د. النذير العجيبة أحمد البله1
1 جامعة الضعين، السودان.
بريد الكتروني: alnazeermfrh@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(11); https://doi.org/10.53796/hnsj31113
تاريخ النشر: 01/11/2022م تاريخ القبول: 13/10/2022م
المستخلص
تناولت الدراسة موضوعاً مهماً من مواضيع اللغة العربية الكريمة، ظفر بعناية الباحثين واحتل منزلة واضحة في الدراسات البلاغية القرآنية أول ظهورها، بما لاقاه من اعتناء علماء البلاغة في اللغة والأدب قديماً وحديثاً.
فقامت الدراسة على حمل الآراء لأهل البلاغة والتعبير والتطبيق على القرآن الكريم، فكانت الدراسة (اللف والنشر في النصف الأول من القرآن).
وقد اقتضت الدراسة أن تتكون من مقدمة وأهداف وتتلوها دراسة نظرية وتطبيقية، وأخيرا ًتوصل الباحث إلى الخاتمة وأهم النتائج في هذا البحث.
Style of wrapping and publishing in the first half of the Holy Qur’an
Dr. Elnazir El Agiba Ahmed Al-Bella 1
1 El Daein University, Sudan.
Email: alnazeermfrh@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(11); https://doi.org/10.53796/hnsj31113
Published at 01/11/2022 Accepted at 10/10/2021
Abstract
The study dealt with an important topic of the noble Arabic language, which gained the attention of researchers and occupied a clear position in the Qur’anic rhetorical study, its first appearance may have been meted out by the care of scholars of rhetoric in language and literature, ancient and modern
The study was based on carrying the opinions of the people of rhetoric and applying them to the Holy Qur’an. The study was wrapping and publishing in the first half of the Holy Qur’an. The study required that it consist of an introduction and objectives, followed by a theoretical and applied study. Finally, the researcher reached the conclusion, the most important results and recommendations.
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
نظراً للمكانة العظيمة التي يتبوأها القرآن الكريم عند أمة الإسلام، فإن لفهمه أهمية كبيرة، وذلك باستقراء آياته والوقوف على عبره والحكم المستقاة منها للوقوف على الأحكام المستترة وراء كلماته المضيئة.
لم يكن القرآن الكريم مصدر التشريع ومنبع النور والهداية فحسب بل إلى جانب ذلك، كان المعين الذي لا ينضب للنحاة والأدباء والبلغاء والشعراء، لقد كان دوماً المنبع الصافي الذي يمدنا بأساليب متنوعة آثرت لغتنا ومفرداتها وجعلتها في مقدمة لغات العالم.
مشكلة البحث:
البحث عن تمام الفائدة من وقوع اللف والنشرفي القرآن الكريم على النفوس.
أهداف البحث:
- إظهار أسلوب بديع القرآن الكريم من خلال هذا البحث.
- يهدف إلى التطوير والتجديد في مجال الدراسات البلاغية لأنه مرتبط بالقرآن الكريم.
- يهدف البحث إلى التمكين من مادة علم البديع (اللف والنشر).
أهمية البحث:
- دراسة تأصيلية لعلم البديع (اللف والنشر).
- يسد ثغرة في المكتبة العربية وغير العربية.
منهج البحث:
الوصفي التحليلي.
اللف في اللغة:
اسم من الائتلاف والإجتماع واسم الفاعل أليف مثل: عليم، وآلف مثل: عالم، والجمع آلاف مثل: كفار، وآلف الموضع إيلافاً ، وألفته إلفةً وإيلافاً[1]
وأما النشرفي اللغة:
مصدر نشرت الثوب أنشره نشراً، والنشر ضد الطي ويروى بالباء الموحدة والتاء والسين المهملة.[2]
اللف والنشر في الإصطلاح:
هو ذكر متعدد على جهة التفصيل أو الإجمال، ثم ذكر ما لكل واحد من غير تعيين ثقة بأن السامع يرده إليه[3]، فالأول ضربان لأن النشر إما على الترتيب اللف كقوله تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)[4] فقد ذكر في الآية متعدد وهو (الليل والنهار) على جهة التفصيل حيث عطف النهار على الليل بواو العطف ، وهذا ما يسمى (لفاً) ثم ذكر بعد ذلك اللف والنشر وهو (لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) وذكره بدون تعيين ثقةً بأن السامع يدركه ويرده إليه، فهو يدرك أن السكن لليل، وأن إبتغاء الفضل يكون نهاراً.
