الآفاق التنموية لبرنامج محو الأمية بالمساجد المغربي

عبد الله غلي1

1 كلية العلوم الانسانية والاجتماعية جامعة ابن طفيل بالقنيطرة المغرب.

بريد الكتروني: rhali-abdallah@hotmail.com

HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3312

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/03/2022م تاريخ القبول: 19/02/2022م

المستخلص

تعد هذه الدراسة ” الآفاق التنموية لمحاربة الأمية بالمغرب”، من الدراسات التي نهلت من حقول معرفية متنوعة، ومفاهيم ذات الصلة بعلم الاجتماع وفق طرح بيير بورديو (انتقال وهجرة المفهوم)، هكذا وجدنا أنفسنا ونحن بصدد انجاز مشروعنا حول محو الأمية ودوره في التنمية البشرية امام محاولة في التركيب على اعتبار ان عملنا تتوفر فيه الشروط النظرية والمنهجية لإنجاز الدراسة التركيبية وذلك لاعتبارين أساسيين:

اولا: هناك تراكم على المستوى النظري، وعلى مستوى المعطيات، اللذان يمهدان لعملية الانجاز، وبالتالي التوصل إلى خلاصات.

ثانيا: ان هذه الدراسة قاربت موضوع البحث من منظور شمولي ومتعدد الاختصاص، وذلك باقتراح الفرص الممكن استثمارها، وكذلك استثمار الفرص التي جاء بها التقرير الختامي للنموذج التنموي المغربي الجديد 2035، ومحاولة أجرأة توصياته واقتراحاته في شأن محاربة الأمية بالمساجد، وخاصة فيما يتعلق بالعنصر البشري وتقوية القدرات.

Research title

Developmental prospects for literacy program in Moroccan mosques

Abdallah Rhali1

1 Faculty of Humanities and Social Sciences, Ibn Tofail University, Kenitra, Morocco

Email: rhali-abdallah@hotmail.com

HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3312

Published at 01/03/2022 Accepted at 19/02/2021

Abstract

This study, “Developmental Prospects for Combating Illiteracy in Morocco”, is one of the studies that drew on various fields of knowledge and concepts related to sociology according to Pierre Bourdieu’s proposal (transfer and migration of the concept). In composition, given that our work meets the theoretical and methodological conditions for the completion of the synthetic study, for two main considerations:

First: There is an accumulation on the theoretical level, and on the level of data, which pave the way for the implementation process, and thus reach conclusions.

Second: This study approached the topic of the research from a holistic and multidisciplinary perspective, by proposing opportunities that can be invested, as well as investing opportunities, which came in the final report of the new Moroccan development model 2035, and an attempt to bold its recommendations and suggestions regarding the fight against illiteracy in mosques, especially with regard to the human element and strengthening capabilities.

تمهيد:

تعد الأمية، من أهم التحديات التي تستدعي تكثيف الجهود للحد منها، والتصدي لأسبابها، كما جاء في التقرير الختامي لاجتماع البرنامج الاقليمي لتعميم التعليم الابتدائي وتجديده ومحو الأمية في الدول العربية، أن[1]: “من أبرز عوامل النجاح في مواجهة المشكلات الكبرى بالمجتمعات الانسانية، توافر الإرادة السياسية والإرادة المجتمعية وتحريك قوى المجتمع جميعها، بحيث تؤدي الى تزايد فعالية الأفراد والمؤسسات، وإلى ترشيد استثمار المواد البشرية والمادية وتحقيق العائد الأمثل منها للفرد والمجتمع”.

ومن المتفق عليه بين المشتغلين بمكافحة الأمية أن تعليم الأميين القراءة والكتابة ليس غاية في ذاته، بقدر ما هو وسيلة لترقية حياة الفرد والمجتمع، فبالقراءة يستطيع المستفيد أن يعرف ما يقع في مجتمعه، وما يجري في العالم، ويستطيع أن يكتسب المعلومات التي تساعده على الرفع من مستوى معيشته، وتحسين حالته الاقتصادية، وأداء واجباته المدنية، والاشتراك في أنشطة مجتمعه، وإشباع رغباته الروحية، والمعنوية. وهكذا تؤدي معرفة القراءة والكتابة إلى مساعدة المستفيد على حل مشكلاته وتحسين حياته، والمساهمة في تقدم وتنمية المجتمع.

وعلاقة بالموضوع أعلاه، حاولنا في هذه الدراسة قدر الإمكان الاستعانة بتخصصات معرفية متعددة واستيراد مفاهيم من مختلف الحقول المجاورة للسوسيولوجيا في اطار تفعيل مقولة بيير بورديو حول إمكانية هجرة المفاهيم شريطة تبيئة هذه الأخيرة مع اهداف بحثنا، هكذا وجدنا أنفسنا ونحن بصدد انجاز مشروعنا حول برنامج محو الأمية ودوره في التنمية البشرية امام محاولة في التركيب على اعتبار ان عملنا تتوفر فيه الشروط النظرية والمنهجية لإنجاز الدراسة التركيبة وذلك لاعتبارين أساسيين:

اولا توفر المعطيات الامبيريقية والتراكم النظري الكافيين اللذين يمكنان من عملية الانجاز ، ومن خلال مسارنا البحثي نعتقد جازمين ان هذا المعطى متوفر الى ابعد الحدود ، حيث نجد ان تطبيق هذه التجربة تنامت، خصوصا في العقود الأخيرة لاعتبارات وضرورات وطنية وكذلك بإيعاز من المؤسسات الدولية وهو ما ادى الى تراكم العديد من النماذج والتدابير التي استطاعت تحقيق نتائج ملموسة كان بمثابة متون ومادة دسمة امكن ملاحظتها ودراستها واخضاعها للنقد الابستمولوجي من مختلف التخصصات التربوية والسوسيولوجية والقانونية والدينية، وبالتالي فعملنا يهدف الى التوصل الى خلاصات هذه الدراسات وما اسفرت عنه من مواقف واتجاهات ومقترحات وتوصيات في هذا الشأن.

ثانيا دراستنا المندرجة في اطار محاولة في التركيب حاولت ملأ الفراغ القائم في الاتجاه النظري والمنهجي الذي اتبعته الدراسة ، ذلك ان الدراسات في مجال محاربة الأمية ابانت عن محدوديتها بحيث انها قاربت الموضوع من زاية محدودة ناتجة عن وحدة الاختصاص ، لذلك حاولت دراستنا النهوض قدر الإمكان بمقاربة تقدر الاهمية للدراسة التركيبة من منظور شمولي ومتعدد الاختصاص، وذلك باقتراح رؤيتين حول المنهاج، وحول الفرص الممكن استثمارها مما جاء به النموذج التنموي من توصيات واقتراحات في الشأن المرتبط بالعنصر البشري وتقوية قدراته.

