أثر المذاهب الفلسفية على عقائد الباطنية

د. حسان بن إبراهيم بن عبد الرحمن الرديعان1

1 الأستاذ المشارك في قسم الثقافة الإسلامية بجامعة حائل، المملكة العربية السعودية.

بريد الكتروني: hassanhail@hotmail.com

HNSJ, 2022, 3(4); https://doi.org/10.53796/hnsj3414

تنزيل الملف

 هذا البحث تم دعمه من قبل عمادة البحث العلمي بجامعة حائل المملكة العربية السعودية برقم 0150329

تاريخ النشر: 01/04/2022م تاريخ القبول: 15/03/2022م

المستخلص

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فيقول عبد القاهر بن طاهر البغدادي الإسفراييني في كتابه الفرق بين الفرق : ( والذي يصح عندي من دين الباطنية أنَّهم دهرية زنادقة، يقولون بقدم العالم، وينكرون الرسل والشرائع كلها لميلها إلى استباحة كل ما يميل إليه الطبع.. ) ثم يقول نقلاً عن أحد كُتُب الباطنية: ( وإذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به فعلى الفلاسفة معولنا وإنَّا وإياهم مجمعون على أنَّ نواميس الأنبياء وعلى القول بقدم العالم لولا ما يخالفنا فيه بعضهم، من أنَّ للعالم مدبرًا لا يعرفه. وذكر في هذا الكتاب إبطال القول بالمعاد والعقاب وذكر فيها أنَّ الجنة نعيم الدنيا وأنَّ العذاب إنما هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والحج والجهاد. وقال أيضًا في هذه الرسالة إن أهل الشرائع يعبدون إلها لا يعرفونه ولا يحصلون منه إلا على اسم بلا جسم، وقال فيها أيضًا: أُكرِّمُ الدهرية فإنهم منا ونحن منهم، وفي هذا تحقيق نسبة الباطنية إلى الدهرية).

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فيقول عبد القاهر بن طاهر البغدادي الإسفراييني في كتابه الفرق بين الفرق : ( والذي يصح عندي من دين الباطنية أنَّهم دهرية زنادقة، يقولون بقدم العالم، وينكرون الرسل والشرائع كلها لميلها إلى استباحة كل ما يميل إليه الطبع.. ) ثم يقول نقلاً عن أحد كُتُب الباطنية: ( وإذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به فعلى الفلاسفة معولنا وإنَّا وإياهم مجمعون على أنَّ نواميس الأنبياء وعلى القول بقدم العالم لولا ما يخالفنا فيه بعضهم، من أنَّ للعالم مدبرًا لا يعرفه. وذكر في هذا الكتاب إبطال القول بالمعاد والعقاب وذكر فيها أنَّ الجنة نعيم الدنيا وأنَّ العذاب إنما هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والحج والجهاد. وقال أيضًا في هذه الرسالة إن أهل الشرائع يعبدون إلها لا يعرفونه ولا يحصلون منه إلا على اسم بلا جسم، وقال فيها أيضًا: أُكرِّمُ الدهرية فإنهم منا ونحن منهم، وفي هذا تحقيق نسبة الباطنية إلى الدهرية ) ([1]).

إنَّ طوائف الباطنية من الإسماعيلية وغيرهم قد نشأت وقام سوقها على أصول لا صلة للإسلام بها، ولا لدلالة الكتاب والسنة فيها، فهم كما قال الغزالي في فضائح الباطنية: ( فإنهم بين مذاهب الثنوية والفلاسفة يترددون، وحول حدود المنطق في مجادلاتهم يدندنون ) ([2])، حتى بلغوا من الضلال مبلغًا أصبحوا لا يُعدون فيه من أهل الإسلام، وأبعدوا عن أهل الإسلام حتى كان خطرهم عليه أشد من خطر اليهود والنصارى كما نص على هذا البغدادي وغيره ممن تكلم عن الباطنية.

لقد قامت فرق الباطنية أساسًا على الإلحاد في العقيدة، والإباحية الأخلاقية، ومن خلال الفلسفة الباطنية قامت دعوات عديدة، ولم تزل كلها تعتمد الفلسفة اليونانية والفلسفة الغنوصية معًا أساسًا لها، وخاصة الأفلاطونية المحدثة، وجرت كلها على التأويل الفلسفي والاستناد على مفاهيم أفلاطون من ناحية، والحق الإلهي في المجوسية الفارسية من ناحية أخرى([3]).

وإنَّ مما يجده الناظر في عقائد الباطنية الصلة الوثيقة بين العقائد الفلسفية سواء أكانت غربية يونانية أو شرقية هندية أو فارسية، أو كانت فلسفات داخل الأديان الوثنية أو اليهودية والنصرانية. ظهرت هذه العقائد في مسائل الإلهيات والقول في الذات الخالقة، وفي مسائل المعاد والأرواح، وكذا في مسائل النبوات والوحي.

فرأيت تخصيص هذا البحث بذكر المسائل التي تختص بارتباطها الفلسفي وتعيين أصولها في الفلسفات المستمدة منها عند فرق الباطنية.

ولقد كانت هناك دراسات حول هذا الموضوع مجزأة فيما وقفت عليه. أردت جمعها في هذا المبحث المختصر، والله أسأل أن يكتب فيه التوفيق، وله القبول، فهو المعين وحده، والحمد لله رب العالمين.

التمهيد:

نشوء فرق الباطنية وصلتها بالفلسفات

نشأ الغلو في رحم التشيع في وقت مبكر وقبل تشكل فرق الباطنية وذلك في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان على رأس هؤلاء عبد الله بن سبأ الذي الذي يُعتبر هو بذرة الغلو في آل البيت، حتى نفاه عليٌّ إلى المدائن حتى لا يفتن الناس بمقالاته الغالية. ثم وجد ابن سبأ في عبد الله بن محمد بن الحنفية سبيلا إلى القول بالعلوم السرية الباطنية، ثم ظهرت دعاوى بيان بن سمعان والمغيرة بن سعد العجلي والتي هي قائمة على الأفكار الباطنية والغلو في علي حتى جعلوه في مرتبة الألوهية.

كما كان تشكل طوائف الباطنية ظاهرًا بعد وفاة جعفر الصادق رحمه الله. حيث بدأت يتشكل فكر الإسماعيلية وسط المذاهب الشيعية الغالية من المنصورية والخطابية ونحوها.

ثم لم يأت القرن الرابع حتى قويت المذاهب الباطنية المتأخرة كالنصيرية والدروز وتشكلت بالظهور ومعها الحركات الموازية لها كالحشاشين وأمثالهم.

ولقد كانت التدوينات الإسماعيلية المبكرة متشبعة بالأفلاطونية المحدثة، فهناك تشابه في نصوص التاسوعات الأفلاطونية بكلام أئمة الإسماعيلية. وكان محمد بن أحمد النسفي المعروف بالنخشبي المقتول سنة 133هـ قد صنف كتابًا أشبعه بالفلسفة الأفلاطونية سماه المحصول. ثم تتالت الكتب بعده ما بين مؤيد ومخالف حتى دخلت الفلسفة الغنوصية مفاهيم هذه الطائفة وأمدت أفكار أفلاطون المذهب الإسماعيلي كل ما يحتاجه عن الله. فالنسفي ثم بعد أبو حاتم الرازي ثم أبو يعقوب السجستاني ثم الكرماني هؤلاء هم أوائل المدونيين للمذهب الإسماعيلي الذين أدخلوا فيه الفلسفة الأفلاطونية([4]).

ولقد كانت الفلسفات الغنوصية التي وجدت في الديانات اليهودية والنصرانية أثرها على الإسلام، فقد كان باب التأويل والتفسير الرمزي له الأثر على فكر المسلمين، فحين ترجمت كتب اليونان عن طريق اليهود والنصارى المستعربين، كانت هذه الأفكار تنقل معها الفكر الباطني في اليهودية والنصرانية، فقد كانت طائفة القبالا وهي الغنوصية اليهودية متشبعة بالأفكار الأفلاطونية من الطوائف المأثرة في المسلمين.

وقد كان المسلمون في البلاد المتاخمة للبلدات الآوية لفلسفات أخرى من أسباب احتكاك المسلمين بالفلسفات الباطنية، فصابئة حران وبلاد خراسان وما وراء النهر كلها بلاد مليئة بالحكماء والفلاسفة الغنوصية المتصوفة، وهؤلاء كانوا البوتقة الحاوية لحركات الإسماعيلية والدول الباطنية. فالجانب التاريخي والجغرافي يفيد في بيان علاقة فرق الباطنية وصلتها بالفلسفات التي شكّلت وأطّرت هذه المذاهب الباطنية في مقالاتها واعتقاداتها سواء في الألوهية أو النبوات والوحي أو البعث والمعاد، بل حتى وصل الأمر إلى أبعد من ذلك وهو التأثر بالسمات الفلسفية من الرمزية والسرية والكتمان والتعلق بالكتابات الفلسفية الغامضة.

الفصل الأول: أثر الفلسفات على عقائد الإسماعيلية.

المبحث الأول: أثر الفلسفات في عقائد الإسماعيلية في الله تعالى.

