التي أتى بها الإسلام[21].

دور التربية الخلقية في تكوين الفرد والمجتمع

إن الغرض الأسمى من التربية هو تهذيب الخلق وتحسين السلوك، وتمييز القبيح من الحسن، واختيار الفضيلة وتجنب الرذيلة. ” فالغرض من التربية الخلقية تكوين مواطنين صالحين كريمي الأخلاق، أقوياء العزيمة، مهذبين في أقوالهم وأفعالهم، نبلاء في تصرفاتهم وخلقهم، ديدنهم الحكمة والفضيلة والأدب والإخلاص والطهارة[22]“. ولا سبيل لحل أزمات الأخلاق الحالية إلا بالعودة إلى تاريخنا وتعاليم أسلافنا لاستجلاء جوانبها المتعلقة بالتربية الأخلاقية ومجموعة القيم الموجِّهة لسلوك الطفل خاصة. وأهم الأهداف العامة التي تعمل التربية الإسلامية من أجل تحقيقها تتلخص في الآتي:

  • تكوين المتعلمين وتوجيه سلوكهم بزرع الوازع الديني والمسئولية الربانية في نفوسهم.
  • تنمية روح التمسك بالقيم الإسلامية ومبادئها الأساسية.
  • تكوين بصيرة عقلية حتى يتمكنوا من التمييز بين المفاهيم الإسلامية الصحيحة والدخيلة.
  • تنمية الميول نحو التمسك بالقيم الإسلامية الإنسانية.
  • تكوينهم على أن التربية لا تقتصر على توصيل المعلومات فقط؛ بل الإشعار بالمسئولية الأخلاقية، وتزكية نفوسهم من الشرور والرذائل، وتحليتها بمكارم الأخلاق والفضائل[23].

والتربية الإنسانية الكاملة المتفقة مع مبادئ الإسلام تتناول قوى الإنسان وملكاته دون استثناء، وتهتم بـ:

  • تنمية جسمه وحفظ صحته (التربية البدنية)
  • تقويم لسانه وإصلاح بيانه (التربية الأدبية)
  • تثقيف عقله وتسديد تفكيره (التربية العقلية)
  • ترويضه على وسائل الكسب الحلال (التربية المهنية)
  • إيقاظ شعوره بجمال الكون وتمكينه من التعبير عن ذلك (التربية الفنية)
  • تعريفه بحقوق المجتمع الذي يعيش فيه ونظمه وقوانينه (التربية الاجتماعية الوطنية)
  • توسيع أفق شعوره بالأخوّة العالمية (التربية الإنسانية)
  • توجيه أعماله على سنن الاستقامة حتى يكتسب العادات الصالحة والأخلاق الحميدة الراسخة (التربية الخلقية)
  • السمو بروحه إلى الأفق الأعلى بإطلاق (التربية الدينية) [24]

وهكذا نرى أن سلطان الأخلاق ينبسط على كافة وجوه النشاط الإنساني، لا يشد عنه جانب دون آخر.

الإيمان وحسن التربية ودورهما في تنمية القيم الأخلاقية

يعتبر الخير والشر موضوعين مهمين في فلسفة الدين. فالدين لا يقتصر على الإيمان فحسب، بل تدور حوله من مفاهيم محورية، مثل الخير وحرية الإرادة والمسؤولية والقيم والمثل العليا. أما الخلق فإنه جزء من الدين، حيث لا يصح دين بلا خلق حسنة. وبقدر نقص الأخلاق ينقص الدين. قال الله تعالى في محكم تنزيله مادحا نبيه محمد ﷺ:﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ [القلم: 4] والدين يشمل الأخلاق؛ بل يمكن القول: إن الدين كله هو الأخلاق. ويجب أن يُفهم الأخلاق على أنه عام وشامل لخلُق العبد مع ربه، وخلقه ونفسه، ومع الناس جميعا، وخلقه مع البيئة وسائر المخلوقات. وقال شاعر النيل ومفكر مصر الكبير حافظ إبراهيم (18721932م):

إنما الأمم الأخلاق ما ذهبت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ودعما لهذا الاتجاه يقول المفكر المسلم معالي رئيس جمهورية البوسنة والهرسك السيد علي عزّت بيجوفيتش[25]Alija Izetbegovic:”إن كل قوة في العالم تبدأ بثبات أخلاقي، وكل هزيمة تبدأ بانحلال خلقي[26].

التعليم في عهد الاستعمار

من أولى الترتيبات التي عمدت الإدارة الاستعمارية الفرنسية إلى وضعها: تطويق منابع الفكر الإسلامي، باستصدار قرارات مجحفة، أبرزها قانون 22 يونيو سنة 1857م، والذي ينص المادة الخامسة منه على إلزام شيوخ المدارس القرآنية بإرسال أو اصطحاب تلاميذهم البالغين سن الثانية عشر فأعلى إلى مدارس الرهبان البيض الكاثوليكية[27] أو العلمانية الرسمية، وذلك لمدة ساعتين يوميا. وقد اتُّخذ هذا القرار لمنع السكان من الالتفات إليها[28]. وهذا يؤكد لنا أن الأهالي لم يكونوا يتقبلون لغة المستعمر؛ بل فُرضت عليهم قسرا باستعمال الحديد والنار. ولم يكتفوا بفرض لغتهم ونظامهم التعليمي ضمانا لتبعية المنطقة، ولكن عمدوا إلى تدمير الثقافة المحلية وإحلال الثقافة الغربية الاستعمارية محلها. وبذلك فرض المستوطنون على السكان اختيارات اجتماعية وثقافية لا تنتمي بالكُلّ إلى تقاليدهم، و تنسجم مع فنونهم وتراثهم؛ بل كانوا يدرسون كتبا تبث روح الانحطاط والدونية لديهم، وتكوّنهم على أن يروا ثقافتهم وتقاليدهم التي ورثوها من الآباء والأجداد مجرد معارف بدائية وهمجية لا تستحق عناء الذكر، ناهيك عن تعلّمها وفهمها. زد على كل ذلك أن تلك المناهج المقررة كانت تلقّن التلاميذ تاريخ وجغرافية الدولة الاستعمارية،وأفكار وعادات وأساليب العيش فيها. وإلى حد هذه اللحظة لم يتغير كثير من المعارف والمفاهيم التي تُدرّس لأطفالنا، ذلك لأن النظام التعليمي والمناهج المنبثقة عنه قد نُسخت من النوع القديم دون إعادة تدويرها وتكييفها حتى تتلاءم مع متطلبات شعوبنا وتطلعاتها نحو التطوّر[29].يصف الأديب والروائي النيجيري شينوا أشيبى–Chinua Achebé ( 1930-2013م) الملقّب بـ كشّاف الأدب الأفريقي هذا الوضع المخزي قائلا: ” كل شيء كنا نتعلمه كان غريبا وغير متوقع، وكنا كأننا نتعلم شيئا عن حياة ما في كوكب آخر. وكان الكتاب أمام الأطفال الإفريقيين وفيه عالم لا يحمل أي مفهوم للذي يعرفونه، كانوا يحاربون بلا نهاية مع المجهول، مبهوتين وحائرين ومروّعين[30].

