المعنى عند المدارس اللسانية

م.د. رغد عبد أبو جاسم1

1 وزارة التربية, المديرية العامة لتربية النجف الأشرف, النجف الاشرف, العراق

بريد الكتروني: ali.alhameedawi@uokufa.edu.iq

HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3320

تنزيل الملف 

تاريخ النشر: 01/03/2022م تاريخ القبول: 23/02/2022م

المستخلص

اللغة في ظاهرها أصوات تعبر عن معان ؛ لذا يقوم جوهر البحث اللغوي على دراسة العلاقة بين عنصري اللفظ والمعنى، لأن كل متكلم أو سامع يدور في فلك الألفاظ ومعانيها، ولأن كلّ معرفة لا تعدو أن تكون أفكاراً أو معاني تحملها الألفاظ، لذلك كانت محوراً لدراسات شتى قام بها اللغويون والأدباء والنقاد والفقهاء والفلاسفة والمناطقة وعلماء النفس وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا ورجال السياسة والقانون والاقتصاد والصحافة… ؛ لأن هذه القضايا تقع في صلب دراسة العلاقات وتبادل الأفكار، ولا يختص بها الدرس اللغوي وحده، ولا تنحصر بزمن دون آخر. وعلى هذا فالاهتمام بالمعنى من أقدم اهتمامات الإنسان الفكرية، ولكن دراسته تختلف باختلاف وجهات النظر إليه وتعدد المدارس اللسانية .

أين يوجَدُ المعنى؟ هل يوجد في أذهانِ البشرِ ، أم في العالم المشترك بين المتكلمين؟ وهل يمكن للمعنى أن يكون خارجَ المكونات التي تسهم في البناء اللغوي؟ وهل يمكن الاستغناء عنه أو تجاوزه ؟

أسئلة عدة ، تقتضي الإجابة عنها أن نضع في أذهاننا جملة من التصورات ، فاللغوي – مثلا – يختزن لغة محكومة بقوانين لا يمكن للفلكي أن يفهم أبعادها ، لأنها لا تصف عالمه وحتى يتم التجاذب بين اللغوي ، والعالم الذي يصفه في مجال عمله ، ينبغي تأسيس علاقة خاصة تجمع بينهما، وهي العلاقة التي تقوم أساسا على ما يعرف بالإدراك لأن المعنى يخضع لما ندركه حسب ما تذهب إليه النظريات الفلسفية واللسانية .

وعليه حاولنا في هذا البحث الإجابة عن تلك الأسئلة عن طريق البحث في نظرة المدارس اللسانية للمعنى . وتجدر الإشارة إلى أن سرد المدارس في تناولها للمعنى بشكل متواز قد يوحي باستقلالها التام عن بعضها ، والأمر ليس بهذا الشكل ؛ إذ تنعقد بينها صلات قد تصل إلى حدود التداخل ، والتأثير والتأثر ، ولا سيما في مسالة المعنى.

Research title

The meaning in linguistic schools

Lec. Dr. Raghad Abed Abu Jasim1

1 Ministry of Education, General Directorate of Education of Najaf, Najaf, Iraq.

Email: ali.alhameedawi@uokufa.edu.iq

HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj3320

Published at 01/03/2022 Accepted at 23/02/2021

Abstract

The Concept of meaning according to linguistic schools: A language is basically Sounds that express meanings Given this, the core of the linguistic research is built upon studying the relationship of words and their meaning and since know ledge in general is nothing but thoughts and meanings accord by words. That is why it has been the focus of various studies carried and by linguists, critics, jurists, philosophers, logicians. And psychologists. Such linguistic and thoughts exchange studies. Moreover, studying meaning is not restricted to language study alone and is not limited to a particular time. Thus, paying attention to meaning is one of the oldest intellectual human concerns, though its study varies in accordance with the different point of views and the different Lingui she schools.

Where does meaning lie? Is it in the human mind or in the society in which the speaker of the language lives? Or could the meaning exist separately out of the components that contribute to be dispensed or overpassed altogether?

In order to answer these questions, we need to bear in mind certain points. A linguist, for instance, deal with a language which is governed by certain rules that an astronomer is unable to understand its dimension, because does not describe his world. So in order to combine the linguist and the world he describes it is necessary to establish a unique relationship that connects them to gather. Sun a relation is based on what is known as perception since meaning, according to philosophers and linguists, is subject to the way we realize it thus, I have answered the a above mentioned questions through investigating the view paths regarding meaning as that though, at the first, the linguistic in their approach to meaning seem completely independent of each other. It is quite the opposite as there are links between them to the extent of over lapping, influencing, and being influenced. A specially when it comes to meaning.

التمهيد

مفهوم المعنى

يتوقف ابن فارس ( ت 395 هـ ) في تعريفه للمعنى عند اشتقاقات عدة ، لعل أبرزها : المعنى من ( عنيت بالكلام كذا ) أي قصدت وعمدت ، فيدل هنا على القصد . والمعنى من ( عنت القربة ) إذا لم تحفظ الماء و أظهرته ، وعنوان الكتاب مأخوذ من هذا المعنى ، فدلالته هنا الإظهار . والمعنى من ( عنت الأرض بنبات حسن ) ، أي أفادت بنبات حسن ، فالمعنى هنا بمعنى الإفادة . وبناء على ذلك يرى أن المعنى هو ( القصد والمراد ) ([1]) . ” فالصورة الحاصلة من حيث أنها تقصد باللفظ تسمى معنى ، ومن حيث حصولها من اللفظ في العقل تسمى مفهوما ، ومن حيث أنها مقولة في جواب ما هو ؟ تسمى ماهية ، ومن حيث ثبوتها في الخارج تسمى حقيقة ، ومن حيث امتيازها عن الأعيان تسمى هوية ” ([2]).

وجاء في لسان العرب :” مَعْنى كلِّ شيء مِحْنَتُه وحالُه التي يصير إليها أَمْرُه وروى الأَزهري عن أَحمد بن يحيى قال : المَعْنَى والتفسيرُ والتَّأْوِيل واحدٌ وعَنَيْتُ بالقول كذا ، أَردت ، ومَعْنَى كلّ كلامٍ ومَعْناتُه ومَعْنِيَّتُه مَقْصِدُه ، والاسم العَناء يقال : عَرَفْتُ ذلك في مَعْنَى كلامِه ومَعْناةِ كلامه وفي مَعْنِيِّ كلامِه ولا تُعانِ أَصحابَك أَي لا تُشاجِرْهُم عن ثعلب ، والعَناء الضُّرُّ وعُنْوانُ الكتاب مُشْتَقّ فيما ذكروا من المَعْنَى وفيه لغات عَنْونْتُ وعَنَّيْتُ وعَنَّنْتُ وقال الأَخْفش عَنَوْتُ الكتاب واعْنُه ” ([3]) .

أما في الاصطلاح فيعد مصطلح المعنى من أكثر المصطلحات التي اختلف في تعريفها ، ولعل ذلك راجع إلى اختلاف اهتمامات الدارسين له ، وتعدد ميادين بحوثهم ، فضلا عن كثرة المصطلحات المستعملة في هذا المجال والمرتبطة به . وقد وضع ( ريتشاردز وأوجدن ) في كتابهما ( معنى المعنى ) 1923 ما ناهز ستة عشر تعريفا للمعنى ، وأشارا إلى أنها أشهر هذه التعريفات ([4]) .

ويستخلص من استعمالات اللغويين والبلاغيين والنحويين لهذه اللفظة ثلاثة أنواع :

1 – المعنى الذي يرتبط بالكلمة أصالة ، وهو ما وضع للفظ في الأصل ، ويسمى المعنى الحقيقي .

2 – المعنى الذي يستجد للفظ ؛ أي يتولد له عن طريق الاستعمال والتطور اللغوي ، وهو ما يختص بدراسته علم البيان .

3 – المعنى المتكون من تركيب الألفاظ بإسناد أو إضافة ، وهو ما يصطلح عليه بالمعنى الوظيفي ([5]).

وللمعنى في الدراسات اللغوية الحديثة تقسيمات عدة ، لعل ابرزها التقسيم الاتي :

1 – المعنى الأساسي أو الأولي أو المركزي ، ويسمى التصوري والمفهومي ، ويراد به المعنى المتصل بالوحدة المعجمية حينما ترد في أقل سياق ، أي منفردة .

2 – المعنى الإضافي أو العرضي أو الثانوي ، أو التضمني ، ويراد به المعنى الذي يملكه اللفظ عن طريق ما يشير إليه إلى جانب معناه التصوري الخالص . وهذا النوع ، وليس له ثبات أو شمول ؛ فيتغير بتغير الثقافة أو الزمن أو الخبرة .

3 – المعنى الأسلوبي ، هو المعنى الذي تحمله قطعة من اللغة بالنسبة للظروف الاجتماعية والمنطقة الجغرافية .

4 – المعنى النفسي ، ويراد به الدلالات التي يتضمنها اللفظ عند الفرد ، فهو معنى فردي ذاتي .

5 – المعنى الإيحائي ، يشير إلى المعنى الذي يتعلق بكلمات ذات مقدرة خاصة على الإيحاء ، وحصر اولمان تأثيراته في ثلاثة ، التأثير الصوتي ( مباشر وغير مباشر ) ، والتأثير الصرفي ، والتأثير الدلالي ، ويدخل فيه ما سماه ليتش ( المعنى المنعكس ) .

ويعترف ليتش بوجود مشكلة تتمثل في رسم الحدود بين الأنواع السابقة ؛ لذا يختلف المحللون اللغويون في تسمية المعاني التي يستخلصونها([6]) .

