شعر الحِكمة في مُعلَّقة زهير بن أبي سُلمى

خيرات حافظ1

1 جامعة إسطنبول آيدن، تركيا

بريد إلكتروني: khmhsrhz88@gmail.com

المعرف العلمي: https://orcid.org/0000-0002-6086-974X

HNSJ, 2022, 3(2); https://doi.org/10.53796/hnsj3213

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/02/2022م تاريخ القبول: 17/01/2022م

المستخلص

هذا البحث مقال مختصر عن شعر الحِكمة في مُعلَّقة زهير بن أبي سُلمى، فقد أشار البحث إلى الحِكمة في الشعر الجاهليّ بشكل عام ، وعرفها لغوياً واصطلاحياً، وأشار إلى مصادر الحِكمة في الشعر الجاهلي؛ وهي الموروث الثقافي من حِكَم وأمثال وأقوال مأثورة وحكايات وأساطير، والمؤثرات الأجنبية ، والذاتية.

ثم تناول حِكَم الشاعر زهير بن أبي سُلمى وعرض تصنيف الحِكمة عنده من حيث معانيها؛ وهي حِكَم دالة على نظرته إلى الحياة، و حِكَم استوحاها من صميم تعامله مع الناس واكتشافه لطباعهم، وحِكَم فرضتها مبادئ المجتمع الجاهلي، و حِكَم دالّة على غوصه في النفس البشرية وإبراز حقيقتها.

وبيَّن البحث موضوعات الحِكمة عند زهير، فلقد وجدنا أن موضوعات الحِكمة عنده قد تنوعت فنجد منها الإنسانية، والدينية والأخلاقية.

الكلمات المفتاحية: الحِكمة ـ زهير بن أبي سُلمى ـ موضوعات الحِكمة ـ الشعر الجاهلي ـ شاعر الحِكمة ـ مصدر حِكمة زهير .

Research title

Poetry of Wisdom in the Commentary of Zuhair bin Abi Sulma

HAYRAT HAFEZ1

1 Istanbul Aydin University, Turkey

Email: khmhsrhz88@gmail.com

Scientific ID: https://orcid.org/0000-0002-6086-974X

HNSJ, 2022, 3(2); https://doi.org/10.53796/hnsj3213

Published at 01/02/2022 Accepted at 17/01/2021

Abstract

This research is a brief article on the poetry of wisdom in the commentary of Zuhair bin Abi Sulma.

The research indicated the wisdom of pre-Islamic poetry in general, He defined it linguistically and idiomatically, and referred to the sources of wisdom in pre-Islamic poetry; It is the cultural heritage of wisdom, proverbs, aphorisms, tales, legends, foreign influences, and subjectivity.

Then he dealt with the wisdom of the poet Zuhair bin Abi Sulma and presented his classification of wisdom in terms of its meanings; It is a judgment indicative of his outlook on life and wisdom inspired by the heart of his dealings with people and his discovery of their nature, a rule imposed by the principles of the pre-Islamic society, a judgment that is indicative of his diving into the human soul and highlighting its truth.

The research showed the topics of wisdom in Zuhair, We found that his topics of wisdom varied, We find them humanitarian, religious and moral.

Key Words: wisdom – Zuhair bin Abi Sulma – topics of wisdom – pre-Islamic poetry – the poet of wisdom – the source of Zuhair’s wisdom.

المقدمة : الحمد ﷲ رب العالمين، والصلاةُ والسلام على خاتم المرسلين، وأفضل الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

كان شعر العصر الجاهلي شعراً غنائياً اتصل بالذّات وعبر عن مشاعرها. وشعرنا العربي هو شعر ذاتيّ تتراءى فيه النفس ومشاعرها، والجَنان ودقاته، والروح ورهفاتها.

أما معنى اسم البحث: فهو شعر الحِكمة المتواجد في مُعلَّقة زهير الذي هو أحد الشّعراء الجاهليين.

