عـبـد اللـطـيـف أمــزيـــغ1
1 باحث في التاريخ الجهوي للجنوب المغربي، جامعة ابن طفيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – القنيطرة – المغرب.
بريد الكتروني: Amazigh10abdellatif@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(2); https://doi.org/10.53796/hnsj3220
تاريخ النشر: 01/02/2022م تاريخ القبول: 22/01/2022م
المستخلص
تعترض العديد من الباحثين والدارسين للتاريخ، مجموعة من الصعوبات والعراقيل التي تحول دون توظيف واستثمار النص التاريخي كيفما كان نوعه أو موضوعه بشكل علمي وموضوعي، بسبب غياب أو عدم التمكن من منهجية علمية موحدة، واختلاف الرؤى والمناهج، وتوجهات ومبادئ المدارس التاريخية، وبالتالي تظل هذه المقالة اسهامة أولية، ومرجعية يمكن العودة إليها لدراسة النصوص التاريخية لمنطقة وادي نون بالجنوب المغربي، ومعرفة الهدف أو الغرض التاريخي من وراء ذلك.
بناء عليه، ابتدأ هذا المقال قصد دراسة هذه الإشكالية العلمية، بتحديد المجال الجغرافي المعني بدراسة نصوصه التاريخية (منطقة وادي نون بالجنوب المغربي)، ثم انتقل إلى دراسة المقاربة المعرفية والمنهجية لدراسة النص التاريخي لوادي نون، مع التأكيد على أهمية تفعيل واستثمار مختلف الآليات الفكرية والوسائل التقنية، الكفيلة بالحفاظ على الوثائق والنصوص، بهدف تثمينها وإعادة توظيفها في البحث التاريخي، لينتهي المقال نفسه بخلاصة واقتراحات وتوصيات عملية وعلمية.
An epistemological and methodological approach to studying and preserving the history of Wadi Nun
Abdul Latif Amazigh1
1 Researcher in the regional history of southern Morocco, Ibn Tofail University, Faculty of Letters and Human Sciences – Kenitra – Morocco.
Email: Amazigh10abdellatif@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(2); https://doi.org/10.53796/hnsj3220
Published at 01/02/2022 Accepted at 22/01/2021
Abstract
Scholars and researchers on history encounter various difficulties that prevent them from adapting and exploiting a historical text of any type in a scientific and objective manner. This is due either to (i) the absence or lack of mastery of a unified scientific methodology, (ii) the differences in standpoints and approaches to historical texts, (iii) the conflicting tendencies and principles of historical schools. Thus, this article comes as a preliminary contribution and as a point of reference to study the historical texts of the Oued Noun region in southern Morocco, and unravel the goal or historical purpose behind it.
Accordingly, this article will begin by determining the geographical area concerned with our study of its historical texts (the region of Oued Noun in southern Morocco), then it will proceed with investigating the cognitive and methodological approach to the study of historical texts of Oued Noun region, with an emphasis on the importance of activating and exploiting different intellectual and technical/technological tools to preserve historical documents and texts with the aim of valuating them and reutilizing them in historical research. The article will close with a summary, suggestions and recommendations both practical and scientific.
تـقــديــــــم:
يعد النص أو الوثيقة المادة الأولية لدراسة علم التاريخ، وبالتالي فتحليل بنياته ومفاهيمه يتطلب التسلح بمنهجية لها عدة ضوابط وشروط ومقاربات علمية، تهدف الوصول إلى تعريف وتفسير وتحليل وتركيب المعرفة التاريخية وإكسابها، بوضعها في سياقها التاريخي من خلال تدقيق الأسباب والنتائج، وربطها بمختلف الظروف والأمكنة والأزمنة التي يرتبط بها الحدث أو الأحداث التاريخية موضوع الدراسة أو البحث.
انطلاقا من ذلك، تبرز أهمية هذه المقالة في ملامسة هذه الإشكالية من خلال نصوص منطقة وادي نون ومحيطها القبلي، وذلك في محاولة لتثمين التاريخ الجهوي بالمغرب وإعادة كتابته، بتوظيف الوثيقة بشكل علمي باعتماد المنهج التاريخي، الذي بدوره ينفتح على مناهج ومعارف الحقول المعرفية الأخرى، قصد الإسهام في إبراز وإثبات تاريخ وهوية المجتمع المغربي من خلال نموذج هذه المنطقة الصحراوية، ولن يتأتى ذلك، إلا بالابتعاد عن التعريف أو التفسير أو التركيب أو التأويل غير العلمي، الذي يخدم إيديولوجيات معينة أو إيديولوجيات استعمارية كانت سائدة إلى اليوم القريب.
بناء عليه، تمت دراسة إشكالية هذا المقال من خلال مجموعة من النقط نوردها على الشكل التالي:
- التحديد الجغرافي لمنطقة وادي نون بالجنوب المغربي.
- مفهوم النص التاريخي.
- المقاربة المنهجية والمعرفية لدراسة النص التاريخي لمنطقة وادي نون.
- الحفاظ على النصوص التاريخية وتثمينها.
انطلقت الإجابة على هذه الإشكالية من الاطلاع على مجموعة من الدراسات والأبحاث العلمية، ومن تتبع وفهم مختلف التحديات والعراقيل التي اعترضت العديد من الباحثين في دراسة النص التاريخي بمنطقة وادي نون بالجنوب المغربي، لتصل الإجابة على الإشكالية نفسها إلى محاولة تقديم ووضع مقاربة معرفية ومنهجية لدراسة نص هذا المجال الصحراوي ومحيطه القبلي، وفي الآن ذاته تقديم مجموعة من الاقتراحات والتوصيات الهادفة إلى حفظ النصوص التاريخية والإسهام في تطورها، قصد إعادة كتابة التاريخ الجهوي للمغرب عامة، وتاريخ جهة الصحراء خاصة.
أ ) – التحديد الجغرافي لمنطقة وادي نون:
لقد تحدثت مجموعة من الكتابات الأجنبية[1] عن جغرافية هذه المنطقة الصحراوية، من ضمنها ما ورد عند الباحثة دو بيكودو أوديت De Pigaudeau Odette التي ربطت هذا المجال بالمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي الوقت نفسه أدخلته في جغرافية أكثر إتساعا واختلافا وتنوعا، وهي الجغرافية المسماة “تراب أو مجال البيضان”، بقولها: “أن هذا الأخير يمتد على مجموعة من الأقاليم، بدءا من وادي نون وطرفاية وتافيلالت والساقية الحمراء ووادي الذهب وموريتانيا وغرب صحراء مالي”[2]، على أن هذا التحديد الجغرافي لوادي نون يختلف اختلافا كبيرا عن ما هو متعارف عليه لدى الباحثين خاصة في الفترة الأخيرة، حيث وردت في هذا الإطار عدة روايات تاريخية شفوية وأخرى مكتوبة يمكن رصدها على الشكل التالي:
- الرواية الأولى: مفادها أن بعض شيوخ المنطقة عندما أرادوا تحديد موقع «وادي نون»، فقد قصدوا بذلك مجموع المنطقة التابعة إداريا لإقليم أكلميم الحالي[3].
- الرواية الثانية[4]: “وادي نون هو ما يقع من سفوح درن (جبال الأطلس الكبير التي تمتد من غرب مدينة أكادير على المحيط الأطلسي في اتجاه الشمال الشرقي ) الجنوبية إلى حدود الصحراء من وادي نون وقبائله من تكنة والركيبات وما إليها إلى حدود منطقة طاطا شرقا ومنطقة سكتانة (سكتانة هي قبيلة تنتمي لإتحادية قبائل مصمودة الأمازيغية بالأطلس الكبير)”.
- الرواية الثالثة: تقول: «يحد المنطقة طرف من بلاد سوس شمالا، ومن الجنوب قبيلة أزوافيط، ومن الشرق جبال تيرت وسيدي ينسف، حيث تنتشر بعض القبائل المستقلة حتى وادي درعة، أما من الجهة الغربية جزء من بلاد تكنة المحاذي لساحل المحيط»[5].
أمـا مساءلتنا للمصادر والمراجع التاريخية، فإنها تختلف باختلاف تصنيفاتها:
- “نـون منطقة مسكونة على شاطئ المحيط ليس بها سوى قرى عامرة بناس فقراء، تقع بين نوميديا وليبيا، لكن القسم الأعظم منها ينتسب إلى ليبيا، لا ينبت فيها إلا الشعير وقليل من التمر الرديء. يرتدي أهل هذه البلاد لباسا سيئا، فقراء لأن الأعراب يستغلونهم ويستنزفونهم. ويذهب بعضهم للإتجار في مملكة ولاتــة”[6].
- « فـبـلاد نول يحدها شمالا السفح الجنوبي الغربي للأطلس الصغير، جنوبا الساقية الحمراء، غربا المحيط الأطلسي، شرقا واد تمنارت حتى معدر سلام بوادي درعة»[7].
- جاء عند «عبد العزيز بن عبد الله» حين حديثه عن «وادي نون»، أنه «يقع في قلب تكنة أهله يعيشون في القصور لهم نعجة وريادة قليلة منهم أيت موسى وأزوافيط وأيت حماد»[8].
- « وحسب أغلبية المصادر الكلاسيكية لتاريخ بلاد المغرب، تمتد منطقة «وادنون» أو «نول» من إقليم أكادير ويمر بها وادنون الذي ينبع من الجبال الواقعة خلف قرية الايدالة (تايدالت ) ويصب في المحيط الأطلسي»[9].
- يعرف أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي منطقة وادي نون بأنها مجال عمارة جزولة ولمطة، وأن نهرها يصب في المحيط وهي في أول الصحراء[10].
- وبخصوص التحديد الأوربي، نجد على سبيل المثال جواكين كاتيل، يقدر المساحة الإجمالية لسهل وادنون بـ 144 كيلومتر مربع[11]، وغير هذا التحديد الجغرافي، فإن الكتابات الأجنبية لا تتحدث سوى عن مجال أو بلاد تكنة.
ب ) – مفهوم النص التاريخي:
قبل الحديث عن المقاربة المعرفية والمنهجية لدراسة النص التاريخي بوادي نون باختلافه لا بأس أن نتوقف عند مفهومه بشكل أشمل وأدق، حيث يمكن تعريفه باعتباره بنية أصلية[12] مرتبطة بالواقع المعيش في الماضي البعيد أو القريب، وتحمل دلالات انتجتها الذات الجماعية أو الذات الفردية سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي العسكري أو الفكري أو الديني، وهي بنية ذات دلالات قابلة للفهم والتحليل والتفسير إذا ما استطعنا دراسة كافة رموزها وألفاظها، وأرجعناها لمعناها الأصلي الذي يهدف إلى إخبارنا بكافة أحداث الماضي البشري الذي يمكن الاستفادة منه بشكل أو بآخر دون أي وصف أو تأويل خاطئ.
وانطلاقا من هذا المعنى، فإن للنص التاريخي مفهوما آخر وأهمية بالغة، تتمثل في قدرته على تنمية مهارات وكفايات كل من المتعلم[13] والباحث المؤرخ على حد سواء، سواء على مستوى دقة الملاحظة والوصف والمقارنة، أو على مستوى النقد والتمحيص والتحقيق والتدقيق، بالإضافة إلى أهمية أخرى تتجلى في إسهام النص التاريخي باختلاف نوعه وشكله في تحقيق تنمية ثقافية وعلمية، وتطوير الفكر وأحيانا تغيير مواقفه وآرائه السابقة حول هذا الحدث أو ذاك وتصحيحها، وذلك حسب آخر المستجدات التاريخية التي يتم التوصل إليها من الأبحاث الميدانية والشفهية، ومن مقارنة ودراسة مختلف النصوص التاريخية، سواء التي سبق دراستها أو الأخرى التي تظهر بين الفينة والأخرى (وثائق – سجلات – مراسلات – عقود …)، وتحتاج بدورها إلى الدراسة العلمية لاستنتاج واستخلاص المزيد من المعطيات التاريخية.