وبعد هذا السرد التاريخي والحديث الطويل عن آليات تكوين الإنسان وأساليبه لدى الأفارقة قديما، وعند كل من الحضارتين العربية – الإسلامية والغربية – الاستعمارية، فإنه قد آن لنا أن نوضح بأنا لا نعدم علماء ومفكرين خلفوا لهذا الجيل والأجيال القادمة تراثا يمكنهم أن يستلهموا منه ما يقوّمون به ما اعوجّ من مشيتهم ومناهجهم التربوية.ولحل أزمات الهوية المستعصية والانحلال الخلقي المتفشي لا بد من تضافر كل جهود المعنيين، في مقدمتهم الدولة، وأن يتحلّوا بالجرأة الأدبية التي تسمح لهم بالتوقّف من أجل مراجعة الذات، ونقد كل الخطط والبرامج التأهيلية، بعيدين عن الكبر والعواطف السياسية والعودة إلى التراث لاستلهام الذات استنادا إلى المقولة الولوفية[31] الخالدة: ” سُو خَمُلْ فُو جَمْ * ڊلُّلْ فَـﯖ َجُـﯕ ” ( إذا ضللْتَ طريقك فعُد من حيث أتيت).

مراكز التربية والتعليم في السودان الغربي

يصطلح مؤرخو الإدارات الاستعمارية،وفي مقدمتهم الفرنسيون على تسمية مراكز التعليم في السودان الغربي بالمدارس القرآنية،في الوقت الذي يطلق عليها الأهالي – على حسب كل منطقة- تسميات مختلفة، من أشهرها: الكتّاب، وجمعه كتاتيب. والزاوية والخلوة والمحضرة، أو المحظرة والمسيد، ( محرف من كلمة المسجد). وهذا الأخير يُعتبر أقدم مدرسة في التاريخ الإسلامي. وتعتبر المدرسة القرآنية أقدم المؤسسات التعليمية المتكاملة في منطقة السودان الغربي كذلك. ويظهر من خلال تأريخنا لها أن منطلقها الأول– وفقا للمصادر المكتوبة التي تمكنا من الاطلاع عليها – هو رباط السنغال. والمستعمرون الفرنسيون بعد وصول طلائع جيشهم الاستعمار ي لمنطقة السودان الغربي، وسيطرتهم على أقطاره، أطلقوا عليها اسم: المدارس القرآنية للتمييز بينها وبين المؤسسات التعليمية التي أنشأوها، وإيحاء منهم بأنها تختص بتحفيظ القرآن الكريم وشئون العبادة فقط، وغير قادرة على تكوين من يدير البلاد ويسوس الأمة، متجاهلين أنها هي: النواة التي اشتُقّ منها نبت الثقافة العربية الإسلامية التي تجذّرت في وسط المجتمع السوداني، وأنتج جميع الرجالات التي يفتخر بها شعبنا[32]. ” فالمنهج التعليمي في المدرسة القرآنية منهج تربوي متكامل، يشمل الجوانب العلمية والاجتماعية والروحية، ويهتم بها جميعها[33]“.

النظام التعليمي ومنهج المدرسة القرآنية

كانت الدراسة منذ العهود التي نتحدث عنها في مدارس السودان الغربي على مرحلتين اثنتين، هما:

الأول: الطور التمهيدي: وهو خاص بالتحفيظ فقط،ويتركّز برنامجه على تعليم الأولاد حروف الأبجدية العربية ومبادئ القراءة وحفظ القرآن الكريم مجرّدا، أو مع التجويد دون تفسير معانيه. وقد ظلّ هذا المنهج متبعا لعشرات العقود دون تغيير. وما يزال في بعض المؤسسات المحافظة على التقاليد القديمة في المرحلة التمهيدية يلتحق الولد – غالبا – عند بلوغه الخامسة من عمره[34]. ويتم التعليم عن طريق استخدام الألواح الحطبيّة، حيث يُكتب على ظهورها الحروف الهجائية خلال مرحلة التهجّي، وما يتناسب مع قدراتهم الحفظيّة مبتدئا من سورة الفاتحة فإلى قصار السور ومتدرجا إلى أطول السور حتى ينتهي بسورة البقرة.ويُستخدم للكتابة على الألواح الأقلام المصنّعة من قصب البوص والمداد المستخرج من الفحم المدقوق أو غسيل آنية الطبخ. ويزاد عليه أحيانا الصمغ العربي لكي يتماسك أكثر. ويوضع المداد في محبرة مصنوعة من حبة القرع المجفّف. وفي المرحلة التمهيدية يقرأ التلاميذ على ألواحهم – كل على حدة – بصوت خافت أو عال، قبل أن يستمع إليهم المعلم الذي يصوّب لهم الأخطاء في النطق والقراءة. ويمكن أن يظهر للمتمعّن في طريقة التعليم هذه أنها بدائية؛ بل هكذا يصفها بعض الدارسين، لكن الصحيح في وجهة نظرنا أنها تعتبر طريقة ذات عراقة كسائر طرق التدريس، لها محاسنها ومساوئها. إذ باستخدامها تمَّ تكوين أجيال من العلماء الذين حفظوا لنا التراث الإسلامي الذي نفخر به اليوم.

