اختلاف الإعراب وأثره في تعدد معاني التفسير

الدكتورة : سعاد الشارف امبارك عيسى1

1 تخصص دراسات إسلامية (القرآن الكريم وعلومه)، محاضر بكلية التربية، جامعة بني وليد، ليبيا

بريد الكتروني: suaad4165@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3315

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/03/2022م تاريخ القبول: 19/02/2022م

المستخلص

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أمَّا بعد: لما اختلفت آراء المفسرين في بيانهم لمعاني القرآن الكريم بناءً على اختلاف أعاريبهم لها، تبين أن لاختلاف الإعراب أثره في تعدد المعاني التفسيرية، فتعدد المواقع الإعرابية يقوم مقام تعدد الآيات.

والبحث دراسة تحليلية استقرائية لبيان أثر اختلاف الإعراب في تعدد معاني التفسير، اتَّبعتُ فيه المنهج الوصفي التحليلي والاستقرائي، والاستدلالي وقد جاء البحث في مقدمة، وتمهيد، ومطالبين، وخاتمة، المطلب الأول خصصته للحديث عن وقفات بين الإعراب والتفسير والترجيح، عرفت فيه بمفردات البحث، وتناولت فيه بيان أهمية الاعراب بالنسبة للتفسير، وحاجة المفسر إلى الإعراب، أمَّا المطلب الثاني فخصصته للحديث عن أثر اختلاف الإعراب في التفسير(دراسة تحليلية تطبيقية لعدة مسائل).

وأتْبًعْتُ مطالب البحث بخاتمة، رصدتُ فيها أهم النتائج المتوصل إليها من خلال البحث، وأردفتها بفهرس المصادر والمراجع.

المقدمة

الحمد لله الذي جعل اللسان العربي أداة كتابه العزيز، وجعله حافلًا بالنفع والقول الوجيز. وصلاة الله وسلامه، وتحيته وبركاته وإكرامه، على من دلنا على الله، وبلَّغنا رسالة الله، وجاءنا بالقرآن العظيم، وبالآيات والذكر الحكيم، سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي، فصلى الله عليه وعلى آلهِ الطيبين، وأصحابه الأكرمين، أفضل الصلاة وأزكى التسليم . وبعد :

فإنَّ القرآن الكريم أشرف كتاب وأشرف كلام على هذه البسيطة؛ لذا عكف العلماء على خدمته ببيان علومه وتفسيره، وكل علم يتعلق بكتاب الله ـ عز وجل ـ يُعد من أجل العلوم، وأشرفها قدرًا، وأعلاها منزلة، واسماها مكانة.

ومن هذه العلوم علم النحو والإعراب، وقديما قالوا الإعراب فرع المعنى، ومن غير المعقول أن يقدم شخص على إعراب نصٍ يجهل معناه، لذا كان من لوازم من يريد تفسير القرآن الكريم أن يكون عالمًا باللغة وعلومها، ومنها النحو والإعراب.

ولما اختلفت آراء المفسرين في بيانهم لمعاني القرآن الكريم بناءً على اختلاف أعاريبهم لها، تبين أن لاختلاف الإعراب أثره في تعدد المعاني التفسيرية، فتعدد المواقع الإعرابية يقوم مقام تعدد الآيات.

وقد جاءت هذه الدراسة لتبين أثر اختلاف الإعراب وتعدد المواقع الإعرابية في التفسير تحت عنوان (اختلاف الإعراب وأثره في تعدد معاني التفسير) معتمدة في ذلك على تفسير الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب لما له من يد في علم اللغة وما يتعلق بها من نحو وصرف ونحوها، فقد حفل تفسيره بالكثير من القواعد والضوابط التي يصرح بها بين الفينة والأخرى للترجيح بين الأقوال المختلفة وساقتصر في هذه الدراسة على بعض القواعد الخاصة بالترجيح بدلالة الإعراب والتي نص عليها في الترجيح في تفسيره لسورتي النساء والمائدة؛ وذلك لإبراز الترجيح بدلالة الإعراب عند هذا العالم الجليل؛ ولأُبين علمه ومقدرته العالية على الترجيح به عند الاختلاف في تفسير الآيات؛ ليكون قدوة لطلبة العلم في البحث والتقصي، والمثابرة، والاطلاع الواسع، والإلمام الشامل بما يكتب مع حضور الدليل لما يرجّحه من آراء.

وقد اتَّبعتُ في هذا البحث المنهج الوصفي التحليلي والاستقرائي، والاستدلالي، وفق التقسيم الآتي:

قسمت هذا البحث إلى، مقدمة ، ومطلبين، وخاتمة، وثبت بالمصادر والمراجع.

جعلت المقدمة. لأهمية الموضوع، ومنهجه، وخطة دراسته.

أمَّا المطلب الأول- فكان بعنوان وقفات بين الإعراب والتفسير والترجيح وفيه:

الفرع الأول- التعريف بمفردات البحث.

أولاً- تعريف الإعراب لغة واصطلاحًا.

ثانيًا – تعريف التفسير لغة واصطلاحًا.

ثالثاً – تعريف الترجيح لغة واصطاحًا.

الفرع الآخر- الإعراب والتفسير وفيه:

أولًا – أهمية الإعراب بالنسبة للتفسير.

ثانيًا – حاجة المفسر إلى الإعراب.

المطلب الآخر – أثر اختلاف الإعراب في التفسير وفيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: معنى (الكلالة) في قوله تعالى: وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ ([1]).

المسألة الثانية: إعراب (كتاب الله) في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ([2]).

المسألة الثالثة: الخافض لـ(وَأَرْجُلِكُم) في قراءة الجر في قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ([3]).

وأَتْبًعْتُ مطالب البحث بخاتمة رصدتُ فيها أهم النتائج المتوصل إليها من خلال البحث، وأردفتها بفهرس المصادر والمراجع.

وفيما يأتي نتحدث عن مضمون البحث.

المطلب الأول – وقفات بين الإعراب والتفسير والترجيح وفيه:

الفرع الأول- التعريف بمفردات البحث.

أولا- تعريف الإعراب لغة واصطلاحًا:

  1. تعريف الإعراب لغة: قال ابن فارس: “(عرب) العين والراء والباء أصول ثلاثة: أحدها الإنابة والإفصاح…، فالأوّل قولهم: أعرب الرّجُل عن نفسه، إذا بيَّنَ وأوضح.”([4]).

وقال الأزهري:” الإعراب والتعريب معناهما واحد، وهو الإبانة. يقال: أعرب عنه لسانه وعرَّب أي أبان وأفصح. ويقال: أعرِبْ عما في ضميرك أي أبنْ. ومن هذا يقال للرجل إذا أفصح في الكلام. قد أعْرب”([5]).

فالإعراب بمعناه اللغوي: يتمثل في البيان، والإفصاح، والإيضاح([6]).

  1. تعريف الإعراب اصطلاحًا: لم تختلف عبارات العلماء كثيرًا في تعريف الإعراب تعريفا اصطلاحيًا، وجميعها تدور في فلك واحد، وهو أنَّ الإعراب هو اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا([7]).

ثانيًا – تعريف التفسير لغة واصطلاحًا.

  1. تعريف التفسير لغة: قال ابن فارس :” (فسر) الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدلُّ على بيانِ شيءٍ وإيضاحِه. من ذلك الفَسْرُ، يقال: فَسَرْتُ الشَّيءَ وفسَّرتُه. والفَسْر والتَّفسِرَة: نظَر الطَّبيب إلى الماء وحُكمهُ فيه”([8]).

و”الفسر : كشف المغطى، أو هو؛ أي التفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل”([9]).

  1. تعريف التفسير اصطلاحًا: اختلف العلماء في تعريف التفسير، وكل عالم عرَّف علم التفسير بما يراه الأقرب والأدق، في معرفة المعاني القرآنية، وينظر من زاوية تختلف عن الزاوية الأخرى. ولعلّ أقرب التعاريف هو ما عرّفه به أبو حيّان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط حيث قال :”هو علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمّات لذلك”([10]).

ثالثاً – تعريف الترجيح لغة واصطاحًا.

  1. تعريف الترجيح لغة: هو التمييل والتغليب، من رَجح الميزان يرجح رُجحاناً ورجوحاً؛ أي مال، وأرجح الميزان أي أثقله حتى رجح فجعله يرجح، ورجَّح الشيء بيده أي وزنه ونظر ما تقله، ورجَّح الشي بالتثقيل فضله وقواه([11]).
  2. تعريف الترجيح اصطلاحا: هو “تقوية أحد الدليلين بوجه معتبر”([12])، وقيل: هو “إثبات مرتبة في أحد الدليلين على الآخر”([13]).

والترجيح عند الأصوليين: هو تقوية إحدى الإمارتين على الأخرى بما ليس ظاهرًا، وقيل هو إظهار الزيادة لأحد المثلين على الآخر أصلاً، وقيل بيان اختصاص الدليل بمزيد قوة عن مقابله؛ ليعمل بالأقوى ويطرح الآخر([14]).

والترجيح عند علماء القراءات: هو المفاضلة بين القراءات في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء: قوة وجهه في العربية، وموافقته للمصحف، واجتماع العامة عليه، ويشترط أن لا يؤدي الترجيح إلى إسقاط القراءة الأخرى أو إنكارها، إذا كان ذلك بين القراءات المتواترة([15]).