ت ) – المقاربة المعرفية والمنهجية لـدراسة النص التاريخي لمنطقة وادي نون:
لن ندعي في هذا المقال العلمي وضع مقاربة معرفية ومنهجية شاملة ومتكاملة لدراسة النص التاريخي بمنطقة وادي نون أو غيرها، بقدر ما يمكن اعتبار ذلك ترسيخا لمبادئ عملية وعلمية على المستوى التاريخي لتناول تاريخ هذا المجال الصحراوي من خلال بعض الأمثلة النصية التاريخية التي نراها مناسبة لتناول هذا الموضوع، بفعل اختلاف الرؤى والتوجهات والمبادئ والمناهج والمدارس التاريخية، وبالتالي فإننا سنحاول وضع القارئ أمام مجمل الظروف العامة التي تحيط بدراسة النص التاريخي والمشاكل التي تواجهه، بالإضافة إلى الحلول الكفيلة التي تمكنه من تجاوز هذه الإشكالية التي تعترض أي باحث في كل وقت وحين.
وفي هذا السياق، فقد أسهم انفتاح التاريخ على عدة علوم مساعدة من أنتربولوجيا وسوسيولوجيا وعلوم اللغة والاقتصاد وغيرها على تطور المقاربة المعرفية والمنهجية المستعملة في دراسة النصوص التاريخية باختلاف فتراتها الزمنية وكيفما كان نوعها (وثائق، اتفاقيات، معاهدات، سجلات تجارية، الكتابات القديمة المرسومة أو المنقوشة أو المكتوبة على الجلود والصكوك والأحجار والخشب[14]، مراسلات، كتب الرحالة والانساب والتراجم، عقود البيع والشراء والزواج…)، بالإضافة إلى دورها في الحث على إعادة النظر في هذه المقاربة العلمية بالنظر إلى المستجدات الحاصلة في الظاهرة التاريخية أو الحدث التاريخي، الذي أعتبر بفعل ذلك متحركا في الزمان والمكان عكس ما كان يُــتصور أو يُـدرس، وذلك بفعل ظهور وثائق ودراسات جديدة، حيث انتقلت جراء ذلك الدراسة من التعامل مع التاريخ بالطريقة التقليدية المعتمدة على سرد الأحداث كما وردت في الوثائق المكتوبة أو الروايات الشفوية، والاكتفاء بما يدور حولها من تأويلات دون التأكد من حقيقة وقوعها على أرض واقع الماضي البشري، ودون التأكد من سياقها وامتدادها الزماني والمكاني، إلى التعامل معه بشكل علمي يسمح لمختلف الدراسات والمناهج والحقول المعرفية والإبستمولوجية على تدقيق وتحقيق الحدث من جوانب متعددة مادية كانت أو معنوية، بمعنى آخر، الاهتمام بمختلف البنيات وتحليلها ومعرفة علاقتها وتفاعلها مع مختلف العلوم والمؤثرات الطبيعية والبشرية، وذلك بهدف الوصول إلى الحقيقة النسبية أو المطلقة إن أمكن ذلك، خدمة للمجتمع وتحديد أو تصحيح مساره التاريخي الذي من خلاله يمكن بناء الحاضر والمستقبل على جميع المستويات، والإنتقال بالحدث من الخاص إلى العام والعكس صحيح، أي الانتقال بالحدث من مجاله المحلي الخاص الضيق إلى مجال أوسع، مما يدل على الترابط والتأثير والتأثر الحاصل بين مختلف البنى التي توجه مسار الحياة الإنسانية.
انطلاقا من ذلك، فإن اعتماد المقاربة المعرفية والمنهجية لدراسة النص التاريخي بوادي نون كمجال شهد العديد من التغيرات بمرور الزمن يطرح إشكاليات متعددة، من بينها ما هو مرتبط بمضمون الحدث التاريخي الذي يختلف بين ما كتب عنه من داخل الدراسات الكولونيالية التي عملت على تأويل الأحداث خدمة للمشروع الاستعماري على مستويات عدة[15]، وما كتب عنه في الوثائق والمصادر والمراجع المحلية والوطنية التي عملت بدورها على الرد والدفاع ومحاولة نفي أو تصحيح تاريخ وأحداث الكتابات الأوروبية التي تناولت المغرب عامة ووادي نون خاصة[16]، من قبيل ما جاء في بعض مؤلفات العلامة محمد المختار السوسي (إليغ قديما وحديثا – المعسول …) الذي تحدث عن العلاقة بين المغرب الصحراوي (وادي نون نموذجا) والأجانـب وطبيعة المسار الذي كانت تسير فيه دون تضخيم أو تأويل للحدث بشكل غير علمي[17]، عكس ما كان يفعله الكتاب والضباط الأجانب الذين تقمصوا صفات المؤرخين والباحثين في حقل التاريخ الذي ابتعدوا عنه بشكل علمي وواقعي في مجموعة من كتاباتهم وتقاريرهم حول منطقة وادي نون وغيرها، خاصة من الجوانب التي تهمهم أو تخدم مصالحهم، وهو ما أشار إليه عبد الله العروي الذي نبه إلى إحجام الكاتب الاستعماري عن استعمال كلمتي “مجتمع” و”دولة” في حق المغرب، أي أنه ينفي أن يكون لمغرب القرن الماضي دولة ومجتمع، وهو ما يحيلنا في الآن ذاته إلى ما نادى إليه البحاثة جرمان عياش في أكثر من مناسبة حين دعا إلى الاستعانة بالوثائق المغربية، لأنها تقدم وجهة نظر جديدة يُـدرس من خلالها المغرب كموضوع في حد ذاته، بمعنى قراءة الوثائق والنصوص المغربية انطلاقا من الواقع وليس انطلاقا من تقارير وتصورات الأجانب.
هذه المسألة التي تهم الاختلاف الحاصل بخصوص مضامين النصوص التاريخية بأنواعها، والمقاربة الواجب اتباعها قصد تحقيق الفهم وتحديد سياق الأحداث، هي التي تحيلنا على إشكالية أخرى مفادها أن العديد من الدراسات المحلية اعتمدت في كتابة تاريخ وادي نون على المصادر والمراجع العامة[18] مغربية كانت أو أجنبية، أكثر من اعتمادها على المصادر المحلية نظرا لنذرتها وقلتها خاصة المرتبطة بالوثائق والمخطوطات التي توجد أغلبيتها في حوزة أو ملكية الخواص وما يرتبط بذلك من مشاكل متنوعة متشابكة يصعب أحيانا إيجاد حل لها، وهو ما يعتبر تقصيرا طال تحليل ودراسة مجمل بنيات وادي نون وتاريخ نصوصه ككل، وبالتالي فإنه من الواجب على الباحث في الحقل التاريخي لهذه المنطقة أن يعي هذه الاشكالية حتى يجد حلا لها يُـسهم به في تطوير المقاربة المعرفية والمنهجية التي من شأنها صياغة وتحقيق تاريخ المجال وتثمين مختلف مصادره الخاصة والعامة، والعمل في الوقت نفسه على ملاءمتها مع المستجدات العلمية التي تعيد قراءة التاريخ وتصححه أو تبين ما كان مضمرا أو مستترا فيه، بالاعتماد على جرد وتصنيف ودراسة كافة الوثائق والمخطوطات وغيرها، ومحاولة مقارعتها بغيرها من التقارير التاريخية الأخرى خاصة الأوروبية باختلافها[19]، لإعادة تناول التاريخ من زوايا متعددة تنفي عنه الدراسة من جانب واحد، وبالتالي فهم مجمل العلاقات حسب المكان والزمان التي حدثت فيه، وتحديد مختلف العناصر الفاعلة في تشكل البنيات المجتمعية، قصد بناء الحاضر والمستقبل والخروج من التبعية الثقافية والتاريخية للأجانب.
وفي هذا السياق المعرفي المرتبط بفهم وتحقيق مضمون النص التاريخي وتنوع مصادر معلوماته، وارتباط ذلك بالجانب المنهجي لما له من أهمية قصوى بمجال وادي نون ذي العلاقات المتنوعة والمتشابكة أحيانا، تجدر الاشارة إلى أن الباحث المؤرخ بهذه المنطقة ملزم بالبحث عن المزيد من الوثائق والمعلومات التاريخية الجديدة[20]، بهدف أن يضيفها إلى رصيده المعرفي وإلى ما كان بحوزته من مادة أولية سبق وأن حصل عليها بشكل أو بآخر، ثم القيام فيما بعد بجرد وتصنيف مجمل هذه الوثائق، وكمرحلة ثانية العمل على قراءتها وضبط وفهم مضمونها وسياقها، بالإضافة إلى العمل على نقدها (النقد الداخلي والخارجي) قصد بناء سرد تاريخي ذو مصداقية علمية، وفي الوقت نفسه يتوافق مع الإشكالية وأهم الفرضيات المطروحة للدراسة والمناقشة.
وفي هذا السياق المرتبط بجمع ودراسة الوثائق والنصوص التاريخية بوادي نون ومحيطها القبلي، على الباحث والمؤرخ أن يتريث في إصدار الأحكام عن أهم أحداثها أو الامتناع عن هذا الفعل إلى حين التأكد من كافة حيثيات هذا الحدث أو هذه الظاهرة بشتى الطرق والاستعانة بمختلف العلوم المساعدة، لأن إصدار أحكام قطعية يقف أحينا حائلا دون تطور علم التاريخ وأهم البنيات المرتبطة به؛ وهو ما يمكن الوقوف عليه على سبيل المثال في بعض الأمكنة من منطقة وادي نون في اتجاه محيطها القبلي من قبيل منطقة إليغ ومنطقة جبل باني ومنطقة لاخصاص، إذ مازالت تحتفظ مجتمعة على العديد من الروايات الشفهية والوثائق القديمة والقيمة التي يمكن أن تغني الحقل التاريخي، خاصة تلك التي مازالت محفوظة في صناديق خشبية قديمة وأخرى بداخل قوارير مصنوعة من الخشب كما وقفنا على ذلك خاصة أثناء تناول الحدث السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني المرتبط ببعض المعالم المعمارية التاريخية التي سبق وأن قمنا بدراسة بعض منها في هذا المجال الصحراوي وأهم امتداداته الجغرافية[21]؛ حيث اعتبرنا الروايات الشفهية الخاصة بهذا المجال بعد جمع بعضها من لدن الشيوخ، غير قطعية في تأكيد الحدث، بل تم التوصل فيما بعد إلى معطيات ووثائق أو نصوص على الخشب وغيره زادت من المعرفة التاريخية لهذه المنطقة، وفي الوقت نفسه أسهمت في تأكيد الرواية الشفهية أو تصحيحها أو نفيها.
ونورد في هذا الاطار المتعلق بأهمية النص التاريخي باختلافه في تصحيح الروايات الشفهية أو تأكيدها أو نفيها، ما يرتبط مثلا بتاريخ العمارة في المحيط القبلي لمنطقة وادي نون، وذلك من خلال مثالين نوضحهما على الشكل التالي:
- – المثال الأول: تحيل الروايات الشفهية بقبيلة لاخصاص التي تربطها بوادي نون علاقات تاريخية هامة، بناء وتشييد مجموعة من البنايات القديمة (أنظر الصورتين الفوتوغرافيتين أسفله: الصورة رقم 01 – 02) على أعالي جبال الأطلس الصغير إلى البرتغاليين خلال القرن 16م، وذلك بناء على تواتر الروايات من السلف إلى الخلف، إلا أن دراسة ومقارنة ما جاء في النصوص التاريخية لمجموعة من المؤرخين الذين درسوا هذه الفترة الزمنية من تاريخ المغرب، ينفي هذا الطرح التاريخي اعتمادا على وثائق ودراسات تخص فترة الوجود البرتغالي بالسواحل المغربية[22].
الصورة رقم 01: معلمة أكادير أونغيــر بمنطقة لاخصاص
الصورة رقم 02: معلمة أكادير نكـولي بمنطقة لاخصاص
- – المثال الثاني: إذا كان المثال الأول يوضح نفي النص التاريخي ما جاء في الروايات الشفهية، فإن المثال الثاني يوضح العكس، وذلك من خلال واحة أمتضي الواقعة شرق وادي نون، حيث تحيل مجموعة الروايات الشفهية بناء معلمة[23] “أكادير ايصضار” (أنظر الصورة أسفله: الصورة رقم 03) إلى أهالي قادمين من منطقة تامدولت بنواحي طاطا يلقبون بــ “إمـاريـرن”، الذين دخلوا في صراع حاد مع إحدى الفخذات الأصلية بهذه الواحة (فخذة إدشوو التي تسكن معلمة أكادير أوكلوي)، وهو ما نتج عنه مقتل جميع من ينتمي إلى فخذة “آل إماريرن”، باستثناء امرأة حامل تدعى “الزهرة بنت عبد الله أبو مسعود”، إذ استطاعت الهرب إلى بلدتها الأصلية إفران الأطلس الصغير، فأنجبت هناك ابنا سمته “محمد بن محمد بن براهيم الأمريري الأمتضيي” نسبة إلى أبيه وفخذته بواحة أمتضي. ولما بلغ سن الرشد تزوج وأعاد نسب أسرته وفخذته إلى هذه الواحة، وأقسموا على عدم ربط أي علاقة مصاهرة أو قرابة مع أهالي فخذة “إدشــوو”.
