التكافل الاجتماعي في الإسلام (دراسة تأصيلية)

د. حسن عبد المعتمد بيومي حسين1

1 أستاذ مساعد في قسم الدراسات الإسلامية- كلية العلوم والآداب بطبرجل، جامعة الجوف- المملكة العربية السعودية

بريد الكتروني: hassanbaiumy@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(4); https://doi.org/10.53796/hnsj349

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/04/2022م تاريخ القبول: 15/03/2022م

المستخلص

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

وبعد ،،،،

فهذه دراسة مقتضبة ترمي إلى ضرورة توظيف نظام التكافل الاجتماعي كمبدأ مهم من المبادئ الرئيسة التي دعا إليها الإسلام الحنيف ، وأرشد إليها في عدد من آيات القرآن الكريم ، وأكدت عليها سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الكثير من الأحاديث التي صحت عنه.

والذي يظهر جلياً للناظر في هذه النصوص المتضافرة يجد أن الأمر بالتعاون على البر في شتى صوره وأشكاله، والحث على رعاية أصحاب الحاجات، والفئات الضعيفة في المجتمع من الفقراء والمساكين واليتامى .. وغيرهم، وبذل المعروف إليهم وإكرامهم؛ لهو من أمور الإيمان ومن سمات الشخصية المسلمة، ومن معالم المجتمعات المسلمة التي تطبق الإسلام عقيدة وشريعة وسلوكاً.

والمجتمع الذي تسود فيها نظم التكافل؛ هو مجتمع تشيع فيه أجواء الألفة والمودة والتراحم.

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

وبعد ،،،،

فهذه دراسة مقتضبة ترمي إلى ضرورة توظيف نظام التكافل الاجتماعي كمبدأ مهم من المبادئ الرئيسة التي دعا إليها الإسلام الحنيف ، وأرشد إليها في عدد من آيات القرآن الكريم ، وأكدت عليها سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الكثير من الأحاديث التي صحت عنه .

والذي يظهر جلياً للناظر في هذه النصوص المتضافرة يجد أن الأمر بالتعاون على البر في شتى صوره وأشكاله ، والحث على رعاية أصحاب الحاجات ، والفئات الضعيفة في المجتمع من الفقراء والمساكين واليتامى .. وغيرهم ، وبذل المعروف إليهم وإكرامهم ؛ لهو من أمور الإيمان ومن سمات الشخصية المسلمة ، ومن معالم المجتمعات المسلمة التي تطبق الإسلام عقيدة وشريعة وسلوكاً.

والمجتمع الذي تسود فيها نظم التكافل ؛ هو مجتمع تشيع فيه أجواء الألفة والمودة والتراحم .

اهداف الدراسة

1-تهدف الدراسة إلى تأصيل نظام التكافل الاجتماعي والذي يوظف حالياً في عمل الجمعيات الخيرية ، ومنظمات المجتمع المدني في ما تقوم به من رعاية وكفالة اليتامى ، وتقديم الإعانات الدورية للفقراء والمساكين والأرامل ، وفي حالات الكوارث والنوازل .

يقول الشيخ محمد عبده في تفسير قوله تعالى : أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين “. “وفيه حثٌّ للمصدِّقين بالدين على إغاثة الفقراء ولو بجمع المال من غيرهم، وهي طريقة الجمعيات الخيرية، فأصلها ثابت في الكتاب بهذه الآية “.

2- تؤكد الدراسة على أن القرآن والسنة في تقريرهما لنظام التكافل لم يغفلا مراعاة الجوانب المعنوية ( النفسية ) كما راعيا الجوانب المادية .

ويتضح ذلك في قوله تعالى : ” فأما اليتيم فلا تقهر ” ، وأما السائل فلا تنهر “- فعلى قول بعض المفسرين- يعني به ” رد المسكين برفق ولين ” .، وفي سورة الماعون ” ذم من يدع اليتيم”، أي: يقهره ، أو يظلمه ، أولا يحسن إليه ولو بكلمة طيبة.

3- توضح الدراسة أن نظام التكافل الاجتماعي مقرر في القرآن في السور المكية كما هو مقرر في السور المدنية كقوله في سورة الفجر المكية ” كلا بل لا تكرمون اليتيم ، ولا تحاضون على طعام المسكين ” ، وكما في سورة الماعون المكية ، وفي هذا رد على من زعم أن القرآن في سوره المكي لم يهتم بالجوانب الاجتماعية والحضارية والتشريعات المنظمة لحياة الناس ، وأنه اعتنى فقط بالأمور العقدية ، والبعث والجزاء ، وعقاب المكذبين …إلخ ، ولا شك أن هذا الزعم فيه قدح في القرآن ، وهو زعم كاذب ترده بوضوح آيات القرآن المكية عموماً ، وسورة الماعون موضع الدراسة.

منهج الدراسة

1- استخدمت الدراسة المنهج الاستقرائي والاستنباطي معاً ، وذلك باستقراء عام لنظرة القرآن للتكافل الاجتماعي، ثم بشيء من التفصيل لبعض النصوص من القرآن والسنة على سبيل التمثيل والتطبيق . ويجيء استخدام المنهج الاستنباطي في ثنايا الوقوف مع النصوص .

2-عرضت الدراسة لأهم صور ومجالات التكافل الاجتماعي ، ومدى قيمتها وتأثيرها في حياة الفرد المجتمع .

محتويات البحث

جاء البحث في مقدمة ، وأربعة مباحث ، وخاتمة .. أما المقدمة ، ففي بيان أهداف البحث ومنهجه ومحتوياته ، والمبحث الأول جاء في بيان : ” مفهوم التكافل الاجتماعي وأهميته ” ، والمبحث الثاني جاء في بيان ” حث القرآن والسنة على إقامة التكافل ” ، والمبحث الثالث جاء في الكلام على ” صور التكافل الاجتماعي في الإسلام ” ، والمبحث الرابع جاء في توضيح : ” أثر التكافل الاجتماعي على المجتمع ” . والخاتمة ، ففيها : خلاصة الدراسة وأهم التوصيات .

والله تعالى الموفق ، والهادي إلى الطريق المستقيم ، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

د. حسن عبد المعتمد بيومي

السعودية – طبرجل

الاثنين : 11/ شعبان 1443هـ

المبحث الأول : مفهوم التكافل الاجتماعي وأهميته

  • المطلب الأول : التعريف اللغوي للتكافل

التكافل مصدر الفعل تكافل وهو فعل خماسي لازم . يقال : تكافل يتكافل تكافلاً فهو متكافل وتكافل الرجلان: ضمن أحدهما الآخر، وتكافل القوم أي : ضمن بعضهم بعضاً. والكافل: العائل. وهذا التركيب دالٌّ على الضم والتضمُّن ([1]) .

يقول الفراهيدي : ( والكفيلُ : الضّامنُ للشّيء كَفَلَ به يَكْفُلُ به كَفالةً ، والكافِلُ : الذي يَكْفُلُ إنساناً يَعُوله ويُنْفِقُ عليه ) ([2]).