لذلك عمدنا وانسجاما مع هذا الطرح مقاربة موضوعنا محاربة الأمية تحليلا يعتمد على تراكمات نظرية كذلك الاعتماد على تحليل ملموس لوضعية الأمية المتفشية انطلاقا من البعدين النظري والامبريقي استطعنا في مخرجات البحث تقديم اهم الدعامات التي نعتبرها اضافة اساسية في المنهاج في مجال محاربة الامية، وتفعيل أجزاء من النموذج التنموي في شقه التنموي البشري.

أولا: منهاج محو الأمية بالمساجد أفق للتنمية

1: الدعامات الأساسية لبرنامج متكامل لمحو الأمية.

أ – عملية التعلم والتعليم

عملية التعلم كل نشاط يقوم به المستهدف من برنامج محو الأمية بالمساجد بغية مراكمة معارف وخبرات تعلمية من أجل إحداث طفرات على مستوى تصرفاته وإنجازاته.

أما التعليم، فهو كل الأنشطة والقدرات والمهارات المخطط لها سلفا، ينزلها مؤطر الدروس لفائدة المستفيد حتى يمكنه من المعارف والمهارات والقدرات…يقوم بها المعلم لتمكين المتعلم من اكتساب مجموعة من المعارف والمهارات… إلخ.

والمستفيد إذا لم يقابل مجهود المؤطر بإيجابية وتفاعل، سينعكس ذلك على العملية التعليمية.

  1. متطلبات تنفيذ العملية التعليمية[2]:

لا شك أن مهنة التأطير من المهام التي تتطلب عددا من المهارات الذهنية والحركية، التي يجب أن يلم بها مؤطر محو الأمية وخاصة في مادة القراءة والكتابة بمحو الأمية بالمساجد، يحتاج إلى إلمام بالإضافة الى المؤهل العلمي إلى تملك استعمال الوسائل والأساليب (الطرق) لعرض المادة، وفهم موضوعي للقضايا والمواضيع بالمنهاج.

ومكون القراءة والكتابة لم تأخذ المكانة النوعية من اهتمام كثير من مؤطري البرنامج كبعض المواد الأخرى المكونة للبرنامج مثلا التربية الإسلامية والدينية، الأمر الذي جعلها عاملا مؤثرا على مواد البرنامج جميعها.

وبناء عليه، سنعرض بعض الأدوات التي تتطلبها أجرأة فعالة لمهمة التأطير عامة، وخصوصا تأطير مادة القراءة والكتابة، لكي نسهل على المستفيد التعلم والتكوين بشكل تربوي أفيد، ومن هذه الأدوات المساعدة على تنفيذ التأطير الجيد ما يلي:

  • التمكن والإلمام بمحتوى المادة، والإلمام بالوسائل والأساليب المستخدمة في عرض

المادة؛

  • معرفة خصائص المستفيدين وحاجاتهم، ومهارة إدارة الفصل، بحيث يحتاج المؤطر

إلى مهارات وقدرات في إدارة الفصل، كتوزيع الأنشطة على المتعلمين: بحيث “يجب ألا يكون الانفراد بأدائها، بل عليه أن يجهزها ويعيدها في نماذج معينة أو يضعها في صورة مشكلات، ومواقف تحتاج إلى تفكير علمي.”

  • حفظ النظام داخل الفصل، والاهتمام بالمادة التعليمية التي يقوم بتدريسها، واستخدام

أسلوب التشويق داخل الفصل، والتمكن من الاتجاهات الحديثة في تعليم اللغات، كالاتجاه الموضوعي، والذي ينص على ان المواد الدراسية يجب أن يتم تعلمها منفردة، حتى لا يختلط الأمر على المستفيد (الأمي)، والاتجاه المترابط، والذي يقوم على أنقاض الاتجاه السابق ويعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن اللغة “وحدة متكاملة”، لا يمكن تجزئتها وتقسيمها إلى حصص، ثم الاتجاه الوظيفي، والخبراتي: الذي يعتمد على الدرس اللغوي المنطلق من خبرة المستفيدين ذات البعد الوظيفي، واهتماماتهم اليومية كمدخل لبناء الجمل وتراكيب الدرس، وأخيرا الاتجاه البنياني، ينبني على أساس النظرية السلوكية التي تؤكد أن تعلم اللغة، ليس إلا تكوين العادات الصحيحة من خلال التجربة المكثفة. مع ما يرافق كل ما سبق من نظام صوتي ونحوي معجمي عبر الاستضمار والتصحيح الذاتي للنطق، والإدراك الضمني والصريح، وبناء المعجم الأساسي، ثم الفهم الآلي أو الحرفي، والعلائقي، والمجرد، والإدماجي المركب، والتأويلي العميق، والتدريب التحدث التكراري مبنی ومعنى الانتاجي الاصطلاحي، والاسترسالي الابداعي، وأخيرا التذكر والاستظهار، والقراءة من أول مراحلها المتمثلة في مهارة استبطان میكانیزمات النظام الترميزي، ثم القراءة التحليلية، والمتفحصة الناقدة المصحوبة بالكتابة.

وفي إطار التنفيذ الأمثل للعملية التعليمية، لابد من استحضار مبدأ أساسي يتجلى في مواكبة تطور فلسفة القراءة والكتابة من لدن العنصر البشري (المؤطر ) المشرف على تعليم وتأطير الأميين ، كونها دائمة التطور والتجدد، فهي تظهر في شكل القدرة على فك الرموز المكتوبة، ثم تتحول إلى عمليات ومظاهر أخرى تفرضها تحول موقع القراءة نفسها، وذلك حسب المتطلبات والمستجدات الوضعية القرائية، صرح بذلك عالم النفس السلوكي (ثورندايك)، حيث وصفها، بأنها : “نشاط معقد تتداخل فيه عمليات ذهنية تشبه إلى حد كبير تلك العمليات التي يقوم بها الشخص المتعلم عند حله لمسألة رياضية، فهي تتطلب وتستلزم الفهم والربط والاستنتاج”، ثم تتحول إلى القراءة الناقدة والتواصل الوجدانی، ثم منهجا وأسلوبا من أساليب النشاط الفكري في حل المشكلات، أو في الترويح والترفيه على النفس. هذه كلها اعتبارات تجعل من استحضار أهمية القراءة والكتابة في النمو والرقي الاجتماعي، ووسيلة الاتصال والتواصل بين المجتمع وافراده، ونقلهم من الخضوع للتقاليد والخرافات إلى موقع متقدم من المعرفة والعلم، وكما يقول العقاد “لست أهوى القراءة لأكتب ولا أهوى القراءة لأزداد عمرا في تقدير الحساب، وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني …

  1. التعلم دعامة أساسية للأميين (المستفيدين)

تعد القراءة والكتابة إحدى أهم مجالات التعلم التي لم تحظ بالاهتمام الكافي، خاصة في مجال محاربة الأمية، فهي تحتاج إلى معالجات ممنهجة بغية جعل منهاجها يتلاءم مع مستوى المستهدفين من محاربة الأمية بتقنيات وطرق علمية، ومواكبة للتطورات الحالية، وكل ذلك من أجل مردود تعليمي ذي طائل..

ويهدف هذا الأمر إلى الإسهام في بناء منهاج عملي إجرائي لمادة القراءة والكتابة، بقطاع محو الأمية بالمساجد، يتغيى أن يكون رافعة أندراغوجية وديداكتيكية فعالة وفاعلة تمنح للفاعلين وللمستهدفين الميكانيزمات والمهارات الأساسية، قصد إنتاج قرائي وكتابي من مستوى عال، وفي هذا السياق حاولنا قدر المستطاع أجرأة عمليتي “التعلم” و”التعليم” بمنهاج القراءة والكتابة في إطار أفق للتفكير..

2..- قدرات ومهارات تعلم القراءة والكتابة

لكل مستوى تعليمي قدرات ومهارات خاصة به تتعلق بمادة القراءة والكتابة، ينبغي أن تدرك وتصرف بالكيفية والزمان المناسبين، فالقيام ببعض الممارسات التربوية التي تبعث روح القراءة، والرغبة والميل إليها بنفوس المستفيدين، كتعيين القدرات والمهارات المرجوة سلفا لكل تخطيط وفق مواصفات ومعايير معينة من أجل تفعيل النمو القرائي عبر تقوية قدرة التعرف والنطق، وإدراك صورة الكلمة الكلية، ثم صورة الحرف، وباعتماد الإدراك البصري عبر الكلمة مألوفة للمستفيد (الأمي)، والإدراك السياقي، واستحضارالكلمات المعروفة في الموقف التعليمي المناسب من خلال قدرة التذكر والاحتفاظ بالكلمات المعروفة لدى المستفيد. مع العلم أن نجاح أي طريقة من الطرق رهين بالاستجابة إلى الاقتصاد في الوقت والجهد وبلوغ الأهداف المرجوة، سواء تعلق الأمر بالطريقة الجزئية ذات الأسلوب التركيبي كالأسلوب الأبجدي، أي تعليم المستفيدين الحروف بترتيبها المعروف (الف باء تاء جيم حاء خاء ….)، وبعدها تهجي مقاطع صوتية بحرفين مثل (بن، دب ، أم)، وبعدها مقاطع من ثلاثة أحرف مثل (أكل، نام، دار، باب)، أو الطريقة الكلية ذات الأسلوب التحليلي، ولها سبيلان، الأول سبيل الكلمة عبر ترسيخ شكل الكلمة في ذهن المستفيد. بتكرار القراءة النموذجية والمزاوحة بين الكلمة والصورة التي تمثلها، وبالتدرج يتم الاستغناء عن الصورة، ثم هناك أسلوب الجملة، ويعتمد على جمل بينها ارتباط في المعنى قصيرة وقريبة من المستفيدين، ويكتبها على السبورة، ثم ينطق بالجملة وينطقها المستفيدين أفرادا وجماعات لمرات، وبعد ذلك تعرض جملة أخرى لها كلمات مشتركة مع الجملة الأولى، و بعد تکرار بعض الجمل المختلفة، يتولد الاستعداد لدى المستفيد للانتقال إلى تحليل الجملة، وإدراك جزئياته، التي يكفي رؤيتها للتعرف عليها.

3..- الأهداف المتوخاة من التعلم وفق منهاج آفاق محو الأمية بالمساجد

تكمن أهمية تحديد الأهداف التعليمية في مراعاتها عند اقتراح المنهاج، لأنها ترتبط بفلسفة وكينونة المجتمع، ونوعية المداخل البيداغوجية والأندراغوجية المتبعة، والكفايات المستهدفة، وفي غياب الأهداف أو عدم وضوحها، يصعب التحدث عن مقرر مادة مقروءة ولا طرق وأساليب تأطيرية داخل الفصل المسجدي. وبالتالي استحضار الأهداف التعليمية، وصياغتها بطريقة علمية وتربوية، من حيث دقة العبارات والوضوح وقبولها للقياس… لذلك تبقى أهمية الأهداف جد بالغة.

لهذا فإن إحداث منهاج وفق آفاق محو الأمية بالمساجد، واعتباره من لدن كل المشتغلين بمثابة لوحة قيادة للعملية التعليمية، من حيث اختيار المادة والوسيلة والأنشطة والخبرات التعليمية والطريقة المناسبة، وتحسين التواصل بين مختلف الأطراف (فاعلون رسميون، مؤطرو البرنامج، إدارة، موارد بشرية،)، وتغذية راجعة، فيعتبر حجر الزاوية في العمل التربوي، الذي يتفاعل معه المستفيد، حيث يكتسب عن طريقه خبراته ومعارفه، ويمكن أن يكون له تأثير سلبي على مخرجات العملية التعليمية إن كان غير صالح.

وعليه، المطلوب من كل الفاعلين بالبرنامج التعرف على مقومات الصحيحة للمنهاج ضرورة علمية وأندراغوجية تتطلبها هذه الدعامات المقترحة. فمنهاج محو الأمية بالمساجد ينبغي أن يركز على نواحي مثل تهيئة المجال أمام المستفيدين للتعلم بالانطلاق مما هو مألوف من خلال البيئة المحيطة بهم، ويشكل معنى لهم، والاهتمام بأبعاد الشخصية للمستفيدين، وخلق حلقة وصل بين الفصل المسجدي والمجتمع.

