قراءة في معجم أساس البلاغة للزمخشري

وسام اليونس1

1 جامعة إسطنبول آيدن، تركيا

بريد إلكتروني: wissamwiss90@gmail.com

المعرّف العلمي: https://orcid.org/0000-0002-3323-4757

HNSJ, 2022, 3(4); https://doi.org/10.53796/hnsj3420

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/04/2022م تاريخ القبول: 22/03/2022م

المستخلص

يتناول هذا البحثُ دراسة معجم أساسِ البلاغة للإمام الزمخشري، والتغيير الذي أحدثه في مجال التأليف المعجمي عند العرب، في وقتٍ كثُرَ فيه الاهتمام بضبط اللغة و حفظ المخزون الكمّي لها ضمن كُتبٍ ضخمة، حوَت أكبر قدرٍ من ألفاظها، وقد كان لكلّ مؤلّف طريقة في تخزين ألفاظ اللغة، وحمايتها من الضياع، أو النسيان، كما اتجه بعض اللغويين لحفظ اللغة بطريقة مغايرة، فاهتموا بالمعاني إلى جانب الألفاظ، بذكر الأوجه المجازية للفظة المفردة، وتوظيفها في سياقات متنوعة، وكذلك المعاني المتعددة التي تُحدثها الكلمة، مفردة كانت أو ضمن سياق معيّن.

وممّا سبق ذكره؛ فقد كان معجم (أساس البلاغة للزمخشري) نقلةً نوعية في مجال التأليف المعجمي، وسأبيّن في بحثي هذا، القيمة الأدبية للمعجم ولمؤلّفه، والطريقة التي اعتمدها الزمخشري في شرحه لألفاظ اللغة، موضّحًا ذلك بأمثلة من المعجم، ثمّ أبيّن آراء النقّاد فيه، والمزايا والمآخذ التي ذكروها، وكلّ ذلكَ وفق المنهج الوصفي التحليلي، مع اجتهادي ورأيي الشخصي في هذا السِّفر العظيم.

الكلمات المفتاحية: معاجم، المعنى المجازي، سياق.

Research title

Reading in the dictionary of the basis of rhetoric by Zamakhshari

VISAM YUNUS1

1 İSTANBUL AYDIN ÜNİVERSİTY

EMAIL: wissamwiss90@gmail.com

Scientific Identifier https://orcid.org/0000-0002-3323-4757

HNSJ, 2022, 3(4); https://doi.org/10.53796/hnsj3420

Published at 01/04/2022 Accepted at 22/03/2021

Abstract

This research deals with the study of the lexicon of the basis of rhetoric by Imam al-Zamakhshari, and the change that it has brought about in the field of lexical composition among the Arabs, at a time when there was much interest in controlling the language and preserving its quantitative stock in huge books, which contained the largest number of its words, and each author had a method for storing words The language, and protecting it from loss or forgetting, as some linguists tended to preserve the language in a different way, so they paid attention to the meanings beside the words, by mentioning the figurative aspects of the singular word, and employing it in various contexts, as well as the multiple meanings that the word brings, whether singular or within a certain context.

Key Words: Dictionaries, figurative meaning, context

مقدّمـة:

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاةُ والسلام على سيّدنا محمدٍ الصادق الوعدِ الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمّـا بعد ….

فإنّي – بفضل الله وتوفيقه – حاولتُ جاهدا في بحثيَ المتواضعِ هذا أن أُبيّن أهميّة معجمِ (أساس البلاغة) للإمام الزمخشري، ومذهبه في تأليفه والطريقة التي اتبعها في شرح مفردات اللغة، مستشهدًا ببعض الأمثلة وشارحاً لها، ثمّ بيّنت آراء النقّاد في معجمه من مادحين له أو منتقدين، ثم أتبعت ذلك كلّه برأيي الشخصيّ في المؤلّف وفي معجمه، وختمتُ ذلك بقائمة المصادر والمراجع.