وفي القرآن الكريم عن السيدة مريم عليها السلام قول الله سبحانه :” وكفلها زكريا”([3]). أي : صار كافلاً لها وضامناً لمصالحها قائماً بتدبير أمورِها ([4]). وهذا المعنى هو قول قتادة بن دعامة فيما أخرجه الطبري عنه في التفسير قال: “وكفلها زكريا” ضمها إليه([5]). وقراءة الجمهور: ( وكَفَلها ) بتخفيف الفاء من كفَلها أي : تولَّى كفالتها. وقرأ حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف : ( وكَفّلها ) بتشديد الفاء أي : أنّ الله جعل زكريا كافلاً لها ([6]).

وأخرج البخاري في الصحيح عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبي قَالَ:” أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا” . وَقَالَ: بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى([7]).

وفي رواية مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَال رَسُولُ اللَّهِ :” كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ في الْجَنَّة “([8]).

و( كَافِل الْيَتِيم ) : هو الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ.

والضمير في قوله ( لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ) : راجع إلى الكافل.

“فَاَلَّذِي لَهُ” : أَنْ يَكُون قَرِيبًا لَهُ كَجَدِّهِ وَأُمّه وَجَدَّته وَأَخِيهِ وَأُخْته وَعَمّه وَخَاله وَعَمَّته وَخَالَته وَغَيْرهمْ مِنْ أَقَارِبه.” وَاَلَّذِي لِغَيْرِهِ”: أَنْ يَكُون أَجْنَبِيًّا ([9]).

وهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه ، أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة([10]).

  • المطلب الثاني : مادة ” كفل ” في القرآن الكريم

جاء في كتاب الوجوه والنظائر : أن كفل في القرآن الكريم على أربعة أوجه: ( الضِّعف – الوِزْر- الضمان – الرضاعة ) .

أما الأول : ويأتي بمعنى الضِّعف ، فمثل قوله تعالى في سورة الحديد ” يؤتكم كفلين من رحمته”([11]). يعني ضعفين من رحمته وثوابه .

والثاني : ويأتي بمعنى الوزر، فمثل قوله تعالى في سورة النساء” ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها “ ([12]). أي: وزر من السيئة .

والثالث : كفل أي : ضمن فمثل قوله تعالى في سورة آل عمران ” وكفلها زكريا “([13]). يعني ضمنها ، وقوله تعالى في سورة آل عمران ” أيهم يكفل مريم” ([14]). أي: يربيها .

والرابع : الكفالة بمعنى الرضاعة فكما في قوله تعالى في سورة القصص “هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم” ([15]). أي : يرضعونه([16]) .

و لا يخفى أن بين هذه الأوجه تداخل ، كما في الوجه الثاني: أن الكفل بمعنى الوزر كما في قوله تعالى :”ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها “([17]).

قال الزجاج: ( الكفل في اللغة النصيب، أخِذَ من قولهم أكفَلْتَ البعيرَ إِذا أدَرْتَ على سِنَامه أو على موضع من ظهره كساءً، وركبت عليه وإِنما قيل له كفْل، واكْتُفِلَ البَعِيرُ؛ لأنه لم يُسْتَعْمَل الظهْرَ كله، إِنما اسْتُعْمِل نَصيب من الظهر، ولم يستعمل كله ) ([18]).

وقال صاحب البصائر: ( إن الكِفْل هاهنا ليس بمعنى الأَوّل بل هو مستعار من الكِفل وهو الشيء الرديء ، واشتقاقه من الكَفَل؛ وهو أَن الكَفَل لمّا كان مَرْكبًا ينبو بِراكبِه صار متعارفاً في كل شدّة. ومعنى الآية ” مَن ينضمّ إِلى غيره معيناً له فى فَعْلَة حسنة يكن له منها نصيب، ومن ينضمّ إِلى غيره معيناً له في فَعلة سيّئة تناله منها شدّة ” ) ([19]).

والوجه الرابع : أن الكفالة بمعنى الرضاعة كما في قوله تعالى “يكفلونه ” أي: يرضعونه.

أقول : لا يلزم حصر الكفالة في الرضاعة فقط ، وإن كان هو الغرض الرئيسي في سياق قصة موسى عليه السلام كما هو المتبادر، وإنما الوجه أن يقال: المعنى هو التعهد بالحفظ والرعاية والرضاعة تدخل تبعاً بلا ريب.

قال ابن عاشور : ومعنى { يكفلونه} يتعهدون بحفظه، وإرضاعه. فيدل هذا على أن عادتهم في الإرضاع أن يسلم الطفل الرضيع إلى المرأة التي ترضعه يكون عندها كما كانت عادة العرب لأن النساء الحرائر لم يكن يرضين بترك بيوتهن والانتقال إلى بيوت آل الأطفال الرضعاء .

كما جاء في خبر إرضاع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند حليمة بنت وهب في حي بني سعد بن بكر([20]).

وقد اقتصر العلامة أبو عبد الرحمن اسماعيل الضرير في وجوه القرآن على وجهين أحدهما : النصيب ، والثاني : الضِّعف ([21]) .

ومن الاشتقاقات الواردة في القرآن الكريم ( كفيل ) مبالغة في كفل ومنه قوله تعالى:

” وقد جعلتم الله كفيلاً ” ([22]).

قال النسفي : ( أي : شاهداً ورقيباً لأن الكفيل مراع لحال المكفول به مهيمن عليه ) ([23]) .

  • المطلب الثالث: تعريف التكافل في الاصطلاح

يعرف التكافل الاجتماعي في الاصطلاح بـــــ : ” أن يتضامن أبناء المجتمع فيما بينهم على فعل المعروف ، بوازع داخلي ينبع من تعاليم الشرع الحنيف ليعيش الأفراد في كفالة المجتمع ، وينهض المجتمع بتضامن وتعاون أفراده “.

أو هو نظام : ” تضامن متبادل بين جميع أفراد المجتمع ، وبين الدولة في المنشط والمكره واليسر والعسر على تحقيق مصلحة أو دفع مضرة ” ([24]).

يقول الشيخ محمد أبو زهرة :

إن المقصود بــــــ التكافل الاجتماعي في معناه اللفظي ” أن يكون آحاد الشعب في كفالة جماعتهم وأن يكون كل قادر ، أو ذي سلطان كفيلاً في مجتمعه يمده بالخير وأن تكون كل القوى الإنسانية في المجتمع متلاقية في المحافظة على مصالح الآحاد ودفع الأضرار ثم في المحافظة على دفع الأضرار عن البناء الاجتماعي وإقامته على أسس سليمة ” ([25]).

والحاصل أن مصطلح التكافل الاجتماعي في الإسلام يهدف إلى إيجاد تعاون متبادل داخل المجتمع يغطي كل جوانب الحياة الاجتماعية .

  • المطلب الرابع : أهمية التكافل في المجتمع

ينشد الإسلام إقامة مجتمع فاضل تتعاون فيه أفراده وهيئاته ومؤسساته على فعل الخير، وما يؤدي إلى قوام المجتمع وصلاحه ، وترك الشر، وما يفضي إلى هزَّ كيان المجتمع وتصَدّعه!