وهناك وثيقة تاريخية (أنظر الوثيقة أسفله) نصها يعبر بشكل غير مباشر عن صحة ما جاء في الروايات الشفهية، وذلك بخصوص معلمة ايصضار والصراع الذي نشب بين آل إمـاريـرن الوفدين إلى الواحة وآل إد شـــوو الأصليـون بها، بل إن هذا النص الأصلي الذي يعود إلى سنة 1758م صحح اسم الأم واسم الابن الأمـريري، حيث اختلفت بشأنهما الروايات الشفهية في كثير من اللقاءات والمناسبات.
لن تقف المقاربة المعرفية والمنهجية لدراسة النصوص التاريخية لوادي نون وتطوره عند هذا الحد المرتبط باستثمار مختلف المصادر المادية الملموسة، سواء كانت محلية أو وطنية أو أجنبية والحفاظ عليها من مختلف العوامل التي تلحق بها الأذى، بل إنها يجب أن تصل إلى توظيف البحث الميداني على غرار ما تم القيام به خلال إنجاز دراسات تاريخية سابقة ومهمة[24]، وذلك في التحديد الجغرافي للأماكن في ارتباطها بظاهرة جيولوجية أو أركيولوجية أو تاريخية، بالإضافة إلى ضرورة توظيف واستثمار ما يجود به اللسان الشفهي لهذه المنطقة الصحراوية[25] التي عرف عن ساكنتها عبر التاريخ تعاونا وصراعا[26] في الوقت نفسه بين الأصليين (اللمطيون – الجزوليون …) فيما بينهم من جهة أولى، ومن جهة ثانية بينهم وبين الرحل، خاصة الرحل العرب بعد قدومهم إلى المغرب إبان القرن 13م، حيث كانوا يبحثون عن الكلأ للقطعان ويعملون على تأمين المسالك والتحكم فيها لتنشيط الاسواق والمواسم، قصد امتهان التجارة وتنميتها في ظروف لم تكن قط سهلة في زمن ما كان يعرف بزمن “السيبة”[27]، إذ يختلفان (الأصليون والرحل) من حيث الانتماء الاثني وطبيعة النمط الاقتصادي الذي كان يعتمد على القبيلة وعلى علاقاتها الداخلية والخارجية، في تنسيق وارتباط حتمي بالمخزن المغربي الذي كان له عبر التاريخ دور مهم في التأثير بشكل أو بآخر في بنية القبيلة الصحراوية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ودينيا.
إن دراسة النص التاريخي وفهمه وتوظيفه في البحث العلمي، باستثمار مثل هذا النوع من المصادر التاريخية القيمة، بقدر ارتباطه بشكل أو بآخر باللسان الشفهي وبالذاكرة المحلية لوادي نون، وقدرتها على استيعاب مغزى البحث وتخزين المعلومات واسترجاعها، وإعادة توظيفها بشكل صحيح وعلمي بعيدا عن العاطفة والايديولوجيا، وغير ذلك من الظروف التي تؤثر بشكل سلبي على تحقيق الحدث ووضعه في سياقه التاريخي، يجب أن يصاحبه فعل منهجي ومعرفي محكم مرتبط بالحقل التاريخي ومرتبط ببقية الحقول العلمية الأخرى، وذلك على الشكل الذي فرضه الضابط الفرنسي ليوبولد جوستنار (Léopold Justinard) الذي حدد عدة شروط في خطابه الذي وجهه إلى ضباط الشؤون الأهلية أثناء قيامهم بالمهام الميدانية التي من شأنها ترسيخ الوجود الاستعماري، متمثلة في الصبر والأناة والحذاقة والذكاء والحظ، وضبط اللغة المحلية، بالإضافة إلى الاستعانة بالقليل من السلطة المتوفرة لدى هؤلاء الضباط[28]، وهو النهج نفسه الذي اتبعه العديد من الباحثين في تاريخ الجنوب المغربي بصفة عامة أمثال “آفــا عمر”، ولم يكن هؤلاء المؤرخون ليلجأوا إلى الروايات الشفهية لولا إحاطتهم التامة بالمنهج التاريخي وبسياق مضامين كل ما هو مكتوب حول مختلف البنيات التاريخية، باعتبار ذلك شرطا أساسيا لتحقيق الروايات الشفهية ومعرفة مدى صحتها ومدى مساهمتها في كتابة التاريخ أو إعادة كتابته من داخل النصوص والوثائق ….
ويُـعد الأخذ بمجمل هذه الشروط الميدانية، لإغناء التاريخ المكتوب من خلال النصوص والوثائق ونحوهما، عاملا حاسما في عدم الاستعانة بها بشكل كبير جدا في إنجاز مجموعة من الدراسات التاريخية السابقة والحالية بمنطقة وادي نون، مخافة الوقوع في المحظور التاريخي الذي يجعل الباحث يسقط في خطأ تحديد السياق التاريخي للحدث وتثمين التراث المجالي كيفما كان نوعه.
إن مختلف هذه الظروف المرتبطة بالميدان، تنفي توظيف العديد من الروايات الشفهية واستثمارها في دراسة النص التاريخي بشكل مهم، بسبب غياب السند أو ما يمكننا الاعتماد عليه للقيام بالمقارعة المصدرية والخروج بنتيجة مهمة على المستوى التاريخي[29]، رغم أن العديد من الروايات الشفهية كانت بمثابة الخزان الذي كان يلجأ إليه الانسان في وادي نون وغيره، بهدف تقنين وضبط مجمل علاقاته وتعاملاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية، قبل أن يهتدي الأفراد إلى التوثيق الذي لم يقض بشكل نهائي على الاتفاقات الشفهية عبر التاريخ وإلى حدود اليوم في العديد من المناطق الصحراوية المغربية بما فيها مناطق وادي نون.
ونستـدل في هذا الصدد المعبر عن أهمية الرواية الشفهية في كتابة النص التاريخي، بالمؤرخ والعلامة محمد المختار السوسي الذي أرخ للعديد من المناطق السوسية والصحراوية، خاصة من خلال مؤلفه “المعسول” ومؤلفه الآخر “من أفواه الرجال”، حيث اعتمد على الروايات الشفهية وما تستوجبه وتفرضه من شروط علمية تنفي إفساد التاريخ، بل تفتح المجال للمزيد من التنقيب والبحث عن تتمة الأحداث ووضعها في سياقها التاريخي؛ إذ لم يكن السوسي ليلجأ لهذا المصدر الشفهي[30] إلا بعد أن تعذر عليه إيجاد أو فهم أو تتمة السياق التاريخي لمجموعة من الأحداث التاريخية التي وردت في الوثائق سواء التي تم الاطلاع على مضمونها، أو الأخرى التي تعرضت للتلف أو الضياع أو تم إخفاؤها لظروف وأسباب متعددة مرتبطة بعقلية ومصالح أصحابها.
إن فهم النص التاريخي لوادي نون وغيره مرتبط بمصادر أخرى غير مكتوبة من قبيل الروايات الشفهية، هذه الأخيرة التي غيرت جدريا مفهوم التاريخ وجددته؛ إذ تم الانتقال في تناول علم التاريخ من الاقتصار على الأحداث الكبرى المرتبطة بالمجال من قبيل صراعات القبائل فيما بينها وعلاقاتها الخارجية خاصة مع المخزن والأجانب، إلى تناول التاريخ من خلال مختلف البنى المحلية اقتصادية واجتماعية … باعتبارها مفتاحا لفهم تاريخ عموم البلاد المغربية وتبيان العلاقة بين الهامش والمركز على جميع المستويات.
انطلاقا من ذلك، إن تثمين الروايات الشفهية وتوظيفها في البحث التاريخي لمنطقة وادي نون وفق مقاربة معرفية ومنهجية، تستوجب بلورة مشروع علمي يتضمن دورات تكوينية وتدريبية ويستثمر التجارب العلمية السابقة، قصد تشكيل فريق عمل متمكن ومتخصص في جمع الروايات الشفهية والتحقق منها، وهو ما سيمكن من إعداد وتحديد قوائم لمجموعة من الأشخاص الذين من شأنهم إغناء التاريخ الشفهي والكتابي لوادي نون ومحيطه القبلي، وذلك وفق شروط علمية أهمها مدى معاصرتهم للأحداث أو مشاركتهم فيها أو كانوا شهود عيان لها، بالإضافة عامل الثقة الواجب استحضارها في الشخص المستجوب لإنتاج المعرفة التاريخية.
إن فهم الأحداث والظواهر المتضمنة في مختلف الوثائق التاريخية بمجال وادي نون، تحتم على الباحث المؤرخ ضبط المقاربة المعرفية والمنهجية التي تساعده على الاحاطة بكافة الظروف التي فرضتها وتفرضها النصوص المتعامل معها، سواء من حيث طبيعة أسلوبها اللغوي (إما أن يكون واضحا محترما لقواعد اللغة، أو أسلوبا ركيكا عاميا لكون صاحبه محدود المعرفة والثقافة)، أو طبيعة الأخطاء الاملائية التي كانت شائعة، أو طبيعة المادة أو المداد الذي كتبت به النصوص ويتعرض بمرور الزمن للزوال بالنظر إلى ظروف الحفظ والخزن (الوثائق إما أن تكون مثنية أو مطوية أو بداخل قوارير مصنوعة من الخشب والقصب)، أو طبيعة ونوعية اللغة المستعملة فيها[31]؛ فإما أن تكون أجنبية (فرنسية أو اسبانية …)، وإما أن تكون أمازيغية بحروف عربية، وإما أن تكون عربية فصحى، أو عربية تزاوج بين الأمازيغية وغيرها من لهجات المجال الواسع، هذه الحالات المرتبطة بطبيعة اللغة هي نفسها التي اعترضتنا في مختلف الوثائق التاريخية التي عملنا على دراستها وتوظيفها في أكثر من سياق تاريخي يخص هذا المجال الصحراوي أو محيطه القبلي.
إن هذه الاشكالية اللغوية تفرض على الباحث والمتعلم بذل جهد مهم بهدف الإلمام وضبط مختلف مخارج الأصوات ومختلف أنواع اللغات واللهجات، خاصة اللغات واللهجات التي كانت مادة دسمة لتناول مجال وادي نون ومحيطه القبلي، قصد تحديد ظواهر الماضي البعيد والقريب ومعرفة ظروفها، وتدقيق ووضع الحدث في سياقه التاريخي من حيث الأسباب والنتائج، وبالتالي تصحيح مسار التاريخ وتطوره من خلال مختلف التلميحات اللسنية التي يمكن أن يلمح إليها مؤلف الوثيقة أو كاتب النص التاريخي، وذلك بشكل مباشر أو غير مباشر بواسطة الحروف والمعاني والألفاظ التي خُـططت بمختلف الأشكال والخطوط[32]، وهذا ما يقتضي الوقوف خلال مرحلة البحث التاريخي على كافة المفاهيم البشرية والجغرافية وغيرها (تحديد الإطار المفاهيمي أو وضع دليل لتفسير معجم الرصيد الوثائقي)، قصد الخروج بمجمل الاستنتاجات التاريخية التي يمكن أن تغني الحقل التاريخي بمستجدات وإشكاليات قابلة للنقد وإعادة البحث، مع العلم أن تحديد الجهاز المفاهيمي يكون حاضرا منذ مرحلة طرح الإشكالية إلى مرحلة التركيب، أي أن ضبط معاني المفاهيم بإعطائها بعدا تاريخيا[33] يسهم في توجيه البحث واستثمار معطياته حسب الإشكالية المطروحة.