وأما الترجيح عند المفسرين فليس عندهم حدّ له، أو تعريف متفق عليه، ولم يرد من المتقدمين من ذكر له تعريفاً. واستعمالهم للترجيح في تفاسيرهم يدل على توسعهم في إطلاقه، فهو عندهم يشمل كلّ تقديم لقول على آخر، سواءً كان تقديماً يلزم منه ردّ الأقوال الأخرى، أم كان تقديماً لا يلزم منه ذلك .

الفرع الثاني- الإعراب والتفسير:

أولًا – أهمية الإعراب بالنسبة للتفسير.

لا يخفى على أحد أهمية علم الإعراب في توضيح المعنى الذي تنشده الآيات القرآنية، وبيان ما تقصده من دلالات، فتكمن أهمية الإعراب في تفسير القرآن الكريم في ارتباطهما ببعض ارتباطًا قويًا متينًا، فكما أنَّ التفسير ضروري لفهم مراد الله تعالى في آياته، ومن ثم فهم معانيه ومراميه، فكذلك الإعراب؛ لآنَّ هذفه الإفصاع عن المعنى، فهو لا يقل ضرورة عن التفسير، فالإعراب ليس علامة لفظية فحسب؛ بل هو مناط إيضاح المعنى وإظهاره.

قال ابن جني في باب القول على الإعراب:” هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ، ألا ترى إنك إذا سمعت أكرم سعيدٌ أباه، وشكر سعيدًا أبوه علمت برفع أحدهما ونصب الآخر الفاعل من المفعول، ولو كان الكلام سِرْجاً واحداً لاٌستبهم أحدهما من صاحبه”([16]).

وقال ابن فارس:” فأمّا الإعراب – فبه تُميَّز المعاني، ويُوقَف على أغراض المتكلمين. وذلك أنّ قائلاً لو قال: ما أحسنْ زيدْ غيرَ معرب أو ضربَ عمرْ زيد غير معرب لم يوقَف على مراده. فإن قال: ما أحسنَ زيداً أو ما أحسنُ زيدِ أو ما أحسنَ زيدٌ أبانَ بالإعراب عن المعنى الذي أراده”([17]).

قال الإمام مكي بن أبي طالب في مقدمة مشكله: “ورأيت من أعظم ما يجب على طالب علوم القرآن، الراغب في تجويد ألفاظه، وفهم معانيه، ومعرفة قراءاته ولغاته، وأفضل ما القارئ إليه محتاج، معرفة إعرابه والوقوف على تصرُّف حركاته وسواكنه؛ ليكون بذلك سالما من اللحن فيه، مستعينًا على إحكام اللفظ به، مطلعًا على المعاني التي قد تختلف باختلاف الحركات، متفهمًا لما أراد الله تبارك وتعالى به من عباده؛ إذ بمعرفة حقائق الإعراب تُعرف أكثر المعاني وينجلي الإشكال، وتظهر الفوائد، ويُفْهَم الخطاب، وتصحُّ معرفة حقيقة المراد”([18]).

ثانيًا – حاجة المفسر إلى الإعراب.

يرتبط علم الإعراب بتفسير القرآن الكريم ارتباطًا كبيرًا، لفهم آيات الله فهمًا سليمًا، وبذلك يزيل اللبس بهذا العلم، وبغير هذا العلم يبقى في الآيات لبسًا قد لا يعرف مراد الآية، فيجب على من أراد فهم كتاب الله أن يفهم قواعد الإعراب حتى لا يقع في الخطأ.

ومن هنا فقد اشترط العلماء فيمن أراد أن يفسر القرآن الكريم أن يكون مُلمًا بجملة من العلوم والمعارق التي تعينه على تفسير كتاب الله، ومن هذه العلوم علم الإعراب؛ وذلك لأنَّ المعنى يختلف باختلاف الإعراب، فالإعراب يميز المعاني ويوقف على أغراض المتكلمين([19]).

ولبيان حاجة المفسر إلى الإعراب نذكر بعض أقوال العلماء في ذلك:

  1. عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال:”تعلموا اللحن والفرائض فإنه من دينكم”([20]).
  2. عن” يحيى بن عتيق قال قلت للحسن يا أبا سعيد الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق ويقيم بها قراءته، قال حسن يا ابن أخي فتعلمها فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها فيهلك فيها”([21]).
  3. يقول الإمام الزركشي:” على الناظر في كتاب الله تعالى الكاشف عن أسراره النظر في الكلمة وصيغتها ومحلها ككونها مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو مفعولا أو في مبادئ الكلام أو في جواب إلى غير ذلك .

ويجب عليه مراعاة أمور أحدها وهو أول واجب عليه أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفردا أو مركبا قبل الإعراب فإنه فرع المعنى؛ ولهذا لا يجوز إعراب فواتح السور إذا قلنا بأنها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه”([22]).

  1. يقول الإمام الغزالي:”من أراد أن يتكلم في تفسير القرآن وتأويل الأخبار ويصيب في كلامه، فيجب عليه أولاً تحصيل علم اللغة، والتبحر في فن النحو، والرسوخ في ميدان الإعراب، والتصرف في أصناف التصاريف، فإنَّ علم اللغة سلم ومرقاة إلى جميع العلوم، ومن لم يعلم اللغة فلا سبيل له إلى تحصيل العلوم”([23]).

المطلب الآخر – أثر اختلاف الإعراب في التفسير وفيه مسائل:

إنَّ الاختلاف في الإعراب له أثره في تعدد معاني التفسير، فتعدد المواقع الإعرابيه يقوم مقام تعدد الآيات وهذا ضربًا من أنواع البلاغة، وكما وقع علماء الإعراب في اختلاف كغيره من العلوم، كان لابد من ظهور هذا الاختلاف عند إعراب القرآن الكريم، الذي كان له أثر لتعدد المعاني للتركيب الواحد، ومن ثم تعدد المعاني التفسيرية للآية الواحدة.

ولبيان أثر اختلاف الإعراب في التفسير، وأثره قي الترجيح بين الأقوال الواردة في تفسير الآيات القرآنية سنتناول في هذا المطلب دراسة تطبيقة لعدد من المسائل الواردة في تفسير (الهداية إلى بلوغ النهاية) للإمام مكي بن أبي طالب كنموذج من ترجيحات الإمام الإعرابية في تفسيره.

فالإعراب كما بينا فرع المعنى، ومبين ومميز للمعاني، وأصح الوجوه الإعرابية ما كان موافقا لمعنى الآية، وعليه فإنه يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية اللائقة بالسياق والموافقة لأدلة الشرع، كما يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية القوية والمشهورة دون الضعيفة والشاذة والغريبة ([24]).

وقد اعتمد كثير من المفسرين على التّرجيح بدلالة الإعراب، حيث استعملوها في ترجيح وتصحيح بعض الأقوال التي تتفق وقواعد اللغة، وكذلك ضعفوا وردّوا أقوالا أخرى لأجل مخالفتها لقواعد الإعراب القوية والمشهورة، ومن هؤلاء الأئمة:

الطبري حيث جاء في تعليله لأحد الأقوال الواردة في تأويل قوله تعالى : يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ([25]):” فعلى هذا القول (من) في موضع رفع بالهاء في قوله، (ضَرّه)؛ لأنَّ (مَنْ) إذا كانت جزاء فإنما يعربها ما بعدها، واللام الثانية في لبئس المولى جواب اللام الأولى، وهذا القول على مذهب العربية أصحّ([26]).

وقال ابن عطية في تعليله لأحد الأقوال الواردة في إعراب(أطهر) في قوله تعالى: قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ([27]):” وهو إعراب مروي عن المبرد، وذكره أبو الفتح وهو خطأ في معنى الآية، وإنما (قوم) اللفظ فقط، والمعنى إنما هو في قوله: (أطهر) وذلك قصد أن يخبر به فهي حال لا يستغنى عنها “([28]).

وقال أبو حيان معللاً لأحد اختياراته في إعراب (من) في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ ([29]):”والذي نختار أن تكون من موصولة ، وإنما اخترنا ذلك لأنه الراجح من حيث المعنى ومن حيث التركيب الفصيح . ألا ترى جعل من نكرة موصوفة إنما يكون ذلك؛ إذا وقعت في مكان يختص بالنكرة في أكثر كلام العرب ، وهذا الكلام ليس من المواضع التي تختص بالنكرة ، وأما أن تقع في غير ذلك فهو قليل جداً ، حتى إن الكسائي أنكر ذلك، وهو إمام نحو وسامع لغة، فلا نحمل كتاب الله ماأثبته بعض النحويين في قليل “([30]).

وقد اعتمد الإمام مكي على الاحتجاج بدلالة الإعراب، اعتمادا واضحًا في تفسيره (الهداية إلى بلوغ النهاية)، فرجَّح به على غيره عند الاختلاف، كما ضعّف وردّ أقوالا أخرى لأجل مخالفته، وذلك في عدَّة مسائل منها:

المسألة الأولى: معنى (الكلالة) في قوله تعالى: وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ ([31]).