و في القرآن الكريم نصوص كثيرة ترشد إلى تقرير مبدأ التكافل ومن ذلك قول الله تعالى:

( وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ([26]) .

وفيه توجيه الله المؤمنين أن يتواصوا على فعل كل خصال وأعمال البر والتقوى، ومن ثَمّ تحصل الألفة فيما بينهم ويسود الحب والإخاء في المجتمع، وأكد هذا بالنهي عن ضده وهو التواصي على ارتكاب المعاصي التي من شأنها أن توقع في الذنب الذي يفضي إلى غضب الله سبحانه وتعالى، وعلى العدوان الذي يغري الناس بعضهم ببعض، ويجعلهم أعداء متباغضين يتربص بعضهم الدوائر ببعض. وسيأتي تفصيل في المبحث الثاني والذي أفردته لعرض نماذج من النصوص في القرآن والسنة تؤصل لإقامة التكافل على مستوى الفرد والمجتمع .

وقد أشار الشيخ محمد أبو زهرة إلى أهمية التكافل وضرورته فقال : ( والتكافل الاجتماعي في مغزاه ومؤداه أن يحس كل واحد في المجتمع بأن عليه واجبات لهذا المجتمع يجب عليه أداؤها ، وأنه إن تقاصر في أدائها ، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار البناء عليه وعلى غيره ، وأن للفرد حقوقاً في هذا المجتمع يجب على القوامين عليه أن يعطوا كل ذي حق حقه من غير تقصير ولا إهمال ، وأن يُدْفَع الضرر عن الضعفاء ، ويسد خلل العاجزين، وأنه إن لم يكن ذلك تآكلت لَبِنَاتُ البناء ولا بد أن يخرج منهاراً بعد حين ) ([27]) .

المبحث الثاني : حث القرآن والسنة على إقامة التكافل والتعاون

  • المطلب الأول : من النصوص القرآنية في تقرير مبدأ التكافل

أولاً : يقول الله سبحانه وتعالى : لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ([28]) .

وهذه الآية الكريمة – كما يقول الأستاذ الإمام محمد عبده رحمه الله – هي في بيان أُصُولِ البِرِّ.. وهي جامعة لِكُلِّيَّاتِ الْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ وَالْأَعْمَال ([29]) . وفيها ما فيها من صرف للمسلمين أن يهتموا بالمقاصد ، ويعتنوا بإصلاح مجتمعهم ([30]) .

  • والبر في اللغة: التوسع في فعل الخير وإسداء المعروف إلى الناس([31]) .
  • وفي لسان الشرع : كل ما يتقرب به إلى الله من الإيمان به وصالح الأعمال وفاضل الأخلاق([32]).

والآية تقرر : أنه ليس توجيه الوجه إلى المشرق والمغرب لذاته نوعاً من أنواع البر ، ولكن البر هو الإيمان وما يتبعه من الأعمال باعتبار اتصاف البارّ بها وقيامه بعملها.

  • والجهات التي تصرف لها وجوه البر

كما جاء في الآية الكريمة في قوله تعالى : ( وَآتَى المالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبى وَاليَتامى وَالمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ) . والمعنى : وأعطى المال مع حبه له الأصناف الآتية من ذوى الحاجة، رحمة بهم وشفقة عليهم .

– وهذا بيان تفصيل الجهات والأصناف التي تقدم لها وتصرف فيها وجوه البر الخير والصلة . ” ذوو القربي المحتاجون”، وهم أحق الناس بالبر، إذ المركوز في الفطرة أن الإنسان يألم لفاقة ذوى رحمه وعدمهم أشد مما يألم لغيرهم، فهو يرى أن هوانه بهوانهم وعزه بعزهم، فمن قطع رحمه وامتنع عن مساعدتهم، وهم بائسون وهو في نعمة من الله وفضل، فقد بعد عن الدين والفطرة .

  1. ” اليتامى” ، لأن صغار الفقراء الذين لا والد لهم ولا كاسب، فى حاجة إلى معونة ذوى اليسار من المسلمين كيلا تسوء حالهم وتفسد تربيتهم، فيكونوا ضررا على أنفسهم وعلى الناس. 3
  2. ” المساكين” ، الذين أقعدهم العجز عن طلب ما يكفيهم ، فيجب على المسلمين أن يساعدوهم ويقدموا لهم المعونة، إذ هم أعضاء من جسم الأمة، ومن مصلحة أفرادها التعاون والتآزر حفظاً لكيانها، وإبقاءً على بنيانها من التداعي إلى الهدم والزوال.
  3. ” ابن السبيل “، وفي أمر الشارع بمواساته وإعانته في سفره ترغيب منه في السياحة والضرب في الأرض.
  4. ” السائلون “، الذين اضطروا إلى تكفف الناس، لشدة عوزهم.
  5. ” تحرير الرقاب وعتقها “، وفي جعل هذا نوعاً من البذل واجباً على المسلمين، دليل على رغبة الشارع في فكّ الرقاب وتحرير العبيد والإماء.

والبذل لهذه الأصناف لا يتقيد بزمن معين، ولا بامتلاك نصاب محدود من المال ولا بتقدير المال المبذول بمقدار معين كالزكاة الواجبة ، بل هو موكول إلى أريحيّة المعطى وحال المعطى ، وقد أغفل الناس أداء هذه الحقوق التي حث عليها القرآن الكريم، مع ما فيها من التكافل العامّ بين المسلمين، ولو أدوها لكانوا في معايشهم من خير الأمم .

ثم بعد ذلك تأتي الإشارة في الآية نفسها إلى الزكاة المفروضة فقال الله سبحانه :

” وأقام الصلاة وآتى الزكاة ” أي : أعطى الزكاة المفروضة ، وقلَّمَا تجئ الصلاة في القرآن الكريم إلا وهى مقترنة بالزكاة ذاك أن الصلاة تهذب الروح، والمال قرين الروح ، فبذله ركن عظيم من أعمال البر([33]) . يقول ابن عاشور: ( ثم ذكر الزكاة وهي حق المال لأجل الغنى ومصارفها مذكورة في آيتها ) ([34]) .

ثانيا ً : قول الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ([35]) . كما مر الوقوف عنده .

يقول الحافظ ابن كثير : ( يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم) ([36]).

  • المطلب الثاني : من الأحاديث النبوية في تقرير مبدأ التكافل

في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام أحاديث كثيرة ترسخ مفهوم التعاون والتكافل

والمقرر: أن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع ، وهي بيان للقرآن الكريم.

  1. قوله : ” الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بين أَصَابِعِهِ” ([37]) .

وفي الحديث بيان أن المعاونة في أمور الآخرة ، وكذا في الأمور المباحة من الدنيا أمر مندوب إليه ([38]) .

