زينب شفيع1
1 كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس، الرباط
بريد الكتروني: Chafie.zineb01@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(11); https://doi.org/10.53796/hnsj3118
تاريخ النشر: 01/11/2022م تاريخ القبول: 06/10/2022م
المستخلص
عرفت حروف الجر تعريفات مختلفة ومتعددة من طرف النحاة العرب، وقد أعطوا للحرف الواحد معان شتى تصل للعشرات، فالحرف الواحد له القدرة على تغيير معنى الجملة، كما يمكن استبدال حرف بحرف آخر دون تغيير في المعنى، ومن بين هذه الحروف ما لها علاقة مباشرة بالفضاء، وهي حروف عنيت بدراستها العديد من الأبحاث النحوية القديمة واللسانية الحديثة، وبناء على هذا نقدم هذه الورقة البحثية التي تعنى بتقسيم هذه الحروف من حيث التركيب، ومن حيث المادة، ثم من حيث الاسمية والفعلية، ثم رصد المعاني المتعددة لبعض حروف الجر الفضائية المسارية (اللام)، (من)، (إلى).
الكلمات المفتاحية: الحرف، المسار، المعنى، الفضاء
اهتمت الدراسات القديمة والحديثة بالحروف لما لها من أهمية بالغة في بنية الجملة في اللغة العربية، وخاصة حروف الجر، فعنى النحاة بالبحث في معانيها ودلالاتها المختلفة التي تتغير من جملة إلى أخرى بحسب مراد ومقصود القائل، فكانت هناك اختلافات كثيرة حول معانيها، ويهدف هذا المقال إلى جرد معاني ودلالات هذه الحروف عند النحاة، وإعطاء أمثلة تعزز هذه الشروحات.
ويتوزع هذا المقال إلى أقسام، القسم الأول يختص بتعريف الحرف لغة واصطلاحا، القسم الثاني يهتم بتقسيم هذه الحروف من حيث التركيب (مفردة، مركبة)، ومن حيث المادة (أحادية، ثنائية، ثلاثية)، وكذا تقسيمها باعتبار الحرفية والاسمية والفعلية، وأخيرا انتقلنا إلى بيان معاني حروف الجر المرتبطة بالفضاء (اللام)، (على)، (من)، (إلى)، وقد اخترنا هذه الحروف خصيصا لأنها تدل على المسار الفضائي، لذا سنركز في المقال على تقديم معانيها في نظر النحاة.
1.تعريف الحرف
1.1.لغة
إن الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية اسم، فعل، حرف، وكل قسم له خصائصه المميزة، وقد تم التطرق لهذا في العديد من كتب النحو، وما يهمنا في هذا البحث هو القسم الثالث “الحرف”، تسميته وأقسامه ومعانيه.
فالحرف لغة هو كل شيء طرفه وشفيره وحدّه (ابن منظور، 1994م، ج9، ص41)، والحرف هو الوجه والطريق… وحرف الجبل: أعلاه المحدّد”. (الفيومى، ج 1، ص13)، وجاء في لسان العرب “الحرف في الأصل: الطرف والجانب، وبه سُمِّى الحرف من حروف الهجاء… وحرف السفينة والحبل: جانبهما، والجمع أحرف وحروف وحِرفة (ابن منظور، 1994 ج 9،ص 41)، أمَّا تسميتهم الحرف حرفاً فحرف كلَّ شئ ناحيته كحرف الجبل والنهر والسيف وغيره” (ابن منظور، 1993، ص 83)، وقال الأزهري: ” كُلَّ كلمة بُنيت أداة عارية في الكلام لتفرقة المعاني فاسمها حرف (الأزهري، ج 1، ص 525)، وقال ابن فارس “(حرف) الحاء الراء والفاء ثلاثة أصول: حدُّ الشيء، والعُدول، وتقدير الشَّيء. فأمّا الحدّ فحرْفُ كلِّ شيء حدُّه، كالسيف وغيره…والأصل الثاني: الانحراف عن الشَّيء. يقال انحرَفَ عنه يَنحرِف انحرافاً. وحرّفتُه أنا عنه، أي عدَلتُ به عنه. والأصل الثالث: المِحراف، حديدة يقدَّر بها الجِراحات عند العِلاج.” (ابن فارس، ج2، ص42)
1.2.اصطلاحا
تعددت تعريفات الحرف عند علماء اللغة، وأبرز تعريف تم الاتفاق عليه هو أنه كل ما لايقبل علامات الأسماء والأفعال، حيث قال سيبويه: وأمّا ما جاء لمعنى، وليس باسم ولا فعل، فنحو “ثمَّ” و”سوف”، و واو القسم ولام الإضافة ونحوها. (سيبويه، ج1، ص1)
وجاء في )الجني الداني) سمي بذلك، لأنّه طرف في الكلام وفضلة، والحرف في اللّغة وهو الطرف… وقد حدّ بحدود كثيرة، ومن أمسها قول بعضهم الحرف كلمة تدلّ على معنى، في غيرها، فقط، ومعنى ذلك أن دلالة الحرف على معناه الإفرادي متوافقة على ذكر متعلقه بخلاف الاسم والفعل” (المرادي، ص 2)
ولقد تم التمييز في اللغة بين حروف المعاني وحروف المباني، فهذه الأخيرة اصطلاحا هي الحروف الهجائية التي تبنى منها الكلمة، والحرف فيها ليس له معنى مستقل في نفسه، وتسمى بحروف التهجي (المعجم الوسيط، ص72).