أسئلة البحث:

ما مصادر شعر الحِكمة في الشعر الجاهلي ومُعلَّقة زهير خاصة؟

ما هي معاني شعر الحِكمة في مُعلَّقة زهير؟

أهداف البحث:

معرفة مصادر الحِكمة في الشعر الجاهلي وتحديداً في شعر زهير.

التعرّف على معاني الحِكمة في مُعلَّقة زهير.

مشكلة البحث:

تتبّع الحِكمة في مُعلَّقة زهير من مصادر ومعاني، والتعرّف على موضوعاتها فيها،

تناولت هذه الدّراسة الحِكمة في مُعلَّقة شاعر من أهم شعراء العصر الجاهلي، شاعر الحِكمة والرصانة؛ زهير.

مصادر البيانات: المصدر الأساسي للبيانات هو ديوان الشاعر زهير بن أبي سُلمى، والمصادر الأخرى هي كتب الأدب والنقد التي تناولت المُعلَّقة، وتنوّعت مصادر هذه الدراسة بين مصادر أدبية وتاريخية إضافة لديوان الشاعر.

تناولت هذه الدراسة الحِكمة في مُعلَّقة شاعر من أهم شعراء العصر الجاهلي، شاعر الحِكمة والرصانة، زهير.

دفعني لهذه الدراسة:

1ـ ما عُرف به الشاعر من دماثة الخلق وعفة اللسان.

2ـ ما قدمه من أقوال وأمثال تهدف لبناء مجتمع سليم آمن في مُعلَّقته، والتي تصلح لكل زمان ومكان.

3ـ إضافة أنه لديّ إعجابٌ متجددٌ به.

4ـ أسلوبه المنطقي في عرض فِكَره.

5ـ اخترتُ مُعلَّقته لتميزه وتميزها بين أشعار العرب في العصر الجاهلي.

دراسات سابقة : ـ الحِكمة في مُعلَّقة زهير بن أبي سُلمى د. أبو الفضل رضابي وعلي صنبجي، مجلة اللغة العربية ، السنة الثانية، ٢٠٠٤.

ـ زهير شاعر الحِكمة دراسة أدبية لشعره وشرح ديوانه، المكتبة المركزية، غزة.

ـ مقالة زهير شاعر الحِكمة والسلام، د.يسري عبد الغني، مصر، العدد ٩٥، ٢٠١٤، مجلة عود الند.

ـ مُعلَّقة زهير بن أبي سُلمى في شرح المُعلَّقات للزوزوني، دراسة تحليلة سميوطيقية، أديب محمد، رسالة ماجستير، جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية، ٢٠١٧.

طريقتي بالبحث :قمت بتقسيم هذا البحث إلى مقدمة وتمهيد و فصلين وخاتمة، ثم قائمة بالمصادر والمراجع، ومهّدتُ لهذه الدراسة بعصر الشاعر من الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية.

تناولتُ في الفصل الأول مفهوم الحِكمة ، ويحتوي على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تعريف الحِكمة لغة واصطلاحاً.

المبحث الثاني: الحِكمة في العصر الجاهلي.

المبحث الثالث: مصادر الحِكمة في الشعر الجاهلي.

تحدّثتُ في الفصل الثاني عن حِكَم زهير بن أبي سُلمى ويحتوي على مبحثين:

المبحث الأول: تصنيف حِكَم ” زهير” من حيث معانيها.

المبحث الثاني: هو موضوعات الحِكمة في مُعلَّقة زهير بن أبي سُلمى، وذكرت بعض التوصيات ثم الخاتمة وفهرس المصادر والمراجع.

اتّبعتُ المنهج التحليلي الوصفي في هذه الدراسة، وقمت باستخراج الحِكَم في شعر زهير بن أبي سُلمى و تحليلها في مُعلَّقته.

وأخيراً أسأل اﷲ أن أكون قد أوفيت هذا البحث حقّه، فإن وُفِّقتُ فبفضلٍ من ﷲ ورحمته، وإن كان به قصور فمن عندي. وسبحان من له الكمال، عليه توكلت وإليه أُنيب.