من الخصائص الأساسية لأهداف منهاج أفق محو الأمية، ينبغي أن تكون الأهداف شاملة لأدوار واستراتيجيات برنامج محو الأمية، وتنطلق من واقع الأميين المستهدفين من البرنامج، وتعبر عن فلسفة المجتمع وإيديولوجيته وحاجات المستهدفين. وتعتمد صياغتها على صياغة الغايات والأهداف العامة والخاصة بمحو الأمية بالمساجد، والتي ينبغي أن تعكس فلسفة المجتمع المغربي، وتنطلق من حاجات المستهدفين، ثم بعد ذلك صياغة مفردات المنهاج، والتي تتمثل في عناوين مفهومة لدى المستهدف من عملية محو الأمية، والتي من خلالها يتم تحقيق أهداف منهجية من المادة التعليمية المقروءة، ليكون دور المؤلف تحويل كل ما سبق إلى أهداف سهلة التحقق على المستفيدين، غير أن صياغة الأهداف العامة الكبرى من اختصاص آل الشأن التربوي بالبلاد. بينما الأهداف التعليمية الخاصة بدرس القراءة والكتابة، هي تلك الأهداف التي تتحقق من خلال درس معين، أو أداء يصل إليه المستفيد من خلال دراسته، مثلا: أن يحدد المستفيد الحروف التي لها شكل متقارب” ب ت ث ج ح خ”، وقد تستهدف الأهداف التعليمية، النطاق الإدراكي، أو النطاق المهاري، أو النطاق الانفعالي.

النطاق الإدراكي[3]، وللإشارة تمت الاستعانة في هذا الباب، توضيح المستويات الرئيسية والفرعية للمجال المعرفي، كما حددها بلوم، يضم في تبييئته التربوية المسجدية على ستة مستويات مرتبة ترتيبا تصاعديا (في إطار تطويع رؤية (بلوم) ورفاقه في تصنيف الأهداف) تبعا للتصرف المتوقع، ووفقا لدرجة صعوبة المادة التي يظهر فيها هذا السلوك، وهي: المعرفة، والفهم أو الاستيعاب، التطبيق، والتحليل، والتركيب، التقويم.وتتحقق مستوى المعرفة مثلا عند طرح اسئلة الحفظ والاستيعاب لمعرفة مدى ما ترسخ في ذاكرة المستفيد من النص المقروء، مثل المصطلحات القرائية مثل الوقف، التنغيم، السياق وتمثل المعنى…، والاتفاقات المتعلقة بالحركات نحو “تعني الضم” و”تعني النصب” و”تعني الجر”. و”تعني التنوين”، ” وتعني “الاستفهام ” و”تعني التعجب”. أما الفهم، والتفسير والتأويل، والاستخلاص، مثال: استخلاص العوامل المؤثرة على الكاتب من خلال النص. أما التطبيق، مثال: تطبيق قواعد لغوية على نصوص قرائية، أو اعتماد أساليب ونماذج قرائية على نصوص جديدة، أما التحليل بخلاف الفهم الذي يتعامل مع إدراك معنى أو محتوى المادة فقط. كتحليل العناصر، والعلاقات، والمبادئ التنظيمية. بينما التركيب، كسلوك إبداعي مثال إلقاء كلمة من إنتاج المستفيد متمثلا فيها المعنى بطريقة مشوقة وجذابة. ثم التقويم، حيث يتم إصدار أحكام بصدد مادة ما في ضوء معايير داخلية أو خارجية.

النطاق الانفعالي[4]، يهتم بإثارة الدوافع والرغبات والميول لدى المستفيدين، ومستوياته هي التقبل أو التلقي كتنمية الشعور، والرغبة في التلقي، وتوجيه الاهتمام، والاستجابة التجاوب. ثم التثمين أو اعطاء قيمة، من خلال قبول القيمة، أو تفضيلها، أو الالتزام بها. ثم التنظيم، وهو عملية بناء وترتيب الأولويات بالنسبة للقيم التي يلتزم بها المستفيد.

النطاق المهاري[5]، يهتم بالمهارات الحركية، وأقسامها، الإدراك الحسي مثل، استخدام الحواس لإدراك الجمل والألفاظ المراد تعلمها. ثم الحالة، مثل استخدام أنواع من النشاطات التي تهييئ المستفيد، وتجعله يقبل على القراءة بشغف واهتمام. كالاستماع إلى القصص ومناقشتها، أو النظر إلى الصور ومحاولة تفسيرها، أما الاستجابة الموجهة أو الظاهرية مثل: أن يصل المستفيد إلى مستوى أداء مهارة قرائية متمثلا فيها المعنى، أو مهارة كتابية يدوية. ثم التكيف. والإبداع، مثل قراءة المستفيد بعض الكلمات عن طريق التعبيري الجسدي.

4- المحتوى:

بعد المرحلة الأولى، التي هي تحديد الأهداف، يأتي المحتوى، باعتباره جميع المتون والأنشطة والمواقف التعليمية، التي سيقوم بها المستفيد في الفصل المسجدي وخارجه، لتحقيق أهداف تربوية معينة.

أما المرحلة التي تلي ذلك، فهي عملية التأليف للمقرر الدراسي أي تناول الفقرات المحدد سلفا على شكل عناوين كبرى بالمنهاج بالشرح والعرض والتقديم، بأسلوب مناسب، وعملية العرض هذه، يجب أن يتوفر فيها التسلسل المنطقي والنفسي للمادة، وفق مداخل وأساليب عرض مادة القراءة والكتابة

  1. دعامات عرض المحتوى:

تقوم طريقة عرض المحتوى على المستوى الإدراكي للمستفيد الأمي، وطبيعة مادة (المحتوى)، وإمكانية المؤطر ودرجة استعداده وإعداده، وفي هذا الإطار ينبغي على مؤطري الدروس الأخذ بمداخل تعمل على تقديم المادة التعليمية، باستثمار الوسائل التعليمية، التي تقوي القدرة على القراءة الصحيحة المتقنة، وتساعد على صحة الكتابة تهجيا وكتابة ونطقا من حيث الهجاء، ومن اللازم تجنب العشوائية والتخبط، بعقلنة الفعل التعلمي القرائي والكتابي وتخطيطه وفق الأهداف التعليمية، يدفع المستفيد إلى تحريك قدراته الكامنة، وإثارة شغفه للإقبال على القراءة والكتابة – ليست بصورتها التقليدية – وإنما بمداخل عرض جديدة، وأساليب حديثة ومتميزة، تعمل على توظيف مهاراته.