ونورد في هذا السياق مثالا موضحا لما ذكر من خلال مفهوم “أصـلالـيـب” الذي ورد في لغة وثيقة تاريخية سبق أن تناولناها أثناء البحث في البنية الاقتصادية لمجال لوادي نون، وهو مفهوم تطلب منا البحث من داخل المعجم اللغوي المتداول بالمنطقة، والمتداول ايضا في مجموعة من الوثائق التاريخية الأخرى الخاصة بالنصف الأول من القرن العشرين الميلادي، وذلك قصد معرفته وتحديد دوره في الماضي، فتم التوصل إلى أنه مفهوم يهم الميدان التجاري والفلاحي؛ وبالضبط مفهوم مرتبط بتحديد مساحة الأرض وحدودها من خلال موضوع البيع والشراء، حيث جاء في الوثيقة ما مضمونه: “بإذن (…) ابتاع بحول الله وقوته التاجر (…) من البائع له (…) جميع ربع نصف أصلالـيـب الذي يحده قبلة حقلة (المقصود الحقل) محمد في البعض (…) حقلة (…) وغربا السكة (…) ويمينا السكة (المقصود الزقاق) الأخرى (…)”[34].
كما يجب على دارس الوثيقة حتى يستقيم البحث التاريخي، أن يتمتع بالقدرة على التمييز بين النصوص التاريخية من حيث مضمونها وبعدها المجتمعي[35] وفترتها الزمنية[36]، وهوية التوقيعات[37] التي تتذيلها، وهوية الخواتم التي تتخللها[38]، وهوية القبيلة أو المكان أو الجهة الصادرة[39] عنها إن أمكن ذلك، بفعل غياب مثل هذه المعطيات الهامة، لأسباب متعددة خاصة السياسية والاجتماعية، وعلى الباحث والمتعلم محاولة تحديد ومعرفة أصحاب النصوص التاريخية، خاصة العدول والموثقون بما فيهم العديد من التجار الذين يوثقون المواد التجارية المتعامل بها وما يتخلل معاملاتهم هذه من أمور أخرى مرتبطة بمختلف البنيات القبلية، لكون ذلك كله يساعد على التأكد في أغلب الأحيان من زمن الوثيقة والظروف والسياق الذي انجزت فيه، وأيضا التأكد من صدق فحوى المضمون وعدم تعرضه للتحريف أو التزوير أو النسخ الذي يطال النص الأصلي، وذلك انطلاقا من كاتبه وما عرف عنه في ميدان التاريخ ولدى الباحثين فيه[40] ولدى أهم الرواة الذين يتم الاعتماد عليهم في جمع الروايات الشفهية المساعدة كذلك على إدراك وفهم ووصف وتحليل البنيات والأحداث المرتبطة بها.
ث) – الحفاظ على النص التاريخي لوادي نون وتثمينه:
تحتاج النصوص التاريخية بمنطقة وادي نون إلى إنقاذها من الضياع[41] المتمثل خاصة في الخرم والارضة[42] ومختلف التأثيرات الجوية والبيئية، ومن سلوك التعامل معها وسوء الاستخدام وكثرته؛ وذلك من خلال اللمس الذي يطال الوثائق بطريقة غير سليمة خلال الاطلاع على مواضيعها من طرف مجموعة الباحثين، حيث يجهل العديد منهم أساليب وتقنيات التعامل مع الوثائق، خاصة تلك التي تكون في حالة فيزيائية ضعيفة جدا، وبالتالي وجب العمل بالتعقيم والمعالجة الكيميائية (التغليف – سد الثقوب التي تتخلل ورق الوثيقة التاريخية …) لضمان الحفاظ عليها واستدامة وجودها لدى مجموعة من الأسر التي تتوفر على خزائن ورصيد وثائقي مهم بوادي نون ومحيطه القبلي.
إلى جانب ذلك، يجب إنقاذ النصوص التاريخية بوادي نون من الجهل والأمية التي مازالت مرتبطة بمضمون وشكل وأنواع الوثائق والرموز التي تتخللها؛ إذ تفصح لنا العديد من الروايات الشفهية بمجال وادي نون ومحيطه القبلي عن اشكالية ربط هذه المصادر التاريخية الثمينة بمجموعة من المعتقدات الشعبية، وبأماكن وجود الكنز وبمسألة تحديد الأملاك العقارية وعدد نوبات الماء، وما يخلفه ذلك كله من نزاعات متعلقة بتحديد التركة وضبط موضوع الإرث أو ما شابهه من صراعات في المجالات القبلية لوادي نون والأطلس الصغير الغربي، اللذين يرتبطان بعلاقات تاريخية مهمة ومتنوعة مازالت تحتاج البحث والتقصي التاريخي، وبالتالي فتظافر الجهود الجماعية من لدن الباحثين والمتخصصين في التاريخ وغيره، أصبحت ضرورة ملحة لصيانة التراث الثقافي وتوثيق وحماية النصوص التاريخية وإنقاذها من الضياع والسرقة باختلاف أنواعها[43]، مما يُـفقد للسياق التاريخي العديد من معطياته وظروفه العلمية التي من شأنها إغناء البحث العلمي.
وفي هذا الإطار المتعلق بحماية وحفظ النص التاريخي من مختلف أنواع الضياع، يعتبر تدخل الوسائل التقليدية[44] والوسائل التكنولوجية وتعميق مستوى معرفتها[45] بهدف حفظ الوثائق التاريخية لوادي نون وغيره، أمرا ضروريا على غرار ما تم ويتم العمل به في الدول الغيورة على ماضيها، حيث يجب الاستعانة بالحواسيب والأدوات الرقمية وغيرها للحفاظ على الوثائق وتطوير طريقة الاطلاع عليها (تحويل الوثائق إلى صور رقمية على شكل ميكروفيلم … – الاستعلام عن الوثائق بالكلمات المفاتيح – عرض الوثائق بسرعة معلوماتية – الفهرسة والتصنيف والترتيب …)، وتوظيفها أحسن توظيف في كتابة أو إعادة كتابة تاريخ هذه المنطقة الصحراوية، التي عرفت بنياتها المختلفة عدة تحولات جدرية منذ أمد بعيد، خاصة منذ القرن الخامس عشر الميلادي إلى حدود منتصف القرن العشرين، إذ تعرضت للتدخل الاستعماري الذي تسبب في إحداث تغيير بنيوي مهم على شتى المستويات التي مازالت مادة دسمة للباحثين، وذلك بغية دراستها وتحديد علاقتها بالتاريخ الوطني ككل.
خــلاصــــة:
ختاما، لن يستطيع المؤرخ الباحث بمنطقة وادي نون التمكن من هذه المعرفة التاريخية والمنهجية المساعدة على انتاجها، إلا بعد المرور من تجربة علمية غير يسيرة تخللها التناول والتداول المستمر لكافة أنواع الوثائق والنصوص، بالإضافة إلى الإلمام بأحداث تاريخ هذه الفترة أو تلك انطلاقا من مختلف المصادر والمراجع، وهو ما سيسمح للباحث بأن يتمكن فيما بعد من استنتاج واستنباط وفهم المعنى التاريخي للوثائق، وتوظيفه فيما بعد على أحسن وجه في العملية التعليمية التعلمية بمختلف الأسلاك التربوية، خاصة فهم تلك النصوص التي لا تحترم أدوات الترقيم أو التي توجد بها فراغات إما مقصودة أو بترت لسبب من الأسباب كما أشرنا إلى ذلك آنفا، بالإضافة كذلك إلى نظيرتها الأخرى المتضمنة لجمل أو كلمات غير معروفة إما على المستوى البشري أو الجغرافي ونحوهما، مما يزيد من صعوبة إتمام وفهم الحدث أو نحوه، وهو ما يحتم في مثل هذه الحالات البحث عن المزيد من الروايات الشفهية والمزيد من الوثائق المكتوبة التي لم يُــطلع عليها بعد، قصد اتمام المعنى ووضعه في سياقه وربطه بالتاريخ الشمولي للبلاد؛ بهدف تأكيد الروابط الحاصلة في كل فترة على حدة، وتبيان دورها في تحقيق التلاحم وتأكيد ارتباط مختلف البنيات وتطورها سواء على المستوى المحلي أو الوطني.
إن الإلمام بالمقاربة المعرفية والمنهجية المرتبطة بتناول مختلف النصوص التاريخية بمنطقة وادي نون وغيرها، تسمح بإعادة إنتاج الوثيقة وإحيائها من جديد، مما ينتج عنه قابلية وسهولة توظيفها في المتن أو البحث التاريخي الذي يصبو إلى معالجة حدث أو ظاهرة تاريخية معينة يُـستفاد منها في الحاضر والمستقبل، بمعنى آخر، العمل على تحقيق الوثيقة ودراستها بشكل علمي، بدءا من الاستئناس بها وفهم مضمونها وتحديد نوعيتها وظروفها الزمنية والمكانية، بالإضافة إلى الوقوف على أهميتها العلمية على المستوى التاريخي ودورها في إغناء هذا الحقل وغيره من الحقول المعرفية الأخرى، وذلك بإبراز المستجدات التي أتت بها باعتبارها قابلة للنقاش والنقد العلمي، رغم النقص أو النواقص التي يمكن أن تتخلل المضمون والتحليل المتوصل إليه نتيجة نقص حاصل في المادة الخام المتوفرة، وذلك في انتظار الحصول على معطيات أخرى تجعل من علم التاريخ علما متجددا ومتحركا في الزمان والمكان، وهي الاشكالية التاريخية العامة التي يمكن للباحث المؤرخ أن يتناولها أو يشير إليها في الدراسة التاريخية، حتى يتسنى لبقية الباحثين إعادة البحث فيها ومحاولة الإجابة عنها، من خلال العمل بمفهوم التأويل والاستعانة بمجموعة من المصادر والمراجع والمقارعة بوثائق الفترة التاريخية نفسها، قصد تشفير هذه النواقص التي يمكن أن تذوب باتباع مثل هذه المقاربة المنهجية والمعرفية التي يجب الأخذ بها بدقة وحرص شديد.
إن هذا المقال الذي يتمحور حول موضوع ضرورة التمكن من مقاربة معرفية ومنهجية تساعد في التعامل العلمي مع النص أو الوثيقة التاريخية كيفما كان نوعها بمجال وادي نون وغيره، يهدف أيضا إلى إخراج التاريخ المحلي أو الجهوي من سجن الماضي أو غياهب النسيان، ومن متاهة التحليل والتفسير والتأويل غير العلمي أو المنطقي خدمة لإيديولوجيات[46] معينة ولأهداف استعمارية كانت سائدة إلى اليوم القريب، إلى محاولة إعادة كتابته خاصة على المستوى السياسي المرتبط بالدولة المغربية في علاقاتها مع مختلف الدول بما فيها الافريقية، حيث تتم العودة إلى هذا العلم قبل كل شيء لتمتين كل الروابط وتقويتها أكثر مما كانت عليه من قبل، وهو ما يحتم ضرورة توظيف النص أو الوثيقة التاريخية بشكل علمي يخدم مجمل مصالح الوطن ويعمل على إثبات هويته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية دون انقطاع في الزمن أو المكان.
ولن تتحقق هذه المقاربة التاريخية على المستوى المنهجي والمعرفي بشكل ايجابي، إلا بعد تطبيق جهوية موسعة على المستوى الثقافي الذي يولي للتاريخ أهمية واضحة تكمن في استحداث مراكز تربوية وتعليمية فعلية، وخزانات تعنى بحفظ وجمع وتصنيف ودراسة وتحقيق النصوص والوثائق المحلية، وليس إبعادها عن مجالها الأصلي الذي تنتمي إليه في اتجاه خزانات مركزية تحت عذر الجمع والحفظ، مما يبعدها عن المجال والبنية الفكرية الذي ولدت ونشأت فيه، حيث تُـتاح للمؤرخ الباحث إمكانية فهمها وتفسيرها وتأويلها واستثمارها بشكل صحيح انطلاقا من المصدر والأصل[47]، وفي هذا الصدد لن تكون الجامعات الجهوية المحلية حسب تعبيري بنظامها التعليمي التعلمي المتجدد، بالإضافة إلى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين في منأى عن هذا التوجه العلمي، بقدر ما ستكون فاعلة وموجهة له، سعيا إلى ايجاد حل نهائي إن صح القول لإشكالية دراسة وتناول النصوص المغربية بكافة أنواعها من حيث مختلف جوانبها العلمية والرقي بعلم التاريخ نحو التطور والتجدد.
