عبدالكريم أزعنون1
1 طالب باحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، المغرب.
البريد الإلكتروني: abdelkarimazaanoun@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(11); https://doi.org/10.53796/hnsj31112
تاريخ النشر: 01/11/2022م تاريخ القبول: 10/10/2022م
المستخلص
يتناول هذا البحث تجليات وأثر الصنعة الحديثية عند أحد كبار أعلام القرن الثالث الهجري، وهو المحدث والمفسر الفقيه أبي إسحاق الجهضمي رحمه الله، من خلال تفسيره المسمى أحكام القرآن، وقد تضمن تعريفا مختصرا به وبتفسير، ثم أظهر تجليات صنعته الحديثية في الجزء المتوفر من تفسيره هذا، ثم أثر صنعته الحديثية في تفسير آيات الأحكام وبيانها، وذلك لإبراز مكانة هذا العالم، وأهمية تفسيره العلمية في جانب الحديث والفقه والتفسير معا.
الكلمات المفتاحية: الصنعة الحديثية، أحكام القرآن، أبو إسحاق الجهضمي، آيات الأحكام، تفسير القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحابته الطيبين الأطهار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
موضوع هذا البحث هو تجليات الصنعة الحديثية التي عرف بها أبي إسحاق الجهضمي رحمه الله في تفسيره؛ أحكام القرآن، وأثرها في تفسير آيات الأحكام.
وهو مهم من حيث أنه يبرز قدر الصنعة والخبرة الحديثية عند أبي إسحاق رحمه الله، وأهمية مؤلفه هذا في باب التفاسير الفقهية، ويقدم تصورا عن منهج الإمام في الاستعانة بالحديث وعلومه في تفسير آيات الأحكام.
وأما من حيث المنهج المتبع فيه فهو تاريخي في التعريف بالتفسير وصاحبه، ووصفي استقرائي (جزئي) في بقية البحث، يتخلله أحيانا شيء من التحليل.
وجاء هذا البحث بعد المقدمة في أربعة مطالب: الأول في التعريف بالمفسر والتفسير على التوالي، والثاني في بيان معنى الصنعة الحديثية، في اللغة والاصطلاح، والثالث فيه تجليات الصنعة الحديثية عند المفسر في تفسيره، والرابع في أثرها في بيان آيات الأحكام، وفي الأخير خاتمة فيها أهم النتائج.
المطلب الأول: التعريف بالمفسِّر والتَّفسير.
هو أبو إسحاق إسماعيل بنُ إسحاق الـجَهْضَمي الأزْدِي، البغدادي، المالكي. ولد سنة سبع وتسعين ومائة للهجرة بالبصرة، ونشأ بها، تلقى العلم منذ صغره، وانتقل إلى بغداد وأقام فيها وأخذ العلم عن مشايخها وعن الواردين عليها، إلى أن تولى قضائها وانفرد به ما شاء الله تعالى من الزمن.
وكان قد أخذ العلم عن خلق كثير في علوم شتى، منهم: الإمام عيسى بن مينا؛ قالون (220ه) في القراءات، والحديث عن علي بن المَدِيني (234ه)، وأبو بكر بن أبي شيبة (235ه)، وعبد الله بن مسْلمَة القَعْنَبِيّ (221ه)، ومسدَّدُ بنُ مُسْرهَدٍ (228ه)، ثم الفقه عن أحمدَ بنِ المـُعَدَّل بنِ غَيْلانَ، وغيرهم، كان يقول رحمه الله «أفخر على الناس برجلين بالبصرة: ابن الُـمعّدل يعلمني الفقه، وابن المديني يعلمني الحديث»[1].
وتلقى عنه العلم خلق كثير كذلك أذكر منهم: عبد الله بن محمد بنِ عُبيدٍ، المعروف بابن أبي الدنيا (281ه)، وقاسم بن أصبغ، أبو محمد القرطبي، محدّث الأندلس (340ه)، ومحمد بن القاسم، أبو بكر الأنباري (354ه)، وموسى ابن هارون، أبو عمران البزّار (294ه)، وقد نزل رحمه الله بأمصار عديدة وعقد فيها مجالس للحديث والفقه منها: مكة، وحلب، ومصر.
