د. محمود صبحي سيد أحمد شاهين1
1 الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية بكلية العلوم والآداب بطبرجل، جامعة الجوف بالمملكة العربية السعودية
بريد الكتروني: msshahin@ju.edu.sa
HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3310
تاريخ النشر: 01/03/2022م تاريخ القبول: 16/02/2022م
المستخلص
تعد هذه الدراسة تحليلا فنيا لرسالة نثرية لأحد أعلام النثر في العصر العباسي وهو أبو إسحاق الصابي؛ بغية الوقوف على ما تضمنته من أساليب فنية متنوعة وألوان بلاغية متباينة، وما تخللها من سجع طغى على معظم فقراتها قام بدور موسيقي ملحوظ.
“Al-Sabi” letter to “Al-Sahib bin Abbad” “A Technical Study”
Dr. Mahmoud Sobhy Sayed Ahmed Shahin1
1 Assistant Professor, Department of Arabic Language, College of Science and Arts, Tabarjal – Al-Jouf University, Kingdom of Saudi Arabia.
E-mail: msshahin@ju.edu.sa
HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3310
Published at 01/03/2022 Accepted at 16/02/2021
Abstract
This study is a technical analysis of a prose message for one of the prose figures of the Abbasid era, Abu Ishaq al-Sabi; In order to find out the various artistic styles it included and different rhetorical colors, as well as the rhymed sentences that permeated most of its paragraphs, which played a remarkable musical role in the letter.
Key Words: Abbasid era, artistic prose, Al-Sabi, Al-Sahib bin Abbad.
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين والصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد…
فغير منكور أن أدب الرسائل في النثر الأدبي يتميز بحضور طاغ؛ لما يتبوأه من منزلة رفيعة بين أجناس الأدب وفنونه؛ هذا بالإضافة إلى ما اضطلع به من أدوار ووظائف في الحياة الأدبية والاجتماعية والدينية والسياسية والإدارية. حتى بات يشكل جنسا أدبيا قائما بذاته، إذ تنضوي تحته أنواع مختلفة أسلوبا وموضوعا، والمتنوعة غرضا ومقصدا، والمتفاوتة جمالا وتأثيرا.
ومن بين هذه الأنواع التي أفرزها أدب الرسائل تلك الرسائل الشخصية التي هي فرع من فروع الرسائل الإخوانية التي نمت نموا واسعا في العصر العباسي، إذ إنها تصور عواطف الكتاب ومشاعرهم من تهنئة أو تعزية أو عتاب أو اعتذار أو استعطاف أو مديح أو هجاء، وهذا ما مازها في هذا العصر من غيره من العصور التي كان يؤدى فيها هذا اللون شعرا.
وقد قيض الله لهذا الفن النثري ثلة من الكتاب الذين برعوا بثقافتهم في تحبير الكلام وتجويده وتنميقه، فراحوا يودعون الأساليب المبتكرة والمعاني الأنف والصور الفنية الساحرة؛ الأمر الذي دفعني للولوج إلى ساح هذا الفن على رحابتها لدراسة تلك الرسالة التي دبجتها قريحة أبي إسحاق الصابي في الاعتذار والاستماحة للصاحب بن العباد، لاستكتناه معالم الفن فيها من بناء فني ورصف أسلوبي، ووفرة للمجاز.
وقد جاء البحث معالجة واحدة لا تستدعي التقسيمات والتفريعات التي تفضي أحيانا إلى التشتت والشرود، لكن وطأت لدراسة الرسالة بنبذة يسيرة عن أبي إسحاق الصابي، وختمتها برصد أهم النتائج التي أودعتها خاتمة الدراسة التي جاءت مشفوعة بثبت المصادر والمراجع.
والله من وراء القصد وعليه التكلان.
أبو إسحاق الصابي سيرة ومسيرة:
تعد أسرة أبي إسحاق الصابي إحدى أسرتين صابئيتين كانتا ذائعتين في الآداب والعلوم إبان الخلافة العباسية ببغداد، الأولى أسرة آل قرة، وعميدها ثابت بن قرة، والأخرى هي أسرة آل زهرون، وعميدها أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي، وقد تواشجت الأسرتان نسبا وصهرا وقرابة وديانة.
ويعد أبو إسحاق إبراهيم بن هلال بن زهرون بن حبون الحراني أقدم من لقب بالصابي، وقد تفرد به هو وأفراد أسرته بهذا اللقب اعتزازا بالانتماء إلى الديانة الصابئة، أما كنيته فهي أبو إسحاق. ومن ثم فهو صابئي النحلة حراني الأصل
وقد نشأ أبو إسحاق الصابي- المولود سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة ، والمتوفى يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وثمانين- ([1])في أسرة أو طائفة كان العلم ذائعا فيها، فقد كان والده – كما ذكر من ترجموا للصابي- من أحذق العلماء بالطب، وقد أفاد الناس بصناعته، فصار مبرزا ومقدما عند وجوه بغداد، وقد أهله كل ذلك أن يكون في خدمة القادة في ذلك الوقت، وأهمهم القائد التركي “توزون” وكان هذا الوالد يتمنى لولده أن يرث صنعته وصنعة أسلافه ، لكن والده رأى موهبته منصرفة إلى الأدب، فصرفه عن الطب وأذن له بالمضي في الكتابة لا سيما الترسل. ([2])
وقد صار هذا التحول منعطفا جديدا في حياة الصابي فقد نبغ في الأدب وطارت شهرته وطبقت الآفاق، إلى أن وصلت إلى الوزير أبي محمد المهلبي فاستدعاه، وألحقه بكتاب الديوان، وعهد إليه بتحرير بعض الرسائل الديوانية، فأتى على المطلوب وزيادة؛ فازداد إعجاب المهلبي به، وصيره مقدما على كتاب الديوان جميعا. ([3])فذاع صيته وصعد نجمه، مما أهله أن يكون في خدمة كثير من الخلفاء والأمراء من بني بويه، وكذا الوزراء، فتسنم أعمالا رفيعة في الدولة حتى صار ممدوحا من كثير من الشعراء، لكنه عرض على المتنبي خمسة آلاف درهم في سبيل أن يمدحه في تلك الأثناء بقصيدتين، ووسط بينه وبين أبي الطيب رجلا من وجوه التجار، فما كان من أبي الطيب إلا أن قال له ” قل له والله ما رأيت بالعراق من يستحقّ المدح غيرك، ولا أوجب عليّ في هذه البلاد أحد من الحق ما أوجبت، وإن أنا مدحتك تنكّر لك الوزير- يعني أبا محمد المهلبي- وتغير عليك. لأنني لم أمدحه، فإن كنت لا تبالي بهذه الحالة فأنا أجيبك إلى ما التمست، وما أريد منك منالا ولا عن شعري عوضا، قال والدي: فتنبهت على موضع الغلط، وعلمت أنه قد نصح، فلم أعاوده.” ([4])
