ماهية بطاقة الاتصال الهاتفي – دراسة أصولية –

م. د. أحمد عبد المجيد عبد الجبار علي1

1 كلية الإمام الجامعة – العراق

بريد الكتروني: aam002445@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(11); https://doi.org/10.53796/hnsj31122

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/11/2022م تاريخ القبول: 23/10/2022م

المستخلص

المراد من الدراسة هو بيان وإظهار الماهية الحقيقة لهذه البطاقة ، سيما وأن أحدا لا يعلم من هذه البطاقة سوى أنه ملزم بشرائها ، حتى صار أمرها واقع حالٍ قد فرض في حياتنا اليومية من غير بيان واضح لها من قبل الشرع .

والبيان الشرعي لها ليس هو العلم الواقع للمبين وإنما هو الإظهار ، فإذا ما تحقق الإظهار لم يبقى معه شك ولا إصرار ، ولا يتحصل ذلك إلا بدراسة أصولية ليكون أكثر شمولاً , سيما وأن الأصول تتناول القواعد العامة لطرق الفقه واستنباطاته ، وبذلك يمكن اعتبار هذه الدراسة اساسا ومقياسا لغيرها من المعاملات الرقمية أو التجارة الألكترونية .

أما الإظهار فيمكن تحقيقه وذلك بدراسة بطاقة الرصيد من خلال ثلاثة مفاهيم هي: المنفعة والمال والصفة المالية ، والحكم في كل ذلك هو للممانعة الشرعية لهذه الصفة أو تلك ، فإذا ماتحقق ذلك وتم الوقوف عليه ، تحصل العلم بها وتحقق الإظهار الشرعي لها ، وعليه فإن ما سنتناوله في دراستنا لن يخرج عن هذه المفاهيم.

الكلمات المفتاحية: المال ، الثمنية ، المنفعة ، التمول ، الادخار ، الحرز

Research title

The essence of the phone calling card

– fundamentalist study –

Instr. Dr. Ahmed Abdel Majid Abdel Jabbar1

1 Al-Imam University College – Iraq

Email: aam002445@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(11); https://doi.org/10.53796/hnsj31122

Published at 01/11/2022 Accepted at 23/10/2021

Abstract

The purpose of the study is to define and shed light on the true nature of this card, especially in light of the fact that no one was aware of it before Sharia imposed it as a need for daily life, which led to its current appearance. Presence.

The legal justification for this is appearance rather than actual knowledge of appearance.

Since the principles deal with the general rules of methods and conclusions of jurisprudence, this study can be considered as a basis and standard for other digital transactions or electronic commerce. If the appearance is achieved, there is no doubt or continuation with it, and this can only be achieved through a basic study to be more comprehensive.

In terms of presentation, it is possible to do this by looking at the balance card in terms of three concepts: interest, money, and financial quality. We will not abandon these ideas during our investigation.

Key Words: money, price, utility, financing, saving, earning.

المقدمة

الحمد لله الذي خلق كل شيء فشهد لوجوده , وشمل خلقه بعميم كرمه وجوده , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد:

من الأمور التي دعتني إلى كتاب هذا البحث هو الاستخدام الواسع لأجهزة الهاتف ، وما ترتب عليه من بذل للأموال ، فكان من الضرورة بيان ماهية الجانب المالي لها من جهة الشرع , ووسمته تحت عنوان” ماهية بطاقة رصيد الاتصال الهاتفي – دراسة أصولية -“.

مشكلة البحث:

معلوم أن شريعتنا السمحاء قد نظمت كل ما يخص حياتنا اليومية من أمور الإعتقادات والأخلاق والعبادات والمعاوضات، دون تمييز بين هذه أو تلك، ولكن ما دأب عليه الناس – سيما بعد التطور التكنلوجي الهائل في وسائل التواصل الإجتماعي وحوكمة أمورنا اليومية – إلى عدم النظر إلى بعض الأمور من منظور شرعي، مما قد يترتب على ذلك بعض المخالفات الشرعية، ومنا هنا ظهرت مشكلة البحث، والمتمثلة في المفهوم الخاطىء لبطاقة رصيد الإتصال كونها أحد صور المعاوضات، وهو ما سنبينه في محل دراستنا .

أهمية الدراسة وحدودها ومحدداتها:

كثيرة هي الدراسات التي تناولت هكذا موضوع ، إلا أن ما اتسمت به تلك الدراسات ، هو أن الباحثين قد تناولوا فيها الأحكام التي تجري بواسطة تلك الوسائل الحديثة ، بعبارة أخرى دراسة الأحكام التي تعلقت بفعل المكلف بها لا عندها ، ولذا لم يلحضوا كبير فارق يذكر ، فكانت جل الأحكام كما هي عليه فيما لو لم يستعملوها , فلم تزل الأحكام تدور حول فعل المكلف بما سمع من صوت أو بما ظهر من صورة لا على ماهية ما جرى فعلا عند استخدام تلك الوسائل ، سيما الجانب المالي لها.

وأهمية البحث هو أنه يقف على مكامن الخطأ فيما شاع وانتشر بين الناس وبين تلك الجهات ، وبذلك يكون البحث نقطة انطلاق في تصحيح تعاملهما ضمن إطار شرعي يضمن للمستهلك حقه حين يبذل الثمن من جهة ، ويضمن لتلك الشركات الكسب الحلال والربح الشرعي مقابل ما تعطيه من مثمن , من دون محاباة لأحد من جهة أخرى.

وأما حدودها فستقتصر على بيان الماهية المالية والمنفعية لبطاقة رصيد خدمة الإتصالات ، دون الخوض في احكامها الفقهية ، لأن هذه الأحكام تبنى على ما سنتوصل إليه في البحث ، وكل ما سنتوصل إليه من ماهية لتلك البطاقة ، يمكن تطبيقة على غيرها من صور التجارة الرقمية ، فالمبدأ فيها واحد.

فالمراد بالدراسة هنا هي ليست دراسة ذات الحكم من بيع أو غيره , وإنما دراسة تبين ماهية الذي يجري خلال تلك الوسائل وفق منظور أصولي لا فقهي , ومن ثم إرجاع كل نوع مما يجري إلى أصل قاعدته الذي يترتب عليه ذلك الحكم , لا دراسة الحكم المتعلق بأثر أو فعل المكلف عن طريق هذه الوسائل .

1- ماهية المنفعة

من المعلوم أن المنفعة مفهوم واسع الاستخدام في حياتنا اليومية , وهي من الأشياء غير المنضبطة بضابطٍ , بحيث يستطيع المستفيد منها أن يحددها أو يقومها , ولكي نفهم معنى المنفعة ونمييزها عن غيرها من المفاهيم سنتطرق إلى ما يلي:

1-1- تعريف المنفعة

1-1- 1- المنفعة في اللغة

النَّفْعُ: من نفع , والاسمُ المَنْفَعَةُ , والجَمعُ نُفُعٌ، فإذا ما قيل: انتفعت بكذا ، فالنفع هو ما يحصله الإنسان من خير بواسطة شيء ما ، وكأنما الصورة المستحضرة في الذهن عند إطلاق اسم المنفعة هي نفس الشيء النافع , وإذا ما قيل: نفعه نفعاً أي أفاده وأوصل إليه خيراً فأنتفع ، فالنفع بهذا المعنى هو المنفعة ذاتها أو ما يتوصل به الإنسان ليحقق مطلوبه ، وعليه يكون معنى المنفعة شاملاً لهما ، أي ذات الشيء النافع أو ثمرته .

1-1-2- المنفعة في الاصطلاح

المنفعة: هي المعقود عليها في الإجارة([1])، وهي ما يتهيأ للعين أو العقل من المعنى الذي قصد منها كعين الشيء النافع مثل الدار المهيء للسكن ، أو ثمرته كشغله وما يترتب عليه من خير أو فائدة ، فكما أن المنفعة تتحصل من الدار بالسكن كذلك تتحصل بالإجارة ، فالمنفعة إذا هي الفائدة المتحصلة من استعمال العين أو بها.([2])

فتهيؤ العين أو العقل لصور المنفعة أو الفائدة أو الغاية ، إما عن طريق الفعل ويكون متضمنا تجسيد المنفعة بصورها المحسوسة من خلال الشيء النافع ذاته ، فهي بهذا المعنى كالعين وتكون محلا للعقد , وإما عن طريق اعتبارها أثرا للفعل ، وهي بهذا المعنى كالأعراض الزائلة ولا تكون محلاً لعقد ، وإنما تعطى حكم الوجود للضرورة فتكون محلاً للعقد وذلك باقامة العين مقامها ، سيما حين نحتاج إليها وقت فساد المنفعة أو تلفها.