وإني ما اخترتُ هذا البحثَ ولا المؤلفَ عبثًا أو صدفةً، فما قادني للبحث في موضوعي هذا إنما هو حبّي للمؤلّف وطريقتهِ وأسلوبهِ ومؤلّفاتهِ، والأهمّ من ذلك كلّه؛ منهجه البلاغي وتوظيف البلاغة في معظم مؤلفاته.

أهميّة البحث:

تكمن أهميّة هذا البحث؛ في أنّ مؤلّفه أحدث نقلةً نوعيّة في مجال تأليف المعجمات، وارتقى بالمستوى اللغوي للألفاظ، وتحدّث عن الاستخدامات المجازية المتعدّدة للكلمة.

أهداف البحث:

يسعى هذا البحث إلى تحقيق الأهداف الآتيــة:

1- دور المعاجم في حفظ ألفاظ اللغة من الضياع، أو النسيان.

2-أهمية معجم (أساس البلاغة) للزمخشري، في ذكر المعاني المتعددة للكلمة، ولا سيّما البلاغية.

3- علوّ كعب الزمخشري، كعالم لغة، ونحو، وبلاغة، وقيمته العلميّة.

مشكلة البحث:

تبدو مشكلة هذا البحث حول الاهتمام الكبير للزمخشري بالجانب البلاغي للكلمة، ودور المجاز في تغيير المعنى في لغة العرب.

حدود البحث:

إنّ هذا البحث يستهدف الفئة المختصّة من دارسي اللغة العربيّة، والمهتمّين بالألفاظ والمعاني المتعددة للغة العرب، لا سيّما المهتمّين بالحقل البلاغي.

كما أنه يبيّن الإطار العام لمعجم أساس البلاغة، والطريقة المتّبعة في تأليفه.

منهج البحث:

اتّبعتُ في بحثي هذا المنهج الوصفي التحليلي.

أولًا- نشأة المعاجم: بدأ لغويّو العرب، وعلماء اللغة، منذ بدايات القرن الثاني الهجري، بجمع اللغة من أفواه الناس لأسباب عديدة، من أهمّها فهم النصّ القرآني، وأحاديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والتي تحمل ألفاظًا غامضة بعض الأحيان، وكذلك خوفًا على اللغة من الضياع، أو النسيان، والاندثار. فكانت بادية العرب قبلتهم في ذلك يأخذون الألفاظ من أفواه الأعراب، ويدوّنونها، فمثلًا يسمعون كلمةً في المطر، وأخرى في الليل، وثالثة في الزرع والنبات، فيدوّنون ذلك كلّه من دون ترتيب، أو منهجيّة متّبعة في ذلك، حتى مجيء الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي أسّس لبداية علم المعاجم بوضع معجمه الشهير(العين)، ومن ثمّ تبعه، وسار على نهجه، كبار علماء اللغة، بتأليف المعجمات، والتنوّع في تصنيفها وتبويبها، فمنهم من جعل معجمه بالترتيب الألفبائي مبتدئًا بالحرف الأول (أ) ثم (الباء والتاء) وهكذا … ، وبعضهم جعل معجمه يبدأ من باب الحرف الأخير(الياء) كمعجم لسان العرب لابن منظور، وبعضهم جعله حسب مخارج الحروف، كالخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي رتّبَ معجمه ترتيبًا صوتيًا، بحسب أبعد الحروف مخرجًا.

فما تعريف المعجم:

المُعْجَمُ: أو القاموس، كتاب يضمُّ أكبر عدد من مفرداتٍ لغويَّةً مرتَّبة ترتيبًا معيَّنًا، يقوم المؤلّف بشرح هذه المفردات، وذكر معانيها المتعددة. المجمع: معاجم ومعجمات. وهو اسم مفعول من أعجمَ. َوفي سرّ صناعة الإعراب، ورد قوله: أعْجَمْتُ الكِتابَ: أَزالْتُ عنه استعجامَه وَإِبْهامَهُ بِوَضْع النُّقَطِ والحَرَكاتِ، والأعجمي: الذي لا يفصح، ولا يبين كلامه.