توفي رحمه الله سنة اثنين وثمانين ومائتين، وترك مؤلفات كثيرة في علوم عديدة فقد الكثير منها، ومما وصل منها: فضل الصلاة على النبي ، جزء فيه أحاديث أيوب السَّخْتيانِي، مسند حديث مالك بن أنس، أحكام القرآن، وبقية عناوين مؤلفاته أوردها بعض من ترجم له، ويمكن الوقوف على ترجمة هذا الإمام الموفية لقدره فيما يلي من المصادر:
|
|
يتناول هذا التفسير تفسير آيات القرآن الكريم الخاصة والمتضمنة للأحكام الشرعية، بذكر أقوال المتقدمين من السلف الصالح فيها، وطبع طبعته الأولى تحت عنوان: “أحكام القرآن” سنة 1426ه الموافق لـ 2005م بدار ابن حزم الكائنة بمدينة بيروت اللبنانية، وتقع هذه الطبعة في مجلد واحد من 290 صفحة، ولم أقف على طبعة غيرها. حققه واعتنى به الدكتور عامر حسن صبري، العراقي، وهو أستاذ متخصص في الحديث النبوي وعلومه، تدريسا وبحثا، تخرج من جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة: 1986م، وله سيرة علمية حافلة[2].
وقد اعتُني بتفسير أبي إسحاق من قبل العلماء المتقدمين أولا، ومن عنايتهم به اختصاره، واعتماد منهج ترتيبه، والنقل عنه؛ وممن اختصره أبو الفضل بكر بن العلاء القشيري (344ه)، وأبو عمرو يوسف بن عبد الله القرطبي النَّمْرِيّ (464ه)، وصنف قاسم بن أصبغ الأندلسي أحكام القرآن وسار فيه على منهج شيخه أبي إسحاق في التبويب، واعتمده الكثيرون كمصدر للنقل، منهم: الحافظ ابن عبد البر (363ه) في التمهيد، وأبي إسحاق بن مِنْدَةَ (395ه)، وعلي بن حزم الظاهري (456) في المحلى، وابن حجر العسقلاني (852ه) في فتح الباري.[3]
المطلب الثاني: المعنى اللغوي والاصطلاحي للصنعة الحديثية.
لغة: “يقال: صارَ فلان أُحدوثة أي كَثَّروا فيه الأحاديث. والحَدَث من أحداث الدهر شِبْه النازلة، والأُحدوثة: الحديث نفسه. والحديث: الجديد من الأشياء. ورجل حِدْث: كثير الحديث”[4]. والأحادِيْثُ من الفِقْهِ ونَحْوِه مَعْروفَةٌ. وأحْدَثَ الشَّيْءَ: أبْدَعَه، واسْتَحْدَثَه: مثله.”[5]. فمن معاني الحديث إذا الجديد، والكلام المتداول.
واصطلاحا هو: “ما أضيف إلى النبي من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خِلْقِي أو خُلُقِي أو أضيف إلى الصحابي أو التابعي”[6].
لغة: من صَنَعَ يَصْنَعُ صُنْعاً. والصُّنّاع: الذين يعملون بأيديهم. وامرأة صَناع، وهي الصّنّاعة الرقيقة بعمل يديها، وفلان صنيعتي، أي: اصطنعته وخرّجته. وفرس صَنيع، أي: قد صَنَعه أهلُه بحسن القيام عليه. تقول: صَنَعَ الفرسَ، وصنّع الجارية تصنيعاً، لأنّه لا يكون إلاّ بأشياء كثيرة وعلاج.[7] وأصْنَعَ الأخْرقُ: تَعَلَّمَ وأحْكمَ[8].
واصطلاحا: «عبارة عن ملكة نفسانية يقتدر بها صاحبها على النظر في الأحوال العارضة لموضوع ما من جهة ما بحيث يؤدي إلى الغرض فالعلم»[9].
عرفها محمد خلف سلامة، قال: “المراد بهذه العبارة (صناعة الحديث) علم الحديث، مع ملاحظة اشتراط حصول قدر معتبَر من المشاركة -بالفعل- في الرواية والنقد والعناية بالمرويات”[10]. وهذا التعريف قاصر لقصره الصناعة الحديثية على علم الحديث -رواية- خاصة فيما قيد به تعريفه (الرواية والنقد والعناية بالمرويات)، ولم يذكر أيضا كونها ملكة، ولم يحدد طبيعتها وما تنضبط به.