المطلب الأول: معتقدهم في الذات الإلهية

يعتقد الإسماعيلية بإلهٍ لا يوصف بوجود ولا عدم، ولا بعلم ولا جهل، و لا بقدرة ولا عجز، فهو واحد بسيط لا كثرة فيه ولا حد ووصف، ولا يصدر منه كثرة، فهو إثبات مطلق وتوحيد مطلق، وليس في إثباته أي مشترك مع غيره، ولا يكون ذلك إلا بالنفي ونفي النفي، لأن الإثبات وحده يقتضي الاشتراك بينه وبين غيره، فإن وصفه بالوجود تشبيه له بالموجودات، والنفي سلب الصفات عنه وهو تشبيه له بالمعدومات. فحقيقة مذهبهم هو تعطيل الله تعالى عن إثبات ذاته سبحانه وإثبات صفاته وأفعاله، وهذا غاية التعطيل، وهو تشبيه لله بالممتنعات، لأنهم يقرَّون في إطلاقهم الواحد على الله سلب النقيضين في حق الإله، فقالوا لا موجود ولا معدوم، وهذا تشبيه لله تعالى بالممتنعات، وهو ما يُعبِّر عنه بعض الإسماعيلية بالجمع بين النفي ونفي النفي([5]).

وبعض الإسماعيلية يصوغ وصف الإله عندهم بالتوحيد والتجريد والتنزيه حيث يقول([6]): ( فتوحيده معرفة حدوده، وسلب الإلهية عنهم له تجريده، وسلب الأسماء والصفات لهم عنه تنزيهه )، وهذا تعبيرٌ لا يختلف عن مفهوم سلب النقيضين.

ويرى بعضُ الإسماعيلية أن المعطلة -من الفرق الكلامية كالمعتزلة- لم يكونوا بنفيهم للصفات مُنزِّهين لله موحدينَ له بهذا النفي، لأنَّهم أطلقوا عليه سبحانه ما يكون لغيره من صفة الحياة والعلم والقدرة وأخبروا عنه بذلك، وهذا هو محض تعبير الملحدين المجسمة. فيلزمهم إذن أن يقولوا بسلب النقيضين كي يكون موحدين مثبتين له التنزيه([7]).

وهذا الاعتقاد للإسماعيلية هو مذهب الدهرية من الفلاسفة في العلة الفاعلة لهذا الكون، وهم أصحاب المدرسة الطبيعية من فلاسفة اليونان، الذي عرف الشهرستاني مؤدى قولهم فنقل رأي الفيلسوف اليوناني فيثاغورس في الإله: ( إن الباري تعالى واحد لا كالآحاد ولا يدخل في العدد ولا يدرك من جهة العقل ولا من جهة النفس فلا الفكر العقلي يدركه ولا المنطق النفسي يصفه فهو فوق الصفات الروحانية غير مدرك من نحو ذاته وإنما يدرك بآثاره وصنائعه وأفعاله وكل عالم من العوالم يدركه بقدر الآثار التي تظهر فيه صنعته فينعته ويصفه بذلك القدر الذي يخصه من صنعته )([8]). وهو الذي جعل البغدادي يقرن بين المذهبين فقال : ( الذي يصح عندي من دين الباطنية أنَّهم دهرية زنادقة، يقولون بقدم العالم.. ) ([9]). والفلاسفة الدهرية يجحدون الصانع ويرون قدم العالم وأن هذا الكون صادر عن عقل فعال، والعالم السفلي إنما صدر عن العالم العلوي.

يقول يحيى بن حمزة العلوي (ت 745هـ) عن الإسماعيلية : ( اعلم أنَّ لهم في الإلهيات وفي حال المبدع وصفته مقالة شنيعة، وهذيانات باطلة، وكفريات مسترقة من الثنوية والمجوس في قولهم بإلهين، مع تبديل عبارة النور والظلمة بالسابق والتالي، ومنتزعة من كلام الفلاسفة حيث قالوا المبدأ الأول على الوجود العقل على سبيل اللزوم، ولهذا يقولون إنَّ السابق علة لوجود التالي، وإنَّ السابق خلق العلم بواسطة التالي ) ([10]).

ويُعبر الإسماعيلية في نفي الإثبات ونفي النفي عن الإله بقولهم الأيس واللاأيس؛ أي الوجود والعدم، فيجعلون ذلك في حق الإله عندهم.

ويُرتبون قِدَم هذا العالم على المبدع الذي هو فوق أن يوصف بشيء أو يُنفى عنه شيء، فهو كالممتنع في الوجود والعدم. ثم يجعلون العقل الأول هو مبدأ صدور الأشياء فالعقل الثاني ثم العقول العشرة التي هي العالم العلوي.

وفي إرادة الإسماعيلية بالمبدع هو الله تعالى، يقول المؤيد الإسماعيلي: ( إن توحيد الله هو أن ينفي عنه جميع ما يليق بمبدعاته التي هي الأعيان الروحانية ومخلوقاته التي هي الصور الجسمانية من الأسماء والصفات والحدود، ويتصور أنه ما كاد ينقدح لأحد فكر فيه جل جلاله إلا وذلك الفكر مثل المفكر مصنوع ومحدث، وأن الله صانعهما ومحدثهما ولا يناسب شيئًا منهما، وأن نفي المعرفة هو حقيقة المعرفة، وسلب الصفة هو نهاية الصفة )([11]). وهذا من جنس تعريف أفلوطين للواحد المطلق الذي هو المبدأ وهو أعلى من الوجود وأعلى من الخير، ليس ذاتًا ولا صفة ولا زمانًا ولا مكانًا. وقد هذَّب أفلوطين بهذا في مسمى الواحد لمبدأ الوجود ما عند أفلاطون وأرسطو ([12]).

ويُعبِّر بعض الإسماعيلية بالنفي دائمًا في حق الإله، فينفي العلم وينفي الجهل وينفي القدرة وينفي العجز، وهكذا في سائر التعريف الذي حقيقته هو نفي التعريف([13]). حتى أنشد بعضهم:

العجز عن درك الإدراك إدراك والبحث عن كنه سر الذات إشراك

وقد نسب الإسماعيلية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه شيئًا من هذه التعبيرات الفاسدة في حق الله تعالى وصفاته وأفعاله([14]).

يقول د.أحمد جاد : ( والأثر الأفلوطيني المحدث بكل مكوناته من أفلوطونية وأرسطية ورواقية وأبيقورية وفيثاغورية وغنوصية، واضح جد الوضوح في تكوين وصياغة مفهوم التوحيد عند الإسماعيلية ذلك المفهوم الذي يتَّسم بخاصيتين: الأولى الغنوص، والثانية الروح الصوفية المبثوثة في ثنايا هذا المذهب ) ([15]).

وحول هذا المفهوم لتوحيد الله تعالى عند الإسماعيلية؛ فقد أشار عدد من الباحثين إلى أنَّ دخول الفلسفة اليونانية في هذا المفهوم كان مبكرًا جدًا، فهو عند الإسماعيلية المتقدمين كأبي عبد الله النسفي وأبي حاتم الرازي منذ منتصف القرن الرابع الهجري([16]).

المطلب الثاني: العقل الأول ( العقل الكلي ) عند الإسماعيلية

يُسمي الإسماعيلية العقل الأول بالعقل الكلي أو المبدع الأول أو الموجود الأول أو السابق أو القلم، وهي كلها مسميات لشيء واحد، هذا الشيء هو أول الموجودات، لم يسبقه شيء، وهو قد صدر من الإله بكلمة كن، وأودع فيه الخلق دفعة واحدة بلا تميز بالزمان والخَلْق والشرف، وهو خارج الجسم والقوة -أي لا تحده العقول بالجسم والصفة-، ولا يحتاج في الفعل إلى غير ذاته. وبواسطة العقل الأول هذا حصل التميز بين هذه الأشياء وأعطاها خصائصها وأفضالها وشرفها وأبدع فيها، فهو المحرك الأول لكل المحركات، والعلة الأولى لكل المعلولات، فاستحق العقل الأول أوصاف الإله، ولهذا يُسمِّي الإسماعيلية العقل الكلي بالإله.

يقول شهاب الدين أبو فراس الإسماعيلي: ( واعلم أن العالم كله بسيط ومركب، ظهر من العدم إلى الوجود بوساطة الأصلين العقل والنفس ..) إلى قوله: ( واعلم علمك الله الحكمة وألهمك الصواب، أنَّ هذا العالم إنسان كبير أصله ومبدأه السابق المشرق من أنوار الوحدة وهو العقل، فمنه تأسست الموجودات وتأثرت وظهرت بعجائبها وأنجبت بعضها من بعض، وهو أصل مبدئها ومنشئها وإليه معادها وهو سبب إظهار الوجود بأسره )([17]).

ويرى إخوان الصفا – وهم من الإسماعيلية- أنَّ العقل الكلي صدر عن الإله بالفيض لا بكلمة كن، وذلك تشبهًا وتأثرًا بالفلاسفة القائلين بالفيض.

وما ينسبه الإسماعيلية إلى العقل الأول من أحكام وصفات فكثيرة جدًا، فجميع الأسماء والصفات والأفعال الإلهية عندهم مصروفة إلى العقل الأول. ولهذا ترك المؤلفون الإسماعيليون كلامًا كثيرًا حوله([18]).