فالحرف من حروف الهجاء، وكُلَّ كلمة بنيت عارية في الكلام لتفرقة المعاني تسمى حرفاً، وإن كان بناؤها بحرفين أو أكثر مثل: “حتّى” و”هل” و”بل” و”لعلَّ”، وكُلَّ كلمة تقرأ على. وجوه من القرآن تسمى حرفاً”
أما حروف المعاني في الاصطلاح: فهي الحروف التي تربُط الأسماء بالأفعال والأسماء بالأسماء، وتدل على معنى في غيرها ويطلق عليها حروف الربط (المرادي،ص1) (الكفوي، ص1657)، حيث أن الحرف هنا يدل على معنى في غيره وليس في ذاته، فمعناه متوقف على ذكر متعلقه، بخلاف الاسم والفعل، فإن دلالة كل منهما غير متوقفة على ذكر متعلق، فنقول:
1.التلميذ يحضر دروسه
(ال) في التلميذ مفردة لم يفهم منه المعنى، فلما قرن ب (تلميذ) أفاد التعريف، وكذلك في سائر الحروف، منها حروف الجر، والاستفهام، والتعجب، وغيره، فتلحق بأسماء أو أفعال من أجل الحصول على معنى، (المرادي، ص2)، فالهمزة في كلمة (أحمد) من حروف المباني، لأنها من بنية الكلمة، بينما الهمزة في (أذهب زيد؟) فهي حرف دال على معنى الاستفهام فتكون من حروف المعاني.
ويظهر الفرق بين حروف المعاني وحروف المباني بما يلي:
– حروف المباني هي حروف التهجي، ومنه تبنى الكلمة. فهي أبعاض الكلمة. أما حروف المعاني فهي من أنواع الكلِم.
– حروف المباني لا تزيد على حرف واحد، بينما حروف المعاني منها ما هو على حرف واحد كهمزة الاستفهام ومنه ما هو على حرفين كـ(إن) الشرطية, ومنها ما هو على ثلاثة أحرف, كحرف الجر (إلى).
– حروف المعاني يتبين معناها بغيرها، ولذلك يقال حرف جاء لمعنى. .بينما حروف المعاني ليست كذلك.
– عدد حروف المباني ثمانية وعشرون حرفا, أما حروف المعاني فنحو خمسين حرفا
ولقد اهتم علماء اللغة بدراسة معاني الحروف واستعمالاتها في اللغة، فالحرف يلعب دورا هاما في تغيير معنى الجملة، فنقول:
2. أ. خرجت إلى زيد
ب. وخرجت في زيد
ج. وخرجت على زيد
د. وخرجت من عند زيد
فالفعل خرج واسم زيد في الجمل كلها لكن اختلف المعنى باختلاف الحروف الرابطة في الجملة، بل الأكثر من ذلك نجد أن للحرف الواحد معاني كثيرة، وهذا ما سنتطرق له في المحاور المقبلة.
وتقسيمات هذه الحروف اختلفت بين النحاة، فكل منهم يقسمها بحسب منهجه، فهناك من اعتمد في تقسيماتها على اختصاصها في العمل (الجزم، الجر، النصب…)، وهناك من قسمها باعتبار التركيب (مفردة،مركبة)، أو باعتبار المادة (أحادية، ثنائية، ثلاثية…)، وهناك من قسمها باعتبار الحرفية والفعلية والاسمية، وغيرها من التقسيمات.
2. أقسام حروف الجر
2.1. أقسام حروف الجر حسب استعمالها
تنقسم حروف الجرّ حسب استعمالها حرفاً أوغيره إلى أربعة أقسام:
أ- قسم يستعمل حرفاً واسماً، وهو مُذْ، مُنْذُ، عَنْ. و “مُذْ” و”مُنْذُ” يكونان اسمين إذا ارتفع ما بعدهما. ويكونان حرفين إذا انجرّ ما بعدهما. أما “عَنْ” تكون اسماً إذا دخل عليها حرف جرّ نحو قوله:
3. فقلتُ للركب لمَّا أن علا بهم * من عَنْ يمين الحبيا نظرة قبل[1]
وتكون حرف خفض، فيما عدا ذلك.
ب- وقسم يستعمل حرفاً وفعلاً وهو )حاشا، خلا، عدا( فتكون أفعالاً إذا نصبت بها ما بعدها، وتكون حروفاً إذا خفضته.
ج- وقسم يستعمل حرفاً واسماً وفعلاً وهو “على” فتكون اسماً إذا دخل عليها حرف
خفض نحو قول الشاعر:
4. غدت من عليه بعدما تم ظمؤها * تصل وعن قيض بزيزاء[2]
د- وقسم لا يستعمل إلاَّ حرفاً وهو ما عدا ذلك.
2.2. أقسامها باعتبار اختصاصها بالجرّ
تنقسم هذه الحروف إلى قسمين من حيث اختصاصها:
-1 حروف تختص بالجرّ وهى )مِنْ، في، إلى، الباء، اللام( وحروف القسم التاء، الباء، الواو، ورُبَّ.
-2 حروف تشترك بين الجرَّ وغيره وهي)عَنْ، الكاف) حرفاً واسماً (على) حرف جرّ اسماً وفعلاً، و (حتَّى) جارّة وعاطفة وناصبة (و”مُذْ” و “مُنْذُ”) جارّة وابتدائية وظرفية مضافة، و )حاشا، عدا، خلا) جارّة وناصبة، و(متّى)جارّة في لغة واحدة، واسماً في ما عداها، و(لعلّ)جارّة في لغة واحدة، وحرفاً ناسخاً فيما عداها.
2.3. أقسامها من حيث التركيب
أ. مفردة وهي:التاء، الباء، الكاف، اللام، الواو.
ب. مركبة وهي: مِنْ، عَنْ، في، كي، رُبَّ، إلى، على، مَتَّى، حتَّى.
2.4. أقسامها من حيث المادة [3]
أ. آحادية وهي: الباء، الكاف، اللام، الواو، التاء.
ب. ثنائية وهي: مِنْ، عَنْ، في ، كي، مُذْ.
ج. ثلاثية وهي: على، مُنْذُ، خلا، عدا، إلى،رُبَّ.
د. رباعية وهي: حاشا، لعلّ، حتّى ، متَّى.
2.5. أقسام حروف الجرّ بين الاسمية والفعلية والحرفية
حروف الجرّ على ثلاثة مطالب: نوع أتى حرفاً، ونوع لازم للحرفية والاسمية، ونوع لازم الحرفية والفعلية (ابن يعيش، ج8، ص39)
أ. الحرفية الخالصة : مِنْ، إلى ، في، الباء، اللام، وحروف القسم، ورُبَّ،حتّى، لعلَّ، كَي.