تمهيد:

إذا أردنا أن ندرس دراسة منهجية لأدب ما، أو نوع لشعر شاعر معين، فإنه يجدر بنا أن ندرس العصر الذي نشأ فيه ذلك الأدب و الشاعر، لأن الأدب يعبر عن تأثر الشخصية بالواقع الذي يعيش فيه، فيبدو أدبه مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية والأدبية، وأنماط الحياة حوله.

ولكي نعطي فكرة واسعة عن هذا العصر يُستحسن أن نتناول بإيجاز المحاور الآتية: الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية التي أثرت بطريقة أو بأخرى في الأدب عامة والشعر منه خاصة.

أما عن الحياة السياسية: فقدكانت القبيلة هي الوحدة السياسية عند العرب في العصر الجاهلي، وأما بالنسبة للسياسة الخارجية للقبيلة، فقد قامت على المنافسة، والتربص بين القبائل وتجلى ذلك في الغزو الدائم والمتكرر.

وأما الحياة الاجتماعية:

تنقسم العرب إلى: البدو وهم غالب سكان الجزيرة، والحضر وهم سكان المدن وما إليهم. والعرب كلهم يعيشون تحت ظل لواء القبيلة؛ التي تُعتبر الوحدة الاجتماعية لهم.

.والعربي نجده تغنى بالأخلاق الكريمة، ونظَم الكثير من الأشعار في وصف هذه الأخلاق.

وأما الحياة العقلية:

كانت للعرب منذ قديم الزمان الكثير من المعارف، مثل معرفتهم وعلمهم بالأنساب، والطب، والأنواء، نجوم الاهتداء ، إضافة للاهتمام باللغة والشعر، فلسان العرب في جاهليتهم يمثل حالتهم الفطرية أصدق تمثيل، بما له من ثروة متّسعة في الألفاظ الدّالة على حياة البداوة، وحدود مرافعتها المادية[1].

الفصل الأول : الحِكمة في العصر الجاهلي

المبحث الأول :تعريف مفهوم الحِكمة لغة واصطلاحاً:

لغة: تُعرِّف المعاجم اللغوية الحِكمة تعريفاً يربطها بكل ما يتصل بالمعرفة والتدقيق في كُنه الأمور العارضة للإنسان، وهي وسيلة وغاية في نفس الوقت، فجاء في اللسان قيل: ( الحكيم ذو الحِكمة، والحِكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم)[2]، فغاية الحِكمة المعرفة الدقيقة بكل ما يتصل بالعلوم والمنافع فهي معرفة غير محددة، معرفة تتصل بأمور الدنيا وأمور الدين.

اصطلاحاً: لقد تنوعت أراء كثيرة في تحديد دلالة لفظة الحِكمة فذهب بعضهم إلى أنها كلام موافق للحق وبعضهم عرَّف الحِكمة بأنها الرّأيُ السديدُ الذي يسلكُ صاحبُه المسلكَ الصائبَ. أما حنا الفاخوري فقد عرَّفها: (هي موعظة يستخرجها الشاعر من مجموع اختباراته ومعارفه وملاحظاته في الحياة، فيجمعها بإيجاز في بيت أوبيتين ليقدمها عبرة أو نصيحة)[3] يمكننا أن نعرف الحِكمة في الشعر بأنها تلخيص الفكر العميق باللفظ الدقيق في دلالته على المعنى ، أو تضمين الأبيات القليلة معاني جليلة.

المبحث الثاني: الحِكمة في العصر الجاهلي:

الحِكمة فن من فنون الشعر العربي فقد كانت مبعثرة في قصائد الشعر الجاهلي ثم نَمَتْ حتى أصبحت فنّاً مستقلاً تُنْظَم فيه القصائد الطوال. والمتفقد لشعر الحِكمة في آثار الشعراء الجاهليين لا يجد له قصائد مستقلة بذاتها بقدر ما يجده يتخلل قصائدهم الشعرية[4].