  1. مداخل عرض المحتوى

فكل مدخل من مداخل عرض محتوى القراءة والكتابة، يرتبط بمجموعة من العناصر المتداخلة، ولعل أبرزها، طبيعة إدراك المستفيد وخبراته وحاجاته[6]، وطبيعة المحتوى، وقدرات المؤطر ودرجة إعداده وتحضيره للدرس. ومع ذلك ينبغي التسلح بمدخلين مهمين، وذلك استحضارا لما توصلنا إليه من خلال هذه الدراسة.

المدخل الملموس، يقوم على تقديم المحتوى التعليمي باستثمار كل المعطيات الواقعية بمحيط المستفيدين والدعامات الوسائل التعليمية المتاحة، وينقسم هذا المدخل إلى أسلوبين، أسلوب الملموس الكلي، ويستثمر وسائل تعليمية حقيقية متوفرة في البيئة المحلية للمستفيد أو تعد خصيصا لذلك. ثم أسلوب الملموس الجزئي، باستثمار بعض الوضعيات الحياتية في تبليغ المقصود التربوي، كما يمكنه الاعتماد على تمثيل أدوار مسرحية مستمدة من الحياة اليومية.

المدخل المجرد، يكون أثناء تنزيل محطات درس القراءة والكتابة بعيدا عن استثمار الوسائل والأدوات والمعطيات المحيطة والملموسة، بحيث يعود المؤطر المستفيدين مرة مرة على هذا الشأن.

مدخل التدرج من السهل إلى الصعب، عبر وضعيات تعلمية تأخذ منحى تصاعديا من السهل إلى المرکب، ثم إلى الأشد تركيبا…، حتى يفهم المستفيد العناصر المكونة لهذا الكل المتسلسل، وبالتالي إنجاز التمارين والأنشطة بسهولة.

مدخل التدرج من المعلوم إلى المجهول، يقوم المؤطر بزيادة إدراك درس القراءة والكتابة للمستفيدين بتعليمهم لمكوناته والتوليف بين عناصره وتوضيحها.ثم مدخل التدرج من الجزء إلى الكل والعكس. وأخيرا مدخل تحليل محتوى الدرس.

5- دعامة الوسائل والطرق والأساليب:

هنا ينبغي استحضار وبشكل عال المثل الصيني “إن الصورة خير من ألف كلمة”. وبالتالي فدور الوسائل والطرق والأساليب والاستراتيجيات المختلفة، واستثمارها في مساعدته على أجرأة الدرس، تبعا لما أكد عليه ابن خلدون[7]: ” بأن نقل المعانية أوعب وأفيد وأتم من نقل الخبر والعلم، فالكلمة الحاصلة عن المعاينة أرسخ من نقل الخبر”.

إن مرحلة بناء وتصميم نموذج مبسط لمنهاج محو الأمية بالمساجد، ينبغي فيه مراعاة اختيار الموضوعات ذات الصلة بوسط عيش المستفيد وماتعة له ومشوقة وباعثة على نشاطه وانتباهه، عند بنائه وتصميمه، يراعى ما يلي:

الدعامة التربوية-الاجتماعية:

أ- مراعاة الاتجاهات والقيم الاجتماعية: إن كل وسط مجتمعي، يحاول قصدا أن يؤسس مناهج تتفق مع قيمه ومفاهيمه واتجاهاته، فالمجتمع الذي يؤمن بفلسفة الدين الإسلامي أو بالفلسفة التضامنية أو الديمقراطية على سبيل المثال، يضع مناهج تعليمية ودراسية تتماشى مع هذا الاتجاه…، وعليه، فإن كل الوضعيات التعليمية والتعلمية والمواقف والأنشطة التعليمية، تتضمن مفاهيم ومصطلحات وتوجيهات تمتح من المبادئ الفلسفية التي يعتنقها، ويحافظ عليها. وينبغي مراعاة الواقع الاجتماعي: وهنا نقصد ما يتطلع ويحتاج إليه المستفيد من متطلبات وأمور تعني له شيئا دالا في نفسيته وحياته الاجتماعية.

وبناء عليه، نقترح صياغة بعض النماذج لأهداف وغايات كبرى، تمثل الفلسفة التربوية لمنهاج برنامج محو الأمية بالمساجد، مثل:” توثيقا للروابط التاريخية وضمانا لمصالحه، سوف يسهم كل أفراد الشعب المغربي للعمل إلى بناء الاتحاد المغاربي والتضامن مع شعوبه، وتعميق أواصر الأخوة والانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية.

ب-الدعامة التربوية- الفردية: ويتمثل في إبراز الجانب الوظيفي للمنهاج منهجا من حيث التنظيم والتدريب والتكرار، ثم من حيث الجانب النفسي- السيكولوجي[8]، والجانب التشاركي فكل ما يتصل بوسط وبيئة المستفيدين فهو أحب وأقرب إلى نفوسهم قبل عقولهم، وأكثر رسوخا في أذهانهم، ومن أبرز الركائز التي يجب مراعاتها عند تصميم المنهاج كحاجة الأمي المستفيد لجودة النطق، وحسن الأداء وكمال المعنى واستيعاب المحتوى، وتحويل المعلومات ونقل الأفكار والتعبير عن المشاعر وتهجير المفاهيم للآخرين بوضوح ودقة، ومن تم استثمار أفكار وملاحظات وآراء المشرفين على العملية التعليمية ببرنامج محو الأمية بالمساجد، والمهتمين وآل الاختصاص ببناء مناهج[9]. ولا ينبغي أن ينظر الى برامج محو الأمية كأنها محطة للاستدراك لما خلفته المدرسة الابتدائية في شأن أدوارها ووظائفها، وهنا يمكن أن نقول أن التشابه بينهما نسبيا، وليس هناك مبررات منطقية تبرر وتمنح الحكم لصالح مبدأ تطبيق مناهج الصغار على الكبار[10]. وضمانا لتفاعل أمثل بين القائمين على شأن محو الأمية والمنهاج المقترح بخصوص مستوى صعوبة وبساطة النص، ومدى قصر أو طول الكلمة فالعبارة فالجملة، ثم الفقرات، حجم وعدد الكلمات، يمكن الاستفادة من بعض الاختبارات التجريبية كاختبار الانقرائية ل “Flesch”[11]، باعتبارها الخلفية المرجعية لكل مشروع جدي في مجال المناهج واعداد كتب محو الأمية.