وبناء على ذلك هناك تقسيمات للمعنى عدة نابعة من تخصص منظريها ، فضلا عن اختلاف نظرتهم لأهمية المعنى ؛ لذلك اختلفت نظرة المدارس اللسانية له .

اللسانيات البنيوية

يعد الربع الأول من القرن العشرين بداية حقبة اللسانيات البنيوية في أوربا والولايات المتحدة معا . وشأن البنيوية في اللسانيات شأنها في فروع الدرس العلمي الأخرى ؛ إذ تعني مقاربة جديدة لحقائق معروفة يعاد النظر فيها تبعا لوظيفتها في النظام ، ” ويتضمن الموقف البنيوي … إلحاحا على الوظيفة الاجتماعية ، أي التواصلية للغة ، وتمييزا واضحا بين الظواهر التاريخية والخصائص المميزة للنظام اللغوي في لحظة زمنية بعينها ” ([7]). فالبنيوية اللغوية – في أبسط صورة وأوجزها– هي : منهج عام يأخذ اللغة على أنها (بناء) أو (هيكل)، أشبه شيء بالهيكل الهندسي المتشابكة وحداته ذات الاستقلال الداخلي، والتي تتحد قيمها بالعلاقات الداخلية بينها، وذلك بمعزل عن أية عناصر خارجية، كصاحب النص المنطوق أو المكتوب، والسياق الخارجي أو غير اللغوي ؛ إذ إن هذين العنصرين ليسا من اختصاص علم اللغة في نظر البنيويين0  ومعنى ذلك أنّ تحليل أي نص لغوي يعتمد على نظرتين : الأولى استقلاليته عن أية ملابسات أو ظروف خارجية ، والثانية تشابك وحداته وترابطها فيما بينها داخليا، وعليه، يدرس البنيوي اللغة في ذاتها ولذاتها .

وظهر رواد هذه الحقبة الجديدة بأماكن متفرقة ، وفي تاريخ يعود إلى القرن التاسع عشر ، إلا إن تلك المحاولات المنعزلة لم تحظ بالاهتمام من معاصريها ، إلا أن الصوت الذي جعل من نفسه صوتا مسموعا مؤثرا إلى درجة ما تزال أصداؤه تتردد حتى اليوم هو صوت ( فرديناند دي سوسير ) ؛ الذي يعد مؤسس اللسانيات البنيوية ؛ إذ الهم معاصريه بقوة أفكاره ، حتى أن من لم يخضع لتأثيره خضوعا مباشرا ، بدأ من الأسس النظرية نفسها التي تضمنتها أفكاره .

بدأت البنيوية مع دي سوسير ثم تطورت في أوروبا وأمريكا في وقت واحد، ولكن دون اتصال كبير بينهما. وثمة ثلاثة أنماط أساسية للبنيوية في أوروبا:

1- مدرسة جنيف ، وهي المدرسة البنيوية التقليدية كما يمثلها دي سوسير

2- المدرسة الوظيفية، وتتمثل بأعمال حلقة براغ ، وتعرف باللسانيات الوظيفية .

3 – المدرسة الجلوسماتية ، ويطلق عليها – أحيانا- السويسرية المحدثة ؛ بسبب نزعتها إلى التجريد مما ينسجم مع تفسير دي سوسير للعلامة اللساني .

أما المدرسة البنيوية الأمريكية فقد أسسها بلومفيلد، وتدعى المدرسة التوزيعية لمنهجها التوزيعي في التحليل ، ومدرسة ييل([8]) .

المدارس البنيوية الأوربية

مدرسة سوسير :

بدأ فريدناند دي سوسير ( F.de. Saussure ) بتأكيد الطابع النظامي للغات، وهذا النظام متصور أساساً بصفته نظاماً من العلامات، والعلامة اللغوية ” signe ” ([9]) محددة فيه باعتبارها وحدة طبيعية ذات وجهين لا ينفصلان هما: الدال ” signifiant ” وهو الصورة الصوتية، والمدلول ” signifie ” وهو الصورة المفهومية ” تصور” ويُعبر عن المتصوّر الذهني الذي يحيلنا إليه الدال، وتتم الدلالة ” significtion ” باقتران الصورتين الصوتية والذهنية، و بحصولهما يتم الفهم والإفهام،([10]) وإن أي تغيير في الصورة السمعية لا بد أن يؤدي إلى تغيير في التصور والعكس صحيح أيضاً. وتتسع العلامة عند دي سوسير لتشمل كل ما يمكن تمييزه كالجمل، والعبارات، والكلمات، والمورفيمات. .. ([11])

وهكذا يبدو النظام – وذلك في حالة لغة معينة – شبكة من الاختلافات بين العلامات إذ ” لا وجود للغة إلا بالاختلافات “.([12]) إن علامة ما هي قبل كل شيء ما لا تكونه العلامات الأخرى، فاللغة منظومة لا قيمة لمكوناتها إلا بالعلاقات القائمة فيما بينها، أي لا يمكن للألسني اعتبار مفردات اللغة كيانات مستقلة، بل يجب عليه وصف العلاقات التي تربط هذه المفردات ([13]) ومن ثم يصبح المعنى تابعاً ( للقيمة ) ([14]) ، فقيمة الجمع مثلا تتوقف على وجود المفرد ، أو المفرد والمثنى في ذلك النظام اللغوي ونحو ذلك ، فكلمة ( mouton ) الفرنسية ( خروف ، لحم ضأن ) لها المعنى ذاته للكلمة الإنكليزية ( sheep ) ، لكن ليس لها القيمة ذاتها ؛ لان الفرنسية قد تعني قطعة اللحم المعدة على المائدة ، أما الإنكليزية فلا تعني سوى ( خروف ) ، فالفارق في القيمة بين ( sheep ) و ( mouton ) يرجع إلى أن للأولى عنصرا ثانيا إلى جواره ، والحال ليست كذلك مع الفرنسية ([15]).

بين دي سوسير أن كل لغة ينبغي أن يتم تصورها ووصفها على أنها نظام من العناصر المترابطة على المستويات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، لا على أنها تراكم من كيانات قائمة بذاتها. وقد عبر عن نظريته تلك بقوله: ” إن اللغة شكل وليست مادة “،([16] ) وعلى هذا الشكل البنيوي يقوم صرح علم اللغة ” Linguistique ” المعاصر بأسره، وهو الذي يسوغ دعوى دي سوسير باستقلال علم اللغة ليصبح علماً قائماً بذاته.

وعنده أن اللغة نظام من الإشارات التي تشير للمقصود بنية التواصل ، واللساني لا يهتم بالمرجع ( المدلول عليه ) الموجود في الواقع ، بل ينصب على المدلول ( المفهوم ) ، وعليه فالدليل اللساني عند سوسير ما ربط بين المدلول ، والصورة التي تشير إليه . فهو بذلك يتكون من امرين :

1 – الدال ، ويراد به الصورة الصوتية ، أي مجموعة الأصوات القابلة للتقطيع .

2 – المدلول ، ويراد به المفهوم ، أو المعنى الذي يشير للدال .

فهناك مفهوم يريد المتكلم إيصاله للمتلقي ، ويسمى المرجع أو المدلول عليه ، فيقوم المتكلم باستثارة معلوماته المخزنة في ذاكرته ، أي تشغيل نظامه اللغوي الداخلي الذاتي لاختيار مفهوم (مدلول ) مطابق لذلك المرجع ، ومن ثم ربط المدلول بالصورة الصوتية المادية المجانسة له (المفهوم ) ، والتي ورثها من مجتمعه أي التمثيل المخزون في ذاكرة الجماعة الناطقة ([17]) . فالمنهج البنيوي يقوم على مفهومين اثنين – هما أساس المنهج الوصفي  – : الوصف والتصنيف. فيبدأ باستقراء (جمع) الصور اللفظية المختلفة  داخل أية لغة،  ثمّ يصف العلاقات القائمة بين كلماتها في تراكيبها وصفا موضعيا ، ثم يصنف النتائج تصنيفا دقيقا مميزا بين المؤلفات التي تتكون فيها التراكيب . ودراسة العلاقات ذات القيم الفارقة بين التراكيب أو الوحدات اللغوية تتم في محورين:

1- المحور الأفقي : (syntagmatic) ويعنى بتعيين طرائق تكوين العناصر اللغوية – كلمات أو لواصق – إلى عناصر أكبر وأكثر تعقيدا أو جمل وعبارات وتراكيب ، وبيان العلاقات بين هذه العناصر. وهنا يكون التركيز على خواص التركيب من حيث موقعية عناصره المكونة له ونوع الارتباط الواقع بينهما؛ آخذين في الحسبان أن قيمة كل عنصر إنما يتضح بنوع علاقته بصاحبه من العناصر الأخرى في ذات التركيب.

2-المحور الرأسي : ( paradigmatic ) أو الاستبدالي، ويعنى بالعلاقات بين العناصر اللغوية في النظام اللغوي أو في الجدول الصرفي الذي يمد التراكيب بالوحدات المكونة له ، فهذا الجانب يركز على مبدأ جدولة العلاقات واستبدالها.