ولذا فالحنفية لايرون في تلف المنفعة أو فسادها عوضاً ؛ لأن المنافع ليست بأموال عندهم ، كما قال البزدوي: ” لا يضمن منافع الأعيان بالإتلاف بطريق التعدي لأن العين ليس بمثل لها لا صورة ولا معنى “([3]).

ومعنى هذا القول ، إن ما يتأتى عن الفعل أو من غاية الفعل هو المنفعة ، ولو كان فيه من إلحاق الضرر بالغير ، بغض النظر عن حاجة الفاعل إلى ذات الفعل ، أو كونه فعل الفعل لذاته , لأن سعيه إليه كان لمنفعة ذات الفعل ، وإن تسب بضرراً لغيره ، فقد يكون الضرر المتأتي موجباً للضمان ، فأصبح النفع معتاضاً عنه , فإذن المنفعة هي المقصودة ، لا الفعل الذي تقوم به تلك المنافع ، وعلى هذا فإن الشارع الحكيم أجاز إقامة السبب مكان المسبب ، فيجعل العين محلاً ، والمقصود المنفعة ويصح القصد([4]).

فإذا كان المحل متنقلا انتقلت المنفعة مع المحل باعتبارها مُسَببةً عنه ، فهي ليست منضبطة وليست محوزة ، فأقيم المحل المنضبط أو المحوز مكانها ، وهذا بديهي في الشرع كالنية حينما أقام مقامها اللفظ ، وكالسفر والمرض حينما أقامه مقام المشقة وهكذا([5]).

2 – ماهية المال

من المعلوم أن مفهوم المال ليس فقط تلك الصورة النمطية المتمثلة بالنقود المتداولة بيننا , ولكن له صور وأشكال أخرى فقد يكون جمادا كالنقود الورقية والمعدنية والأحجار الكريمة وقد يكون حيوانا كالإبل والبقر والغنم وقد يكون نباتاً كالقوت والعطور وغير ذلك ، وللوقوف على ماهية المال سنتطرق إلى المطالب التالية.

2-1- تعريف المال

2-1-1- المال في اللغة

اَصْل الكلمة من “مَوِلٌ” قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصارت “مَالٌ” , فيقال تَمَوَّلَ الرجل صار ذا مالٍ , والجمع مالاتٌ.([6])

2-1-2- المال في الإصطلاح

عرف المال بتعاريف عديدة منها:

أ – أنه “ما من شأنه أن يدخر للانتفاع وقت الحاجة”([7])، سواء كان الانتفاع مباحاً أو غير مباح ، فإن أباحه الشارع فهو متقوِّم ، وإن لم يبحه فغير متقوِّم ، وما تسميته بالمال إلا لميل الناس إليه عن الطاعة .

ب – أنه “ما فيه منفعة أو لغير حاجة ضرورة”([8])، فيخرج ما ليس فيه نفع كالحشرات أو فيه منفعة ولكن محرمة كالخمور، أو مباحة لضرورة كالكلب للحراسة .

ت ــــ “هو ما يميل إليه طبع الإنسان ويمكن ادخاره إلى وقت الحاجة منقولا كان أو غير منقول”.([9])

والراجح من هذه التعاريف:

هو التعريف الثالث ، لأن حد المنقول فيه شامل لكل ما يمكن للإنسان نقله من مكان لآخر , فيدخل في حده كل نقد ومكيل وموزون وكذلك العروض والحيوانات , ويدخل فيه أيضا غير المنقول وهو كل ما لا يمكن للإنسان نقله من العقارات كالأراضي والدور والزروع والبساتين وغير ذلك , وهذا المعنى هو ما عليه مذهب الحنفية ، واستقر عليه معنى المال عندهم ، لذلك ذهبوا إلى أن الأعيان وكل ما يدخر هي أموال.

ونلخص إلى أن صفة المالية للشيء كما ذهب إليه الحنفية إنما تثبت بالتمول , والتمول هو كل ما يمكن صيانة وادخاره لوقت الحاجة وإمكان التصرف فيه وحرزه على وجه الاختيار ، بمعنى آخر كل ما يمكن منعه والبذل له أو فيه.

2 – 2- أقوال الأئمة في مالية المنافع

كلنا يعلم ما للمنافع من قيمة كبرى ، وأن عدها من الأموال أمرٌ يقتضيه الحال في زمننا هذا ، وإدراك هذه الحقيقة هو مطلب يقع على عاتق علماء الفقه والأصول , لأن المنافع غير متقومة بنفسها ؛ وأن التقوم يستدعي سابقة الإحراز ، ولذلك أختلف الأئمة في ماليتها على قولين: أحدهما القول بمالية المنافع والآخر عدم ماليتها ، وبيان ذلك في الفرعين التاليين:

2 -2 -1- القول بمالية المنافع

ذهب الأئمة: مالك والشافعي وأحمد إلى أن المناقع أموال ، فقد ذكر القرافي رأي الإمام مالك جاء فيه” الأشياء التي يجوز التفاضل فيها فهي عند مالك صنفان مطعومة وغير مطعومة … وأما غير المطعومة فالمشهور عنه أن ما اتفقت منافعه منها لا يجوز فيه مع التفاضل النَّساء”([10]).

وذكر السمعاني في قواطع الأدلة قولا للإمام الشافعي جاء فيه: ” المنافع جعلت أموالا كالأعيان فى التجارات ولم يجعل كذلك عندنا فى الإتلاف والغصب , فصار كون مال المنافع معادلة مالية الأعيان مخصوصة بالتجارات … قال وكذلك جواز بيع المنفعة قبل الوجود “([11]).

وذكر ابن قدامة مسألة مروبة عن الإمام أحمد فيمن غصب ثوبا فصبغه ، يستدل منها على أن المنافع تجري مجرى الأعيان عنده فقال: ” قال القاضي: هذا ظاهر كلام أحمد ولعله أخذ ذلك من قول أحمد في الزرع “([12]).

2- 2 – 2- القول بعدم مالية المنافع

ذهب أبو حنيفة إلى أن المنافع ليست بأموال ، والسبب الذي دعاه إلى قول ذلك هو لتفريقه بين العين والمنفعة , ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مسألة ، وهي لو أن شخصين اتفقا على أن يأخذ كل واحد منهما دار الآخر يسكنها أو يستغلها , فلا شك بالجواز على مقتضى أصحاب القول الأول ، وأما على مقتضى قول أبي حنيفة فليس كذلك , لأنه قد فرق بين العين وبين المنفعة , ووجه” الفرق له أن الدور في حكم أجناس مختلفة لتفاحش التفاوت بين دار ودار في نفسها وبنائها وموضعها , ولا تجوز قسمة الجمع في جنسين مختلفين على ما مر, وأما التفاوت في المنافع فقلما يتفاحش بل يتقارب فلم تلتحق منافع الدارين بالأجناس المختلفة فجازت القسمة “([13])، بل لم يقوم المنافع حتى في النَّسَاءَ لأن المعتبر فيه هو اتفاق الأصناف فيها سواء اتفقت المنفعة أو اختلفت ، فلا يجوز بيع شاة بشاة ولا بشاتين نسيئة وإن اختلفت المنافع .([14])

وعليه فالقول ” بأن المنفعة ليست بمال ” أصبح أصل من الأصول عند الحنفية ، وتمليكها بالمال إنما هو إحداث لصفة المالية فيها لكي تتحقق المساواة في عقود المعاوضة.