ب. ما هو بين الحرفية والاسمية: عَنْ، على، مُذْ، الكاف، مُنْذُ، متى.
ج. و ما هو بين الحرفية والفعلية: عدا، خلا، حاشا.
2.6. الحرفية
وهذا الضرب قاصر على الحرفية فقط، وذلك دون الاسمية والفعلية وهو في هذه الحالة لم يجز استعماله اسماً أو فعلاً، وذلك لأن الأسماء تأتي بوزن فاعلة ومفعولة، وأن الأفعال لا تضاف، بينما تتحمل الحروف الإضافة.
حروف هذا القسم تدل على معنى في غيرها، وتوصل الاسم بالفعل، (ابن يعيش، ج8، ص39)، وذلك على جهة أن معنى الاسم اتصل بالفعل بموصل بينهما، من غير أن يكون له معنى في نفسه، عدد حروف هذا القسم تسعة، وهي:)الواو، التاء، اللام، مِنْ، في، إلى، رُبَّ، حتىَّ( وهذه الحروف جميعها تقْصَر على الحرفية، وذلك لأنها وقعت في الصلات، فنقول:
8. أ. سافرت من مراكش إلى فاس
ب. رأيت الذي في المهرجان
ج. انتقل زيد إلى مدينة أخرى
2,7. الحرفية والاسمية
ويشمل هذا القسم خمسة حروف هي)الكاف، عَنْ، على، مُذْ، مُنْذُ( وهي عندما تأتي اسماء تدل على معنى في نفسها، أي: بمعنى الظرفية.
- الكاف: تكون حرفاً عندما تدخل على الأسماء، وتعمل الجرّ فيها، وتصل المعنى بالفعل، وتكون في تأويل الاسم، إذا وقعت موقع الاسم المفرد، (ابن هشام، 1998م، ص239) فنقول:
5.أ. زيد كالأسد
ب. قول العجاج: يضحكن عن كالمبرد المُنهمِ[4]
في (5.أ) جاءت الكاف حرفا لأنها دخلت على الاسم “زيد” وعملت فيه الجر، أما في (5.ب) فالشاهد في قوله: (عن كالمبرد) فإنّ الكاف اسم، والدليل على اسميتها دخول حرف الجرّ (عَنْ) عليها.
– عن: تكون “عَنْ” حرفاً عندما تدخل على الأسماء وتؤدي عملها جرّا ومعنى، أما في حالة كونها اسماً فهي في حالة دخول حرف الجرّ )مِنْ( عليها، فنقول:
6. أ. انصرفت عَنْ أحمد
ب. وأخذت عَنْ خالد.
ج. وقلت اجعلنى ضوء الفراقد كلّها * يميناً ومهوى النجم من عَنْ شمالك (ابن يعيش، ج8، ص40)
في (6.أ) جاءت “عن” حرفا لأنها دخلت على الاسم وعملت الجر في”أحمد، نفس الأمر ينطبق على (6.ب)، وفي (6.ج) ” حيث “عَنْ” هنا اسم بمعنى جهة والدليل في ذلك دخول حرف الجرّ “مِنْ” عليها.
– على: تكون )على( حرفاً عندما تدخل على الأسماء. وتعمل بها جرّا وغرضا، وذلك، أما عندما تدخل”على” على حرف من حروف الجرّ فتكون حينئذٍ اسماً بمثابة ظرف مكان، كما يتبين في الأمثلة (7.أ) و (7.ب) و (7.ج):
7.أ. علي على الدراجة
ب. قوله تعالى” فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ”[5]
ج. نهضت من عليه.
في (7.أ) و (7.ب) جاءت “على” حرفا لأنها دخلت على الاسم (الدراجة) (الفلك) وعملت فيها الجر، أما في المثال(7.ج) فإنها “على” جاءت بمثابة ظرف مكان لأنها دخلت على حرف.
- مُذْ و مُنْذُ: “مُذْ و مُنْذُ” يستعملان حرفي جرّ أصليين، لكن يكثر استعمالهما اسمين فيصلحان للاسمية المجردة من الظرفية إذا لم تقع بعدهما جملة، وإنّما يقع بعدها اسم مرفوع، فنقول:
8. عدت منذ أو مذ الأسبوع الماضي
فجاءت “منذ” أو “مذ” مبتدأ خبره الاسم المرفوع بعده
أما في حالة الحرفية فهما تؤديان معاني “مِنْ” الابتدائية و”في الظرفية و”مِن” و”إلى “وذلك في الابتداء والغاية معاً.
2.8. الحرفية والفعلية
حروف هذا القسم تحمل دلالة الحرف، حينما تدخل على الأسماء، وتعمل فيها الجر، أما في حالة دلالة الأفعال، فإنَّها تدل على حدث وزمان معين، وحروف هذا القسم ثلاثة هي: )خلا، عدا، حاشا(.
- حاشا: تكون حاشا حرف عند سيبويه في كتابه” الكتاب” حيث أنَّها تجرّ ما بعدها، وتؤدى غرض الاستثناء، وتكون بمعنى البراءة والتنزيه.
أما في حالة كونها فعلاً: فهي تحمل خصائص الفعل وتصرفه، ولا تتقبل ما المصدرية، ويمكن أن يدخل عليها حرف آخر، نحو قول الشاعر:
9. ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه * ولا أحاشي من الأقوام من أحد
في المثال (9) أعلاه دخلت “لا” على”حاشا”، ولا يجوز دخول الحرف على الحرف، إذن”حاشا” هنا بمثابة الفعل.
– خلا وعدا: في حالة كونها فعلين: في هذه الحالة يتحملان كُلّ خصائص الفعل وأحواله من نقص وزيادة ودخول الحرف عليهما، وبذا يكون ما بعدها منصوباً. وذلك مثل: خلا، يخلو، خلوات، تخلو، لم يخل، لا تخل. عدا: لم يعد، يعدو، تعدو، تعد.