ترجيح مكي:

ذكر مكي ـ رحمه الله تعالى ـ عدّة تفسيرات للفظ (كلالة)، واستبعد بعضها، حيث قال:” قوله: وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كلالة أَو امرأة الآية.” نصب (كلالة) على أنه خبر كان عند الأخفش، وإن شئت على الحال يجعل كان بمعنى وقع ” ويورث ” صفة رجل، وهذا على أن الكلالة هو الميت، وهو قوله البصريين؛ لأنهم يقولون الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد…

قال البصريون: هو كما تقول رجل عقيم: إذا لم يولد له، مشتق من الإكليل كأن الورثة غير الولد، والوالد قد أحاطوا به فحازوا المال.

وقرأ الحسن وأبو رجاء (يورِث كلالة) بكسر الراء جعل الكلالة مفعول به.

وقرأ بعض الكوفيين (يورِث كلالة) بكسر الراء وتشديد نصب كلالة على أنه مفعول بها.

والكلالة في هاتين الروايتين: الورثة أو المال.

وقال أبو عبيدة: كلالة أصله مصدر من كلالة النسب إذا أحاط به، والأب والابن طرفان للرجل، فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه، فسمي ذهاب الطرفين كلالة كأنها اسم للمصيبة في تكلل النسب.

وقد قيل: الكلالة الورثة لا ولد فيهم ولا أب، وهو قول أهل المدينة، وأهل الكوفة، وشاهد هذا القول قراءة الحسن وأبي رجاء المتقدم ذكرهما، ويبعد هذا القول لأجل نصب كلالة؛ لأنه يجب على هذا القول أن ترتفع على معنى يورث منه كلالة.

وقال عطاء: الكلالة المال الذي لا يرثه ولد ولا والد، وهو قول شاذ، فيكون نصبها على أنه صفة لمصدر محذوف والتقدير: يورث وارثه كلالة.

والكلالة مشتق من الإكليل المنعطف على جبين الملك، ومن الروضة المكللة، وهي التي قد حف بها النّوْرُ، وشبه ذلك بالقمر إذا حاط بالإكليل وهو منزلة من منازل القمر ذات نجوم، يقال يتكلله النسب إذا أحاط به، وإنما سمي الميت الذي لا ولد له، ولا والد كلالة؛ لأن كل واحد من الولد والوالد إذا انفرد يحيط([32]).

الدراسة:

اختلف العلماء في المراد بلفظ (كَلاَلَةً) في قوله تعالى:وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ على أقوال أجملها فيما يأتي:

القول الأول- إنَّ المراد بـ(كَلاَلَةً):هو الميت الذي لا ولد له ولا والد، وهو قول: أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن عباس، وسليم بن عبد، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وقتادة، والزهري، وجابر بن زيد، والسدي، والشَّعْبِيُّ، وأبي إسحاق، والحسن، والضحاك، وسعيد بن جبير، والنخعي([33])، وهو ما رجحه مكي موافقا فيه الأخفش([34])، وابن قتيبة([35])، والسجستاني([36]).

قال مكي:”(كلالة): هو الرجل يموت ولا ولد له ولا والد”([37])، وقال” والكلالة مشتق من الإكليل المنعطف على جبين الملك، ومن الروضة المكللة، وهي التي قد حف بها النّوْرُ، وشبه ذلك بالقمر إذا حل بالإكليل وهو منزلة من منازل القمر ذات نجوم، يقال يتكلله النسب إذا أحاط به، وإنما سمي الميت الذي لا ولد له ولا والد كلالة؛ لأنَّ كلّ واحد من الولد والوالد إذا انفرد يحيط بالميراث كله”([38]).

القول الثاني- إنَّ المراد بـ(كَلاَلَةً): الورثة ما عدا الأبوين والولد، وسموا بذلك؛ لأنَّ الميِّت بذهاب طرفيه تُكَلِّلُهُ الورثة، أي: أحاطوا به من جميع نواحيه، وهو قول: أبي بكر، وعمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وسليم بن عبد، والحكم، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن جبير، وقطرب، والشَّعْبِيُّ ([39])
وهو اختيار الفراء([40]).

وهو ما رجحه الطبري، والزجاج، والأصفهاني([41])، والنيسابوري([42]).

وقد وصف الإمام مكي هذا القول بالبعد بعد أن نسبه للكوفيين وأهل المدينة، حيث قال:” ويبعد هذا القول لأجل نصب كلالة؛ لأنَّه يجب على هذا القول أن ترتفع على معنى يورث منه كلالة”([43]).

القول الثالث- إنَّ المراد بـ(كَلاَلَةً):الورثة من عدا الولد، وهو قول ابن عباس([44]).

القول الرابع- إنَّ المراد بـ(كَلاَلَةً): الخلو من الوالد، وهو قول الحكم بن عيينة([45]).

القول الخامس- إنَّ المراد بـ(كَلاَلَةً): الميت الذي لا ولد له، وهو قول: أبي بكر، وعمر، وابن عباس، والشَّعْبِيُّ([46]).

القول السادس- إنَّ المراد بـ(كَلاَلَةً): كل من لم يرثه أب، أو ابْن، أو أخ، وهو قول: قطرب، وأبي عبيدة([47]).

القول السابع- إنَّ المراد بـ(كَلاَلَةً): المال الذي لا يرثه ولد ولا والد، وهو قول: النظر بن شميل، وعطاء([48])، ووصف مكي هذا القول بالشذوذ حيث قال:” وهو قول شاذ “. ([49])

القول الثامن- إنَّ المراد بـ(كَلاَلَةً): الحي والميت الذي لا ولد له ولا والد، فالحي والميت كلهم كلالة
هذا يَرِثُ بالكلالة وهذا يُورَث بالكلالة، وهو قول ابن زيد([50]).

التعقيب:

بعد ذكر الأقوال الواردة في اختلاف معنى الكلالة؛ لاختلاف إعرابها يتبين أن قول الإمام مكي هو الراجح لموافقته لظاهر النص من قراءة الجمهور، ولا يحتاج إلى تقدير بينما القول الثاني القائل بأنَّ الكلالة الورثة يستوجب الإضمار، وهو ما استبعده مكي حيث قال: ويبعد هذا القول لأجل نصب كلالة؛ لأنَّه يجب على هذا القول أن ترتفع على معنى يورث منه كلالة”([51]).

وقال علماء العربية: إنَّ من فسَّر الكلالة بالميت الذي لم يترك ولدا ولا والدا فهي منصوبة على الحال من الضمير المستكن في يورث، ولا يحتاج إلى تقدير. أمَّا تفسيرها بالوارث الذي لم يترك ولدا ولا والدا فهي تحتاج إلى تقدير مضاف، أي ذا كلالة؛ لأنَّ الكلالة إذ ذاك ليست نفسه الضمير، في يورث([52])، ومعلوم أنَّ القول بالاستقلال مقدم على القول بالإضمار، وإنَّ حمل الكلام على غير إضمار وافتقار أولى من أن يُسلك به الإضمار والافتقار([53]).

المسألة الثانية- إعراب (كتاب الله) في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ([54]).

ترجيح مكي:

ذكر مكي ـ رحمه الله تعالى ـ ثلاثة أوجه في إعراب (كتاب الله) هي: النصب على المصدرية، أو الإغراء،([55]) أو الحال، وضعف الوجه الثاني حيث قال:” نصب: (كتاب الله عليكم): المصدر عند سيبويه؛ لأنَّه لما قال حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ على أنَّه كتب ذلك، فالمعنى كتب الله عليكم ذلك كتاباً، وقيل نصبه على الإغراء أي: الزموا (كتاب الله)، وهذا قول ضعيف مردود، وهو قول الكوفيين؛ لأنَّ عليكم هو الذي يقوم مقام الفعل في الإغراء، وهو لا ينصرف، ولا يجوز تقديم المفعول عليه عند أحد، لا يجوز زيد عليك، ونصبه عند بعض الكوفيين على الحال كأنَّه قال: كتاب الله عليكم”([56]).

الدراسة:

فقد اختلف العلماء في إعراب (كتاب الله) في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ على وجوه نتج عنها الاختلاف في معناها، والتي أجملها فيما يأتي:

القول الأول- إنَّ إعراب (كتاب الله):النصب على المصدر، ويكون المراد بالكتاب الفرض؛ أي: كتب الله عليكم تحريم هذه الأنواع التي سبق ذكرها كتابًا وفرضه فرضًا، فليس لكم أن تفعلوا شيئا مما حرمه الله عليكم، وإنَّما الواجب عليكم أن تقفوا عند حدوده وشرعه، وهو ما رجحه مكي([57]) موافقا فيه الأخفش([58])، والمبرد، والطبري، والزجاج([59])، والنحاس([60])، وابن جني([61]).

قال المبرد:” فلم ينتصب (كتاب) بقوله (عليكم)، ولكن لما قال: حرمت عليكم أمهاتكم أعلم أنَّ هذا مكتوبٌ عليهم، فنصب (كتاب الله) للمصدر؛ لأنَّ هذا بدلٌ من اللفظ بالفعل؛ إذ كان الأول في معنى: كتب الله عليكم، وكتب عليكم”([62]).

وقال الطبري:” يعني تعالى ذكره: كتابًا من الله عليكم، فأخرج (الكتاب) مُصَدَّرًا من غير لفظه. وإنَّما جاز ذلك؛ لأنَّ قوله تعالى:حرِّمت عليكم أمهاتكم، إلى قوله:كتابَ الله عليكم، بمعنى: كَتب الله تحريم ما حرَّم من ذلك وتحليلَ ما حلل من ذلك عليكم كتابًا”([63]).