2- 3- بيان الصفة المالية والتمول في الشيء

المال هو ما يمكن إدخاره للانتفاع به عند الحاجة ، أما المنفعة فهي ملك لا مال ، ذلك أن الملك هو ما يمكن التصرف فيه بوصف ما ، والمنفعة لا تقوم إلا بالحرز لأنها عرض فكما تخرج من العدم إلى الوجود فإنها ستتلاشى بعد حين من الزمان ، ولذلك لا يمكن تصور التمول بها ولا التقوم ؛ لأن المتقوم لا يسبق الوجود-كونه معدوما- فلا يمكن وصفه بالمتقوم ، وبعد وجوده لا يسبق الإحراز ، فإذا ما حرز ، فالإحراز بعد وجوده لا يتحقق مرة أخرى بعد وجوده الأول فلا يبقى لوقتين ، فكيف يكون متقوما ، ولذلك لا يتصور الإتلاف في المنفعة ، لأن فعل الإتلاف لا يحل في المعدوم فإذا ما تحقق الوجود بعد العدم لم يبقى له فعل الإتلاف ، وحينها سيكون إثبات الحكم لها من غير سبب وذلك لا يجوز، لذا يعمد إلى إقامة العين مقام منفعتها ، ليثبت للمنفعة حكم التقوم والإحراز في العقد .([15]) ، وبهذا نلخص إلى:

أولا – عدم عد المنافع أموالاً ، لأنها لا تحاز ولا تحرز ولا تدخر وأنها لا تقوم وقتين متتاليين .

ثانيا – أن معنى المال يختلف عن معنى المنافع ، فيحاز ويحرز ويدخر ويقوم لأوقات فتثبت له صفة التمول ، ويثبت بطريق تحول الناس إليه ، وذلك بالرغبة فيه واقتنائه سواء كان متقوماً أو غير متقوم وبمعزل عن موقف الشارع منه ، بمعنى آخر أن ما يكون مالا عند البعض قد لا يكون كذلك عند غيرهم ، كما هو الحال مع الخمر ولحم الخنزير وغير ذلك .

ثالثا – أن التقوُّم يثبت بتحول الناس ، وبجعل الشارع إياه مباحاً ومنتفعا به ، فيكون مالا عند الجميع ، كما هو الحال مع الحنطة والشعير والعلف وغير ذلك .

2- 4- شروط المالية في الشيء

لما كان المال هو كل ما يمكن حيازته ، مع الانتفاع به شرعاً على وجه العادة ، فلا يكون ذلك الشيء ماليا إلا إذا توافر فيه أمران:

أولا- إمكانية الانتفاع به على وجه العادة.

ثانيا- إمكانية حيازته.

فالأشياء التي يمكن الانتفاع بها فعلاً هي من الأموال ، كالأراضي والحيوانات والنقود , وما لم يُحزْ منها ولم يُنتفع به ، فإن كان في الإمكان أن يتحقق فيه ذلك عُدَّ من الأموال أيضًا , كجميع المباحات من الأشياء ، مثل الحيوانات في الفلاة والطيور في السماء والأسماك في البحار ، فإن حيازتها ومن ثم الانتفاع بها على وجه العادة ممكن .

أما الأشياء التي لا يمكن حيازتها فلا تُعَد من الأموال وإن انتُفع بها ، كالهواء والماء والنار ، وكذلك الأشياء التي لا يمكن الانتفاع بها على وجه العادة لا تُعَد من الأموال وإن حرزت على وجه الحقيقة فعلاً ، كنصف كتاب ، وغرفة ماء ، ونحلة ، وسنبلة وغير ذلك , ومقتضى ذلك:

أن الأموال لا تكون إلا من مادة ، كي يمكن إحرازها وحيازتها, وذلك يلزم أن المنافع للأعيان كركوب السيارة وسكنى الدار لا تُعَد من الأموال ، لعدم القدرة على حيازتها ، فالمنفعة ملك لا مال , وهذا ما ذهب إليه الحنفية([16]).

أما المالكية والشافعية والحنابلة فذهبوا إلى خلاف ما ذهب إليه الحنفية فجعلوا المنافع أموالا ، وحجتهم أنه ليس من ضرورة المال إمكان حرز المال ذاته ، وإنما يكفي له حرز أصله أو مصدره فيقوم مقام حرزه، فمن يحوز فرساً جامحا فله منع غيره من أن ينتفع به إلا بإذنه .

لذا فمعنى المال عند الحنفية هو الأقرب إلى معناه اللغوي ، وبه يمكن لنا أن نطبق نصوص الزكاة المتعلقة بأرباح تلك الخدمات , أما الزكاة بمقتضى أقوال المذاهب الثلاثة فمتعذرة ولا يمكن جبايتها ، فكيف لنا إحصاء زكاة ما تمتلكه تلك الشركات؟! وهي عبارة عن منافع ، فإن قالوا تجبى بما تكسبه من أرباح عن طريق الأعيان وليس المنافع ، فإن هذا القول قول مخالفيهم وهو عليهم لا لهم ، وهو ما ذكره ابن نجيم في البحر الرائق: ” الزكاة لا تتأدى إلا بتمليك عين متقومة حتى لو أسكن الفقير داره سنة بنية الزكاة لا يجزئه لان المنفعة ليست بعين متقومة “([17]).

وخروجا من الخلاف بين الحنفية وغيرهم ، فإنه حينما نطلق لفظ المال فالمراد به هو ” العين” وهو الذي يعنينا وليس إنكاراً للرأي الأخر , فليس موضوع البحث ترجيح هذا الرأي أو ذاك بقدرما نصيب كبد الحقيقة والوقوف على علل الأحكام أو أسبابها .

3 – نفي المماثلة بين المنفعة والعين والدلالات المستنبطة

إن فهم قاعدة ” درء المفاسد أولى من رعاية حصول المصالح “([18])، هو ضرورة لابد من فهمها في استنباط أحكام جديدة لما يستحدث في الحياة من ضروب النشاط الإنساني بسبب تغير الأزمان والأحوال لاسيما وقد ثبت بالاستقراء أن الشريعة الإسلامية تضمنت مصالح الناس كما في قوله تعالى: { ليشهدوا منافع لهم } [الحج من الآية: ٢٨] وأن العقول السوية تدرك هذه المعاني المستنبطة من الآية ، وهو ما سنبحه في مطلبين.

3 – 1- طريقة نفي المماثلة بين المنفعة والعين

لمذهب أبي حنيفة وجمهوره في نفي المماثلة بين المنفعة والعين طريقتان: الأولى نفي المالية ونفي تقوم المنفعة أبتداء، والثانية إثبات تفاوت ماليتهما .([19])

بيان الطريقة الأولى: وذلك من خلال نفي كون المنفعة مالا أو متقومة , لذا لا تستلزم الضمان بالمال عند إتلافها ، مثال ذلك إتلاف الخمر والميتة ؛ لأن صفة المالية في الأشياء هو التمول بها ، أما التمول نفسه فهو صيانة الأشياء وادخارها إلى وقت الحاجة وليس الانتفاع بالأشياء بطريق الإتلاف , ولذلك لا يسمى الأكل تمولا وإنما انتفاعا ، والمنافع كما أنها توجد فإنها تتلاشى فلا تبقى لوقتين ، فيمتنع ورود التمول عليها ، وكذلك يمتنع ورود التقوم لها والذي هو شرط لضمانها ، أما الضمان فمبناه لا يسبق الوجود لإن المعدوم لا يوصف بأنه متقوم ، إذ المعدوم ليس بشيء وبعد الوجود التقوم لا يسبق الإحراز ، وعليه فلا يتصور الإتلاف في المنافع ؛ لأن فعل الإتلاف لا يحل المعدوم وبعد الوجود لا يبقى لحله فعل الإتلاف وإثبات الحكم بدون تحقق السبب لا يجوز.

بيان الطريقة الثانية: أن ضمان المنافع , وإن كان باعتبارها أموالا متقومة , إلا أنها دون الأعيان في المالية والمرتبة ، لذلك لا تضمن بالأعيان ؛ لأن تقوم المنافع يكون بالعين وتقوم العين يكون بنفسها ، فأنتفى التماثل ، فما يقوم بنفسه ليس كالذي يقوم بغيره ، ومن جهة أخرى العين تبقى لأوقات والمنافع لا تبقى لوقتين , وبين ما يبقى وبين ما لا يبقى فرق كبير ، ثم من ضروريات تماثل شيء لشيء آخر هو أن يكون كلا منهما مثلا للآخر ، ولا مثال ، وبذلك يتبين أنه لا مماثلة بين العين والمنافع .