وعلى أساس المحور الأفقي فإن اللغة ذات طابع خطي متتابع (لا يمكن أن ننطق علامتين في وقت واحد)، وعلى أساس المحور الرأسي الاستبدالي فإن اللغة تتأسس على التعارضات (opposition). أما كونها تتأسس على التعارضات فمنطلقه أن العلامة اللغوية تكتسب معناها وقيمتها من موضعها في النظام (رجل/ ليس امرأة، ليس صبيا) (أحمر ليس أخضر أو أصفر الخ). وأكثر ما تتحقق التعارضات في النظام الصوتي على نحو ما سنتبين في حينه (المستوى الصوتي). ومن الأمثلة الواضحة على ذلك نظام الألوان. فنظام الألوان في العربية يعطي للونين الأخضر والأزرق علامتين مختلفتين (أخضر، أزرق)، في حين أن نظام الألوان في اليابانية يتوفر على علامة (كلمة) واحدة للتعبير عن هذين اللونين، والإحالة الواقعية هي التي تحدد المقصود من العلامة (هل هي أخضر أم أزرق)، ولا يمكن أن نترجم الكلمة اليابانية إلى العربية. هذا يثبت أن المعنى في البنية اللغوية مؤسس على الاختلافات بين العلامات. وبهذا المنهج استطاع سوسير أن يضع المستويات اللغوية (الصوتية، الصرفية، النحوية، الدلالية) في إطار المحورين: الرأسي والأفقي . فالنظام اللغوي إن هو إلا وقوع المحور الرأسي على المحور الأفقي .

ويفرق سوسير بين ما يسميه ( القيمة اللغوية ) للكلمة ، وبين ما يسميه ( المقصود من الكلمة ) ؛ إذ يكفي لدراسة القيمة اللغوية – في رايه – دراسة عنصرين هما الفكرة والصورة السمعية ؛ لذا فالمعنى عنده هو ارتباط متبادل أو علاقة متبادلة الكلمة ( الصورة السمعية ) وبين الفكرة([18]) .

وبناء على ذلك نخلص إلى أن بنيوية سوسير تدرس المعنى بمعزل عن السياق ، وتختص بمفاهيم الحقيقة والقيمة الإخبارية ، وليست جردا لعدد من الكلمات توافقها عدد من المعاني ؛ لأن اللغة في تصوره نظام تحدد عناصره بعضها بعضا ، وتضبط فيما بينها علاقات لاوجود لها خارج ذلك النظام .

المدرسة الوظيفية

نشأت هذه المدرسة في أعمال العلماء التشيك الذين نشروا أعمالهم ضمن ما أسموه حلقة براغ ‘Prague Circle ‘. ومن أبرز أعلامها رومان ياكبسون ، ونيكولاي تروبتسكوي ، ومنذ 1930 ازداد توسع المدرسة بعد أن هاجر ياكبسون إلى الولايات المتحدة وعمل في جامعة هارفارد، واستقطب كثيرا من العلماء والباحثين الذين وقفوا مقابل المدرسة التوزيعية في أمريكا. وانظم إليها بعض اللسانيين الفرنسين : أندريه مارتينيه ، واميل بنفست. وأدت المدرسة عملا بارزا في تطور اللسانيات البنيوية. وحددت منهجها بالانطلاق من تصور اللغة باعتبارها نظاماً وظيفياً يرمي إلى تمكين الإنسان من التعبير والتواصل .فإذا كان دور اللغة هو توفير أسباب التواصل فإن دراسة اللغة ينبغي أن تراعي ذلك ، وبذلك عد الوظيفيون أن دراسة اللغة هي البحث عن الوظائف التي تؤديها في المجتمع عند تواصل إفراده ، وتولد هذا الاتجاه عن الأعمال التي اهتمت بدراسة الظواهر الصوتية في الاتجاه الذي يعرف بـ ( الاتجاه الفونولوجي ) الذي ظهر على يد تروبتسكوي ، وطوِّر على يد جاكبسون ومارتيني ، وحلقة براغ ([19]).

اعتمد أقطاب المدرسة على تصورات سوسير وأفكاره، من أن اللغة ذات وظيفة اجتماعية، وهي نظام من العلامات أو الوحدات اللغوية. وعل هذا الأساس رأوا أن الوحدات الصوتية (الفونيمات) تقوم بدور الوحدات اللغوية التي يتم من خلالها إنجاز التواصل ، فتناولوا الأصوات بما يؤديه الصوت من وظيفة تواصلية في سلسلة الكلام ، وانصب اهتمامهم في هذا المجال على النظام الصوتي المستدل عليه من دراسة الأصوات المنطوقة ؛ أي ركزوا على جانب اللغة لا الكلام ، بما أقره سوسير مجالا لعلم اللغة. وأسفرت دراسات ياكبسون وتروبتسكوي في هذا المجال عن تطوير نظرية الفونيم، وعلم الأصوات (phonetics) وعلم النظم الصوتية (phonology). ونتج عن دراساتهم في المجال الصوتي نشوء فرع خاص من فروع الدرس اللساني هو علم النظم الصوتية-الصرفية (morpho-phonology).

فأقام تروبتسكوي نظريته ( الصوتولوجية ) على اساس ان الصوتيم ينبغي أن ينظر إليه على انه علامة لغوية مهمتها حمل معنى الكلمة ، وعليه فإحلال الصوتيم مكان صوتيم سيؤدي إلى إحداث تغيير في المعنى ، ففي الإنكليزية / p / و / b / صوتيمين ، عند إحلال احدهما محل الآخر يتغير المعنى ، نحو : bull ثور في مقابل pull مقبض . ومن آرائهم التي ماتزال من أسس اللسانيات ، إذا وقع صوتان في مواقع صوتية واحدة دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير المعنى ، فانهما عندئذ ليسا صوتيمين مختلفين ، بل تنوعات عرضية لصوتيم واحد ([20]) .

أما مارتيني فمن اهم المبادئ التي بنى أفكاره عليها هي ( التقطيع المزدوج ) ، فهي الميزة التي تباين الأنظمة اللسانية البشرية عن سواها من لغة الحيوان والطبيعة والإشارات . فيرى أن تحليل الوحدات اللغوية يتم على مستويين :

1 – التقطيع الأولي : الذي يتكون من الكلمات الدالة المونيمات ، نحو : أحضر الولد الكتاب : ←/ أحضر / ال / ولد / ال / كتاب .

2 – التقطيع الثانوي : وهو ينطلق من هذه النتيجة ليحلل تلك الوحدات المستقلة ذات المحتوى الصوتي والدلالي الى الفونيمات ( أصغر الوحدات الصوتية المجردة من المعنى ) .

ولهذا المبدأ قيمة لسانية تتمثل في منح اللغة القدرة على التعبير عن اللامتناهي من الأفكار والمعاني المجردة ، بواسطة عدد محصور من الفونيمات ( الحروف / الأصوات اللغوية ) ، وهو وبذلك يؤسس لمفهوم الاقتصاد اللغوي في اللسانيات ([21]) .

ولقبت حلقة براغ نفسها بـ ( علم اللغة الوظيفي ) ؛ للإشارة إلى موقفهم المميز من موضوع علم اللغة ومهامه . ولا يفهم أعضاء هذه المجموعة الوظيفة بالمعنى الرياضي للعلاقة بين الكيانات على نحو ما استعمله هلمسليف ، بل المعنى اللغوي العادي له وظيفة ومهمة ، فاللغة عند البراغيين وسيلة إفهام ، فكتب ياكبسون سنة 1936 ( إسهام في علم الحالات الإعرابية العام) ، وصارت المعاني الكلية للفصائل المورفولوجية موضوعا جوهريا لحلقة براغ ([22]).

كان المستوى المورفولوجي وعلم الدلالة مترابطين في أبحاث رومان ياكبسون ؛ إذ ” تعد المورفولوجيا نموذجا لانتقال مناهج من مستوى إلى مستوى آخر – في هذه الحال من الفونولوجيا – وينظر الى الفصائل الموفولوجية على انها تعبير عن معان نحوية ، اما الدلالات المعجمية فلم يبحثها ياكبسون الا قليلا ” ([23])، فعلم الأصوات الوظيفي ( الفونولوجيا ) يدرس الوحدات التي تعد أساسا لوحدات أكبر حاملة للمعنى ، لكنها في ذاتها لا معنى لها ، بل تستثمر لتمييز المعنى ، وفي المورفولوجيا عني ياكبسون بالفصائل الموفولوجية للفعل والاسم فدرس المورفيمات النحوية ، والسمات التي بحثها كانت ذات اصل دلالي ؛ لأنها بالنسبة له تعبير عن معان نحوية .

نخلص من ذلك إلى أن البراغيين طوروا الموضوعات التي تعالجها البنيوية ، ولاسيما المستوى الفونولوجي ، لما يؤديه من وظيفة للمورفولوجيا وعلم الدلالة ، ومن ثم ما يؤديه ذلك في وظيفة اللغة الأساسية ( التواصل ) .

مدرسة كوبنهاكن الجلوسماتية

تعد النظرية الجلوسماتية امتدادا لأفكار سوسير البنيوية ، فيطلق عليها – أحيانا- السوسرية المحدثة ؛ إذ انطلقت من فكرته أن اللغة ليست مادة ، بل شكل ، وكل لغة تتكون من مستويين ؛ أي مجموعة أدلة ذات مظهرين : مظهر صوتي ( تعبير ) ، وآخر دلالي ( محتوى ) . يتكون المستوى التعبيري من أصوات منتقاة لإيصال الأفكار ؛ بمعنى أنه المستوى الخارجي للغة المشترك بين الألسن . أما مستوى المحتوى فيضم الأفكار الموجودة في اللغة .

ويرى هلمسليف أن معظم اللغويين خلطوا بين الأفكار ( المادة الدلالية ) ، وبين الكلمات التي تشير للمعاني ؛ لذلك لابد من التفريق بين المادة والشكل . وبناء على ذلك ركز اهتمامه على الجانب الشكلي للمحتوى والتعبير ، مهملا المادة ( الأصوات ) ، فالدليل عنده يتضمن شكل التعبير وشكل المحتوى – وهو توسيع لمفهوم الدليل اللساني لسوسير- فنظر إلى اللغة على أنها شكل لا مادة مبعدا الجوانب الصوتية والدلالية عن مجال الدراسات اللسانية ([24]) .

