جهود المنظمات الدولية في تطوير مبادئ ومعايير الرقابة على الأداء في ظل أزمة كورونا (كوفيد ـ 19)

مجاهد محمد المعافا1

1 كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس ــ المغرب ــ

HNSJ, 2022, 3(3); https://doi.org/10.53796/hnsj337

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/03/2022م تاريخ القبول: 14/02/2022م

المستخلص

تبذل المنظمات الدولية المتخصصة في مجال الرقابة على القطاع العام مثل (الأنتوساي، الأرابوساي، الأسوساي، وغيرها..)، ووفقا للاتفاقات المبرمة، جهودا كبيرة في مساعد الأجهزة العليا في الدول الأعضاء من خلال إقرار واعتماد المعايير والمبادئ والتوجيهات وبالتالي ما تقدمة من معايير ومبادي تسترشد بها الأجهزة العليا للرقابة في الدول الأعضاء هي مهمة وهي خلاصة تجارب دولية.

من خلال هذا البحث حاولنا الطرح والتحليل للمعايير والمبادئ المقدمة من المنظمات الدولية في مجال الرقابة على الأداء وهي كثيرة ومتنوعة، وتم الطرح والتحليل لتلك المعايير وملائمتها في ظل جائحة كورونا وهل قدمت تلك المنظمات معايير تتناسب مع ظروف وخصوصيات الجائحة وأهمية الانخراط مع التوجهات العالمية من طرف الأجهزة العليا للرقابة والعمل على تحديث تلك الاليات المنهجية من داخلها.

وقد خلص البحث في هذا الجانب إلى:

إن المنظمات الدولية العاملة في مجال الرقابة، ومن خلال العمل الحثيث قدمت جملة من المعايير، التي يمكن أن يعتد بها من طرف الأجهزة الرقابية والتعامل معها بشي من الإيجابية في الواقع العملي، في ظل الحالة الطارئة التي يمر بها العالم وهذا بدورة يزيد على كاهل تلك المنظمات ببذل جهود أكبر في تنسيق التجارب الدولية المتقدمة وبلورتها في مشاريع ومقترحات يمكن للدول النامية الاستفادة منها.

كما يمكن لأجهزة الرقابة العليا في جميع دول العالم أن تطور من أداءها الرقابي وتطوير ممارستها الرقابية في المجالات الرقابية الحديثة، وذلك عن طريق دراسة تلك الإعلانات والمعايير وإسقاطها على الأعمال الرقابية التي تقوم بتأديتها وتنفيذها، ومن ثم الخروج بخلاصات تساعدها على تطوير قدراتها الرقابية وتفعيل مخرجاتها وتجويد تقاريرها الرقابية.

ويوصي البحث بالتالي:

  1. العمل على إعطاء الأولوية لسلامة الناس، والعاملين في الخط الأمامي، وموظفي التدقيق والكيانات الخاضعة للتدقيق.
  2. ـــ رفع مستوى الوعي بين أصحاب المصلحة حیال مخاطر أنشطة الطوارئ استنادا على نتائج التدقيقات والتجارب المماثلة للأزمات السابقة.
  3. التركيز على القطاعات الحكومية الأكثر خطراً في تكثيف الجهود الرقابية، والتي من شأنها ووفق لنتائج الأزمة ضرورة الرقابة المستمرة عليها.
  4. تحديث خطط الرقابة على الأداء وفقا لخصوصيات المرحلة وتبني الرقابة عن بعد بشكل مكثف.
  5. الاستفادة من معايير الرقابة الداخلية، وتقييم جودة الأداء داخل القطاعات.
  6. ـبذل جهود أكثر في إعادة النظر في المعايير بما يتناسب مع ظروف الجائحة ومتطلبات الكفاءة والاقتصاد والفعالية.

تقديم

رقابة الأداء والتقييم العمومي تشكل إحدى الآليات المركزية لتكريس حق المواطن في الاطلاع على طريقة استخدام الأموال العمومية، باعتبار ذلك حق من حقوق الإنسان، كما جاء مثلا في إعلان حقوق الإنسان والمواطن، حيث نص على:” للمجتمع الحق في مطالبة المدير العمومي تقديم الحسابات عن إدارته(1).