ويمكن تعريفها بقول: هي ملكة علمية يقتدر بها صاحبها على النظر في الروايات وفقهها، وفق قواعد وضوابط علوم الحديث. فقولي:
ملكة علمية: قيد تخرج به بقية الملكات التي لا صلة لها بالعلم.
يقتدر بها صاحبها على النظر: أي كافية لتحقيق النظر العلمي الموصل إلى العلم أو الظن الراجح في المنظور فيه.
في الروايات وفقهها: بيان لمجال توظيف وعمل هذه الملكة وهو السند والمتن معا تصحيحا وفهما.
وفق قواعد وضوابط علوم الحديث: قيد يخرج به كل نظر غير منضبط بما هو مسطر من القواعد والضوابط في علمي الحديث رواية ودراية وما يتعلق بهما من علوم الآلة.
فتفصيل وشرح عنوان مقالي هذا هو إظهار وإبراز كل ما يدل على إلمام الإمام أبي إسحاق الجهضمي بصنعة المحدثين، ثم أثر هذه الصنعة في اشتغاله على تفسير واستنباط الأحكام من الآيات القرآنية.
المطلب الثالث: تجليات الصنعة الحديثية عنده في تفسيره.
وقبل الخوض في تجليات الصنعة الحديثية عند أبي إسحاق تجدر الإشارة إلى أن التمييز بينها وبين الأثر إنما هو من قبيل الترتيب؛ لأن كل ما سيأتي في أثر الصنعة عنده في التفسير يصلح لأن يكون من تجلياتها كذلك، فبين التجليات والأثر عموم وخصوص.
ومن خلال تتبع منهج الإمام أبي إسحاق الجهضمي في تفسره نلحظ جملة من المسائل الدالة على إمامته وصنعته المحكمة في الحديث، من ذلك ما يلي:
- الأسانيد المتصلة العالية والاعتماد على المرويات المتحملة عن طريق السماع وتجاوز ما كانت طريقة تحمله غير ذلك (كالإجازة والمناولة والوجادة…).[11]
- الرجال الذين روى عنهم في كتابه هذا معظمهم رجال الكتب الستة، محدثون ثقات، عدهم المحقق في واحد وأربعون شيخا، وقدم لهم ترجمة مختصرة.[12]
- لا يروي إلا عمن يقبل حديثهم، ويترك المتهمين والكذبين والمتروكين أو أصحاب البدع المجاهرين.[13]
- التعريف برجال الإسناد، من ذلك قوله: “أبو معاوية النخعي هو أبو أبي داود النخعي واسم أبي داود سليمان بن عمرو بن عبد الله بن وهب”[14].
- التصحيح والتضعيف والكلام في السند والمتن معا، مثال جامع عن هذا قوله: “وكذلك ما رواه الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود أنه قال: لو قرأتها ﴿فَاسْعَوِاْ اِلَيٰ ذِكْرِ اِ۬للَّهِ﴾ [الجمعة: 9]، لسعيتُ حتى يسقط ردائي، فإنّهُ ضعيفٌ مُرسلٌ، ولأنّ عمَرَ وعبدَ الله رضي الله عنهما لم يكن لِيُجْعَلَ عَليهما ما عليه التابعونَ الذين وصَفنَا؛ أنّ معنى (السَّعيِ) في هذا الموضع إنّما هو الفعل، والذهاب إلى الجمعة، وقد أجمع المسلمون على قراءة: ﴿فَاسْعَوِاْ اِلَيٰ ذِكْرِ اِ۬للَّهِ﴾ [الجمعة: 9]، وأجمعو جميعا أنه الذهابُ إليها، لا السَّعيُ على الأقدامِ، ولو كان إلاَّ بسعي الناس على أقدامهم، ولم يكن يُذْهَبُ عن عُمرَ وعبدِ الله ما قدْ فهمهُ هؤلاءِ الخلقُ بعدهما”[15]؛ فإلى قوله (فإنّهُ ضعيفٌ مُرسلٌ) هذا كلام في إسناد الحديث المذكور، وما جاء بعده كلام في متنه؛ فقد عرض معناه على الإجماع، وما هو معقول من فقه وعلم من روي عنهما.