يقول ابن جنّي: إنّ (ع ج م) إنما وقعت في كلام العرب للإخفاء والإبهام، وضد البيان والإفصاح.[1]

أنواع المعاجم: لم يكتفِ علماء اللغة بتأليف نوعٍ واحد من المعاجم، كتلك التي تهتم باللفظة المفردة فحسب، بل إنّ اهتماماتهم تلك قد توسّعت، واتخذت لها ميدانًا كبيرًا، فتنوّعت المعاجم، وتعدّدت أنواعها، فمنها: المعاجم اللغويّة، التي تهتم بشرح ألفاظ اللغة ومعانيها، ومعظم معاجمنا العربيّة تندرج تحت هذا النوع، كمعجم العين، والجمهرة، ولسان العرب…

والمعاجم المعنويّة: وهي التي ترتّب الألفاظ اللغويّة بحسب معانيها، أو موضوعاتها، كمعجم (المخصّص) لابن سيده الأندلسي. وهناك المعاجم الاشتقاقية، والتأصيليّة والمختصّة بعلم دون غيره، والمعاجم التي تشرح ألفاظ لغة أجنبية أخرى، وهذه انتشرت في زماننا لحاجة الناس إليها، ولتعلّم اللغات الأجنبية الأخرى، لأغراض علمية أو اقتصادية، وغير ذلك. ومن ثمّ أصبح لدينا معاجم موسوعيّة، كدوائر المعارف، أو المَعْلَمَات، والمعاجم المصوّرة.

ما يهمّنا الآن، تلك النقلة التي أحدثها (الزمخشري) في تأليف المعاجم، إذ أنّه انتقل من تعريف اللفظة، وذِكر معناها المفرد، إلى ذكر المعاني المجازية لها ضمن سياقات الكلام.[2]

ثانيًا- نبذة تعريفيّة عن المؤلّف:[3]

الزمخشري: جار الله، أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري.

وُلِدَ في زَمَخْشَر يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر رجب سنة 467 هـ / 1074 م، في تركمانستان، وسافر إلى مكّة وجاور بها زمنًا، فلُقّبَ جارُ الله.

يعدُّ الزمخشري من أئمّة العِلم بالدّين، والتفسير، واللغة، والآداب.

أبرز مؤلفاته: تركَ الزمخشري ثروةً من المؤلّفات، أشهرها (الكشّاف) في تفسير القرآن الكريم، ومعجم (أساس البلاغة) و(المُفصل) وهو أشهر كتبِ النحو، و(المستقصى في الأمثال)، والكثير من المؤلفات التي لا يتّسع المقام لذكرها.[4]

مذهبه:

كان الزمخشريّ معتزليّ المذهب، شديد الإنكار على المتصوّفة، أكثرَ من التشنيع عليهم، في الكشّاف وغيره.

مذهبه النحوي: اختلف المؤلفون في مذهب الزمخشري، فمنهم من يضعه في طبقة النحويين البصريين، وأنه تابع لمذهب سيبويه والبصريين في آرائه، بينما عدّه (شوقي ضيف) بغداديا يميل الى المذهب البصري، وتبعه الدكتور عبده الراجحي.

والزمخشريُّ كان يقف موقفا معتدلا بين المذهبين، وأنه من أولئك الذين نهجوا منهجَ أبي عليّ النحويّ وابن جنّي وغيرهما من دون النحاة، إذاً: فهو بغداديُّ المذهب (وأنّ هذه البغدادية تتجلى في منهجه السماعي).

دعونا من مذهبه ونشأته وفارسيّته وتعالوا نبحِرُ معاً في مؤلّفه الجليل ونستخرج ما كمنَ من لآلئَ لغويّة وبلاغية حواها بحرُه العظيم والذي نحن بصدد الحديث عنه ، إنّه معجم (أساس البلاغة) ويالها من تسميةٍ قد حوت في طيّاتها من البلاغة ما حوت، وآخت بين اللفظ المعجميّ للمفردة والمعنى البلاغي لها كما سنرى بعد قليل.