و النظرية الجلوسماتية بسبب احتضانها للأسس النظرية المنطقية وصلت إلى نتيجة مفادها: أن على الرغم من الشكلية الواضحة فيها إلا أنها تتناول اللغة على أنها حقيقة معطاة ، “وهنا يتضح أن هلمسليف يكمل هنا فرضيات سوسير . ومن البدهي أنه قد استبعد من علم اللغة الذي يعده ( باطنيا / داخليا ) ؛ تلك المجالات الفرعية التي تتماس مع المادة اللغوية ، وهي بالنسبة للمادة الصوتية علم الأصوات Phonetik وبالنسبة لمادة المضمون علم الدلالة Semantik … فقد عد هيلمسليف علم الأصوات وعلم الدلالة علمين معاونين لعلم اللغة “([25]) . وهو بذلك استبعد المادة – التي تضم المعنى – لكنه عدها ( علم الأصوات وعلم الدلالة ) معاونة لعلم اللغة .

وبناء على ما سبق : نخلص إلى أن النظريات السابقة اعتمدت على أسس منهجية في اطار المنهج البنيوي الوصفي دون إعطاء الأهمية للمعنى ، بل عدته ثانويا مساعدا لعلم اللغة ؛ فهي إما قائمة على أساس اجتماعي نحو منهج سوسير ، وإما وصفية منطقية نحو هلمسليف ، أما أصحاب مدرسة براغ فعبروا عن البنيوية النموذجية على أساس وظيفي دون أن يصلوا إلى نظرية منهجية متماسكة .

المدرسة البنيوية الأمريكية

علم اللغة الوصفي

عرفت أمريكا تيارا عرف باسم ( علم اللغة البنيوي ) ، وشهد هذا التيار ازدهارا على يد عالمين مهتمين بعلم النفس ، فانصب اهتمام إدوارد سابير على المدرسة العقلية ، أما ليونارد بلومفيلد فقد اتصل بالمذهب السلوكي في علم النفس الذي كان سائدا في أمريكا، مما كان له أثر كبير في تكوين نظريته([26]) . ولعل من أهم أفكار السلوكية أن الفروق بين البشر محكومة بالبيئة التي يعيشون فيها، وأن أي سلوك هو رد فعل، أي أنه يحدث بوصفه استجابة لمثير خارجي خاص، وهو يكشف عن نفسية الإنسان، ويشمل تواصله مع بيئته، أي اللغة. ومن ثم فاللغة سلوك كغيرها من سلوكيات الإنسان، تقوم على العلاقة بين المثير والاستجابة، فهي شكل من أشكال الاستجابة لمثير خارجي([27]) .

تأثر سابيير بخطى أستاذه بواز ” مطورا منهجه في بحث الظواهر اللغوية ، وتوجه توجها كاملا الى الدراسة الحقلية معتمدا المصدر البشري في جميع مادته اللغوية ، وقدم بحوثا كثيرة عن عدد من لغات الهنود الأمريكيين جامعا بين اللغة والأنثربولوجيا “([28]) ، وفي الجانب الآخر يقف بلومفيلد الذي أطلق على المنهج الذي اتبعه في دراسة اللغة اسم المنهج المادي أو الآلي، وهو منهج يفسر السلوك البشري في حدود المثير والاستجابة على غرار ما تقوم به الدراسات النفسية، وقد استعان في شرح منهجه هذا بقصته المشهورة عن (جاك) و(جيل) . فافترض بلومفيد أن جاك وجيل كانا يتنزهان في الحديقة بين صفوف الأشجار، فشعرت(جيل) بالجوع، وتولدت لديها رغبة في الأكل، ورأت تفاحة على الشجرة، فأصدرت أصواتا عبرت من خلالها عن هذا الجوع، فقفز (جاك) على إثر هذه الأصوات، ليتسلق الشجرة، ويقطف التفاحة، ليقدمها إلى(جيل) التي اشتكت من الجوع أو عبرت عنه، و من ثم وضع التفاحة في يدها، فأكلتها . إن في هذه القصة مجموعة من الجوانب التي تثير اهتمام الدارسين، إذ يهتم الباحث اللغوي هنا بالحدث الكلامي، والتصرف السلوكي الذي ترتب عليه، لأن اللغة في نظره سلسلة من الاستجابات الكلامية لحوافز ليست ميدان الباحث اللغوي، فهو لا يهتم بالعمليات النفسية (الحافز الداخلي) السابقة على عملية الكلام، وإصدار الإشارات الصوتية، بل بدراسة التصرف الكلامي، فيصف ما فيه من فونيمات ومورفيمات توزع في إطار جملي. و قد قام بلومفيد بتحليل هذه القصة كما يلي:

1-أحداث عملية سابقة الحدث الكلامي.

2-الحدث الكلامي.

3-أحداث عملية تابعة للحدث الكلامي.

واتخذ بلومفيلد في دراسة اللغة موقفا مناظرا لموقف السلوكيين، من حيث الفحص الموضوعي المنضبط للسوك اللغوي. ولأن الجانب الفيزيائي من اللغة (الصوتي) هو الأكثر ملائمة للفحص الموضوعي المنضبط فقد ركز اهتمامه البحثي كلية على هذا الموضوع، أي ارتكز على وصف سلوك الوحدات اللغوية الملموسة في سلسلة الكلام. وعلى هذا الأساس رأى بلومفيلد أن المنهج اللغوي لا بد أن يعالج جميع المواقع التي يمكن أن تحتلها الوحدات اللغوية في نظام لغة معينة معالجة مبنية على الملاحظة والوصف، أي على تحديد توزيع الوحدات اللغوية، فاعتمد، لذلك، منهج التوزيعية الذي أرسى دعائمه العالم الأمريكي سابير([29]) . ونتج عن ذلك أن انصب اهتمام بلومفيلد (ومن تبعه) على الوحدات الصرفية والنحوية لأنها قابلة للملاحظة والوصف على نحو علمي موضوعي دقيق، واستبعد المعنى من الدرس اللغوي لعدم قابليته للوصف الموضوعي. فاستعمال المنهج التوزيعي لكشف بنية اللغة يجري على المستويين الصرفي والنحوي([30]) .

ويختزل بلومفيلد وجهة نظره في اللغة بالاعتماد على طرفي المعادلة السلوكية في المثير والاستجابة بالصورة الآتية :

S →r ………s → R

يمثل s / S المثير ، و r / R الاستجابة وردة الفعل ، فالحروف الصغيرة تعني وقائع لغوية ، والحروف الكبيرة اعني وقائع عملية خارج اللغة([31]) .

وقد انتقدت هذه المدرسة اعتمادها طريقة آلية في الدرس اللغوي قد لا تنطبق ( المثير والاستجابة ) على مفردات اللغة جميعها ، فضلا عن اتهامها باستبعادها المعنى والمعايير غير اللغوية([32]) ؛ لأن العناصر تتحدد بعلاقاتها داخل النظام ، أي بعلاقاتها مع غيرها من العناصر اللغوية في التركيب الواحد، وعملية التوزيع السليم الذي تأخذ فيه الكلمة قيمتها وبالتالي علاقات منطقية ولغوية مع بعضها بعض هي التي تصل بنا إلى التركيب السليم ، ومن هنا جاء اسم النظرية التوزيعية . لكن بلومفيلد لم يستبعد المعنى اللغوي ، وإنما عرفه متابعا سلوكية واطسون بأنه : الموقف الذي ينطقه المتكلم ، ورد الفعل ( الاستجابة ) الذي يستدعي قوة في السامع . فهدف بلومفيلد استبعاد الحدس الذي ربط بالمعنى وعمليات الوعي التي تستوعبه – ما امكن – ، فالمعنى ليس موضوعا مستقلا لعلم فرعي ، بل هو ظاهرة غامضة ، فلا يوجد معنى للكلمات في ذاتها ، بل ينتج عن طريق ملاحظة الاستعمال اللغوي ، والمعنى لا يمكن فصله عن المعرفة غير اللغوية ؛ إذ اعتبرت المعاني موضوعا لدراسة علم النفس ، ورأت أنها وحدات عقلية أشبه بالألغاز ، تخرج تماما عن نطاق ( علم معقول )([33]) ، ” إن النتيجة المنطقية للتخلي عن المعنى عند اتباع مدرسة بلومفيلد هو الاهتمام بالنماذج الصورية فقط ، أي الصياغة الشكلية المجردة عن أي سياق أو تأويل . وعلى هذا فهم يعاملون الجمل المفرغة من المعنى والجمل الكاذبة – أو القضايا الكاذبة ، كما يسميها المناطقة – على حد سواء مع الجمل الصحيحة معنى ومبنى . هكذا تستوي جملة ) إن كسالى الهيذل لشنققة ) مع جملة ( إن أمير المؤمنين لعادل ) “([34]) ، ويرى الدكتور سعيد بحيري أن بلومفيلد علق الخوض في درس المعنى على تقدم المعرفة الإنسانية وحور تلامذته هذا التعليق إلى الرفض ؛ فقد ذكر أنه لكي يقدم تعريفا علميا عن معنى ( دلالة ) كل شكل لغوي ، لابد من امتلاك معرفة صحيحة علميا عما يكون عالم المتكلم ، فالتطور للمعرفة الإنسانية غير كافٍ لتحقيق هذه الغاية . وانتهى – بلومفيلد – إلى أن تحديد المعنى يشكل نقطة ضعف في دراسة اللغة ، وان الأمر سيظل كذلك مالم تتطور معارفنا الإنسانية عما عليه في الوقت الراهن([35]).