قد بلغَنَا عدد وفير من شعر الحِكَم الجاهلية التي هي مستقاة من حياتهم وأخلاقهم وعاداتهم فالشعر الحِكميّ تمتزج فيه الحِكمة بوجدان الشاعر وتصدر عنه ليعبّر من خلالها عن وجهة نظره.

وعندما يقبل القارئ على قراءة الشعر الجاهلي بنية البحث عن شعراء وردت في أشعارهم حِكَم بصورة بيانية واضحة فإنه يجد في شعر زهير بن أبي سُلمى ولبيد بن ربيعة وطرفة بن العبد ما يغنيه من البحث، حقّاً يُعد هؤلاء الشعراء من أبرز الشعراء الجاهلين الذين أجادوا القول في شعر الحِكمة في الشعر الجاهلي.

المبحث الثالث : مصادر الحِكمة في الشعر الجاهلي:

لقد نهلت الحِكمة في الشعر الجاهلي مادتها من مناهل ثلاثة هي الموروث الثقافي من حِكَم وأمثال وأقوال مأثورة وحكايات وأساطير، والمؤثرات الأجنبية ، والذاتية.

الموروث الثقافي: يعد الموروث الثقافي من حِكَم وأمثال وأقوال مأثورة وحكايات وأساطير منهلاً من مناهل الحِكمة في الشعر العربي عامة، وفي الجاهلي خاصة، ودراسة العلاقة بين الأمثال والحِكمة في الشعر الجاهلي تعطي دليلاً واضحاً على هذه الظاهرة ([5]) وبالتالي يلاحظ الدارس للشعر الجاهلي ظاهرة اقتباس الشعراء لحِكمهم من الأمثال الشعبية من منظومات وأقوال الشعراء للتدليل على ما يريدون من أفكار ومعان ضمَّنوها أبياتاً لحِكمة في قصيدتهم.

وهذا ما وجدناه عند ختم زهير مُعلَّقته بالحِكَم متأثراً بالقول العربي المأثور، المرء بأصغريه، لسانه وجنانه، فقال: إن المرء جزءان، جزء لسانه، وجزء قلبه، ولا شيء بعد ذلك.

لِسانُ الفَتَى نِصفٌ ونِصفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ والــدَّمِ([6])

المؤثرات الأجنبية:

الذي لا شك فيه أن الموروث الثقافي العربي تأثر بمؤثرات أجنبية ولكن يجب عدم الإفراط في تقدير قيمة هذه المؤثرات ونتائجها على الحِكمة في الشعر الجاهلي. فكثير من الأمثال والحِكَم المستخلصة نبعت من تجارب القوم في حياتهم الخاصة، وقد يظن أن الحِكمة العربية تأثرت بمؤثرات أجنبية من خلال الامتزاج الثقافي بين العرب البدو والعرب المتحضرين الذين كانوا يعيشون في كنف أمم أجنبية مثل المناذرة والغساسة، وهذا الامتزاج كان من أبرز مجالات حدوثه الأسواق العربية والمراكز الثقافية0([7])

التجارب الذاتية:

أغلب الحِكَم في الشعر الجاهلي مستخلصة من تجارب القوم الذاتية، ولا نخطئ أن التجربة الذاتية للعربي كانت المنهل الرئيسي لشعر الحِكمة في العصر الجاهلي وهي تجربة تعتمد على الملاحظة الدقيقة لما يجري في الحياة من أمور، فهي تجربة ونتائجها محسوسة لا غموض فيها، بحيث يمكن القول أن الحِكمة في هذا الشعر كانت حِكمة الفرد الذاتية من خلال إدراكه الفطري([8])

سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَياةِ وَمَنْ يَعِشْ ثَمانينَ حَوْلًا لَا أَبَا لَكَ يَسْـــــأَم(ِ[9])