الآخر: الطور التكميلي: وهو خاص بالتعليم العالي الذي قد تطول مدته أو تقصر، تبَعا للتخصص وقدرة التلميذ على الحفظ والتحصيل (حسب تفرّغه وانقطاعه للدراسة) ويشتمل على تخصصات مختلفة، يتعلم خلالها الطلبة العلوم الإسلامية والإنسانية، مثل: التوحيد والتفسير والفقه المالكي والنحو والصرف والبلاغة والأدب والمنطق وعلوم النجوم والفلك والسيرة النبوية والتاريخ والجغرافيا وغيرها.[35] ومن شروط الانتساب إلى هذا الطور: حفظ الملتحِق القرآن الكريم بأكمله عن ظهر قلب، حتى يبدأ في تعلّم ضبط الخط والترقيم وقواعد الإملاء والمفردات العربية قبل التحوّل إلى علم الرمز الذي يمكّنه من إحصاء مفردات القرآن الكريم ومواضعها والمرات التي يتكرّر ذكرها في سور القرآن. وإذا استكمل الطالب دراسة علم الترقيم وعلامات الوقف المشهور بعلم الصنعة. يُمنح درجة حافظ. ويختتم هذا الطور التكميلي بدراسة علم التفسير الذي كان يُعتبر مرحلة متقدمة في تخصص علوم القرآن، وهي التي ترقّيه للحصول على الإجازة العلمية المؤهِّلة لمرتبة مدرّس القرآن الكريم وعلومه[36]. وفي إطار السياسات التوسعية وضع الفرنسيون على رأس أولوياتهم حجب اللغة العربية والتعليم الإسلامي وإزاحتهما عن الساحة الثقافية والعلمية، فشرعوا دون انتظار في تشويه صورة الإسلام من خلال الدس والافتراء على تاريخ الثقافة العربية والإسلامية وضرب الأبجدية العربية. ومن أمثلة ما روّجوه من مقولات: أن الإسلام عقيدة غريبة على المجتمعات السمراء، وإنه ساهم بنسب كبيرة في تجهيل الشعوب السودانية الغربية وتخلّفها، متناسين أن الفضل في تقليص رقعتي الأمية والجهل في المنطقة يعود إلى الإسلام ونظامه التعليمي المنبثق عن القرآن الكريم. ولا توجد وسيلة للتغلّب على أزماتنا الحضارية إلا التوقّف واستلهام الذات ومراجعة تاريخنا الديني والاجتماعي الذي خلّفه لنا الروّاد الأوائل من الآباء المؤسسين الذين ساهموا في بناء صرح حضارة هذه الأمة، من أمثال القاضي عمر فالKhaly Amar Fall، واسمه الحقيقي عمّاتْ–Ammat[37] مؤسس مدرسة بير- Pire العريقة، التي تُعد من أقدم وأعرق المعاهد في منطقة سنغامبيا، إن لم يكن أقدمها قاطبة. وقد أُنشئت هذه المدرسة في حدود العام 1603م من قبل أحد أعضاء الأسرة المالكة في كَجور، وخرّجت دفعات من خيرة القيادات السياسية التي أحدثت ثورة وتغييرا سياسيا جذريا في المنطقة. ومور خجّ كُمبَ ديوب– Mor Khoudja Coumba Diop[38] والقاضي مَجَخَت كَلَ- Khaly Madiakhaté Kala[39]، والحاج عمر تال – El hadj Omar Tall والشيخ الحاج مالك سي –Cheikh El hadj MalickSy والشيخ أحمد بامبا– Cheikh Ahmed Bamba والشيخ موسى كمرا- Cheikh Moussa Camara[40]وغيرهم كثير من المغَيَّبين في مناهجنا التربوية، والمنسيّين غير المعروفين لدى أوساط المثقفين من بني جلدتهم، ناهيك عن العامة الغوغائيّين، لكن سياسة التغييب والتناسي لم تحرمهم مكانتهم اللائقة في قلوب محبّيهم من أبناء الوطن، حيث وصل إلينا ذكرهم وما حققوا من إنجازات، وخلّفوا من كتابات وأفكار ومواقف نبيلة، لا يزال أصحاب الأقلام والقوّالون وحفّاظ التاريخ غير المدوّن يتغنّون بها. ونتيجة لضياع عدد كبير من مؤلفاتهم أو اهمالها، بالإضافة إلى سياسات التغريب التي انتهجتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية أيام حكمها لأراضينا، وتجاهل من حُكّموا على الإدارة بعد الاستقلال من أبناء بلداننا المستوعَبين في بوتقة الثقافة الاستعماريةالغربية حُرمنا من الاستفادة من ذلك الكمّ الهائل من التراث الذي خلّفوه للأجيال الصاعدة. ويستحيل النجاح في مشروع محاربة الانحلال الخلقي دون التطرّق لدور المؤسسات التربوية والتعليمية المحوري قبل قدوم الاستعماريين، ومراجعة ثوابتها وأثرها في تكوين الشخصية القوية المحافظة على هويتها الدينية والوطنية. وبالتالي إلقاء نظرة فاحصة إلى الأساليب والطرق التربوية القديمة التي كانت تُستخدم قبل دخول الإسلام أو تَلتْ انتشار ثقافته في المنطقة، وما تبع ذلك من تحوّلات اجتماعية عميقة اعترت حياة المجتمع السوداني لَما وجد نفسه وجها لوجه أمام الإدارة الاستعمارية الفرنسية التي حشدت كل طاقاتها في سبيل تكريس هيمنتها ونشر لغتها وثقافتها ابتداء من النصف الثاني للقرن التاسع عشر الميلادي. ولا يمكن حلّ هذه الأزمات الخانقة التي نعيشها في هذه الآونة بدون مراجعة تراثنا القومي، واستنباط ما فيه من كنوز معرفية وأخلاقية هائلة[41]. ويعتبر الاستمرار في التنكّر للماضي وتجاهل ما خبّأت كنوزه من المفاهيم والرؤى المتعلقة بفلسفة التربية المحلية خطأ فادحا ومخاطرةً بمستقبل شباب هذه الأمة. ولسنا من دعاة التخلّي عن أساليب التربية التي ورثناها من عهد الاستعمار الفرنسي، لأن بها ما يصلح للاستهلاك المحلي، وأن الحكمة ضالة المؤمن، من حقه أن يلتقطها حين يجدها، لكن المطلوب الضروري في هذه المرحلة غربلة تراث ذلك العهد وإعادة صياغته وتكييفه، ومن ثَم انتخاب ما فيه مما يتناسب مع معتقداتنا وتوجهاتنا السياسية والدينية والثقافية. وقد أصبح من الواضح الجليّ أن أجزاء كبيرة من المناهج الدراسية المقررة على أطفالنا قد عفا عنها الزمن، ولم تعد تفي بالغرض، لأنها قد وُضعت خلال حقبة الاستعمار من أجل خدمة أهداف ومصالح الإدارة الاستعمارية العليا. والتعديلات الطفيفة التي أُجريت فيها بعد الاستقلال على عمومها لم تكن إلا سطحية وشكلية، حيث لا زالت تعاني من الدس والتزييف، خاصة في الجوانب المتعلقة بمادة التاريخ التي لم تراع السلطات التربوية المسؤولة عن وضعها أصالة المصادر والمراجع التي استقوا منها مادتها العلمية. فأغلبها محرّف وغير موضوعي[42].