أما في حالة كونهما: حرفين: في هذه الحالة يدخلان على الأسماء ويعملان الجرّ ويؤديان غرض الجرّ.
3. معاني الحروف ودلالاتها
لمعاني حروف الجر وتعاقبها أهمية بالغة في اللغة العربية لما فيها من بيان بلاغي وبديع في النثر والنظم؛ ومن معرفة غامض المعاني ولطيفها، وقد تعددت حروف الجر واختلفت معانيها بين مفسر وآخر، وسنتطرق في هذا المحور لمعاني حروف الجر (من) و(إلى)، محاولين في ذلك إبراز أهم المعاني والوظائف التي تؤديها هذه الحروف.
3.1. حرف الجر (اللام)
تعد اللام من أوسع حروف الجر تصرفا في أداء المعاني، ومن أشد الحروف المفردة تباينا بسبب كثرة واختلاف وظائفها، (سلمان زكرياء، 2019م، ص95) يقول المرادي حرف كثير المعاني والأقسام، وقد أفرد لها بعضهم تصنيفا، وذكر لها نحوا من أربعين معنى. ( المرادي، ص95)
وقد ذكر ابن هشام معاني حرف اللام، وجعلها في اثنين وعشرين معنى، الاستحقاق، والاختصاص والملك والتمليك والتعليل، وتوكيد النفي، وموافقة كل من (إلى وعلى وفي وعند وبعد ومع ومن وعن)، والتبليغ والصيرورة والقسم والتعجب معا، والتعجب المجرد عن القسم والتعدية، والتوكيد والتبيين. (ابن هشام، 1998م، ص152).
أولا: الاختصاص
وهي الواقعة بين المخصوص والمخصَّص له، أي اللام الدالة على أن بين الأول والثاني نسبة باعتبار مادل عليه متعلقا.(ابن عاشور، 1984م، ص65) فتقول:
10. أ. الجنة للمؤمنين
ب. المنبر للخطيب
ج.السرج للدابة
إن الأمثلة أعلاه (10.أ) و(10.ب) و (10.ج)، قاسمها مشترك وهو اللام، حيث إن اللام الجارة جاءت في الجملة تحمل معنى الاختصاص، فالجنة اختصت للمؤمنين، والمنبر صنع خصيصا للخطيب، والسرج صنع خصيصا للدابة.
ثانيا: الاستحقاق
وهي اللام الواقعة بين معنى وذات، كما يتبين في الأمثلة التالية:
11. أ. الحمد لله
ب. قوله تعالى: “وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ”
في المثالين (11. أ) و(11.ب) معا جاءت اللام للتعبير عن الاستحقاق، حيث أن الله في المثال الأول هو المستحق للحمد، وفي المثال الثاني المطففين هم الأكثر استحقاقا للويل.
ثالثا: الملك
هي الواقعة بين ذاتين، والموصلة لمعنى الملك للمالك وهي متصلة بالمالك لا المملوك. (الفضلي، 1980م، ص75)، وهذا ما تبينه الأمثلة التالية:
12.أ. المال لعلي
ب. قوله تعالى: “للَّه مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ”
ج. البيت لأحمد
في الأمثلة أعلاه (12.أ) و(12.ب) و(12.ج)، يتبين جاءت اللام للتعبير عن الملكية، فالمال في (12.أ) ملك علي، وفي (12.ب)، الأرض والسموات هي ملك الله عز وجل، والبيت ملك أحمد في (12ج).
والملك فهو نوع من أنواع الاختصاص (المرادي، ص 9) . والفرق بين (لام) الملك و(لام) الاستحقاق أن الأشياء ليست ممَّا يملك وإنَّما هي تستحق، فقد تملك الأشياء وأنت لا تستحقها، وقد تستحق الأشياء وأنت لا تملكها.
رابعا: شبه الملك
وهو أن يشبه الملك والمعبر عنه بالاختصاص، وضبطها بعضهم بأنَّها الواقعة بين ذاتين ومصاحب مدخولها لا يملك، فنقول:
13.أ. أنت لي وأنا لك
ب. أنا لك ماتدوم لي
ففي (13.أ) (13.ب) لا تحصل الملكية وإنما ما يشبهها فقط، فلا يمكن لأحد أن يملك الآخر.
خامسا: التمليك
إن التمليك مستفادٌ من الفعل لا من اللام، بدليل أنك لو أسقطت اللام، كان الكلام صحيحاً. (الصبان، ج2، على ص222)
14.أ. جعلت لزيد ديناراً
ب. وهبت زيداً ديناراً
ففي (14.أ)، جاءت اللام لمعنى التمليك، فلما أسقطناها في (14.ب) ظل الكلام صحيحا، وبالتالي فالتمليك مستفاد من الفعل.
سادسا: التعليل
أي لتقديم العلة والسبب، وتسمى لامه لام العلة ولام التعليل، وهي التي يصلح موضعها لأجل (الفضلي، 1980م، ص75) فنقول:
15.أ. زرتك لشرفك
15.ب. قوله تعالى: “إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّه”
ففي المثالين (15.أ) و(15.ب) استعملت اللام للتعليل، فالجملة الأولى زرتك من أجل شرفك، وفي (15.ب) أنا أنزلنا إليك الكتاب من أجل الحكم بين الناس.
سابعا: التبليغ
وهي الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه، فنقول:
16. أ. قلت له
ب. أذنت له
ج. فسرت له
ففي الأمثلة (16.أ) و (16.ب) و(16.ج) أعلاه، نجد أن اللام جاءت للتبليغ، فتسمى لام التلبيغ.
ثامنا: الصيرورة
وتسمى لام العاقبة ولام المآل (سلمان زكرياء، 2019، ص 103)
17. أ. تفاقم المشكل ليصبح كارثة
ب. تكاسل التلميذ ليصبح بدون مستقبل
ج. قوله تعالى: ” فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ ليَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنًا”
في الأمثلة (17.أ) و(17.ب) أعلاه لم تأت اللام من أجل إعطاء السبب، وإنما من أجل تقديم النتيجة والعاقبة، فالمشكل لم يتفاقم من أجل أن يصبح كارثة، والتلميذ لم يتكاسل من أجل أن يصبح دون مستقبل، وفي (17.ج) لم يلتقطوه ليكون لهم، عدواً وحزناً، وإنَّما التقطوه ليكون لهم فرحاً وسروراً ولكن لما عاقبة فعلهم، أن صار لهم عدّوا وحزناً، ولذا سميت لام العاقبة والمآل.