وقال في موضع آخر معللاً لهذا الرأي:” إنَّ في كل ما قبل المصادر التي هي مخالفة ألفاظُها ألفاظَ ما قبلها من الكلام، معانِيَ ألفاظ المصادر وإن خالفها في اللفظ، فنصبها من معاني ما قبلها دون ألفاظه”([64]).

القول الثاني- إنَّ إعراب (كتاب الله):بالنصب على الإغراء، ويكون المراد بالكتاب القرآن الكريم الذي شرع الله فيه ما شرع من الأحكام؛ أي: الزموا كتاب الله الذي هو حجة عليكم إلى يوم القيامة ولا تخالفوا شيئا من أوامره أو نواهيه. وإلى هذا ذهب ابن كثير، والسعدي، وعبد الكريم الخطيب، وابن عاشور.

قال ابن كثير:” قَوْلُهُ: كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ أَيْ: هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم، فالزموا كتابه، ولا تخرجوا عن حدوده، والزموا شرعه وما فرضه “([65]).

وقال عبد الكريم الخطيب”كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هو إغراء بالحفاظ على هذه الحدود، والتزامها، كما بينها الله وجعلها عهدًا وميثاقًا بينه وبين المؤمنين به، بمعنى احفظوا وارعوا ما كتب الله لكم وافترض عليكم من أحكام الزواج”([66]).

وقال ابن عاشور:” وَقَوْلُهُ: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وهو تحريض على وجوب الوقوف عند كتاب الله ، فَـ (عَلَيْكُمْ) نائب مناب (الْزَمُوا)، وهو مُصيَّر بمعنى اسم الفعل ، وذلك كثير في الظروف والمجرورات المنزَّلة منزلة أسماء الأفعال بالقرينة ، كقولهم : إليك ، ودُونك ، وعَليك . و(كِتابَ اللَّهِ ) مفعوله مُقدّم عليه عند الكوفيين “([67]).

وهذا القول ضعفه مكي وردّه مجموعة من أهل العلم منهم الطبري، والزجاج، والعكبري.

قال الطبري:” وقد كان بعض أهل العربية يزعم أنّ قوله:كتاب الله عليكم، منصوب على وجه الإغراء، بمعنى: عليكم كتابَ الله، الزموا كتابَ الله. والذي قال من ذلك غير مستفيض في كلام العرب؛ وذلك أنَّها لا تكاد تَنصب بالحرف الذي تغرِي به، إذا أخَّرت الإغراء، وقدّمت المغرَى به، لا تكاد تقول:(أخاك عليك، وأباك دونك)، وإن كان جائزًا، والذي هو أولى بكتاب الله: أن يكون محمولا على المعروف من لسان من نزل بلسانه”([68]).

وقال الزجاج:” هذا عندنا لا يصح؛ لأنَّ معمول عليك لا يتقدم عليه، وإنَّما كتاب الله نصب مصدر مؤكد ما تقدم”([69]).

وقال العكبري: “قال الكوفيون: هو إغراء، والمفعول مقدّم، وهذا عندنا غير جائز؛ لأنَّ عليكم وبابه عامل ضعيف، فليس له في التقديم تصرف”([70]).

وهذه المسألة مسألة خلافية، اختلف فيها البصريون مع الكوفيين، فذهب البصريون إلى أنَّه: لا يجوز تقديم معمول ألفاظ الإغراء عليها؛ لأنَّها فروع على الفعل في العمل فينبغي أن لا تتصرف تصرفه؛ لأنَّ ذلك يؤدي إلى التسوية بين الفرع والأصل، وذلك لا يجوز؛ لأنَّ الفروع أبدا تنحط عن درجات الأصول.

وذهب الكوفيون إلى أنَّ ذلك جائز، واحتجوا بهذه الآية وأيضا بالقياس على أنَّها نائبة عن الفعل، والفعل يجوز تقديم معموله عليه، وكذلك ما ناب عنه ([71]).

القول الثالث- إنَّ إعراب (كتاب الله):النصب على الحال، وهو ما ذكره مكي([72]).

القول الرابع- إنَّ إعراب (كتاب الله):الرفع على أنَّه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا كتاب الله عليكم،
وقد أجازه الزجاج، والنحاس([73])، والزمخشري([74])، والقرطبي([75]).

قال الزجاج:” ويجوز أن يكون كتابَ اللَّه علْيكُمْ رفعاً على معنى هذا فرض اللَّه عليكم، كما قال جلَّ وعزَّ: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ”([76]).

التعقيب:

من خلال استعراض أقوال المفسرين واللغويين في إعراب (كتاب الله) في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يظهر ـ والله أعلم ـ أن القول الراجح هو ما ذهب إليه الإمام مكي ـ رحمه الله ـ ومن وافقه، ويشهد لذلك ما يأتي:

أولاً ـ ما صرّح به عدد من أئمة التفسير واللغة من أقوال تدل على تضعيف ما سواه وردِّه.

تانيًا ـ يؤيد ذلك قراءة محمد بن السميقع (كَتَبَ اللَّهُ عَلَيكم)([77]) مفتوحة الكاف، وليس بعد التاء ألف، والباء مبنية على الفتح.

قال ابن جني: في هذه القراءة دليل على أنَّ قوله: (عليكم) من قوله: كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ في قراءة الجماعة مُعلَّقة بنفس كتاب، كما تعلقت في (كَتَبَ اللَّهُ عَلَيكم) بنفس كتب، وأنه ليس (عليكم) من كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ اسمًا سُمي به الفعل، كقولهم: عليك زيدًا، إذا أردّت: خذ زيدًا؛ وذلك أن عليك ودونك وعندك إذا جُعلن أسماء للفعل لسن منصوبات المواضع، ولا هن متعلقات بالفعل مُظْهَرًا ولا مُضْمَرًا”([78]). ومعلوم أنَّ الوجه التفسيري والإعرابي الموافق لرسم المصحف أولى من الوجه المخالف له([79]).

ثالثًا ـ الأولى بكتاب الله أن يحمل على المعروف من لسان من نزل بلسانه، فحمل الآية ينبغي أن يكون على الأكثر والأفصح الذي لم يتعرض لتأويل أو اعتراض عليه، وهو القول الذي رجحه مكي، ومن المعلوم أنَّه يجب حمل كلام الله تعالى على الأوجه الإعرابية القوية والمشهورة دون الضعيفة والشاذة والغريبة([80])، والقول بالنصب على الإغراء ضعفه كثير من العلماء وردّوه كما أوضحنا في الدراسة.

والله أعلم بالصواب.

المسألة الثالثة- الخافض لـ(وَأَرْجُلِكُم) في قراءة الجر في قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ([81]).

ترجيح مكي:

ذكر مكي ـ رحمه الله تعالى ـ عدة أوجه في توجيه قراءة الكسر في (وَأَرْجُلِكُم) ردَّ منها القول بالجر على الجوار حين قال: من خفض فهو عند الأخفش وأبي عبيدة على الجوار، والمعنى للغسل، شبّه الأخفش بقولهم (هذا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ)، وهذا قول مردود؛ لأنَّ الجوار لا يقاس عليه، إنَّما يسمع ما جاء منه ولا يقاس عليه. وأيضاً فإن الأرجل معها حرف العطف، ولا يكون الإتباع مع حرف العطف.

ثم ذكر بقية الأقوال حيث قال:

وقيل: إنَّه إنَّما خفض لاشتراك الغسل والمسح في باب الوضوء، كما قال: وَحُورٌ عِينٌ([82]) فخفض وعطفه على الفاكهة التي يطاف بها، وهذا مما لا يطاف به، ولكن عطفه عليه، لاشتراكهما في التنعم بهما، ثمَّ ذكر عدة أمثلة على هذا القول ثم قال : وكذلك يحمل الغسل على المسح لاشتراكهما في باب الوضوء.

وقيل: المسح ـ في كلام العرب ـ يكون بمعنى الغسل يقال: تمسحت للصلاة أي: توضأت لها فاحتمل المسح للأرجل أن يكون بمعنى الغسل وبغير معنى الغسل، فبيّنت السنّة أنَّ المسح للرؤوس بغير معنى الغسل، وأنَّ المسح للأرجل بمعنى الغسل.

وقال قوم من العلماء منهم الشَّعْبِيُّ : من قرأ بالخفض فقراءته منسوخة بالسنة.

واستدل من قال: إنَّ معنى الخفض النصب، بقوله: إِلَى الكعبين، فحدد كما حدد اليدين إلى المرفقين، ولما كانت اليدان مغسولتين بالإجماع وجب أن تكون الرجلان كذلك؛ لاشتراكهما في التحديد ([83]).

الدراسة:

اختلف علماء اللغة والمفسرون في توجيه قراءة الجر في (وَأَرْجُلِكُم) في قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ في الآية على عدة توجيهات:

التوجيه الأول: إنَّ خفض (الأرجل) على الجوار (للرؤوس) لا على العطف عليها؛ لأنَّ الخفض على الجوار لا يوجب حكم الذي جاوره، وحمل على إعرابه للمجاورة، وإلى هذا ذهب: أبي عبيدة، والأخفش، والعكبري، وابن هشام([84])، وابن كثير، والمظهري، والشنقيطي.