ويرى الدكتور محمد كامل حسين أن الإسماعيلية جردوا الله تعالى عن أي صفة أو وصف حتى أصبح التوحيد هو سلب، ثم جعلوا كل الأوصاف الإلهية لهذا العقل الكلي، فحقيقة الخالق المصور المبدع لهذا الكون هو العقل الأول أو الكلي، فهو المستحق لهذه الأوصاف الإلهية([19]).

وحول هذا الوصف عند الإسماعيلية للعقل الفعّال يقول د.عبدالرحمن بدوي في تفسير العقل الفعّال عند أرسطو وأتباع مدرسته : ( إننا نجد أرسطو يصف العقل الفعال دوماﹰ بأنه في مرتبة الألوهية، إن لم يكن عقلاﹰ إلهياﹰ صرفاﹰ ..، أي أنه يُضيف للعقل الفعال كل الصفات التي يضيفها للألوهية ) ([20]). فحقيقة العقل الكلي عند أرسطو هو هذا المؤثر في الكون تأثير الألهة في معبوده، والخالق في خلقه، فاستحق هذا العقل الفعال الوصف الإلهي.

ويرى أبو يعقوب السجستاني أن بين الله تعالى وبين العقل الأول وسيط، هذا الوسيط لا يصح أن يكون هو العِلَّة للموجودات، إذ لو كان هو العلَّة للزم منه أن يكون الله تعالى هو علَّة العلَّة، وقد أطال في هذا بكلامٍ مفاده أنَّ بين الله وبين العقل الأول هو الأمر أو إرادة الله سبحانه وهي كلمة كن، ولا تكون هذه الكلمة علة العلل وإنما علة العقل الكلي، فالعقل الكلي بهذا صدر دفعة واحدة عن الله بإرادته لا لكون الله علة العلل.

والملاحظ على هذه الفلسفة الإسماعيلية الغنوصية الأفلاطونية هي أنَّها تعتمد على تجريد الله تعالى من أن يكون شيئًا، كما في تفسير العلاقة بين الله وبين العقل الكلي. وكما في الصفات والذات للأفعال التي يُعبَّر بها عن الله، وهو القائم على سلب النقيضين.

وهذا الإغماض والإلغاز في تفسير المبدأ الأول عند منظري الإسماعيلية يدلّ على أنَّهم اعتبروا الله تعالى شيئًا ممتنعًا عن الوصف والتعليل، لا وجود له إلا في الذهن.

وعند الكلام على العقل الأول ( الكلي ) نجد أنَّ الربط بين وجوده وبين موجده وهو الله تعالى يكون ربطًا بالسلب، وإضافة السلوب إلى الله في إيجاد هذا العقل الكلي الذي صدر عنه موجودات العالم.

المطلب الثالث: العقول العشرة، ونظرية المثل والممثول

بعد بيان اعتقاد الإسماعيلية في العقل الأول (الكلي) وأنه المبدع الأول لهذا الكون العلوي كانت نظرية المثل والممثول حجر الأساس لعقائد الإسماعيلية في الإمامة والنبوة والمبدأ والمعاد ونحوها، حيث جعلت لكلِّ ظاهر باطنًا.

ومعنى نظرية المثل والممثول عند الإسماعيلية هي: المثل هو الظاهر الدال على شيء، والممثول هو المقصود في الكلام الباطني الذي يدل عليه. وعلى هذا يبني الإسماعيلية نظرية التأويل الفلسفية بأنَّ اللّه تعالى جعل كلَّ معاني الدّين في الموجودات ، لذا يجب أن يُستدل بما في الطبيعة على إدراك حقيقة الدين.

فما ظهر من أُمور الدين من العبادة العمليّة ، التي بيّنها القرآن معاني يفهمها العامّة ، ولكن لكلّ فريضة من فرائض الدين تأويلاً باطنًا، لا يعلمه إلاّ الأئمّة ، وكبار دعاتهم.

يقول الداعي المؤيد في الدين الشيرازي : ( خلق اللّه أمثالاً وممثولات ، فجسم الإنسان مثل ، ونفسه ممثول ، والدنيا مثل والآخرة ممثول ، وإنَّ هذه الأعلام التي خلقها الله تعالى ، وجعل قوام الحياة بها ، من الشمس والقمر و النجوم ، لها ذوات قائمة ، يحل منها محل المثل وأنَّ قواها الباطنة التي توؤثر في المصنوعات ، هي ممثول تلك الأمثال)([21]).

ويرى الإسماعيلي مصطفى غالب أنّه استنادًا إلى نظرية المثل والممثول يجب أن يكون عند الإسماعيلية في العالم الأرضي عالم جسماني ظاهر يماثل العالم الروحانيّ الباطن([22]).

فأخذ الإسماعيلية نظرية فلاسفة اليونان كأرسطو وتلامذته ومن تأثر بهم من فلاسفة المسلمين كالفارابي وابن سينا في العقول الفعالة العلوية ، وطبقوها في هذه النظرية نظرية المثل والممثول حتى يكون لكل ظاهر باطن.

يرى الفلاسفة المؤلهة أن علة هذا الكون بسيط من جميع الجهات لا كثرةَ فيه ، ولا يصدر منه كثرة، وأنه لم يصدر منه إلا العقل الكلي وهو العقل الأول ، وهو مشتمل على جهتين جهة لعقله ومبدئه، وجهة إضافته إلى ماهيته. فبالنظر إلى الجهة الأولى صدر العقل الثاني ، وبالنظر إلى الجهة الثانية صدر الفلك الأول ونفسه ، الذي هو الفلك الاَقصى. وصدر من العقل الثاني لهاتين الجهتين العقل الثالث ، والفلك الثاني مع نفسه، الذي هو فلك الثوابت. ثمّ صدر من العقل الثالث لهاتين الجهتين ، العقل الرابع، والفلك الثالث مع نفسه، الذي هو فلك زحل. وبهذا الترتيب، صدر العقل الخامس والفلك الرابع ، الذي هو فلك المشتري ، إلى أن وصل عدد العقول إلى عشرة. و تبنّى المذهب الإسماعيلي ، الذي هو مذهب ذو صبغة فلسفيّة يونانيّة هذه النظرية مع اختلاف يسير في التعبير لا غير ، والفكرة الرئيسيّة عندهم واحدة فمثلاً يعبّر الداعي الكرماني عن العقل الأول بالمبدع ، كما يعبّر عن العقل الثاني بالمنبعث الأول ، وكلا الطريقتين طريقة الفلسفية والإسماعيلية يشتركان في أنّه يبتدئ الصدور بالعقل الأول، الذي تسمّيه فلسفةُ المشاء بالعقل الأول، والمذهب الإسماعيليّ بالمبدع الأول ، وتنتهي بالعقل الفعّال ، ويتوسط بين العقل الأول والعقل الفعّال سلسلة العقول، والأفلاك الأخرى.يقول الداعي الكرماني :والعقل الأول مركزٌ لعالم العقول إلى العقل الفعّال ، والعقل الفعّال عاقل للكل ، وهو مركز لعالم الأجسام العالية الثابتة ويعنون بها الأفلاك إلى الأجسام المستحيلة المسمّاة عالم الكون والفساد والتي يحل عليها الفناء.

وقد جعل الإسماعيلية لكل ظاهر باطنًا ولكلّ درجة كونيّة درجة دينيّة وهو كالآتي:

العقل الأول= الناطق

العقل الثاني = الفلك الأقصى = الأساس

العقل الثالث = فلك الثوابت = الإمام

العقل الرابع = فلك زحل = الباب

العقل الخامس = فلك المشتري = الحجّة

العقل السادس = فلك المريخ = داعي البلاغ

العقل السابع= فلك الشمس = الداعي المطلق

العقل الثامن= فلك زهرة = الداعي المحدود

العقل التاسع= فلك عطارد = المأذون المطلق

العقل العاشر= فلك القمر = المأذون المحدود

ويعنون بالناطق من له رتبة التنزيل، وبالأساس من له رتبة التأويل، وبالإمام من له رتبة الأمر، وبالباب من له رتبة فصل الخطاب، وبالحجّة من له رتبة الحكم، وداعي البلاغ من له رتبة الاحتجاج وتعريف المعاد، والداعي المطلق من له رتبة تعريف الحدود العلوية والعبادة الباطنية، والداعي المحصور أو المحدود من له رتبة تعريف الحدود السفليّة والعبادة الظاهرة، والمأذون المطلق من له رتبة أخذ العهد والميثاق، والمأذون المحدود من له رتبة جذب الأنفس المستجيبة وهو المكاسر([23]).

المبحث الثاني: أثر الفلسفات في عقائد الإسماعيلية في النبوات

معتقد الإسماعيلية في النبوات معتقد مشوب بفلسفة يونانية وفلسفة محضة وفلسفة غنوصية، فيقولون بالفيض الذي يفيض من العالم العلوي على السفلي، وأنَّ الحكمة تتمكن من النفس بالاستشراف والتهيأ. وفي نظرية المثل والممثول السابقة، يكون المبدع الأول مثلاً والممثول له في العالم السفلي الناطق والأساس وهما النبي والوصي. فمقام النبي في الأرض هو في مقام المبدع الأول من العالم العلوي. وفي إنكار الوحي الرباني وما يتعلق بجبريل وصلته بوحي الأنبياء يقولون بمثل ما يقوله أهل الفلسفة المحضة من ابن سينا وأمثاله.