عاشرا: التعجب
وتُستعملُ مفتوحةً بعد “يا” في نداءِ المُتعجَّب منه، فنقول:
18. أ. يا لَلفرَحِ!
ب. يا للعجب!
ج. يا للعشب!
وتأتي هذه اللام للتعجب من كثرة الشيء.
الحادي عشر: التعدية:
وهي الداخلة على المفعول به لتعدية الفعل إليه، ويمكن الاستغناء عنها ( الهروي، 1980م، ص 5)
19. أ. نصحت لزيد
ب. نصحت زيدا
ففي (19.أ.) نصحت لزيد، يعنى أننّي قدمت نصيحتي لزيد، و(19.ب) نصحت، أيّ كنت ناصحاً له في قولي أو عملي.
الثاني عشر: أن تكون بمعنى”في”: الدالة على الظرفية
وهي لام التوقيت، نحو:
20.أ. قوله تعالى:”يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي” .
ب. قوله تعالى:”وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ” .
ج. قوله تعالى:”رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ “
في الأمثلة أعلاه (20.أ) و (20.ب) و(20.ج)، جاءت اللام دالة على التوقيت، حيث في (20.أ) “لحياتي” المقصود في حياتي، يعنى: الحياة الدنيا، والظاهر أن المعنى لأجل حياتي يعني: الحياة الآخرة. (المرادي، ص 99)
و في المثالين ( 20.ب) و(20.ج) يقصد “ليوم” في يوم.
الثالث عشر: بمعنى “إلى” لانتهاء الغاية
تأتي اللام الجارة كذلك بمعنى إلى، والأمثلة التالية تبين ذلك:
21.أ. ذهبت به لأعلى الجبل
ب. انتقلت لمدينة القنيطرة
في (21.أ) و(21.ب) جاءت اللام بمعنى إلى التي تفيد انتهاء الغاية، في (21.أ.) تنتهي الغاية في قمة الجبل (إلى الجبل)، وفي (21.ب) تنتهي الغاية في مدينة القنيطرة (إلى القنيطرة).
الرابع عشر: أن تكون بمعنى “عَنْ” الدالة على المجاوزة
وهي اللاّم الجارّة اسم من غاب حقيقة أو حكماً، عن قول قائل، متعلّق به، (المرادي، ص99)، نحو:
22. قوله تعالى:”وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ “
أي: قال الذين كفروا عن اللذين آمنوا
الخامس عشر: الخامس عشر: أن تكون بمعنى “على” الاستعلاء
23.أ. قوله تعالي:”وَيَخِرُّونَ لِلِأذْقَانِ”
ب. قوله تعالي:” فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ”
في المثالين (23.أ) و(23.ب)، استعملت “على” للاستعلاء، فالمقصود في (23.أ) “للأذقان” أي على الأذقان، وفي (23.ب) يقصد ب”للجبين” أي على الجبين (المرادي، ص100).
سادسا: التوكيد النفي”الجحود”
وهي اللاّم الداخلة التى تدخل على الفعل وتسبق بما كان، أو لم يكن، فنقول:
24. ما كان المجتهد ليسقط في الامتحان
إن اللام في (24) أدخلت زيادة لتقوية النفي
السابع عشر: أن تكون بمعنى “بعد”
25. أ. قوله تعالى:”أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ”
ب. الحديث الشريف: “صوموا لرؤيته وأفطرو لرؤيته”
في (25.أ) و (25.ب) جاءت اللام الجارة بمعنى “بعد”، فالمقصود في (25.أ) أقم الصلاة بعد زوال الشمس، وفي (25.ب) صوموا بعد رؤيته وأفطروا بعد رؤيته. (لجرجاني، 2011م، ص115)
الثامن عشر: أن تكون بمعنى “من”
26.أ. سمعت له صراخاً
ب. لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم * ونحن لكم يوم القيامة أفضل
في (26.أ) و(26.ب) جاءت اللام بمعنى من، ففي (26.أ) المقصود “سمعت منه صراخا”، وفي (26.ب) “نحن منكم يوم القيامة”
الحادي والعشرون: النسب
وهي لام النسب، ويتبين هذا من خلال الأمثلة التالية:
27.أ. لزيد عمَّ
ب. لعمرو خال
ج. ابن له
د. عمّ له
في الأمثلة أعلاه (27.أ) و(27.ب) و(27.ج) و(27.د) استعملت اللام لغرض النسبة، نسبة طرف لطرف آخر. (للرماني،1984م، ص16)
الثاني والعشرون: لام “كيْ”
اللام الجارة هنا تأتي لبيان النتيجة عوض “كي”، فنقول:
28. جئتُك لتكرمني
فهذه اللاّم جارّة والفعل منصوب (بأنَّ) المضمرة، و(أنْ) مع الفعل في تأويل مصدر مجرور باللام، وهذه اللام أيضاً هي لام التعليل. (المرادي، ص10)
الثالث والعشرون: المقحمة
وهي المقحمة بين المضاف والمضاف إليه، لتوكيد الإضافة
29. يا بؤس لزيد
في المثال أعلاه (29) إذا اخترت النصّب بغير تنوين، فاللام لتوكيد الإضافة، وإذا اخترت النصب والتنوين فاللام للتبييّن، وإذا اخترت الرفع فاللام للاستحقاق (الهروى، 1980م، ص 66- 62)، والجر هنا باللام لا بالمضاف إليه، وذلك لأن الحرف يعمل مع زيادته. (ابن الجنى،2001 م، ص10)
الخامس والعشرون: اللام بمعنى “الباء”:
30.أ. قوله تعالي:”وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ “
ب. وقوله تعالى:”لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ”
ج. وقوله تعالى:”أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُ “
في الأمثلة أعلاه (30.أ) و(30.ب) و(30.ج)، استعملت اللام بمعنى الباء، ففي (30.أ) المقصود “لن نؤمن برقيك”، وفي (30.ب) يقصد “بسعيها راضية”، وفي (30.ج) المقصود “أن يؤمنوا بك” (الرضي،ج 2، ص36)
السابع والعشرون:لام الوقت
لام الوقت أو لام مرور الوقت أو لام التاريخ، فنقول:
31. علي له سنتين
فاللام في المثال (31) تدل على عدد سنوات علي (التاريخ).