وسنكتفي بدراسة نموذج واحد من عديد النماذج والأمثلة عن مناهج التربية وأساليب التكوين لدى الطرق الصوفية التي تدين لها الغالبية العظمى من المجتمع السنغالي بالطاعة شبه العمياء[43] للاستدلال على أننا لا نعدم طرقا تربوية محلية أصيلة يمكننا – إذا استندنا إليها وفعّلنا مناهجها – أن نمر من خلالها لحل منغلقات جزء كبير من أزمة الهوية، وتدنّي مستوى السلوك والأخلاق اللذين يشكو منهما الجميع. وهذا النموذج هو: منهج الشيخ أحمد بامبا امباكى، ومدى ارتباط فلسفته التربوية بالدين والأخلاق، وإمكانية الاعتماد عليها في حل ما نحن بصدد البحث عنه.

فلسفة الشيخ أحمد بامبا ومنهجه في التربية والتكوين

للشيخ ) أحمد بن محمد بن حبيب الله امباكي( رضي الله عنه تراث علمي قيم وأصيل في مجالات العلوم الإسلامية المختلفة، خاصة في التصوف والأخلاق. وله كتابات في الوصايا والحكم لا تعد ولا تحصى. وقد تخرّج من مدرسته  قادة قد اشتهروا بالصلاح والتقوى. كان مربّيا بارعا ومعلما بارزا بهر العقولَ بأصالة إنتاجه المعرفي وغزارته . والذي يُؤسف له أن هذا التراث العلمي له مع أصالته ومطابقته لحقائقنا الاجتماعية لم يُوضع في متناول المربّين، الرسميين من خلال المناهج الدراسية، كما لم يحتل مكانته المناسبة في المكتبات الوطنية، مع ما فيه من المعارف الزاخرة والمناهل الصافية والقيم السامية التي لو استُغلّت استغلالا جيدا لحالت دون وقوع الأزمات التي تعاني منها البلاد، أو أفاد في حل جزء كبير منها. ويوجد هذا التراث العلمي التربوي القيم في معظم مؤلفات الشيخ، لكننا سننتخب من كتب:” تزوّد الصغار إلى جنان الله ذي الأنهار” ” نهج قضاء الحاج فيما من الآداب إليه المريد يحتاج” ” مسالك الجنان في جمع ما فرّقه الديماني ” بعض المقتطفات التي تفي بالغرض الذي نتوخّاه ها هنا.

ويتأسس منهج الشيخ أحمد بامبا وفلسفته التربوية على ركائز أساسية، أهمها:

  • تحصيل العلوم والعمل بها.
  • تحسين الأخلاق والتحلي بالمروءة.

في الركيزة الأولى: يُربى الطفل منذ نعومة أظفاره على تحصيل العلوم وتعويده على العمل بها.

وفي الركيزة الثانية يُكوّن بصرامة غير مفرطة على تحسين أخلاقه والتحلي بالمروءة.

يقول في كتاب مسالك الجنان في جمع ما فرّقه الديماني:

ولتعلمـــــن بــــأن علمــــــــا وعمـــــــــــل * همـــــــا وسيلتـــــا السعــــادة أجل

ففيهـــــما اجتهـــــد وفـــي التصفيــــة * مــن كــل آفـــــــة وفــي التنقيــــة[44]

وفي كتاب ” تزوّد الصغار إلى جنان الله ذي الأنهار ” يحث الصغار على طلب العلم المقرون بالإحسان ومراقبة ربهم في كل أعمالهم قائلا:

عليكــــــــــــــــــم بالعلـــــــــــــم والحيـــــــــاء * والشكــــر والإخــــلاص والسخــــاء

والصُّمت والحلــم لدى التعلّـــــــم * والصبــــــــر والـــــــــــــــورع والتّفهّـــــــــم

واجتهـــدوا في طــــــاعة الرحمــــــــــن * حيــــث تكونــــــــــــون بــــــلا عـــدوان

لا تكثــــروا الكــــــــلام والرُّقــــــــــادا * واجتنبــــوا مـــا يـــوجب الفســـــــادا

واجتنبــوا من حيث كنتـم الريــاء * والكبـــــــر والحقــد وطالبوا الضياء

عليكـــــم بالصــــــــــدق والتوكـــــــــــل * وبــالتواضــــــــع وقصـــــــــــر الأمـــــــل

عليــــــــكم بكثـــــــــــــــــــــــــــــرة الآداب * فــــإنـــــــــــــــها جــــــــــــــــالبة الثــــــــــــواب

فكثــــــــــــــــرة العلم بغيــــــــــر أدب * جــــــــالبة إلـــــــى الأذى والتعـــــــــــب[45]