ويتضح لنا من خلال التعريف الإصطلاحى للف والنشر أنه ينقسم الى نوعين[5]
الأول: أن يكون المتعدد مذكوراً على جهة التفصيل وهذا النوع ضربان: أولهما أن يكون النشر على ترتيب اللف، كما في الآية السابقة وكقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً *** لدى وكرها العناب والحشف البالي[6]
الثاني: أن يكون النشر على غير ترتيب اللف ومن هذا الضرب قول ابن حيوس:
كيف أسلوا وأنتِ حقف وغصن *** وغزال لحظاً وقداً وردفاً[7]
فاللف في قول الشاعر (حقف وغصن وغزال) والنشر (لحظاً) ويرجع إلى غزال، (وقداً) يرجع إلى الغصن، (وردفاً)يرجع إلى الحقف، وواضح أن النشرعلى غير ترتيب اللف.
ومما سبق من الأمثلة للف والنشر هو ماذكر على جهة التفصيل، وأما ما ذكر على جهة الإجمال كما في قوله تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى …)[8]، فالضمير في (وقالوا) يرجع لأهل الكتاب من اليهود والنصارى والمعنى: قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فلف القولين وجمعهما في الضمير (قالوا) على جهة الإجمال ثم ذكر النشر (هوداً أو نصارى) بدون تعيين ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله لما علم من التعادي بين الفريقين وتضليل كل واحد منهما لصاحبه، وهذا النوع من اللف والنشر لا يقتضي ترتيباً أو عدم ترتيب، لأن اللف مجمل لا يعلم ترتيبه حتى تنظر في ترتيب النشر على ضوئه[9].
بلاغة اللف والنشر:
تتمثل بلاغة اللف والنشر في تشويق النفس وإثارتها وإيقاظها وتنبيهها، كما أنه يهيئ النفوس إلى كل ما يذكر بعد النشر العائد إلى اللف، فإذا ما ذكر النشر بعدئذ وقع في النفوس موقعه وتمت الفائدة أحسن تمام وتحقق الغرض أبلغ تحقيق واطمأنت النفس به واستقرت، لأن النشر جاء والنفوس إليه متطلعة وله مترقبة متلهفة. وإليك الشواهد في النصف الأول للقرآن الكريم في اللف والنشر:
الأحكام الشرعية التي تخص المجتمع الإسلامي الداخلي:
من ضمن الموضوعات التي استعمل فيها اللف والنشر ليكشف عن محتواها، والفائدة منها، موضوع الأحكام الشرعية، وقد جاء في عدة مواضع على مستوى الآية ورصدت الآيات أحكام شرعية، وكان للف والنشر أثر بارز.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)[10].
عبر ب(كتب) عن معنى الإلزام والإثبات مجازاً، وحقيقة الخطأ الذي طرأ لأنه جدير بثبوته وبقائه[11].
(الحر بالحر) أي لا يؤخذ إلا بالحر، (فمن عفى له من أخيه شئ) عبر عن ولي المقتول بأنه أخ القاتل، تعطفاً عليه وترغيباً في العفو، (شئ) أي شئ من العفو (وأداء إليه بإحسان) أي على الجاني المعفو له، ففي الآية لف ونشر (عفى) بمعنى يسر والأخ بالجاني كان النشر[12].
وقوله تعالى: (وشهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)[13].
وأيضاً قوله تعالى: (وأحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب الله عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وأبتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون).[14]
الخيط الأبيض: أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق، كالخيط المحدود، والخيط الأسود: يمتد معه من غبش الليل فشبههما بخيط أبيض وأسود.
فالمراد بهما الفجر بقسميه، من صادق وكاذب، ويكون ذلك من باب اللف والنشر.
وللسيوطي رأي آخر في هذه الآية، وهو أنه يمكن أن يكون اللف (الخيط الأبيض) و(الخيط الأسود) ثم جاء النشر (من الفجر) فالفجر الصادق الثاني يقابل (الخيط الأبيض) والفجر الكاذب الأول يقابل (الخيط الأسود) على طريقة اللف والنشر[15].
وقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وأتقون يا أولي الألباب)[16].
جاء اللف المجمل في قوله تعالى: (وتزودوا) أي تزودوا في سفركم في الحياة الدنيا، وتزودوا في سفركم للآخرة، ثم ذكر الله ما يخص كل سفر، فقال تعالى:(فإن خير الزاد التقوى).
أي ما تبقى به سؤال الناس – هذا رأي بعض المفسرين – وهذا يخص السفر في الدنيا ثم قال تعالى: (وأتقون يا أولي الألباب).
وهذا شأن سفر الآخرة، قال السيوطي: “وهذه نهاية البلاغة”[17].