وما نخلص إليه من القول في المنفعة والمال ، هو أن مالية المنافع من المختلف فيه بين العلماء , فالأئمة الثلاثة يقولون بمالية المنافع وأنها متقومة , وعليه ففي تلفها الضمان ، وقال أبو حنيفة بعدم مالية المنافع وأنها غير متقومة , وعليه فليس في تلفها ضمان , والحديث في ذلك يطول , وعمدةُ أصحاب القول الأول أَنَّ المنافع فِي معنى الأَموال , بل بالغ البعض فقال بأنها أموال , وهذا القول فيه نظر.

والذي يترجح لدى الباحث هو القول الثاني ؛ وذلك لأن المنافع ليست بأموال , لا صورة ولا

معنى , فنفي الصورة مما لا غبار عليه , لعدم انضباطها في عينٍ بذاتها , وفي نفي المعنى ؛ لأنه ما يكون اليوم مفيداً أو غير مفيد , فغداً قد يكون غير مفيد أو مفيد .

ولتقريب القول إلى مفهوم السامع , نضرب مثالا ” الذهب والفضة ” , ففي السابق كان مما لا يستغنى عنهما , ليس لثمنيتها باعتبار كونهما أندر المعادن وأنفسها في تلك الأوقات فحسب , وإنما لمنافعهما من خلال تداولها بينهم في المعاملات اليومية , بل إن ثمنيتها مستقاة من منفعتها.

واليوم نرى أن معنى منفعتهما قد انحسرت إن لم نقل قد ندرت , فقد ظهرت معادن أنفس وأنفع منهما بكثير , بل ان مادة اللدائن اليوم أصبحت أكثر منهما نفعا وتداولا في الحياة اليومية؟! وأنحسر دورهما فقط في الزينة , إذن المنفعة شيء نسبي , لا تدرك إلا وقت الحاجة إليها وقد تجسدت في شيء ، وذلك الشيء قد لا نحتاجه لذاته وإنما للمنفعة التي تجسدت به , فما يبدو لي نافعا قد يبدوا لغيري غير نافع ، ولكن عموماً يمكن القول :

أن منافع التجارة الرقمية – شركة الخدمات الهاتفية – التي لا يمكن استيفائها إلا بالمال لا يكون في ذلك الأمر ضير, بل هذا مما جرى العرف به , ولكن ليس معنى ذلك أنه عندما نبذل المال من اجلها هو بسبب صورتها أو معناها , وإنما نقول إن في تمليكها بالمال إحداث صفة المالية فيها تحقيقا للمساواة في عقد المعاوضة بين المال والمنفعة , فهي صفة طارئة وليست ذاتية .

وكذلك نخلص إلى معلومة مهمة يجب ملاحظتها , وهي أن منافع التجارة الرقمية – شركة الخدمة الهاتفية – إنما تقوم وتحرز بالأعيان , وأن الأعيان هي محل العقود , والعقود هي التي توجب الأحكام ؛ فعليه يكون تقوم المنافع وإحرازها بالعقود لا بالأعيان ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، أن العقود لا يمكن أن تكون على منافع الشركة ؛ لأنها ليست قائمة بذاتها , فإذا ما انعقدت بتلك الصورة انعقدت باطلة , وإنما تكون العقود على أعيان شركة الخدمة الهاتفية لإعطاء الصحة الشرعية للعقود , لا لصحة النسبة وهذا ما أشار إليه صاحب كشف الأسرار بقوله: ” لا يقال المنافع توجد محرزة ضرورة إحراز ما قامت هي به ؛ لأنا نقول إن ذلك يوجب أنها تكون محرزة للغاصب لا للمغصوب منه , وإحراز الغاصب لا يوجب الضمان عليه كما في زوائد الغصب ليست بمضمونة عندنا , ولو كانت محرزة للمغصوب منه فذلك لا يوجب الضمان أيضا لأنه إحراز ضمني لا قصدي وذلك لا يوجب الضمان”([20]). وما يؤكد ذلك لو سلمنا أن منفعة التجارة الرقمية – شركة الخدمات الهاتفية -مال متقوم ومتحرز , فهي دون الأعيان في المالية , فلا مثل في المنافع لنفس الشركة أو فيما بين الشركات , لعدم بقائها لوقتين ولعدم القدرة على تقويمها , وعليه لا يصح العقد على المنافع وإنما على العين.

3 – 2- الدلالات المستبطة

الدلالة الأولى:

يتضح مما سبق أن التجارة الرقمية – بطاقة الرصيد- ليست بمال ؛ لأنها لا تدخر لوقت الحاجة للتصرف بها على وجه الاختيار فيما تؤول إليه ؛ فهي ليست فائدة مطلقة , وإنما استفادتها

محددة لجهة الشركة فقط ، وما يبدو للمستهلكين لا يعدو كونه مسئلة تقوم على الإعتبار والإذن .

فإن قيل هي كذلك بالنسبة للمقتني لها ؟.

يجاب عن ذلك بأنه ليس الأمر كذلك للمقتني , إنما هي استهلاك للمنفعة المتعلقة في ذمة الشركة له , وهذه المنفعة محددة بكونها تفيد السماع أو الأخبار لا التمول .

فإن قيل أن احد شروط كون الشيء مالاً هو إمكانية الانتفاع به على وجه العادة ؟.

يجاب عن ذلك بأن هنالك فرقا بين المنفعة المطلقة والمقيدة , وبين المطلق والمقيد بون شاسع .

الدلالة الثانية :

أما صفة الملك في التجارة الألكترونية – بطاقة الرصيد – فهي لها صفة التملك ولا شك وجهته للمقتني لها ولا خلاف , ولكنه ملك فائدة لها صورة واحدة مشروطة ومحددة , تعود في نهاية الأمر بالنفع على الشركة , وهي صفة غير صفة المال ، فالمال لا يكون إلا مادة ، لكي يتكمن احدنا من إحرازه وحيازته , ويترتب على ذلك , أن منافع الأعيان للتجارة الرقمية -شركة الخدمات الهاتفية – لا تُعَد مالاً ، لعدم إمكان حيازتها ، فالمنفعة ملك لامال .

فإن قيل يكفي في المنفعة إمكانية حيازة مصدرها أو أصلها كي تكون مالا؟ .

فجواب ذلك أنه حتى لو سلمنا إلى قول المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المنافع تكون أموال بحيازة مصدرها أو أصلها , فإن منافع التجارة الرقمية – شركة الخدمات الهاتفية – لا تكون أموالاً ؛ والسبب في ذلك إن مصدر المنفعة وهي الشركة غير محازة لأحد من المستهلكين ولا يمكن حيازتها .

فإن قيل قد يكون من المستهلكين من له أسهم في هذه الشركة أو تلك فيكون منتفعاً بها .

فجواب ذلك أنه لا عبرة في عدد المشاركين في أسهم الشركة أو تلك ؛ لأن حكمهم في عداد الأفراد أمام ملايين المستهلكين , فإن كان الأمر متردد بين جلب المصلحة أو دفع المفسدة فدرء المفسدة أولى من جلب المصلحة , وعليه يبطل قول من يقول تكون المنفعة مالا بحيازة مصدرها أو أصلها .

الدلالة الثالثة:

إن قيل بأنه من الممكن العقد على منافع التجارة الرقمية -شركة الخدمات الهاتفية- وأنه لا ضرر في ذلك ، كون الغاية من العقد هي الحصول على منافعها والتي من أجلها جرى بذل المال .

فجواب ذلك هو أن العقد لو انصرف على منافع الشركة , فالمنافع غير منضبطة ولا محرزة فينتقل عدم الانضباط إلى العقد ذاته مما يوجب اضطراباً فيه , وهذا يؤدي إلى الغرر , بسبب أن الأحكام تبنى على العقود .

الدلالة الرابعة:

إن قيل أن المنافع لشركة ما هي نفسها لشركة أخرى ولغيرهما من الشركات ، دل ذلك على أن الجميع متفقون على إنضباطها بالوقت والسعر ، فدل ذلك على أن ما تقدمه تلك الشركات من منافع تكون متقومة ومنضبطة ؟.