حيث اتضح عدم كفاية الأساليب التقليدية للرقابة التي تقوم على أسس محاسبية، مما أدى إلى ظهور اتجاهات نظرية أخرى للرقابة المالية العمومية بالإضافة إلى الفحص والتدقيق، أهمها المراقبة أو الرقابة الشمولية التي حاولت تجاوز المفهوم الكلاسيكي للرقابة، وهي محاولة للأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد المكونة للفعل الرقابي، والمتمثلة في توجيه الرقابة نحو ما تفرضه التنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث يبرز الاتجاه الشمولي وبشكل جيد من خلال النظريات والمفاهيم الرقابية كنظرية التدبير المندمج والمقترب التقييمي للسياسات العمومية(2).

لهذا، نجد أن التقنيات المستعملة في التدقيق المندمج متنوعة ومتعددة الكفاءات والتخصصات، تهدف بالضرورة إلى تقييم موضوعي، مرتبط بالكيفية التي يقوم بها الجهاز التنفيذي من خلالها بمهامه الإستراتيجية أو غيرها من تخطيط وتنفيذ ومراقبة وتقويم ومتابعة لخدمة الاقتصاد وتحقيق الفعالية والنجاعة، سواء في الاستخلاص أو في استعمال الأموال العامة.

للتذكير، تهدف الرقابة على الأداء إلى تحقيق الاقتصاد والكفاءة أو النجاعة والفعالية وتعني قاعدة الاقتصاد في إحدى جوانبها تقليص تكاليف الموارد، أو استعمال مداخيل الدولة المرصودة لنشاط معين (المدخلات) للمستخدمين الثابتين مع مراعاة الجودة، أما قاعدتي النجاعة والفعالية فترمي الأولى منها إلى المواءمة بين (المخرجات) أي البضائع أو الخدمات والموارد (المدخلات) المستعملة لإنتاجها، من هذه الزاوية ترتبط النجاعة بشكل وثيق بمفهوم “الإنتاجية”، أما الثانية فتفيد الإجراء الذي يسمح بتحقيق الأهداف المرسومة(3).

ويعمل الفاعلين في مسلسل الرقابة على الأداء ومن ضمنهم، الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة أو كما يطلق عليها في بعض الدول المحاكم المالية والتي تتولى – بموجب المرجعية القانونية المؤطرة لها – ممارسة عدة مهام واختصاصات من بينها إختصاص الرقابة على الأداء.

وعليه أن الدور المنوط بهما والمتأصل من واقع الدستور والقانون في كافة الظروف والحالات بما فيها العمل المستمر في ظل وقع الأزمات العالمية وكما هو اليوم مع جائحة كوفيد 19، بحاجة إلى الانخراط مع التوجهات العالمية والتجارب الدولية التي تتبناها المنظمات الدولية المتخصصة (الأنتوساي(4)، الأرابوساي(5)، الأسوساي(6)، وغيرها..)، والعمل على تحديث تلك الاليات المنهجية والمعايير الدولية التي تسعى المنظمات على تذليل الصعوبات ومواجهة الازمات والحالات الطارئة، وتقديم المشورات للأجهزة العليا في الدول الأعضاء.

وبناءً، على ما سبق فإن الإشكالية المحورية للموضوع حول مدى كفاية المعايير الدولية المتبعة في الرقابة على الأداء لمواجهة الازمات أو الحلالات الطارئة، وما ذا قدمت تلك المنظمات من جهود تعزز دورها في ظل جائحة كورونا؟

وسيتم معالجة هذه الإشكالية من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: الدور والأهمية لجهود المنظمات الدولية

المطلب الثاني: التدابير الاستثنائية في ظل الجائحة والدروس المستفادة منها.

المطلب الأول: الدور والأهمية لجهود المنظمات الدولية

تمثل الجهود التي تقدمها المنظمات الدولية خلاصة تجربة ودراسات علمية، لها أثر على الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة في حل مشاكل أدائها، ومعرفة التجارب المتبادلة والخبرات وعمل نماذج حل فعالة من خلال الإعلانات التي تصدر منها، والتي تلتزم بها الأجهزة العليا في الدول المشتركة للارتقاء بالعمل الرقابي.