وقد حدّد إخوان الصفا في رسائلهم اثنتي عشرة خصلة يتحلى بها النبي كالذكاء والفهم والفطنة والزهد وقوة العزيمة، وغيرها من الصفات التي تدل على أن النبوة عندهم مكتسبةً وليست اصطفاءً من الله وهو أصل مذهب الإسماعيلية.

يقول يحيى بن حمزة العلوي عن معتقد الإسماعيلية في النبوة: ( وقولهم في النبوة قريب من مذهب الفلاسفة، ولكنهم ضعفوا عن معقول كلام الفلاسفة، فخبطوا فيه، وقالوا: إن النبي عبارة عن شخص فاض عليه من السابق بواسطة التالي قوة قدسية ضافية مهيأة لأن تنقش عند الاتصال بالنفس الكلية بما فيها من الجريان، كما يتفق ذلك لبعض النفوس الزكية في المنام، حتى تشاهد في مجاري الأحوال في المستقبل، إما صريحًا بعينه، وإمّا مدرجًا تحت مثال يناسبه مناسبة ما، فيفتقر إلى التعبير والتفسير إلا أن هذا النبي هو المستقبل لذلك في اليقظة ) ([24]).

المطلب الأول: النبوة مكتسبة

يرى الإسماعيلية أن النبوة مكتسبة، ومعنى هذا أن مرتبة النبوة ودرجتها الرفيعة بين البشر التي يتصل بها الإنسان مع العالم العلوي تكون بالتهيأ وتزكية النفس وإصلاح الأخلاق الرديئة والنظر في الأمور الحسيِّة والعقلية. وكلما كان علم الإنساني علمًا روحانيًا كان إلى الملائكة أقرب وإلى إيمائهم وإشارتهم ألصق، فموسى عليه السلام أوصى أولاد هارون أن يلتزموا بشريعة التوراة ويتركوا كل فضول حتى تتهذب أنفسهم وتكون متهيأة لقبول الوحي الإلهي كما يُشير إلى ذلك إخوان الصفا.

وحول صراحة قول الإسماعيلية باكتساب النبوة، يقول أبو يعقوب السجستاني : ( إن النبوة لا تحدث بغتة في قلب النبي، بل جزء، وعمل بعد عمل، وزيادة بعد نقصان، ونقصان بعد زيادة إلى أن يكمل كونها، فتظهر مصورة مجلاة، فلا تزال في ارتفاع إلى أن تبلغ منتهاه في الرفعة ) ([25]).

ويقول الغزالي عن مذهب الإسماعيلية في مفهوم النبوة ومشابهته لمذهب الفلاسفة : ( قريب من مذهب الفلاسفة وهو أنَّ النهي عبارة عن شخص فاضت عليه من السابق بواسطة التالي قوة قدسية صافية مهيأة لأن تنتقش عند الاتصال بالنفس الكلية، بما فيها من الجزئيات كما قد يتفق ذلك لبعض النفوس الزكية في المنام حتى تشاهد من مجاري الأحوال في المستقبل إما صريحا بعينه أو مدرجًا تحت مثال يناسبه مناسبة ما، فتفتقر فيه إلى التعبير إلا أن النبي هو المستعد لذلك في اليقظة فلذلك يدرك النبي الكليات العقلية عند شروق ذلك النور وصفاء القوة النبوية ..) إلى أن أشار أن هذا المذهب في النبوة أخذه الإسماعيلية من الفلاسفة مع بعض التغيير والتحريف ([26]).

وهذه النسبة إلى الفلاسفة هي ما يراه أهل الفلسفة المحضة المنتسبين إلى الإسلام، حيث يرى الفارابي أنَّ النفس عن طريق التخييل وطريق العقل تستطيع أن ترقى إلى مرتبة العقول العشرة فتتلقى الأنوار الإلهية، كما يرى أنه ليست كل النفوس قادرة طبعًا على هذا الاتصال ، وإنما تسمو إليه الأرواح القدسية التي تستطيع أن تخترق حجب الغيب وتدرك عالم النور، فكما أن النفس اليابسة تحاكي ما يناسبها في المنام واليقظة لقوة المخيلة والعقل فكذلك تصفية النفس وزكاءها يكون كذلك([27]). وهذا المذهب في تأثير النفوس على المنامات واليقظة في استلهام العالم العلوي وفيضها على النفس هو مذهب أرسطو.

أما رأي ابن سينا في النبوات فهو وإن كان من بيئة إسماعيلية باطنية إلا أنّه تشرَّب الفلسفة وتأثر بها، يقول في تعريف الرسول : ( هو المبلغ ما استفاد من الإفاضة المسماة وحيًا على عبارة استصوبت ليحصل بآرائه صلاح العالم الحي بالسياسة، والعالم العقلي بالعلم )([28])، ويقول : ( ولنفسك أن تنتقش بنفس ذلك العالم– يقصد العالم العقل- بحسب الاستعداد، وزوال الحائل، قد علمت ذلك فلا تستنكرن أن يكون بعض الغيب ينتقش فيها من عالمه ) ([29]).

وأمَّا ما يحصل للأنبياء من معجزات وكرامات فهي عند الإسماعيلية ليست إلا قوى نفسانية تظهر على مقال أو فعل النبي، يتطابق فيها فيض الحكمة والمعاني العلوية الشريفة مع أفعال النبي وأقواله وأخباره.

وقد سبقت الإشارة إلى النص الوارد في الرسالة المتبادلة بين عبيد الله المهدي –أول أئمة الظهور الإسماعيلية- وأحد الدعاة الإسماعيلية التي ذكرها البغدادي حيث أوصاه أن يكرم الفلاسفة الدهرية لأنه يراهم منهم، وأن الأنبياء ما هم إلا أصحاب نواميس وحيل ساسوا بها الناس طلبًا للزعامة بدعوى النبوة والإمامة([30]).

المطلب الثاني: معتقدهم في جبريل الموكل بالوحي عليه السلام

صرَّح الحامدي بعقيدة الإسماعيلية في جبريل عليه السلام في مثل ما يشابه قول الفلاسفة في العقول العشرة، حيث يرى أن جبريل ليس ملكًا موكلاً بالوحي كما جاء في نصوص الكتاب والسنة وإنما هو عقل من العقول العليا المكنّاة التي هي بالخيال([31]).

ويقول الداعي الإسماعيلي طاهر بن إبراهيم الحارثي اليماني: ( وكان العقل العاشر وهو المحتجب لمحمد المؤيد له الناظره إليه الممدد له بواسطة الجد والفتح والخيال عند كماله، وبلوغه رتبة الحجابية، لأن كل ناطق ووصي وإمام لابد له من التعليم والترقي رتبة رتبة، كما قال تعالى ﱡﭐ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﱠ فكان محمدًا آخذًا من أبي بن كعب في حال تعليمه إياه ابتداء، وهو المكنَّى بجبرائيل ) ([32]). بل صرح الحامدي أن النبي تلقاها من خمسة وليس من أبي فقط: أبي بن كعب، وزيد بن عمرو وعمرو بن نفيل وزيد بن حارثة وبحيرا الراهب، وهؤلاء النطقاء الخمسة التي يسميهم الحامدي([33]).

وهذه المسألة هي تطبيق لنظرية المثل والممثول في المبحث السابق.

المطلب الثالث: نظرية الفيض

هذه النظرية ليست مستقلة عمَّا سبق، وإنما هي أساس القول بأن النبوة مكتسبة عند الإسماعيلية، فإنكار اصطفاء الأنبياء من الله تعالى، وجحدُ اختيارهم له سبحانه كما هو نص الكتاب والسنة هو نتيجة للإيمان بنظرية الفيض التي هي قول فلاسفة اليونان، والتأثر بها.

والقول بأن النبوة مكتسبة هو أيضًا قول سائر الفلاسفة المنتسبين للإسلام من فلاسفة الباطنية كإخوان الصفا وغيره م من المتصوفة.

والفيض مذهب فلسفي يوناني أول من قال به أفلوطين ، وهو مذهب يرى أنَّ الموجودات صدرت أو فاضت عن الأول -أي الله أو المبدع الأول عند الإسماعيلية والفلاسفة- كما يفيض النور عن الشمس. وقد فاضت هذه الموجودات عن الله – تعالى الله عن ذلك – وفق نظام متراتب الدرجات، وليس دفعة واحدة، فالواحد لا يصدر عنه إلا واحدًا، ثم يصدر عن هذا الواحد، واحد آخر، وهكذا إلى آخر مراتب العقول والأنفس والأجسام([34]).

ويعني الفيض في مفهوم النبوة أنَّ العالم العلوي يفيض على نفوس الأنبياء بالمعاني والحكمة والأمر والنهي، لكن لا بد لهذه النفس من التهيأ والاستعداد برياضة النفس وتزكيتها، فالأنبياء ليسوا إلا كذلك، وما هذا الوحي إلا هو الفيض الذي يعنيه الفلاسفة جميعًا، فكانت حقيقة النبوة اكتسابًا وتحصيلاً.