وعرض عليه عز الدولة بختيار بن معز الدولة الوزارة – إن أسلم- فأبى. ([5])
لكنه “كَانَ يعاشر الْمُسلمين أحسن عشرَة ويخدم الاكابر أرفع خدمَة ويساعدهم على صِيَام شهر رَمَضَان ويحفظ الْقرَان حفظا يَدُور على طرف لِسَانه وَسن قلمه”([6])
وفي سنة تسع وأربعين وثلاثمائة تبوأ رئاسة ديوان الإنشاء، وهي وظيفة تكفل لصاحبها أن يكون من بطانة الملك وصفوة رجاله المقريين. ([7])وبهذا صار “الصابي” من أشهر كتاب الرسائل في القرن الرابع الهجري، فقد وصفه ابن النديم بأنه “مترسل بليغ شاعر…. والغالب عليه صناعة الكتابة والبلاغة والشعر” ([8])
وذهب الثعالبي إلى أنه “أوحد الْعرَاق فِي البلاغة وَمن بِهِ تثنى الخناصر فِي الْكِتَابَة وتتفق الشَّهَادَات لَهُ ببلوغ الْغَايَة من البارعة والصناعة”([9])
وذكر ياقوت أنه “أوحد الدنيا في إنشاء الرسائل والاشتمال على جهات الفضائل”([10])
وظل الصابي في خدمة الأمراء والوزراء يرفل في ظلال الهناءة والسعادة، ولكن دوام الحال من المحال، فقد تولى عضد الدولة الحكم فغضب عليه لما كان يصدره من مراسلات تؤلمه، الأمر الذي دفعه إلى القبض عليه وحبسه، فلما توفي عضد الدولة خلفه ابنه صمصام الدولة الذي قام بإطلاق سراح أبي إسحاق سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة فيعيش عيشة البؤساء المقهورين دون وظيفة أو عمل حتى وفاته سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.([11]) مخلفا وراءه كثيرا من الأثار، منها:
“كتاب رسائله وهو مشهور نحو ألف ورقة. كتاب التاجي في أخبار آل بويه. كتاب أخبار أهله. كتاب اختيار شعر المهلبي. كتاب ديوان شعره.” ([12])
نص الرسالة:
“أنا أعتذر إليك سيدي – أطال الله بقاءه- من تأخر كتبي عن حضرته الجليلة بعذر إذا ما تأمله حق تأمله، وعرض على نقده وتمييزه، وعرف صدق منطقه وخلوص مصدره، علم أنني مواصل بباطن مرادي، وإن صرمت بظاهر فعلي، وملازم بخافي مقصدي، وإن أخللت مسلكي، وهو أنني جربت مكاتبته – أيده الله- مواظبا عليها، مكبا ومراخيا بين أوقاتها، مغبا لأتبع بين الأمرين إليه، وأوقعهما لديه، فلما لاح لي أن الإجمام أنفق والترفيه أوفق، ووثقت بأن رأيه عليَّ في الحالين محروس النواحي والجوانب، محمي الشرائع والمشارب، اقتصرت على أن أتعرف أخباره، وأسر باستقامتها وانتظامها، وأتنسم أحواله وأسكن إلى اطرادها والتئامها، وأبتهج بما يصير – أيده الله – من ذروة مرتبة يعتليها، وغارب مرقبة يمتطيها، وإن أدل المتحدثين عنهما، والسامعين بهما، على أنه لم يستوف بعد حظه، ولم يستوعب قسطه، فإن للدنيا مواعيد فيه لابد من أن ينجزها بمساعيه، وما أخاف في هذا القول – والحمد لله – من غلط الفراسة، ولا كذب المخيَّلة، ولا بمعارضة المعارض، ومناقضة المناقض، ولا أعدم صحة الشهادة، وقيام الدلالة، وقبول المستمع، وتشيع المتبع ، وكفى بعلم بالله أنني أغتبط بنعمه – جل وعز- عنده، اغتباطي بها إذا كانت عندي، وأعتقد أنها في فنائه – عمره الله- مستقرة الوطن قاطنة، وفي كثير من الأفنية قلقة الركاب ظاعنة، لبعد فضلاء الزمان عن مساواته في استحقاقها، ومداناته في استيجابها واستبداده عليهم بحيازة ما يتفرق فيهم، واستكمال ما يتقسم بينهم من أصل راسخ، وفرع شامخ، وحلم راجح، وقدر طامح، وأدب جزل، ومنطق فصل، وقريحة ثاقبة، ودراية صائبة، ونفس سامية، وكف هامية وأوصاف لا تعبر عنها بلاغة الفصحاء، ولا يحيط بها استحفاز الخطباء، ولا تجاريه فيها أقدام النظراء، ولا تزاحمه عليها مناكب الأكفاء، بل هي مسلمة إليه إذا نوزع مدَّعوها، ومقر له بها إذا دوفع منتحلوها، فالحمد لله على أن أعطى قوس السيادة منه باريها، وأضافها إلى كفئها وكافيها، وفسخ بها شرط الدنيا الفاسد في إهداء حظوظها إلى أوغادها، ونقض له حكمها الجائر في العدول بها عن نجباء أولادها، وإياه أسأل سؤال الضارع إليه، الطالب لديه، أن يطيل بقاء سيدي الإطالة المترامية، ويوفيه أقصى المدد المتمادية، ولا يعدمه التوقل في هضباته، على رفاغة من معاشه والارتقاء إلى درجاته في سكون من جأشه، ولا يبتليه في شيء منها بعثرة ولا هفوة، وأن يبلغه مدى همته العالية المشتطة، وأمنيتي له المنفسحة المنبسطة، فلا مزيد عليه أيده الله لمفرط مسرف، ولا علي في هذه لمتطلع متشوف.
وأما بعد – أيد الله سيدي الصاحب- فإن نوب الدهر تتردد مذ سنون علي وعلى أهل صناعتنا المنحوسة بالعراق، منيخة بنوازلها، ملقية بكلاكلها، كالحة بوجوهها، كاشرة عن أنيابها، لتعاقب الأيدي الوالية علينا، وتزايدها في الفظاظة بنا، وتجاوزها المنزلة إلى المنزلة في الاستئصال لأحوالنا، وقد توفر قسطي في تأثيرها، بحسب ضني بعرضي، وصوني لنفسي، وبذلي دونها مالي، ووقايتي إياهما بما ملكت يدي حيث لم أسأل المعونة أحدا، ولا سمحت أن أستميح مسودا ولا سيدا، راجعا إلى شيء مما يرجع إليه الناس من موروث تالد، ومكتسب طارف، حتى انتهت مغارمي إلى نحو خمس مائة ألف درهم، لم يبق لي بعدها ضيعة ولا منزلة، ولا باطن ولا ظاهر، فلما صارت صروف الدهر تتوغل بعد التطرف، وتُجحف بعد الحيف، وصادف ما تجدد علي منها في الوقت أشلاء منهوكة وأعظما مبرية، وحُشاشة مُشفية، وبقية مودية، فارقت الإيثار، وأطعت دواعي الاضطرار، وجعلت أختار الجهات وأعتام الجنبات؛ لأنحو منها ما لا يعاب سائله إذا سأل، ولا يخيب آمله إذا أمَّل، فكان سيدي – أدام الله عزه- أولها إذا عددت، وأولاها إذا اعتمدت.