فجواب ذلك أن هذا غير صحيح , وأن هذا الإجراء هو عين الدليل على بطلان الدعوى , فمسألة التقوم هي ليس بكون المنفعة هي نفسها لدى الشركة وقد تم تقييمها بالوقت والسعر , فهذا لا يعدو كونه إدعاء خالياً من الدليل ؛ وإنما الأمر محصور في كون المنفعة لا تقوم ، بدلالة اختلاف تقييمها من شركة إلى أخرى ، وهذا يظهر جليا من خلال الإختلاف بينهم في الوقت والسعر.

وإن ادعت هذه الشركة أو تلك بأن ما تقدمه من المنافع خاضع للدراسة والتقوم , فهذا الادعاء لا يعد في حقيقة إلا مسألة بيعٍ للوقت بسعرٍ كل حسب هواه لا تقييم للمنفعة , فالأمر برمته يقوم على الظن من غير دليل , والظن لا تبنى عليه الأحكام , ولذلك كانت المنافع من المسائل المختلف فيها بين علماء الأمة , وما ذلك إلا بسبب القصور عن ضبطها في هذه الجزئية وهي صورة التقدير والتَقَوُّم لها , وهي العلة القادحة في الإتفاق فيما بينهم , ولكن مع ذلك فإن القدر المشترك فيما بينهم إنما جعل بتقويم المنافع ضمن العقد بالتراضي , لقيام العين مقامها .

4- الصفة المالية وبطاقات الرصيد

لفهم العلاقة بين الصفة المالية وبطاقة الرصيد الهاتفية ، يتطلب منا فهم العلاقة بين العملات الورقية أو المعدنية من جهة والذهب والفضة من جهة أخرى ، وفهمنا لهذه العلاقة سيفضي بنا إلى فهم العلاقة بين الصفة المالية وبين بطاقة الرصيد من جهة وبين بطاقة الرصيد وبين النقود الورقية أو المعدنية أو ما كان على شاكلتهما من نقود من جهة أخرى ، والأساس الذي تقوم عليه مفاهيم جميع هذه الصور هو فكرة قديمة مستوحاة من فكرة النظام النقدي القديم ، وهما النظام النقدي الفرنسي والنظام النقدي الإنكليزي ؛ باعتبار أن هذين النظامين يمثلان القوتين الرئيستين في النظام النقدي العالمي فيما سبق ، وللوقوف على فهم قاعدة إعتبار النقد سنتطرق إلى المطالب التالية.

4-1- قاعدة اعتبار النقد

ليس هنالك من إشكال في فهمنا لمالية النقود المتداولة بيننا ؛ وما ذلك إلا لأن ذلك المفهوم نشأ معنا منذو أن نشأنا في الحياة ، فترسخ في إذهاننا كما ترسخت المفاهيم الأخرى ، ومن ثم وجدنا أنفسنا بعد ذلك معلقين بذلك الفهم ، كما هو علية الآن.

إن مقتضى ذلك الفهم هو أن الأوراق التي نتداولها إنما هي نقود ثمنية , والصحيح هو أن هذه الأوراق النقدية يرجع اعتبارها نقوداً باعتبار وضع قاعدة النظامين الفرنسي والإنجليزي ، فهما القوتان الرئيسيتان في هذا المضمار , ثم تبعهم غيرهم بعد ذلك في إدارة اقتصادهم طبقا لهذا النظام أو ذاك.

إن فكرة هذه القاعدة ببساطة , تعتمد على أساس أن وحدات النقود الذهبية القديمة , إنما هي نقود قانونية نهائية وتكون الأساس القانوني أو القاعدة الأساسية الذي يبتنى عليها قاعدة النقد, ومن ثم جعل كل قطعة ورقية أو معدنية -التي ستكون وحدة نقدية فيما بعد- تقابل مقدارا معيناً من الذهب أو الفضة , أي أن كل وحدة واحدة من تلك الوحدات النقدية المستحدثة أصبحت تقابل مقداراً ثابتا معيناً من الذهب أو الفضة ، وذلك يعني أن مقدارا معينا -كبيرا كان أو صغيرا- من الوحدات النقدية المستحدثة , يعد ميزاناً ودلالة على ما يقابله من الذهب أو الفضة ، وفي الوقت نفسه يعد ميزاناً ودلالة على الوضع الاقتصادي وقيمة بين الدول([21]).

لذلك يمكن القول , أن هذه الوحدات النقدية إنما أصدرت بضمان معدني احتياطي من الذهب أو الفضة ؛ أي أن هذه الوحدات الجديدة اكتسبت الصفة الثمنية النهائية بما آلت إليه لا بخلقتها الأصلية -أي أنها ليست ثمنية الخلقة- وبالتالي تصبح هذه الأوراق النقدية وسيلة للتعامل والإقراض والتمويل وكذلك أداة للإتمان في مختلف نواحي قطاعات الدولة ونواحي حياة المواطنين ، حالها حال النقود الذهبية والفضية.

4- 2- الثمنية وبطاقات الرصيد

أدى تطور المفهوم الاقتصادي إلى اتساع نطاق التبادل التجاري اليومي ، مما أدى إلى ظهور أدوات للتعامل التجاري ، لها الحالة الثمنية دون الصفة الثمنية , أي لها القابلية على التحول إلى نقود.

وهذه الأدوات لا تتمتع بخاصية حتمية القبول لها من قبل الناس ولا بالصفة الثمنية ، وإنما تروج في المعاملات على أساس جواز القبول لها منهم , وكذلك ثقتهم في الجهات التي أصدرتها .

وبالتالي فإن إصدار بطاقات الرصيد ، إنما يكون من خلال الضمان بما يقابلها من شيء ، ويتم تغطيته بما يعتبر من الثقة ببطاقة الرصيد لا ثمنية بطاقة الرصيد ، وفي هذه الحالة يكون غطاء بطاقات الرصيد بما تؤمنه الشركة من منافع تقدمها الشركة للذي يقدم على شراء تلك البطاقات -كارتات الرصيد- ويكون مقدار هذه المنافع بحسب الفئة المخصصة لكل بطاقة من تلك البطاقات , إذ يؤشر عليها برقم يشير إلى ذلك .

إن بطاقات الرصيد أصبح لها قيمة مالية ليس بما يقابلها من رصيد لها من الذهب والفضة كما هو الحال مع الأوراق النقدية , بل بما يقابلها من منفعة متحصلة من الشركة وبما يقابلها من رغبة الناس في اقتنائها وحصولهم عليها , أي أن جملة بطاقات الرصيد بمجموعها العام , يكون غطاؤه بما تقدمه الشركة فعليا من ضمان للخدمات والمنافع ، وهنا يجب التوقف والنظر ومن ثم الرجوع إلى ما قيل في مفهوم مالية المنافع سيما ما قاله مخالفي الحنفية.

لأن ما يجب أن يلاحظ بمقتضى ما قالوه في ثمنية المنافع هو أن اصدار تلك البطاقات بمعزل عن الضوابط قد يؤدي إلى أن يتفوق المطروح من تلك البطاقات في الأسواق على ما يقابلها من ضمان مالي من العملة التي يجب أن تقابلها ، لأن ما يقابلها من مال سينتقل إلى الجهة التي أصدرت تلك البطاقات بعد أن تنتقل تلك البطاقات إلى الأسواق وأيدي الناس ، فكأنما حالها -مجازا- هي العملة المتداولة بين الناس ، فإذا ما فسدت تلك البطاقات لسبب ما ، وقع الناس في حرج وأُحدث الغرر ، والغرر لا يجوز ، لذلك فما تتعلل به تلك الشركات من تطبيقها لنظام مدروس يحدد إصدار تلك البطاقات بما يقابلها من ضمان كالخدمات والمنافع ليس كافيا.

وعلى الرغم مما سبق وأتضح لنا من العلاقة بين المالية والمنافع ، إلا أننا لا ننكر أن هذه

القاعدة تؤدي إلى سهولة في التعامل اليومي بين البائع والمشتري , وخاصة في تعاملات شركة الاتصالات للخدمات الهاتفية , والتي يتم بواسطتها سداد ما بذمتها من التزامات دون الحاجة إلى استعمال النقود الورقية من قبل المستهلك , لأن مفهوم نظام بطاقة الرصيد للخدمة الهاتفية مؤسس على مبدأ بطاقة الرصيد التي تتمتع بصفة المنفعة بما يقابلها من النقود الورقية والتي تتمتع بالصفتين القانونية والنهائية ؛ لتساعد كل منها الآخر وتكمله في تحقيق الحصول على الخدمات والمنافع التي تقدمها الشركة إلى المواطنين , فيتحقق بذلك أحد أركان صحة المعاملات التجارية , من مقابلة الثمن بالمثمن.