وقوله تعالى: (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا).[18]
بمعنى أنه يستحق عقابين عقاب الكسب وعقاب البهت (بهتاناً وإثما) فعقاب البهتان راجع إلى رمية، والإثم راجع إلى كسبه.[19]
وقوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم).[20]
جاء اللف مجملاً في قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله) إذ المحاربة تكون بالقتل، أو أخذ الأموال مع القتل، أو التخويف، أو أخذ الأموال مع التخويف، ثم جاء النشر بعد ذلك مبيناً جزاء ما أجمل في قوله: (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) فقال تعالى: (أن يقتلوا) وهذا جزاء المحاربة عندما تكون قتلا فقط، ثم قال: (يسعون في الأرض فساداً) أي يقتلوا ويصلبوا، وذلك إذا كانت المحاربة قتلاً وأخذاً للأموال، ثم قال: (أو أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) وذلك إذا كانت المحاربة تخويفاً للآمنين فقط، ففي الآية لف مجمل ونشر مفصل.[21]
قال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله * فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون).[22]
جاء اللف في قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات) وهو مجمل، ثم جاء النشر بعد ذلك، فقال تعالى: (فرجالاً أو ركباناً) أي فالرجال يصلون رجالاً والركبان يصلون ركباناً.
ففي هاتين الآيتين أمر من الله عز وجل بالمحافظة على الصلاة، فلا رخصة في ترك الصلاة ولا في تأجيلها، لا في حرب ولا سلم، وإنما الرخصة عند الخوف في واحده من صفات الصلاة وهيئتها فلا تسقط الصلاة مهما كان ، ولكن تسقط بعض شروطها كالخشوع، وهنا بين الله عز وجل لعباده كيف يكون أداء الصلاة في حالة الحرب ففي الحرب يصلونها راجلين أو راكبين فإذا زال الخوف يصلون صلاة الأمن.[23]
اللف المجمل في قوله تعالى: (حافظوا على) وهذا خطاب بالمؤمنين جميعاً وهم في الحرب، سواء كانوا راجلين أم راكبين، ثم جاء النشر بعد ذلك فقال تعالى: (فرجالاً أو ركبانا) أي فالرجال يصلون رجالاً، والركبان يصلون ركباناً كل على قدر استطاعته، فاللف هنا جاء مجملاً والنشر مفصلاً.[24]
وقوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أؤلئك يومنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يومنون)[25]
حيث جاء التشبيه على جملة بنيت على اللف والنشر (أفمن كان على بينة من ربه) كمن ليس كذلك فيكون (أؤلئك يؤمنون به) راجعاً لمن في قوله: (أفمن كان على بينة من ربه) ويكون قوله (ومن يكفر به) راجعاً بمقدر فهو لفاً ونشرا.
وفي قوله تعالى: (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير)[26]
حيث قال الألوسي: والآية من قبيل اللف والنشر فإن مس الضر ناظر إلى قوله تعالى: (إنى أخاف ……) وإن مس الخير ناظر إلى قوله تعالى: (ومن يصرف عنه ……..)[27]
قصص الأمم السابقة:
لو تتبعنا الآيات التي احتوت على اللف والنشر، لوجدنا أن سبع آيات منها جاءت في معرض كلام الله عن بعض الأمم السابقة، مثل بني اسرائيل، وفرعون وقومه، وقصة لقمان وابنه، وقصة ابراهيم عليه السلام فيما أمر بالنداء للحج، وفي ذلك دلالة على أهمية هذا الفن من القصص القرآني.
فمن الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع:
قال تعالى: (وأتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل وهم لا ينصرون)[28]
وردت في هذه الآية كلمة (النفس) مرتين، وهي تختلف في كل مرة عن الأخرى، ثم ذكر الله عز وجل ما يقابل كل نفس، فقال عن النفس الأولى: (الجازية) (يوماً لا تجزي نفس) وقال عن الثانية: (المجزي عنها) عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل) على طريقة اللف والنشر.[29]
وقوله تعالى: (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فأدع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتسبدلون الذي أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).[30]
(يخرج لنا مما) أي مأكولاً مما (تنبت الأرض من بقلها) هو كل نبات لا يبقى له ساق إذا رعته الماشية (وضربت عليهم الذلة والمسكنة) أي لزمتهم ولصقت بهم لزوم الدرهم المضروب لسكته.[31]
فالإشارة أولاً بقوله: (يكفرون) إلى الضرب بقوله: (يقتلون) إلى اليهود.
وثانياً بقوله: (عصوا) إلى الكفر وبقوله: (يعتدون) إلى القتل.
قال أبو حيان: “ففيه لف ونشر في الموضعين، وهذا من محاسن الكلام”.
وأيضاً قال تعالى: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما يعملون).[32]
وجاء اللف في هذه الآية مجملاً في قوله : (وقست قلوبكم) فأجمل القلوب ثم بسط القول فقال: (فهي كالحجارة) أي قلوبكم كالحجارة، ثم قال تعالى: (أو أشد قسوة) أي قلوب أشد قسوة من الحجارة، على طريقة اللف والنشر المجمل والمفصل.[33]
وقوله تعالى: (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون).[34]
اللف المتعدد المجمل في قوله تعالى : (وكم من قرية) أي قرى كثيرة، ثم نشر اللف فقال: (أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً) أي بعض القرى جاءها بأسنا بياتاً، وبعض القرى جاءها بأسنا وهم في وقت القيلولة، و (أو) هنا للتنويع ،أي جاء لقوم مرة ليلاً وجاء لقوم مرة وقت القيلولة.