إنّ معجم (أساس البلاغة) يختلف عن كل المعاجم السابقة له في أنه قام على أساسٍ بلاغيّ، بخلاف المعاجم السابقة له، والتي اهتمت باللفظة المفردة، فالزمخشري يفترض فيمن يطّلع على كتابه أن يكون على حظٍّ وافر من الإعراب، وعلم المعاني والبيان، ولعلّ ذلك ما جعله يسميّه (أساس البلاغة).

ثالثًا- طريقة التأليف المتّبعة:

اتّبع الزمخشريّ في تأليفه معجم (أساس البلاغة) طريقة الترتيب الألفبائية، وقيلَ إنّ أول من اتّبع هذه الطريقة هو أحمد بن فارس في مجمل اللغة ومقاييس اللغة وتبعه الزمخشريّ في أساس البلاغة ، إذ راعى ترتيب أوائل أصول الكلمات ، فكان يبدأ بالحرف الأول في الكلمة مراعياً الحرف الثاني ثم الثالث فالرابع الخ… ويبدأ كل حرف بالهمزة، ثم الباء، ثم التاء إلى الياء ، وهكذا مع كل الحروف.

فمثلًا: باب الدال، يبدأ بالفعل (دأب) وبعده ينتقل إلى (دأدَ و دأل إلى أن يصل إلى (دأيَ)، ثم ينتقل إلى ( د – ب ) مبتدئا ً بكلمة ( دبأ، دبَبَ ) وهكذا …

طريقة المعجم من حيث شرحُه للكلمات:

كان الزمخشريُّ أوّلَ مَن فرّقَ بين الدّلالة الحقيقية والمجازية لكثير من الألفاظ التي عرضها في معجمه، وفي سبيل هاتين الدّلالتين حشدَ – في كثيرٍ من جذوره التي عرضها – سياقاتٍ معروفةً مشهورةً في اللغة، وردَتْ فيها الكلمةُ وذلك من خلال آيات القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشّعر العربيّ، والأمثال العربيّة، وبعض الأقوال المشهورة.

التوسّع الدّلالي: حيث تولّى فيه ذكر المعاني المجازية للكلمات بعد ذكرِ معانيها الحقيقية.

وإليكم بعض الأمثلة المشروحة:

وردَ في باب الجيم كلمة (جأجأ) على النحو الآتي:

[5]جأجأ: دفَعَهُ بجُؤجُؤه، وهو عظم الصدر، وقيل وسطهُ، وعليكَ بجآجئ الطير، قال الشاعر:

كعقيلةِ الأُدحيّ بات يحفّها ** ريشُ النَّعامِ وزالَ عنها الجؤجؤُ

ثم يتابع شرح الكلمة، منتقلًا إلى المعنى المجازي: ومن المجاز: شقّتِ السفينةُ الماءَ بجؤجُئها وحيزومِها. ثم يسوق لنا المعاني اللفظية والمجازية مدعّمًا كلامه بشواهد من القرآن الكريم وكلام العرب.

فمثلا عندما يذكر معنى كلمة (دأب)، يقول: دأبَ الرجلُ في عمله: اجتهد فيه. ودأبَت الدابّةُ في سَيرها دأَبَاً ودُؤوباً. وعن عاصم (تزرعونَ سبعَ سنينَ دَأَباً). ومن المجاز: هذا دَأْبُكَ أي شأنُكَ وعملُكَ (كدأْبِ آلِ فرعونَ). والليل والنهار يدأبان في اعتقابهما (وسخّرَ الشمسَ والقمرَ دائبين)، ثم يقول في معنى (دبَأ): كان رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وسلّم، يُحِبُّ الدبَّاء، وهو القرع. قال امرؤ القيس يصف فرسًا:[6]

وإنْ أقبَلَتْ قلتَ دُبّاءةٌ ** منَ الخُضْرِ مغمورةٌ في الغُدُرْ

وجاء الزمخشري بمعنى جديد لكلمة (دبأ) بمعنى هدأ، يُقال: دبأتُ بالمكان، يعني هدأتُ وسكنتُ، كما قيل له: اليقطين، من قطَن. ثم يأتي على ذكر المعنى بمَثَل، فيقول: (ولا يغرنّكَ الدبّاءُ وإن كان في الماء) يُضرب للرجل الساكن الليّن الكثير الغائلة، وذلك أنه يدبّ حتى يعلو الشجرة الساحقة.