قال أبو عبيدة:” وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مجرور بالمجرورة التي قبلها، وهى مشتركة بالكلام الأول من المغسول، والعرب قد تفعل هذا بالجوار، والمعنى على الأول، فكأن موضعه (واغسلوا أرجلكم)، فعلى هذا نصبها من نصب الجرّ؛ لأنَّ غسل الرجلين جاءت به السّنة، وفى القرآن:يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً([85]) فنصبوا (الظالمين) على موضع المنصوب الذي قبله، و(الظالمين): لا يدخلهم في رحمته، والدليل على الغسل أنَّه قال: (إلى الكعبين)، ولو كان مسحا مسحتا إلى الكعبين؛ لأنَّ المسح على ظهر القدم (والكعبان) هاهنا: الظاهران؛ لأنَّ الغسل لا يدخل إلى الداخلين”([86]).

وقال الأخفش: “ويجوز الجر على الاتباع وهو في المعنى (الغَسْل) نحو (هذا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ)” ([87]).

وقال العكبري: إنها معطوفة على الرؤوس في الإعراب، والحكم مختلف، فالرؤوس ممسوحة، والأرجل مغسولة، وهو الإعراب الذي يقال هو على الجوار، وليس بممتنع أن يقع في القرآن لكثرته، فقد جاء في القرآن والشعر، فمن القرآن قوله تعالى: وَحُورٌ عِينٌ على قراءة من جر([88])، وهو معطوف على قوله: بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ([89]) والمعنى مختلف؛ إذ ليس المعنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بحور عين، والجوار مشهور عندهم في الإعراب، وهذا موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق من الشواهد، وقد جعل النحويون له بابا، ورتبوا عليه مسائل، ثم أصلوه بقولهم: (جحر ضب خرب)، ويؤيد ما ذكرناه أن الجر في الآية قد أجيز غيره، وهو النصب، والرفع، والنصب غير قاطعين، ولا ظاهرين على أن حكم الرجلين المسح، وكذلك الجر يجب أن يكون كالنصب والرفع في الحكم دون الإعراب([90]).

قال ابن كثير:” وإنما جاءت هذه القراءة بالخفض إما على المجاورة وتناسب الكلام، كما في قول العرب:: (جُحْرُ ضَب خربٍ)، وكقوله تعالى: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ([91]) وهذا سائغ ذائع، في لغة العرب شائع “([92]).

وقال المظهري: والقول بالجر على الجوار أنكره أكثر النحاة ومن جوزه جوزه بشرط أن لا يتوسط حرف العطف وبشرط الأمن من اللبس مدفوع إذا الأمن من اللبس حاصل بذكر الغاية، وإنكار أكثر النحاة ممنوع وإنكاره مكابرة لوقوعه كثيرا في القران وكلام البلغاء وذكر الأمثلة يقتضى تطويلا، لكن اختلف النحاة في مجيء جر الجوار بتوسط حرف العطف فقيل لا يجئ؛ لأنَّ العاطف يمنع التجاوز، والحق أنّه يجوز بتوسط العاطف فإنَّ العاطف موضوع لتوكيد الوصل دون القطع، قال ابن مالك وخالد الأزهري: إنَّ الواو يختص من بين سائر حروف العطف بأحد وعشرين حكما منها جواز جر الجوار في المعطوف بها، قلت ولو لم يكن على جواز جر الجوار بتوسط المعطوف بالواو دليل آخر فهذه الآية الدالة على وجوب غسل الرجلين بما ذكرنا من وجوه العطف على الأيدي وعدم جواز عطف الأرجل على الرؤوس وبما لحقه البيان من الأحاديث والإجماع كافية لإثبات جواز جر الجوار بتوسط الواو العاطفة([93]).

وقال الشنقيطي: وما ذكره بعضهم من أن الخفض بالمجاورة معدود من اللحن الذي يتحمل لضرورة الشعر خاصة، وأنه غير مسموع في العطف، وأنه لم يجز إلا عند أمن اللبس، فهو مردود بأن أئمة اللغة العربية صرحوا بجوازه.

وممن صرح به الأخفش، وأبو البقاء، وغير واحد.

ولم ينكره إلا الزجاج، وإنكاره له -مع ثبوته في كلام العرب، وفي القرآن العظيم- يدل على أنه لم يتتبع المسألة تتبعاً كافياً.

والتحقيق: أن الخفض بالمجاورة أسلوب من أساليب اللغة العربية، وأنه جاء في القرآن؛ لأنه بلسان عربي مبين.

وممن جزم بأن خفض (وَأَرْجُلِكُمْ) لمجاورة المخفوض البيهقي في “السنن الكبرى”، فإنه قال ما نصه: باب قراءة من قرأ (وَأَرْجُلَكُمْ) نصباً ([94])،، وأن الأمر رجع إلى الغسل وأن من قرأها خفضاً، فإنما هو للمجاورة وبهذا تعلم أن دعوى كون الخفض بالمجاورة لحناً لا يتحمل إلا لضرورة الشعر باطلة، والجواب عما ذكروه من أنه لا يجوز إلا عند أمن اللبس هو أن اللبس هنا يزيله التحديد بالكعبين، إذ لم يرد تحديد الممسوح، وتزيله قراءة النصب. ([95]).

وردَّ هذا القول مكي موافقا في ذلك الزجاج، والنحاس([96])، وابن خالويه، ووافقهم فيه ابن سيده([97])، والفخر الرازي، وأبو حيان.

قال الزجاج:” وقال بعض أهل اللغة هو جَر على الجِوَارِ، فأما الخفض على الجوار فلا يكون في كلمات اللَّه”([98]).

وقال ابن خالويه:” ولا وجه لمن ادّعى أنّ الأرجل مخفوضة بالجوار؛ لأنَّ ذلك مستعمل في نظم الشعر للاضطرار وفي الأمثال. والقرآن لا يحمل على الضرورة، وألفاظ الأمثال”([99]).

وقال الفخر الرازي: فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : هذا كسر على الجوار كما في قوله : (جحر ضب خرب) ، قلنا : هذا باطل من وجوه : الأول : أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله : (جحر ضب خرب)، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل. وثالثها : أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب ([100]).

وقال أبو حيان:” ومن أوجب الغسل تأول أنّ الجر هو خفض على الجواز، وهو تأويل ضعيف جداً، ولم يرد إلا في النعت، حيث لا يلبس على خلاف فيه قد قرر في علم العربية “([101]).

التوجيه الثاني: إنَّ خفض (الأرجل) بالعطف على (الرؤوس)؛ لأنَّ حمل الكلام على أقرب العاملين أحسن، فلمَّا كان قبل الأرجل عاملان الغسل والباء، والباء أقرب، حمل الكلام على الباء لقربها منه، وهو الأكثر في كلام العرب، على أنَّ مراد الله من مسحهما العموم، وكان لعمومهما بذلك معنى(الغسل) و(المسح)؛ لأنَّ في عموم الرجلين بمَسحهما بالماء غسلُهما، وفي إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما مسحُهما، وهو ما قال به الطبري، والزجاج([102])، وأبو علي الفارسي، والزمخشري.

قال الطبري: وكانت القراءتان كلتاهما حسنًا صوابًا، فأعجب القراءتين إليّ أن أقرأها، قراءة من قرأ ذلك خفضًا، لما وصفت من جمع (المسح) المعنيين اللذين وصفت؛ ولأنَّه بعد قوله: وامسحوا برءوسكم فالعطف به على (الرؤوس) مع قربه منه، أولى من العطف به على (الأيدي)، وقد حيل بينه وبينها بقوله:وامسحوا برءوسكم([103]).

قال أبو علي الفارسي: الحجة لمن جرّ فقال: (وأرجلِكم) أنَّه وجد في الكلام عاملين: أحدهما: الغسل، والآخر: الباء الجارة. ووجه العاملين إذا اجتمعا في التنزيل أن تحمل على الأقرب منهما دون الأبعد، وذلك نحو قوله: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ([104])، ونحو قوله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ([105]) فلما رأى العاملين إذا اجتمعا حمل الكلام على أقربهما إلى المعمول، حمل في هذه الآية أيضا، على أقربهما، وهو الباء دون قوله: فاغسلوا وكان ذلك الموضع واجبا، لما قام من الدلالة على أنّ المراد بالمسح الغسل. وقيام الدلالة من وجهين: أما أحدهما فما روى عن أبي زيد أنه قال: المسح خفيف الغسل، قالوا: تمسّحت للصلاة، فحمل المسح على أنَّه غسل. ويقوي ذلك أنَّ أبا عبيدة ذهب في قوله تعالى: فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ إلى أنّه الضرب.

وحكى التّوّزي عنه أنّه قال: قالوا مسح علاوته بالسيف إذا ضربه، فكأنّ المسح في الآية غسل خفيف، كما أنّ الضرب كذلك، فهذا وجه. والوجه الآخر: أنّ التحديد والتوقيت إنّما جاء في المغسول ولم يجيء في الممسوح، فلما وقع التحديد مع المسح، علم أنّه في حكم الغسل لموافقته الغسل في التحديد. فإن قلت: فقد يجوز أن يكون على المسح، ألا ترى أنّك تقول: مررت بزيد وعمرا فتحمله على موضع الجار والمجرور، فحمله على المسح قد ثبت وجاز، جررت اللام أو نصبته؟ قيل: ليس الحمل على الموضع في هذا النحو في الكسرة كالحمل على اللفظ([106]).