وقد رتَّب ابن سينا القول بالنبوة المكتسبة على نظرية الفيض بل إنه يُصرِّح بأنّ عبارات الوحي ما هي إلا ألفاظ استصوبها الرسول للتعبير بها عمّا أوحي إليه ، أي أنّ الرسول قد تلقى بالفيض عن العقل الفعّال معان عبّر عنها بألفاظ من عنده([35]).

والفارابي ممن لخَّص نظرية أفلوطين في الفيض، ومزجها مع كلام أرسطو عن عقول الكواكب، إضافة إلى بعض أفكار بطلميوس الفلكي، في صياغة نظريته عن الفيض. فمزج تعاليمهم بعضها ببعض وأكمل ذلك، بما أضفاه عليها من فلسفة المذهب الإسماعيلي ومن نحى نحوهم كالصابئة وغلاة المتصوفة، وصبغ كل ذلك بصبغة إسلامية واضحة في إطار من التفلسف الديني يتلاءم مع عقائد عصره وثقافته، فتحدث بالتفصيل في كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة عن كيفية صدور جميع الموجودات عن الأول أي الله، وعن مراتب هذه الموجودات، وكيفية صدور كثير عن الواحد، بقوله إن : الأول هو الذي عنه وجد. ومتى وجد للأول الوجود الذي هو له، لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات، والكائنات الأقرب للمبدأ هي الأكمل، ومنها تفيض كائنات أدنى([36]).

يقول محمد كامل حسين : ( واقتبسوا –أي دعاة الإسماعيلية- من الأفلاطونية الحديثة كل فلسفة الفيوضات وترتيبها، بحيث إذا قرأنا كتب الحقيقة الإسماعيلية نجد أنفسنا أمام الفلسفة الأفلاطونية الحديثة ) ([37]).

وأختم هذا المطلب ومسائله بكلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول: ( وقد غلط في النبوة طوائف غير الذين كذّبوا بها؛ إما ظاهرًا وباطنًا، وإما باطنًا؛ كالمنافق المحض، بل الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إلى الرسول وإلى من قبله، وهم خلقٌ كثيرٌ فيهم شُعبة نفاق، وإن لم يكونوا مكذّبين للرسول من كلّ وجه، بل قد يعظّمونه بقلوبهم، ويعتقدون وجوب طاعته في أمور دون أمور.

وأبعد هؤلاء عن النبوة المتفلسفة والباطنية والملاحدة؛ فإن هؤلاء لم يعرفوا النبوة إلا من جهة القدر المشترك بين بني آدم؛ وهو المنام، وليس في كلام أرسطو وأتباعه كلام في النبوة. والفارابي جعلها من جنس المنامات فقط، ولهذا يُفضل هو وأمثاله الفيلسوف على النبي) ([38]).

المبحث الثالث: أثر الفلسفات في عقائد الإسماعيلية في البعث والمعاد

يعتقد الإسماعيلية بالمعاد والبعث بعد الموت اعتقادًا باطنيًا، حيث اعتبروا جميع ما ورد في القرآن وسنة رسول الله من أمور المعاد كالموت وحياة البرزخ والبعث والجنة والنار كلها لها باطنٌ غير الظاهر والواضح لدى المسلمين، وحقيقة قولهم هو إبطال المعاد الذي جاء في الكتاب والسنة، وتأويله تأويلاً باطنيًا.

مما قالوه في جسد الإنسان أنه يستحيل إلى عنصره الأصلي وهو التراب وينتهي عند ذلك، وأمَّا روحه فتصعد إلى العالم العلوي، فإن كانت روح خير كانت عقلاً مدبِّرًا؛ أي أنها تتَّحِدُ مع العقول الفعالة، فتتحول الأرواح إلى هياكل نورانية تؤثر على العالم السفلي، وإن كانت روح شر أصبحت مع قوى الشر الماورائية الإبليسية وشياطين الأرض وعفاريتها([39]).

ومع أنَّ كلام الإسماعيلية في المعاد والجنة والنار طويل وبعضه متداخل؛ إلا أنَّ المقصود هو بيان الأثر الفلسفي في اعتقادهم بالمعاد؛ فالفلسفة اليونانية أنكرت المعاد النفساني في صورته الجزئية، مثلما أنكرت الحشر الجسماني تمامًا حيث مآله الفساد والتحلل، وتعتقد أنَّ النفوس بعد مفارقة الأبدان لا بد أن تكون واحدة بالعدد، وبالتالي فالخلود ليس فرديًا، حيث تتحد النفوس البشرية بعقل الإنسانية الشامل والمعبر عنه بالعقل الفعال، وقد شبّه ابن رشد قولهم هذا بالضوء حيث ينقسم بانقسام الأجسام المضيئة ثم يتحد عند انتفاء الأجسام، وكذا الأمر في النفوس مع الأبدان، إذ تتحد بانتفاء الأخيرة([40]).

ويقول الإسماعيلية بالتناسخ في حق العالم كله، حيث يرون أنَّ هذا العالم هو عبارة عن دورات متعاقبة وعوالم متتالية فتنتقل النفوس من عالم إلى عالم وهكذا.

الفصل الثاني: أثر الفلسفات على عقائد النصيرية والدروز

المبحث الأول: أثر الفلسفات على عقائد النصيرية

من المعلوم أن النصيرية انشقت عن الاثني عشرية بعد طرد الحسن بن علي بن محمد – الملقب بالعسكري – غلامه محمد بن نصير النمري (ت270هـ) الذي كان يغالي في شأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل البيت، والذي ادعى بعد ذلك أنه الباب للمهدي، ونشأ عنه جماعة هم الذين يعرفون بالنصيرية اليوم.

هذه الطائفة هي من طوائف الباطنية الغالية الشيعية، الذي يرى أصحابها نبوة محمد بن نصير ويغلون في علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى ألهوه([41]).

بنت هذه الطائفة عقيدتها على فلسفات أثرت فيها وتشربتها كالغنوصية والأفلاطونية كما سيتضح.

المطلب الأول: عقيدة الحلول والاتحاد

يرى النصيرية أن روح الله حلت في علي بن أبي طالب والرسول صلى الله عليه وسلم وسلمان الفارسي، فيُشيرون بالتثليث إلى كلمة : عمس، ع: علي ، م : محمد ، س : سلمان. وهذه الإشارة إلى هذه الرمزية تدل على تأثر أصحاب هذه العقيدة بالفلسفة الإلهية النصرانية التي تنص على الرمزية إلى المعتقد.

وإذا كان محمد بن نصير متأثرًا بالمفضل الجعفي تلميذ أبي الخطاب شيخ الخطابية الغالية الشيعية، فإنه كان كذلك متأثرًا بالحلاج وفلسفته الغنوصية العرفانية الصوفية الغالية التي تقول بالحلول والاتحاد ولا تنافي ذلك في اليهودية أو النصرانية أو الإسلام، وهذا ما يجعلنا نجزم بأن الفلسفة العرفانية التي كانت سائدة عند الحلولية قد دخلت في مفاهيم محمد بن نصير في نظره الإلهي المتجسد بعلي ومحمد وسلمان.

وفي مفهوم العالم العلوي والأنوار العلوية تأثر النصيرية بفلاسفة الصابئة الحرانيين الذين يعظمون الكواكب، فأطلق الشماليون من النصيرية على علي بن أبي طالب اسم الشمس فيرونه هو ذات الشمس، وطائفة منهم تسمى الكلازية أتباع النصيري محمد الكلازي أن علي بن أبي طالب هو القمر ذاته.

فمفهوم الألوهية عند النصيرية وهو حلول روح الله في ذات علي ومحمد وسلمان، هو قول الحلولية المتصوفة المتفلسفة الذين جمعوا بين الفلسفة العرفانية الأفلاطونية وبين الفلسفة الوثنية عند النصارى وغيرهم.

قال الحسين الخصيبي – أحد أكبر دعاة النصيرية- : ( لما أراد مولانا إظهار قردته عقد ذاتيته، وقام سلمان جل وعز مثلما قام اسمه وقال: يا سلمان تعرفني وقد ظهر له بالصورة الهاشمية العلوية – أي علي – قال نعم أنت الله لا إله إلا أنت الأزل القديم ربي ورب الخلائق أجمعين، ثم ظهر له بصورة الحسن وسائر الصور الإمامية التي ظهر بها الميم – أي محمد- فكان كلما ظهر المولى لسلمان بصورة من الصور يقول: يا سلمان تعرفني يقول نعم أنت مولاي لا إله إلا أنت أنت الأزل ).

والمعنى في هذا أنه إله لا ينقسم ولا يتبعض ولا يتجزأ وإن كانت له هذه الأقانيم التي يظهر بها للناس وتراه العيون. فعلي إله في الباطن إمام في الظاهر لم يلد ولم يولد ولم يمت ولم يقتل ولم يأكل ولم يشرب وهو الذي اتخذ محمدًا ناطقًا.([42]).

المطلب الثاني: إسقاط التكاليف وإباحة الحرمات

تأثرت عقيدة النصيرية بالفلسفة المجوسية الزرادشتية الشرقية الغنوصية، وهذه الفلسفة اختصت من بين الفلسفات الشرقية بفلسفة سقوط التكاليف عن الكهنة والإلهيين وإباحة المحرمات. فقد دعا مزدك – رأس المزدكية المجوسية – إلى غباحة زواج الأقارب وقد طبق هذا أكاسرة الفرس.