- جمع طرق الحديث ورواياته؛ ذكر واحدا وستين حديثا بالمكرر في بيان الكبائر الواردة في قوله تعالى: ﴿اِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مَّدْخَلاٗ كَرِيماٗۖ﴾ [النساء: 31].[16]
- شرح مشكل الحديث، قال: “وظاهر الحديث يدلُّ على أن الذي قيل فيه: «وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ»[17]؛ الزنا، والله أعلم”[18].
- بيان من له لفظ الحديث عند اجتماع راويين في حلقة واحدة من حلقات الإسناد.[19]
- ذكر الروايات المختلفة في سبب النزول بأسانيدها.[20]
- ذكر جملة الروايات الواردة في النسخ بأسانيدها.[21]
- ذكر القراءات التي قرأت بها الآية بالسند المتصل إلى من قرأ بها.[22]
- بيان اسم من نزلت فيه آية من القرآن، وذكر الروايات في ذلك بالسند المتصل.[23]
المطلب الرابع: أثر هذه الصنعة في تفسير آيات الأحكام.
- أول ما نلحظ عنده رحمه الله من أثر صنعته في الحديثية، تقديم النص الحديثي على غيره من الأقوال في الآية دائما وحيثما وجدت؛ فلا نجده في تفسير آية ذكر قول الإمام مالك أو الشافعي ثم أخد يسرد بعده الأحاديث الواردة في المسألة، إنما يقدم الأحاديث النبوية، فأقوال الصحابة، ثم التابعين، وقد ترد بعض أقوال الأئمة خلالها.
- الإكثار من الروايات الواردة في المسألة الواحدة وإن كانت متفقة، وهذا مفيد في العلم بالقائل بها وعددهم ومعرفة الشاذ من الأقوال، وهذا ظاهر في جميع المسائل التي يتعرض لها عند تفسيره للآيات.
- الاستعانة بالنص الحديثي في تجلية وكشف معنى الآية القرآنية كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمُۥٓۖ﴾ [النساء:29] قال في معناها: أي لا يقتل بعضكم بعضا، ثم قال: “وقد قال النبي في حجة الوداع: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا…»[24] أي دماء بعضكم على بعض”[25].
- شرح الحديث وبيان معانيه بتوظيف النص القرآني، قال: “«وعليهن ألا يأتين بفاحشة» فدلّ على أنها خُلَّةٌ أخرى، وعلى أن الفاحشة في هذا الموضع النُّشوز، لأنَّ الذي أمر به فيهنَّ مثل ما ذكر في كتاب الله عزّ وجلَّ: ﴿وَالتِے تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِے اِ۬لْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّۖ﴾ [النساء: 34]”[26].
- توظيف الأثر في توجيه معنى الآية وحكمها: من ذلك ذكره قول الإمامين أبي حنيفة والشافعي عليهما رحمة الله في المراد بالحكمين في الآية الكريمة: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماٗ مِّنَ اَهْلِهِۦ وَحَكَماٗ مِّنَ اَهْلِهَآ﴾ [النساء: 35]، وهو خلاف ما ذهب إليه هو، قال: “قلنا: الظاهر ما وصفنا أن قول علي، للزوج: كذبت والله حتي تقر بمثل الذي أقرت به، يدل على أنه ليس للحاكمين أن يحكما إلا أن يفوض الزوجان ذلك إليهما؛ وذلك أن المرأة فوضت وامتنع الرجل من تفويض الطلاق”[27].
- توجيه الأقوال المختلفة الواردة في المسألة، ومناقشة أدلتها لرفع الاشكال والتعارض الظاهر بينها، إذ بسط القول في الروايات الواردة في بيان المراد بالطائفة في قوله تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ اَ۬لْمُومِنِينَۖ﴾ [النور: 2]؛ حيث ذكر جميع الروايات فيها ثم أخد يعرض أدلت أصحابها ويناقشها واحدة واحدة[28].
- إيراد الأحاديث الواردة في المنع، ثم الواردة في الترخيص عند تعارض الأقوال في الحكم، كما عند بيانه قوله تعالى: ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِۦۖ سَٰمِراٗ تُهْجِرُونَۖ ﴾ [المؤمنون: 68]، قال: “وأما السَّمَر فقد اختلف فيه، فأما ما عرفت في هذا الوقت من كره ذاك”[29] فأورد جملة من الأحاديث والآثار، ثم قال: “وأما من بلغنا عنه الرخصة في ذلك”[30] وجاء بنحوها.