3.2. حرف الجر (من)
حرف الجر (من)، مكون من حرفين فهو حرف ثنائي، ميمه مكسورة، لايقع إلا حرفا يجر الاسم والضمير، أما معانيه فهي كثيرة، نذكر المعاني التي جمع المرادي، لها اثنتى عشر منها في البيتين (المرادي، ص 320-321)
أتتنا مِنْ لتبيين وبعض * وتعليل، وبدء، وانتهاء
وإبدال،وزائدة، وفصل * ومعنى عَنْ وفي وعلى وباء
أولا: لابتداء الغاية
يعتبر هذا المعنى هو الأكثر استعمالا وبروزا، ومنه اقتبسوا بقية المعاني، وتختص في الأمكنة والأزمنة، فنقول:
32.أ. انتقلت من مراكش إلى فاس
ب. صمت من شروق الشمس إلى غروبها
ففي (32.أ) ابتدأت الغاية (الانتقال) من مراكش وانتهت عند فاس، أما (32.ب) فقد ابتدأت الغاية (الصيام) من شروق الشمس، وانتهت عند غروبها، فنلاحظ أن (من) تأتي في الابتداء وتقابلها دائما (إلى) التي تأتي لإنهاء الغاية.
وقد تستخدم كذلك لما هو في منزلة المكان، فنقول:
33.أ. نقل الخبر من محمد إلى علي
ب. بدأت المراجعة من الدرس الثالث وصولا إلى الدرس الأخير
ففي المثالين (33.أ) و (33.ب)، تدل (إلى) على انتقال من مكان إلى آخر رغم عدم مادية هذا المكان.
ثانيا: للتبعيض
ونقصد بها جزء من الكل، فالحرف (من) يأتي في هذا المعنى كثيرا، (المرادي، ص309) فنقول:
34.أ. أخذت من ماله
ب. أكلت من الرغيف
ففي (34.أ) نقصد أخذت بعض ماله، فلو لم أرغب في التبعيض لقلت “أخذت مال علي”
وفي (34.ب) أكلت بعض الرغيف، أي جزء منه.
ثالثاً: بيان الجنس
وهنا يأتي حرف الجر(من) من أجل بيان الجنس والنوع،(الفاكهي،197م، ص161)، والأمثلة التالية تبين ذلك:
35.أ. اشتريت أساور من ذهب
ب. يلبسون ثيابا من الصوف
ففي (35.أ) و(35.ب) الحرف (من) هو وسلية لبيان جنس الذي قبله، فالمثال (35.أ) الأساور ليست من الفضة أو النحاس وإنما من الذهب، وفي (35.ب) الملابس ليست من القطن أو الحرير وإنما من الصوف.
رابعا: التعليل
يستخدم حرف (من) للتعليل كذلك، أي لتقديم السبب، فنقول:
36. ارتديت المعطف من البرد
في (36) جاءت “من” من أجل بيان سبب ارتداء المعطف وهو البرد، ارتديت المعطف بسبب البرد.
الخامس: البدل
وهنا يحسن أن يقوم مقامها لفظ )عوض) بمعنى كلمة بدل، أو تجئ )مِنْ( بمعنى بدل (ابن عقيل، 1980م، ص18) فنقول:
37.أ. اخترت الكسل والخمول من السهر والجد
37.ب. قوله تعالى : “أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَة”[6]
ففي (37.أ) نقصد أنك اخترت الكسل عوض (بدل) الجد، حيث أن (عوض) أو (بدل)، عوضتها (من)، وفي (37.ب) فهو عبارة عن سؤال “هل رضيتم بالحياة الدنيا عوض الآخرة.
سادسا: المجاوزة
معنى المجاوزة الابتعاد ، تقول : انصرف عنه أي : تركه بخلاف انصرف إليه ، فإن معناه ذهب إليه ، و (وضعه عنه) بمعنى رفعه عنه بعد أن كان عليه المجاوزة نقصد بها مرادف (عن)، نحو:
38. أ. قوله تعالى:”الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْف”[7]
ب. وقوله تعالى:”فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّه” [8]
حيث جاءت “من” في الأمثلة أعلاه (38.أ) و(38.ب) بمعنى عن، ففي (38.أ) يقصد “أطعمهم عن جوع”، وفي (38.ب) المقصود “ويل للقاسية قلوبهم عن ذكر الله”.
سابعا: انتهاء الغاية:
سبق وأن تطرقنا لكون حرف (من) يستخدم للابتداء الغاية، بالإضافة إلى هذا فإنها تستخدم كذلك لانتهاء الغاية،فإن (من) هنا هي التي تدخل على فعل هو محل لابتداء الغاية وانتهائها معاً (المرادي، ص313 )،[9] وذلك نحو:
39.أ. أخذت الكتاب من محمد
ب. رأيته من ذلك المكان
فإن الغاية في (39.أ) هي أخذ الكتاب، فابتدأت هذه الغاية وانتهت في أخذ الكتاب، نفس الأمر بالنسبة لـ (39.ب) فالغاية ابتدأت وانتهت برؤيته في ذلك المكان.
ثامنا: الاستعلاء
وهي بمعنى (على) نحو قوله تعالى:
40. “وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا”[10]
وقد جاءت “من” في (40) بمعنى “على” والمقصود “نصرناه على القوم”.