ولكن انفصال القيمة الثمنية لبطاقة الرصيد عن أي قيمة مالية لأي سلعة مادية معينة ، وبصفة خاصة الذهب ، واعتمادها فقط على ما تقدمه من منفعة ليس كافيا لجعلها وسيلة لمقابلة الثمن بالمثمن ، فقيمتها في الحقيقة في قوتها المنفعية لا بقوتها الثمنية , وبمعنى آخر أنها تكتسب قيمتها من قدرتها على التحول إلى خدمات , وبذلك تصبح كونها أداة للنقود مجازا لا حقيقة.

إن فكرة بطاقات الرصيد المستوحاة من فكرة الائتمان لا تتجسد في أي مظهر مالي محدد , فهي ليست بأموال لا صورة ولا معنى , ففي نفي الصورة مما لا غبار عليه , لعدم انضباطها بما انضبطت به النقود , وفي نفي المعنى ؛ لأنها مفيدة قبل إدخال رقمها السري ، وغير مفيدة بعد ادخال ذلك الرقم ، وإنما عبارة عن قطعة ورق أو قطعة من الدائن.

وعليه نقول إنها عبارة عن قيود تنظيمية وجملة من الشروط تضعها الشركات عند إصدارها لتلك البطاقات بمعزل عن معاوضة الثمن بالمثمن ، وبعبارة أخرى قدرتها على التحول إلى سلع وخدمات ، وبذلك تصبح البطاقة أداة للمعاوضة في لحظة ما ليس أكثر ، وهذا على الإجمال أما على التفصيل فذلك يوجب النظر والتحقيق ، مما يستدعي الانتباه إلى دراستها من جهة تنقيح المناط , وهو ما سنتطرق إليه في المبحث القادم.

5- الممانعة

الممانعة عند أصحاب الطرد من الأهمية بمكان ، لأن صحة العلة تتوقف على صحة الوصف الذي سيتعلق به الحكم وجودا وعدما ، لذا فعليها مدار صحة التعليل يدور ، فهي الأساس في المناظرة , وذلك من خلال التوجه على الأصل من طريقين: الأول منع الوصف في الأصل ؛ لأن الأحكام تنقسم إلى أحكام معللة وأحكام غير معللة ، والآخر منع الحكم أصلا , وعليه فمن يدعى تعليل حكم أو شيء علية بيان الدليل , لكي يتبين الفقيه من غيره , فأهمية الممانعة هو لمعرفة كيفية استنباط الأحكام , ومن ثم إجابة الخصم وإقامة الحجة عليه.

5-1 – تعريف الممانعة

5-1 -1- الممانعة في اللغة

الممانعة من المَنْعُ ، وهو أَن تَحُولَ بين الرجل وبين الشيء الذي يريده ، ومنه قوله تعالى: { مناع للخير معتد مريب } [ سورة ق الآية: ٢٥ ] وهو نقيض الإعطاء ، والمانع من صفات الله تعالى.([22])

5-1 -2- الممانعة في الاصطلاح

هي:” منع ثبوت الوصف في الأصل أو في الفرع أو منع ثبوت الحكم في الأصل”([23]).

ومفهوم الممانعة هو الاعتراض على ما يدعيه الخصم من كونه علة مؤثرة للحكم ، ثم يذكر المعترض وصفا يبين فيه أنه العلة الموجبة للحكم في الأصل وأن هذا الوصف قد وجد في الفرع , فيتعدى حكم الأصل إلى الفرع بذلك الوصف .

5-2- أقسام الممانعة

الممانعة الصحيحة على أربعة أقسام هي:([24])

أولا – الممانعة فى نفس الحجة:

وهو أن يحذف بعض الأوصاف من الواقعة ويستدل بالبعض الآخر ، فينيط الحكم بالأعم ليتقرر السبب بصفة واحدة .

ثانيا – الممانعة في الوصف:

هو أن التعليل في بعض الحالات قد يقع بوصف مختلف فيه ، فيوجب التعارض والمنع ، فيمانع ذلك الوصف احد الطرفين ويوافق عليه الاخر.

ثالثا – الممانعة في الشرط:

هو أن يمنع شرطا مجمع عليه في الأصل أو الفرع ، فيعترض المقابل بأن من شرط التعليل هو أن لا يتغير حكما مجمعا عليه.

رابعا – الممانعة في المعنى:

هو أن يعارض المعنى المأثور والذي يكون الوصف به دليل على الحكم ، فيأتي بوصف مجرد لا أثر له سوى أن المعارض يراه دليلا ، وحين يمانع من الخصم يلجأ إلى الإنكار .

5 -3- أوجه الدلالة

الدلالة الأولى – الممانعة في الحجة:

وتظهر هذه الممانعة ، في وصف بيع بطاقة الرصيد بالبيع ، فالمتعارف عليه أن البيع يتعلق به مقابلة الثمن بالعين , وذلك غير مسلم به هنا , وإنما يتعلق ذلك بكونه مجلس عقد لإنشائه , وعند الموافقة -الإقدام على شراء البطاقة- يتبين أن الثمن هو مقابل منافع متعلقة بالذمة ؛ فتكون الممانعة في نسبة الحكم عن طريق ادعاء هذه الحجة .

بمعنى آخر ادعاء الإجارة بأنها بيع , فلو كان المثمن عيناً قائمةً بذاتها , وإن لم تكن حاضرة لحظة العقد لصح تلك الحجة , لحقيقة أن العين تثبت بالذمة وليس المنافع , فالمنافع تتعلق بالعين نفسها التي ينتفع منها .

وبهذا تتبين الممانعة عند الوصف بالبيع ؛ لأن وصف المعاملة بالبيع دون قيام الحجة الصحيحة ممانع لنسبة الحكم إليها , لعدم وجود المثمن على وجه تتكامل به أركان عقد البيع , وإذا ثبت أن السبب في الممانعة هو عدم صحة ادعاء الحجة (انعدام المثمن) بهذه الصفة , ظهر تقرر السبب كونه عقد إجارة .

الدلالة الثانية الممانعة في الوصف:

وممانعة الوصف في خدمة الاتصالات الهاتفية , تكون عند التعليل بوصف مختلف فيه , مثل القول : إن الصوت المسموع عن طريق الهاتف هو صوت حقيقي ؛ ويحتج في ذلك في أن الصوت لايختلف عن الأصل وأنه هو نفسه وصدوره لحظة التكلم ؛ ولأن الصوت حقيقة إنما يكون بين المتكلم والمستمع لحظة بلحظة.

فهذا الوصف مما يوجب الممانعة في الوصف , ولا يسلم لمن يقول ذلك , لأن وصف الصوت هنا من المختلف فيه بين الحقيقة والمجاز , فالوصف الصحيح الذي يصف الصوت المسموع عن طريق الهاتف إنما هو صوت مجازي وأنه موجات مرسلة (بيانات) ولا يكون إلا بواسطةً ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ؛ فإن الصوت إنما هو مجاز لعلاقة التطابق والمشابهة بين الصوت المسموع وبين الصوت الحقيقي , ولوجود القرينة المانعة – واسطة نقل الصوت التي هي الأجهزة الكترونية – وهي التي تمنع صرف كلامنا -القول بأنه صوت فلان- إلى القول بأنه حقيقة وليس مجازاً .

وكما هو معلوم فإن الحقيقة أصل والمجاز عارض , فالصوت المجازي عند صدوره من الشخص المتكلم وانتقاله بواسطة الطرف الثالث -واسطة نقل الصوت- إلى الشخص المستمع ينتقل لمسافات بعيدة جدا لا يستطيع الصوت الحقيقي الوصول إليها بذاته الطبيعية .