وفي النظرة العدمية للفلسفة الغنوصية ولا سيما الهندية فإن التأمل في الغيب الأعلى وهو الغيب المطلق عند النصيرية؛ يجعل الأعمال الظاهرة لا معنى لها عندهم، وهذا ما يعني سقوط الشرائع وتجاوز التكاليف، فهي مرتبطة عند النصيرية بالغنوصية الزرادشتية والهندية.

وقد كان واقع هذه النزعة موجودًا عند غلاة الباطنية قبل النصيرية كالخطابية والمفضل الجعفي والجناحية هؤلاء استحلوا الزنا ونكاح المحارم وشرب الخمر وسقوط التكاليف([43]).

يقول المستشرق جولد زيهر : ( إن النصيرية انتسبت للإسلام اسميا، هذا الإسلام الذي تمثله هذه الصورة المتخفية، الساترة للوثنية الآسيوية القديمة التي أضافت إليها أيضًا الكثير من العناصر المسيحية كقداس الأطعمة والنبيذ، وإحياء الأعياد الخاصة بالمسيحية، وإن الروح العامة لهؤلاء قد احتفظت في الواقع بالتقاليد الوثنية التي كانت لأجدادهم، وإن غيرتها من الناحية الظاهرية البحتة، وذلك عندما طبقها هؤلاء على الأوضاع الخارجية الجديدة للعبادات الإسلامية ) ([44]).

المطلب الثالث: عقيدة التناسخ

عقيدة التناسخ من عقائد النصيرية المترتبة على الثواب والعقاب، وهي صورة المعاد الأخروي عندهم، كما سيأتي أيضًا عند طائفة الدروز.

والقول بالتناسخ موجود في الديانة البوذية ، والديانة الهندوكية ، ففي الديانة البوذية ظهر بوذا على هيئة حيوانات وطيور وشجر وصور أنسية حوالي ألف مرة، وفي الديانة الهندوسية ظهر الآلهة (شيفا أو آندرا) على صور أنسية عديدة . كذلك ظهر مذهب التناسخ عند فلاسفة اليونان وقدمائهم ، ففي ديانة قدماء اليونان تظهر آلهتهم في صور مختلفة([45]).

يقول الشهرستاني عن التناسخ عند غلاة الباطنية ومنهم من النصيرية ( النميرية ) وصلته بالفلسفات الأخرى : ( والغلاة على أصنافها كلهم متفقون على التناسخ والحلول ولقد كان التناسخ مقالة لفرقة في كل ملة تلقوها من المجوس المزدكية والهند البرهمية ومن الفلاسفة الصائبة ) ([46]).

ويقول البغدادي: ( القائلون بالتناسخ أصناف صنف من الفلاسفة وصنف من السمنية وهذان الصنفان كانا قبل دولة الإسلامـ وصنفان آخران ظهرا في دولة الإسلام، أحدهما من جملة القدرية والآخر من جملة الرافضة الغالية فأصحاب التناسخ من السمنية قالوا بقدم العالم وقالوا أيضًا بإبطال النظر والاستدلال وزعموا أنه لا معلوم إلا من جهة الحواس الخمس وأنكر أكثرهم المعاد والبعث بعد الموت. وقال فريق منهم بتناسخ الأرواح في الصور المختلفة، .. وذكر أصحاب المقالات عن سقراط وأفلاطون وأتباعهما من الفلاسفة أنهم قالوا بتناسخ الأرواح على تفصيل قد حكيناه عنهم في كتاب الملل والنحل وقال بعض اليهود بالتناسخ وزعم أنه وجد في كتاب دانيال أن الله تعالى مسخ بختنصر في سبع صور من صور البهائم والسباع وعذبه فيها كلها ثم بعثه في آخرها موحدا ) ([47]).

وعقيدة التناسخ عند النصيرية مبنية على عقيدة الهبط عندهم كما ذكرها صاحب الباكورة السليمانية، وأن النصيرية كانوا أراواح نورانية في السماء هبطت، ثم تمر هذه الأرواح في مراحل سباعية هي: الفسخ والنسخ والمسخ والرسخ والوسخ ثم القش ثم القشايش. وأن أرواح الناس تنتقل بعد ذلك في المعاد إلى أجساد الحيوانات([48]).

المبحث الثاني: أثر الفلسفات على عقائد الدروز

بُنيت عقائد الدروز على تأليه الحاكم بأمر الله الفاطمي، والذي وضع ذلك هو حمزة بن علي الزوزني في رسائله ورسائل غيره من دعاة الدروز، وقد استقت هذه العقائد ركائزها من أصول عقائد الإسماعيلية التي سبقت الإشارة إليها، فالدروز خرجوا من رحم الإسماعيلية التي تأثرت بهذه الفلسفات، لكنها وضعت ما يُميزها بأئمتها ودعاتها وبعض خصائص عقائدها.

المطلب الأول: اعتقادهم في الذات الإلهية

يرى الدروز أن الله – تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا- ليس بمكان ولا يخلو منه مكان، وليس بظاهر ولا بباطن، ولا يوجد اسم من الأسماء يُمكن أن يطلق عليه ولا يتصف بصفات، ولا يُعبر عنه باللغات، وهو على هذا النحو لا يحد وهو واحد لا فيه حركة ولا راحة وهو البداية والنهاية. ويرون بعد ذلك أن الحاكم بأمره له حقيقة من هذه الألوهية ( اللاهوت ) لا تدرك بالحواس ولا بالأوهام، ولا تعرف بالرأي ولا بالقياس([49]).

يتفق ذكر التوحيد في رسائل الدروز ، وحديثهم عن لاهوتية المعبود ، يتفق تمام الاتفاق مع ما ورد في كتب الدعوة الإِسماعيلية عن الله سبحانه وتعالى ، فصاحب كتاب ( راحة العقل ) أحمد حميد الدين الكرماني الذي كان معاصرًا لحمزة بن علي ، وضع سورًا كاملة ذات سبعة مشارع في التوحيد والتقديس ، وحديثه في ذلك كله هو حديث رسائل الدروز([50]) .

وقد جاء في كلام حمزة بن علي الزوزني قوله في عقيدته بالحاكم بأمره : ( أنتم جميع المسلمين واليهود والنصارى ، تعتقدون بأن الله عز وجل خاطب موسى بن عمران من شجرة يابسة ، وخاطبه من جبل جامد أصم ، وسميتموه كليم الله لما كان يسمع من الشجرة والجبل ، ولم ينكر بعضكم على بعض ، وأنتم تقولون بأن مولانا جل ذكره ملك من ملوك الأرض ، ومن وُلي على عدد من الرجال ، كان له عقل الكل ، ومولانا جل ذكره – يقصد الحاكم بأمره – يملك أرباب ألوف كثيرة ما لا يحصى ولا يقاس فضيلته بفضيلة شجرة أو حجر ، وهو أحق بأن ينطق الباري سبحانه على لسانه ، ويظهر للعالمين قدرته منه ، ويحتجب عنهم منه . فإذا سمعنا كلام مولانا جل ذكره قلنا : قال الباري سبحانه : كذا وكذا ، لا كما كان موسى يسمع من الشجرة هفيفًا فيقول : سمعت من الله كذا وكذا ، وهذه حجة عقلية لا يقدر أحدكم ينكرها ) ([51]).

والمقامات الناسوتية البشرية التي ظهر فيها المعبود هي كما يعتقد بها الدروز هي: ( العلي ، البار ،أبو زكريا : ظهر في وقت السماء الثالثة سنة 220 هـ ، عليا : ظهر في وقت السماء الرابعة، المُعل : ظهر في وقت السماء الخامسة، القائم : كان طفلاً استودعه مع سر إمامته أبوه المعل برعاية سعيد المهدي الملقب بـ ( عبيد الله ) سنة 280 هـ ، وكان سعيد في العشرين من عمره ، هرب بالقائم من وجه العباسيين إلى مصر سنة 289 هـ ، ثم إلى شمال أفريقية سنة 308 هـ ، وهو مؤسس الدولة الفاطمية .

تلاه المنصور الذي حكم من سنة 334 إلى سنة 341 هـ ، ثم المعز من سنة 341 إلى سنة 365 هـ ، وهما مع القائم يعتبرون في المذهب الدرزي ذاتًا واحدة .

العزيز : من سنة 365 إلى سنة 386 هـ ، وأخيرًا الحاكم بأمر الله ) ([52]).

وفي بيان عقيدتهم في صلة الناسوت باللاهوت وكيف يكون اللاهوت حالا في الناسوت يقول الدكتور سامي مكارم : ( ويمكننا أن نقول : إن الناسوت من اللاهوت كالخط من المعنى ، وكما أن فكر الإنسان المحدود بالكيفية والإضافة والزمان وما شابه ذلك لا يستطيع أن يُدركَ المعاني مجردة من الخط أو الصورة أو الصوت ، كذلك لا يمكن أن يدرك اللاهوت بوجه من الوجوه ، وإنما يتجلَّى الله في الناسوت ، ويكون هذا الناسوت قد تنزَّه عن كل ما ليس هو في حقيقته وشموله ، فأضحى تشخيصًا للإنسان الكامل ، أي ناسوتًا مجردًا متطهرًا مثاليًا متنزلاً بتجرد الباقي السرمدي فيه عن التوهم والفناء ) ([53]).