وقال الزمخشري:” فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟ قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها. وقيل إِلَى الْكَعْبَيْنِ فجيء بالغاية إماطة لظنّ ظانّ يحسبها ممسوحة؛ لأنَّ المسح لم تضرب له غاية في الشريعة”([107]).

وضعف هذا القول أبو حيان بقوله: من” تأول على أنّ الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة مظنة الإسراف المذموم المنهى عنه ، فعطف على الرابع الممسوح لا ليمسح ، ولكن لينبّه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها . وقيل : إلى الكعبين ، فجيء بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة ، لأنّ المسح لم يضرب له غاية انتهى هذا التأويل . وهو كما ترى في غاية التلفيق وتعمية في الأحكام “([108]).

ومما يدل على أنَّ المراد بالمسح في الرجل الغسل ما قَالَه أبو زيد الأنصاري – وهو إمام اللغة – العرب: قد تسمي الغسل الخفيف : مسحا ، تقول العرب : تمسح يا هذا ، يريدون به : اغتسل ، فعطفه على المسح لا ينفي الغسل ؛ فيجوز أن يكون المراد بهذا المسح في الرأس حقيقة المسح، وفي الرجل الغسل؛ ولأن غسل الرجل على الأغلب لا يخلو عن مسح؛ ولذلك فساغ أن يسمى غسلها : مسحا ([109]).

قال صديق خان: أقول الحق أنَّ الدليل القرآني قد دل على جواز الغسل والمسح لثبوت قراءة النصب والجر ثبوتاً لا ينكر، وقد تعسف القائلون بالغسل فحملوا الجر على الجوار، وأنَّه ليس للعطف على مدخول الباء في مسح الرأس بل هو معطوف على الوجوه، فلما جاور المجرور إنجر، وتعسف القائلون بالمسح فحملوا قراءة النصب على العطف على محل الجار والمجرور في قوله: (برؤوسكم) كما أنَّ قراءة الجر عطف على لفظ المجرور. وكل ذلك ناشئ عن عدم الإنصاف عند عروض الاختلاف، ولو وجد أحد القائلين بأحد التأويلين اسماً مجروراً في رواية ومنصوباً في أخرى مما يتعلق به الاختلاف ووجد قبله منصوباً لفظاً ومجروراً لما شك أنَّ النصب عطف على المنصوب، والجر عطف على المجرور، وإذا تقرر لك هذا كان الدليل القرآني قاضياً بمشروعية كل واحد منهما على انفراده لا على مشروعية الجمع بينهما. وإن قال به قائل فهو من الضعف بمكان؛ لأنَّ الجمع بين الأمرين لم يثبت في شيء من الشريعة، انظر الأعضاء المتقدمة على هذا العضو من أعضاء الوضوء فإن الله سبحانه شرع في الوجه الغسل فقط، وكذلك في اليدين، وشرع في الرأس المسح فقط، ولكن الرسول ــ قد بين للأمة أنَّ المفروض عليهم هو غسل الرجلين لا مسحهما فتواترت الأحاديث عن الصحابة في حكاية وضوئه ــ وكلها مصرحة بالغسل ولم يأت في شيء منها المسح إلاَّ في مسح الخفين، فإن كانت الآية مجملة في الرجلين باعتبار احتمالها للغسل والمسح فالواجب الغسل بما وقع منه ــ من البيان المستمر جميع عمره، فقد ورد في السنة الأمر بالغسل وروداً ظاهراً وثبت بالأحاديث الصحيحة من فعله ــ وقوله غسل الرجلين فقط، والتي أفادت وجوب غسل الرجلين وأنَّه لا يجزئ مسحهما؛ لأنَّ شأن المسح أن يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطا ولا سيما المواضع الخفيّة كالأعقاب والعراقيب، فلو كان مجزئاً لما قال: “ويل للأعقاب من النار”([110])، ولما وقع منه ــ ذلك، وبهذا يتقرر أنَّ الحق ما ذهب إليه الجمهور من وجوب الغسل وعدم إجزاء المسح، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال اجتمع أصحاب رسول الله ــ على غسل القدمين وأما المسح على الخفين فهو ثابت بالأحاديث المتواترة وهو بدل عن الغسل لا عن المسح([111]).

التوجيه الثالث: إنَّ خفض (الأرجل) بالعطف على (الرؤوس) وتأول ذلك على أنّ الله إنَّما أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها، وهو مروي عن ابن عباس، وعكرمة، وقتادة، والشَّعْبِيُّ، وأنس([112])، وهو ما قال به أبو حيان.

قال أبو حيان: ” والظاهر من هذه القراءة اندراج الأرجل في المسح مع الرأس “([113]).

التوجيه الرابع: إنَّ خفض (الأرجل) مجرورةٌ بحرفِ جرٍ مقدرٍ دَلَّ عليه المعنى، ويتعلَّق هذا الحرفُ بفعلٍ محذوفٍ أيضاً يليق بالمحل، فيُدَّعى حذفُ جملةٍ فعلية وحَذْفُ حرفِ جر، قالوا: وتقديرُه: “وافعَلُوا بأرجلِكم غسلاً”، وهو ما أجازه العكبري.

قال العكبري: إن يكون جر الأرجل بجار محذوف تقديره: (وافعلوا بأرجلكم غسلا)، وحذف الجار وإبقاء الجر جائز، قال زهير:

بدا لي أنَّي لستُ مدرِكَ ما مَضَى … ولا سابقًا شيئًا إذا كان جائيا([114]).

فجر بتقدير الباء، وليس بموضع ضرورة([115]).

وضعف هذا القول ابن سيدة، وأبو حيان([116]).

قال ابن سيده: ” ومن ” تأول على أنّ الأرجل مجرورة بفعل محذوف يتعدى بالباء أي: (وَافْعَلُوا بِأَرْجُلِكُمُ الْغَسْلَ)، وحذف الفعل وحرف الجرّ ، وهذا تأويل في غاية الضعف “([117]).

التعقيب:

بعد دراسة الأوجه التي قيلت في المسألة يظهر ـ والله أعلم ــ الآتي:

أولا ـ أنَّ ما ردّه الإمام مكي من الجر على الجوار، هي مسألة خلافية صرح بجوازها عدد كبير من علماء اللغة منهم: أبو عبيدة، والأخفش، والعكبري، وابن هشام. وهي مسألة خصها أهل اللغة بأبواب ومسائل في ثنايا كتبهم.

ثانيًا ـ يظهر ـ والله أعلم ـ ردّ الوجه الثالث القائل بتأويل خفض (الأرجل) بالعطف على (الرؤوس) على أنّ الله إنما أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها، المروي عن ابن عباس، وعكرمة، وقتادة، والشَّعْبِيُّ، وأنس؛ لما صرح به العلماء من وهنه وضعفة وأنَّها آثار غريبة جدًّا ونسبتها لم رويت عنهم زور وبهتان([118]) .

ثالثًا ـ إنَّ بقية الأوجه لها وجوه سائغة في الإعراب، وأدلة ظاهرة تبين المراد منها، ولكل منها حجته.

والله أعلم بالصواب.

الخـــــاتمة:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد ــ، وعلى آلهِ وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا. وبعد:

فيرتبط علم الإعراب بتفسير كلام الله العظيم ارتباطًا وثيقًا؛ لما له من أثر بالغ في بيان مراد الله تعالى، وفهم آياته فهمًا سليمًا، وإزالة اللبس والإشكال عنها، ودون هذا العلم يبقى المفسر فاقدًا لأداة مهمة من أدوات التفسير.

وقد نتج عن هذا الاختلاف اختلاف تنوع في المعاني والدلالات، وهذا مما يثري المعاني التفسيرية، ويفتح آفاقًا في ميدان التفسير.

والقرآن الكريم هو آية في البلاغة والفصاحة، فيه من الأسرار والروائع الباهرة والجليلة في ألفاظه وتراكيبه، وما علينا إلاًّ أن نقف عليها ونتذوقها بحس نحوي، فإنَّ تفسير آياته وتحليلها وفهم معانيها يحتاج إلى فهم واعٍ وجاد لعلم الإعراب.

فبعد أن منَّ الله عليَّ بإتمام هذا البحث المتواضع، اتضح لي ما يأتي:

1 ـ صلة الإعراب بالتفسير والمفسر، حيث اشترط العلماء في المفسر معرفة النحو؛ لأنَّه من أبرز علوم الآلة التي يحتاجها المفسر احتياجًا أوليًا لكي يفهم القرآن الكريم على وجهه الصحيح.

2 ـ بيان أهمية اللغة العربية للقرآن الكريم، وأثرها في فهم القرآن وتفسيره، وأنها لا غنى عنها لمريد التفسير، مع الحرص على عدم الاعتماد على مجرد اللغة في فهم كلام الله.

وفي الختام أوصي طلبة العلم بالإقبال على تعلم الإعراب، وفهم قواعده وأصوله، والاهتمام به وتطبيقه لإبراز دوره في تفسير القرآن.