وقوله تعالى: (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون).[35]
جاء اللف في الآية متعدداً وهو قوله تعالى: (قال الملأ) وقوله (من قوم فرعون) ثم ذكر الله ما يقابل كل واحد، لكن على غير ترتيب، ففي الآية لف ونشر.[36]
وقوله تعالى: (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا أغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين).[37]
فقد جاء دعاء اتباع الرسل مفصلاً، بدأ بطلب المغفرة وهي دعوة أخروية وبطلب النصر على الكفار وهي دعوة دنيوية، فلما بدأ النشر بدأه مخالفاً للف.
بدأه بثواب الدنيا ثم ثنى بثواب الآخرة وخصه بالحسن لأنه الأبقى والأثبت.
التأمل والتدبر في آيات الله الكونية التي تدل على وحدانيته:
من الموضوعات المهمة التي كان للف والنشر أثر واضح في تبيين الآيات والدلائل التي تدل على وحدانية الله، فالله تعالى يبين في كتابه الكريم الكثير من الآيات والمعجزات التي تدل على أنه المستحق للعبادة لمن تأمل فيها وتدبر.
فمن الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع:
قال تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)[38]
في هذه الآية يبين الله تعالى عظيم قدرته وسعة علمه، التي لا يحيط بهما أحد من خلقه، فهو سبحانه وحده الذي يدرك الأبصار كلها، ولا تحيط به أبصار المبصرين من خلقه – سبحانه وتعالى – وهو اللطيف الخبير الذي لطف علمه ورق، حتى أدرك السرائر والخفايا والبواطن.[39] ففي الآية لف ونشر، فاللف في قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) النشر في قوله تعالى: (وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير). فيدرك[40] ما لا تدركه الأبصار وهنا ورد اللف أي لا تدركه الأبصار لأنه اللطيف الخبير وهو يدرك الأبصار لأنه الخبير فيكون اللطيف مستفاداً من مقابل لما لا يدرك بالحاسة ولا ينطبع فيها.
وهكذا يتبين أن اللف والنشر هو ذكر متعدد ثم الإثبات لكل جزء من هذا التعدد بما يناسبه على الترتيب أو دونه وهو نوع من البديع يزيد النشر حسناً ويكسبه بعداً وجمالاً.
وقال تعالى: (وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير)[41]
ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية عبارتين هما (عالم الغيب والشهادة) (وهو الحكيم الخبير) ثم ذكر ما يناسب كل عبارة فقال: (الحكيم الخبير )وهو راجع إلى العبارة الأولى أي: هو حكيم خلق السماوات والأرض وفي كل ما يفعله، ثم قال تعالى: (الخبير) وهو راجع إلى العبارة الثانية، أي: خبير بجميع الأمور الغائبة منها والمشاهدة وقد جاء هذا الأسلوب على طريقة اللف والنشر.[42]
كذلك قال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)[43]
ذكر الله المتعدد المجمل في قوله تعالى: (اتخذوا) فإن الضمير (واو الجماعة) يشتمل على فريقين مختلفين من أهل الكتاب هما: اليهود والنصارى، ثم فصل فقال: (أحبارهم) وهذا راجع إلى اليهود، ثم قال: (ورهبانهم أرباباً من دون الله) وهذا راجع على النصارى، أي اتخذوا النصارى رهبانهم أرباباً من دون الله، ففي الآية محسن اللف المجمل والنشر المفصل.[44]
قال تعالى: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة فابتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلاً).[45]
جاء اللف المفصل في قوله تعالى: (وجعلنا الليل والنهار آيتين) ثم جاء النشر على غير ترتيب اللف، فقال تعالى: (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) وهذا يناسب آية النهار وهي الشمس ثم قال: (ولتعلموا عدد السنين والحساب) أي حساب السنين وهذا يناسب آية الليل وهي القمر.[46]
لما ذكر الله في آخر سورة يوسف قوله تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)[47]
فذكر حقيقة القرآن وأنه هدى ورحمة في قوله: (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) بدأت سورة الرعد بما يقابل هاتين الآيتين لكن ليس على سبيل الترتيب فقال تعالى: (المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون * وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهارإن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)[48] فهذه الآيات جاءت على أسلوب اللف والنشر.