  1. قوله :” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ” ([39]) .
  2. قوله : “عَلَيْكُم بِالتَّوَاصُلِ، وَالتَّبَاذُلِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّقَاطُعَ، وَالتَّدَابُرَ، وَالتَّفُرَّقَ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” ([40]) .
  3. قوله :” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كان في حَاجَةِ أَخِيهِ كان الله في حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه كُرْبَةً من كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يوم الْقِيَامَةِ”([41]) .

وفي رواية ” والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه”([42]) .

وهذه الأحاديث صريحة – كما ترى – في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض ، وحثهم على التراحم والملاطفة ، والتعاضد في غير إثم ولا مكروه ([43]). كما هي على ما ذكر الشيخ محمد أبو زهرة تعبير جامع لمعنى التكافل الاجتماعي في الإسلام([44]).

قال ابن حجر في فوائد حديث ” المسلم أخو المسلم … إلخ “: ” وَفِي الْحَدِيثِ حَضّ عَلَى التَّعَاوُنِ وَحُسْن التَّعَاشُر وَالْأُلْفَة ([45]) .

المبحث الثالث : صور التكافل الاجتماعي في الإسلام

إن التكافل الاجتماعي في ظل الإسلام ليس كلاماً نظرياً ، وإنما هو نظام متكامل للإنفاق المرتبط بالدافع الإيماني – سواء كان فرضاً أو تطوعاً- ، وقد اعتبر الإسلام عدة وسائل مشروعة تحقق التكافل تعتمد في جملتها على الوازع ( الدافع ) الداخلي ( الإيماني ) ، ويكمله دور الدولة في تطبيق هذه الوسائل ، ووضع آليات التطبيق ، والمتابعة الدورية .

ومن هنا يتضح أن مسؤولية التكافل تقوم على ركنين :

الأول : مسؤولية المجتمع أفراداً ومجموعات .

الثاني: مسؤولية الدولة ( المؤسسات والهيئات المعنية )

ولا يمكن أن يؤتي التكافل ثماره المرجوه ، وينعم المجتمع بآثاره الوافرة إلا بإقامة هذا التعاون الكامل بين الدولة والمجتمع في ترسيخ مبادئه ، وتحقيق وسائله.

وليس الغرض عرض كل صور التكافل الاجتماعي ، وإنما سيشير البحث إلى عدد منها على سبيل التمثيل لتظهر رؤية الإسلام في تقرير وترسيخ قيم التكافل والتعاون في المجتمع .

  • المطلب الأول : النفقات العامة والصدقات التطوعية ( الإنفاق في سبيل الله )
  • المسألة الأولى تقرير مبدأ ” الإنفاق في سبيل الله في القرآن والسنة ”

لا توجد شريعة من شرائع الأمم ، حضت على الإنفاق في وجوه البر والخير ، مثل شريعة الإسلام وذلك في الآيات القرآنية المتعددة ، وكذا في الأحاديث النبوية الشريفة لأنها بيان للقرآن .

أولاً : ومن الآيات القرآنية في هذا الشأن: هذه الجملة من الآيات القرآنية المتوالية في سورة البقرة المدنية يقول الله تعالى :” مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ([46]).

الَّذِينَ ينفقونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ([47]).قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ([48]). يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين([49]). وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ([50]). أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ([51]).

يَاأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد” ([52]).

  • شرح الأستاذ الإمام محمد عبده رحمه الله للآيات

تناول في تقدمته لهذه الجملة من الآيات لعدد من صور وو وسائل التكافل الاجتماعي العامة التي لها أثر إيجابي على المجتمع ككل وقد نقل ذلك عنه تلميذه العلامة الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار .

يقول رحمه الله تعالى : ( إِنَّ أَمْرَ الْإِنفاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَشَقُّ الْأُمُورِ عَلَى النُّفُوسِ، لَا سِيَّمَا إِذَا اتَّسَعَتْ دَائِرَةُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا يُنْفَقُ فِيهِ ، وَبَعُدَتْ نِسْبَةُ مَن يُنفَقُ عَلَيْهِ عَنِ الْمُنِفقِ ; فَإِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الإِنفاق عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ إِلَّا أَفْرَادًا مِن أَهْلِ الشُّحِّ الْمُطَاعِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْإنفَاقِ لَا يُوصَفُ صَاحِبُهُ بِالسَّخَاءِ، وَمَن كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ السَّخَاءِ سَهُلَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ بِقَدْرِ هَذَا النَّصِيبِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى نَصِيبٍ فَإِنَّهُ يَرْتَاحُ إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَالْجِيرَانِ. فَإِن زَادَ أَنَفق عَلَى أَهْلِ بَلَدِهِ فَأُمَّتِهِ فَالنَّاسِ كُلِّهِم وَذَلِكَ مُنْتَهَى الْجُودِ وَالسَّخَاءِ. وَإِنَّمَا يَصْعُبُ عَلَى الْمَرْءِ الْإِنفَاقُ عَلَى مَنْفَعَةِ مَنْ يَبْعُدُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ فُطِرَ عَلَى أَلَّا يَعْمَلَ عَمَلًا لَا يَتَصَوَّرُ لِنَفْسِهِ فَائِدَةً مِنْهُ، وَأَكْثَرُ النُّفُوسِ جَاهِلَةٌ بِاتِّصَالِ مَنَافِعِهَا وَمَصَالِحِهَا بِالْبُعْدِ عَنْهَا فَلَا تَشْعُرُ بِأَنَّ الْإِنفَاقَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ الْهَامَّةِ كَإِزَالَةِ الْجَهْلِ بِنَشْرِ الْعِلْمِ وَمُسَاعَدَةِ الْعَجَزَةِ وَالضُّعَفَاءِ وَتَرْقِيَةِ الصِّنَاعَاتِ وَإِنشاء الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَالْمَلَاجِئِ وَخِدْمَةِ الدِّينِ الْمُهَذِّبِ لِلنُّفُوسِ هُوَ الَّذِي بِهِ الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ حَتَّى تَكُونَ كُلُّهَا سَعِيدَةً عَزِيزَةً فَعَلَّمَهُمُ اللهُ – تَعَالَى- أَنَّ مَا يُنْفِقُونَهُ فِي الْمَصَالِحِ يُضَاعَفُ لَهُمْ أَضْعَافًا كَثِيرَةً فَهُوَ مُفِيدٌ لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، وَحَثَّهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ لِيَكُونَ مُفِيدًا لَهُمْ فِي آخِرَتِهِمْ أَيْضًا ) ([53]).

ثانياُ : ومن النصوص القرآنية الداعية إلى الإنفاق قول الله تعالى:” لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تنفِقُوا مِن شَيءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ”([54]) . والمَقْصُودُ مِن الْآيَةِ أَمْرَانِ:

أَوَّلُهُمَا : التَّحْرِيضُ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَالتَّنْوِيهُ بِأَنَّهُ مِنَ الْبِرِّ.

وَثَانِيهِمَا : التَّنْوِيهُ بِالْبِرِّ الَّذِي الْإِنْفَاقُ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِهِ .

وَقَدْ جُعِلَ الْإِنفَاقُ مِن نَفْسِ الْمَالِ الْمُحَبِّ غَايَةً لِانْتِفَاءِ نَوَالِ البِرِّ، وَمُقْتَضَى الْغَايَةِ أَنَّ نَوَالَ الْبِرِّ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهَا، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ قَبْلَ الإنفَاقِ مَسَافَاتٍ مَعْنَوِيَّةً فِي الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْبِرِّ، وَتِلْكَ هِيَ خِصَالُ الْبِرِّ كُلّهَا بَقِيَتْ غَيْرَ مَسْلُوكَةٍ، وَأَنَّ الْبِرَّ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِنِهَايَتِهَا وَهُوَ الْإِنفَاقُ مِنَ المحبوب، فَظهر لــ (حتّى) هُنَا مَوْقِعٌ مِنَ الْبَلَاغَةِ لَا يَخْلُفُهَا فِيهِ غَيْرُهَا: لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ إِلَّا أَن تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، لَتَوَهَّمَ السَّامِعُ أَنَّ الْإِنفَاقَ مِنَ الْمُحَبِّ وَحْدَهُ يُوجِبُ نَوَالَ الْبِرَّ، وَفَاتَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَسَافَاتِ وَالدَّرَجَاتِ الَّتِي أَشْعَرَتْ بِهَا (حتّى) الغائية .وَالْمَالُ الْمَحْبُوبُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُتَصَدِّقِينَ، وَرَغَبَاتِهِمْ، وَسَعَةِ ثَرَوَاتِهِمْ، وَالْإِنْفَاقُ مِنْهُ أَيِ التَّصُدُّقُ دَلِيلٌ عَلَى سَخَاءٍ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي ذَلِكَ تَزْكِيَةٌ لِلنَّفْسِ مِنْ بَقِيَّةِ مَا فِيهَا مِنَ الشُّحِّ، قَالَ تَعَالَى: ” وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”([55]).

وَفِي ذَلِكَ صَلَاحٌ عَظِيمٌ لِلأُمَّةِ إِذْ تَجُودُ أَغْنِيَاؤُهَا عَلَى فُقَرَائِهَا بِمَا تَطْمَحُ إِلَيْهِ نُفُوسُهُمْ مِنْ نَفَائِسِ الْأَمْوَالِ فَتَشْتَدُّ بِذَلِكَ أَوَاصِرُ الْأُخُوَّةِ، وَيَهْنَأُ عَيْشُ الْجَمِيعِ([56])

ثالثاً : من الأحاديث النبوية التي تحض على الإنفاق في سبيل الله: ما يصلح أن يورد هنا في مقام التدليل والاستئناس على ما ذكر في تفسير الآية المتقدمة : ” لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تنفِقُوا مِن شَيءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم([57]) “. وهو ما روى الإمام مسلم في صحيحه عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِىٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالاً وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَى([58])، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ :

( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرَحَى وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

« بَخ([59]) ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ([60]) قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا وَإِنِّى أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِى الأَقْرَبِينَ ».

فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِى أَقَارِبِهِ وَبَنِى عَمِّهِ([61]). وروى الإمام مسلم في الصحيح عَن ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنفقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنفقُهُ عَلَى عِيَالِهِ ، وَدِينَارٌ يُنفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ يُنفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ »([62]).

وعن أَبِى سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِى سَفَرٍ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ ». قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِى فَضْلٍ([63]).

  • المسألة الثانية : المراد بــــــ مصرف ” وفي سبيل الله “

المختار القول بعموم المراد بـــــــــــ مصرف ” وفي سبيل الله ” ، فيدخل فيه جميع وجوه الخير من كل ما من شأنه أن يوصل إلى مرضاة الله ومثوبته . وهو اختيار غير واحد من المفسرين المعاصرين كالمشايخ محمد عبده ، ومحمد رشيد رضا ، ومحمد عزه دروزة ، وأحمد مصطفى المراغي .

يقول الأستاذ أحمد المراغي : ( والحق: أن المراد بسبيل الله مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد كتأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة للحجاج وإن لم يوجد مصرف آخر، وليس منها حج الأفراد لأنه واجب على المستطيع فحسب ) ([64]).

وهذا ما قرره الأستاذ الإمام محمد عبده في تفسيره غير مرة ، فقد نقل عنه الشيخ محمد رشيد رضا قوله: ” وفي سَبِيلِ اللهِ ” وَهِيَ : مَا يُوصِلُ إِلَى مَرْضَاتِهِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لَا سِيَّمَا مَا كَانَ نَفْعُهُ أَعَمَّ وَأَثَرُه أبقى كَالإنفاق فِي إِعْلَاءِ شَأْنِ الْحَقِّ وَتَرْبِيَةِ الْأُمَمِ عَلَى آدَابِ الدِّينِ وَفَضَائِلِهِ الَّتِي تَسُوقُهُمْ إِلَى سَعَادَةِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ “.

ثم عقَّب قائلاً : أَقُولُ: وَمَنْ أَرَادَ كَمَالَ الْبَيَانِ فِي ذَلِكَ فَلِيَعْتَبِرْ بِمَا يَرَاهُ فِي الْأُمَمِ الْعَزِيزَةِ الَّتِي يُنْفِقُ أَفْرَادُهَا مَا يُنْفِقُونَ فِي إِعْلَاءِ شَأْنِهَا بِنَشْرِ الْعُلُومِ وَتَأْلِيفِ الْجَمْعِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ وَالْخَيْرِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ، إِذْ يُرَى كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ أَدْنَى طَبَقَاتِهَا عَزِيزًا بِهَا مُحْتَرَمًا بِاحْتِرَامِهَا مَكْفُولًا بِعِنَايَتِهَا كَأَنَّ أُمَّتَهُ وَدَوْلَتَهُ مُتَمَثِّلَتَانِ فِي شَخْصِهِ، وَلِيُقَابِلَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَفْرَادِ وَبَيْنَ كُبَرَاءِ الْأُمَمِ الَّتِي ضَعُفَتْ وَذَلَّتْ بِإِهْمَالِ الْإِنْفَاقِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَإِعْلَاءِ شَأْنِ الْمِلَّةِ كَيْفَ يَرَاهُمْ أَحْقَرَ فِي الْوُجُودِ مِنْ صَعَالِيكِ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ لِيَرْجِعْ إِلَى نَفْسِهِ وَلِيَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ يَصِحُّ أَنْ تُعْتَبَرَ هِيَ الْمُسْعِدَةُ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَجْمُوعَ النَّفَقَاتِ الَّتِي بِهَا تَقُومُ الْمَصَالِحُ تَتَكَوَّنُ مِمَّا يَبْذُلُهُ الْأَفْرَادُ، فَلَوْلَا الْجُزْئِيَّاتُ لَمْ تُوجَدِ الْكُلِّيَّاتُ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّ النَّاسَ يَقْتَدِي بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بِمُقْتَضَى الْجِبِلَّةِ وَالْفِطْرَةِ ; فَكُلُّ مَنْ بَذَلَ شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللهِ كَانَ إِمَامًا وَقُدْوَةً لِمَنْ يَبْذُلُ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا الِاقْتِدَاءَ بِهِ، لِأَنَّ النَّاسَ يَتَأَثَّرُ بَعْضُهُمْ بِفِعْلِ بَعْضٍ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ. وَالْفَضْلُ الْأَكْبَرُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ لِمَنْ يَبْدَأُ بِالْإِنْفَاقِ فِي عَمَلٍ نَافِعٍ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ. أُولَئِكَ وَاضِعُو سُنَنِ الْخَيْرِ وَالْفَائِزُونَ بِأَكْبَرِ الْمُضَاعَفَةِ لِأَنَّ لَهُمْ أُجُورَهُمْ وَمِثْلَ أُجُورِ مَنِ اقْتَدَى بِسُنَّتِهِمْ ([65]) .

فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

« مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ »([66]).

وبعد … ، فالنفقات العامة والصدقات التطوعية من الوسائل التي اعتنى الشرع الحنيف بالدعوة إليها والحث عليها وهي الصدقة العامة ( المطلقة ) . وصدقة التطوع مستحبة في أي صورة نقدية أو عينية وهي بخلاف الزكاة المفروضة المقدرة شرعاً ، وسيأتي الحديث عنها بعد .

وتقدم أن من بين مصارف الزكاة – المفروضة- الثمانية التي تحدثت عنها آية سورة التوبة ([67]) .

مصرف ( وفي سبيل الله ) وإن اشتهر عن كثير من المفسرين القول بأن المعني به الجهاد([68]) إلا أننا نختار القول بالعموم([69]) .وأيضاً من بين الفروق بين الزكاة الواجبة وصدقة التطوع أن الزكاة الواجبة لا نصيب فيها لأبناء الشخص ، وآبائه ، أما صدقة التطوع فأولى الناس بها هم أقرب الناس للمتصدق . وفي هذا دلالة على أن وسائل التكافل في النظام الإسلامي يكمل بعضها بعضاً([70]) .

المطلب الثاني : الزكاة المفروضة ذات الأنصبة المقدرة شرعاً .

والزكاة في اللغة معناها : التطهير والنماء قال تعالى : { قد أفلح من زكاها } ([71]) . أي : طهرها من الأدناس([72]) .

قال ابن قتيبة الدينوري: ( الزكاة: من الزكاء – بالمد – وهو النماء والزيادة سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه . يقال : زكا الزرع إذا كثر ريعه ، وزكت النفقة إذا بورك فيها) ([73]) .

وشرعاً: تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط مخصوصة .

وهذا معناه : أن الذين يملكون نصاب الزكاة يفترض عليه أن يعطوا الفقراء ومن على شاكلتهم من مستحقي الزكاة قدراً معيناً من أموالهم بطريق التمليك.

والحنابلة يعرفون الزكاة : بأنها حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص وهو بمعنى التعريف الأول إلا أن التعريف الأول قد صرح بضرورة تمليك المستحق وإعطائه القدر المفروض من الزكاة فعلاً إذ لا يلزم من الوجوب التمليك بالفعل([74]) .

والزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة ، وفرض من فروضه، وقرنت بالصلاة في القرآن الكريم في مواضع كثيرة ، مما يدل على كمال الاتصال بينهما. وهي ثابتة بالقرآن ، وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة.

أما القرآن فمن ذلك قول الله تعالى: { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ([75]).

وقوله سبحانه وتعالى في الآية الثالثة بعد المائة من سورة التوبة: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} . وهي مدنية بلا خلاف ، والمراد بالصدقة الزكاة المفروضة والأمر للعموم.

– كما قال ابن كثير- ، وان قيل إن الضمير في ( أموالهم ) يرجع إلى الذين اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئا([76]) .

وقد سبق في السورة نفسها تحديد مصارف الزكاة في الآية الستين : ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ “

والمراد بالصدقات في الآية : الزكاة المفروضة عند كثير من العلماء ، وجعله شيخ شيوخنا محمد سيد طنطاوي عاماً قال : ” إن المراد بالصدقات هنا ما يتناول الزكاة المفروضة وغيرها من الصدقات المندوبة ، وذلك لأن اللفظ عام فيشمل كل صدقة سواء أكانت واجبة أم مندوبة ، ولأن لفظ الصدقة فى عرف الشرع وفى صدر الإِسلام ، كان يشمل الزكاة المفروضة ، والصدقة المندوبة ” .

ثم قال رحمه الله : ” ومن العلماء من يرى أن المراد بالصدقات فى الآية : الزكاة المفروضة ، لأن ( أل ) فى الصدقات للعهد الذكرى والمعهود هو الصدقات الواجبة التى أشار إليها القرآن . بقوله قبيل هذه الآية . { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات([77]) } ولأن الصدقات المندوبة يجوز صرفها فى غير الأصناف الثمانية كبناء المساجد والمدارس . ويبدو لنا أن لفظ الصدقات فى الآية عام بحيث يتناول كل صدقة ، إلا أن الزكاة المفروضة تدخل فيه دخولا أولياً ([78]).

وقوله سبحانه تعالى: { وآتوا حقه يوم حصاده }([79]) . وهو خطاب للمؤمنين والأمر للوجوب بقرينة تسمية المأمور به حقّاً.

وقد أُجمل الحقّ اعتماداً على ما يعرفونه ، وهو : حقّ الفقير ، والقربى ، والضّعفاء ، والجيرة . فقد كان العرب ، إذا جَذّوا ثمارهم ، أعطوا منها من يحضر من المساكين والقرابة .

فلمّا جاء الإسلام أوجب على المسلمين هذا الحقّ وسمَّاه حقاً كما في قوله تعالى : { والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم } ([80]). ، وسمّاه الله زكاة في آيات كثيرة ولكنّه أجمل مقداره وأجمل الأنواعَ الّتي فيها الحقّ ووكلهم في ذلك إلى حرصهم على الخير ، وكان هذا قبل شرع نصبها ومقاديرها . ثمّ شرعت الزّكاة وبيّنت السنّة نصبها ومقاديرها . والحِصاد بكسر الحاء وبفتحها قطع الثّمر والحبّ من أصوله . وقرأه نافع ، وابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وخلف بكسر الحاء . وقرأ أبُو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ويعقوب بفتح الحاء([81]) . وأما السنة : فكقوله صلّى الله عليه وسلم في الحديث المروي عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسَةٍ عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ ([82]) ».

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – بَعَثَ مُعَاذًا – رضى الله عنه – إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ « ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِى أَمْوَالِهِمْ ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ » .

والحديث خرجه البخاري وغيره في كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة ([83]) ، وفيه تسمية الزكاة صدقة .