وكتبت كتابي هذا بيد يكاد وجهي يتظلم منها إذ تخطه إشفاقا على مائه مما يهرقه لولا الثقة بأنه – أيده الله- يحقن مياه الوجوه ويحميها، ويجمها ولا يقذفها، وخاصة من كانت له في نفسه المزية التي لي على غيري ممن شحطت داره من أوليائه وأودائه، بمشاهدتي شخصه الشريف، واعتلائي حبله الحصيف، وكوني معه تحت ظل الدولة والجملة وعصمتها، وفي ذمام الممالحة والمراضعة وحرمتهما، والأسباب التي هولها بكرم عهده حافظ، وعين رعايته ملاحظ، وأنفذت درجه كتابا إلى مولانا الأمير مؤيد الدولة سلكت فيه سبيل العبد اللائذ بمولاه، والخادم المحتاج إلى نداه، وأشرت إلى ما كان سيدي -أيده الله- قدمه قبل ذلك الوقت من ذكري، وما تفضل ومهده من أمري، ورجوت استثمار تلك المقدمة على يده وبركته، واستنجاحهما بيمن طائره ونقيبته، وكل ما يتأتى من الجميع محسوب من جماله، ومعدود في أفضاله، وزائد في أياديه البياض الزهر، وعوارفه المحجلة الغر، وسيدي الصاحب – أطال الله بقاءه- ولي ما يراه فيما سألت واقترحت، واشتططت واحتكمت، جامعا لي من ماله وجاهه، فإن تضاعف هذه المحن يقتضي مضاعفة ما يطوقنيه من المنن، لأكون ما عشت طليقه من حبائله وإسارها، وعتيقه من مخالبها وأظفارها، والإيعاز بإجابتي بما ابتهج له من طيب خبره وحاله، وامتثله من عالي أمره ونهيه، إن شاء الله” ([13])
الدراسة الفنية:
تعد هذه الرسالة من الرسائل الاستثنائية التي شذت فيها الصابي عن المألوف في كتابة رسائله، إذ تجاوز فيها المقدمة إلى الموضوع مباشرة دون أن يؤتي له بمقدمات أو حتى تحميدات؛ لأنها من الممكن أن شكل نوعا من الاستطراد، أو تصبح سياقا خارجيا عن الموضوع الذي جاء متنوعا، يشمل اعتذاره للصاحب بن عباد، لأنه انقطع عن مراسلته حقبة من الزمن ، معللا ذلك بأنه كان يحرص على راحته ، وشافعا ذلك بدوام حبه له ، مع امتناعه عن مراسلته ، خاتما تلك المقدمة بالثناء عليه، راجيا له طيب العيش ورغادته، وأن يتسنم ذرى المناصب ويتبوأ غارب المجد
ومن خلال ذلك يتبين لنا ما كان بين الصابي والصاحب بن عباد وزير البويهيين من علاقة ود وصداقة واحترام، وقد حرص عليها الصاحب حتى إبان نكبة الصابي، لكنها لم تكن صداقة قائمة على جانب وجداني كالتي كانت بين الصابي والشريف الرضي وإنما كانت تلك الصداقة قائمة على ما بينهما من قاسم مشترك في الكفاءة الأدبية والقدرة البيانية، وترتد هذه الصداقة الحميمة بين الأديبين إلى تلك “الزيارة التي قام بها الصاحب بن عباد برفقة الأمير مؤيد الدولة البويهي إلى بغداد، حيث كان كاتبا له سنة 347ه، وقد استدعى الوزير المهلبي ابن عباد وجمعه مع ندماء مجلسه وبينهم أبو إسحاق الصابي الذي كان رئيس ديوان الإنشاء، وعلى هذا فقد تعارف الاثنان، وجمعتهما أولا صنعة واحدة هي صنعة الكتابة في ملك واحد هو الملك البويهي تحت خيمة الخلافة العباسية”([14])
ويشفع الصابي اعتذاره للصاحب بالشكوى نوائب الدهر، وما ترتب على ذلك من ضيق ذات يده وتكدر عيشه، والزج به في مجاهل النسيان، وقد كان إلى الأمس الدابر يرغد في بلهنية ويتبوأ غارب المجد وذروته. ثم رأى الصابي أن يعرض للصاحب مشكلة الكتاب في ذلك الوقت، فصار متحدثا باسمهم في هذا المعرض، وكان هذا العرض لمشكلاتهم ” يحدد وجها من أوجه العلاقة بين الاثنين- الصاحب والصابي- ونظن أن هذه العلاقة ابتدأت بكون الصابي يتلقى الهبة من الصاحب كما يتلقاها أي كاتب آخر، ثم اتخذت نوعا من الخصوصية؛ إذ إن أبا إسحاق كان أرفع منزلة لدى الصاحب من بقية الكتاب، فالصاحب شديد الإعجاب به، وقد روي عنه قوله: “كتاب الدُّنْيَا وبلغاء الْعَصْر أربعة الأستاذ ابْن العميد وَأَبُو الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن يُوسُف وأبو اسحاق الصابي وَلَو شِئْت لذكرت الرَّابِع يَعْنِي نَفسه”([15])
كما روي عنه أيضا كما ذكر هلال بن عبد المحسن قائلا: وسمعت محدثا يحدّث أبا إسحاق أنه سمع الصاحب يقول: ما بقي من أوطاري وأغراضي إلا أن أملك العراق، وأتصدّر ببغداد، وأستكتب أبا اسحاق الصابىء، ويكتب عني وأغيّر عليه، فقال جدي: ويغيّر علي وإن أصبت!!” ([16])
ويفرد الصابي القسم الأخير من الرسالة باستماحة الصاحب، ويشكره على ما كان يرسله له عونا على تجاوز محنته التي ألمت به، إذ كان الصاحب يعرف قدره وموهبته، وكان يتعاهده على شحط داره، ويتمنى قدومه إليه، حتى إن هليل بن عبد المحسن حفيد الصابي يقول عن الصاحب: ” وكان يحمل إلى أبي إسحاق إبراهيم بن هلال جدي خمسمائة دينار وإليّ ألفي درهم جبلية مع جعفر بن شعيب، فأذكر وقد راسله بعد وفاة عضد الدولة بالاستدعاء إلى حضرته بالري، وبذل له النفقة الواسعة والمعونة الشاسعة عند شخوصه والإرغاب والإكثار عند حضوره، فكانت عقلة بالذيل الطويل والظهر الثقيل تمنعه من ترك موضعه ومفارقة موطنه، فمما كتبه إليه بالاعتذار عن التأخر:
نكصت على أعقابهنّ مطالبي … وتقاعست عن شأوهنّ مآربي
وتبلّدت مني القريحة بعد ما … كانت نفاذا كالشهاب الثاقب
وبكيت شرخ شبيبتي فدفنتها … دفن الأعزّة في العذار الشائب
ومنها:
فلو ان لي ذاك الجناح لطار بي … حتى أقبّل ظهر كفّ الصاحب”([17])