وأما نهج قضاء الحاج فيما من الآداب إليه المريد يحتاج، فهو كتاب أخلاقي تربوي محض، ألفه الشيخ بطلب من بعض مريديه، ليكون لهم نبراسا يستضيئون به في حياتهم اليومية ومعاملاتهم مع الآخرين. ويمكن أن يُقارن بكتاب: (أيها الولد[46]) للإمام الغزالي [1058-1111م]، من حيث قيمته التربوية واحتوائه للتوجيهات والإرشادات الأدبية المختلفة فلا يُستغنى عنه في برامجنا التربوية، لكونه قد تطرّق إلى كثير من قضايا التربية والسلوك والآداب التي تبحث هذه المقالة عن حلول ناجعة لها. ومما جاء فيه قوله:

طريقة الأدب رحمة الصغير * كالأب و الأم وتوقير الكبيـــر
وجعل مثلك كنفسك سـوا * لوجه خالق على العرش استوى
ومن تأدبك أن لا تنظــرا * حقا لنفسك على شخص ترى

وأن ترى أنك لست مستحق * شيئا من التعظيم مـمن قد يمِــق

بل اعتبر من نفسك الآدابـا * ولا تطالبـــــن بــــــه الأصحــابـــــــ

كن مع الناس جميعا دهركا * كما تحــــب أن يكونــــــــــوا معكــا[47]

ولم يدع الشيخ إلى مثُلٍ وأخلاق في هذا الكتاب وغيره إلا كان من الممكن البحث عنها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة. فدعوته لا تنفكّ عنهما، فهي صورة طبق الأصل منهما.

وتجدر الإشارة إلى أن منهج الشيخ أحمد بامبا في تعليم الأطفال وتربيتهم على الأخلاق الحسنة يتسم بالرفق والبعد عن العنف والإرهاق، حيث يستهدف كلا من الروح والجسم ما يجعله يتوافق مع المناهج العصرية، بخلاف اعتقاد بعضٍ من حملة الفكر الغربي الاستعماري ودعاة حقوق الطفل.

وكان الشيخ –إلى جانب بساطة منهجه في التعامل مع الصغار – يكوّنهم ويدرّبهم على الحِرَف المختلفة التي تمكّنهم من كسب القوت الحلال، وإدارة شئونهم المتعلقة بالحياة الاجتماعية. ولم تكن المواد العلمية لتُهمل في منهجه الدراسي، مثل: الفلك والرياضيات والهندسة.وعلوم الزراعة ومثلها. ما يعني أن مدرسته كانت مصنعا لتخريج المهنيين والمدرِّبين.

خاتمة

وأخيرا يتعيّن على السلطات وأولياء أمور أطفالنا وشبابنا وجميع من يهمهم الأمر التيقّن بأنه لا يمكن حل أزمة الهوية والانحلال الخلقي بدون إعادة قراءة التراث الوطني، ونفض الغبار عنه، وغربلة المناهج التعليمية التي ورثناها عن النظام التربوي الاستعماري الذي تجاهل تماما؛ بل حارب النظام التربوي التقليدي والديني المحليين، ما سبّب مع مرور الوقت قطيعة بين إنسان هذه المنطقة وهويته، وأبعده عن تراث أسلافه الذي لا ينسجم مع غيره. وحل أزمة الهوية والانحلال الخلقي مرهون بتغيير المنهج التربوي حتى يتلاءم مع ثقافتنا وتراثنا، بالإضافة إلى مراقبة الدولة – بالتعاون مع أولياء أمور التلاميذ- لكافة الوسائل الإعلامية الحديثة التي تساهم في تكييف الفرد وصياغة أفكاره وتوجهاته. والتخلّي عن فكرة محاربة المدرسة القرآنية التقليدية العتيقة، وتهميش القائمين عليها، أو اعتبار خريجيها من الأميين الجهلة، الذين ما عندهم ما يقدمون. والعكس هو الصحيح، فهم يلعبون أدوارا مركزية في جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية على وجه الخصوص. ومؤسساتهم العلمية التقليدية هي التي أنجبت لنا من نفتخر بهم اليوم من رجالات الدين والاجتماع والسياسة، حفظة التراث الديني والثقافي الغيورون على استقلال بلادنا ومستقبلها. وهم في أمس الحاجة إلى من يكفل مؤسساتهم ويؤطّرها، بتقديم الدعم اللازم والمشورة العلمية حتى تستمر في تأدية واجبها نحو الوطن والمواطن، بدل مناهضتها وتشويه سمعتها. ولا بد من الاعتراف بأن هنالك محاولات للتصحيح من أجل الخروج من الأزمة، لكنها لم تَرْق بعد إلى المستوى المطلوب، الذي سيسمح بإعادة التوازن في النظام التربوي، ورفعه إلى درجة تساعد في تكييف تصرفات الناس والسلوكيات الفردية والجماعية، وتنمية الميول نحو الاهتمام بالقيم الأخلاقية كما دعا إليها ديننا الحنيف.

ثبت المصادر والمراجع:

  • القرآن الكريم
  • المراجع العربية

ابن بطوطة : تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ، تع محمد السعيد محمد الزيني ، المكتبة التو فيقية / القاهرة د ، ر ، ط.

أبو عبيد البكري : المسالك والممالك ، تحقيق أدريان فان ليوفن و أندري فيري الدار العربية للكتاب س 1992

  1. آدم عبد الله الألوري: تاريخ الدعوة إلى الله بين الأمس واليوم، مكتبة وهبة/ القاهرة، ط 3- 1988
  2. أديب يوسف، التربية وسيكولوجيا الطفل، المطبعة التعاونية بدمشق، سنة 1958م ص 39
  3. جبريل تمسيرنيان: مالي والتوسّع الثاني للماندنغ، تاريخ إفريقيا العام، اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ افريقيا العام (اليونسكو) مج 4، إفريقيا من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر، س1988
  4. جورتي سيسى: السنغال والثقافة الإسلامية، دار شمس المعرفة / القاهرة-1989،

جوزيف كي زيربو : تاريخ افريقيا السوداء ، تر يوسف شلب الشلم، وزارة الثقافة – دمشق.