كما تهدف المنظمات إلى تمكين الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية من مساندة حكوماتها المعنية، من أجل تحسين مستوى الأداء، وترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة، ومكافحة الفساد، والنهوض بالدور المطلوب من الحكومات في ظل الأزمات والطوارئ، وقد عملت تلك المنظمات على تشجيع تبادل وجهات النظر والأفكار، والخبرات والدراسات والبحوث في ميادين الرقابة المالية العليا (7).

الفقرة الأولى: المعايير الدولية للرقابة على الأداء

أصبحت ثقافة الرقابة على الأداء وتقييم الأداء الحكومي ضرورة دمقراطية للشعوب، ووسيلة غير قابلة للتعويض، في عقلنة التدبير العمومي (8)، وتفعيل الحكامة، وتعتبر الرقابة على الأداء أحد المرتكزات الأساسية ضمن هياكل الأجهزة العليا للرقابة، والتي من خلالها يمكن تطوير الجهات الحكومية، وتلعب المعاير الدولية أهمية كبيرة في تنظيم ومنهجه تنفيذ الرقابة على الأداء في الواقع العملي من طرف الأجهزة العليا الرقابية.

وقد كان للمنظمات الدولية وعلى رأسها الانتوساي دورا كبيرا في إبراز أهمية الرقابة على الأداء، كأحد المناهج الحديثة، التي تمكن الأجهزة الرقابية في ترشيد المال العام، وترفع من كفاءة استخدامه، وهذا راجع بالأساس لهيمنة التيار الأنجلوسكسوني داخل أروقتها، والذي يعتبر سباقا لبعض التجارب الممارساتية الناجمة في هذا الشأن، كما هو الحال بالنسبة لمكتب المحاسبة الأمريكي (9).

وقد لعبت هذه المنظمات دورا مهما في تطوير واستحداث الأساليب الفنية والعلمية الكفيلة الرفع وتنمية قدرات تلك الأجهزة في المجالات الإدارية والفنية والرقابية، وأصدرت العديد من القواعد والإرشادات الدولية في العديد من المؤتمرات والمحافل الدولية وخصوصا في مجال تطوير مناهج العمل الرقابي في المجالات الرقابية الحديثة وبالتحديد في تقنين رقابة الأداء وتنظيم آلياتها ومناهجها ووسائلها الرقاب (10);، وفي مواجهة كل الظروف التي تعمل فيها الرقابة سواء كانت عادية أو طارئة.

وورد تعريف في المؤتمر الدولي الثاني عشر لهيئات الرقابة العليا المنعقد في سدني عام 1995م بأن رقابة الأداء “عبارة عن فحص موضوعي للأداء المالي والعملي للمؤسسة أو برنامج أو نشاط أو وظيفة ما يوجه نحو تحديد ما إذا كانت هناك فرص لزيادة مدى الاقتصاد والكفاءة والفعالية، والهدف هو التوصل على أساس منطقي يمكن التحقق منه لمقارنة ما يجري تنفيذه بالفعل، ومدى حسن التنفيذ بالمخطط والسياسات والمقاييس، والأهم من ذلك فهم أسباب الانحرافات السلبية، والإيجابية من هذه الخطط والسياسات والمقاييس”.(11)

وتتضمن السلة المتكاملة للمعايير الدولية جملة من المبادئ والمعايير من ضمنها معايير الرقابة على الأداء، حيث يوفر المعيار300 ISSAI (12)الإطار العام والمبادئ العامة على طبيعة وعناصر تدقيق الأداء، كما يصف المعيار3000(ISSAI ميزات ومبادئ التدقيق على الأداء، ويساعد مدققي الأداء بالجهاز الأعلى لأي جهاز رقابي في أي دولة في إدارة وإجراءات عمليات تدقيق الأداء بكفاءة.

وقد حدد المعيار GUID3910 الدليل التوجيهي لفهم العمل عالي الجودة في تنفيذ رقابة وتدقيق الأداء، ويهدف المعيار 3920 GUID لتقديم المشورة ومساعدة المدقق في تفسير المتطلبات المرتبطة بالرقابة على الأداء.