جاء اللف في هذه الآية مجملاً في قوله: (قست قلوبكم) فأجمل القلوب ثم بسط القول فقال: (فهي كالحجارة) أي قلوب كالحجارة ثم قال تعالى: (أوأشد قسوة) أي قلوب أشد قسوة من الحجارة، على طريقة اللف والنشر المجمل والمفصل.[49]
وقوله تعالى: (وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين)[50]
جاء اللف المجمل في قوله تعالى: (وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا) فإن الضمير (واو الجماعة) يشتمل على فريقين مختلفين من أهل الكتاب هما: اليهود والنصارى والمعنى : قالت اليهود: كونوا يهوداً تهتدوا، وقالت النصارى: كونوا نصارى تهتدوا ففي الآية لف ونشر مجمل.[51]
الوعد والوعيد:
موضوع الوعد والوعيد من الموضوعات التي استعمل فيها فن اللف والنشر، لأن الله عندما يذكر فريقين مختلفين، فإنه يبين ما لكل منهما، فيعد المؤمنين بأحسن الجزاء، ويتوعد الآخرين بأشد العذاب.
فمن الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع:
قال تعالى: (… يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها ولا كسبها في الإيمان لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فيه).[52]
وقوله تعالى: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلي أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير).[53]
في الآية كلام متعدد، الأول في قوله تعالى: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله) والثاني قوله: (وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) ثم جاء بعد ذلك ما يقابل كل كلام على الترتيب على طريق اللف والنشر فقوله سبحانه: (يمتعكم متاعاً حسناً) فالتمتع مرتب على الإستغفار فهو يقابل (أن استغفروا) ثم قال بعد ذلك: (ويؤت كل ذي فضل فضله) فإيتاء الفضل مرتب على التوبة وهو يقابل الكلام الثاني.[54]
وقوله تعالى: (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون * أؤلئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون * أؤلئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون * لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا إلى ربهم أؤلئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون*مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصيروالسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون).[55]
ورد في هذا المقطع فريقان مختلفان الأول في قوله تعالى: (كالأعمى والأصم)، والثاني في قوله: (والبصير والسميع) ثم ذكر ما يقابل كل فريق، فقال (والبصير) وهو راجع إلي الفريق الأول، ثم قال والسميع وهو راجع إلى الفريق الثاني، ففيه لف ونشر وفيه أيضاً لف مجمل.[56]
وأيضاً قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ومما يوقدون عليه النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال).[57]
اللف في هذه الآية متعدداً، وهو قوله تعالى: (فسالت أودية بقدره)و(فاحتمل السيل زبداً رابياً) ثم جاء النشر بعد ذلك، لكنه ليس على ترتيب اللف، فقال تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء).[58]
وقوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)[59]
فقد ذكر متعدد على جهة الإجمال في قوله: (يحاربون الله ورسوله) إذ المحاربة تشمل القتل أو أخذ المال أو الإخافة أو الجمع بين القتل وأخذ الأموال، أو بين أخذ الأموال والإخافة، فأجمل كل في قوله: (يحاربون الله ورسوله) ثم جاء النشر أن يقتلوا، إذا كانت المحاربة قتالاً فقط (أو يصلبوا) أي مع التقتيل) إذا جمعوا في المحاربة بين القتل وأخذ المال، (أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف)إذا كانت المحاربة إخافة فقط.
وقوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ).[60]
فقد جاء اللف في قوله: (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه) ثم جاء النشر مخالفاً للف في قول المؤمنين: (متى النصر) قبل قوله تعالى: (ألا إن نصر الله قريب) ولو جاء النشر على ترتيب اللف لكان قول الرسول مقدما، ولجاء الجواب قبل السؤال وكان في هذا خلل إلا أن يحذف السؤال بعد ذلك أو يقدره، لكنه لما أورد السؤال أورد الجواب بعده فكان النظم بديعاً جميلاً.
وقوله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنت تكفرون * وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون).[61]
فقد كان الأجدر على الترتيب أن يبدأ في النشر بالذين ابيضت وجوههم كما في اللف، ولكنه بدأ بالذين اسودت وجوههم، فكانت المخالفة واضحة، وهذا تفصيل بعد إجمال، وقدم بيان حال الكافرين لكون المقام مقام تحذير وترتيب.[62]
ويفهم من قول الشوكاني (هذا تفصيل بعد إجمال) أي نشر بعد لف فقد أجمل في قوله: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ..) ثم فصل ذلك ولكن بدأ بتفصيل الثاني من المتعدد، ثم عاد إلى تفصيل الأول منه، وقال عنها الزركشي: أن يأتي بجميع المقدمات ثم بجميع الثواني مرتبة من آخرها، ويسمى رد العجز على الصدر.[63]
ذكر بعض مزاعم المشركين وأهل الكتاب والرد عليهم:
أسلوب اللف والنشر من ضمن الأساليب والمحسنات التي استعملت في القرآن الكريم للرد على بعض مزاعم أهل الكتاب قبل الرسول – صل الله عليه وسلم – أو مزاعم المشركين في عهده – صل الله عليه وسلم – فكان للف والنشر الأثر البارز، والدور الواضح، في تبيين تلك المزاعم.