كما أوجه عناية المشتغلين بعلم التفسير إلى ضرورة الاستفادة من علم الإعراب، وألاَّ يمروا مر الكرام على المواضع التي تتعدد فيها الأعاريب؛ بل عليهم أن يبحثوا عن سبب اختلاف النحاة في إعراب الكلمة القرآنية، وإظهار ما يضيفه كل إعراب من معنى جديد.

فهذا ما تيسر لي جمعه في بيان أثر اختلاف الإعراب في التفسير، وأسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا العمل وأن يكون خالصًا لوجهه الكريم، وأسأله سبحانه مزيدًا من التوفيق والسداد، وأسأله القبول، فهو سبحانه وتعالى نعم المولى ونعم النصير.

مصادر البحث ومراجعه:

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الشنقيطي (ت 1393هـ)، دار الفكر بيروت. لبنان، دون طبعة، 1415 هـ – 1995 مـ.

الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين، لعبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبي البركات، كمال الدين الأنباري (ت 577هـ)، المكتبة العصرية، الطبعة: الأولى، 1424هـ- 2003م.

  1. البحر المحيط في التفسير، لأبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي (ت745هـ)، تحقيق: صدقي محمد جميل، دار الفكر. بيروت، دون طبع، 1420 هـ.
  2. البرهان في علوم القرآن، لبدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى : 794هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه، الطبعة: الأولى ، 1376 هـ – 1957 م
  3. التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، دون طبعة، ودون تاريخ.

التحرير والتنوير “تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد”، لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت1393هـ)، الدار التونسية للنشر. تونس، دون طبعة، 1984 هـ.

تفسير القرآن العظيم ، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت774هـ)، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون. بيروت، الطبعة: الأولى، – 1419 هـ.

تفسير القرآن، لأبي المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي (ت489هـ)، تحقيق: ياسر بن إبراهيم، وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض. السعودية، الطبعة: الأولى، 1418هـ- 1997م.

  1. التفسير القرآني للقرآن، لعبد الكريم يونس الخطيب (ت بعد 1390هـ)، دار الفكر العربي. القاهرة، دون طبعة، ودون تاريخ.
  2. التفسير اللغوي للقرآن الكريم، د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار، دار ابن الجوزي، الطبعة: الأولى، 1432هـ.

تفسير المشكل من غريب القرآن العظيم على الإيجاز والاختصار، تأليف أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي، دراسة وتحقيق: هدى الطويل المرعشلي، دار النور الإسلامي، الطبعة: الأولى، 1408هـ.

جامع البيان في تأويل القرآن، لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبي جعفر الطبري (ت310هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 2000م.

الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت671هـ)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية. القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964 م.

حجة القراءات، لعبد الرحمن بن محمد بن زنجلة أبي زرعة، تحقيق : سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة. بيروت، الطبعة: الثانية، 1402 – 1982م.

الحجة في القراءات السبع، لابن خالويه، تحقيق: د. عبد العال سالم، دار الشروق، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1399هـ.

الحجة للقراء السبعة، للحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ الأصل، أبي علي (ت377هـ)، تحقيق: بدر الدين قهوجي ، وبشير جويجابي، راجعه ودققه: عبد العزيز رباح، وأحمد يوسف الدقاق، دار المأمون للتراث – دمشق، الطبعة: الثانية، 1413 هـ – 1993م.

الدر المنثور، لعبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت911هـ)، دار الفكر. بيروت، دون طبعة، ودون تاريخ.

  1. ديوان زهير بن أبي سلمى، شرحه وضبطه وقدم له: علي فاعور، دار الكتب العلمية.بيروت، الطبعة: الأولى، 1408هـ.
  2. الرسالة اللدنية، لأبي حامد الغزالي، تحقيق: نجاح عوض، دار المقطم. القاهرة. 1435- 2014.
  3. زاد المسير في علم التفسير، لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت597هـ)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي. بيروت، الطبعة: الأولى، 1422 هـ.

السبعة في القراءات، لأبي بكر ابن مجاهد، تحقيق: د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، الطبعة: الثانية، 1400هـ.

شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو، لخالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاويّ الأزهري، زين الدين المصري، وكان يعرف بالوقاد (ت905هـ)، دار الكتب العلمية. بيروت-لبنان، الطبعة: الأولى، 1421هـ- 2000م.

  1. غرائب التفسير وعجائب التأويل، لمحمود بن حمزة بن نصر، أبي القاسم برهان الدين الكرماني، ويعرف بتاج القراء (ت نحو 505هـ)، دار القبلة للثقافة الإسلامية. جدة، مؤسسة علوم القرآن. بيروت، دون طبعة، ودون تاريخ.
  2. غريب القرآن المسمى بنزهة القلوب، لمحمد بن عُزير السجستاني (ت 330هـ)، المحقق : محمد أديب عبد الواحد جمران، دار قتيبة. سوريا، الطبعة الأولى، 1416هـ.

فتحُ البيان في مقاصد القرآن، لأبي الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (ت 1307هـ)، عني بطبعهِ وقدّم له وراجعه: خادم العلم عَبد الله بن إبراهيم الأنصَاري، المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر. صَيدَا – بَيروت، دون طبعة، 1412 هـ – 1992 م.

قواعد الترجيح عند المفسرين، دراسة نظرية تطبيقية، تأليف: حسين بن علي بن حسين الحربي، راجعه وقدَّم له: فضيلة الشيخ منَّاع بن خليل القطَّان، دار القاسم، الرياض ـ السعودية، الطبعة: الأولى، 1417هـ.

الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، لأبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (538هـ)، دار الكتاب العربي. بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407 هـ.

  1. الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، لمكي بن أبي طالب، تحقيق: د.محي الدين رمضان، مجمع اللغة العربية، دمشق، د.ط، 1394هـ.
  2. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري (المتوفى : 975هـ)، تحقيق: بكري حياني – صفوة السقا، دار: مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة،1401هـ/1981م.
  3. لسان العرب، لمحمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر – بيروت، الطبعة الأولى،د.ت.

المبسوط في القراءات العشر، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني(ت381)، تحقيق: سبيع حمزة، دون طبعة، ودون تاريخ.

  1. مجاز القرآن، صنعة أبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي، عارضه بأصوله وعلَّق عليه: الدكتور محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي بالقاهرة ـ مصر، دون طبعة، ودون تاريخ .

المحتسب في تبين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق: علي النجدي، وعبد الحكيم النجار، وعبد الفتاح إسماعيل، القاهرة، دون طبعة، 1415هـ.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (ت542هـ)، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية. بيروت، الطبعة: الأولى، 1422 هـ.

مشكل إعراب القرآن، لمكي بن أبي طالب القيسي أبو محمد، تحقيق : د. حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة الثانية ، 1405.

  1. معاني القرآن وإعرابه، للزجاج أبي إسحاق إبراهيم بن السَّري، شرح وتحقيق: دكتور عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، بيروت ـ لبنان، الطبعة: الأولى، 1408هـ.
  2. معاني القرآن، تأليف أبي زكريا يحي بن زياد الفرَّاء، عالم الكتب، بيروت ـ لبنان، الطبعة: الثالثة، 1403هـ.
  3. معاني القرآن، لأبي الحسن سعيد بن مسعدة، الأخفش الأوسط، تحقيق: الدكتورة هدى محمود قراعة، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة: الأولى، 1411ه.
  4. معاني القرآن، لأبي جعفر النحاس، تحقيق: محمد علي الصابوني، نشر جامعة أم القرى، مكة، الطبعة: الأولى، 1408هـ.
  5. معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، د.ط، 1399هـ – 1979م.
  6. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام الأنصاري، تحقيق وشرح: الدكتور عبد اللطيف محمد الخطيب، السلسلة التراثية، الكويت، الطبعة: الأولى، 1421هـ.

مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (ت606هـ)، دار إحياء التراث العربي. بيروت، الطبعة: الثالثة، 1420 هـ.

المقتضب، لمحمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي، أبي العباس، المعروف بالمبرد (ت 285هـ)، تحقيق: محمد عبد الخالق عظيمة، عالم الكتب. بيروت، دون طيعة، ودون تاريخ.