الفصل الثاني: حِكَم زهير بن أبي سُلمى 627 م:

زهير بن أبي سُلمى من الشعراء الذين عمّروا طويلاً حيث أنه عاش ما يقارب تسعين سنة، فمن الطبيعي أن تأتيه الحِكَم متتالية، وتنثال عليه معانيها انثيالاً بعدما بلغ من العمر عتياً، وقد قال عنه عمر بن الخطاب أنه أشعر الشعراء وعندما سئل: لِمَ صيرته كذلك؟ قال: لأنه لايعاظل الكلمتين ([10]) والمتأمل في حِكَم زهير بن أبي سُلمى يدرك بأن الشاعر قد عبَّر عن فكره وما استخلصه من عبر وعظات من الحياة.

المبحث الأول :تصنيف حِكَم ” زهير” من حيث معانيها على النحو الآتي :

حِكَم دالة على نظرته إلى الحياة :

زهيرعاش طويلاً، فتكبّد مشاقّ الحياة وصعابها، وبالتالي ملَّ الحياة بعد ثمانين سنة، وأنها عبء ثقيل لا يطاق احتماله، وأن الشيخوخة تُضعف قدرات المرء، وتجعله يسأم من الحياة وهذه حقيقة واقعية يدركها العام والخاص.

“فليس من الضروري أن يكون أصحاب الحِكمة من المسنّين الذين مدت لهم الحياة في حبال العمر، ولا من الذين اصطبغوا بصبغة تلك الأحداث أو شاركوا فيها. وإنما تكفي النفس الحساسة، والبصيرة النافذة، التي تستطيع أن تنفُذ إلى أغوار النفس.

زهير تمثل شخصيته الجادة الوقور، البعيدة عن الطيش والعبث، ولم يكن موقفه من الموت موقف الخائف المَرُوع، وإنما موقف المستسلم المذعِن لقضاء لا مفرّ منه([11])

كما في قوله:

سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَياةِ وَمَنْ يَعِشْ
وأَعْلَمُ ما فِي اليَوْمِ والأَمْسِ قَبْلَهُ
رَأَيْتُ المَنايَا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ
ثَمانينَ حَوْلًا لَا أَبَا لَكَ يَسْـــــأَمِ
ولَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ ما فِي غَدٍ عَمِ
تُمِتْهُ ومَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ([12])

حِكَم استوحاها من صميم تعامله مع الناس واكتشافه لطباعهم:

ومَنْ لَمْ يُصَانِعْ فِي أمُورٍ كَثِيرَةٍ
ومَنْ يَجْعَلِ الـمَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ
ومَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ
يُضَرَّسْ بِأَنْيابٍ ويُوطَأْ بِمَنْسِــم
يَفِرْهُ، ومَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْمَ يُشْتَمِ
عَلَى قَوْمِهِ، يُسْتَغْنَ عَنْهُ ويُذْمَمِ([13])

الشاعر هنا، يرى أن الإنسان الذي لا يعرف معاملة الناس، فيعرِض عن مصانعتهم ومداراتهم تحولوا إلى أداة للقهر والإذلال.

وفي البيت الثّاني يخبرنا أن من يقِ عرضه بصنائع المعروف يكرم نفسه، ومن لا يتّقِ شتم النّاس له شُتِم.

أما في البيت الثالث يخبرنا بأن الإنسان الذي توافرت أمواله وأستأثر بها دون قومه، عزله قومه ورموه بالذم والشتم، إذن فخير للإنسان أن يجعل حظاً للناس مما توافر لديه من فضل ومال، وبالتالي يكسب الحب والاحترام.