إن البحث وتطوير التاريخ انطلاقا من المجال المحلي الجهوي باتباع مقاربة معرفية ومنهجية رصينة، لا يعني الفصل الثقافي على المستوى التاريخي بين “الهامش” و “المركز”، بقدر ما أن المجالين يجب أن يكونا في تعاون واتصال متين لا يضر أي منهما الآخر؛ إذ يجب أن يعملا على ضبط وتقنين المعاملات الثقافية بينهما وما يستوجبه ذلك من شروط تعمل على ترسيخ بنود وقوانين تصل في النهاية إلى نتيجة ضبط الحدث أو الظاهرة التاريخية، وإبراز دورها في ترابط مختلف بنى المغرب ككل، وتبيان التأثير والتأثر الحاصل فيما بينها عبر الزمن، ولن يتأتى ذلك إلا عبر تكوين مختصين في هذا العلم قادرين على توظيفه واستثماره والاستفادة منه بشكل ايجابي.
وفي الأخير سعيا وراء تحقيق جهوية موسعة تعود بالنفع على المعرفة التاريخية بمنطقة وادي نون، نقترح بتنسيق وعمل مع بعض المراكز والجامعات بالإضافة إلى مؤسسات أخرى على المستوى المركزي (أرشيف المغرب – الخزانة الحسنية – المديرية الملكية للوثائق – خزائن خاصة …)، تأسيس معهد جهوي أو ما شابهه (منظمة – أكاديمية – مركز …) توكل إليه مهمة التعامل المنهجي والمعرفي مع مختلف النصوص التاريخية، سواء النصوص المحلية أو الوطنية أو الأجنبية التي تناولت تاريخ هذه المنطقة الصحراوية، بالإضافة إلى ذلك يجب العمل في الوقت نفسه على عقد اتفاقيات وشراكات ثقافية تتبنى مشاريع هادفة يكون المتعلم والباحث والمؤرخ المحلي محورها، بهدف ضبط التاريخ الجهوي والبحث في العلاقات التي كانت تربطه بما هو وطني ودولي عبر التاريخ، وذلك بعيدا عن النقص أو التأويل الخاطئ أو النقد غير العلمي الذي شاب كتابات من سبقنا إلى دراسة هذا المجال.
الـبـيـبـلــــوغــــرافــيــــا
- الوثائق التاريخية:
- الوثيقة رقم: 13، المجلد 01، مصنفة بخزانة دار إليغ، فرع إنزكان، تحث إشراف الأستاذ بودميعة البخاري (الموضوع: التدخل الأوروبي في سواحل الجنوب المغربي).
- وثيقة مصنفة بخزانة دار بيروك بأكلميم: رسالة من السلطان المغربي إلى القائد دحمان بن بيروك الوادنوني، مؤرخة بيوم 20 صفر الخير عام 1326 هجرية/ 1908 ميلادية (الموضوع: تدخل السلطة المخزنية المغربية لمواجهة الضغوط الأوروبية في منطقة وادي نون خلال بداية القرن العشرين الميلادي).
- وثيقة مصنفة بخزانة دار بيروك بأكلميم: مؤرخة بيوم 10 جمادى الثانية عام 1360 هجرية، الموافق لسنة 1941 ميلادية (الموضوع: تحديد مساحة الأرض وحدودها بوادي نون قصد اتمام البيع والشراء).
- وثيقة حصلنا عليها من عند الحاج الشيخ محمد أمنكار الأمتضيي (نسخة من الوثيقة مدرجة في المتن أعلاه)، حول موضوع يهم معلمة أكادير ايصضار بواحة أمتضي، وذلك من خلال المسماة “الزهرة بنت عبد الله أبو مسعود” التي تصدقت على إبنها “محمد بن محمد بن براهيم الأمتضيي الأمريري” بجميع صداقها المرتب على أبيه الهالك عنها، الوثيقة مؤرخة بفاتح جمادى الأولى عام 1172 هجرية، الموافق لسنة 1758 ميلادية.
- المصادر والمراجع المعتمدة:
- – باللغة العربية:
- ابن عبد الله (عبد العزيز)، الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية، معلمة الصحراء، ملحق01، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، نشر: مطبعة فضالة، صفر 1396 هــ – فبراير 1976م.
- أمــزيـــغ عبد اللطيف، العمارة التاريخية بمنطقة وادي نون ومحيطها القبلي، رسالة لنيل شهادة الماستر في التاريخ، تحت إشراف الدكتور عز الدين بو النيت، جامعة ابن زهر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، الموسم الجامعي 2008م – 2009م.
- أمــزيــغ عبد اللطيف، وادي نون خلال القرن التاسع عشر، دراسة في البنية الثقافية والاجتماعية والتجارية، “أسرةآل بيـروك نموذجا”، أطروحة الدكتوراه في التاريخ تحت إشراف الدكتورين بوجمعة رويان، عـبـد العــزيـز بلـفـايـدة، جامعة ابن طفيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، القنيطرة، موسم2017م / 2018م.
البكري )أبو أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد عبيد الله(، المسالك والممالك، الجزء الثاني، تحقيق وفهرسة الدكتور جمال طلبة، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1424هــ/ 2003م.
بـوزنكـاض محمد، دراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء الأطلسية ما بين القرنين 17 و 20، الناشر: مركز الدراسات والأبحاث “مشاريع” (مدينة أسا)، المطبعة والوراقة الوطنية، زنقة أبو عبيدة، الحي المحمدي الداوديات، مراكش، الطبعة الأولى، 2012م.
- التوفيق (أحمد)، المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر (اينولتان 1850م/ 1912م)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، أطروحات ورسائل، رقم 01، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1403 هــ / 1983 م.
جرمان عياش، دراسات في تاريخ المغرب، نشر الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، 1986م.
حنداين محمد، المخزن وسوس، ( 1672 م / 1822 م )، مساهمة في دراسة تاريخ علاقة الدولة بالجهة، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى، يوليوز 2005م.
سعودي نور الدين، ظاهرة “السيبة” في مغرب القرن التاسع عشر، أطروحات حول السيبة، مجلة دار النيابة، مجلة فصلية وثائقية دراسية تعنى بتاريخ المغرب، طنجة، المغرب، العدد 09، 1986م.
- السوسي (محمد المختار)، المعسول، الجزء: 19، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1960م – 1963م.
السوسي (محمد المختار)، خلال جزولة، الجزء الثالث، الطبع بالمطبعة المهدية، تطوان، المغرب.
- العروي (عبد الله)، مجمل تاريخ المغرب، الجزء الأول، منشورات المركز الثقافي العربي، الطبعة الخامسة، 1996م.
- العروي (عبد الله)، مفهوم التاريخ، المفاهيم والأصول، الجزء الثاني، ، منشورات المركز الثقافي العربي، الطبعة الرابعة، 2005م.
- المراني (محمد)، الدور السياسي والاقتصادي لمنطقة وادي نون في القرن الخامس الهجري، أعمال ندوة واحات وادنون بوابة الصحراء المغربية، أيام 9 و10 و11 نونبر 1995م، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر – أكادير، مطبعة الهلال العربية للطباعة والنشر بالرباط، الطبعة الأولى، 1999م.
- ناعمي (مصطفى)، الصحراء من خلال بلاد تكنة، تاريخ العلاقات التجارية والسياسية، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، مطبعة عكاظ، الرباط، 1988م.
- الوزان (الحسن)، وصف إفريقيا، ترجمة عن الفرنسية: محمد حجي ومحمد الأخضر، الجزء الثاني (02)، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، دار الغرب الاسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1983م.
- – باللغة الأجنبية (الفرنسية والإسبانية):
De La Chapelle (Frédéric), Les tekna du sud Marocain: Etude géographique, Historique et sociologique, Publications du comité de l’afrique française, Paris 1934.
Montagne Robert, Les Berbères Et Le Makhzen Dans Le Sud Du Maroc, Essai sur la transformation politique des Berbères sédentaires (groupe chleuh). Ed Alcan , Paris, 1930.
Monteil (Vincent) , Notes sur les Tekna, Editions larose, 11 rue victore _cousin 11, paris )Ve( ,1948.
Du Puigaudeau (Odette) , Arts et coutumes des maures, Hespéris-Tamuda, Publié avec le concours du centre universitaire de la recherche scientifique, Vol IX. – Fascicule 1, 22. rue, du Béare, Rabat , 1968.
- Gatell (Joachim), L’oued –Noun et le tekna à la côte occidentale du Maroc, IN: Bulletin de la société de géographie (B.S.G), Paris, Octobre 1869.
Barbier (Maurice), Voyages et explorations au sahara occidental au XIXe siècle, Editions l’harmattan, 7, Rue de l’école-polytechnique 75005, Paris, 1985.
- Panet (Leopold), Première exploration du Sahara occidental, Relation d’un Voyage du Sénégal au Maroc en 1850, Le livre africain, Paris, 1968.
- Alonso (Del Barrio José Enrique), Las tribus del sahara, El Aaiun : Servicio de publicaciones del gobierno general de sahara, 1973.
Clemente (Manuel Mulero), Los territorios españoles del Sahara y sus grupos nómadas, Las palmas, 1945.
Miege (Jean Louis), Le Maroc et l’Europe (1830 – 1894), Edition la Porte, Rabat, 1989.
Montagne (Robert), Les berbères et le makhzen dans le sud du Maroc, essai sur la transformation politique des berbères sédentaires (groupe chleuh), Ed Alcan, Paris, 1930.
Ennaji (Mohamed) et Pascon (Paul), Le Maghzen et le sous Al-Aqsa, la correspondance politique de la maison d’Iligh (1821-1894), Ed. du C.N.R.S (centre national de la recherche scientifique), Paris et Toubkal, casablanca, maroc, 1988.
- Pascon (Paul), (avec la collaboration de A. Arrif, D. Schroeter, M. Tozy, H. Van Der Wusten), La maison d’Iligh et l’histoire sociale du Tazerwalt, Ed. Société marocaine des éditeurs réunis (S.M.E.R), Rabat, 1984.
- Léopold Justinard Colonel , Notes D’Histoire Et De Littérature Berbère, Les Haha Et Les Gens Du Sous , In Hespéris –Tamuda, Archives berbères et bulletin de l’institut des hautes études-marocaines, T 8, 1928, 3° – 4° Trimestre.
الهوامش:
-
– Frédéric de La Chapelle, Les Tekna du Sud Marocain, Etude Géographique, Historique, Sociologique Publications du: Comite de L’Afrique Française, Paris 1934, p:09.
Monteil Vincent , Notes Sur Les Tekna, Editions Larose, 11 Rue Victore _Cousin 11 paris )Ve( ,1948, p: 22. ↑
-
– De Pigaudeau Odette, Art Et Coutumes Des Maures, HESPÉRIS TAMUDA, Publié AVEC LE Concours DU CENTRE Universitaire DE LA RECHERCHE Scientifique , VOL. IX. – Fascicule 1, 22. RUE, DU Béare, RABAT , 1968, P: 136. ↑
- – رواية شفهية متداولة من حين إلى آخر بين السكان في مجال وادي نون ومحيطه القبلي. ↑
- – الرواية الشفوية الأكثر شيوعا بالمنطقة لدى الشيوخ والأهالي. ↑
- – نفسه. ↑
- – الوزان الحسن، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي وأحمد الأخضر، الجزء2، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، الطبعة الثانية، 1983 م، الهامش رقم 81، ص:108. ↑
- – ناعمي مصطفى، الصحراء من خلال بلاد تكنة، تاريخ العلاقات التجارية والسياسية، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، مطبعة عكاظ، الرباط، 1988م، ص: 12. ↑
- – بن عبد الله، عبد العزيز، الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية، معلمة الصحراء، ملحق01، الرباط، مطبعة فضالة، صفر 1396-فبراير 1976م، ص: 124. ↑
- – المراني محمد، الدور السياسي والاقتصادي لمنطقة وادي نون في القرن الخامس الهجري، من أعمال ندوة واحات وادنون بوابة الصحراء المغربية، أيام 9 و10 و11 نونبر 1995م، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مطبعة الهلال العربية للطباعة والنشر بالرباط، الطبعة الأولى، أكادير، 1999م، ص: 18. ↑
- – البكري، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد، المسالك والممالك، نشر دار الغرب الإسلامي، 1992 م، الجزء الثاني، ص: 853. ↑
- – Joachim Gatell, L’OUED_NOUN Et Le Tekna A La Cote Occidentale Du Maroc. IN: B.S.G.P, Octobre 1869, p:157.