وبعد أن تعرفنا على مفاصل الرسالة لا يمكن لنا بحال إلا أن نعدها رسالة يجأر فيها بالشكوى والاستعطاف والتذلل والفقر وإراقة ماء الوجه في السؤال والطلب، وكل ذلك نواح سلبية في شخصيته “قد تكون دفعته إليها طبيعة عمله كاتبا والتقلبات التي كان يتعرض لها صاحب هذه الوظيفة، مما يجعل حياته عرضة للنكبات باستمرار”([18])
وفي ذلك قال أبو حيان التوحيدي عندما سأله الوزير سعدان لم لا يعمل كاتبا في الديوان: “أنا رجل حب السلامة غالب علي، والقناعة بالطفيف محبوبة عندي”([19])
ويبدو أن هذه الرسالة قد كتبها بأخرة من حياته، إذ قد استدعاه الصاحب من قبل في القدوم عليه فاعتذر، وقد رأى الدكتور قيس مغشغش السعدي أن “في اعتذار الصابي لباقة فائقة مقرونة بإكبار للصاحب وتقدير منزلته ورغبته، كما أنها تقدم لنا من ناحية أخرى الآثار التي تركتها نكبة الصابي وظروف حياته التي صار يهم بها، على أننا نرى بأن هذا الاعتذار يفسر بجوانب عديدة لصالح الصابي منها: أن الصابي يرى في الصاحب الكاتب الذي يماثله في الصنعة والمستوى، وهو وإن استوزر وملك لكن نفس الصابي لم تر في الصاحب غير مستوى النظير وليس من السهل الخدمة تحت إمرته…كما أن الصابي يرى أنه متقدم على الصاحب في صنعة الكتابة وأن يخدمه وهو الوزير والكاتب فإن ذلك سيوضعه في موضع الامتحان المستمر، وسوف لن يكتب بما تفيض به قريحة الكتابة، ولا يأخذ الترسل طريقه إليها طالما يكون هناك من يعد النقاط والفواصل فيها…هذا إلى جانب أنه قد عُرف عن الصاحب غروره وحبه لنفسه ولأدبه وشعره وكتابته، وعَرف الصابي أن طلب الصاحب باستقدامه إنما لكي يشبع جانبا من غروره في امتلاك أقلام الآخرين وإرادة توجهاتهم في خدمته، فيضيف بذلك جاها إلى جوانب الجاه التي سعى إليها وتملكها حتى صار يلقب بكافي الكفاة، وعلى هذا فإن وجود الصابي في خدمة الصاحب الفعلية سيميت قدرات الصابي ويمسح وجودها، وربما أن الصاحب قد أراد ذلك حتى بغير شعور منه إنما تقوده في ذلك إرادة رغباته المكنونة فيما جبل عليه من طباع الغرور.
كما أن الصاحب وزير والصابي رئيس ديوان الإنشاء، وهذا يعني أن الصاحب يملي رسائله أو يكتب رسائله كما يريد في حين يكتب الصابي رسائله كما يطلب منه.
وربما أن حال الصابي، كونه عميد أسرته وجامع شمل أتباع ملته، لا يحتمل أن يتركهم ويغادر إلى بلاد فارس ليقعوا فريسة التمزق والتفرق، فالصابي لم يلتحق ببلاد فارس يوم دعاه عضد الدولة وكان في ريعان شبابه، فكيف وقد تقدمت به السن وصارت حاجته في الحياة هي دفع سوءاتها لا امتلاك خزائنها.
وقد يكون للعلاقة مع الشريف الرضي والتي كان الصابي يرغب بنتائجها وربما ما توفره من جاه ومنصب وبما يرد له كرامته التي أهدرها عضد الدولة، وكانت سببا في أن يؤثر الصابي المؤجل على المقدم.
ويبدو أن الصابي اكتفى بما كان يصله من الصاحب الذي كان يتفقده بحسب عادته في رعاية بغداد والحرمين من الكتاب والشعراء والزهاد، فيبعث إليهم الصلات سنويا”([20])
وقد أرجعت ندى أبو رسلان عدم التحاق الصابي بالصاحب “إلى الأسباب التي ذكرها الصابي والمذكورة في المصادر، فالصابي كما قال عن نفسه قد روضته الأيام حتى أصبح قانعا بما يرضى منها برفع البؤس عنه، فهو لا يطمع بالكثير، فلم إذاً يتجشم مشاق الرحلة إلى الصاحب تاركا أهله وأبناءه؟ فالغاية ليست على قدر كبير من الأهمية لديه كي تسهل إليها السبل، والصاحب ليس ذلك الشخص الذي يملأ كيانه بشخصيته كي يلتحق بخدمته، كيف وبالأمس كان كاتبا في مثل مستواه؟!! أما إذا حاولنا عن أسباب أخرى فلا نجد أمامنا إلا الاحتمال أن يكون الصابي متمسكا بالبقاء ببغداد، ولا يعود ذلك لخوفه على أهله كما كان سنة 364ه، عندما رفض الخروج مع عضد الدولة إلى فارس، وإنما لنيته القيام بمشروع معين كعمل سياسي تكون بغداد مسرحا له.” ([21])
وقد تخلل الرسالة كثير من المجاز الذي عول عليه الصابي في تلوين أسلوبه، ونجد في قوله: (غارب مرقبة يمتطيها) استعارة مكنية، فالمرقبة هي المكان المشرف المرتفع الذي يرتفع عليه الرقيب، وقد أحسن هنا في تشبيه المرقبة بالبعير لارتفاعها عما حولها.
وفي قوله (منيخة بنوازلها) استعارة مكنية، حيث شبه الدهر ونوائبه أي مصائبه بالبعير من التشبيه الممتد الذي يشبه في المصائب بالبعير عطفا على الاستعارة السابقة، وفي قوله (كاشرة عن أنيابها) استعارة مكنية حيث شبه نوب الدهر اي مصائبه بوحش مفترس، حاذفا المشبه به ورامزا إليه بشيء من لوازمه وهو الأنياب، وهو لا شك يريد شدة البأس والغضب في آن.
وقوله (في أياديه البياض الزهر ) مجاز مرسل علاقته السبببية
وقد استعار الصابي في قوله (وعوارفه المحجلة الغر) البياض فى وجه الصاحب ويديه ورجليه من غرة الفرس، إذ أصل الغرة هي البياض المحفوف بالسواد تكون في أعلى جبهة الفرس، وهي قطعة بياض تكون أشد وضوحا مع اللون الآخر ولا سيما الأسود، ، والتحجيل بياض قوائم الفرس كلها.
ولعلنا هنا نلحظ أن الصابي قد جعل اللون الأبيض هنا مؤثرا في نطاق التخييل وسياقه؛ لارتباطه بلفظ التحجيل والغر، إذ اللون فيهما غير مباشر في الدلالة على البياض، ولكنه صفة تلتقي مع اللون الأبيض، وهذا يعني تركيز الصابي على اللون الأبيض وجعله محورا للصاحب بن عباد، لما يمتاز به هذا اللون من دلالات وإيحاءات تنسجم مع المعاني الأخرى التي يسبغها عليه.