حِكَم فرضتها مبادئ المجتمع الجاهلي :وهذا نراه جلياً في قوله :

ومَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ
يُهَدَّمْ، ومَنْ لا يَظْلِمِ الناسَ يُظْلَمِ([14])

يعبر هذا البيت عن ظروف الحياة الجاهلية القائمة على أهمية الشجاعة والقتال وهذا وجدناه عند سراج الدين الذي ذكر هذا البيت في معرض الحثّ على الشجاعة ([15])،حيث أن الذي لا يدافع عن عرضه ومن لم يسع إلى رد ظلم الناس وإبعاده عنه تعرض لانتهاك حقوقه ونهبها، في حين أنّه دعا إلى السطوة على أهل الظّلم قبل أن يظلموك، وهذا ما كان سائداً في العصر الجاهلي، وبالتالي دعا الشاعر إلى ضرورة تضافر الجهود لرد الظالمين و كف الأذى، وهي نظرة صحيحة أكدت عليها الأمم.

حِكَم دالة على غوصه في النفس البشرية وإبراز حقيقتها: ونجدها في قوله:

ومَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُوًّا صَديقَهُ
ومَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَليِقَةٍ
ومَنْ لَمْ يُكَرِّمْ نفسَهُ لَمْ يُكَـــرَّمِ
وإنْ خَالَها تَخْفَى عَنِ النّاسِ تُعْلَمِ ([16])

هذه الحِكَم نابعة من واقع الحياة الاجتماعية التي عاشها الشاعر فكان لفكره أن جاد بها علَّها تجد آذاناً صاغية وقلوباً واعية فتهذب السلوك وتتقوم الطباع ومفاد هذه الحِكَم أن الغربة تجعل الإنسان ضعيف التمييز بين الناس حتى كأن العدو صديق، وأن الذي لا يوفر أسباب الكرامة لنفسه بما يبديه من حسن المعاملة واتصاف بالقيم الأخلاقية فإن الناس لايعرفون له قدراً ولا كرامة، أما في البيت الثاني فيملي علينا من حكمته القائلة بأن الأخلاق والطباع مهما اجتهد المرء في إخفائها عن النّاس فإنها تظهر لا محالة، شاء من شاء وأبى من أبى.

المبحث الثاني: موضوعات الحِكمة في مُعلَّقة زهير بن أبي سُلمى:

من خلال تطلعنا لشعر الحِكمة في مُعلَّقته تبيَّن لنا أنّ معظمه في الحِكمة والنصح والإرشاد التي صاغها في قالب جذاب تنساب إليه القلوب والعقول، فلقد وجدنا أن الحِكمة عنده قد تنوعت فنجد منها الإنسانية، والدينية والأخلاقية.

الحِكَم الإنسانية :

لقد تعددت الحِكَم الإنسانية عند زهير ، وهذا ما كان جلياً في مُعلَّقته، وقد تمكن من ترسيخ بعض هذه القيم في المجتمع كالمعاملة الحسنة والإحسان إليهم. ونحن على وفاق مع الدكتور بدوي طبانة إذ يقول عن حِكمة زهير أنها (تدل على بصره في أخلاق الناس وأحوال المجتمعات….والتي تقبلتها الأجيال) ([17]) وذلك لأنها إنسانية تخاطب الإنسان في كل عصر، حِكمة تدل على أن كثيراً من الصامتين يعجبك صمتهم فتستحسنهم وإنما يظهر فضل الإنسان أو عيبه عندما يتكلم. وهذه الحقيقة أقرها الكثير من الشعراء والأدباء والمفكرين بعد زهير. وهذا نجده في قوله:

وكَائِنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ زِيادَتُهُ أو نَقْصُهُ في التَّكَلُّـــــمِ. ([18])

الحِكَم الأخلاقية:

نقصد بالحِكَم الأخلاقية هي كل ما يتصل بعمل المسلم ونشاطه وعلاقته مع غيره من بني جنسه لقد تعددت الحِكمة في هذا المجال كمكارم الأخلاق، ومن عادة العرب أنها تمدح الكريم وتذم البخيل، فعِرض الكريم محفوظ من التجريح، والبخيل مستغنًى عنه، خاصة إذا كان ذاك البخل على الأهل والعشيرة، ومثل الكريم الوفي بعهده، لا يلحقه ذلك الذم، ومن عاداتهم أيضا أنهم يمجدون الوفاء وأهله، ويحثون عليه، وهذا ما وجدناه في أقوال زهير :

ومَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ
ومَنْ يُوفِ لا يُذْمَمْ، ومَنْ يُهْدَ قَلْبُهُ
عَلَى قَوْمِهِ، يُسْتَغْنَ عَنْهُ ويُذْمَمِ
إلَى مُطْمَئِنِّ الْبِرِّ لا يَتَجَمْجَـمِ([19])

الحِكَم الدينية:

وفي حِكَم زهير من النظرة السديدة ما يضفي عليها شيئاً من الغرابة، فالله يعلم ما في النفوس، ويجازي العاملين على أعمالهم يوم القيامة أو عاجلاً في الدنيا. وهذه النظرة التي تكاد تكون إسلامية يُستغرب ورودها عند شاعر جاهلي بهذا المستوى من الوضوح والبيان، ولعلّ السرّ في ذلك أن زهيراً من مجموعة الحنفاء الذين يتلمسون الهدى على دين إبراهيم عليه السلام.

فَلا تَكْتُمُنَّ اللهَ ما في نفوسِكُـــــمْ
يُؤَخَّرْ فَيوضَعْ في كِتابٍ فَيُدَّخَـرْ
لِيَخْفَى، ومَهْمَا يُكْتَمِ اللهُ يَعْلَــــمِ
لِيَوْمِ الحِسابِ أوْ يُعَجَّلْ فَيُنْقَـــمِ([20])

والمستقبل عند زهير لا يعلمه أحد فهو معنى غامض أما ما يُعلم فالحدث الحالي وفعل في الماضي. والإنسان في نظر زهير كائن محدود الطاقات، وهو رهن بتقلبات الدهر وصروفه، ولذلك فهو يرى أن المرء عاجز عن استكناه الغيب، والوقوف على ما يأتي به في الغد يقول في ذلك

وأَعْلَمُ ما فِي اليَوْمِ والأَمْسِ قَبْلَهُ ولَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ ما فِي غَدٍ عَمِ([21])

التوصيات:

1ـ دراسة مقارنات في شعر الحِكمة بين الشعراء الذين كتبوا فيها.

2ـ دراسات تحليلية لشعر الحِكمة في العصر الجاهلي والعصر الحديث.

3ـ إجراء مقارنة بين الحِكمة في الشعر والنثر في العصر الجاهلي.

الخاتمة والرأي الشخصي:

هكذا وجدنا أنّ زهيراً شاعر متعقل وتشيع في معانيه الحِكمة الصادقة، والتجربة الصحيحة، ولهذا عُدّ من شعراء الحِكمة في الشعر الجاهلي. وإذا نظرنا إلى حِكَمه نجد أنه نحا لها نحواً أسمى وأجلّ، وأنه أكثر منعاً، ووصفها بألوان مختلفة، فلم تكن حِكمه حقائق مجردة فحسب ولكنها حِكَم عامة قد صيغت في قالب من النصح والإرشاد.

لم تكن لزهير ثقافة فكرية يمتاز بها من القوم الذين كان يعيش بين ظهرانيهم، ولكنه كان يتحلى بصفات تؤهله لأن يقف موقف الحكيم الذي يؤخذ برأيه ويُهتدى بمشورته، كان ذا أَناة وحلم، يأخذ الأمور بالروية، ويستخلص من الأحداث التي تمر به العبر والعظات، وقد زودته الحياة المديدة التي عاشها بخبرة عميقة بشؤون الحياة وأخلاق الناس، فصبَّ خلاصة تجاربه في قالب حِكَم ينتفع بها الناس ويهتدون بهديها.

فهرس المصادر والمراجع :

1ـ ابن منظور،لسان العرب ، الجزء 2،تحقيق عبد الله علي الكبيري وآخرون ، ،طبعة جديدة ومنقحة ،دار المعارف.