JOACHIM GATELL: جغرافي فرنسي، زار مدينة أكلميم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر واستقر عند زعيمها بيروك، تجول بأحيائها واتصل بعدد كبير من سكانها. ↑
- – لا يمكن دراسة التاريخ بشكل أدق في تغـيـيـب تــام للوثيقة الأصلية لكونها في العديد من الحالات بمثابة مادة أولية تسمح بتحقيق الفهم والتحليل والتفسير باعتبارها عناصر علمية تسمح بقراءة مجموعة من المبررات التي تبرر أفعال وسلوكات ونوايا الآخرين في الماضي، ثم فيما بعد الاستعانة بالعلوم المساعدة للتاريخ، قصد فهم مختلف البنيات وتحليلها، أو بالأحرى انتاج المعرفة التاريخية التي سيتم تناولها فيما بعد من زوايا متعددة ينتج عنها تحقيق التاريخ وإعادة كتابته من خلال بناء سرد متناسق ومنسجم ينضبط للقواعد العلمية. ↑
- – يحقق النص التاريخي بشتى أشكاله وأنواعه فائدة تواصلية مهمة جدا بين المتعلمين أنفسهم من جهة أولى، ومن جهة ثانية بينهم وبين المدرس أو المؤرخ الباحث، ومن تجليات هذا التواصل النصي على المستوى التاريخي تبادل المعارف والمصادر المرتبطة بها، ناهيكم عن فائدة تواصلية أخرى تتمثل في ربط الماضي بالحاضر والاتعاظ منه، بالإضافة إلى التوصل إلى نتيجة هامة تكمن في الاقتناع بسلبية المعرفة الجاهزة ذات المواقف النهائية، وهو ما ينبذه النص التاريخي الذي يدعوا إلى بدل الجهد للحصول على المزيد من المواقف والمعارف المتجددة لنقده أو العكس، فيكون بالتالي الأستاذ الباحث أو المؤرخ ملزما بشكل إجباري في مثل هذه الحالات بنهج مقاربة ديداكتيكية جد مناسبة على المستوى التاريخي توصل المتعلمين إلى تحقيق هذه الفوائد مجتمعة. ↑
- – نورد في هذه الصدد مثال استعانة التاريخ بالكاربون 14 لتقدير عمر المواد العضوية، مثل الخشب والجلود والعديد من العينات القديمة والأثرية؛ وهو ما يعني محاولة الحصول على تاريخ تقريبي للنصوص المنقوشة أو المكتوبة على الأخشاب أو الجلود وغيرها، وبالتالي محاولة فهم المزيد من المعطيات والمعلومات التي تخص كل فترة تاريخية على حدة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي … . ↑
- – راجع بخصوص بعض من هذه الكتابات الأجنبية التي تعمل على تأويل الحدث والوقائع خدمة للأهداف الاستعمارية في عموم مناطق الجنوب بما فيها منطقة وادي نون:
Barbier Maurice, Voyages Et Explorations Au Sahara Occidental Au XIXe Siècle, Editions L’Harmattan, 7, Rue De L’école-polytechnique 75005, Paris, 1985, p : 110 – 111 –114 – 323 etc.
Panet Leopold, Première Exploration Du Sahara Occidental, Relation D’un Voyage Du Sénégal Au Maroc, Le Livre Africain, Paris, 1968.
Alonso, Del Barrio José Enrique, Las tribus del sahara, El Aaiun : Servicio de publicaciones del gobierno general de sahara, 1973.
Clemente, Manuel Mulero, Los territorios españoles del Sahara y sus grupos nómadas, Las palmas, 1945.
وهو المعنى نفسه الذي عبر عنه بشكل آخر البحاثة جرمان عياش في سياق انتقاده للكتابات التاريخية الأجنبية، بالقول: “أما فيما يتعلق بأمانة الانعكاس، فلا يمكن أن يوجد إلا انطلاقا من مادة الوثائق، تلك المادة التي حددنا طبيعتها بأن قلنا أنها وليدة الظروف بذاتها. لكن بمجرد ما يقع استعمال هذه المادة لإعداد تقرير يستوعبها ويهضمها إلا ويحتمل أن تتعرض لتشويه في طبيعتها ومعناها، اللهم إلا إذا كان الشخص الذي يوظفها مؤرخا يتسم بالموضوعية. على أن القنصل أو السفير قلما يلتزم بهذه الموضوعية عند تحريره لتقرير معين. وغالبا ما يقدم الأمور بشكل يمكن معه استثمار أو يؤدي إلى تعديل سياسة حكومته في الاتجاه الذي يريده. وإذا أضفنا أن تقاريره لا ترتكز بصفة عامة، باستثناء ما يتعلق ببعض المجالات المحدودة، على وثائق بما تحمل الكلمة من معنى، وإنما على أقوال مخبريه، وأدركنا كثرة الحواجز والعوامل المشوهة التي قد تنتصب بين بصرهم وبين الموضوع. وهذا ما يفسر كيفية أن المقارنة مع الصورة الجوية لا يمكن أن تؤخذ حرفيا على الرغم من أنها تبدو على جانب كبير من الايحاء (…) فلو أن الدول الأجنبية طالبت بتصدير الحبوب والماشية وحاول السلطان التملص من طلبها لتعالت صيحات أوروبا منددة بنزعة المغرب الأزلية إلى العيش منكمشا على نفسه” راجع بهذا الشأن: جرمان عياش، دراسات في تاريخ المغرب، نشر الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، 1986م، ص: 72 – 75.
رغم النقد المنهجي والمعرفي الذي طال الكتابات الأجنبية حول المغرب، إلا أنها أسهمت من خلال التدخل الاستعماري في توفير مجموعة من المعطيات والمعارف التي كان من الممكن عدم الحصول عليها أو إنتاجها، وهي معارف تاريخية همت مختلف أوضاع المجتمع المغربي؛ وعلى سبيل المثال فقد أتاحت التقارير الأوروبية إمكانية الوقوف على البنية الاقتصادية للمغرب خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك بالاطلاع على حجم الإنتاج ووضعية الميزان التجاري وعلاقته بتطور الدولة والمجتمع، وهي معطيات عمل العسكريون والضباط والديبلوماسيون على جمعها وتدوينها وأعادوا استثمارها وتوظيفها، ونستدل في هذا السياق بدراسة أسهمت في كتابة تاريخ المغرب من خلال:
Miege, Jean Louis, Le Maroc et l’Europe (1830 – 1894), Edition la Porte, Rabat, 1989. ↑
- – لا يعني ذلك نجاح الكتابة الوطنية والمحلية في إعادة كتابة تاريخ المغرب لأسباب عدة منها تقديس الوثيقة، بالإضافة إلى سبب آخر أشار إليه البحاثة عبد الله العروي الذي كان واضحا في انتقاده لمحدودية النقد الايديولوجي وسداجة الاستغرافية الوطنية التي لا تختلف عن نظيرتها الأجنبية بأي شيء، سواء على مستوى المنهج أو على مستوى تبني المفاهيم التاريخية نفسها، وهو ما عبر عنه بالقول: “بما أن التأليف الاستعماري كان مليئا بالأحكام السلبية، المبنية على مفاهيم مسبقة، غير مرتبطة ارتباطا عضويا بوقائع التاريخ المغربي، نشأ تأليف مغربي أخذ مادته من التأليف العربي القديم وعارض التأليف الاستعماري في أحكامه ومراميه، إلا أنه وافقه في مناهجه. هذا التأليف الوطني جديد بالنسبة لما سبق من تأليف عربي لكنه بالنسبة لمستوى البحث المعاصر، تقليدي كالتأليف الاستعماري، يعتمد مثله الوثيقة المكتوبة، سياسية أو أدبية، رسمية أو شخصية. يولي اهتمامه للحدث السياسي فوق أي حدث آخر ويحاكمه من زاوية مفهوم الدولة. الفرق بينه وبين التاريخ الاستعماري هو أنه لا يشك في وجود الدولة المغربية بل يفترضها كواقع قائم منذ بداية الحقبة الإسلامية، مستغلا لهذا الغرض إزدواجية معنى الكلمة عند ابن خلدون. حيثما كان حكم المؤرخ الاستعماري سلبيا كان حكم المؤرخ المغربي إيجابيا. يقول الأول: لم يؤسس المغاربة دولة بالمعنى الحقيقي (الروماني والأوروبي العصري) بسبب ضعف في البنية الاجتماعية ونقص في الفكر، فيجيب الثاني: نجحنا في تكوين دولة قوية كان المفروض أن تستمر في التقدم لولا الحملات الصليبية الاستعمارية المتوالية. يختلف الاثنان في الحكم والتقييم ويتفقان في رسم هدف التاريخ، يقول الإثنان: لنتعظ بدروس الماضي”، راجع بهذا الشأن: العروي عبد الله، مجمل تاريخ المغرب، الجزء الأول، منشورات المركز الثقافي العربي، الطبعة الخامسة، 1996م، ص. 17. ↑
- – استثمار مثل هؤلاء المؤرخون المغاربة لمفهوم التأويـل على الشاكلة التي عبر عنها فيما بعد المؤرخ والمفكر عبد الله العروي، باعتباره قيمة محورية يستطيع المؤول من خلاله أن يدرك عنصر التنسيق والوحدة باللجوء إلى الحدس لا بمفهوم التوهم العابر، بل بمعنى القناعة التي تستقر في النفس بعد طول المعاشرة والاستئناس مع النص، راجع بهذا الشأن:
العروي عبد الله، مفهوم التاريخ، المفاهيم والأصول، الجزء الثاني، منشورات المركز الثقافي العربي، الطبعة الرابعة، 2005م، ص. 313.
إن التأويل بهذا المعنى نفهم منه أنه يدرس النص التاريخي الذي بتـر جزء منه أو بعض من كلماته، وبالتالي وجب تفسيره بالتأويل العلمي الذي يفرض أيضا ربطه وتحديده بمجاله المكاني والزماني، لا بآخرين متباعدين من حيث المعنى وطريقة فهم مختلف البنيات والخصوصيات، ونورد مثالا مهما اطلعنا عليه في رسالة تاريخية حول منطقة وادي نون من خلال دار إلـيــغ (فرع انزكان، الوثيقة رقم 13، المجلد رقم 01) مؤرخة بيوم 22 دي الحجة عام 1278 هجرية تتطرق إلى الضغط الأجنبي على سواحل الصحراء المغربية، حيث نجد نص هذه الرسالة مبثورا بخصوص المرسل والمرسل إليه، بالإضافة إلى بثر مضامين أخرى تتخلل المتن في أكثر من مكان، وهو الأمر الذي حتم علينا العمل بالتأويل العلمي المرتبط بالإستئناس بالمزيد من الوثائق والمعارف التاريخية الأخرى من قبيل الاعتماد على الروايات الشفهية، بهدف استنتاج المعنى التاريخي وتحديد اطاره المكاني وسياقه الزمني.
والأمر نفسه ينطبق على نص تاريخي آخر (وثيقة تاريخية بحوزتنا) لرغبة صاحبه في عدم البوح بما في نفسه بشكل مباشر وواضح، وذلك من خلال رسالة سلطانية إلى القائد دحمان بن بيروك الوادنوني، مؤرخة بيوم 20 صفر الخير عام 1326 هجرية/ 1908 ميلادية، حيث وظف الكاتب مفهوم “الثائر” دون أن يسميه بقدر ما تطرق إلى أفعاله ومشاكله بمجال وادي نون، ليكون ذلك حافزا للدخول في تأويل علمي منطلق من مصادر معرفية تاريخية على وجه الخصوص من قبيل الروايات الشفهية من أجل تحديد وفهم مضمون النص أو الرسالة السلطانية.