فيرى بلومفيلد أن معنى الكلمة ، ومعنى النطق عامة ، يعرف عن طريق أحداث عملية ( فسيولوجية أو فيزيائية ) مرتبطة بها ؛ فمعنى الجوع في قولنا : ( أنا جائع ) ، يعرف بالتقلص العضلي وما يحدث في المعدة . ويرى أن الأفكار والتصورات يجب إعادة وصفها بألفاظ فيزيائية ، وحتى الحب والكره وما شابههما يوصفان بهذه الطريقة ، ونستطيع أن نعرف الملح – مثلا – عن طريق عناصره الكيميائية المكونة له ([36]) .

وبناء على ذلك : نخلص إلى أن بلومفيلد يربط المعنى بالاستجابة ، وبذلك لم يخرج المعنى كما زعم بعض الباحثين ، وإنما عده نقطة ضعف في الدراسات اللغوية ؛ لان المعرفة الإنسانية غير مؤهلة كليا للخوض فيه واستكناهه .

نخلص مما سبق إلى أن البنيوية – الأمريكية خاصة – تبنت دراسة الظواهر حسب الأولوية ؛ فالأشياء التي لا يمكن مشاهدتها ودراستها بطريقة علمية موضوعية تؤجل دراستها إلى حين تطور المعرفة العلمية . فأولوا اهتماماتهم للفونولوجيا ومن ثم للمورفولوجيا ، وقل اهتمامهم بالتركيب ، أما الدلالة فقد تجاهلوها لآن المعاني – في رأيهم – غير خاضعة للمشاهدة ، ومن ثمة لا يمكن دراستها دراسة علمية .

اللسانيات التوليدية التحويلية

النَّحو التَّوليدي نظرية لسانية وضعها تشومسكي مع علماء اللِّسانيات فـي المعهد التكنولوجي بماساشوسيت (الولايات المتحدة) فيما بين 1960م و1965م . وقامت تلك النظرية بانتقاد النَّموذج التَّوزيعـي والنَّموذج البنيوي ؛ فـي مقوماتهما الوضعية المُباشرة ؛ إذ أنَّ هذا التَّصـور لا يصف إلاّ الجمل المُنجزة بالفعل ، ولا يمكنه أن يفسر عددًا كبيرًا من المُعطيات اللِّسانيَّة ، نحو : الالتباس، والأجزاء غير المُتَّصلة ببعضها البعض ، فوضع هذه النَّظرية لتكون قادرةً على تفسير ظاهرة الإبداع لدى المُتكلِّمِ ، وقدرته على إنشاء جمل لم يسبق أن وُجدت أو فُهمت على ذلك الوجه الجديد ([37]) . والنحو يتمثَّل في مجموع المحصول اللِّساني الذي تراكم في ذهن المُتكلم باللغة ، أي الكفاءة (competence) اللِّسانية ، والاستعمال الخاص الذي ينجزه المتكلم في حال من الأحوال الخاصة عند التخاطب والذي يرجع إلى القدرة (performance) الكلامية.

نشر تشومسكي في عام 1957م كتابه الأول ” كان مُقتضبًا، وكانت أفكاره غير مُقيَّدة بالتَّناول العلمي والفني لقضايا هذا العلم إلى حدٍّ ما، ومع ذلك فقد أحدث الكتاب ثورةً في الدِّراسة العلمية للغة ؛ ظلَّ تشومسكي بعدها يتحدَّث بسطوة مُنقطعة النَّظير في كافة نواحي النَّظريَّة النَّحويَّة لسنوات طويلة … فان نظرية تشومسكي النحوية تعد – بلا شك – أكثر النظريات اللغوية حيوية وتأثيرا ، بحيث لا يستطيع أي عالم لغوي ، يريد أن يساير التطور المعاصر في علم اللغة أن يتجاهل وجود هذه النظرية ، بل لقد أصبحت كل مدرسة لغوية الآن تحدد موقفها وموقعها بالنظر إلى آراء تشومسكي في قضايا لغوية معينة ” ([38]) ، وتحدث تشومسكي عمَّا أسماه ( النَّحو العالمي) ، وهو تعبير عن الثَّوابت اللغوية العالمية . ويتألف النحو من ثلاثة أجزاء أو مقومات([39]):

مقوم تركيبي : ويعني نظام القواعد التي تحدد الجملة المسموح بها في تلك اللغة .

مقوم دلالي: ويتألف من نظام القواعد التي بها يتم تفسير الجملة المُولَّدة من التَّراكيب النحويَّة.

ـ مقوم صوتي وحرفي : يعني نظام القواعد التي تنشئ كلامًا مُقطَّعًا من الأصوات في جمل مُولَّدة من التركيب النحوي. ـ والشبكة النحوية (composante) :

أما البنية النحوية فمكونة من قسمين كبيرين: الأصل : الذي يُحدِّد البنيات الأصلية . والتحويلات : التي تُمكِّن من الانتقال من البنية العميقة المُتولَّدة عن الأصل إلى البنية الظاهرة التي تتجلى في الصيغة الصوتية ، وتصبح بعد ذلك جُملاً مُنجزة بالفعل ، وعمليات التَّحويل : تقلب البنيات العميقة إلى بنيات ظاهرة دون أن تمسّ بالتَّحويل؛ أي : بالتأويل الدلالي الذي يجري في مستوى البنيات العميقة. أمَّا التحويلات التي كانت وراء وجود بعض المقومات فإنَّها تتم في مرحلتين: إحداهما: بالتَّحويل البنيوي للسلسلة التركيبية لكي نعرف هل هي منسجمة مع تحويل معين؟ والثاني: باستبدال بنية هذا التركيب بالزيادة أو بالحذف أو بتغيير الموضوع أو بالإبدال، فنصل حينئذ إلى سلسلةٍ مُتتالية من التَّحويلات تتطابق مع البنية الخارجية . ويقصد بالتحويل في النحو التوليدي : التَّغيُّرات التي يُدخلها المُتكلِّم على النَّصِّ؛ فينقل البنيات العميقة المُولَّدة من أصل المعنى إلى بنيات ظاهرة على سطح الكلام ، وتخضع بدورها إلى الصياغة الحرفية النَّاشئة عن التَّقطيع الصَّوتي ([40]) . والتَّحويل ومقوماته لا يمسُّ المعنى الأصلي للجمل ولكن صورة المؤشرات هي وحدها قابلة للتغيير .

ومفهوم النظرية التوليدية التحويلية: ” تحويل جملة إلي أخرى أو تركيب إلى آخر, والجملة المحولة عنها هي ما يعرف بالجملة الأصل ـ البنية العميقة ـ والقواعد التي تتحكم في تحويل الأصل هي ( القواعد التحويلية) ، وهي قواعد تحذف بعض عناصر البنية العميقة أو تنقلها من موقع إلى موقع آخر, أو تحولها إلي عناصر مختلفة, أو تضيف إليها عناصر جديدة وإحدى وظائفها الأساسية تحويل البنية العميقة الافتراضية التي تحتوي علي معنى الجملة الأساسي إلي البنية السطحية الملموسة التي تجسد بناء الجملة وصيغتها النهائية ، وهذه القواعد التحويلية تختلف تفصيلاتها من لغة إلى أخرى ، فقد تكون الحذف أو الاستبدال أو الإضافة أو الإطالة أو إعادة الترتيب أو غير ذلك بما يناسب اللغة المدروسة ” ([41]) .

لم تسلم نظرية ” النحو التحويلي التوليدي ” من الانتقاد بأنها لم تحفل – في بدايتها الأولى وأصولها – بالسياق، واستبعدت علاقة اللغة بالمجتمع في أعمالها، إذ قامت هذه النظرية على فكرة المتكلم – السامع المثالي، وثنائية: “الطاقة” و ” الأداء “([42]) ؛ إذ كان تشومسكي يسير في عمله على أسلوب الوصفيين ، بيد أنه كان أوضح من ناحية التجريد النظري ، ويتضح ذلك بشكل جلي في فرضيتيه الأساسيتين اللتين اشترك بهما مع الوصفيين ، الأولى استبعاد المعنى من التحليل اللغوي ، والثانية تدعو إلى توزيع الصيغ بدلا من التفكير بالمعنى ؛ لأنه يعد المعنى من المفاهيم التي يصعب التثبت منها أو تحديدها بدقة ([43]) ، ولعل ضعف جانب المعنى عند التحويليين راجع إلى أنهم يدرسون اللغة ” من خلال اللغة نفسها، أي بغض النظر عن الموقف أو المقام الذي تقال فيه تلك الجمل، ليس لأن المقام غير ذي أهمية في تحديد معاني الجمل، بل لأن هذا العنصر يضيف صعوبة إضافية لمنهج التحليل اللغوي المنظم ، وهو عنصر تصعب دراسته بشكل علمي ؛ ولذلك فإن دراسته تترك لفئة أخرى من علماء اللغة هم الباحثون في الجانب الاجتماعي منها ، أي فيها أصبح يسمى الآن بعلم اللغة الاجتماعي “([44]) . ولعل استبعاد جومسكي المعنى في التحليل اللغوي ،القاسم المشترك الذي جمع بينه وبين الوصفيين ” إن كليهما يشتركان في قناعة مفادها أن المعنى يشكل مفهوما يلفه الغموض المطلق ، أما التزامهم لضمان أن يكون علم اللغة علما صارما ودقيقا ، فقد أدى إلى إجبارهم لاستبعاد المعنى ؛ لكونه من الموضوعات التي يصعب إحالتها إلى أشكال وصيغ تتسم بالدقة والموضوعية “([45]) .