فمن الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع:
قال تعالى: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين).[64]
جمع الله في هذه الآية بين فريقين، الأول في قوله تعالى: (فأما الذين آمنوا فيعلمون) والثاني في قوله: (وأما الذين كفروا فيقولون) ثم ذكر ما يخص كل فريق، لكن ليس على سبيل الترتيب فقال: (يضل به كثيراً) وهذا يناسب الفريق الثاني وهم الذين كفروا، ثم قال: (ويهدي به كثيرً) وهو يناسب الفريق الأول وهم الذين آمنوا فجاءت الآية على طريق اللف والنشر.[65]
وقوله تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم ..).[66]
فتقدير اللف لن يدخل الجنة أحداً ثم كان النشر هوداً أو نصارى ضمير (الواو) في قالوا يجمل اليهود والنصارى.
أي لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى فلف بين القولين ثقة بأن السامع يرد كل منهما إلى قائله.[67]
وقوله تعالى: (وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين)[68]
جاء اللف المجمل في قوله: (وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا) فإن الضمير (واو الجماعة) يشتمل على فريقين مختلفين من أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمعنى: كونوا يهوداً تهتدوا، وقالت النصارى: كونوا نصارى تهتدوا ففي الآية لف ونشر مجمل.[69]
وأيضاً قال تعالى: ( أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون)[70]
اللف المجمل في قوله: (أو تقولون) أي: اليهود والنصارى، وظاهر الآية: أن اليهود والنصارى يقولون: إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا يهوداً، وإما نصارى وليس الأمر كذلك بل المعنى: قالوا: إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط والنصارى قالوا: إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا نصارى، ففي الآية محسن اللف المجمل والنشر المفصل.
وقوله تعالى: (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون)[71]
في هذه الآية يخبرنا تعالى عن طرف قصة موسى عليه السلام مع فرعون، وما فيها من أحداث عظيمة، ومن هذه الأحداث ما جاء في الآية. حينما قال الملأ لفرعون: أتترك موسى وقومه يدعونك ويتركونك أنت وآلهتك؟ فأجابهم فرعون بأنه سيدع بنى إسرائيل مع موسى وسيقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهم، وبذلك يكونون غير خارجين عن حكمنا.[72]
جاء اللف في قوله تعالى: (وقال الملأ من قوم فرعون) ثم جاء النشر بعده، فقال: (سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم) أي قوم موسى، فهذه الآيات جاءت على أسلوب اللف والنشر غير المرتب.[73]
علاقة المسلمين مع مجتمع الكفار الخارجي:
من الموضوعات التي رصدها هذا البحث وإشتملت على اللف والنشر علاقة المسلمين مع مجتمع الكفار الخارجي، فبين الله كيفية معاملة الكفار، والرد عليهم، وحذر من الخضوع لهم، أو الإنصياع لما يريدونه، بل وتوعد من يفعل ذلك.
من الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع:
قال تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأؤلئك حبطت أعمالهم في الدنيا وفي الآخرة وأؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون)[74]
ومن ذهب إلى الردة حبط عمله، وإن لم تتصل بالموت، ففي الآية لف ونشر، لأن الإحباط عائد إلى الإرتداد، والخلود عائد إلى الموت على الكفر.[75] فالخلود في النار عائد إلى الموت على الكفر على طريق اللف والنشر.
أوصاف القرآن الكريم:
من ضمن الموضوعات التى جاء فيها اللف والنشر الحديث عن أوصاف القرآن الكريم. فمن الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع:
قال تعالى: (ألر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)[76]
بين الشوكاني[77] اللف والنشر في الآية فيقول: في قوله (من لدن حكيم خبير) لف ونشر لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها خبير عالم بمواقع الأمور وهذا النوع من اللف والنشر التفصيلي أو التفريق، فأحكام الآيات يناسبها الحكيم، وتفصيلها يناسبها الخبير، وهذا يتناسب مع التعريض فيقوم السامع برد كل إلى ما يناسبه من الكلام، ورتب فيه النشر علي ترتيب اللف.