فانظر إلى كم المعلومات التي يوردها الزمخشري في شرحه للكلمة؟، ومدى اهتمامه بالمعنى المجازي للفظة، مفردة كانت، أم داخل سياقٍ محدد لها، ومن ثمّ اهتمامه بورودها في الشعر، والأمثال، وفي كل كلام العرب.

وفي ذكره لمعنى (جبَرَ) يقول: جبرَ المُجَبّرُ يدَهُ فجُبِرَتْ. قال العجّاج:

قد جبَرَ الدّينَ الإلهُ فَجَبَرْ. ومسَحَ على الجبابرِ ولبسَ الجبائرَ، وهي الأسوِرة، وقيلَ الدّماليج، والواحدة فيهما جِبَارة وجبِيرة. وذهبَ دمُهُ جُباراً، و (جَرْحُ العجماءِ جُبَارٌ). وهو جبّارٌ من الجبابرة، وقد تجَبّر، ووَيْلٌ لجبّارِ الأرضِ من جبّار السماء.[7]

ثم ينتقل الزمخشري ليورد معنى الفعل ضمن حديث ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيقول: وفي الحديث: (دعُوها فإنّها جَبّارة) أي مستكبرة عاتية. وما كانت نُبُوّة ٌ إلاّ تنَاسَخَها مُلْكُ جَبَرِيّةٍ. أي إلا تجَبّرَ الملوكُ بعدَها. ثمّ ينتقل كعادته في بنائه لهذا المعجم، ليبيّن لنا أهمية المعنى المجازي، فيقول: ومن المجاز: نخلة ٌ جبّارةٌ، طويلةٌ تفوتُ اليدَ، وهي دونَ السَّحوقِ. وناقة ٌ جبَّارٌ: عظيمة، بغير تاء، وقد فسّر قوله تعالى: (قوماً جبّارين) بعِظامِ الأجرام. وقلب جبّار: لا يقبل موعظةً، وطلَعَ الجبّارُ أي الجوزاء لأنها في صورة ملك مُتوّج على كرسيّ. وجبَرَ اللهُ يُتْمَهُ، وجبَرْتُ الفقير: أغنيتُهُ، شبّه فقرَه بانكسار عظْمِه، وفي الدّعاء: اللهم اجبرنا.

خامسًا- خصائص المعجم ومزاياه:

  1. لقد اتّبع الزمخشري، في تأليفه معجمَ أساس البلاغة، الطريقةَ الألفبائيّة، بترتيب الحروف بدءًا من الحرف الأول، فالثاني، ثم الثالث، وهذه الطريقة، بلا شك، أيسر وأسهل تناولاً من الطرق المتّبعة سابقًا، كالتقليبات والقافية.
  2. ارتقى هذا المعجم باللفظة اللغوية من مستواها المعجمي إلى مستوى دلالتها المتنوعة بتنوع الموقف، وبهذا يكون قد تميّز عن غيره من المعاجم التي تجعل هدفَها الأول هو جمعَ المفردات وإحصاءَها.
  3. إنّ أساس البلاغة باعتماده على التركيب والنّظم في تبيين دلالات الكلمات، هو مظهرٌ من مظاهر تطبيق الزمخشريّ لنظرية النّظم، التي أصبحَتْ من المسَلّمات عنده. وهذا مثال لتفسير الزمخشريّ الألفاظَ بالتراكيبِ: وردَ في مادة(روح): الملائكة خلق الله ِ الروحاني، ووجدت رَوْحَ الشمال، وهو برد نسميها وغُصْنٌ مَرُوْحٌ. ونقول: أراح فأراح، أي: مات، فالمستريحُ منه، وشرِبَ الراح، ودفعوه بالراح، وإنّ يديه لتراحان بالمعروف، وراحوا إلى بيوتهم رواحًا، ومن المجاز: ذهَبَتْ رِيحُهم، دولتُهم، وإذا هبّت رياحُكَ فاغتنِمها، ورجلٌ ساكن الرّيح: وقور، وتحابّوا بذكرِ الله وروحِهِ وهو القرآن (وأوحينا إليكَ روحًا). والرُّوحُ بالضمّ: ما به حياة الأنفس، ومَنْ يُروِّحْ بالنّاسِ في مسجدكم: يصلّي بهم التراويح.[8]
  4. اهتم بالاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث الشريف.
  5. اهتم بالشواهد الشعرية، والأقوال المشهورة والأمثال المعروفة، وقد انفرد بذكر بعض الشواهد، إذ لم ترد في المعجمات التي سبقته.