بناء على ما سبق نخلص إلى أن النظرية التوليدية التحويلية استبعدت المعنى لكنها قبلت دخول المكون الدلالي في البناء اللغوي ، وضمه إلى الشكل النظري النحوي ، لكن ثمة مشاكل متعلقة بالمعنى على مستوى الجملة ، فالنظرية مناسبة لتوليد البنى النحوية وليس لتوضيح المعنى.

المدرسة الإنجليزية

تعد ” مدرسة لندن ” من أهم المدارس التي سلطت الضوء في دراستها على المعنى ؛ إذ يصرح فيرث – الذي يعد مؤسسها – أن المعنى لا ينكشف إلا بتسييق الوحدة اللغوية ، أي وضعها في سياقات مختلفة ؛ لذلك عرف منهجها بالمنهج السياقي ، الذي وضع تأكيدا كبيرا على الوظيفة الاجتماعية للغة ([46])، فأهمية هذه النظرية الجديدة في علم الدلالة راجعة إلى مراعاتها الوظيفة الاجتماعية للغة ، ومعنى الكلمة فيها يحدده استعمالها في اللغة ، والدور الذي تؤديه فيها . وقد ضمت باحثين سبقوا فيرث وعاصروه منهم، الكسندر بال ، وهنري سويت ، ودانيال جونز ، وكانت دراساتهم تعنى بالجانب الصوتي ، أما جون فيرث وتلميذه مايكل هاليداي ، فضلا عن مالينوفسكي الذي تأثر بآرائه فيرث فاتجهت دراساتهم صوب المعنى([47]) .

ترك عالم الاجتماع البولندي مالينوفسكي أثرا في المدرستين الإنجليزيتين الأنثروبولوجية واللغوية ؛ إذ توصل إلى أن اللغة ليست وسيلة لتوصيل الأفكار والانفعالات فحسب ، بل هي نوع من السلوك يمارسه مستعملوها . واستعمل مصطلح سياق الحال في دراسة المعنى اللغوي –قادته إليه الدراسات الميدانية على لغة البدائيين – ، وكانت كلمة السياق متداولة بين اللغويين قبله ، لكنه أضفى عليها معنى خاصا هو الواقع الثقافي للمجتمع ، ثم تطور هذا المصطلح عندما استعمله فيرث في دراسته اللغوية([48]) .

وجاء بعده عالم اللغة الفرنسي فندريس الذي أهتم بسياق المقال دون سياق الحال ، إذ يرى أن القول بأن لإحدى الكلمات أكثر من معنى واحد في وقت واحد نوع من الانخداع ؛ إذ لا يطفو في الشعور من المعاني المختلفة للكلمة إلا المعنى الذي يحدده سياق النص([49]) فالكلمة لا تكتسب دلالتها إلا بموقعها في السياق . أما فيرث فلم يكتف بسياق الحال ، بل تعداه إلى الدراسة اللغوية الصوتية ، والدلالية ، أما الصرفية ، والنحوية ، فضيق نطاق العمل بها حتى وسعها تلميذه هاليداي بعد وفاته .

ومن الجدير بالذكر تعدد المناهج اللغوية الغربية المختلفة لدراسة المعنى، كالنظرية الإشارية التي قامت على يد كل من ” أوجدن ” و ” ريتشاردز “، اللذان ظهرت أفكارهما في كتابهماThe Meaning of Meaning ، والنظرية التصورية أو العقلية للفيلسوف ” جون لوك”، والنظرية السلوكية التي يُعدّ (بلــومفيلـــد) المسئول عن تقديمها إلى علم اللغة([50]). فقد لفت ” بلومفيلد ” الانتباه إلى أهمية الموقف والاستجابة التي تستدعى لدى السامع في تحديد معنى الصيغة اللغوية ، وتناول المتكلم و السامع بالتحليل، فجعل الكلام بديلا من استجابة عضوية لمثيرٍ معين([51]). ولكن على الرغم من ذلك، لم تستطع هذه المناهج – التي ظهرت قبل مدرسة ” فيرث ” – أن تقدّم لنا فكرة السياق بالمفهوم الذي تحدد على يديه وأصبح نظرية دلالية متكاملة الجوانب إذ أخذ اللغويون الاجتماعيون على علم اللغة الحديث إغفاله للسياق الذي تستعمل فيه اللغة، ويتطلعون من وراء ذلك إلى منهج في درس اللغة يستشرفها من خلال بُعْد أوسع، ويحاول أن يتبين كيف تتفاعل اللغة مع محيطها([52]).

يرى ستيفن اولمان: أن ” نظرية السياق “ـ إذا طبقت بحكمة – تمثل حجر الأساس في علم المعنى ، فقد قدمت لنا وسائل فنية حديثة لتحديد معاني الكلمات ، فكل كلماتنا تقريبا تحتاج على الأقل إلى بعض الإيضاح المستمد من السياق الحقيقي، سواء أكان هذا السياق لفظيا أم غير لفظي ، فالحقائق الإضافية المستمدة من السياق تحدد الصور الأسلوبية للكلمة ، كما تعد ضرورية في تفسير المشترك اللفظي([53]). بل وسّع اولمان مفهوم السياق : ” إن السياق على هذا التفسير ينبغي أن يشمل – لا الكلمات والجمل الحقيقية السابقة واللاحقة فحسب – بل و القطعة كلها والكتاب كله “([54])، وهو ما يطلق عليه ” سياق النص “.

 ولقد ردّ (بالمر) على كل من رفض السياق أو استبعده من اللغويين قائلا: ” من السهل أن نسخر من النظريات السياقية – مثلما فعل بعض العلماء – وأن نرفضها باعتبارها غير عملية. لكن من الصعب أن نرى كيف يمكننا أن نرفضها دون إنكار الحقيقة الواضحة التي تقول بأن معنى الكلمات و الجمل يرتبط بعالم التطبيق “([55]).

وأما عناصر سياق الحال أو “الماجري” ، فقد رأى ” فيرث ” أنها جزء من أدوات عالم اللغة ، فسياق الحال ، هو جملة العناصر المكونة للموقف الكلامي “أو للحال الكلامية”، ومن هذه العناصر المكونة للحال الكلامية :

1 – شخصية المتكلم والسامع، وتكوينهما “الثقافي” وشخصيات من يشهد الكلام غير المتكلم والسامع -إن وجدوا- وبيان ما لذلك من علاقة بالسلوك اللغوي .

2 – العوامل والظواهر الاجتماعية ذات العلاقة باللغة والسلوك اللغوي لمن يشارك في الموقف الكلامي كحالة الجو إن كان لها دخل، وكالوضع السياسي ، وكل ما يطرأ أثناء الكلام ممن يشهد الموقف الكلامي من انفعال أو أي ضروب من ضروب الاستجابة، وكل ما يتعلق بالموقف الكلامي أيا كانت درجة تعلقه .

3 – أثر النص الكلامي في المشتركين، كالاقتناع ، أو الألم ، أو الإغراء أو الضحك الخ ([56]).

ولم تكن الأنثربولوجيا وحدها من أيدت الاتجاه السياقي ؛ إذ أيدته الفلسفة ، فيرى راسل أن الكلمة تحمل معنى غامضا لدرجة ما ، لكن المعنى ينكشف من ملاحظة استعماله ، وعد اللغويون أن المنهج السياقي خطوة تمهيدية للمنهج التحليلي ؛ فبعد أن يجمع المعجمي عددا من السياقات التي ترد فيها كلمة معينة ، ويتوقف الجمع عن إعطاء معلومات جديدة يأتي الجانب العملي إلى نهايته وبذلك يفتح المجال أمام المنهج التحليلي ؛ إذ يخفض العدد اللامحدود من الأحداث الكلامية الفردية إلى عدد محدود ثابت([57]) .

أما مايكل هاليداي- تلميذ فيرث – فقد طوع فكرة السياق التي نادى بها أستاذه ، وجعلها أحد معاييره المنهجية في نحوه النظامي ؛ فجعله معيارا ضابطا يكشف العلاقة بين التعبيرات اللغوية والوقائع غير اللغوية ، ويربط بين المعاني الوظيفية التي تقدمها العناصر اللغوية ، والمعاني المقامية التي تلابس الحدث اللغوي ، وعليه ميز هاليداي بين نوعين من المعاني للمبنى اللغوي هما : المعنى الشكلي وهو العلاقة بين العنصر والعناصر الأخرى ، والمعنى السياقي الذي يمثل نتاج الربط بين النص والموقف ، أي بين النظام الوظيفي للغة ، والبيئة الاجتماعية والثقافية التي تحكم استعماله ([58]) . وبذلك يمكننا عد هاليداي رائد المنهج الوظيفي ؛ إذ يحلل معنى الكلمة في ضوء فكرة التساوق أو التسييق ، فيذهب إلى أن معنى التسييق يظهر من خلال تسييق المفردات (الكلمات) مع بعضها ، و يندرج هذا البحث ضمن المستوى الدلالي عموماً، فيعالج كيفية تحليل معنى الكلمة ، وقد اتبعَ في تحليل معنى الكلمة المنهج الوصفي التجريدى و المنهج الوظيفي .

وعلى الرغم من أهمية نظرية فيرث في اللسانيات عامة ، والمعنى خاصة ، لكنه لم يعرض نظريته عرضا متكاملا ، فجاء تلميذه هاليداي فاستكمل وطور منهج أستاذه ، وضمنها أبعادا جديدة ، ومن ثم لم تعد قاصرة على مستوى الجملة ، بل تجاوزتها إلى النص ، وبذلك فتح آفاقا كبيرة في اللسانيات .