- ترتيب الأحاديث على حسب ما ذهب إليه كل رأي عند حصول الاختلاف، من ذلك أن الأقوال تعددت في المراد بالطائفة الواردة في قول الله تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ اَ۬لْمُومِنِينَۖ﴾ [النور: 2]؛ فذهب البعض إلى أنها رجل أو رجلان فقط، وقيل أربعة رجال، وذهب البعض إلى أنهم جماعة من المؤمنين؛ ثلاثة فصاعدا، وغيرها من الأقوال، فذكر جملة من الروايات في كل قول.[31]
- الإشارة إلى الاختلاف الحاصل في الروايات في المسألة الواحد، مع ذكر مذهب كل رواية ومن أخد به، قال عند تفسيره للآية الثالثة من سورة النور: ﴿اَ۬لزَّانِے لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً اَوْ مُشْرِكَةٗ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ اَوْ مُشْرِكٞۖ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَي اَ۬لْمُومِنِينَۖ﴾: “وقد روي في هذا الباب اختلافٌ: فأما من روي عنه أنه قال في الرجل يزني بالمرأة ثمّ يتزوجا: لا يزالان زانيين ما اجتمعا”[32]. فأورد عنهم الروايات بالسند المتصل، ثم جاء بعدهم بأصحاب القول الآخر المخالف، قال: “وأمّا من روي عنه خلاف هذا: …”[33].
- الاستنباط من مجموع الروايات التي يوردها في بيان آية؛ بيانا شاملا لها وصورة متكاملة عنها، منه قوله: “فكانت جملة هذه الأحاديث تدل على أن الرجل بعد أن كان منه من الظهار ما كان، قد أراد العودة إليها، وعلى هذا المعنى جاء التفسير في قول الله: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ﴾ [المجادلة: 3]”[34]؛ أي يعودوا لمعاشرة أزواجهم بعد الظهار.
- ذكر ما ذهب إليه بعض العلماء في أقوالهم دفعا للفهم الخاطئ والتأويل المنحرف، كتعليقه على قول ابن شهاب الزهري (124ه) في حكم من شَجَّ امرأته، وذلك عند تفسير قوله تعالى: ﴿اِ۬لرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَي اَ۬لنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اَ۬للَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَيٰ بَعْضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنَ اَمْوَٰلِهِمْۖ﴾ -إلى- ﴿فَإِنَ اَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاًۖ اِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلِيّاٗ كَبِيراٗۖ﴾ [النساء: 34]، قال: “أحسب الزهري ذهب في الشَّجَّةِ وما أشبهها إذا كانت على طريق الأدب من الرجل لامرأته…”[35].
تبين من خلال هذا البحث أن أحكام القرآن لأبي إسحاق الجهضمي رحمه الله كتاب نفيس مميز في بابه، جمع بين الأثر والنظر وإن كان الغالب فيه؛ التفسير بالمأثور، جمع صاحبه بين صنعتي الفقه والحديث، فكان مرجعا لمن جاء بعده في صحيح الأثر والروايات في الأحكام الشرعية، ومن المؤسف جدا ألا تكون هناك نسخة كاملة من هذا المؤلف الجليل؛ فهذا الذي بين أيدينا ليس إلا جزءا قليلا جدا مما أودعه فيه أبي إسحاق، وهو غير كاف حقيقة للتبع صنعة الإمام في الحديث وتجلياتها، فأثرها في بيان آيات الأحكام، ولعل ما أبرزته في هذا المقال من مكانة صاحبه وفائدته يحث أحدا على البحث عنه والسعي لتحصيله من مكتبات المخطوطات، وأسأل العلي القدير أن ينعم على هذه الأمة بنسخة كاملة من هذا التفسير الجليل لأنه مهم نفيس جدا.
- القرآن الكريم: برواية ورش عن نافع.
- أحكام القرآن: أبي إسحاق إسماعيل الجهضمي (تح: د عامر حسن صبري\ دار ابن حزم-بيروت\ 1426ه-2005م\ ط1).
- ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: القاضي عياض بن موسى السبتي (تح: عبد القادر الصحراوي\ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية\ 1403ه-1983م\ ط2).
- الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه (صحيح البخاري): محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (256ه) (تح: محمد زهير بن ناصر الناصر\ دار طوق النجاة\ 1422ه\ ظ1).