2ـ أمين ،أحمد، فجر الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان،ط10 ،1969.

3ـ الزوزني، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسين، شرح المُعلَّقات السبع، دار الأرقم بن الأرقم ، بيروت.

4ـ د. بدوي طبانة ،مُعلَّقات العرب ـ دراسة نقدية تاريخية في عيون الشعر الجاهلي، مطبعة الرسالة، ط1، 1958م.

5ـ سراج الدين، محمد ،الحِكمة في الشعر العربي ،دار الراتب الجامعية ،بيروت .

6 شامي يحيى عبد الأمير ،الشاعر الحكيم زهير بن أبي سُلمى ، دار الفكر العري ،دمشق ، 1993.

7 عويس، محمد ،الحِكمة في الشعر العربي في الجاهلية والإسلام، المركز الثقافي في الشرق الأوسط، مكتبة الإسراء، ط2، 1994.

8ـ الفاخوري، حنا ، تاريخ الأدب العربي، المطبعة البوليسية، بيروت، ط2، 1953م.

9ـ فاعور، علي ديوان زهير بن أبي سُلمى ـ شرحه وقدم له أ. علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت ، ط1 ،1988.

10ـ القرشي ،أبي زيد محمد بن أبي الخطاب ،جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام ،حققه علي محمد البجاوي ،دار نهضة مصر.

الهوامش:

  1. : أمين أحمد، فجر الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان،ط10 ،1969، ص 57.
  2. : ابن منظور،لسان العرب ، الجزء 2،تحقيق عبد الله علي الكبيري وآخرون ، ،طبعة جديدة ومنقحة ،دار المعارف،ص952.
  3. : الفاخوري، حنا ، تاريخ الأدب العربي، المطبعة البوليسية، بيروت، ط2، 1953م، ص 44.
  4. : أمين أحمد، فجر الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان،ط10 ،1969، ص 57
  5. : عويس، محمد ، الحِكمة في الشعر العربي في الجاهلية والإسلام، المركز الثقافي في الشرق الأوسط، مكتبة الإسراء، ط2، 1994،ص14
  6. : ديوان زهير بن أبي سُلمى ـ شرحه وقدم له أ.علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 ،1988، ص112
  7. : محمد عويس، الحِكمة في الشعر العربي الجاهلي والإسلام، ص 20.
  8. : شامي يحيى عبد الأمير ،الشاعر الحكيم زهير بن أبي سُلمى ، دار الفكر العري ،دمشق ، 1993،ص 8
  9. : ديوان زهير بن أبي سُلمى ـ شرحه وقدم له أ. علي فاعور ،ص110
  10. : أبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي،جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام ،حققه علي محمد البجاوي ،دار نهضة مصر، ص 68.
  11. : الزوزني، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسين، شرح المُعلَّقات السبع، دار الأرقم بن الأرقم ، بيروت، ،ص26.
  12. : ديوان زهير بن أبي سُلمى ـ شرحه وقدم له أ. علي فاعور ،ص110.
  13. : المرجع السابق،ص111.
  14. : المرجع السابق،ص111.
  15. : سراج الدين محمد ،الحكمة في الشعر العربي ،دار الراتب الجامعية ،بيروت،ص 49 .
  16. : ديوان زهير بن أبي سُلمى ـ شرحه وقدم له أ. علي فاعور ،ص111.
  17. : د. بدوي طبانة ،مُعلَّقات العرب ـ دراسة نقدية تاريخية في عيون الشعر الجاهلي، مطبعة الرسالة، ط1، 1958م،ص 14.
  18. : ديوان زهير بن أبي سُلمى ـ شرحه وقدم له أ. علي فاعور ،ص111.
  19. : المرجع السابق،ص 110 ،ص111.
  20. : المرجع السابق،ص107.
  21. : المرجع السابق،ص107.