وأخيرا وليس آخرا بخصوص موضوع التأويل التاريخي الذي تتعدد مظاهره، تجدر الإشارة إلى ضرورة استحضاره على المستوى الطوبونومي لتفسير نشوء وارتباط مجال معين بعدة أحداث جسيمة، وهو الأمر الذي ينطبق على مجال وادي نون والمناطق التابعة له (نول لمطة – تكاوست …)، إذ فهمنا من معناها الطوبونومي ومن الروايات الشفهية والتأويلات العلمية المصاحبة لذلك، العديد من المعطيات التاريخية التي غيرت مجرى التاريخ المجالي ككل (راجع بخصوص التأويل الطبونومي بخصوص وادي نون أو مجال تكنة كمفهوم لاحق، أمزيغ عبد اللطيف، وادي نون خلال القرن التاسع عشر، دراسة في البنية الثقافية والاجتماعية والتجارية، “أسرةآل بيـروك نموذجا“، أطروحة الدكتوراه في التاريخ تحت إشراف الدكتورين بوجمعة رويان، عـبـد العــزيـز بلـفـايـدة، جامعة ابن طفيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، القنيطرة، موسم2017م / 2018م، صص : 71 – 114. ↑
- – لقد تم تناول الحدث التاريخي بمجال وادي نون كيفما كان نوعه بشكل عام في ارتباط بالدولة ومصادرها ووثائقها المخزنية، أكثر من تناوله بشكل خاص في علاقته بالمكان المعني أو الظروف الزمنية والسياق التاريخي الذي يحيط به من خلال الوثائق المحلية الدفينة أو الظاهرة من هذه الجهة أو تلك، مما يساعد على فهم بنيته بشكل خاص قبل الانتقال إلى ربطه بما هو عام يسمح بإغناء التاريخ الوطني وإعادة كتابته وتشكله من جديد. ↑
- – بخصوص هذه الاشكالية التاريخية المرتبطة بتناول واستثمار النص التاريخي الأجنبي لكتابة تاريخ وادي نون، تجدر الاشارة إلى أنه رغم كثرة التقارير الأجنبية حول هذا المجال وغيره، إلا أن الأجانب لم يتمكنوا من تغطية كافة المناطق رغم ما بدلوه من جهد ومن توظيف هام لمختلف الوسائل المادية والعسكرية والسياسية والادارية، بسبب المشاكل الجغرافية وصعوبة الغوص في فهم العديد من البنيات المشكلة لتطور المجتمع الصحراوي المترامي الأطراف والمترابط في الآن ذاته (بسبب ثنائية الاستقرار والترحال وغيره من الأسباب الأخرى بما فيها الاقتصادية)، بالإضافة إلى ارتباط عملهم بتوطيد الغزو لا غيره من خلال تقسيم خضع فيه المغرب وجنوبه موضوع هذه الدراسة سنة 1912 ميلادية إلى قسمين؛ مجال تحت النفوذ الفرنسي وآخر تحت النفوذ الاسباني، مما أدى إلى تضارب معنى الحدث داخل الكتابات الأوروبية حول وادي نون الذي قسم بدوره إلى مجالين استعماريين، مما أدى إلى فهم وتناول غير علمي لبنياته من قبل الكتاب الكولونياليين. ↑
- – توجد بمنطقة وادي نون ومحيطها القبلي العديد من الأسر والخزائن التاريخية التي مازالت تحتاج إلى التصنيف والدراسة العلمية التي من شأنها إعادة كتابة التاريخ الجهوي وفق مقاربة معرفية ومنهجية تتماشى مع ما استجد من معطيات ووثائق تاريخية. ↑
- – أمزيغ عبد اللطيف، العمارة التاريخية بمنطقة وادي نون ومحيطها القبلي، رسالة لنيل شهادة الماستر في التاريخ، تحت إشراف الدكتور عز الدين بو النيت، جامعة ابن زهر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، الموسم الجامعي 2008م – 2009م، ص: 87 – 104. ↑
- – بخصوص مناقشة وتحليل هذه الإشكالية المرتبطة بصحة ونفي تشييد البرتغاليين لبعض المعالم المعمارية بقبيلة لاخصاص، راجع:
أمزيغ عبد اللطيف، العمارة التاريخية بمنطقة وادي نون ومحيطها القبلي، مرجع سابق، ص. 164 – 165. ↑
- – للمزيد من المعطيات حول تاريخ هذه المعلمة والروايات الشفهية المرتبطة بها، راجع:
نفسه، ص. 96 – 97. ↑
- – نذكر من بينها:
- التوفيق أحمد، المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر (اينولتان 1850م – 1912م)، منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، أطروحات ورسائل، رقم 01، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1403 هــ / 1983 م.
- Montagne Robert, Les Berbères Et Le Makhzen Dans Le Sud Du Maroc, Essai sur la transformation politique des Berbères sédentaires (groupe chleuh). Ed Alcan , Paris, 1930.
- – عُــرف تاريخ مجتمع الصحراء بطابعه الشفهي، بسبب غياب الاهتمام والإلمام بعلم التاريخ وأهميته، بالإضافة إلى الانقسام الذي شهده المجال الصحراوي من خلال إنقسام القبائل إلى عدة أحلاف، وسيادة تراتبية اجتماعية وظيفية وغير ديمقراطية تؤرخ للأقوى (حملة السلاح – الزوايا …) وتحاول في الوقت نفسه أن تنفي تاريخ الفئات الأخرى التي توجد بأسفل الهرم الاجتماعي (العبيد – الحراطين …)، إلى جانب ذلك نجد اختلاف الرؤى والمصالح المجالية والايديولوجية، مما نتج عنه الحديث عن اشكالية كتابة التاريخ وتدوين مختلف أحداثه.
للمزيد من المعطيات حول اشكالية الكتابة بالصحراء، راجع:
بـوزنكـاض محمد، دراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء الأطلسية ما بين القرنين 17 و 20، الناشر: مركز الدراسات والأبحاث “مشاريع” (مدينة أسا)، المطبعة والوراقة الوطنية، زنقة أبو عبيدة، الحي المحمدي الداوديات، مراكش، الطبعة الأولى، 2012م، من ص. 30 إلى ص. 37. ↑
- – راجع بخصوص هذه الإشكالية التاريخية:
أمزيغ عبد اللطيف، وادي نون خلال القرن التاسع عشر، دراسة في البنية الثقافية والاجتماعية والتجارية، “أسرة آل بيـروك نموذجا“، مرجع سابق، من ص. 71 إلى ص. 114. ↑
- – يمكن تعريف هذا المفهوم التاريخي من خلال نقطتين أساسيتين:
- تناولت العديد من الدراسات مفهوم “بلاد السيبة” بمقابلته بمفهوم “بلاد المخزن“، إلا أن هذه الثنائية (السيبة والمخزن) تبين أنها من انتاج المستعمر، بهدف اختراق البلاد من خلال التحريض على القيام بانتفاضات قبلية لم تكن تقتصر على المغرب فقط، بقدر ما نجدها في بلدان أخرى كظاهرة تاريخية استغلت من طرف الكولونياليين بعيدا عن المنطق والظروف والسياق التاريخي الذي مر منه كل مجال جغرافي على حدة. إن انتفاضات قبائل “مجال السيبة” ليست انتفاضات عشوائية، بقدر ما هي انتفاضات مقننة وواعية يرغب من خلالها القواد والشيوخ بتجاوز مشاكلهم المجالية المختلفة وفي الوقت نفسه المشاركة في تسيير حكم الدولة، وليس الانفصال عنها وإلحاق الضرر بها، بدليل اعترافهم بالسلطان دينيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
- إن “السيبة” في المجالات القبلية التي كانت بعيدة عن المركز(إنحدار نفوذ وقوة الدولة كلما ابتعدنا عن هذا المركز المخزني)، وما ينتج عن ذلك من قلاقل مختلفة للدولة، بالإضافة إلى ضعف بنيتها الاقتصادية وغير ذلك من المشاكل الأخرى، يعني عدم قدرتها على أداء الجبايات وتحمل إقامة المحلات المخزنية …، وبالتالي فقد عمد المخزن المغربي خاصة في القرن 19م على تركها على عوائدها، بالعمل وفق الشرع والعرف اللذين كان لهما دور هام في إقرار الأمن وتأكيد التبعية للمركز عبر التاريخ، وذلك بالدعاء للسلطان والاعتراف بسيادته عكس ما تدعيه العديد من الكتابات الكولونيالية.
- للمزيد من المعطيات التاريخية حول هذا الموضوع يمكن العودة إلى مجموعة من الدراسات من أهمها:
حنداين محمد، المخزن وسوس، ( 1672 م / 1822 م )، مساهمة في دراسة تاريخ علاقة الدولة بالجهة، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى، يوليوز 2005م.
سعودي نور الدين، ظاهرة “السيبة” في مغرب القرن التاسع عشر، أطروحات حول السيبة، مجلة دار النيابة، مجلة فصلية وثائقية دراسية تعنى بتاريخ المغرب، طنجة، المغرب، العدد 09، 1986م، من ص. 37 إلى ص. 45.
Montagne Robert, Les berbères et le makhzen dans le sud du Maroc, essai sur la transformation politique des berbères sédentaires (groupe chleuh), Ed Alcan, Paris, 1930.
Ennaji Mohamed et Pascon Paul, Le Maghzen et le sous Al-Aqsa, la correspondance politique de la maison d’Iligh (1821-1894), Ed. du C.N.R.S (centre national de la recherche scientifique), Paris et Toubkal, casablanca, maroc, 1988.
Pascon Paul, (avec la collaboration de A. Arrif, D. Schroeter, M. Tozy, H. Van Der Wusten), La maison d’Iligh et l’histoire sociale du Tazerwalt, Ed. Société marocaine des éditeurs réunis (S.M.E.R), Rabat, 1984. ↑
-
– Léopold Justinard Colonel , Notes D’Histoire Et De Littérature Berbère, Les Haha Et Les Gens Du Sous , In Hespéris –Tamuda, Archives berbères et bulletin de l’institut des hautes études-marocaines, T 8, 1928, 3° – 4° Trimestre, P : 333- 334.↑
- – لاستنتاج المزيد من المعطيات حول هذه الاشكالية، راجع معطيات المتن السابق بخصوص مفهوم التأويل وعلاقته بالروايات الشفهية بوادي نون ودوره في بناء وإغناء النص التاريخي وتوظيفه بشكل علمي.
لتوضيح هذه الاشكالية يمكن مراجعة الهامش رقم 18 من خلال الوثيقة المؤرخة بيوم 20 صفر الخير عام 1326 هجرية/ 1908 ميلادية، حيث وظف الكاتب مفهوم “الثائر” دون أن يسميه بقدر ما تطرق إلى أفعاله ومشاكله بمجال وادي نون، والبحث من داخل الرواية الشفوية عن المقصود بــ “الثائر” اصطدم بعدة مشاكل مرتبطة بهذه الآلية البحثية الميدانية، مما حدا بنا إلى عدم الاعتماد عليها قصد تفادي الوقوع في التأريخ بالخطأ، فكان الحل هو اللجوء إلى المقارعة بالمصادر المعرفية الأخرى بما فيها نصوص الوثائق. ↑
- – رغم اعتماد محمد المختار السوسي على الرواية الشفهية لكتابة النص التاريخي، إلا أنه لم يستطع الإحاطة بكل حيثيات بعض الأحداث التاريخية ومجمل ظروفها؛ وهو ما تجلى في تناوله التاريخي لمنطقة وادي نون من خلال مجموعة من الأمثلة من قبيل إحاطته بتاريخ أسرة آل بيروك، حيث لم يحسم في أصل ونسب ومجال انتشار ووجود هذه الأسرة، إذ اكتفى بالقول بأنها: “جعفرية النسب لكن ليس في أيدي الأسرة ما يشهد لذلك” (السوسي، محمد المختار، المعسول، الجزء: 19، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1960 – 1963، ص. 273)، ويضيف أيضا ما مفاده بأنها تعود في أصولها إلى قرية أيت وابـلـي الواقعة في شرق منطقة وادي نون (السوسي، محمد المختار، خلال جزولة، الجزء الثالث، الطبع بالمطبعة المهدية، تطوان، المغرب، ص. 42.)، وهي الحالة العلمية التي استدعت البحث من داخل باقي المصادر والدراسات التاريخية والمعرفية الأخرى.