  • أصل وجوب الزكاة كان في مكة

مال الشيخ ابن عاشور رحمه الله إلى أن فرض الزّكاة كان في ابتداء الإسلام مع فرض الصّلاة ، أو بعده بقليل ، لأنّ افتراضها ضروري لإقامة أود الفقراء من المسلمين وهم كثيرون في صدر الإسلام ، لأنّ الّذين أسلموا قد نبذهم أهلوهم ومواليهم ، وجحدوا حقوقهم ، واستباحوا أموالهم ، فكان من الضّروري أن يسدّ أهل الجدة والقوّة من المسلمين خلَّتهم .

وقد جاء ذكر الزّكاة في آيات كثيرة ممّا نزل بمكّة مثل سورة المزمّل .. وهي من أوائل سور القرآن ، فالزّكاة قرينة الصّلاة . وقول بعض المفسّرين : الزّكاة فرضت بالمدينة ، محمول على أن أمر ضبط الزكاة ببيان الأنواع المزكاة ومقدار النُّصب والمُخْرَج منه كان بالمدينة ، وعليه فلا ينافي ذلك أن يكون أصل وجوبها في مكّة – على وجه الإجمال- ([84]).

المطلب الثالث : زكاة الفطر من رمضان

ومن الوسائل المهمة التي اعتنى بها الإسلام وصرحت بها السنة النبوية وجوب تأدية صدقة الفطر من رمضان وهي بلا ريب تساهم بقدر كبير في تحقيق التكافل في المجتمع وخاصة أنها مرتبطة بمناسبة إكمال عدة صيام رمضان وفرحة المسلمين بقدوم يوم عيد الفطر أول أيام شهر شوال .

وَأُضِيفَتْ الصَّدَقَةُ لِلْفِطْرِ لِكَوْنِهَا تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَان ، وتسمى زكاة الفطر ، وزكاة رمضان ، وزكاة الصوم ، وهي ثابتة بصريح السنة كما روى البخاري في الصحيح من حديث ابن عمر رضى الله عنهما قَال: ” فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ “

وفي رواية عن ابن عمر قَالَ: ” فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ ” .

وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري : ” قال مالك هي داخلة في جملة قوله تعالى :

{ وآتوا الزكاة } ” أي : في عموم الأمر بإيتاء الزكاة ، وقد بين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَاصِيلَ ذَلِكَ وَمِنْ جُمْلَتها زَكَاةُ الْفِطْر . وقيل : إن قوله تعالى :” قد أفلح من تزكي ” نزل في زكاة الفطر فقد خرج ابن خزيمة في صحيحه من حديث عَبْد اللَّهِ بْن نَافِعٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} فَقَالَ أُنْزِلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ .

واخرج الطبري من حديث أبي خَلْدة –خالد بن دينار البصري- قال: دخلت على أبي العالية، فقال لي: إذا غَدَوت غدًا إلى العيد فمرّ بي، قال: فمررت به، فقال: هل طَعِمت شيئا؟ قلت: نعم، قال: أَفَضْت على نفسك من الماء؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني ما فعلت بزكاتك؟ قلت: قد وجَّهتها، قال: إنما أردتك لهذا، ثم قرأ: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) وقال: إن أهل المدينة لا يَرَونَ صدقة أفضل منها ومن سِقَاية الماء.

وقال ابن كثير : ” رُوّينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر، ويتلو هذه الآية { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } ” .

ولا يلزم منه أن يكون هذا سبب نزول الآية وإن كان داخلاً في معنى الآية .

والأحاديث في الباب تدل على وجوب صدقة الفطر لقوله : ” فرض رسول الله ” فإنه بمعنى ألزم وأوجب . قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري : ” وذهب جماعة الفقهاء إلى أن صدقة الفطر فريضة فرضها رسول الله، وقال مالك: هي داخلة في جملة قوله تعالى: { وآتوا الزكاة } .

واختلف أصحابه في وجوبها، فقال بعضهم: هي فريضة، وقال بعضهم: هي سنة مؤكدة .

وقال أبو حنيفة: هي واجبة، وليست بفريضة، وكل فرض عنده واجب، وليس كل واجب فرضًا، بل الفرض آكد من الواجب. والصّاع والصّواع – بالكسر وبالضّمّ – لغةً : مكيال يكال به ، وهو أربعة أمداد . وقال الدّاوديّ : معياره لا يختلف أربع حفنات بكفّي الرّجل الّذي ليس بعظيم الكفّين ولا صغيرها . وقيل : هو إناء يشرب فيه .ولا يخرج اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .

مقدار الصاع بالمقاييس المعاصرة

ذكر شيخنا علي جمعة مفتي الديار المصرية : أن الصاع عند الحنفية يقدر ( 3,250 )

3 كيلو وربع من الجرامات ، وعند الجمهور ( 2,040 ) 2 كيلو وأربعين من الجرامات .

وفي بيان حكمتها وكونها طعمة للمساكين أخرج أبوداود من حديث عِكْرِمَة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فهي زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِىَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ.

وبعد … فسبحان الله الذي أعطى فجعل عطاءه سبباً في تراحم البشرية وترابطها وتآلفها وانعطاف بعضها على بعض، كما جعله سبباً في الأجر والثواب ونعيم الآخرة.

المطلب الرابع : القرض الحسن

والمراد به : دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله . وهو أمر مشروع دل عليه قوله تعالى: { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } ووجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه وتعالى شبه الأعمال الصالحة والإنفاق في سبيل الله بالمال المقرض، وشبَّه الجزاء المضاعف على ذلك ببذل القرض، وسمى أعمال البر قرضًا؛ لأن المحسن بذلها ليأخذ عوضها فأشبه من أقرض شيئًا ليأخذ عوضه ([85]) . وهو من باب الإرفاق وفيه أجر عظيم لمن بذله .

المطلب الخامس : الوقف . وهو حبس الأصل وتسبيل المنفعة ( الثمرة ) .

يقال : سبّلتُ الثّمرة : حملتها في سبيل الخير وأنواع البرّ. وفي حديث وقْفِ عمر رضي الله عنه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إن شئتَ حبستَ أصلها وتصدّقت بها » أي : اجعلها وقفاً وأَبِحْ ثمرتها لمن وقفتها عليه. وسياق الحديث كما في صحيح البخاري من حديث نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ ، فَأَتَى النَّبِي – صلى الله عليه وسلم – يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ قَالَ « إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا ، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا » . قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِى الْفُقَرَاءِ وَفِى الْقُرْبَى ، وَفِى الرِّقَابِ ، وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ ، وَالضَّيْفِ ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ . قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً([86]) .

وقوله ( غير متمول فيه ) أي : غير مدخر للمال ، وقوله ( غير متأثل ) أي : غير جامع .

وتسبيل المنفعة القصد منه : إطلاق فوائد العين الموقوفة من غلّة وثمرة وغيرها للجهة المعيّنة تقرّباً إلى اللّه تعالى ([87]) .

المطلب السادس : الأضحية

( الأضحيّة بتشديد الياء وبضمّ الهمزة أو كسرها ، وجمعها الأضاحيّ بتشديد الياء أيضاً . ويقال لها: الضّحيّة بفتح الضّاد وتشديد الياء ، وجمعها الضّحايا .