- السير الذاتية للدكتور عامر حسن صبري حفضه لله: فياض محمد (موقع ملتقى أهل الحديث، نشر بتاريخ: 09\08\2011).
- كتاب العين: الخليل بن أحمد الفراهدي (170ه) (تح: مهدي المخزومي-إبراهيم السمرائي\ دار الهلال\ بدون تاريخ ولا طبعة)
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة (دار إحياء التراث العربي-بيروت\ بدون تاريخ ولا طبعة)
- لسان المحدثين: محمد خلف سلامة (كتاب إلكتروني يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم وشرحِ جملة من مشكل عباراتهم وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم).
- المحيط في اللغة: إسماعيل بن عباس الطالقاني المشهور بالصاحب بن عباد (385ه) (تح: محمد حسن آل ياسين\ عالم الكتب-بيروت\ 1414هـ-1994م\ ط1)
- المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله : مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (261ه) (تح: محمد فؤاد عبد الباقي\ دار إحياء التراث العربي – بيروت\ بدون تاريخ ولا طبعة)
- منهج النقد في علوم الحديث: نور الدين عتر (دار الفكر-دمشق\ 1399ه-1979م\ ط2)
الهوامش:
- ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: القاضي عياض بن موسى السبتي. المحقق: (تح: عبد القادر الصحراوي\ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية\1403ه-1983م\ ط2) 4\279 ↑
- ينظر منشور: السير الذاتية للدكتور عامر حسن صبري حفضه الله: فياض محمد (موقع ملتقى أهل الحديث، نشر بتاريخ: 09\08\2011). ↑
- ينظر مقدمة المحقق: ص 47 ↑
- كتاب العين: الخليل بن أحمد الفراهدي (170ه) (تح: مهدي المخزومي-إبراهيم السمرائي\ دار الهلال\ بدون تاريخ ولا طبعة) حرف الحاء: الثلاثي الصحيح: باب الحاء والدال والثاء، مادة: حدث. ↑
- المحيط في اللغة: إسماعيل بن عباس الطالقاني المشهور بالصاحب بن عباد (385ه) (تح: محمد حسن آل ياسين\ عالم الكتب-بيروت\ 1414هـ-1994م\ ط1) مادة: حدث ↑
- منهج النقد في علوم الحديث: نور الدين عتر (دار الفكر-دمشق\ 1399ه-1979م\ ط2) ص 27 ↑
- كتاب العين: حرف العين باب الثلاثي الصحيح من حرف العين: باب العين والصاد والنون، مادة: صنع. ↑
- المحيط في اللغة: مادة صنع. ↑
- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة (دار إحياء التراث العربي-بيروت\ بدون تاريخ ولا طبعة) 1\42 ↑
- لسان المحدثين: محمد خلف سلامة (كتاب إلكتروني يُعنى بشرح مصطلحات المحدثين القديمة والحديثة ورموزهم وإشاراتهم وشرحِ جملة من مشكل عباراتهم وغريب تراكيبهم ونادر أساليبهم) ↑
- مقدمة المحقق: ص 44 ↑
- نفسها: ص 15 ↑
- نفسها: ص 44 ↑
- أحكام القرآن: ص 72 ↑
- أحكام القرآن: ص 202 ↑
- نفسه: ص 71 ↑
- صحيح الإمام مسلم: كتاب الحج: باب حجة النبي . ↑
- أحكام القرآن: ص 108 ↑
- ينظر نفسه: ص 107 ↑
- ينظر نفسه: ص 98 ↑
- ينظر نفسه: ص 123 ↑
- ينظر نفسه: ص 109 ↑
- ينظر نفسه: ص 172 ↑
- صحيح الإمام البخاري: كتاب الحج: باب الخُطبة أيام منى.\ صحيح الإمام مسلم: كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات: باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال. ↑
- أحكام القرآن: ص 71 ↑
- نفسه: ص 108 ↑
- نفسه: ص 118 ↑
- ينظر نفسه: ص 162 ↑
- أحكام القرآن: ص 145 ↑
- نفسه: ص 150 ↑
- ينظر نفسه: ص 158 ↑
- نفسه: ص 165 ↑
- نفسه: ص 168 ↑
- نفسه: ص 177 ↑
-
نفسه: ص 105-106 ↑