وبناء على ما سبق نخلص إلى أن المدرسة الإنجليزية عنت منذ نشأتها بالجانب الاجتماعي للغة ، فجعلت السياق حجر الأساس الذي ابتنت عليه ، فقدمت فهما جديدا للمعنى جعله محور الدرس اللغوي بعد أن أقصته أو أهملته المدارس الأخرى ، وعدت الكلام نوعا من السلوك الاجتماعي ذا علاقة بعناصر أخرى غير لغوية .

الخاتمة والنتائج

درست بنيوية سوسير المعنى بمعزل عن السياق ، واختصت بمفاهيم الحقيقة والقيمة الإخبارية ، ولم يكن عملها جردا لعدد من الكلمات توافقها عدد من المعاني ؛ لأن اللغة في تصورها نظام تحدد عناصره بعضها بعضا ، وتضبط فيما بينها علاقات لاوجود لها خارج ذلك النظام .

طور البراغيون الموضوعات التي تعالجها البنيوية ، ولاسيما المستوى الفونولوجي ، لما يؤديه من وظيفة للمورفولوجيا وعلم الدلالة ، ومن ثم ما يؤديه ذلك في وظيفة اللغة الأساسية (التواصل ) ، فكان المستوى المورفولوجي وعلم الدلالة مترابطين في أبحاث رومان ياكبسون ، فعلم الأصوات الوظيفي ( الفونولوجيا ) يدرس الوحدات التي تعد أساسا لوحدات أكبر حاملة للمعنى ، لكنها في ذاتها لا معنى لها ، بل تستثمر لتمييز المعنى ، وفي المورفولوجيا عني ياكبسون بالفصائل الموفولوجية للفعل والاسم فدرس المورفيمات النحوية ، والسمات التي بحثها كانت ذات اصل دلالي ؛ لأنها بالنسبة له تعبير عن معان نحوية .

أما النظرية الجلوسماتية وبسبب احتضانها للأسس النظرية المنطقية ، فقد وصلت إلى نتيجة مفادها: أن على الرغم من الشكلية الواضحة فيها إلا أنها تتناول اللغة على أنها حقيقة معطاة ، “وهنا يتضح أن هلمسليف يكمل هنا فرضيات سوسير . فقد استبعد من علم اللغة الذي يعده ( باطنيا / داخليا ) ؛ تلك المجالات الفرعية التي تتماس مع المادة اللغوية ، وهي بالنسبة للمادة الصوتية علم الأصوات Phonetik وبالنسبة لمادة المضمون علم الدلالة Semantik … فقد عد هلمسليف علم الأصوات وعلم الدلالة علمين معاونين لعلم اللغة ، وبذلك استبعدت المادة – التي تضم المعنى – لكنها عدت ( علم الأصوات وعلم الدلالة ) معاونة لعلم اللغة .

أن النظريات السابقة اعتمدت على أسس منهجية في اطار المنهج البنيوي الوصفي دون إعطاء الأهمية للمعنى ، بل عدته ثانويا مساعدا لعلم اللغة ؛ فهي إما قائمة على أساس اجتماعي نحو منهج سوسير ، وأما وصفية منطقية نحو هلمسليف ، أما أصحاب مدرسة براغ فعبروا عن البنيوية النموذجية على أساس وظيفي دون أن يصلوا إلى نظرية منهجية متماسكة .

ربط بلومفيلد المعنى بالاستجابة ، وبذلك لم يخرج المعنى كما زعم بعض الباحثين ، وإنما عده نقطة ضعف في الدراسات اللغوية ؛ لان المعرفة الإنسانية غير مؤهلة كليا للخوض فيه واستكناهه . وبذلك فالبنيوية – الأمريكية خاصة – تبنت دراسة الظواهر حسب الأولوية ؛ فالأشياء التي لا يمكن مشاهدتها ودراستها بطريقة علمية موضوعية تؤجل دراستها إلى حين تطور المعرفة العلمية . فأولوا اهتماماتهم للفونولوجيا ومن ثم للمورفولوجيا ، وقل اهتمامهم بالتركيب ، أما الدلالة فقد تجاهلوها لآن المعاني – في رأيهم – غير خاضعة للمشاهدة ، ومن ثمة لا يمكن دراستها دراسة علمية .

على الرغم من أن المدرسة البنيوية ، وبعدها السلوكية قد طرحتا المعنى نسبيا – بدعوى عدم إمكانية دراسته موضوعيا ، وجعلته – السلوكية – تابعا لعلم النفس لعدم حاجته الى الصرامة المنطقية ،والمنهجية العلمية المتوخاة في العلوم الطبيعية ، عاد المعنى ليطرح من جديد في سياق النحو التوليدي عند تشومسكي ، والوظائفية عند هاليداي . فمع أن النظرية التوليدية التحويلية استبعدت المعنى في ظاهرها ، إلا أنها قبلت دخول المكون الدلالي في البناء اللغوي ، وضمه إلى الشكل النظري النحوي ، لكن ثمة مشاكل متعلقة بالمعنى على مستوى الجملة ؛ إذ أن النظرية مناسبة لتوليد البنى النحوية وليس لتوضيح المعنى . ولعل استبعاد تشومسكي المعنى في التحليل اللغوي ،القاسم المشترك الذي جمع بينه وبين الوصفيين ؛ إذ أن كليهما يشتركان في قناعة مفادها أن المعنى يشكل مفهوما يلفه الغموض المطلق ، أما التزامهم لضمان أن يكون علم اللغة علما صارما ودقيقا ، فقد أدى إلى إجبارهم لاستبعاد المعنى ؛ لكونه من الموضوعات التي يصعب إحالتها إلى أشكال وصيغ تتسم بالدقة والموضوعية .

عنت المدرسة الإنجليزية منذ نشأتها بالجانب الاجتماعي للغة ، فجعلت السياق حجر الأساس الذي ابتنت عليه ، فقدمت فهما جديدا للمعنى جعله محور الدرس اللغوي بعد أن أقصته أو أهملته المدارس الأخرى ، وعدت الكلام نوعا من السلوك الاجتماعي ذا علاقة بعناصر أخرى غير لغوية . وبذلك تعد ” مدرسة لندن ” من أهم المدارس التي سلطت الضوء في دراستها على المعنى ؛ إذ يصرح فيرث – الذي يعد مؤسسها – أن المعنى لا ينكشف إلا بتسييق الوحدة اللغوية ، أي وضعها في سياقات مختلفة ؛ لذلك عرف منهجها بالمنهج السياقي ، الذي وضع تأكيدا كبيرا على الوظيفة الاجتماعية للغة ، فأهمية هذه النظرية الجديدة في علم الدلالة راجعة إلى مراعاتها الوظيفة الاجتماعية للغة ، ومعنى الكلمة فيها يحدده استعمالها في اللغة ، وميز هاليداي بين نوعين من المعاني للمبنى اللغوي هما : المعنى الشكلي وهو العلاقة بين العنصر والعناصر الأخرى ، والمعنى السياقي الذي يمثل نتاج الربط بين النص والموقف ، أي بين النظام الوظيفي للغة ، والبيئة الاجتماعية والثقافية التي تحكم استعماله .

قائمة المراجع:

اتجاهات البحث اللساني ، ميلكا إفيتش ، ترجمة : سعد عبد العزيز مصلوح ، و وفاء كامل فايد ، ط 2 ، المشروع القومي للترجمة ، المجلس الأعلى للثقافة ، المطابع الأميرية ، مصر ، 2000 م .

أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة ، د . نايف خرما ، ط 2 ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، 1997م .

البنيوية و علم الإشارة ، ترنس هوكز ، ترجمة مجيد الماشطة ، ط 1 ، بغداد، 1986م .

تاج العروس من جواهر القاموس ، محمد مرتضى الزبيدي ، وزارة الأعلام ، الكويت ، د ت .

تاريخ علم اللغة منذ نشأتها وحتى القرن العشرين ، جورج مونان ، ترجمة بدر الدين القاسم، وزارة التعليم العالي، طبعة جامعة حلب، 1981م .

دور الكلمة في اللغة ، ستيفن اولمان ، ترجمة : د. كمال بشر ، ط 10 ، مكتبة الشباب ، 1986م.

سيكولوجية اللغة والمرض العقلي ، د جمعة سيد يوسف ، سلسلة عالم المعرفة العدد 145 ، الكويت ، يناير 1990 .

الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها ، ابن فارس ، تحقيق : عمر فاروق الطبّاع ، ط 1 ، دار مكتبة المعارف ، بيروت – لبنان ، 1414 هـ – 1993 م .

علم الدلالة ، د. احمد مختار عمر ، ط6 ، عالم الكتب ، القاهرة – مصر ، 2006 م.

علم الدلالة ، بيار غيرو ، ترجمة أنطوان أبي زيد، ط 1، منشورات عويدات ، بيروت ، باريس ، 1986م .

علم اللغة الاجتماعي – مدخل ، د . كمال بشر ، دار الثقافة العربية ، 1994 م .

علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، د. محمود السعران ، دار النهضة ، بيروت – لبنان ، د ت .

فهم اللغة نحو علم لغة لما بعد مرحلة جومسكي ، تيرينس موور و كريستين كارلنغ ، ترجمة : د. حامد حسين الحجاج ، مراجعة : د. سلمان داود الواسطي ، ط 1 ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد – العراق ، 1998 م .

لسان العرب ، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ،ط 1 ، دار صادر – بيروت ، د ت.

اللسانيات النشأة والتطور ، احمد مؤمن ، ط 2 ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 2005 م .

اللغة ، ج فندريس ، ترجمة : عبد الحميد الدواخلي ، ومحمد القصاص ، مكتبة الأنجلو ، القاهرة – مصر ، 1950 م .