الفقرة الثانية: ملائمة المعايير في ظل الجائحة

تبقى المعايير الواردة في الفقرة السابقة صالحة بالعمل بها حتى في ظل الحالات الطارئة مع العمل على تطوير الأساليب والمنهجية وخطط الطوارئ، كما أنه لم تقف المنظمات الدولية عن مواصلة التطوير والبحث عن حلول تلائم الأزمات فقد قدمت الأنتوساي(13) مبدأ يتعلق بالرقابة في ظل المتغيرات البيئية، والذي ينص على، “يتعين على الأجهزة الرقابية الاستجابة بشكل مناسب للتحديات التي يواجهها القطاع العام والمواطنون في ظل مخاطر ناشئة وبيئة متغيرة”، وبالتمعن في هذا المبدأ وفي ظل أزمة كوفيد 19، يمكن القول أنه يجب أن تضطلع الأجهزة الرقابية بمسؤوليات إضافية لأحداث فارق في حياه المواطنين خلال وبعد الأزمة ، ولذلك ينبغي مراجعة أهداف المراقبة وتحيين تأطيرها بتوجيهات عامة تلائم هذا الظرف الاستثنائي.

ويتعين على الأجهزة العلیا للرقابة المالية والمحاسبة اجتياز تحديات فريدة من أجل ضمان استمرار الشفافية والمساءلة دون الوقوع في عنق الزجاجة، يبدو نطاق هذه الأزمة غير مسبوق، ولا توجد معايير قائمة أو حلول جاهزة للاستجابة لها، وفي ظل الجهود المستمرة يقدم الإصدار (ISSAI 5500 99) من المعايير الدولية لأجهزة الرقابة العلیا، التي أعدتها المنظمة الدولية للأجهزة العلیا للرقابة المالية والمحاسبة (الانتوساي ) INTOSAI توجیھات عامة حول تدقيق المساعدات المتعلقة بالكوارث. ويغطي الإصداران (5510 ISSAIs و5520) على التوالي تدقيق ما قبل الكوارث وما بعدها. وبتناول الإصدار (5530 ISSAI (مخاطر الاحتيال والفساد المرتبطة بالمساعدات المتعلقة بالكوارث. وأما الإصدار (5540 ISSAI (فيقدم معلومات جغرافية – مكانية كأداة لتدقيق مرحلتي ما قبل وما بعد الكوارث..

ولتسهيل العمل في ظل الجائحة ولسهولة تقديم المساعدات والمشورات للأجهزة العليا الرقابية للدول عمدت منظمة الانتوساي على أنشاء موقع ألكتروني للحصول على مساعدة محددة، وتوفر مبادرة الإنتوساي للتنمية توجيهات عملية حول ما ينبغي تدقيقها ومتى وكيف ً خلال جائحة كورونا ً وأما لجنة الإنتوساي للسياسات والمالية والإدارة فقد أطلقت مؤخرا ً للجائحة موقعا في النت(14) وتقدم دائرة الممارسة العالمية ً على الانترنت مخصصا للحوكمة في البنك الدولي رؤى وحلول لقضايا الحوكمة الرئيسية مثل ” بلوغ نظم الإدارة المالية الحكومية حالة الاستعداد للاستجابة لفایروس كوفید – 19 ،”وضمان استمرارية عمل الدولة خلال جائحة كورونا”، و “ضمان النزاهة والاستجابة المؤسسية”(15)

المطلب الثاني: التدابير الاستثنائية في ظل الجائحة والدروس المستفادة منها 

تستمر المنظمات الدولية في تقديم الدعم لتطوير العمل في الأجهزة العليا المالية والمحاسبية، والعمل على جعلها أداة فاعلة في سبيل تقييم أداء المؤسسات والجهات الحكومية وبالأخص في ظل الأزمة الحالية ومخاطر أثارها، حيث عقد الثالث والعشرون في 23ـ 27 سبتمبر 2019 في موسكو روسيا الاتحادية وأشار مؤتمر موسكو إلى خطة 2030م التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 ديسمبر/ أيلول 2015م، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 69/228(16) حول تشجيع وتحسين كفاءة الإدارة العامة وخضوعها للمساءلة وفعاليتها وشفافيتها من خلال تعزيز المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات.