النصح والإرشاد :
(ولاتجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)[78]
فاللوم للبخل والحسرة للإسراف على الترتيب، قسم الشوكاني الأول من اللف وهو البخل مع الأول من النشر وهو اللوم والثاني هو الإسراف مع الثاني وهو محسوراً، ولم يذكر أنها من اللف والنشر فقال: المراد النهي للإنسان بأن يمسك إمساكاً يصير به مضيقاً على نفسه وعلى أهله ولا يوسع في الإنفاق توسيعاً لا حاجة إليه بحيث يكون مسرفاً، فهي نهي عن جانبي الإفراط والتفريط.[79]
وأخيراً توصل الباحث إلى النتائج الآتية:
- أسلوب اللف والنشر في القرآن الكريم بصوره المختلفة جاء رافداً من روافد الإعجاز البلاغي وأسلوباً مؤثراً من الأساليب القرآنية المؤثرة.
- من خلال البحث والتأمل ودراسة شواهد اللف والنشر في القرآن الكريم وجدت أن الموضوعات التي يرد فيها اللف والنشر متعددة، فهو لم يقتصر علي موضوع معين، بل جاء ذكره في معظم الموضوعات التي تحدث فيها القرآن الكريم، مثل موضوعات العقيدة والعبادات والأخلاق، وقصص الأمم السابقة وضرب الأمثال ومصير العباد يوم القيامة والآيات الكونية، بل أن شواهد القرآن إنقسمت إلى عهدين المكي والمدني.
- جاء اللف والنشر في القرآن الكريم على مستوى الآية، وعلى مستوى السورة، وعلى مستوى المقطع.
- شواهد اللف والنشر تشترك في السر البلاغي العام للف والنشر، وهو ما ذكر اللف مطوياً فيه حكمه، فهو يهيأ النفوس ويعدها لتلقي ما سيأتي بعدها من ذكر النشر العائد للف، فإذا ذكر النشر وقع في النفوس موقعاً.
المصادر والمراجع:
- القران الكريم.
- الإيضاح، القزويني، تحقيق وتعليق وفهرسة، تغريد الشيخ محمد وأيمان الشيخ محمد، دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
- البحر المحيط، أبوحيان الأندلسي، محمد بن يوسف القرناطي_ت((742ه)تحقيق عادل أحمد عبد المحمود.
- البلاغة العربية، (أسلوبها وعلومها وفنونها) عبدالرحمن الميداني، الطبعة الأولى1416هـ – 1996م، دار الرقم (دمشق) الدار الشامية بيروت، ج2، ص 407.
- البلاغة العربية،(البديع والبيان) وليد قصاب.
- البرهان في علوم القرآن، الإمام بدرالدين محمد بن عبدالله الزركشي، تحقيق د، يوسف عبدالرحمن الشيخ جمال، أحمد الذهبي الشيخ إبراهيم عبدالله الكردي ج1ط1415ه1990م
- التحرير والتنوير، عمر الطاهر بن عاشور ،تونس، الدار التونسية،(د،ط)،14،112
- المفصل في علوم البلاغة العربية،د، عيسى علي العاكوب،ط2،دارالقلم،1426ه2005م
- المصباح المنيرفي غريب الشرح الكبير، لأبي العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي(ت770ه).
- النبأ العظيم، د. محمد عبدالله دراز، ت، عبدالحميد، الطبعة الثانية،1421ه دار طيبة للنشر والتوزيع ،الرياض، ص(256)
- تفسير أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ،محمد بن مصطفى(ت982)، الناشر دار إحياء التراث.
- ديوان امرء القيس، ت.إبراهيم محمد أبوالفضل،ط5، القاهرة ،دار الكتاب.
- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، أبي شهاب الدين محمود شكري الحسيني للألوسي،الطبعة1.
- علم البديع، عبدالعزيز عتيق، الناشر دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان،ط1،تاريخ الطبعة 2004م
- علم البديع دراسة تاريخية وفنية لاصول البلاغة ومسائل البديع
- فتح القدير، محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني اليمني،ج2،الناشر دار بن كثير،دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت.
- قطف الأزهارفي كشف الأسرار،السيوطي ،تحقيق د.أحمد الحمادي ط1 1414م،اصداروزارة الشؤون الإسلامية.
- نظم الدررفي تناسب الآيات والسور،للإمام البقاعي شرحه ووضع هوامشه عبدالرازق غالب،دار الكتاب العلمية بيروت لبنان.