للمزيد من المعطيات حول هذه الإشكالية المرتبطة بأصل ونسب ووجود آل بيروك بوادي نون من خلال ما ورد في الرواية الشفهية وما ورد في المصادر والدراسات التاريخية، راجع:
أمزيغ عبد اللطيف، وادي نون خلال القرن التاسع عشر، مرجع سابق، من ص: 292 إلى ص. 299. ↑
- – اللغة المستعملة في الوثائق بمثابة اشكالية تعرض لها العديد من الباحثين في الحقل التاريخي المغربي، من بينهم البحاثة عبد الله العروي الذي نادى إلى إقرار دراسة اللهجات حسب توزيعها الجغرافي وتطورها الزماني … ، وتعد الفيلولوجيا (علم اللغات) في هذا السياق من بين العلوم المساعدة للتاريخ، فلفهم نص تاريخي ما، ينبغي أولا معرفة اللغة التي كـتب بها، حيث تعد كل كلمة بمثابة فكرة مركبة لها معان كثيرة تختلف حسب الزمان والمكان، وبالتالي فقد وجب على الباحث بوادي نون الإلمام بمختلف الظروف اللغوية واللسنية، من قبيل الإلمام بمؤلفي الفترة التي يبحث فيها، وذلك من حيث لغة وطريقة الكتابة الخاصة بكل واحد منهم، بالإضافة إلى العلم بأن تفسير كل كلمة أو جملة لا يكون مفردا بل يكون بحسب المعنى العام لعموم النص التاريخي وسياقه. ↑
- – من خلال التداول المستمر لوثائق مجال وادي نون يجب على الباحث والمتعلم أن يتمكن من التمييز بين كافة الخطوط اللغوية التي كتبت بها مختلف النصوص، نظرا لاختلافها وصعوبة فهم بعضها، مما يتطلب الاستعانة بمتخصصين لقراءتها وإعادة كتابتها وإنتاج المعرفة التاريخية. ↑
- – تتغير معاني المفاهيم بمرور الزمن، وبالتالي وجب ارجاعها إلى الفترة التي تنتمي إليها، أي إلى الفترة التاريخية التي يتحدث عنها النص الأصلي، قصد تفادي الوقوع في الخلط والفهم الخاطئ للبنى التاريخية من خلال اسقاط ثقافة الحاضر على ثقافة الماضي، وهو ما يؤثر بشكل سلبي في دراسة الإشكالية المطروحة. ↑
- – وثيقة تاريخية بحوزتنا، مؤرخة بيوم 10 جمادى الثانية عام 1360 هجرية، الموافق لسنة 1941 ميلادية. ↑
- – يدرس النص التاريخي بوادي نون البعد المجتمعي من خلال القدرة على تفسير الحياة المادية والذهنية للمجتمع وتغيرها بمرور الزمن سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي … ↑
- – إن العديد من النصوص التاريخية بوادي نون باختلاف أنواعها تغفل التصريح بالتاريخ أو زمن الحدث الذي تتحدث عنه، وبالتالي فباستطاعة المؤرخ الباحث من خلال نوع الخط ونوع الحبر الذي كتبت به، ونوع الورق وحجمه ومقاسه إن هو واقف على الوثيقة الأصلية، أن يحدد التاريخ إما بشكل قاطع أو بشكل تقريبي، مما سيسمح له بوضع النص في سياقه التاريخي بتحديد الأسباب والنتائج. ↑
- – يعتبر التوقيع اشكالية تعترض دراسة العديد من الوثائق والنصوص بوادي نون، إذ يكون إما منتفيا غائبا، أو موجودا على شكل اسم صاحب النص التاريخي، ولكن بشكل وبطريقة يصعب فهمها وقراءتها وتحديدها بسهولة، وهذا ما يزيد من صعوبة التفحص والتدقيق، وبالتالي التخلص من الوثيقة والانتقال لدراسة الأخرى واتمام أو إنهاء الدراسة قيد الانجاز. ↑
- – سواء كانت رسمية تابعة لأجهزة الدولة أو خاصة تابعة للقبائل والقواد والعدول وغيرهم، حيث كانت هذه الخواتم تقوم في بعض الأحيان مقام التوقيع الخطي، كما أنها تدل على هوية الدولة أو القبيلة أو العشيرة أو غيرها على المستوى الاقتصادي والسياسي …، مما يمنحها صفة الوجود الفعلي والحقيقي على أرض الواقع في هذا المجال أ ذاك في علاقة بالآخر ومختلف الظروف. وفي حالة تعذر فهم الخواتم ومضمونها فعلى الباحث الإلمام بما يسمى بعلم “الرنوك” الذي يتتبع دراسة الشعارات والعلامات التي كانت تظهر على الخواتم والملابس وغيرهما، باعتبار هذا العلم يساعد كذلك على تحديد الزمن والمجال الجغرافي المعني وأيضا تحديد صاحب الوثيقة، خاصة إذا تم ربطها بمضامين وثائق مقارنة وبالذاكرة الشفهية. ↑
- – على الباحث في تاريخ منطقة وادي نون تحديد مصدر وثائقه ونقذها، وذلك حتى يتسنى له تمحيص أخباره عن الماضي وفهمها وتفسيرها، وبالتالي التمكن من حماية مادته المعرفية من الوقوع في الأخطاء والوصول إلى نتائج زائفة من خلال نصوص مزيفة ومنحولة … .
ويضطلع البعد المكاني في النص التاريخي بوادي نون بأدوار مهمة في الرقي بالحث العلمي؛ حيث يسهم في تحديد وضبط وفهم الإشكالية وأهم الأحداث المراد دراستها ومناقشتها، بالإضافة إلى دوره أيضا في تحديد مفاهيم الوثيقة وتوطين الأعلام البشرية والجغرافية … . ↑
- – يعتبر التساؤل عن هوية مؤلف الوثيقة أو كاتبها من الاشكالات التاريخية المهمة جدا؛ حيث يجب التعريف به وبقيمته العلمية والأخلاقية ودرجة اتصاله بحدث النص ومعاصرته له، أو بالأحرى بمجمل أحداث المجال الجغرافي الذي ينتمي إليه (شاهد عيان، عدول، مالك مذكرات، قائد قبلي أو مخزني …)، لأهمية ذلك كله في تحقيق وإضفاء صبغة العلمية على النص التاريخي وتحديد سياقه.
وتجذر الإشارة إلى أن إشكالية تحديد ومعرفة وتحقيق هوية صاحب النص التاريخي، وأهميته ودوره في توجيه الأحداث في المجتمع الصحراوي من قبل الباحثين بوادي نون، هي الإشكالية نفسها التي ركزت عليها شخصيات الوثائق التاريخية باعتبارها شخصيات مشاركة ومعنية بالحدث، ونورد في هذا السياق ما ورد في إحدى الوثائق (وثيقة تاريخية بحوزتنا) من خلال ما نصه: “لا يبقى من أيام الذي كان بينه وبين أخينا عالي قليل ولا كثير ان يبعثوا لي به بخط الشهود التقات (المقصود: التقاة) المعرفين خطوطهم بعد اخباركم لي في الدبيش وأنا لا أنتظر إلا جوابكم”، المصدر: رسالة من التاجر إبراهيم بن محمد العريبي بتنبكتو إلى التاجر محمد بن العريبي بأكلميم حول بعض المعاملات والقضايا التجارية التي جمعت بينهما، بتاريخ 26 ربيع الثاني عام 1334 هجرية. ↑
- – تجدر الإشارة بخصوص هذه الإشكالية إلى أن العديد من النصوص والوثائق التاريخية بمنطقة وادي نون، قد تعرضت في ما مضى لجميع أنواع التلف والإهمال، ولم يعد لها وجود إلا في الذاكرة والروايات الشفهية التي يتم تداولها من جيل إلى آخر؛ حيث كانت صلاحية مجموعة من الوثائق تنتهي بانتهاء مفعول مضمونها ودورها على أرض الواقع، كما هو الحال بخصوص مجموعة من الوثائق التجارية التي كانت تتعرض للقطع أو الحرق أو نحوهما، وذلك بمجرد انتهاء عملية البيع والشراء في الأسواق والمواسم وأهم المراكز ذات الصيت، وهذا ما تؤكده بعض الروايات الشفهية التي تخص فترة القرن التاسع عشر الميلادي. ↑
- – إن الحالة المادية لمجموعة مهمة من الوثائق والنصوص التاريخية بوادي نون ومحيطها القبلي (خزائن وادي نون – خزانة إليغ …)، إما في حالة جيدة تسمح بالقراءة واستخلاص المعاني التاريخية وإعادة توظيفها في المتن، وإما في حالة رديئة نتيجة الضرر الذي لحق بها من خــرم وأرضة أو نحوهما، مما جعل استثمارها صعبا في كتابة التاريخ المحلي أو الجهوي لهذه المنطقة الصحراوية. ↑
- – حماية النصوص التاريخية وتوثيقها بوادي نون يجب أن يتم من خلال تفعيل مدونة تشريعية قانونية وتنظيمية، والعمل في الوقت نفسه على تنمية الوعي الوثائقي الهادف إلى بعث الحياة في آلاف الأوراق التاريخية، بالإضافة إلى ضرورة تشجيع مالكيها على تقديمها أو على الأقل نسخ منها إلى المؤسسات والمراكز المعنية بعلم التاريخ، بهدف جمعها وحفظها وتصنيفها وفهرستها وفق أسس علمية وآليات عمل تراعي الدقة والموضوعية. ↑
- – يقصد بالوسائل التقليدية لحفظ النصوص التاريخية باختلافها التقيد بشروط ما يسمى بــ “علم الوثائق”، الذي يهتم بالتوثيق وينظم عمليات الوثائق ويصنفها (حسب: الزمن – المكان – الموضوع – خاصة أو عامة …) ويرتبها ويفهرسها، ويجمعها في مجلدات أو قوائم أو نحوهما للعودة إليها كلما اقتضت الضرورة ذلك، وفق شروط علمية وظروف سهلة وميسرة تشجع على البحث العلمي. ↑
- – لن تتأتى إمكانية تعميق وتوظيف المعرفة المعلوماتية في الميدان التاريخي بمنطقة وادي نون، إلا من خلال استفادة العاملين والباحثين والمهتمين بحماية التراث الثقافي من دورات تكوينية دورية ومنتظمة، بالإضافة إلى العمل على تبادل الخبرات التكنولوجية والمعرفية مع كافة المتدخلين من خلال ندوات ومشاركات محلية ووطنية ودولية، وهو ما سيساعد على تحقيق عدة أهداف من أهمها:
التمكن من آلية الخزن الآلي المعلوماتي للنصوص التاريخية، وضمان تأمينها بصيغ تكنولوجية وبرامج متعددة تسمح بسهولة الاطلاع والتوظيف والفهرسة … .
التمكن من المعرفة التكنولوجية الخاصة بفحص الوثائق من حيث مجموعة من الشروط والضوابط العلمية الواجب توفرها في النصوص التاريخية الأصلية؛ من قبيل التأكد من عدم تزويرها أو كونها وثائق منحولة (انتحل – ينتحل – انتحالا – فهو منتحل –والمفعول منتحل – انتحل الشيء: ادعاه لنفسه وهو لغيره)، وبالتالي فالاستعانة بالخبراء والأجهزة التقنية … كفيل بكتابة التاريخ أو إعادة كتابته من جديد. ↑
- – على الباحث في تاريخ منطقة وادي نون ومحيطها القبلي، أن يدرس الحقيقة التاريخية بموضوعية وبعيدا عن الذاتية، وذلك بأن تكون مرتبطة بدليل مكتوب أو دليل مادي ملموس؛ بمعنى أن يتم التوصل إلى استنتاجات عن طريق تحر حيادي وعلمي يسمح للباحثين في مختلف العلوم الانسانية إخضاعها للبحث والنقد والمناقشة. ↑
- – إن دراسة النصوص التاريخية تقتضي عدم تجريد مادتها المعرفية عن زمانها وعن الحضارة أو المكان الذي أنتجها؛ فكل تجريد من هذا القبيل لمعناها ومغزاها الصحيح، يقود إما إلى فهم جزئي للظاهرة التاريخية، أو يقود إلى سوء فهم كلي لها. ↑