فللون هنا مرتبط بنفسية الصابي الذي يأمل في تحقيق طلبته لدى الصاحب بن عباد.
وفي قوله عن الصاحب بأنه ” يحقن مياه الوجوه” كناية عن أنه ممن يكفي ذل السؤال ويصون كرامة الإنسان.
هذا إلى جانب أن الصابي كان رجلا وافر الغلات ولم يكن ضيق العطن، فهو شَغِفٌ بتقليب المعنى الواحد بأكثر من صيغة، وعرضه في أكثر من صورة، مما يدل على سخاء ملكته وغزارة ينبوعه، وكأنه يمتح من بئر لا قرار له، ولا أدل عل ذلك من قوله: “لبعد فضلاء الزمان عن مساواته في استحقاقها، ومداناته في استيجابها، واستبداده عليهم بحيازة ما يتفرق فيهم”، وقوله: “
من قوله: ” فإن نوب الدهر تتردد مذ سنون علي وعلى أهل صناعتنا المنحوسة بالعراق، منيخة بنوازلها، ملقية بكلاكلها، كالحة بوجوهها، كاشرة عن أنيابها” فهذه العبارات جميعها تسفر عن معنى واحد هو كثرة المصائب وتلاحقها وبيان مدى ثقلها عليه، وكل استعارة من هذه الاستعارات التي وصف بها مصائب الدهر ترفد الأخرى، وقد عددها الصابي ليعبر عن هواجسه، إذ لا تستطيع استعارة واحدة أن تنهض بتصوير حالته، واستخدامه صيغ اسم الفاعل “منيخة”، “ملقية”، “كالحة”، “كاشرة” – وكلها تعمل عمل الفعل المحسوس- ووضعها في إطار استعاري يوحي بالبعد النفسي لحالة الصابي وهو بعد يكشف توتره وشكواه، ولعل هذا ما دعاه في مثل هذه الاستعارات إلى التعبير عما هو معنوي بشكل محس يكشف عن إدراك الأشياء التي لا تدرك إلا بالعقل ويجعلها مشخصة ماثلة للعيان، وإن مثل هذا الأسلوب من التعبير يسمى في الدراسات الحديثة بالتشخيص (Personification) وقد عبر النقاد العرب بما هو قريب منه، إذ يقول عبد القاهر الجرجاني عن الاستعارة: “فإنك لترى بها الجمادَ حيّاً ناطقاً، والأعجمَ فصيحاً، والأجسامَ الخُرسَ مُبينةً، والمعاني الخفيّةَ باديةً جليّةً، وإذا نظرتَ في أمر المقاييس وجدتَها ولا ناصر لها أعزُّ منها، ولا رَوْنَق لها ما لم تَزِنْها، وتجدُ التشبيهات على الجملة غير مُعْجِبَةٍ ما لم تكُنْها، إن شئت أرتك المعانيَ اللطيفةَ التي هي من خبايا العقل، كأنها قد جُسِّمت حتى رأتها العيون، وإن شئتَ لطَّفتِ الأوصاف الجسمانية حتى تعود رُوحانية لا تنالها إلاّ الظنون”([22])
ويبدو أن هذه الاستعارات التي عول عليها الصابي كانت مما لاكها غيره من الأدباء كأبي منصور الثعالبي ت 429ه. الذي قال وصف الشتاء والبرد: “ألقى الشتاء كلكله،…. و أناخ بنوازله ، وأرسى بكلاكله ، وكلح بوجهه ، وكشر عن أنيابه”([23])
على أنه في موطن آخر يعول على الفعل دون اسم الفاعل في تصوير مصائب الدهر حينما يقول: “فلما صارت صروف الدهر تتوغل بعد التطرف، وتجحف بعد الحيف، وصادف ما تجدد عليَّ منها في الوقت أشلاء منهوكة…الخ” ليعكس مدى التعارض بين الفعل والدهر؛ إذ لا تقارب بين الاثنين في الأصل، فالأفعال في الأصل تنتمي إلى المجال الإنساني، ولا تنتمي إلى العالم المعنوي لمجرد غير الملموس والمعاين، وهذه قضية أساسية تستدعي البحث عن بؤرة التوتر بين طرفي الاستعارة، المستعار والمستعار له.
وليس غريبا على مثل الصابي أن يعمد إلى بناء الاستعارة المتعلقة بالدهر على صيغة الفعل؛ وذلك لأن الدهر أضحى أقرب إلى رؤيته وموقفه وهواجسه، فهو لا يرى الدهر ولا يمسه ولا يحسه، وإنما يحس أفعاله وانعكاساتها على نفسه.
كذلك لا يخفى ما توشحت به الرسالة من الصنعة، فقد تخللها كثير من ألوان البديع، كالتضاد، كما في قول الصابي: “علم أنني مواصل ببطن مرادي، وإن صرمت بظاهر فعلي، وملازم بخافي مقصدي وإن أخللت مسلكي”، “مكبا ومراخيا”، “وفسخ بها شرط الدنيا الفاسد في إهداء حظوظها إلى أوغادها، ونقض له حكمها الجائر في العدول بها عن نجباء أولادها”، “ولا سمحت أن أستميح مسودا ولا سيدا، راجعا إلى شيء مما يرجع إليه الناس من موروث تالد، ومكسب طارف”، “لم يبق لي بعدها ضيعة ولا منزلة، ولا باطن ولا ظاهر”، “ويجمها ولا يقذفها”، و”امتثلته من عالي أمره ونهيه”
ومن ينعم النظر في قراءة الرسالة يجد الصابي قد عول على الجملة الاعتراضية الدعائية في حق الصاحب ثماني مرات، ما بين أيده الله ، وعمره الله ، وأطال الله بقاءه، وعول عليها مرة واحدة في الثناء على الله عز وجل ، في قوله: “وما أخاف في هذا القول – والحمد لله – من غلط الفراسة” وغير خاف أن هذه الجمل الاعتراضية دليل على طول نفسه، وإطنابه في القول، فوق ما فيها من لفت المستمع وشد انتباهه، حتى صار لديه في نثره عموما من مقتضيات الكتابة ومتطلبات المقام، وقد ذكر ابن جني: “أن هذا القبيل من هذا العلم كثير قد جاء في القرآن وفصيح الِشْعر ومنثور الكلام وهو جارٍ عند العرب مجرى التأكيد” ([24])
ثم يقول” والاعتراض في شعر العرب ومنثورها كثير وحسن ودالّ على فصاحة المتكلم وقوّة نَفْسه وامتدادِ نَفَسِه” ([25])
ويعلق العلامة أبو موسى على كلام ابن جني قائلا: “ولم أجد للتوكيد وجها إلا أن المتكلم بادر بهذه الجملة أو هذه الجمل ووضعها في غير موضعها ليشعرنا بأهميتها، ولو أنه سبق بها الجملة المعترضة فيها وأخرها عنها، لما أحدث في نفوسنا هذا التنبيه، وهذا اللفت وهذه الدهشة، التي ما أراد بها إلا أن يلفتنا إلى هذا المعنى وأنه عنده بمكان حتى إنه اختار له أعز مكان عنده، وهو أن يضعه في قلب الجمل، والمعاني الأخرى، وأن يقتطع له مساحات خصصها المتكلم لمعان أخر، ثم إنه ارتكب له ما لا يجوز له أن يرتكبه، واجترأ من أجله على ما لا تجوز الجرأة عليه، وهو الفصل بين أركان أساسية في بناء الكلام، لا يفصل بينها؛ لأنها منضامة أشد التضام. وذلك كالفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، وهذا هو وجه التوكيد كما أفهمه وقيمة هذه الجملة، ولو أن الكلام جرى على وجهه لكانت هذه الجملة كغيرها من الجمل، ولم يدل الكلام على تميزها، أما قوة النفس وطول النفس، فإني أفهم منها قوة الروح البيانية وجزالة نفس القائل، ثم جزالة معانيه، فتلتقي جزالة النفس بجزالة المعنى فيكون التمكن والاقتدار وغزارة الينبوع”([26])
وعلى الرغم من أن البلاغيين لم يدخلوا في باب خروج الكلام على مقتضى الظاهر، كالالتفات ووضع المضمر موضع المظهر، أو العكس، فإن “الصابيَّ” جعل الاعتراض مزدوج الوظيفة، إذ أدخل جملة في حرم جملة أخرى، وجعلها تقتحم موطنها، وفي الوقت نفسه عدل عن الصيغة المألوفة في الخطاب، وأقام انزياحا أسلوبيا في الدعاء من الخطاب إلى الغيبة، وفي غير الدعاء للصاحب أيضا، وذلك في قوله:
“أطال الله بقاءه” ولم يقل: أطال الله بقاءك.