وفي أفق إنضاج إضافات نوعية تخص محتوى محو الأمية بالمساجد، يمكن الابتعاد عن مرجعية تآليف التعليم النظامي المدرسي وغير النظامي عند إعداد كتاب محو الأمية بالمساجد تحيينا أو تأليفا، والابتعاد عن أسلوب الفرض أو الموعظة أو النصح المباشر، واعتماد بدله منهجية الاستدخال التلقائي الذاتي عند تكريس المواقف وبث الاتجاهات والقيم المرغوبة، ومراعاة متغيرات المحيط الاجتماعي والمادي والمهني للمستهدف الأمي، ثم ينبغي أن يكون الإخراج الفني لائقا كـ” بنط الحرف (24)، العناوين 36″، ويتم تصغير الحروف مع تقدم القارئ في القراءة .

ثانيا: النموذج التنموي المغربي 2035 أفق للاستثمار في برنامج محو الأمية بالمساجد

في إطار قاعدة المواءمة بين النموذج التنموي ومخططات برنامج محو الأمية بالمساجد وغاياته في النهوض بهذا الورش التأهيلي التعليمي الوطني (للأميين وكافة المنخرطين)، والعمل على بناء التعلمات الوظيفية والكفايات الأساسية والارتقاء بأنشطة التأطير والتكوين، ومن تم مواكبة التطلعات الخمسة للتحول الحضاري في أفق مغرب 2035، سطرها النموذج التنموي المغربي الجديد في مغرب الجرأة، ومغرب الكفاءات، ومغرب دامج، ومغرب مزدهر، ومغرب الاستدامة.

ولمسايرة الأهداف التنموية للنموذج التنموي المغربي الجديد2035، ومواكبة محاوره المتمثلة في الاقتصاد والرأسمال البشري والإدماج، وكذا توطيد الروابط الاجتماعية، والمجالات الترابية والاستدامة، يمكن لنا أن نستلهم من الطموحات الخمسة موصفات أساسية وأهداف دقيقة لهذا المقترح، وهي كالآتي:

1- التعريف بالنموذج التنموي الجديد[12]

يعد النموذج التنموي الجديد خطة لرؤية مستقبلية استشرافية طموحة، تراهن على تحقيق إقلاع حضاري على أساس التعددية والإدماج وإشاعة القيم، واستثمار كافة مقومات التنمية في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية…، يشتمل على 153صفحة، يحمل التقرير عنوان النموذج التنموي الجديد (تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع) مقسم إلى ثلاثة أقسام: مغرب اليوم وعالم الغد؛ النموذج التنموي الجديد: مغرب الغد؛ رافعات التغيير، بالإضافة إلى تضمنه مجموعة من المحاور الاستراتيجية، وخاصة بالقسم الأول، التي تشكل إطارا للعمل والتنفيذ والتنزيل على أرض الواقع.

في حين، نجد أن برنامج محو الأمية يهدف تأهيل المستفيد وجعله قادرا على الانخراط في محيطه والاندماج في المجتمع من خلال محتوى البرامج، وأساليب التعلم، تطوير التجربة، وبالتالي فهو مدخل أساس للاستثمار في الرأسمال البشري اللامادي، عبر الإسهام في القضاء على آفة الأمية ببلادنا،

2- مجالات المواءمة والاستفادة من النموذج التنموي

أ- يمكن الاستفادة من تقرير النموذج التنموي على مستوى الملاحظات السوسيوتربوية المثارة به، مثل الارتقاء بالمجال التربوي ككل، وضرورة الربط بين جودة الأداء منظومة محاربة الأمية وبين تسريع وثيرة التنمية، وتعليم الكبار والتأهيل المهني في أفق تحقيق تطوير الاقتصاد، والرأسمال البشري، و إدماج المواطنين في المجهود التنموي الجماعي، وتعزيز مكانة المجالات الترابية.

ب-الاستفادة على مستوى المفاهيم ذات الطبيعة التنموية، ومن أبرز ها، المغرب اختيار، التعددية، علاقة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالتعلم، مغرب الإدماج والتضامن، إشاعة قيم المواطنة، التعاون، إقلاع حضاري، مغرب الكفاءات والاستدامة، اقتصاد المعرفة، الجرأة، الجودة، الحكامة، آليات منتظمة للتقييم، الانفتاح، العيش المشترك، شعار النموذج التنموي:” تحرير الطاقات واستعادة الثقة في أفق سنة 2035″.

3- محاور المواءمة على مستوى دينامية محتوى النموذج

أ-فرص تنموية للبرنامج بين اليوم وعالم الغد[13]: تتجلى في المقاربة التشاركية لرصد تصورات المواطنين والفاعلين، وتسليط الضوء على المكتسبات بالإضافة والتطلعات، والمكتسبات على درب التنمية كما وردت في الإطار المخصص لها، وتجلت في تحديث البنية التحتية، وبرنامج الطاقة المتجددة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ونظام المساعدة الطبية (راميد)، ثم تعميم التعليم، وفك العزلة عن العالم القروي وربطه بشبكة الكهرباء، ومحاربة السكن غير اللائق؛ انخفاض في معدل الفقر، وهيكلة الحقل الديني، والإقرار بالتعددية الثقافية والإصلاحات السياسية والمؤسساتية من خلال دستور 2011.

ب-إكراهات وتهديدات للفرص التنموية، حيث هناك غياب تناسق عمودي بين الرؤية والسياسات العمومية المعلنة والافتقار إلى الالتقاء الأفقي بين هذه السياسات، ومن أبرز تجلياتها ضعف في ترتيب أولويات الاستراتيجيات والبرامج، وضعف التنسيق حول المواضيع الأفقية، واقتصاد مغلق جزئيا جراء منطق الريع والمصالح، وضعف الهوامش لولوج فاعلين جدد مبتكرين، وضبط غير كاف للحقل الاقتصادي مما يحد من القدرة على خلق قيمة مضافة وتسيير من القمة إلى القاعدة، والتتبع والتقييم ومواكبة التنفيذ بناء على أهداف واضحة، ثم كبح الطاقات بارتباط مع قوانين أقل وضوحا، وضعف الثقة في منظومة العدالة، وبيروقراطية وطرق تظلم غير فعالة[14].

وبالتالي، هناك محصلات تتجلى في عدم وضوح المسؤوليات، وضعف انسجام والتقائية عمل الفاعلين[15]. بالتالي اعتماد مرجعية جديدة للتنمية وفق الانتظارات التنموية، التي خلصت إليها جلسات الإنصات والتشاور تهم التعليم، والصحة والنقل والتنقل ومجال الثقافة[16].

4- الآفاق التنموية لبرنامج محو الأمية[17].