تاسعا: الفصل
الفصل هو التمييز بين شيئين والحكم عليها والفصل بينهما، ويكون دخول (من) هنا على المتضادين، وهذه الأمثلة توضح ذلك:
41.أ. عرفت الحق من الباطل
ب. قوله تعالى:”وَاللّه يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ”. [11]
ج. قوله تعالى:”حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ”[12]
وتعرف بدخولها على ثاني المتباينين من غير تضاد، (ابن هشام، 1998م، ص 353)[13] فنقول:
42. لا يعرف زيداً من عمرو
عاشرا: موافقة الباء (الأزهري، ج2، ص10)
43.أ. قوله تعالى:”يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ” [14]
ب. تبرم علي من الانتظار
في المثالين (43.أ) و(43.ب)، جاءت “من” بمعنى الباء، ففي (43.أ) المقصود “بطرف خفي”، وفي (43.ب) نقصد “تبرم (تضجر)علي بالانتظار”.
الحادي عشر: أن تكون بمعنى “في”الدالة على الظرفية ( ابن هشام، 1998م، ص35)
44.أ. قوله تعالى:”أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ”[15]
ب.قوله تعالى: “إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه”[16]
في المثالين تدل “من” على في الظرفية الزمانية أو المكانية، ففي (44.أ) المقصود “في الأرض” أي (في) الدالة على الظرفية المكانية، وفي (44.ب) قصد “في يوم الجمعة” وهي (في) الدالة على الظرفية الزمانية. (المرادي، ص31)
الثاني عشر: أن تأتي مرادفة )عِنْدَ(:
تأتي “من” كذلك بمعنى “عند”، وهذا المثال يوضح ذلك:
45. قوله تعالى:”لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللَّه شَيْئًا” [17]
أي: عند الله شيئا (السيوطي، 1975م، ص 21 )
3.3. حرف الجرّ (إلى)
(إلى) حرف جرّ ثلاثي عامل، وعمله الجرّ لاختصاصه بالأسماء وتدخل على الظاهر والمضمر، ومعناها انتهاء الغاية، (سيبويه، 1988م، ص310 )، وعدّها سيبويه من الحروف المحضة، ويكتسب معناه ودلالاته من الجملة فيدل في أصل دلالته على انتهاء الغاية، في حين أنه قد يخرج عن هذه الدلالة إلى معان ودلالات أخرى غيرها.
أولاً: انتهاء الغاية:
تختص (إلى) في إنهاء الغاية، إما زمانيا أو مكانيا، ويرد حرف الجر “إلى” في السياق غالبًا بعد حرف الجر ” من” للدلالة على انتهاء النقطة المكانية أو الزمانية التي كانت قد ابتدأت بالفعل لدى حرف الجر “من”، ومن أمثلة ذلك:
46.أ. تابع الصعود من الأسفل إلى القمة
ب. انتقلت من فاس إلى مراكش
ج. درست من الصبح إلى المساء
المثال الأول والثاني (46.أ) و(46.ب) يرسمان خطي سير من نقطة بداية التي دلت عليها (من)، حتى النهاية التي دل عليها حرف الجر “إلى”.، وهما يدلان على انتهاء الغاية المكانية، بينما (46.ج) فإن الغاية زمانية وبالتالي فالمسار كذلك زماني.
ثانيا: المعية
تأتي (إلى) بمعنى (مع)، وتعني المصاحبة وضم الشيء إلى الشيء، وذلك نحو:
47.أ. قوله تعالى:”فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه ” [18]
ب. وقوله تعالى “وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ” [19]
ج. ضُم هذا المالَ إلى مالِك
في الأمثلة السابقة (47.أ) و(47.ب) و(47.ج)، أدت “إلى” وظيفة “مع” التي تدل على المصاحبة، حيث في (47.أ) المقصود “أنصاري مع الله”، وفي (47.ب) يقصد “خلوا مع شياطينهم”، أما في المثال الأخير (47.ج) فالمراد هو “ضم هذا المال مع مالك”.
ثالثاً: التبيين:
التبيين: ويفيد ما بعد (ما) بمعنى الحب أو البغض من فعل التعجّب أو التفضيل، من ذلك:
48. قوله تعالى: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)
وتسمى اللام المبينة؛ لأنّها تبيّن أنّ ما بعدها مفعول لما قبلها، من فعل تعجب أو اسم تفضيل.
رابعاً: الظرفية
وتأتي (إلى) بمعنى في الظرفية، نحو:
49.أ. قوله تعالى: “وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ” [20]
ب. وقد ذكر ذلك ابن قتيبة وابن مالك، كقول النابغة:
فلا تتركني بالوعيد كأنَّني إلى * الناس مطلي به القارُ أجربُ
في المثالين أعلاه (49.أ) و(49.ب) استعملت “إلى” للدلالة على الظرفية، ففي (49.أ) المقصود تحشرون في جهنم، أما في (49.ب) فيقصد كأنني في الناس مطلي به (المرادي، ص387)
خامسا: مرادفة اللام انتهاء الغاية:
“إلى” تفيد كذلك انتهاء الغاية التي تؤديها اللام، ومن أمثلة كذلك:
50. أحمد إليك الله سبحانه
في المثال السابق (50) رادفت (إلى) اللام، فالمقصود هو “أنهى حمده إليك”.
سادسا: موافقة “من”:
51. كقول ابن الأحمر يصف ناقة:
تقولُ وقد عاليتُ بالكور فوقها * أيسقى فلا يروى إلى ابن احمرا؟[21]
أيّ: منىّ (المرادي، ص388)
السابع: موافقة عند
52.أ أم لا سبيل إلى الشباب وذكره * أشهى إلى من الرحيق السلسلّ [22]
ب. أنت إلي حبيب
في المثالين السابقين (52.أ) و(52.ب) يتبين أن حرف الجر (إلى) جاء بمعنى (عند)، ففي (52.أ) يقصد “أشهى عندي من الرحيق السلسل”، وفي (52.ب) مقصوده أنت عندي حبيب.