” أيد الله سيدي الصاحب ” ولم يقل أيدك.
وغير ذلك مما عدل فيه عن الخطاب إلى الغيبة في غير الاعتراض، من مثل قوله: “لبعد فضلاء الزمان عن مساواته في استحقاقها، ومداناته في استيجابها واستبداده عليهم بحيازة ما يتفرق فيهم” ولم يقل مساواتك، ومداناتك، واستبدادك.
وغير ذلك كثير مبثوث في تضاعيف الرسالة يدل دلالة واضحة على أن الصابي عدل عن مخاطبة الصاحب وهو حاضر شاهد، إلى خطابه بضمير الغائب تعظيما لشأنه، إذ لو أقام الخطاب على ضمير الخطاب ربما يفهم من ذلك نِدِّيَّة أو تساويا ومواجهة لا يقبلها من ارتفع شأنه وتبوأ غارب المجد من أمثال الصاحب، فوق أن الخطاب بضمير المخاطب قد يجعل الأسلوب مباشرا يفتقد الإيحاء والتأثير ، ولا شك أن هذا العدول أو الانزياح الأسلوبي في الخطاب جسد الوظيفة الإخبارية للغة، “لأن الكلام اذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع وايقاظا للإصغاء اليه من إجرائه على أسلوب واحد “([27])
فقد أثبت الزمخشري أن الالتفات له وظيفتان: إحداهما دفع الملل عن السامع، وتنبيه السامع واستدرار لنشاطه التواصلي مع المتكلم، وثانيهما مراعاة معاني الكلام وحال المخاطب.
ومما نود أن نسجله كذلك في هذه الرسالة الماتعة أن صاحبها يعمد إلى تمطيط العبارات، ويظهر ذلك جليا في ذلك الفاصل الذي يطول بين فعل الشرط وجوابه، كما في قوله: “إذا ما تأمله حق تأمله، وعرض على نقده وتمييزه، وعرف صدق منطقه وخلوص مصدره، علم أنني مواصل…إلخ
وليس هذا فحسب بل ذكر أكثر من فعل للشرط، مع جواب واحد يتفرع منه جملتان هما خبران لـ “أن” وكل جملة يتفرع منها أخرى متعلقة بهذا الخبر على هذا النحو:
فعل الشرط | جواب الشرط | المتعلق بجواب الشرط | المتعلق بالمتعلق بجواب الشرط |
تأمله | علم | مواصل بباطن مرادي
وهو خبر إن |
وإن صرمت بظاهر فعلي |
عرض | |||
عرف | ملازم بخافي مقصدي
وهو معطوف على خبر إن “مواصل” |
وإن أخللت مسلكي |
ويتكرر هذا التمطيط من الفصل بين فعل الشرط وجوابه، في قوله: “فلما لاح لي أن الإجمام أنفق والترفيه أوفق، ووثقت بأن رأيه عليَّ في الحالين محروس النواحي والجوانب محمي الشرائع والمشارب/ اقتصرت على أن أتعرف أخباره، وأسر باستقامتها وانتظامها، وأتنسم أحواله وأسكن إلى اطرادها، وأبتهج … إلخ.
وقوله: “فلما صارت صروف الهر تتوغل بعد التطرف، وتجحف بعد الحيف، وصادف ما تجدد علي منها في الوقت أشلاء منهوكة وأعظما مبرية وحشاشة مشفية وبقية مودية/ فارقت الإيثار، وأطعت دواعي الاضطرار، وجعلت أختار الجهات وأعتام الجنبات”
على أن هذا التمطيط والتطويل يحوي كثيرا من الجمل القصيرة إذا عمدنا إلى تقطيع العبارة على نحو مخصوص في جواب الشراط وما عطف عليه:
فارقت الإيثار/ أطعت دواعي الاضطرار/// جعلت أختار الجهات/ أعتام الجنبات. وهذه الجمل القصيرة لها دورها الفاعل في تقدم النص وتسارعه نحو الغرض المروم، خاصة أن بنيتها فعلية تبث الحركة والحيوية في النص.
ويقودنا هذا إلى جزئية باتت تلح على الذهن من خلال التحليل، وهي أن النص جاء متراوحا بين الصيغ الفعلية والاسمية، فإذا كان حديث الصابي عن نفسه جاء معولا على الجمل الاسمية لأنها تناسب الهدوء والاتزان واستقصاء المعاني ابتغاء أن تصل إلى المرسل إليه (الصاحب بن عباد) حتى إذا ما أتى إلى آخر الرسالة فإنه يعول على الصيغ الفعلية التي تسفغه بالحركة والتسارع لختام النص وتسكيره
ناهيك أيضا عما توشحت به الرسالة كذلك من السجع واستبحاره في فقراتها، كما في قوله: “الإجمام أنفق/ والترفيه أوفق”، “محروس النواحي والجوانب/ محمي الشرائع والمشارب”، “انتظامها/ التئامها”، “قاطنة/ ظاعنة”، “مساواته/ مداناته”، “أولادها/ أوغادها”، “الضارع إليه/ الطالب لديه”، “المترامية/ المتمادية”، “المشتطة/ المنبسطة”، “مسرف/ متشوف”، “الجهات/ الجنبات”، “عددت/ اعتمدت”، “أوليائه/ أودائه”، “عصمتها/ حرمتها”، “حافظ/ ملاحظ”، “سألت/اقترحت/ اشتططت/ احتكمت”، “إسارها/ أظفارها” مع ما تخلل الرسالة والسجع أيضا من توازن الفقرات مثل: “ذروة مرتبة يعتليها/ غارب مرقبة يمتطيها”، “معارضة المعارض/ مناقضة المناقض”، “قبول المستمع/ تشييع المتبع”، “أصل راسخ/ فرع شامخ/ حلم راجح/ قدر طامح”، “أدب جزل/ منطق فصل”، “قريحة ثاقبة/ دراية صائبة”، “نفس سامية/ كف هامية”، “بلاغة الفصحاء/ استحفاز الخطباء/ أقدام النظراء/ مناكب الأكفاء”.