بعد هذا العرض الموجز يتبين لنا عقيدة الدروز في الله تعالى وظهور لاهوتيته عندهم في الناسوت، واحتجاب الله تعالى فيه، إلى آخر ناسوت وهو الحاكم بأمره. وستأتي بعض الإشارات إلى ذلك.

وهذه العقيدة يأخذون على أتباعهم الميثاق بها، ويسمونه: ميثاق ولي الزمان، يقسم به الجاهل منهم والمتعلم، وقد وضع هذا الميثاق كمال جنبلاط في مصحف الدروز الذي وضعه.

وصلة هذه العقيدة وتأثرها بالفلسفات الأخرى كما هو الحال بالنسبة للإسماعيلية كما سبق. لكن كمال جنبلاط قد صرّح بأن عقائد الدروز يستقونها من الفلسات اليونانية كآراء أرسطو وأفلاطون والأفلاطونية المحدثة، كما ذكر ذلك في كتابه هذه وصيتي([54]).

وكذلك يرى الدكتور سامي مكارم ويصرح بأنهم يستمدون هذه العقائد من الفسلفات اليونانية([55]).

ومع هذه العقيدة الحلولية في حقيقة ذات الله تعالى نرى من يدافع عن هذه العقيدة بأنها توحيد في حق الله، يقول محمد حسين كامل: ( وهكذا نرى الدروز في توحيدهم لمعبودهم لا يخرجون عن توحيد المسلمين لخالقهم سبحانه وتعالى .. ) ([56])، ومع كل هذا التشبيه لذات الله تعالى التي ذكرها في كتابه وحالات تشكله بالناسوت ومظاهره، يأتي هذا المؤلف ويشبه هذا التوحيد بتوحيد المسلمين.

المطلب الثاني: عقيدة التناسخ والتقمص.

عقيدة التناسخ عند الدروز والتي يُسمونها التقمص هي تعني انتقال الروح من جسم بشري إلى جسم بشري آخر. ويبنون هذا الاعتقاد على العدل الإلهي الذي ينقل الروح من جسم إلى جسم آخر وليس إلى حيوان أو جماد. ويسمونه بالتقمص وذلك وصف للجسم بأنه قميص الروح. ويرون التعبير بالتقمص أولى من التناسخ، والحلول نوع من التقمص ، لكنه يختلف عنه في أن النفس المنتقلة من جسم إلى آخر تنتقل معها أحيانًا جميع صفاتها ، أو بعض صفاتها البارزة. ومن ذلك نشأ الاعتقاد أن نفوس الأنبياء والمرسلين تنتقل من دور إلى دور ، مستكملة أروع صفاتها ، فحمزة بن علي في دور الحاكم هو نفس سلمان الفارسي في دور النبي صلى الله عليه وسلم([57]).

وصلة هذه العقيدة عند الدروز بالفلسفات الهندية كالبوذية واضحة بيِّنة، حيث إن هذه العقيدة عند الدروز لها علاقة بمذهب التناسخ في الديانة البوذية ، والديانة الهندوكية ، ففي الديانة البوذية ظهر بوذا على هيئة حيوانات وطيور وشجر وصور أنسية حوالي ألف مرة، وفي الديانة الهندوسية ظهر الآلهة (شيفا أو آندرا) على صور أنسية عديدة .

كذلك ظهر مذهب التناسخ عند فلاسفة اليونان وقدمائهم ، ففي ديانة قدماء اليونان تظهر آلهتهم في صور مختلفة ([58]).

المطلب الثالث: السرية والكتمان في مجمل الاعتقاد الدرزي

يجد الناظر إلى عقائد الدروز السرية والكتمان في مجمل اعتقادهم، سواء ما تعلق بالكلام في الذات الإلهية أو مظاهرها الناسوتية وتجلياتها، أو ما كان من عقيدة النسخ والتمقص، وكذلك القول في البعث والمعاد. كل هذا يكتنفه السرية التامة، بل حتى العوام منهم يجهلون تفاصيل هذه المقالات العقدية في المعتقد الدرزي. يقول حمزة بن علي في رسالة الموسومة بحفظ الأسرار ) : (( أن أكثر الآثام وأعظمها إظهار سر الديانة وإظهار كتب الحكمة ، والذي يظهر شيئًا من ذلك يقتل حالاً اتجاه الموحدين ولا أحد يرحمه … ويقول : عليكم أيها الإِخوان الموحدون في دفن هذه الأسرار ولا يقرأها إلا الإِمام على الموحدين في مكان خفي ، ولا يجوز أن تظهر كتب الحكمة الذي كلها رسم ناسوت مولانا سبحانه ، وإن وجد شيء من هذه الأسرار في يد كافر فيقطع إربًا إربا ، فأوصيكم أيها الموحدون بكنة الأسرار )) ([59]).

و هذه السرية والكتمان عند الدروز ليستا من باب التقية ، وإنما هي أمر مشروع وسرية مقدسة في أصول عقيدتهم، و( أصول عقيدتهم – كما هو معروف – خليط من نظريات وأفكار الفلاسفة القدامى من يونان وفرس وهنود وفراعنة ، ولعل الدروز قد عمدوا إلى السرية التي ضربوها على مذهبهم تمشيًا مع بعض آراء الفلاسفة القدامى الذين كانوا يوصون بحجب آرائهم وسترها عن جمهور الناس ) ([60]).

وقد وافق د.سامي مكارم عبدَ الله النجار – وكلاهما من الدروز- في أن مصادر السرية في مسلك توحيد الدروز هو من فكر أفلاطون وفيثاغورس وأتباعهما، لكنه لم يوافقه في حصر ذلك عليهما بل ذكر أن فكر هرمس من مصادر السرية عند الدروز وهو معروف بصيانته الشديدة للأسرار ، وهو مكرم عند الدروز ، ينظرون إليه بعين التقديس ويجعلونه في مصاف الأنبياء([61]).

الخاتمة

بعد هذه الدراسة الوجيزة حول الأثر الذي تركته المذاهب الفلسفية الغربية أو الشرقية في عقائد الباطنية وفرقها الإسماعيلية والنصيرية والدروز، أخلص في هذا البحث إلى النتائج التالية:

أولاً: أن فرق الباطنية هي فرق قامت على الفلسفات الغنوصية والعرفانية الروحية، وذلك في أبواب الإلهيات والنبوات والبعث والمعاد.

ثانيًا: أن عقيدة الباطنية في الإله عقيدة لا تمت لشريعة الإسلام بصلة، فهي عقيدة عدمية وثنية، ترى أن الله تعالى يتجلى في صورة الخلق؛ فمن قائلٍ في علي ومحمد وسلمان الفارسي، ومن قائلٍ بالحاكم بأمره. تستخدم الرموز والإشارات، والأوصاف المجردة من المعاني والحقائق للذات الإلهية. والأثر النصراني في هذه العقيدة واضح بين.

ثالثًا: أن عقيدة فرق الباطنية في النبوات والوحي هي عقائد الفلسفات اليونانية والأقاويل الأفلاطونية المحدثة التي تنفي حقيقة الوحي والاصطفاء الإلهي للأنبياء، وتقرر نظريات الفيض والصدور عن العالم العلوي، وتحقيق ذلك عن طريق الكسب والإلهام والاستعداد النفسي والتزكية الروحية.

رابعًا: أن التستر والكتمان من أهم خصائص الفرق الباطنية، وذلك مأخوذ من الفلسفات اليونانية والهندية، وهي أفكار تكرّس القوة والمضي في نفوس أصحابها، وتأخذ طابع الجدية في نشر عقائد الباطنية سرًّا.

خامسًا: إن الباطنية لا تكاد تتفق مع شرائع الإسلام وتعاليمه بشيء إلا من ناحية الاسم فقط، وهذا الأمر هو أجلى ثمرة نقتطفها من هذا البحث لخطورة هذا المذهب على المجتمعات الإسلامية.

ختامًا: إن محاولة إدخال هذه المذاهب الباطنية في بلاد المسلمين واعتبارها قسيمًا عقديًا للفرق الإسلامية، يكون للمسلمين مندوحة في اعتبارها داخلةً في ديانتهم، وعدّ ذلك نوعًا من الخلاف الإسلامي، كل ذلك من أخطر الأسلحة التي يُقاتل بها عقيدة الإسلام ليُقضى عليها.

لهذا يجب على المسلمين التنبه لعقائد هذه الفرق التي تدخل على الناس من أبواب عديدة، ويجب معرفة ما قاله العلماء الأقدمون والمتأخرون في حق أرباب هذه العقائد والنحل الفاسدة، التي استوردت كل سوء من الفلسفات القديمة، وجردت الإسلام عن معانيه العظيمة، وأعظمها حق الله سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله جل شأنه، وسائر أبواب العقائد.

والله أسأل أن يحفظ الإسلام والمسلمين من هذا البلاء العظيم، والداء الخطير، وأن يرزقنا الأخذ بالأسباب لنصرة دينه والحفاظ عليه وأن نكون من خير الناس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين حفظوا دينه وأعلوا شأنه.