ومن خصائصه أيضًا:

أنه اعتمد على المجاز وقام بتوظيفه في شرح الألفاظ، وقد تباهى (الزمخشري) بهذه الميزة في معجمه إذ قال: (ومنها قوانين فصل الخطاب ، والكلام الفصيح بإفراز المجاز، عن الحقيقة والكناية عن التصريح).

وإليك هذا المثال من المعجم:

صورة تحتوي على نص

تم إنشاء الوصف تلقائياً

[9]

ومن الأمثلة التي ذكر فيها المجاز: قال في مادة (ف ع م): أفعَمتُ البيتَ طِيْبًا وأفعمتُهُ غَضَبًا. أي ملأتُه. وقد لجأ الزمخشري إلى ما سمّاه ( مجاز المجاز): فنراه يذهب بعيدًا ويغوصُ أكثر في معنى الكلمة. فمثلا من المجاز: كم مسافةُ هذه الأرض، وبيننا مسافة ُ عشرين يوما، وفلانٌ يقتاتُ السّوفَ: أي يعيش بالأماني. ومن مجاز المجاز، قولُ ذي الرمّة:

وأبعدُهم مسافةَ غَوْرِ عَقْلٍ ** إذا ما الأمرُ ذو الشّبُهاتِ عالا

ففي المثال الأول، كان المجاز فيه ينصبّ على المسافة أو البعد بين الشيئين أو الأماني، أما في مجاز المجاز عند ذي الرمّة فنجده قد أسنده إلى العقل وطريقة التفكير.

لقد كان من عناية الزمخشري بالمجاز أنّهُ أفردَ له قسمًا خاصًا في أكثر الموارد ،[10] وكذلك فلقد أشار إلى الكناية في باب المجاز، ومنه ما ورد في مادة (ب د ): استبدّ الأمرُ بفلان: إذا غلبَهُ فلم يقدر على ضبطه. ومن ناحية أخرى فقد وظّف السجع في شرح بعض الألفاظ وذلك لهدفٍ تعليميّ، مثل قوله: (بلاه بالسّقام، ورماه بالدّاء العقام).

سادسًا- المآخذ عليه:

1-عنايته بالجانب المجازي جعله يُغفلُ ذِكرَ الكثير من المواد اللغوية التي اشتملت عليها المعجمات الأخرى، إما لأنها قليلة الاستعمال، أو لأنها لم تكتسب دلالات مجازية للسبب نفسه وهو قلة استعمالها.

2-لم يُعْنَ بتحديد نوع المجاز، ولم يكن يوازن بين الاستعمالات المجازية المتعددة، إ ذ لا يعرضه بعنوان واحد، بل يعرضه بعناوين متعددة، (ومن المجاز) ومن (الكناية)، (ومن المجاز والكناية).

3-وُجد اضطرابٌ، وتداخلٌ بي المواد الثلاثية والرباعية، كما لوحظ اضطراب بين المعتل الواوي واليائي، واضطراب في الترتيب.[11]

خاتمة: كان هذا عرضًا موجزًا لمعجم (أساس البلاغة) للإمام الزمخشريّ رحمه الله، ونلخّص أهم النّقاط التي وردت:

1-معجمٌ لغويٌّ اعتنى بالجانب البلاغي، عناية لم يسبقه إليها أحد.

2-اعتمد الترتيب الألفبائي، الأسهل والأكثر تداولًا.

3-اهتم بالاستشهاد بآيات القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة.

4-لاقى قَبولًا واسعًا، والقليل من وجّهَ إليه سهام النقد.