وكان للاجتماع الخامس والسبعون للمجلس التنفيذي لمنظمة الأنتوساي أثر من خلال مواكبة ظروف الأزمة القائمة(الجائحة)، والذي عقد في 23 نوفمبر2021 في البرازيل بصيغة الاجتماع عن بعد والذي توج باعتماد عدد من الإصدارات المرتبطة بمعايير الرقابة على الأداء في ظل الكوارث والمتمثل في الإصدار رقم 5330، والإصدار رقم 5320 المرتبط بدور الرقابة على الأداء في مجال الخصخصة.

الفقرة الأولى: تحديث الاستراتيجية الرقابية في ظل الأزمة 

لقد فرضت جائحة كورونا متغيرات جديدة وأحداث مغايرة في طرق الأداء، وطرق تعامل الدول مع قضايا التنمية والتنفيذ لبرامجها الحكومية، وقد ميز بعضها بالتدخل الاستعجالي والاستثنائي للتخفيف من أثار الوباء على الفرد والشركات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وهذه بدورة سيغير في الخطط والاستراتيجيات واللجوء إلى الخطط القصيرة والمتوسطة (17)

ويجب على المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأنتوساي الاستفادة من الخطوات التي تمت في مواجهة الأزمة من طرف الأجهزة العليا الرقابية في الدول المتقدمة وأعاده دراسة الجدوى منها والخروج برؤية ومعايير تتناسب مع الظروف المتعلقة بالأزمة ومن تلك التجارب ما قام به مكتب المراقب العام لجمهورية البيرو من خلال تعزيز الرقابة لمواجهة حالة الطوارئ الناتجة عن أزمة كوفيد 19 عبر أنشاء فريق لإدارة الطوارئ بقيادة المراقب العام، وإعداد وتصميم استراتيجية عمل للرقابة على الجهات الحكومية بما يتناسب وظروف الأزمة، ومن ضمن أولوياتها تفعيل المراقبة المتزامنة بشكل مكثف، تعزيز إطار تنظيمي للرقابة الاستثنائية في مواجهة الطوارئ بالتنسيق مع السلطة التشريعية، حماية وتقوية الموارد البشرية من مدققين وخبراء وموظفين، تفعيل حلقات التواصل المستمرة وتقويم وتصحيح الأخطاء أول بأول(18).

ويمكن القول إنه يتوقف نجاح عمل الأجهزة العليا للرقابة في ظل أزمة كوفيد 19 على عوامل داخلية منها تكامل أنواع الأعمال الرقابية والتزام المدققين والمراقبين والموظفين وانخراطهم الفعال في إحداث الفارق مع تعبئة الموارد وبالأخص تحليل النظم وقواعد المعلومات وإعادة تنظيم فرق المراجعة (19)، كما ينبغي للأجهزة العليا تعزيز التواصل مع الهيئات والجهات المراقبة في جميع مراحل العمل لإيجاد الصعوبات والحلول الكفيلة بتجاوزها، كما أن من شأن التركيز على الرقابة عن بعد أن تقدم حل سريع وسهل في ظل تفاقم الأزمة(الجائحة).

الفقرة الثانية: الدروس المستفادة من تطبيق المعايير الدولية

1 ـ تكريس وفهم ممارسة رقابة الأداء

إن الدرس المستفاد لو رجعنا خطوة إلى الوراء في ممارسة الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة لأعمالها الرقابية، والاعتماد على المعايير المقدمة من المنظمات الدولية، أننا أمام مشكلة في الممارسة والمواكبة، وهو يتطلب المعرفة والدراية وفهم الممارسات الرقابية، والحاجة إلى إعادة النظر في معايير رقابة الأداء المتبعة والسعي التدريجي نحو تحديث تلك المعايير بما جاء في تلك الإعلانات والمؤتمرات وبما يواكب الطوارئ والتدخلات في ظل الأزمات كما هو اليوم مع أزمة كورونا (كوفيد ــــ 19).