  1. خالد عبد المجيد مرسي: شيخ حامدو كانى”التجربة الغامضة” أو التيار الإسلامي في الأدب السنغالي الحديث، منشورات مركز البحوث والدراسات الإفريقية / سبها
  2. د. انظر د. مقداد بالجن: أهداف التربية الإسلامية وغايتها، دار الهدى للنشر والتوزيع/ الرياض، ط 2، س 1989م، ص 65-68.
  3. د. شيخ غي: نحو تحسين طرائق تدريس الحديث في المدارس السنغالية الفرنسية العربية.
  4. د. عبد الله عبد الرازق إبراهيم: الإسلام والحضارة الإسلامية في نيجيريا، مكتب الأنجلو المصرية / القاهرة، د. ت ولا ر. ط
  5. د. محمد حسن العمايرة: أصول التربية التاريخية والاجتماعية و…، ط2-2000م، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة/ عمان
  6. د. محمد علي سلطان: الثقافة والتعليم ودورهما في القضاء على كل أنواع الأفكار التي تولد مركبات النقص في إفريقيا، أعمال مؤتمر التعليم من أجل التحرير غي إفريقيا
  7. سيكينى مودي سيسوكو: الصنغي من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر، تاريخ إفريقيا العام، اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ افريقيا العام (اليونسكو) مج 4، إفريقيا من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر، س1988.
  8. الشيخ الخديم : نهج قضاء الحاج فيما من الآداب إليه المريد يحتاج، مخطوط في حوزة كاتب المقال
  9. الشيخ الخديم: تزود الصغار إلى جنان الله ذي الأنهار، باب في الإحسان، مخطوط في حوزة كاتب المقال
  10. الشيخ الخديم: مسالك الجنان في جمع ما فرقه الديماني، دراسة وتحقيق دائرة روض الرياحين، طوبى – السنغال، 2014م
  11. عصمت عبد اللطيف دندش: دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب أفريقيا، دار الغرب الإسلامي/ بيروت، ط1- 1988
  12. علي المنتصر فرفر: أفريقيا- قضايا، مشكلات، وطموحات، المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، ط 2/ 1988
  13. عمر محمد صالح: الثقافة العربية الإسلامية في الغرب الأفريقي، مؤسسة الرسالة/ بيروت، ط1، س
  14. المبروك إبراهيم صافار: نحو نظام تربوي إفريقي،أعمال مؤتمر التعليم من أجل التحرير في إفريقيا منشورات مركز البحوث والدراسات الإفريقية / سبها- ليبيا 1988م
  15. محمد عبد الله درّاز: دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية، دار القلم للنشر والتوزيع/ الكويب، ط 4-1994م، ص 124
  16. محمد غالاي انجاي: الشيخ أحمد بامبا: سبيل السلام، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط/ 2011
  17. مهدي ساتي: دارات تحفيظ القرآن الكريم في السنغال، مجلة دراسات أفريقية، ع 87، س 1990-1991،

موسوعة العلوم الإسلامية والعلماء المسلمين، دار ومطابع المستقبل- القاهرة

  • المراجع الأجنية:

Mamadou Ndiaye L’ enseignement arabo-islamique au Sénégal centre de recherches sur l’ histoire art et la culture islamique istanboul p 96-97.

  1. Thierno Ka: Ecole de Pire Saniokhor….

الهوامش:

  1. انظر د. محمد حسن العمايرة: أصول التربية التاريخية والاجتماعية و…، ط 2-2000م، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة/ عمان، ص 14.-
  2. مؤسس الطريقة المريدية في السنغال. عالم صوفي مجدد. (1853- 1927م) –
  3. خرج في الثانية والعشرين من عمره هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي ، رحالة وجغرافي مغربي، ولد في طنجة عام 1304 م. في رحلته الأولى بقصد الحج .زار الأندلس والعديد من الأقطار الآسيوية والأفريقية ، بما فيها السودان الغربي . كان دقيق الملاحظة والنظر، لا يدخل بلدا إلا وتعرّف على أحواله، وأحوال أهله. طلب منه السلطان المريني أن يملي قصة رحلاته على محمد بن جزي الكلبي، أحد كتّاب دار الإفتاء، وهو الذي نقّحها ووضعها في أسلوب أدبي سليم، دون أن يتدخل كثيرا في نص الرحلة. وقد نشرت رحلات ابن بطوطة برواية ابن جزي الكلبي تحت عنوان : تحفة الأنظار، أو تحفة النّظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. طبعت في أماكن كثيرة، كما ترجمت إلى لغات متعددة. توفي في مراكش سنة 1377م. ( راجع موسوعة العلوم الإسلامية والعلماء المسلمين، دار ومطابع المستقبل- القاهرة، ص 59). –
  4. – تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تعليق محمد السعيد محمد الزيني، المكتبة التوفيقية/ القاهرة، د.ت نشر، ص 620.
  5. رئيس وزراء ماليزيا (1981-2003م) عاد إلى السلطة بعد استغاثة شعبه لمحاربة الفساد وسنه قد تجاوزت التسعين, (كاتب المقالة)-
  6. – يردّ مؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يو- (حكم في الفترة بين 1960 و 1090م وتوفي عام 2015م) حين وُصف بأنه حقق معجزة في بلاده قائلا: ” أنا لم أقم بمعجزة، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم، وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة. فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلا يحب العلم والأخلاق، بعد أن كنا شعبا يشتم بعضه بعضا في الشارع” منقول من صفحة فيسبوك بتاريخ 21/09/2019م عند الساعة 17مساء.
  7. الموقع الإلكتروني فيسبوك بتاريخ 29/ 11/ 2019م-
  8. انظر د. شيخ غي: نحو تحسين طرائق تدريس الحديث في المدارس السنغالية الفرنسية العربية، مجلة- ليين – LIENS ع 12، س 2011م، ص 8. –
  9. انظر د. شيخ غي: نفسه، 9.-
  10. – هو مؤرخ أفريقي كبير، اهتم بدراسة التاريخ الأفريقي، وتنقيته من الشوائب العالقة به، له كتابات، من أبرزها: تاريخ أفريقيا السوداء من مجلدين كبيرين تناول فيهما التاريخ الأفريقي بشكل مفصل.
  11. تاريخ أفريقيا السوداء، نرجمه يوسف شلب الشام، القسم الثاني، منشورات وزارة الثقافة/ دمشق- 1994م ص 725.-
  12. – أ. المبروك إبراهيم صافار: نحو نظام تربوي إفريقي، أعمال مؤتمر التعليم من أجل التحرير في إفريقيا، مرجع سابق، مج 3، ص 389.
  13. – هو عالم اجتماعي سنغالي مشهور، أستاذ- باحث في جامعة شيخ أنتا جوب بدكار. له العديد من الكتابات المتعلقة بالشأن الاجتماعي.
  14. – نقلت هذه المعلومات من محاضرة ألقاها في ندوة بالمعهد الإسلامي في دكار نُظّمت من قبل رابطة قدامى معهد الشيخ أحمد الصغير لوح بكوكي، تحت عنوان (منهج القرآن الكريم في توحيد الكلمة) بتاريخ السبت 31/08/2019م. وذلك في إطار الاستعدادات لعقد مؤتمرهم السنوي المزمع تنظيمه في يوم 15/09/2019م.
  15. – انظر أ. المبروك إبراهيم صافار: المرجع نفسه، ص 389.
  16. – هو عبد الله بن ياسين الجزولي من قرية تماماناوت في طرف صحراء مدينة غانة، استقدمه يحيى بن إبراهيم الجدالي في طريق عودته من الحج، ليعلم قومه أحكام الشرع للإسلامي. توفي عام 1059م ( للمزيد من المعلومات راجع البكري ، مج 2، ص 858-563).
  17. هو الأمير أبوبكر بن عمر، وقيل: عامر، بن تلاكاكين بن ورتناطق. كان من أوائل من صاحبوا عبد الله بن ياسين الجزولي إلى رباطه على السنغال. وهو أحد الأربعة الذين نهضت الحركة المرابطية على أكتافهم. استُخلف بعد استشهاد ابن ياسين، وفتح غانة ومناطق سودانية عدة. استُشهد سنة 1087م. (راجع أبو عبيد البكري: المسالك والممالك، ج 2، ص 865. و عصمت عبد اللطيف دندش: دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب أفريقيا، دار الغرب الإسلامي/ بيروت، ط1- 1988، ص 95-116) –
  18. – انظر جبريل تمسيرنيان: مالي والتوسّع الثاني للماندنغ، تاريخ إفريقيا العام، اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ افريقيا العام (اليونسكو) مج 4، إفريقيا من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر، س1988، ص 163.
  19. – معلوم أن عبد الله بن ياسين الزعيم الروحي للمرابطين قد استُقدم من الصحراء الشمالية إلى منطقة نهر السنغال من قبل يحيى بن إبراهيم الجدالي في طريق عودته من الحج ليعلم قومه أحكام الشرع الإسلامي، وذلك في منتصف القرن العاشر الميلادي.
  20. انظر آدم عبد الله الألوري: تاريخ الدعوة إلى الله بين الأمس واليوم، مكتبة وهبة/ القاهرة، ط 3- 1988، ص 245. –
  21. – انظر عصمت عبد اللطيف دندش: دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب أفريقيا، دار الغرب الإسلامي/ بيروت، ط1- 1988، ص167 .
  22. أديب يوسف، التربية وسيكولوجيا الطفل، المطبعة التعاونية بدمشق، سنة 1958م ص 39.
  23. – د. انظر د. مقداد يالجن: أهداف التربية الإسلامية وغايتها، دار الهدى للنشر والتوزيع/ الرياض، ط 2، س 1989م، ص 65-68.
  24. – انظر . محمد عبد الله درّاز: دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية، دار القلم للنشر والتوزيع/ الكويب، ط 4-1994م، ص 124.
  25. فيلسوف مسلم ورئيس جمهورية البوسنة والهرسك، ولد سنة 1925م، وتولى رئاسة الجمهورية بعد تفكك اتحاد يوغسلافيا. توفي عام 2003م. –
  26. – الموقع الإلكتروني العلمي ويكبيدجا.
  27. – تملكها حركة رهبان تُسمى بـ الآباء البيض- تأسست التي أسسها مطران الجزائر لا فيجري كانت الإدارة الاستعمارية الفرنسية تعتمد عليها لتعليم أبناء المستعمرات. ولها أنشطة تنصيرية في كل المستعمرات الفرنسية، خاصة في السنغال والجزائر….(الباحث)
  28. – انظر مهدي ساتي: دارات تحفيظ القرآن الكريم في السنغال، مجلة دراسات أفريقية، ع 87، س 1990-1991، ص 30. و Mamadou Ndiaye M L’ enseignement arabo-islamique au Sénégal centre de recherches sur l’ histoire art et la culture islamique istanboul p96-97.
  29. – انظر علي المنتصر فرفر: أفريقيا- قضايا، مشكلات، وطموحات، المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، ط 2/ 1988، ص 65-66. و د. محمد علي سلطان: الثقافة والتعليم ودورهما في القضاء على كل أنواع الأفكار التي تولد مركبات النقص في إفريقيا، أعمال مؤتمر التعليم من أجل التحرير غي إفريقيا، مرجع سابق، مج 2، ص 37 .
  30. – نقلا عن د. محمد علي سلطان نفسه، 37.
  31. هي إحدى اللغات الوطنية في السنغال، الأكثر استخداما في الشارع العام. (كاتب المقالة)-
  32. – انظر خالد عبد المجيد مرسي: شيخ حامدو كانى”التجربة الغامضة” أو التيار الإسلامي في الأدب السنغالي الحديث، منشورات مركز البحوث والدراسات الإفريقية / سبها – 1989 ص 51. وعصمت عبد اللطيف دندش: المرجع السابق، ص 14.
  33. – خالد عبد المجيد مرسي: نفسه، ص 55.
  34. – وإن كان الأولاد يشكلون النسبة الأعلى من الملتحقين إلى الكتاتيب لكن البنات كن يلتحقن بدورهن إليها، حيث لم يكن هنالك تمييز سلبي
  35. – انظر سيكينى مودي سيسوكو: الصنغي من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر، تاريخ إفريقيا العام، اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ افريقيا العام (اليونسكو) مج 4، إفريقيا من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر، س1988، ص 220.
  36. – انظر خالد عبد المجيد مرسي: نفسه، ص 65- 68. ود. عبد الله عبد الرازق إبراهيم: الإسلام والحضارة الإسلامية في نيجيريا، مكتب الأنجلو المصرية / القاهرة، د. ت ولا ر. ط، ص 211 .
  37. ـــ غُير اسمه عمّات إلى عمر في أرض البيضان الذين رأوا أنه اسم غير إسلامي . والحقيقة أن عمّات اسم عربي مُحرف من حماد..(راجع) Thierno Ka: Ecole de Pire Saniokhor….p 36.)
  38. – وهو المعروف عند العامة بـ مورْ خُجَّ كُمبَ جوب-Mor Khoudja Coumba Diop، حفيد مختار اندُمب ديوب-Makhtar N doumbé Diop. مؤسس قرية كوكي-Coki العلمية، التي أقام فيها احدى الجامعات المختصة بتدريس علوم العربية والإسلامية. ويعتقد البعض أن له انتاج أدبي غزير غير أن الأوساط العلمية والثقافية لا تعرف له غير كتابه في النحو العربي والصرف، وهو للعالم الموريتاني ابن بونه الجكني، ألّفه نثرا، ونظّمه الشيج محمد ديوب شعرا، عدد أبياته 369 بيتا، مُسهّلا بذلك على طلبة اللغة العربية والعلوم الإسلامية في جميع مناطق سنغامبيا. كان مثالا في العلم والتديّن. وقد رثاه القاضي الأديب والشاعر الأريب القاضي مجخت كَلَ، الذي أسلفنا الحديث عنه قائلا::