النتائج والتوصيات:

لقد ألّفَ الزمخشريُّ معجمَ (أساس البلاغة) في أواخر حياته، ما يعني أنه صبّ جُلّ معرفته وخبرته وتجوالِه في هذا الكتاب، إذ يقول: (وطِئتُ كلّ بلادِ العرب)، ومنه نستنتج أنّ الزمخشري أدركَ أنّ مهمة اللغة هي حُسْنُ البيان والتبيين ، واللغة مجالٌ خصب يُثْرَى ويُطَوّرُ، بالإضافة إلى إحساسه في نفسه بمقدرة كبيرة في اللغة، جعلته يتجرّأُ ويكتبُ وينتقي الجيد من الكلام ويحكم عليه بالبلاغة أو الفصاحة بكل ثقةٍ و رزانة وهذا الأمرُ يحتاجُ إلى فقهٍ وشجاعةٍ، ولولا وجود كلّ ذلك عند الزمخشري لما أثبتَ ذلك في البلاغة.

كان معجم (أساس البلاغة) حدثًا جديدًا في التأليف ، ولم يتعرّض للقدح أو الذمّ إلا في نواحٍ تكادُ لا تُذكر.

كما كان أساسُ البلاغة (برأيي) توجّهًا جديدًا في شرح كلام العرب وفهم آيات كتاب الله.

معجم (أساس البلاغة) جمع الفائدة والمتعة في آنٍ معًا ، ويسّر الصّعب وأزال الإبهام عن

كثير من الألفاظ بشرحها بلاغيًا.

إنّ توسّطُ حجمه وما حواه بين دفّتيه من البلاغة أعطَوه سرعةً في الانتشار والقَـبول، ولذلك فمن الضروري اقتناؤه لدى دارسي اللغة، ولا سيّما البلاغيين.

وختامًا:

هذا ما هدانيَ اللهُ إليه وحملتُ نفسي بالجُهد عليه، أسأل اللهَ أن أكونَ قد وُفقْـتُ في بحثي المتواضع هذا، وأن يلاقي القَـبول والفائدة لكلّ مطّلع وقارئ ٍ له.

المصادر والمراجع:

1- ابن جني، عثمان: سرّ صناعة الإعراب، ت: حسن هنداوي، مكتبة لسان العرب، السعودية، القصيم.

2-الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة، تحقيق: محمد باسل عيون السود، بيروت، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأولى.

3- السّامرائي ، فاضل ، الدراسات النحويّة واللغويّة عند الزمخشري ، مطبعة الإرشاد ، بغداد، 1970.

4- معتوق ، أحمد محمد ، الحصيلة اللغوية ، أهميتها ومصادرها ووسائل تسميتها ، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1996،بتصرف.

5- نصار، حسين: المعجم العربي- نشأته وتطوّره، دار مصر للطباعة، القاهرة، د: ت.

الهوامش:

  1. ابن جني، عثمان: سرّ صناعة الإعراب، ت: حسن هنداوي، مكتبة لسان العرب، القصيم، ص41.
  2. معتوق ، أحمد محمد ، الحصيلة اللغوية ، أهميتها ومصادرها ووسائل تسميتها ، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1996،بتصرف.
  3. السّامرائي ، فاضل ، الدراسات النحويّة واللغويّة عند الزمخشري ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ، 1970،ص 11.
  4. الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة، تحقيق: محمد باسل عيون السود، بيروت، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأولى، ص3+4 بتصرف.
  5. الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة، تحقيق: محمد باسل عيون السود، بيروت، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأولى، ص119
  6. المصدر نفسه.ص276/277
  7. المصدر نفسه، ص 122.
  8. الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة، تحقيق: محمد باسل عيون السود، بيروت، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأولى، ص392.
  9. الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة، تحقيق: محمد باسل عيون السود، بيروت، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأولى. ص162.
  10. نصار، حسين: المعجم العربي- نشأته وتطوّره، دار مصر للطباعة، القاهرة، د:ت. ص 556 بتصرف.
  11. المرجع نفسه. ص 556.