حيث تحتاج الأجهزة العليا للرقابة دعما شاملا لتنفيذ المعايير، وهذا يستنتج مزيدا من الدعم المقدم على مستوى الجهاز الرقابي، وقد ظهر أن التركيز على الدعم الفني وحده لن يكون كافيا. سوف تحتاج الأجهزة الرقابية للنظر في استراتيجيات إدارة التغيير داخل الجهاز كثقافة تنظيمية تشمل كافة إجراءاته وبما يواكب خصوصيات الأزمات.

من هنا يتبين أن وجود آلية لضمان الجودة على مستوى الجهاز الرقابي أمر ضروري من أجل الحصول على أي تأكيد على حالة تنفيذ المعايير المتعلقة برقابة الأداء المعتمدة من المنظمات الدولية، وقد أعرب بعض تلك الأجهزة العليا حول إنشاء وحدات ضمان جوده في أداء الأجهزة الرقابية وبالأخص ممارسة رقابة الأداء على الجهات الحكومية مع مواكبة كل الأحداث والتطورات.

خلاصة من المناسب التذكير كذلك، أن الغرض من المعايير الدولية هو(20):

ـــ ضمان جودة العمليات الرقابية؛

ـــ تعزيز مصداقية تقارير الرقابة العليا وبالأخص رقابة الأداء إلى المستخدمين؛

ـــ تعد خلاصة دراسات وتجارب مقارنة، وظروف متعددة تتعلق بالعمل في ظل الأحوال العادية وفي ظل الأزمات والكوارث،

ـــ تعد بمثابة دليل يسهل أجراء الرقابة في أي جهة وفي أي وقت.

ـــ تعزيز شفافية العملية الرقابية؛

ــ تحديد مسؤولية المدققين بالنسبة إلى الأطراف المعنية الأخرى؛

ـــ تحديد مختلف أنواع العمليات الرقابية ومجموعة المفاهيم ذات الصلة التي تقدم لغة مشتركة للرقابة على القطاع الحكومي في ظل الأزمات والحالات الطارئة.

2 ـ تفعيل وتطوير العمل الرقابي

مما سبق توضيحه من مؤتمرات دولية للمنظمات الرقابية الدولية وتجاربها، وبالأخص ما خرجت به من إعلانات ونظم حول رقابة الأداء والرقابة في ظل الأزمات والكوارث يمكن الاستفادة منها كما يلي:

أ. دراسة الآلية التي يمكن عن طريقها تحقيق الاستقلالية الكاملة لجهاز الرقابة عن باقي مؤسسات السلطة وفي جميع نواحي الاستقلال، وذلك ومن خلال وضع إطار دستوري أو قانوني يدعو إلى إرساء مهمة رقابية شاملة، وبناء القدرات المؤسساتية للأجهزة الرقابية المواكبة لكل الظروف العادية والطارئة.

ب. تحديد الصفات الواجب مراعاتها عند اختيار الموظفين الفنيين الذين يقومون بتأدية الاعمال الرقابية ذات الخصوصية والمرتبطة بالتدخلات والمعالجات السريعة والطارئة.

ج. تحديد المعايير الفنية الواجب مراعاتها عند إعداد التقارير، والآلية التي لا بد أن تراعى عند كتابة التقرير، والعمل على تنفيذ إطار المعايير الدولية للأجهزة الرقابية بما يضمن توفير مجموعة من المعايير المثلى لرقابة القطاع العام.

د. تحديد الأساليب الرقابية التي يجب إتباعها عند أداء العمل الرقابي، والكيفية التي يمكن من خلالها إتباع تلك الأساليب، وكذلك تطوير أدوات قياس جديدة لدعم عمليات التقييم وفقا للإطار العام للمعايير الدولية بالتعاون مع لجنة الأنتوساي لبناء القدرات.

.هـ ـــ الاستفادة من تكنولوجيا التدقيق عن بعد في مواصلة عمليات التدقيق أو الشروع في التدقيق الآني المتعلق الجائحة

وضمان اتباع مسارات تدقيق آمنة عن الجائحة من خلال مراقبة، وتوثيق، وتحليل الاستجابات الحكومية.