الهوامش:

  1. () النساء، الآية12.
  2. () النساء، الآية24.
  3. () المائدة، الآية6.
  4. () مقاييس اللغة، (4/299)، مادة:عرب.
  5. () تهديب اللغة، (2/362)، مادة:عرب.
  6. () ينظر: لسان العرب، (1/587)، مادة:عرب.
  7. () ينظر: التعريفات للجرجاني، ص47، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي، ص75، والمعرب في ترتيب المعرب لابن المطرز، (2/405) مادة:عرب.
  8. () مقاييس اللغة، (4/299)، مادة:عرب.
  9. () تاج العروس (13/323)، مادة فسر.
  10. () البحر المحيط، (1/121).
  11. () يُنظر: تهذيب اللغة (1/485)، ولسان العرب (2/445)، وتاج العروس (6/385)، مادة: رجح.
  12. ))ـ التوقيف على مهمات التعاريف (1/95).
  13. ))ـ ـ التعريفات (ص56).
  14. ))ـ ـ يُنظر: المحصول (5/397)، والإبهاج في شرح المنهاج (1/208)، والبحر المحيط للزكشي (8/145 ـ 147).
  15. ))ـ ـ يُنظر: مختصر العبارات لمعجم مصطلحات القراءات (ص45).
  16. () الخصائص، (1/35).
  17. () الصاحبي في فقه اللغة، ص47.
  18. () مشكل إعراب القرآن، (1/2).
  19. () ينظر: البرهان في علوم القرآن، (1/301)، والإتقان في علوم القرآن، (1/528).
  20. () كنز العمال في سنن الأقوال والأعمال، كتاب: العلم، باب فضل العلم، رقم: 29359، (10/254)، مع عدم ذكر حكمه.
  21. () الاتقان في علوم القرآن، (2/528).
  22. () البرهان في علوم القرآن، (1/301).
  23. () الرسالة اللدنية، ص42.
  24. )) ـ يُنظر: قواعد الترجيح عند المفسرين(2/633 ـ 636).
  25. () الحج، الآية13.
  26. ))ـ ـ جامع البيان(18/578).
  27. () هود، من الآية78.
  28. ))ـ ـ المحرر الوجيز(3/194).
  29. () البقرة، من الآية8.
  30. ))ـ ـ البحر المحيط(1/88).
  31. () النساء، الآية12.
  32. ))ـ ـ ينظر: الهداية (2/1245ـ 1247).
  33. ))ـ ـ يُنظر: جامع البيان (8/53 ـ 60)، ومعاني القرآن للنحاس (2/35)، والجامع لأحكام القرآن (5/76)، والبحر المحيط (3/545).
  34. ))ـ ـ يُنظر: معاني القرآن (1/251) .
  35. ))ـ ـ يُنظر: غريب القرآن (121) .
  36. ))ـ ـ يُنظر: غريب القرآن المسمى بنزهة القلوب (390) .
  37. ))ـ ـ المشكل من غريب القرآن (138).
  38. ))ـ ـ الهداية (2/1246).
  39. ))ـ ـ يُنظر: جامع البيان (8/53 ـ 57)، ومعاني القرآن للنحاس (2/35)، والجامع لأحكام القرآن (5/76).
  40. ))ـ ـ يُنظر: معاني القرآن (1/257).
  41. ))ـ ـ يُنظر: تفسير الراغب الأصفهاني (3/1130).
  42. ))ـ ـ يُنظر: غرائب القرآن (2/386).
  43. ))ـ ـ الهداية (2/1247).
  44. ))ـ ـ يُنظر: النكت والعيون (1/460)، وتفسير الراغب الأصفهاني (3/1130).
  45. ))ـ ـ يُنظر: النكت والعيون (1/460)، والمحرر الوجيز (2/19)، وزاد المسير (1/380)، والبحر المحيط (3/545).
  46. ))ـ ـ يُنظر: جامع البيان (8/59) والجامع لأحكام القرآن (5/77)، والبحر المحيط (3/545).
  47. ))ـ ـ يُنظر: مجاز القرآن (1/118)، والجامع لأحكام القرآن (5/77)، والبحر المحيط (3/546).
  48. ))ـ ـ يُنظر: الكشف والبيان (3/269)، وغرائب التفسير وعجائب التأويل (2/286)، والجامع لأحكام القرآن (5/77).
  49. ))ـ ـ الهداية (2/1247).
  50. ))ـ ـ يُنظر: جامع البيان (8/60)، ومعاني القرآن للنحاس (2/35)، والجامع لأحكام القرآن (5/77).
  51. ))ـ ـ الهداية (2/1247).
  52. ))ـ ـ يُنظر: إعراب القرآن لابن سيده (3/232)، والتبيان للعكبري (1/366)، والبحر المحيط (3/546)، ومغني اللبيب (1/686).
  53. ))ـ ـ يُنظر: قواعد الترجيح عند المفسرين (2/421).
  54. () النساء، الآية24.
  55. ))ـ ـ الإغراء في النحو هو : تَنْبِيُه المخاطَبِ على أمر محمودٍ ليفعله . يُنظر: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (4/79).
  56. ))ـ ـ الهداية (2/1281).
  57. ))ـ ـ يُنظر: الهداية (2/1281)، والمشكل من غريب القرآن(139).
  58. ))ـ ـ يُنظر: معاني القرآن (1/235).
  59. ))ـ ـ يُنظر: معاني القرآن (2/36).
  60. ))ـ ـ يُنظر: معاني القرآن (2/57).
  61. ))ـ ـ يُنظر: المحتسب (1/185).
  62. ))ـ المقتضب (179).
  63. ))ـ جامع البيان (8/169).
  64. ))ـ المصدر نفسه (7/262).
  65. ))ـ تفسير القرآن العظيم (2/258).
  66. ))ـ التفسير القرآني للقرآن (3/738).
  67. ))ـ التحرير والتنوير (5/7).
  68. )) ـ جامع البيان (8/170).
  69. )) ـ إعراب القرآن (1/152).
  70. )) ـ التبيان (1/346).
  71. )) ـ يُنظر: الإنصاف في مسائل الخلاف (1/228).
  72. )) ـ يُنظر: الهداية (2/1281).
  73. )) ـ يُنظر: إعراب القرآن (1/208).
  74. )) ـ يُنظر: الكشاف (1/497).
  75. )) ـ يُنظر: الجامع لأحكام القرآن (5/124).
  76. )) ـ معاني القرآن (2/37). والآية من سورة الأحقاف:35.
  77. )) ـ يُنظر: المحتسب (1/185)، وإعراب القرآن لابن سيده (3/245).
  78. )) ـ المحتسب (1/185).
  79. )) ـ يُنظر: قواعد الترجيح عند المفسرين (1/110).
  80. )) ـ المصدر نفسه (2/645).
  81. () المائدة، الآية6.
  82. )) ـ الواقعة، الآية 22.
  83. )) ـ ينظر: الهداية (3/1613 ـ 1618).
  84. )) ـ يُنظر: شرح التصريح على التوضيح (2/15 ).
  85. )) ـ الإنسان، الآية 31.
  86. )) ـ مجاز القرآن (1/155 ).
  87. )) ـ معاني القرآن (1/277 ).
  88. )) ـ وهي قراءة: حمزة، والكسائي، والأعمش، ورواية المفضل عن عاصم. يُنظر: السبعة لابن مجاهد ص(622)، والحجة لأبي علي الفارسي(6/255)، والمبسوط في القراءات العشر ص(426)، وحجة القراءات لأبي زرعة ص(695).
  89. )) ـ الواقعة، الآية 18.
  90. )) ـ يُنظر: التبيان (1/422 ـ 424 ).
  91. )) ـ الإنسان، الآية21.
  92. )) ـ تفسير ابن كثير (3/53 ).
  93. )) ـ يُنظر: التفسير المظهري (3/47 ).
  94. )) ـ وهي قراءة: نافع، وابن عامر، والكسائي، ويعقوب، ورواية حفص عن عاصم. ينظر: السبعة لابن مجاهد ص(242)، والحجة لأبي علي الفارسي(3/214)، والمبسوط في القراءات العشر ص(184)، وحجة القراءات لأبي زرعة ص(221).
  95. )) ـ يُنظر: أضواء البيان (1/330 ـ 335 ).
  96. )) ـ يُنظر: إعراب القرآن (1/259 ).
  97. )) ـ يُنظر: إعراب القرآن (3/382).
  98. )) ـ معاني القرآن وإعرابه (2/153 ).
  99. )) ـ الحجة في القراءات السبع (129).
  100. )) ـ يُنظر: مفاتيح الغيب (11/305 ).
  101. )) ـ البحر المحيط (4/192 ).
  102. )) ـ يُنظر: معاني القرآن وإعرابه (2/153 ).
  103. )) ـ يُنظر: جامع البيان (10/64 ).
  104. )) ـ الجن، الآية7.
  105. )) ـ النساء، الآية17.
  106. )) ـ يُنظر: الحجة للقراء السبعة (2/214 ـ216).
  107. )) ـ الكشاف (1/611 ).
  108. )) ـ البحر المحيط (4/192).
  109. )) ـ يُنظر: تفسير السمعاني (2/18 ).
  110. () أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب: غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين، حديث رقم163، _1/44).
  111. )) ـ يُنظر: فتحُ البيان في مقاصد القرآن (3/363 ـ 365).
  112. )) ـ يُنظر: جامع البيان (10/57 ـ 59)، والمحرر الوجيز(2/163)، وتفسير ابن كثير (3/52، 53 )، والدر المنثور (3/28).
  113. )) ـ البحر المحيط (4/191).
  114. )) ـ البيت من الطويل، من قصيدة قالها زهير يذكر فيها النعمان بن المنذر، مطلعها:

    ألا ليت شعري هل يرى الناسُ ما أرى…من الأمْرِ أوْ يَبدو لهمْ ما بَدا لِيَا؟. في ديوانه (ص139).

  115. )) ـ يُنظر: التبيان (1/424).
  116. )) ـ يُنظر: البحر المحيط (4/192).
  117. )) ـ إعراب القرآن (3/382).
  118. )) ـ يُنظر: تفسير ابن كثير (3/53)، وروح المعاني (4/399).