- لسان العرب، بن منظور،المجلد الرابع عشر،دار صادر بيروت لبنان
الهوامش:
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لأبي العباس أحمد بن محمد بن على المعري الفيومي (ت 770هـ) مادة (لف) ↑
- لسان العرب، ابن منظور، المجلد الرابع عشر، دار صادر بيروت – ط1 ، 2000، 2003، ط4، 2004، ص256، مادة (نشر). ↑
- الإيضاح في علوم البلاغة المعاني والبيان و البديع (مختصر المفتاح) للخطيب القزويني ، تحقيق د/ رحاب عكاوي، دار النشر العربي، ط1، 2000، ص274. ↑
- سورة القصص، الآية 73. ↑
- علم البديع دراسة تاريخية وفنية لأصول البلاغة ومسائل البديع، ط3، ص210-211. ↑
- ديوان أمرئ القيس، ص64. ↑
- البيت لابن حيوس وهو محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس التنوي، لم أعثر عليه في ديوانه، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء، ج18، ص413، والحقف: مجتمع الرمل إذا عظم واستدار، والردف: العجيزة وقد شبه الشاعر المرأة بالقحف والغصن والغزال. ↑
- سورة البقرة، الآية 111. ↑
- علم البديع دارسة تاريخية وفنية لأصول البلاغة ومسائل علم البديع، ص213. ↑
- سورة البقر، الآية 178. ↑
- البحر المحيط، 2، 9. ↑
- قطف الأزهار في كشف الأسرار، السيوطي، ج1، ص385. ↑
- سورة البقرة الآية 185. ↑
- سورة البقر الآية 187. ↑
- قطف الأزهار، ص404 – 405. ↑
- سورة البقرة، الآية 197. ↑
- قطف الأزهار، ج1، ص429. ↑
- سورة النساء، الآية112. ↑
- قطف الأزهار، 2، ص749. ↑
- سورة المائدة، الآية33. ↑
- علم البديع، د.بسيونى عبدالفتاح، ص177. ↑
- سورة البقرة، الآية، 239-239. ↑
- النبأ العظيم،د،محمد عبدالله دراز، ت،عبدالحميد،الطبعة الثانية،1421ه دارطيبة للنشر والتوزيع ،الرياض،ص(256) ↑
- البلاغة العربية، (أسلوبها وعلومها وفنونها) عبدالرحمن الميداني، الطبعة الأولى1416هـ – 1996م، دار الرقم (دمشق) الدار الشامية بيروت، ج2، ص 407. ↑
- سورة هود، الآية17. ↑
- سورة الأنعام الآيات، 15-17. ↑
- روح المعاني، للألوسي،ج7، ص113. ↑
- سورة البقرة، الآية48. ↑
- قطف الأزهار في كشف السرار، السيوطي، تحقيق: د.أحمد الحمادي، ط1 1414هـ، إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ج1، ص248. ↑
- سورة البقرة، الآية61 ↑
- قطف الأزهار، ج1، ص255. ↑
- سورة البقرة، الآية، 74. ↑
- قطف الأزهار، ج1، ص274، الكشاف ص 83. ↑
- سورة الأعراف، الآية4. ↑
- سورة الأعراف الآية127 ↑
- قطف الأزهار،ج2،ص(1044) ↑
- سورة آل عمران،الآيتان(147-148) ↑
- سورة الأنعام، الآية103. ↑
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج1، ص259. ↑
- تفسير أبوالسعود،ج2،ص(261) ↑
- سورة الأنعام الآية(73) ↑
- .روح المعاني،ج1،ص191. ↑
- سورة التوبة الآية(31) ↑
- قطف الأزهار،ج2،ص(1144) ↑
- سورة الأسراء الآية (16) ↑
- المفصل في علوم البلاغة العربية،د،عيسى علي العاكوب،ط2،دارالقلم،1426ه2005م ↑
- سورةيوسف الآية(111) ↑
- سورة الرعد الآية (301) ↑
- سورة البقرة(135) ↑
- سورة البقرة الآية (74) ↑
- قطف الأزهار،ج1، ص329. ↑
- سورة الأنعام،الآية158. ↑
- سورة هود الآية (3) ↑
- تفسير أبو السعود،ج،6،ص(312) ↑
- سورة هود، الآيات19-24 ↑
- روح المعاني،ج6، ج12، ص35. ↑
- سورة الرعد، الآية17. ↑
- نظم الدرر، ج10، ص318. ↑
- سورة المائدة، الآية32. ↑
- سورة البقرة، الآية214 ↑
- سورة آل عمران، الآيتان 106-107. ↑
- فتح القدير،ج1،ا(499) ↑
- البرهان في علوم القرآن ،ج3،ص(496) ↑
- سوورة البقرة، الآية26. ↑
- التحرير والتنوير، ج1، ص356. ↑
- سورة البقرة، الآية111. ↑
- تفسير أبوالسعود،ج1، ص647. ↑
- سورة البقرة الآية (135) ↑
- لطف الأزهار، ج1، ص329. ↑
- سورة البقرة، الآية140. ↑
- سورة الأعراف، الآية 127. ↑
- تيسيرٍالكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج1، ص706. ↑
- نظم الدررفي تناسب الآيات والسور ،ج10،ص(262-263) ↑
- سورة البقرة، الآية217. ↑
- قطف الأزهار، ص454. ↑
- سورة هود، الآية1. ↑
- فتح القدير، الشوكاني، ج2، ص606. ↑
- سورة الإسراء، الآية29. ↑
-
فتح القدير، ج3، ص279. ↑