الثامن: أن تأتي بمعنى “الباء”:
53.أ. قال تعالي:”وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ”
ب. قول كثير عزة:
ولقد لهوتُ إلي الكواعب كدمى * بيض الوجوه حديثهن رخيم [23]
يتبين أن “إلى” قد جاءت بمعنى “الباء”، ففي (53.أ) المقصود “وإذا خلوا إلى شياطينهم”، (السيوطي، ج 2، 1975م، ص 20) هذا الشرح للأخفش، وفي (53.ب) يقصد “لهوت بالكواعب”.
4. خلاصة
تبين في هذا المقال أهمية حروف الجر وكثرة تداولها في تعبيرات اللغة العربية، حيث تكاد لا تخلو جمل العربية من هذه الحروف، هذه الحروف التي يطلق عليها كذلك حروف الصفات، وحروف الإضافة، وقد تعددت أقسامها لاعتبارات مختلفة، فهناك أقسام بحسب استعمالها حرفا أو اسما أو فعلا، وهناك تقسيم باعتبار اختصاصها بالجر، حيث هناك حروف تختص بالجر، وأخرى تشترك بين الجر وغيره، ثم تقسيم من حيث التركيب، فهناك حروف جر مفردة وأخرى مركبة، ثم تقسيمها من حيث المادة، فتوجد الحروف الأحادية أي المكونة من حرف واحد مثل اللام، وأخرى ثنائية وأخرى ثلاثية، بالإضافة إلى تعدد الأقسام تعددت كذلك المعاني، لذلك تم جرد معاني حروف الجر الثلاثة (اللام) و(من) و(إلى) التي أوردها النحاة، حيث خلصنا إلى أن هذه الحروف تتميز بتعدد المعاني واختلافها بحسب سياق الجملة والمراد منها، حيث جردنا للام الجارة سبعة وعشرين معنى كل واحد يختلف عن الآخر، ومن بينا لها اثني عشر معنى، بينما “إلى تأتي لثمانية معان، والملاحظ هو أن هذه الحروف الثلاثة ترتبط ارتباطا وثيقا بالفضاء والمسارات.
قائمة المصادر والمراجع
- ابن منظور، 1994م، لسان العرب دار صادر بيروت
- ابن منظور1993م، لسان اللسان…تهذيب لسان العرب، دار الكتب العلمية- بيروت
- سيبويه، 1408ه- 1988م، الكتاب، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي القاهرة
- المعجم الوسيط، 2004 إبراهيم أنيس، عبد الحليم منتصر، عطية الصوالحي، محمد خلف الله أحمد، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية
- المرادي،1466 ه-2001م، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، شرح وتحقيق الأستاذ الدكتور عبد الرحمان علي سليمان، دار الفكر العربي
- الكفوي، الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق عدنان درويش، محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت
- ابن يعيش، 1422 هـ – 2001 م، شرح المفصل للزمخشري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان
- ابن هشام، الأنصاري 1418ه 1998م.، تهذيب وإغناء شرح قطر الندى وبل الصدى، تدقيق وتقديم محمد علي سلطان، دار العصماء، دمشق
- سلمان زكرياء، 2019م، معاني حروف الجر وأثرها في التفسير دراسة نحوية دلالية، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، إربد- الأردن
- ابن عاشور، محمد الطاهر 1984م، تفسير التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر
- الفضلي، عبد الهادي 1400ه – 1980م، مختصر النحو، دار الشروق – جدة
- الهروي، 1980م، كتاب اللامات، تحقيق وتعليق يحيى علوان البلداوي، مكتبة الفلاح،الكويت
- ابن جني، عثمان 2001م الخصائص، تح: عبد الحميد هنداوي، مكة المكرمة، توزيع مكتبة عباس الباز
- السيوطي، جلال الدين 1354هـ , 1975م ، الأتقان في علوم القرآن (ط الرضى))تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة الطبعة:
- عباس حسن، النحو الوافي المؤلف، دار المعارف
- إبراهيم بركات، 2007 النحو العربي، دار النشر للجامعات، مصر
- ابن عقيل، 1980م شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، دار الكتب العلمية، بيروت
- الأزهري، تهذيب اللغة اسم المؤلف أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، دار إحياء التراث العربي بيروت، تحقيق محمد عوض مرعب
- ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، دار الفكر
- الفيومى، الحموي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المكتبة العلمية – بيروت
الهوامش:
- . من البسيط وهو للقطامي، في ديوانه ص 28 ، وادب الكاتب ص 504 ، والحماسة للمرزوقي ص 137 ↑
- . مجهل البيت من الطويل وهو لمزاحم العقيلي، خزانة الادب ج 10 ، ص 147- 150 ↑
- . انظر ارتشاف الضرب، أبى حيَّان الأندلسى ،ج 2،ص 426-474، وانظر كذلك النحو العربي، د ابراهيم بركات، دار النشر للجامعات، مصر، ط، 2007 م،. ↑
- . من الرجز لرؤبة بن عباس في ملحق ديوانه ،ج 2، ص 328 ↑
- . ” سورة المؤمنون الآية 2 ↑
- . . سورة التوبة الآية 38 ↑
- . ” سورة قريش الآية 4 ↑
- . ” سورة الزمر الآية 22 ↑
- . انظر أيضا مغنى اللبيب، ابن هشام – ج 1، ص 357 ↑
- . سورة الأنبياء، الآية17 ↑
- . سورة البقرة، الآية 22 ↑
- . سورة آل عمران ، الآية 179 ↑
- . انظر أيضا الجني الداني في حروف المعاني، المرادي، ص 314 ↑
- . ” سورة الشورى، الآية 45 ↑
- . سورة فاطر الآية 60 ↑
- . ” سورة الجمعة الآية 9 ↑
- . سورة ال عمران الآية 10 ↑
- . ” سورة آل عمران ، الآية 52 ↑
- . سورة البقرة الآية 14 ↑
- . سورة آل عمران الآية 12 ↑
- . البيت لعمر بن احمر الباهلي، في ديوانه، ص 84 ↑
- . البيت لأبي كبير الهزلي، ديوان الهذليين، ج 2، ص 89 ↑
-
. قاله كثير عزة في ديوانه.أمالي إبن الشجري،ج 2،ص 268 ↑