يتطلب طموح مغرب الغد بلوغ خمسة أهداف تنموية متداخلة ومتكاملة بشكل مواز، تتجلى في تحقيق الرخاء والتمكين والإدماج والاستدامة والريادة الجهوية وهي؛ وهي مغرب مزدهر يخلق الثروات وفرص عمل جديدة في مستوى طاقاته؛ ومغرب الكفاءات حيث يتوفر جميع المواطنين على مؤهلات ويتمتعون بمستوى من الرفاه يمكنهم من تحقيق مشاريعهم في الحياة والمساهمة في خلق القيمة المضافة، ومغرب دامج يوفر الفرص والحماية للجميع ويعزز الروابط الاجتماعية، ومغرب مستدام يحرص على المحافظة على الموارد في جميع أنحاء التراب الوطني، ومغرب الجرأة يسعى إلى الريادة الإقليمية في مجالات مستقبلية محددة متشبثا بانفتاحه على العالم وواثقا في مؤهلاته لتعزيز إشعاعه الإقليمي، وفق مبادئ وبنود استراتيجية لتقوية القدرات ومقاربات مشتركة مبنية على الاقتصاد، والرأسمال البشري، وفرص لإدماج الجميع، والمجالات الترابية والاستدامة وقادرة على التكييف وترسيخ التنمية.

أ- رافعات التغيير ببرنامج محو الأمية بالمساجد

تمثل الرقميات أولى هذه الرافعات الحقيقية للتغيير والتنمية، ثم الجهاز الإداري الحامل والمحرك الأساسي لتنفيذ جزء مهم من أوراش التنمية بتعاون مع الفاعلين الآخرين. ثم الشركات الدولية للمغرب، عبر الانفتاح على المحيط الإقليمي والدولي والالتزام الدائم بالدفاع عن القضايا المشتركة ومساهمته في رفع التحديات العالمية.

ب – تعزيز الرأسمال البشري بالبرنامج

يعتبر تعزيز الرأسمال البشري محدد ا حاسما لنجاح المشروع التنموي الجديد لكونه وسيلة تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص ومنح كل المواطنين القدرات التي تمكنهم من الأخذ بزمام أمورهم والمساهمة في التنمية، ويتبنى المشروع التنموي الجديد مفهوما جديدا تجاوز المفاهيم التقليدية ويؤكد على ضرورة إحداث نهضة حقيقية للمنظومة التربوية، ويرتبط مصطلح النهضة عادة بإعادة إحياء نموذج أو تراث أو ممارسات سادت في الماضي وأصبحت لا تناسب الحاضر، وتسريع دينامية التغيير، وعلاقة بالمنظومة التربوية كتكوين المؤطرين، وجودة التعلمات، ومنظومة التقييم، والمناهج، والتركيز على تأهيل العنصر البشري وتيسير الاستفادة من الحماية الاجتماعية لفائدتهم، وتطوير المناهج المعتمدة والإسهام في بناء مجتمع متماسك ومتضامن، والتشبع بقيم المواطنة الصادقة، والحرص على التقييم والمتابعة، وإرساء نظام تدبير إداري الكتروني للبرنامج، وتشجيع إدماج الشباب، ليكون قادرا على الانخراط القوي والمؤثر خدمة لتنمية ذاته ويحقق طاقاته ويساهم في تنمية البلاد، وتوفير فضاءات لتمكين الشباب من التعبير والمبادرة والمشاركة المواطنة، ودمج الثقافة في بيئة منظومة محاربة الأمية، وخاصة أن المغرب بلد غني بتنوعه الثقافي وعمقه التاريخي وتراثه المادي واللامادي، وفي هذا السياق، يجب أن تصبح الثقافة بالمغرب رافعة متعددة الأبعاد للرخاء الاقتصادي وللرابط الاجتماعي المتماسك وللقوة الناعمة في المجال الجيوسياسية، ودعم إدماج النساء للمساهمة في التنمية التنافسية، ورفع الاكراهات الاجتماعية والحقوقية التي تحد من مشاركة النساء، وتفييئ المستفيدين حسب الاهتمامات الى شعب، وبرمجة مواد مشتركة ومواد خاصة، وتنظيم دورات تكوينية حسب طبيعة المهن المستهدفة، وعقد شراكات مع إدارات مختصة كالأبناك، وفتح المجال أمام المتقاعدين للمساهمة في برنامج محو الأمية مساهمة في نقل بعض التجارب على غرار تجربة بعض الدول الرائدة في مجال محاربة الأمية.

وفي ختام هذه الدراسة السوسيو- تربوي حول ظاهرة الأمية، حاولنا قدر المستطاع صياغة أفكارا جديدة، منطلقها الواقع والتجربة، حيث مكنتنا إلى حد ما رسم معالم هذه الدراسة، وما قدمناه من مقترحات واقعية وملموسة، يبرز بوضوح وجلاء المجهودات التي ينبغي أن تستدرك في مجال محاربة الأمية، وهذا لا يعني أن الطريق سهل وميسر بل يتطلب مجهودات أكبر خصوصا مع رهان وتحدي النموذج التنموي المغربي الجديد الذي خصص أجزاء مهمة من محتوياته، ركزت على العنصر البشري كرافعة أساسية للتنمية المتعددة الأبعاد، ومن تم التركيز على صيانة وحماية حقوق الإنسان في شموليتها وخصوصا حقه في التعليم.

قائمة المصادر والمراجع:

  • تقرير النموذج التنموي الجديد، “تحرير الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو التقدم والازدهار من أجل الجميع”، المملكة المغربية لسنة 2021.
  • أحمد التوفيق ومجموعة من المسؤولين الإداريين والتربويين بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: الاستشارة التربوية ببرنامج محو الأمية بالمساجد الواقع والآفاق، نداوات ومناظرات بقاعة المحاضرات بمقر المجلس العلمي المحلي بالرباط أيام 7.8.9 دجنبر 2012.
  • أحمد الريسوني: المؤسسات الأهلية بين الإسلام والديمقراطية، الديمقراطية والتحولات الإجتماعية في المغرب، تنسيق سعيد بنسعيد العلوي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة: ندوات ومناظرات رقم 86، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2000.
  • حسن أميلي: العمل الجمعوي بالمغرب: التاريخ والهوية، الناشر، الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، مطبعة كوثر، الرباط، 2004.
  • حماني أقفلي: الحزب والقبيلة ملاحظات حول بعض عوائق التحديث السياسي في العالم القروي، ضمن كتاب التحولات الإجتماعية والثقافية في البوادي المغربية، تنسيق إدريس بنسعيد والمختار الهراس، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات، رقم 102،الرباط، الطبعة الأولى 2002.
  • الزهرة الصروخ: المجتمع المدني في المغرب: المفهوم والتجليات، ندوة الإصلاحات الدستورية والسياسية في المغرب العربي، تنسيق أمحمد مالكي، سلسلة ندوات ومناظرات، رقم 15، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، مراكش 2000.
  • عبد الرحمان المالكي: البنيات الإجتماعية والهجرة القروية بتافيلات، المجال والمجتمع بالواحات المغربية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مكناس، سلسلة الندوات 1993 رقم 6.
  • مقدمة ابن خلدون
  • عبد الفتاح أحمد حجاج ، استراتيجيات تعليم الكبار في المجتمعات النامية وأسسها.وهو مقال ورد ب علم تعليم الكبار .المنظمة العربية للتربية والثقافة /الجهاز العربي لمحو الأمية ،الجزء2،.1985.
  • الدكتور عبد الكريم أجويلي، ومعتوق المنتني، “الأهداف التعليمية وأهميتها للتحصيل المدرسي”، المؤتمر المهني التربوي الثاني بنغازي، لسبيا 1989.
  • التقرير الختامي للندوة الاقليمية حول تدريب معلمي التعليم الأساسي ،القاهرة /مصر1989.
  • محي الدين صابر،من مشكلات محو الأمية وتعليم الكبار في البلاد العربية ،وهو مقال ورد ب علم تعليم الكبار، ألكسو،والجهاز العربي لمحو الأمية ،الجزء الثاني ،1985.
  • ليدفورد ج.بيسكوف،علم نفس الكبار ترجمة عايف حبيب ودحام الكيال ، ألكسو/الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار،1984.
  • د. محمود عودة. دراسات في علم الاجتماع الريفي و التنمية، دار النهضة للطباعة، بيروت لبنان.ص.ب.249
  • وليد خضر الزند،أسس ومواصفات إعداد كتب تعليم الكبار،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار ،1987،بغداد، العراق.
  • لائحة “نورمان جرونلند” 1921، الأهداف التعليمية ، ترجمة أحمد خيري كاظم، القاهرة دار النهضة العربية مصر.
  • لائحة “متفسيل” ترجمة محمد الدريج: تحليل العملية التعليمية، الرباط المغرب، 2019.
  • احمد العريفي، المرشد في التربية العملية، المنشأة العامة للنشر والتوزيع، مصراته، ليبيا 1994
  • التقرير الختامي لاجتماع الخبراء حول البرنامج الإقليمي لتعميم التعليم الابتدائي وتجديده ومحو الأمية في الدول العربية ،عمان /الأردن،18-20حزيران /يونيو 1988،التربية الجديدة ،
  • اختبار الإنقرائية ل flesch: delandsheere ,G.,Dictionnaire de l evaluation et de la recherche en education ,PUF,Paris,197.))
  • Brnce w.Tuckman, Measuring Educational out comes Fundamental testing Harourt brace inc, 1975

الهوامش

  1. – التقرير الختامي لاجتماع الخبراء حول البرنامج الإقليمي لتعميم التعليم الابتدائي وتجديده ومحو الأمية في الدول العربية ،عمان /الأردن،18-20حزيران /يونيو 1988،التربية الجديدة ،عدد رقم 45، سبتمبر – ديسمبر، ص 39.
  2. – د. – احمد العريفي، المرشد في التربية العملية، المنشأة العامة للنشر والتوزيع، مصراته، 1994ص16.
  3. – تمت الاستعانة في تحديد الأفعال بلائحة “متفسيل” ترجمة محمد الدريج: تحليل العملية التعليمية، ص 66.
  4. – تمت الاستعانة في جديد الأفعال بلائحة “نورمان جرونلند”: الأهداف التعليمية ترجمة أحمد خيري كاظم، ص ص 57-61.
  5. – تمت الاستعانة في تحديد الأفعال بلائحة (فورمان جرونلند) الأهداف التعليمية ، ترجمة أحمد خيري كاظم، ص 62.
  6. – وليد خضر الزند،أسس ومواصفات إعداد كتب تعليم الكبار،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار ،1987،بغداد،ص.11.
  7. – مقدمة ابن خلدون ص.40
  8. – أنظر ليدفورد ج.بيسكوف،علم نفس الكبار ترجمة عايف حبيب ودحام الكيال ، ألكسو/الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار ،1984.
  9. – عبد الفتاح أحمد حجاج ،استراتيجيات تعليم الكبار في المجتمعات النامية وأسسها.وهو مقال ورد ب علم تعليم الكبار .المنظمة العربية للتربية والثقافة /الجهاز العربي لمحو الأمية ،الجزء2،ص.202،1985./ التقرير الختامي للندوة الاقليمية حول تدريب معلمي التعليم الأساسي ،القاهرة /مصر1989.
  10. – محي الدين صابر،من مشكلات محو الأمية وتعليم الكبار في البلاد العربية ،وهو مقال ورد ب علم تعليم الكبار، ألكسو،والجهاز العربي لمحو الأمية ،الجزء الثاني ،ص.261،1985.
  11. – قام delandsheere بتكييف إختبار الإنقرائية ل flesch المعد أصلا للغة الإنجليزية، وأخضعه لمتطلبات اللغة الفرنسية، بحيث تعتمد هذه العوامل والمعايير اللغوية المشار إليها لإعطاء فكرة واضحة عن مدى انقرائية نص أو فقرة مامن كتاب المعد للقراءة، أنظر: delandsheere ,G.,Dictionnaire de l evaluation et de la recherche en education ,PUF,Paris,1979,p,276.))
  12. – تقرير النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو التقدم والازدهار من أجل الجميع، المملكة المغربية 2021.
  13. – تقرير النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو التقدم والازدهار من أجل الجميع، المملكة المغربية 2021.الإطار رقم:3؛ الصفحات: 19- 23.
  14. – تقرير النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو التقدم والازدهار من أجل الجميع، المملكة المغربية 2021، من الصفحة 28-30
  15. – – تقرير النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو التقدم والازدهار من أجل الجميع، المملكة المغربية 2021، ص.29
  16. – – تقرير النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو التقدم والازدهار من أجل الجميع، المملكة المغربية 2021، ص.35-36، وملخص لنفس التقرير ص: 8
  17. – تقرير النموذج التنموي الجديد، تحرير الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو التقدم والازدهار من أجل الجميع، المملكة المغربية 2021، ص.47