وكذلك حينما يتحدث شخص لآخر لا يمكن للآخر أن ينفي أن الصوت المسموع هو ليس صوت الشخص المتكلم , وما ذلك إلا لأن الحقيقة لا يمكن نفيها، في الوقت الذي يمكن أن ننفي الصوت المسموع عبر أجهزه الهاتف بأنه ليس صوت فلان ؛ لأن المجاز يمكن نفيه ، فدل على أن الصوت عبر أجهزة الهاتف إنما هو مجاز , وكذلك ن أن أن أفإن الصوت الحقيقي ينتقل من المتكلم إلى المستمع دون واسطة , والصوت المجازي لا يمكن أن يسمع إلا بواسطة , ولهذا كله قلنا بالممانعة في الوصف , ولا يسلم الحديث لمن يقول بذلك الوصف .

الدلالة الثالثة الممانعة في الشرط:

إنما يجب أن يمنع شرطا منها هو شرط بالإجماع , وقد عدم في الفرع والأصل , مثل قولنا عن إجارة شركة الخدمات الهاتفية إنه بيع الحال , وأن أخذ عوضي البيع قد حصل بمبادلة المال ببطاقة الرصيد ( كونها مثمنة ) , فثبت البيع حالا .

والجواب عن ذلك بأنه لا خلاف من أن شرط التعليل أن لا يغير حكم النص “وهو أن البيع لا يكون غرراً ” , ودفع الثمن يكون مقابل انتقال ملكية العين , أي شيء مثمن , وأن الأصل لا يكون معدولا به عن القياس بالحكم الذي يصيره دليلا , ولكن مع ذلك قد حصلت الممانعة من جهة كون أن حقيقة بطاقة الرصيد ليست بمثمنة وإن قيل ذلك ؛ لأن مجرد الوصف بلا تأثير ليس بحجة فلا يصلح للاحتجاج حتى يتبين تأثيره .

الدلالة الرابعة الممانعة في المعنى:

وهي الدعوة بأن من صور المثمن في خدمة الاتصالات – أو أي تجارة الرقمية- ما يكون من منافع كالصور والأصوات ونقلها من مكان لآخر أو ما يتم ترويجة بواسطتها من عقود ومعاملات تجارية , لذلك فإن معنى تلك الأمور هو بمعنى استيفاء المنافع ، فتناط الأحكام عليها.

والجواب عن ذلك هو أن ما قيل من وصف على أنه استيفاء للمنافع , فهو كلام ووصف مجرد بلا أثر لا يرقى إلى كونه دليلا فاضلا عن كونه حجة , ولا يصح الاحتجاج به ، وحتى لا يكون أثره وسبيله في هذا كله الإنكار , نقول يجب قيام الأثر على ادعائه ذلك , لذا فالذي حدث هو أن الحائز للبطاقة هو نفسه المؤجر للخدمات الهاتفية المعتبرة بأجهزة الشركة , سيتحول إلى صانع في عقد استصناع مع تلك الجهة يتمكن من خلالها استصناع الصوت والصورة وغير ذلك عند استيفائه لمنافع تلك الأجهزة ، يدل على ذلك أنه لو فتح خط الهاتف دون أي فعل منه ، فلا يكون لدى الطرف الآخر أي صوت أو صورة ، بخلاف الحال فيما لو أحدث فعلا أو صوتا فيصل إلى الطرف الآخر , لذا فالمعنى الصحيح لها هو أنها استصناع لا استيفاء للمنافع , فيناط الحكم على الاستصناع لا على المنافع.

5 – 4 – حقيقة بطاقة الرصيد

من المعلوم أن أركان الإجارة على الإجمال ثَلَاثَةٌ:

أولا – العاقد: وهما المؤجر والمستأجر ، وما يقابلهما في خدمة الإتصالات هما الشركة والمستلك.

ثانيا – الصيغةُ: وهي الإيجاب والقبول كما في البيوع.

ثالثا – المعقود عليه: وهما الأجرة والمنفعة.

ولبيان هذه الأركان وتصورها نقول:

إن تصور العاقدان وهما الشركة والمستهلك ، مما لا شك فيه فلا يتوقف عليه عليه محال.

وتصور الصيغةُ ، وهي الإيجاب والقبول ، متحقق بدلالة الظاهر.

أما تصور المعقود عليه ، وهما الأجرة والمنفعة ، لابد من أن تكونا معلومتين , ولبيان معنى معلومتين نقول:

الأجرة المعلومة , لها وجهان: الوجه الأول هو النقد الذي يعطيه المواطن ، والوجه الآخر بطاقة الرصيد تحديدا دون النقد ؛ لأن لها ثمنية معثبرة لدى الشركة ، وكأن المعاملة لها طريقان:

الطريق الأول– هو بحصول تبادل ثمن -النقد- بثمن -بطاقة الرصيد- فإذا ما تمت المعاملة بدأ الطريق الآخر.

الطريق الآخر– هو أن بطاقة الصيد التي آلت لدى المستهلك ستكون عبارة عن صيغة عقد للإجارة , أو وسيلة واجبة لإتمام العقد الرئيسي الذي هو عقد الإجارة على استعمال منافع الشركة ، ولا يجوز في هذه المرحلة اعتبار الأجرة فيها من النقود , ومن أي نقدٍ كان ؛ لأنه يبطل العقد من أصله , أي من وقت شراء بطاقة الرصيد من وكيل الشركة ؛ لكي لا يكون بيع غرر ، والغرر لا يجوز وبذلك يبطل البيع.

فكأنما أصبح مجلس العقد مبتدأً منذ الموافقة على حيازة بطاقة الرصيد , وإعطاء وكيل الشركة ثمن الإجارة عن الخدمات التي ستستوفى منها ، وكل ذلك كان موصلا -مرتبطاً- عن طريق بطاقة الرصيد تحديدا , وسبب القول تحديدا ؛ لأنها وسيلة واجبة تدعو الحاجة لها في سبيل الحصول على المعقود عليه في عقد الإجارة ؛ ولأن استيفاء المنافع من الشركة لا يكون إلا عن طريقها , فكانت هي الأجرة المعلومة عند الشركة -ولهذا قلنا بأنها ثمن في الطريق الأول- وهذا مستنبط من شروط صحة عقد الإجارة أو فسادها ، حيث أن من شروط صحة عقد الإجارة أن تكون الأجرة والمنفعة معلومتين وحكمها وقوع الملك في البدلين ساعة فساعة , فكانت فقط بطاقة الرصيد هي الأجرة المعرفة لدى شركة الخدمات , كما أن المنفعة معرفة لدى المشتري بالبداهة.

الخاتمة

حمداً لله على ما أتمّ به علينا من النعم, وأصلِّي وأسلِّم على نبينا محمد الأمين ، أما بعد:

فإن ما تحصل لدينا في ختام البحث هو أن بطاقة الرصيد ليست من البيوع كما هو متعارف عليه وإنما هي أشبه بالعقد لاستيفاء المنفعة ، وترتب على ذلك جملة من النتائج والتوصيات:

أولاً – النتائج:

  1. البيع بمعناه العام يشمل مبادلة مال بمال على أي وجه كان , وهذا لا يوجد في بطاقة خدمة الاتصالات الهاتفية , وعليه فإن أحكام البيع غير متضمنة لذلك العقد وإن استعملت ألفاظه , فذلك متروك من باب اليُسر , كاليسير الذي يشق التحرز منه والذي لا أثر له , لكونه غير مستهلك غيره .
  2. عند استيفاء خدمة بطاقة الرصيد فإنه سيترتب عليها أثر , وهذا الأثر إما أن يكون صوتا مسموعا , أو شكلاً صورياً , أو عقداً على شكل رسالة … إلخ .
  3. إن معنى بطاقة الرصيد التي حددت بفترة زمنية , هو أنها عقود إجارة وليست بمثمن لأن ذلك يؤدي إلى الغرر , سيما إن كانت ذا قيمة كبيرة .
  4. يجب ملاحظة تجرد بطاقة الرصيد عن أي قيمة ثمنية ، واعتبارها على ما تقدمه من منفعة ؛ وهي كونها وسيلة عقد للإجارة .
  5. ما يبدو من قيمة لها فهو في قوتها المنفعية لا بقوتها الثمنية ، وبمعنى آخر أنها تكتسب قيمتها من قدرتها على التحول إلى خدمة فتصبح مثمن للنقود مجازا لا حقيقة , والحقيقة غير غائبة بوجود النقود لذا فالاعتبار والحكم للحقيقة دون المجاز .
  6. البطاقات لا تتجسد في مظهر مالي وإنما هي أحد الشروط والقيود التنظيمية للشركة .