    فيا فائق الأقران سيد جيله // رئيسهم في فطنة وذكاء

    أتمهم عقلا ودينــا وشيمــة // وأبرهم في جوده وبهاء

    إلى أن قال:

    وشاعت بآفاق البلاد سماته // كما قد فشا المختار كل فشاء

    توفي رحمه الله في عهد الملك الكجوري دمّل ماجوجُ ديكين-Dammel Madiodjo Déguéne ( 1864-1868م). راجع جورتي سيسى: نفسه، ص 61-73

  39. – أديب وشاعر وفيلسوف سنغالي، ولد سنة 1845م بقرية كَرْ مَكَلَ- Keur ;Makala الواقعة في منطقة امباكول-M baakol ، ببلاد كَجور-Kadjoor. وهي مملكة مملكة تقع في وسط غربي السنغال. ضمها المستعمرون الفرنسيون إلى ممتلكاتهم بعد مقتل زعيمها لَتجور انغونى لَتير جوب-Lat Dior Ngooné Latir Diop إثر معركة دقلى- Dékhalé الشهيرة في عام 1886م، من أسرة مشهورة بالذكاء والفطنة. نشأ متوقّد الذهن شديد النباهة. وكان مولعا بالثقافة، ومنكبّا على الدرس والتحصيل. كان أبوه فقيها يفد إليه طلبة العلم من جميع الجهات، وقاضيا لدى بلاط الملك دمّل مَيْسَ دند جورْ-Dammel Meissa Dinde Dior (1811-1845م) . له إنتاج أدبي غزير. توفي سنة 1902م. ( راجع جورتي سيسى: السنغال والثقافة الإسلامية، دار شمس المعرفة / القاهرة-1989، ص 162 ).
  40. – هو العلاّمة الأديب والمؤرخ الشيخ موسى بن أحمد كمرا، ولد عام 1864م بقرية قَنقيل-Ganguel الكائنة في إقليم ماتم الذي يقع بالشمال على ضفاف نهر السنغال. ألف في معظم العلوم والفنون المتعارف عليها في السودان الغربي، والبالغة أكثر من 40 مؤلفا. أشهرها: زهور البساتين في تاريخ السوادين و أشهى العلوم وأطيب الخبر في سيرة الحاج عمر وتبشير الخائف الحيران وتذكيره بسعة رحمة الله الكريم المنّان الذي دوّن فيه سيرته الذاتية. توفي سنة 1945. ( راجع عمر محمد صالح: الثقافة العربية الإسلامية في الغرب الأفريقي، مؤسسة الرسالة/بيروت، ط1، س2016م، ص 302- 321).
  41. – نعم، نعترف بأن دولة السنغال – بأمر من رئيس الجمهورية السيد ماكي سال – قد أصدرت أوامر بتشكيل لجنة علمية من أجل إعادة كتابة تاريخ السنغال. وهو في الحقيقة عمل جبّار يثني عليه كل الغيورين على وطنهم، وسيسجله التاريخ، و يسير إلى الاتجاه الصحيح، لكن العمل مع ضخامته لا يكون إيجابيا إذا لم نستفد منه في إعادة رسم سياساتنا التربوية والاجتماعية عامة. (الباحث)
  42. – لا ننكر أن الاستعمار قد قدم لنا شيئا من الإيجابيات التي يمكننا أن نحافظ عليها، لكن وإن وُجدت آثار استعمارية إيجابية، فإنها لم تكن مستهدفة ولا مقصودة، بل كان لأغلبها نتائج عرضية، القصد منها خدمة مصلحة الاستعمار. (الباحث)
  43. – انظر أ. محمد غالاي انجاي: الشيخ أحمد بامبا: سبيل السلام، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط/ 2011، ص19.
  44. الشيخ الخديم: مسالك الجنان في جمع ما فرقه الديماني، دراسة وتحقيق دائرة روض الرياحين، طوبى – السنغال، 2014م، ص 43. –
  45. الشيخ الخديم: تزود الصغار إلى جنان الله ذي الأنهار، باب في الإحسان، مخطوط في حوزة كاتب المقال، ص 24.-
  46. – كُتيّب صغير من الحجم المتوسط، يقع في حوالي 32 صفحة. ألفه تلبية لرغبة أحد تلاميذه يستفتيه في مسائل متعلقة بدينه، وملتمسا منه النصيحة والدعاء، فجاء ردا عليه. وهو كتاب مهم للغاية في مادة الأخلاق والتربية. (كاتب المقال)
  47. – مخطوط في حوزة الباحث، ص 5-6.