ن ـــ تعزيز القدرات من خلال تبادل المعرفة والخبرات حول الجائحة مع المؤسسات القرينة (21)

س ــ الاستمرار في التواصل مع أصحاب المصلحة الرئیسیین وضمان إنشاء آليات رقابة مدمجة في حزم الإغاثة الحكومية الطارئة.

ي. التعرف على أساليب التكنولوجيا الحديثة المتبعة في أداء الأعمال الرقابية والتي تساعد في حماية المال العام.

ن. العمل على تعزيز التواصل في الأنتوساي من خلال إتاحة التدفق الحر للمعلومات والأفكار والتجارب والمعرفة بين الأعضاء، وكذلك تشجيع التواصل النشيط والفعال بين الأعضاء على المستويين الداخلي والخارجي، وذلك بهدف تحسين الرقابة الحكومية عالميا(22).

الخاتمة

إن المنظمات الدولية العاملة في مجال الرقابة، ومن خلال العمل الحثيث قدمت جملة من المعايير، التي يمكن أن يعتد بها من طرف الأجهزة الرقابية والتعامل معها بشي من الإيجابية في الواقع العملي، في ظل الحالة الطارئة التي يمر بها العالم وهذا بدورة يزيد على كاهل تلك المنظمات ببذل جهود أكبر في تنسيق التجارب الدولية المتقدمة وبلورتها في مشاريع ومقترحات يمكن للدول النامية الاستفادة منها.

كما يمكن لأجهزة الرقابة العليا في جميع دول العالم أن تطور من أداءها الرقابي وتطوير ممارستها الرقابية في المجالات الرقابية الحديثة، وذلك عن طريق دراسة تلك الإعلانات السابقة الذكر وإسقاطها على الأعمال الرقابية التي تقوم بتأديتها وتنفيذها، ومن ثم الخروج بخلاصات تساعدها على تطوير قدراتها الرقابية وتفعيل مخرجاتها وتجويد تقاريرها الرقابية.

ويمكن استخلاص عدد من النقاط المطلوب التركيز عليها من طرف المنظمات والأجهزة الرقابية وبالأخص في ظل ظروف أزمة كوفيدــ 19وكما يلي:

ـ1ــ العمل على إعطاء الأولوية لسلامة الناس، والعاملين في الخط الأمامي، وموظفي التدقيق والكيانات الخاضعة للتدقيق.

2ـــ رفع مستوى الوعي بين أصحاب المصلحة حیال مخاطر أنشطة الطوارئ استنادا على نتائج التدقيقات والتجارب المماثلة للأزمات السابقة.

3ــ التركيز على القطاعات الحكومية الأكثر خطراً في تكثيف الجهود الرقابية، والتي من شأنها ووفق لنتائج الأزمة ضرورة الرقابة المستمرة عليها.

4ــ تحديث خطط الرقابة على الأداء وفقا لخصوصيات المرحلة وتبني الرقابة عن بعد بشكل مكثف.

5ــ الاستفادة من معايير الرقابة الداخلية، وتقييم جودة الأداء داخل القطاعات.

ـ6ـ بذل جهود أكثر في إعادة النظر في المعايير بما يتناسب مع ظروف الجائحة ومتطلبات الكفاءة والاقتصاد والفعالية.

الهوامش

(1) الفصل الخامس من إعلان حقوق الإنسان والمواطن، لتاريخ 26 غشت، 1789.

(2) أحميدوش مدني، المحاكم المالية في المغرب ” دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة”، الطبعة الأولى،2003، ص52 ،61.

(3) محمد حركات، المحكمة الأوربية للحسابات: مناهج وتقنيات الرقابة على المال العام، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2001، ص:121.

(4) الإنتوساي هي منظمة مركزية للرقابة المالية الخارجية العامة وغير حكومية تتمتع بمنصب استشاري خاص لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة وتهدف إلى تشجيع تبادل الآراء والتجارب بين أعضائها وهي الأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة مع منظمات دولية أخرى وأصحاب المصلحة في مجال الرقابة المالية العامة.، يمكن الرجوع إلى موقع المنظمة الإلكتروني.