ثانياً – أهم التوصيات:

  1. إن نظام الخدمة الهاتفية مؤسس على مبدأ بطاقة الرصيد مقابل النقود ، وعليه فإن ما يطرح من البطاقات سيتحول إلى مال لدى لشركة , فهي أموال في نظر الشركة وحساباتها , لذا يجب وضع ضوابط عليها من الدولة تحسبا للظروف الطارئة وحفظا لحقوق المواطن .
  2. إن هذه البطاقات هي أموال ضخمة ؟!! كدست في الأسواق وليس لها رصيد سوى المنفعة , وذلك قد يضر باقتصاد الدولة من المتلاعبين , فيجب أن يكون هناك ضمان حقيقي من قبل الشركات للأموال التي ذهبت إلى خزائنها مقابل تلك البطاقات التي لم تستوقى منافعها بعد تحسبا للظروف الطارئة .
  3. ما يجب على الشركة مراعاته في هذا الجانب أن تعمل وفق المنظور الشرعي , وذلك بإحتساب الزكاة عما تطرحه من بطاقات سيما وأنها مثمنة في نظرهم، ولكونها علة لجني الأموال وكسبها .

وفي خاتمة المطاف , أقول هذا جهد المقل وما تيسر كتابته , سائلا الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم , وأن ينفع به المسلمين , وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

– ابن عابدين 1252هـ ، رد المحتار ، دار الفكر، بيروت ، ط2 ،1412هـ .

– ابن قدامة المقدسي 682ه ، المغني ، دار الفكر ، بيروت ، ط1 ، 1405 .

– ابن نجيم 970ه ، البحر الرائق ، دار المعرفة ، بيروت ، ط2 .

– ابن منظور الأنصاري 711ه ، لسان العرب ، دار صادر ، بيروت ، ط3 ، 1414 هـ .

– أحمد نكري , دستور العلماء ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1421هـ ، ط1 ، تحقيق : حسن هاني فحص.

– البزدوي 382ه، أصول البزدوي ، مطبعة جاويد بريس – كراتشي، بدون رقم الطبعة .

– السرخسي 483ه ، المبسوط ، دار الفكر ، بيروت ، ط1، 1421هـ ، دراسة وتحقيق: خليل محي الدين .

– السمعاني 489ه ، قواطع الأدلة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1، 1418هـ .

– عبد الرحمن السيوطي 911ه ، الدر المنثور, دار الفكر , بيروت ، بدون رقم الطبعة , 1993م.

– علاء الدين البخاري 730ه ، كشف الأسرار ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، بدون رقم الطبعة ، 1418هـ .

– علي أفندي 1353هـ ، درر الحكام ، دار الجيل ، ط1 ، 1411ه .

– القرافي 684هـ ، الفروق ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1، 1418هـ .

– الكاساني 587ه ، بدائع الصنائع , دار الكتاب العربي , بيروت ، ط2 , 1982م .

– مجلة الأحكام العدلية ، الناشر : نور محمد، كارخانه تجارتِ كتب ، آرام باغ ، بدون رقم الطبعة.

– مجلة مجمع الفقه الاسلامي ، لمنظمة المؤتمر الاسلامي ، جدة , السنة الثانية ،1409ه.

– محمد الزَّبِيدِيّ 800 هـ ، الجوهرة النيرة ، المطبعة الخيرية ، ط1 ، 1322هـ .

– مسعود التفتازاني 793ه ، شرح التلويح على التوضيح ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، بدون رقم الطبعة ، 1416هـ .

– منصور البهوتى 1051هـ، كشاف القناع عن متن الإقناع ، دار الكتب العلمية ، بدون رقم الطبعة.

References

The Holy Quran

– Ibn Abidin 1252 AH, Radd Al-Muhtar, Dar Al-Fikr, Beirut, 2nd Edition, 1412 AH.

– Ibn Qudamah Al-Maqdisi 682 AH, Al-Mughni, Dar Al-Fikr, Beirut, 1, 1405.

– Ibn Najim 970 AH, Al-Bahr Al-Ra’iq, Dar Al-Maarifa, Beirut, 2nd Edition.

– Ibn Manzur al-Ansari, 711 AH, Lisan al-Arab, Dar Sader, Beirut, 3rd edition, 1414 AH.

– Ahmed Nekri, Constitution of Scholars, Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, 1421 AH, 1st Edition, investigation: Hassan Hani Fahs.

– Al-Bazdawi 382 AH, The Origins of Al-Bazdawi, Javed Press – Karachi, without edition number.

– Al-Sarakhsi 483 AH, Al-Mabsout, Dar Al-Fikr, Beirut, 1, 1421 AH, study and investigation: Khalil Mohi Al-Din.

– Al-Samani 489 AH, Breakers of Evidence, Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, 1, 1418 AH.

– Abd al-Rahman al-Suyuti 911 AH, Al-Durr Al-Manthur, Dar Al-Fikr, Beirut, without edition number, 1993 AD.

– Aladdin al-Bukhari 730 AH, Kashf al-Asrar, Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, without edition number, 1418 AH.

– Ali Effendi 1353 AH, Pearls of Rulers, Dar al-Jeel, 1, 1411 AH.

– Al-Qarafi 684 AH, Al-Farwan, Dar Al-Kutub Al-Ilmia, Beirut, 1, 1418 AH.

Al-Kasani, 587 A.H., Badaa’ Al-Sana’i, Dar Al-Kitab Al-Arabi, Beirut, 2nd Edition, 1982.

– Journal of Judicial Judgments, Publisher: Noor Muhammad, Karkhaneh Tijarti Books, Aram Bagh, without edition number.

– Journal of the Islamic Fiqh Academy, Organization of the Islamic Conference, Jeddah, second year, 1409 AH.

– Muhammad Al-Zubaidi 800 AH, Al-Jawhara Al-Nayra, Al-Khayriyah Printing Press, 1, 1322 AH.

– Masoud al-Taftazani, 793 AH, Explanation of the Waving on the Clarification, Dar al-Kutub al-Ilmiyya, Beirut, without edition number, 1416 AH.

– Mansour Al-Bahouti 1051 AH, Kashf al-Qinaa on the Board of Persuasion, Dar al-Kutub al-Ilmiyya, without edition number.

الهوامش:

  1. )) علي أفندي ، درر الحكام ، 1/383 .
  2. )) ينظر: السيوطي ، الدر المنثور , 3/230 .
  3. () البزدوي ، أصول البزدوي ، 1/31 .
  4. )) ينظر: المبسوط للسرخسي ، 15/21 .
  5. )) ينظر: تبيين الحقائق ، 6/119 .
  6. )) ينظر: لسان العرب ، 11/635.
  7. )) ابن عابدين ، رد المحتار ، 4/502 .
  8. () منصور البهوتى ، كشاف القناع ، 3/152.
  9. () مجلة الأحكام العدلية ، 1/31 .
  10. )) القرافي ، الفروق ، 3/418 .
  11. () السمعاني ، قواطع الأدلة ، 2/113 .
  12. )) ابن قدامة المقدسي ، المغني ، 5/431.
  13. )) بدائع الصنائع 7/31 .
  14. )) ينظر: الزَّبِيدِيّ ، الجوهرة النيرة ، 1/212.
  15. )) ينظر: المبسوط للسرخسي 11/143.
  16. )) ينظر: أحمد نكري , دستور العلماء ، 3/134 .
  17. )) ابن نجيم ، البحر الرائق ، 2/217.
  18. )) الفروق مع هوامشه 4/369.
  19. )) ينظر: البخاري ، كشف الأسرار ، 1/254.
  20. )) كشف الأسرار 1/254 .
  21. )) ينظر: مجلة مجمع الفقه الاسلامي ، العدد 3/773 .
  22. )) ينظر: لسان العرب ، 8/343.
  23. )) مسعود التفتازاني ، شرح التلويح على التوضيح ، 2/201 .
  24. )) ينظر: أصول البزدوي 1/299 .