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

فهرس المصادر والمراجع

  1. أثر الأفلاطونية المحدثة على بناء الإلهيات عند الإسماعيلية، د.أحمد محمد جاد، دار الهاني للطباعة والنشر 1425هـ 2004م.
  2. آراء أهل المدينة الفاضلة، أبو نصر الفارابي، د.عبدالرحمن حمدان.
  3. أربع رسائل إسماعيلية، عارف تامر، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.
  4. أرسطو، عبد الرحمن بدوي، دار القلم، دمشق.
  5. الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة، أنور الجندي، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، 1987م
  6. الإسماعيلية، إحسان إلهي ظهير، دار ابن حزم، القاهرة.
  7. الإشارات والتنبيهات، أبو علي بن سينا، سليمان دنيا، دار المعارف، القاهرة.
  8. أصول الإسماعيلية دراسة وتحليل ونقد، د. سليمان السلومي، دار الفضيلة، الرياض.
  9. الافتخار، أبو يعقوب السجستاني، مصطفى غالب، دار الأندلس، 1980 بيروت.
  10. الباكورة السلميانية، سلمان الأضني.
  11. بحوث في الملل والنحل، جعفر السبحاني، دار الإمام الصادق، قم، إيران.
  12. بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية، أحمد بن تيمية، د.موسى الدويش، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة.
  13. تسع رسائل في الحكمة، أبو علي بن سينا، دار العرب، البستاني، القاهرة.
  14. الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، د. محمد أحمد الخطيب، 2014م.
  15. درء تعارض العقل والنقل، أحمد بن تيمية، محمد رشاد سالم، مطبوعات جامعة الإمام 1411هـ.
  16. راحة العقل، حميد الدين الكرماني، مصطفى غالب، دار الأندلس، 1983م بيروت.
  17. الرسالة التدمرية، أحمد بن تيمية، محمد السعوي، مكتبة العبيكان.
  18. طائفة الإسماعيلية، محمد كامل حسين، مكتبة النهضة المصرية.
  19. طائفة الدروز تاريخها وعقائدها، محمد كامل حسين، دار المعارف، مصر.
  20. الفرق بين الفرق، عبد القاهر البغدادي، محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت.
  21. فرق الشيعة، الحسين النوبختي، دار الأضواء، بيروت.
  22. فضائح الباطنية، أبو حامد الغزالي، عبد الرحمن بدوي، دار الكتب الثقافية، الكويت.
  23. مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار، يحيى بن حمزة العلوي، د.محمد السيد الجليند، الدار اليمنية للنشر والتوزيع.
  24. الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت.
  25. النبوات، أحمد بن تيمية، د.عبدالعزيز الطويان، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة.
  26. نشأة الفكر الفلسفي، د.علي سامي النشار، دار المعارف، القاهرة.
  27. النصيرية دراسة تحليلية، تقي شرف الدين.

الهوامش: 

  1. (1) الفرق بين الفرق ( ص 278) .
  2. (2) فضائح الباطنية ( ص4) .
  3. (1) الإسلام في مواجهة الفلسفات القديمة، أنور الجندي ص 115.
  4. (1) انظر إلى الخلاف في دخول أفكار أفلاطون مدونات المذهب الإسماعيلي إلى : أثر الأفلاطونية المحدثة في بناء الإلهيات عند الإسماعيلية، د.أحمد جاد (ص 8، 46-48).
  5. (1) راحة العقل، للكرماني ( ص 147)، وهو ما يُشير إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في مؤلفاته إلى شؤم فهم الباطنية لجناب الله وأنهم شرٌّ من اليهود والنصارى، انظر التدمرية (ص16)، درء التعارض (7/8).
  6. (2) وهو الإسماعيلي الحسين بن الوليد في رسالة المبدأ والمعاد ( ص101).
  7. (1) انظر ما قاله أبو يعقوب السجستاني في الافتخار ( ص29)، والكرماني في راحة العقل (ص148).
  8. (2) الملل والنحل (2/73).
  9. (3) الفرق بين الفرق (ص278).
  10. (1) مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار ( ص69) .
  11. (2) انظر: أصول الإسماعيلية ( ص 512 )، الإسماعيلية (ص 279).
  12. (3) أثر الأفلاطونية المحدثة (ص 14).
  13. (1) وهذا تعبير الكرماني الإسماعيلي في كتابه راحة العقل ( 129-130).
  14. (2) أورد بعض هذه النصوص الشيخ إحسان إلهي ظهير في الإسماعيلية (ص 282-283).
  15. (3) أثر الأفلاطونية المحدثة على بناء الإلهيات عند الإسماعيلية (ص 14-15).
  16. (4) انظر ما ذكره النشار في نشأة الفكر الفلسفي (2/378-380)، ود.أحمد جاد في أثر الأفلاطونية المحدثة (ص 14-15).
  17. (1) رسالة مطالع الشموس له ضمن أربع كتب إسماعيلية ( ص 19-20).
  18. (1) ومن هؤلاء الكرماني في راحة العقول، انظر أصول الإسماعيلية (ص 518).
  19. (2) طائفة الإسماعيلية ( ص157-158).
  20. (3) أرسطو (ص 251) .
  21. (1) المجالس المؤيدية نقلا عن الإسماعيلية (ص 469).
  22. (1) مقدمة الينابيع (ص 13)، وقد ألف د. محمد كامل حسين كتابًا بعنوان: نظرية المثل والممثول وأثرها في الشعر الفاطمي.
  23. (1) انظر: الإسماعيلية ( ص586)، بحوث في الملل والنحل (8/261- 264) .
  24. (1) مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار ( ص69) .
  25. (1) إثبات النبوءات (ص111) نقلاً عن الإسماعيلية (ص 322).
  26. (2) فضائح الباطنية ( ص 40-41).
  27. (1) آراء أهل المدينة الفاضلة (ص 169-174 ) .
  28. (2) رسـالة في إثبـات النبوات وتأويل رموزهم – ضمن مجموعة تسع رسائل في الحكمة – لابن سينا – مطبعة هندية- مصر- 1326ه- 1908م، ص124 .
  29. (3) الإشارات والتنبيهات :ابن سينا، تحقيق الدكتور سليمان دنيا، دار إحياء الكتب العربية- القاهرة 3/243.
  30. (1) الأنوار اللطيفة (126) نقلا عن الإسماعيلية ص 324 .
  31. (1) الفرق بين الفرق (ص 279 ).
  32. (2) الأنوار اللطيفة (126) نقلا عن الإسماعيلية ص 324 .
  33. (3) كنز الولد (ص 210)، المجالس المستنصرية ( 25، نقلا عن الإسماعيلية (ص 325 )).
  34. (1) الموسوعة العربية (15 / 24 ).
  35. (1) بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد لابن تيمية، (ص 72 ).
  36. (2) الموسوعة العربية (15 / 24 ).
  37. (3) طائفة الإسماعيلية ( ص 176).
  38. (1) النبوات (2/658-659).
  39. (1) الإسماعيلية (408 وما بعدها)، أصول الإسماعيلية (ص620، 621).
  40. (2) تهافت التهافت، ص84، 93.
  41. (1) فرق الشيعة للنوبختي (ص 93)، الملل والنحل (1/172).
  42. (1) النصيرية دراسة تحليلة ( ص128)، إسلام بلا مذاهب (335)، الحركات الباطنية (322) .
  43. (1) النصيرية دراسة تحليلية (133- 137) ، العقيدة والشريعة في الإسلام (ص166).
  44. (2) العقيدة والشريعة في الإسلام (ص 247).
  45. (1) سيأتي الكلام على ذلك عند الدروز .
  46. (2) الملل والنحل (1/172) .
  47. (1) الفرق بين الفرق (ص254).
  48. (2) النصيرية دراسة تحليلية (ص 150-152)، الباكورة السليمانية ( ص59).
  49. (1) طائفة الدروز ، محمد كامل حسين (ص 104) .
  50. (2) راحة العقل (ص 149) .
  51. (1) نقلا عن كشف الحقائق بواسطة :طائفة الدروز ( ص 106-107) .
  52. (1) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ( ص214- 215) .
  53. (2) أضواء على مسالك التوحيد، د.سامي مكارم (ص128)، نقلاً عن الحركات الباطنية في العالم الإسلامي (ص214).
  54. (1) هذه وصيتي ( ص48) .
  55. (2) أضواء على مسالك التوحيد، مصدر سابق .
  56. (3) طائفة الدروز ( ص 105) .
  57. (1) مذهب الدروز والتوحيد، مصدر سابق ( ص 56)، أصل الموحدين الدروز، أمين طالع ( ص 100).
  58. (1) طائفة الدروز (ص 109)، راجع كتاب البوذية وتأثيرها في الفكر والفرق الإسلامية المتطرفة، الزغبي، زيعور ( ص 147)، الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ( ص232).
  59. (1) مخطوط ( لبعضهم قول وجيز ) مكتبة القديس بولس في الجامعة الأمريكية ببيروت رقم 206 – ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية رقم 715 . نقلا عن الحركات الباطنية في العالم الإسلامي (ص230).
  60. (2) إسلام بلا مذاهب، مصطفى الشكعة (276).
  61. (3) أضواء على مسلك التوحيد، مصدر سابق (ص 145) .