لكن قد جره السجع في أحيان كثيرة إلى تكرار المعاني نفسها بألفاظ جديدة، كقوله: “محروس النواحي والجوانب، ومحمي الشرائع والمشارب”، فالحراسة والحماية واحدة، والنواحي والشرائع واحدة كذلك. ومنه قوله: “ذروة مرتبة يعتليها، وغارب مرقبة يمتطيها”، ” فالذروة والغارب واحد، والمرتبة والمرقبة واحد، والاعتلاء والامتطاء واحد. ومنه قوله: “مسلمة إليه إذا نوزع مدعوها، ومقر له بها إذا دوفع منتحلوها” فالتسليم والإقرار واحد، والمنازعة والمدافعة واحد، والادعاء والانتحال واحد. ومنه قوله: “أختار الجهات وأعتام الجنبات” فالاختيار والاعتيام واحد، والجهات والجنبات واحد. وقد أخذ عليه ابن الأثير هذه الخاصية ([28])
والحق أننا لا نستطيع أن نتهم الصابي بأنه كان يسعى للصنعة لمجرد البهرجة الزائدة، لكنه وظفها لتأدية المعنى أداء فنيا متكاملا، فهي وسيلة لتحقيق بلاغة النص، وهذا ما رفع أسلوبه، وارتقى به إلى مستوى فني لا يسلم للكثيرين من ذوي الأقلام الواعدة، فقدرته البلاغية وأسلوبه اللفظي عنصران مهمان في إبراز نثره الفني العالي. هذا بالإضافة إلى أن الصابي عرف بكثرة التنقيح والتسويد والإجالة، فقد ذكر أبو حيان التوحيدي: “وسمعت أبا إسحاق الصابي يقول: ما حررت كتابا قط عقيب التسويد، إلا ورأيت التنافر في خطي، والتطاير من قلمي، والتثاقل في يدي، فأما إذا جممت بعده جمة أو نمت بعده نومة فأنا على صواب ما أريد منه جريء، ومن الخطأ فيه بريء” ([29])
أما ما يتعلق بالتضمين أو الاقتباس فنجد الصابي في قوله: ” فالحمد لله على أن أعطى قوس السيادة منه باريها” يستلهم المثل العربي ” أعط القوس باريها” ([30]) الذي يضرب في وجوب تفويض الأمر إلى من يحسنه ويتمهر فيه.
كذلك يبدو جليا لمن يطالع صدر الرسالة وخاصة في قوله: “وما أخاف في هذا القول – والحمد لله – من غلط الفراسة، ولا كذب المخيَّلة، ولا بمعارضة المعارض، ومناقضة المناقض، ولا أعدم صحة الشهادة، وقيام الدلالة، وقبول المستمع، وتشيع المتبع” ثم في قوله: “وكتبت كتابي هذا بيد يكاد وجهي يتظلم منها إذ تخطه إشفاقا على مائه مما يهرقه لولا الثقة بأنه – أيده الله- يحقن مياه الوجوه ويحميها، ويجمها ولا يقذيها” يكاد ينثر ما دبجته يراعة أبي تمام (المتوفى سنة 231ه) في أبي سعيد الثغري:[من البسيط] ([31])
أَبا سَعيدٍ وَما وَصفي بِمُتَّهَـــمٍ عَلى الثَــــــناءِ وَلا شُـــــــــكري بِمُــــــخـــــــــــــتَرَمِ
…………………… …………………………..
رَدَدتَ رَونَقَ وَجهي في صَحيفَتِهِ رَدَّ الصِـــــــــــقالِ بِمـــــــــــــاءِ الصـــارِمِ الخَـــــــــذِمِ
وَما أُبالي وَخَيرُ القَــــولِ أَصــــــــدَقُهُ حَقَنتَ لي ماءَ وَجهي أَو حَقَنتَ دَمي
هذا إلى جانب أن قوله: “ويجمها ولا يقذيها” معنى مكرور في رسائله، من مثل قوله عن الطائع لله إلى عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة أبي علي: “أن يجم صفوة الحال عما يشوبها….ويعتقد أنك منه كالعين الناظرة التي تصان عما يقذيها”([32])
الخاتمـــة
- تندرج هذه الرسالة ضمن الرسائل الإخوانية التي شاعت في العصر العباسي، وقد دبجها الصابي في الصاحب بن عباد معتذرا ومستميحا لما بينهما من أواصر ود سابق.
- اعتمد الكاتب في هذه الرسالة على ألوان فنية متعددة كالتضمين أو ما يسمى الاقتباس ، والتضاد، وعمد إلى تثرية فقرات الرسائل بوقع صوتي أضفاه السجع والازدواج الذي لم يعمد إليه الكاتب عمدا بل جاء عفو الخاطر.
- امتاز الأسلوب بالقوة لما توافر فيه من نواح بلاغية كالتقديم والتأخير، أو ما يسمى العدول أو الانزياح، كذا بروز جانب المجاز لتلوين الأسلوب وكان التشخيص أكثر مرامه في المجاز
- جاء الأسلوب مزاوجا بين الطول والقصر في العبارات، وذلك من خلال بعض الأساليب كالفصل بين فعل الشرط وجوابه.
- غلب الأسلوب الخبري على فقرات الرسالة إلا ما ندر من بعض الجمل الدعائية التي دبجها الكاتب في المرسل إليه
- جاءت الرسالة مزيجا من التعفف والتبذل، إذ في صدرها يظهر الأول وفي ختامها يبرز الثاني.
ثَبَتُ المصادرِ والمراجعِ
أولا: الكتب:
- أبو إسحاق الصابي – درر النثر وغرر الشعر – د/ قيس مغشغش السعدي- الطبعة الأولى-مطبعة الثقافة- إربيل 2009م.
- الأدباء الصابئة في العصر العباسي- محمد الديباجي- منشورات جامعة الحسن الثاني- الطبعة الأولى- الدار البيضاء 1409ه/1989م .
- أسرار البلاغة- عبد القاهر الجرجاني-قرأه وعلق عليه/ محمود محمد شاكر- مطبعة المدني بالقاهرة، دار المدني بجدة.
- الإمتاع والمؤانسة- أبو حيان التوحيدي- الطبعة الأولى- المكتبة العصرية – بيروت 1424ه.