(5) تشمل منظمة الأرابوساي جميع الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة في الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربيــة أعضاء في المنظمة وتهدف إلى تبادل الخبراء والخروج برواء موحدة تدعم الأجهزة العليا للرقابة في الدول العربية يمكن الرجوع إلى الموقع: http://arabosai.org/Ar _107_206

(6) أسست المنظمة الآسيوية للأجهزة العليا للرقابة المالية (الاسوساي) عام 1978 كمجموعة عمل إقليمية تضم في عضويتها أجهزة الرقابة العليا في البلدان الآسيوية التي ترغب في الاشتراك في المنظمة المذكورة وهي أعضاء في المنظمة الدولية (الانتوساي) وتم إنشاء المنظمة الأسيوية بتاريخ 4 تشرين الأول/1978 بموجب محضر اجتماع الوفود الممثلة لتسع أجهزة هي الأعضاء المؤسسة وذلك خلال اجتماعهم المنعقد في مدينة برلين، استجابة لاقتراحات وتوصيات المنظمة الدولية بإنشاء مجموعات إقليمية وقارية في نطاق المنظمة الدولية وتضم المنظمة في عضويتها ثلاث وعشرون دولة. يمكن الرجوع إلى الموقع: https://www.almerja.com/reading.php?idm=158686

(7) أكرم العجي، الرقابة المالية العليا وتطبيقاتها في الجمهورية اليمنية، رسالة ماستر في وحدة الحكامة المحلية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الحسن الثاني، المحمدية، 2011، ص: 4.

(8) فانسون لوميو، دراسة السياسة العامة، الفاعلون وسلطتهم، ترجمة أحزرير عبد الملك، منشورات كلية الحقوق، جامعة القاضي عياض، مراكش، سلسلة الكتب، العدد (36)، 2004، ص:168.

(9). محمد الخمليشي، أدوار المجلس الأعلى للحسابات في تقييم السياسات العمومية، مشروعية الإختصاص وسياق الممارسة، منشورات المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد الخاص رقم (23)، الطبعة الأولى، الرباط، 2020، ص:7.

(10) حسين ديان، الرقابة على أداء قطاع الخدمات العامة، برامج مقترح للجهاز المركزي والمحاسبة بالجمهورية اليمنية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة الموصل، العراق، 2002م، ص:112.

(11) تقرير صادر عن البنك الدولي، رقابة الأداء للأجهزة العليا للرقابة في الدول الآسيوية، ترجمة نادرة الطيان، ديوان المحاسبة بالمملكة الأردنية الهاشمية، شباط 1998، ص: 6.

(12) المعيار رقم (300)، الأنتوساي.

(13) المعيار رقم (3000)، الأنتوساي.

(14) المعيار رقم (3910)، الأنتوساي.

(15) المعيار رقم (3920)، الأنتوساي.:

(16) المبدأ رقم (12)، الانتوساي.

(17)www.intosaicovid19. Org

(18)https:// blogs worldbank. org /governance.

(19) موقع الأنتوساي في شبكة الانترنت، https://www.intosai.org/ar/ .

(20) Strengthening Government Control in the Face of the Covid_ 19 Health Emergency ; Stratehies of the Office of the Comptroller General of the Republic of peru_ April 2020):Contraloria General de la Republica_ CGR(.

(21) https: www.contraloria.gob.pe الموقع الرسمي لجهاز الرقابة البيرو.

(22) المنظمة العربية أربوساي، لجنة المعايير المهنية للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، ورقة بحثية حول رقابة الأداء في ظل تداعيات وباء الأزمة كوفيد 19، ص:4.

(23) محمد براو، الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية ودورها في التنمية وبناء الدولة من منظور عالمي مقارن وعملي، مطبعة دار السلام، الرباط، الطبعة الأولى، 2020، ص:267.

(24) البنك الدولي، كوفيد 19 وتدور الأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة في استجابة الحكومات لجائحة كوفيد 19، مرحلة الطوارئ وما بعدها. يونيو 2020، ص: 6.

(25) نفس المرجع، نفس الصفحة.