محاضرات في الألسنية العامة ، فردينان دي سوسير ، ترجمة يوسف غازي، ومجيد النصر، دار نعمان للثقافة، جونيه، لبنان، 1984م .

محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة ، شفيقة العلوي ، ط 1 ، أبحاث للترجمة والنشر ، بيروت – لبنان ، 2004 م .

المدارس اللسانية في التراث العربي وفي الدراسات الحديثة، لمحمد الصغير بناني ، سلسلة الحكمة ، دار الحكمة ، الجزائر ، 2001 م .

المدخل إلى فقه اللغة ومناهج البحث اللغوي ، رمضان عبد التواب ، الطبعة الثانية، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1985م .

مدخل إلى اللسانيات ، رولاند إيلوار ، ترجمة بدر الدين القاسم، وزارة التعليم العالي، مطبعة جامعة دمشق، 1980م .

معرفة الآخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة ، عبد الله إبراهيم وسعيد الغانمي وعواد علي ، ط 2 ، المركز الثقافي العربي ، بيروت – لبنان ، 1996 م .

معنى المعنى دراسة لأثر اللغة في الفكر والعلم والرمزية ، أوغدن وريتشاردز ، ترجمة : كيان احمد يحيى ، ط 8 ، بيروت – لبنان .

المعنى وظلال المعنى أنظمة الدلالة في العربية ، د. محمد محمد يونس علي ، ط 2 ، دار المدار الإسلامي ، ليبيا ، 2007 م .

مفهوم المعنى في مدرسة لندن اللغوية ، د. خالد توفيق مزعل ، بحث منشور في مجلة آداب الكوفة ، العدد 24 ، 2015م .

من الأنماط التحويلية في النحو العربي ، محمد حماسة عبد اللطيف ، ط 1، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، 1990 م .

مناهج البحث في اللغة ، د. تمام حسان ، ط 2 ، دار الثقافة ، الدار البيضاء – المغرب ، 1974م.

مناهج علم اللغة من هرمان باول حتى ناعوم تشومسكي ، بريجيته بارتشت ، ترجمة : د. سعيد حسن بحيري ، ط 2 ، مؤسسة المختار ، القاهرة – مصر ، 2010م .

نظرية تشومسكي اللغوية، لجون ليونز ، ترجمة وتعليق : د . حلمي خليل ، ط 1 ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية – مصر ، 1985 م .

نظرية المعنى في الدراسات النحوية ، د. كريم حسين ناصح الخالدي ، ط 1 ، دار صفاء للنشر والتوزيع ، عمان – الأردن ، 2006 م .

نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث ، د. نهاد الموسى ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1400هـ 1980م .

الهوامش:

  1. ) ينظر : الصاحبي في فقه اللغة ، ابن فارس : 198 – 199 .
  2. ) تاج العروس من جواهر القاموس ، الزبيدي : 2 / 497 – 498 .
  3. ) لسان العرب ، ابن منظور : 15 / 101 .
  4. ) ينظر : معنى المعنى دراسة لأثر اللغة في الفكر والعلم والرمزية ، أوغدن وريتشاردز :
  5. ) ينظر : نظرية المعنى في الدراسات النحوية ، د. كريم حسين ناصح الخالدي : 11 – 12 .
  6. ) ينظر : علم الدلالة ، د. احمد مختار عمر : 36 – 39 ، وينظر : نظرية المعنى في الدراسات النحوية ، د. كريم حسين ناصح : 13 ، وينظر : سيكولوجية اللغة والمرض العقلي ، د جمعة سيد يوسف : 109 – 110 .
  7. ) اتجاهات البحث اللساني ، ميلكا إفيتش: 193 .
  8. ) ينظر : اتجاهات البحث اللساني ، ميلكا إفيتش : 193 – 196 .
  9. ) محاضرات في الألسنية العامة ، فردينان دي سوسير : 87 – 89 .
  10. ) البنيوية و علم الإشارة ، ترنس هوكز : 113 ، و ينظر : تاريخ علم اللغة منذ نشأتها وحتى القرن العشرين ، جورج مونان : 225.
  11. ) محاضرات في الألسنية العامة ، سوسير : 150 .
  12. ) ينظر : المرجع نفسه : 145 ، وينظر : علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، د . محمود السعران : 303 .
  13. ) ينظر : علم الدلالة ، بيار غيرو :31 .
  14. ) ينظر : مدخل إلى اللسانيات ، رولاند إيلوار :60 ، وينظر : محاضرات في الالسنية العامة ، سوسير : 143 .
  15. ) ينظر : مناهج علم اللغة من هرمان باول حتى ناعوم تشومسكي ، بريجيته بارتشت : 121 – 122 .
  16. ) محاضرات في الالسنية العامة ، سوسير : 138 ، وينظر : المدخل إلى فقه اللغة ومناهج البحث اللغوي ، رمضان عبد التواب : 184 .
  17. ) ينظر : محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة ، شفيقة العلوي : 12 – 13 .
  18. ) ينظر : علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، د. محمود السعران : 303 .
  19. ) ينظر : محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة ، شفيقة العلوي : 16 – 17 .
  20. ) ينظر : اتجاهات البحث اللساني ، ميلكا إفيتش : 236 – 238 .
  21. ) ينظر : محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة ، شفيقة العلوي : 18 – 19 .
  22. ) ينظر : مناهج علم اللغة ، بريجيته بارتشت : 138 – 145 .
  23. ) مناهج علم اللغة ، بريجيته بارتشت : 171 .
  24. ) ينظر : معرفة الآخر مدخل الى المناهج النقدية الحديثة ، عبد الله ابراهيم وسعيد الغانمي وعواد علي : 21 .
  25. ) مناهج علم اللغة ، بريجيته بارتشت : 207 .
  26. ) ينظر : معرفة الآخر ، عبد الله ابراهيم واخرون : 46 .
  27. ) ينظر :اتجاهات البحث اللساني ، ميلكا إفيتش : 278 .
  28. ) معرفة الآخر ، عبد الله ابراهيم واخرون : 47 .
  29. ) ينظر : اللسانيات النشأة والتطور ، احمد مؤمن : 193 – 196 .
  30. ) ينظر : اتجاهات البحث اللساني ، ميلكا إفيتش : 278 – 279 .
  31. ) ينظر : معرفة الاخر ، عبد الله ابراهيم واخرون : 51 .
  32. ) ينظر : مناهج علم اللغة ، بريجيته بارتشت : 245، وينظر : اللسانيات النشأة والتطور ، احمد مؤمن : 196.
  33. ) ينظر : معرفة الاخر ، عبد الله ابراهيم واخرون : 53 ، وينظر :مناهج علم اللغة ، بريجيته بارتشت : 241 – 242 .
  34. ) معرفة الاخر ، عبد الله ابراهيم واخرون : 54 .
  35. ) ينظر : هامش المترجم د. سعيد بحيري على كتاب مناهج علم اللغة ، بريجيته بارتشت : 242 .
  36. ) ينظر : علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، د . محمود سعران : 305 ، وينظر : المعنى وظلال المعنى أنظمة الدلالة في العربية ، د. محمد محمد يونس علي : 116 .
  37. ) ينظر: المدارس اللسانية في التراث العربي وفي الدراسات الحديثة ، محمد الصغير بناني : 76 .
  38. ) نظرية تشومسكي اللغوية، لجون ليونز : 29 .
  39. ) ينظر : المدارس اللسانية في التراث العربي ، محمد الصغير بناني : 76 – 77 .
  40. ) ينظر : المدارس اللسانية في التراث العربي ، لمحمد الصغير بناني : 80 – 81 .
  41. ) من الأنماط التحويلية في النحو العربي ، محمد حماسة عبد اللطيف : 13.
  42. ) ينظر : علم اللغة الاجتماعي – مدخل ، د . كمال بشر : 52 .
  43. ) ينظر : فهم اللغة نحو علم لغة لما بعد مرحلة جومسكي ، تيرينس موور و كريستين كارلنغ : 60 – 61 .
  44. ) أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة ، د . نايف خرما : 322 .
  45. ) فهم اللغة نحو علم لغة لما بعد مرحلة جومسكي ، تيرينس موور و كريستين كارلنغ : 61 .
  46. ) ينظر : علم الدلالة ، د . احمد مختار عمر : 68 .
  47. ) ينظر : اللسانيات النشأة والتطور ، د . احمد المؤمن : 170 – 171 .
  48. ) ينظر : علم اللغة ، د. محمود سعران : 310 .
  49. ) ينظر : اللغة ، ج فندريس : 228 .
  50. ) ينظر : علم الدلالة ، د. احمد مختار عمر : 73 .
  51. ) ينظر : مناهج البحث في اللغة ، د. تمام حسان : 243 .
  52. ) ينظر : نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث، د. نهاد الموسى : 86 – 87 .
  53. ) ينظر : دور الكلمة في اللغة ، ستيفن اولمان : 66 – 67 .
  54. ) المرجع نفسه : 62 .
  55. ) علم الدلالة ، بالمر : 80.
  56. ) علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ، د. محمود سعران : 252 ، وينظر: علم الدلالة ، بالمر : 77 ، وينظر : المعنى وظلال المعنى ، محمد محمد يونس علي : 120 – 121 ، و ينظر : نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث ، د. نهاد الموسى : 85 – 87 .
  57. ) ينظر : علم الدلالة ، د . احمد مختار عمر : 72 .
  58. ) ينظر : مفهوم المعنى في مدرسة لندن اللغوية ، د. خالد توفيق مزعل : 318 .