- ثلاث رسائل لأبي حيان التوحيدي (رسالة في علم الكتابة) تحقيق د/ إبراهيم الكيلاني- المعهد الفرنسي بدمشق للدراسات العربية- دمشق 1951م.
- جمهرة الأمثال- أبو هلال العسكري- تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم و عبد المجيد قطامش- الطبعة الثانية- دار الفكر 1988م.
- الخصائص- ابن جني- تحقيق/ محمد علي النجار- عالم الكتب- بيروت.
- ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي- تحقيق/ محمد عبده عزام- الطبعة الرابعة- دار المعارف.
- سحر البلاغة وسر البراعة- أبو منصور الثعالبي- تحقيق/ عبد السلام الحوفي- دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان.
- الفهرست – ابن النديم- تحقيق/ إبراهيم رمضان- الطبعة الثانية- دار المعرفة بيروت – لبنان- 1417 هـ – 1997م.
- قراءة في الأدب القديم- د/ محمد محمد أبو موسى- الطبعة الرابعة – مكتبة وهبة بالقاهرة 2012م.
- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل- الزمخشري- تحقيق/ عبد الرازق المهدي- الطبعة الثالثة- دار إحياء التراث العربي- بيروت.
- مجمع الأمثال- لميداني- تحقيق/ محمد محيى الدين عبد الحميد- دار المعرفة – بيروت.
- المختار من رسائل أبي إسحاق إبراهيم بن هلال بن زهرون الصابي- شكيب أرسلان- الطبعة الأولى- الدار التقدمية 2010م.
- معجم الأدباء- ياقوت الحموي- تحقيق د/ إحسان عباس- الطبعة الأولى- دار الغرب الإسلامي- بيروت 1414 هـ / 1993م.
- المستقصى في أمثال العرب- الزمخشري – الطبعة الثانية- دارالكتب العلمية – بيروت 1987م.
- يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر – أبو منصور الثعالبي- تحقيق د/ مفيد محمد قمحية- الطبعة الأولى- دار الكتب العلمية – بيروت-لبنان 1403ه/ـ1983م.
ثانيا: الرسائل الجامعية:
أبو إسحاق الصابي الكاتب والشاعر – ندى أبو رسلان- رسالة ماجستير مخطوطة بالجامعة الأمريكية في بيروت- بيروت لبنان 1987م (والرسالة منشورة على صفحات الإنترنت).
الهوامش:
- () ينظر في ذلك: معجم الأدباء 1/ 131- ياقوت الحموي- تحقيق د/ إحسان عباس- الطبعة الأولى دار الغرب الإسلامي، بيروت 1414 هـ / 1993 م (بتصرف). ↑
- () ينظر في ذلك: معجم الأدباء 1/134 (بتصرف). ↑
- () نظر: الأدباء الصابئة في العصر العباسي 56- محمد الديباجي- منشورات جامعة الحسن الثاني- الطبعة الأولى- الدار البيضاء 1409ه/1989م (بتصرف). ↑
- () ينظر: معجم الأدباء 1/147 وما يليها. ↑
- () ينظر: ذاته 1/131 (بتصرف) ↑
- () يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر 2/288- أبو منصور الثعالبي- تحقيق د/ مفيد محمد قمحية- الطبعة الأولى- دار الكتب العلمية – بيروت-لبنان 1403ه/ـ1983م. ↑
- () ينظر: مواد البيان 47- علي بن خلف الكاتب- تحقيق/ حسين عبد اللطيف- الطبعة الأولى- منشورات جامعة الفاتح- طرابلس 1982م. ↑
- () الفهرست 167- ابن النديم- تحقيق/ إبراهيم رمضان- الطبعة الثانية- دار المعرفة بيروت – لبنان- 1417 هـ – 1997م. ↑
- () يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر 2/287. ↑
- () معجم الأدباء 1/130 وما يليها. ↑
- () ينظر: معجم الأدباء 1/131 (بتصرف). ↑
- () معجم الأدباء 1/158. ↑
- () المختار من رسائل أبي إسحاق إبراهيم بن هلال بن زهرون الصابي ص ص 214- 217- شكيب
أرسلان- الطبعة الأولى -الدار التقدمية 2010م. ↑
- ()أبو إسحاق الصابي – درر النثر وغرر الشعر 112- د/ قيس مغشغش السعدي- الطبعة الأولى-مطبعة الثقافة- إربيل 2009م. ↑
- () يتيمة الدهر 2/292. ↑
- () معجم الأدباء 2/715 ↑
- () معجم الأدباء 2/714. ↑
- () أبو إسحاق الصابي الكاتب والشاعر 157- ندى أبو رسلان- رسالة ماجستير مخطوطة بالجامعة الأمريكية في بيروت- بيروت لبنان 1987م (والرسالة منشورة على صفحات الإنترنت). ↑
- () الإمتاع والمؤانسة 87- أبو حيان التوحيدي- الطبعة الأولى- المكتبة العصرية – بيروت 1424ه. ↑
- ()أبو إسحاق الصابي – درر النثر وغرر الشعر 114 وما بعدها. ↑
- ()أبو إسحاق الصابي الكاتب والشاعر 142 وما يليها. ↑
- () أسرار البلاغة 43- عبد القاهر الجرجاني-قرأه وعلق عليه/ محمود محمد شاكر- مطبعة المدني بالقاهرة، دار المدني بجدة. ↑
- () سحر البلاغة وسر البراعة 18- أبو منصور الثعالبي- تحقيق/ عبد السلام الحوفي- دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان. ↑
- () الخصائص 1/335- ابن جني- تحقيق/ محمد علي النجار- عالم الكتب- بيروت. ↑
- () ذاته 1/341. ↑
- () قراءة في الأدب القديم 56- د/ محمد محمد أبو موسى- الطبعة الرابعة – مكتبة وهبة بالقاهرة 2012م. ↑
- () الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 1/56- الزمخشري- تحقيق/ عبد الرازق المهدي- الطبعة الثالثة- دار إحياء التراث العربي- بيروت. ↑
- () ينظر: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر 1/217- 219- ابن الأثير- تحقيق د/ أحمد الحوفي، د/ بدوي طبانة- دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة ـ القاهرة ↑
- () ثلاث رسائل لأبي حيان التوحيدي (رسالة في علم الكتابة) 35- تحقيق د/ إبراهيم الكيلاني- المعهد الفرنسي بدمشق للدراسات العربية- دمشق 1951م. ↑
- () ينظر المثل في: لمستقصى في أمثال العرب 247- الزمخشري – الطبعة الثانية- دارالكتب العلمية – بيروت 1987م.و جمهرة الأمثال 1/76- أبو هلال العسكري- تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم و عبد المجيد قطامش- الطبعة الثانية- دار الفكر 1988م. ومجمع الأمثال 2/19- الميداني- تحقيق/ محمد محيى الدين عبد الحميد- دار المعرفة – بيروت. ↑
- () ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي3/218- تحقيق/ محمد عبده عزام- الطبعة الرابعة- دار المعارف. ↑
-
() المختار من رسائل أبي إسحاق إبراهيم بن هلال بن زهرون الصابي 161. ↑