ويقال لها أيضاً : الأضحاة بفتح الهمزة وجمعها الأضحى ، وهو على التّحقيق اسم جنسٍ جمعيٍّ ، وبها سمّي يوم الأضحى ، أي اليوم الّذي يضحّي فيه النّاس . ومعناها في الشرع : ما يذكّى تقرّباً إلى اللّه تعالى في أيّام النّحر بشرائط مخصوصةٍ ) ([88]). وبيان ذلك مفصلاً ليس هنا محله.

والذي نود أن نشير إليها هو ما أشارت إليه سورة الحج : قوله تعالى : ” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ” ([89]) .

وقوله تعالى : ” وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ” ([90]) .

وفي الحديث عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لاَ تَأْكُلُوا لُحُومَ الأَضَاحِىِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ ». وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ لَهُمْ عِيَالاً وَحَشَمًا وَخَدَمًا فَقَالَ « كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَاحْبِسُوا أَوِ ادَّخِرُوا » ([91]) .

وعَن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِى بَيْتِهِ مِنْهُ شَىْءٌ » . فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِى قَالَ « كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا » ([92]) . وقد ذهب الفقهاء إلى أنّه من مسنونات الأضحيّة أن يأكل المضحّي من لحم أضحيّته ويطعم ويدّخر , والأفضل أن يتصدّق بالثلث ويتّخذ الثلث ضيافةً لأقاربه وأصدقائه ويدّخر الثلث ([93]) . وللأضحية فضل عظيم لما فيها من التوسعة، ونفع الفقراء وسد حاجاتهم.

المطلب السابع : الهدي

وهو ما يذكّى من الأنعام في الحرم في أيّام النّحر لتمتّعٍ أو قرانٍ ، أو ترك واجبٍ من واجبات النّسك ، أو فعل محظورٍ من محظورات النّسك ، حجّاً كان أو عمرةً ، أو لمحض التّقرّب إلى اللّه تعالى تطوّعاً. ويشترك الهدي مع الأضحيّة في أنّ كلاًّ منهما ذبيحةٌ ، ومن الأنعام ، وتذبح في أيّام النّحر ، ويقصد بها التّقرّب إلى اللّه تعالى. ويفترق الهدي ذو السّبب عن الأضحيّة افتراقاً ظاهراً ، فإنّ الأضحيّة لا تقع عن تمتّعٍ ولا قرانٍ ، ولا تكون كفّارةً لفعلٍ محظورٍ أو ترك واجبٍ.

وأمّا الهدي الّذي قصد به التّقرّب المحض فإنّه يشتبه بالأضحيّة اشتباهاً عظيماً ، لا سيّما أضحيّة المقيمين بمنى من أهلها ومن الحجّاج ، فإنّها ذبيحةٌ من الأنعام ذبحت في الحرم في أيّام النّحر تقرّباً إلى اللّه تعالى وكلّ هذه الصّفات صفاتٌ للهدي فلا يفرّق بينهما إلاّ بالنّيّة ، فما نوي به الهدي كان هدياً ، وما نوي به التّضحية كان أضحيّةً ([94]) . .

وإلى غير ذلك من الصور والوسائل مثل العقيقة عَنِ الْمَوْلُودِ تُذْبَحُ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشُّكْرِ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى إِنْعَامِهِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ بِالْمَوْلُودِ، وَعَلَى الْمَوْلُودِ بِنِعْمَةِ الْحَيَاةِ، وَلَيْسَ لَهَا مِنَ الْعَامِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، فَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِوِلاَدَةِ الْمَوْلُودِ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنَ الْعَامِ .

  • وأهم آثار صور التكافل المتقدمة وغيرها المقررة في الإسلام
  1. أنها من وسائل إعادة توزيع الدخل ، والثروة في المجتمع ، فتؤدي إلى مواساة الفقراء.
  2. أنها من وسائل تحسين أوضاع الفئات الفقيرة في المجتمع .
  3. كونها تعمل على تحسين المستوى المعيشي ، والصحي ، والتعليمي لأصحاب الحاجات.
  4. كونها تؤهل الفئات الفقيرة ليصبحوا قوة عمل مشاركة في عملية البناء والتنمية
  5. كونها تسهم في توفير موارد تموّل التكافل في المجتمع([95]) .

المبحث الرابع : أثر التكافل الاجتماعي على المجتمع

من خلال الدراسة يتبين لنا بوضوح ما للتكافل الاجتماعي من قيمة وتأثير على الفرد والمجتمع مادياً ومعنوياً ، وهاهنا نوجر بعضاً منها ، وقد مرّ ذكر طرف منها قبل في تعليقنا على صور التكافل الاجتماعي . فتأمل

  1. تحقيق الألفة بين أفراد المجتمع

يقول العلامة الماوردي: ( والبر مِنْ أَسْبَابِ الْأُلْفَةِ لأنهُ يُوصِلُ إلَى الْقُلُوبِ أَلْطَافًا، وَيُثْنِيهَا مَحَبَّةً وَانْعِطَافًا ، وَلِذَلِكَ نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى التَّعَاوُنِ بِهِ وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى لَهُ فَقَالَ: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} لِأَنَّ فِي التَّقْوَى رِضَى اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْبِرِّ رِضَى النَّاسِ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَى النَّاسِ فَقَدْ تَمَّتْ سَعَادَتُهُ وَعَمَّتْ نِعْمَتُهُ )([96]).

  1. تلاحم المجتمع وترابطه

ومن آثار قيمة التكافل : تحقيق وحدة المجتمع وترابطه وجعله كياناً واحداً يسوده روح التكافل والتضامن والتوادد والتحابب والإخاء والتناصر. يقول ابن عاشور: وفائدة التعاون : تيسير العمل وتوفير المصالح ، وإظهار الاتّحاد والتناصر حتّى يصبح ذلك خلقاً للأمّة ([97]) .

  1. الشعور بالمسؤولية المجتمعية

ومن فوائد التكافل وآثاره جعل الفرد يشعر أنه جزء من نسيج متماسك ، فيمنعه من طغيان النزعة الفردية المفرطة ، ويحميه من الإحساس بالخوف من ظروف طارئة – كما ألمح إلى ذلك الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله- . قال : وهكذا يعيش أفراد المجتمع داخل هذا الكيان في شعور دائم بالضمان والأمان المادي ، وينمو داخلهم الشعور بالانتماء لذلك المجتمع([98]).

  1. توزيع أفضل للدخل ، والثروة داخل المجتمع

وبالتكافل يحصل الأفراد على توزيع أفضل للدخل والثروة داخل المجتمع – إذا ما أحسنَّا تطبيق هذا المفهوم ، واستطعنا توظيفه بصورة لائقة – إلى غير ذلك من الآثار الإيجابية للتكافل([99]) .

وقد أشار الشيخ محمد أبو زهرة إلى هذه القيم المثلى التي يحققها نظام التكافل في الكيانات المجتمعية

فقال رحمه الله : ” والتكافل الاجتماعي يوجب سد حاجة المحتاجين ممن لا يستطيعون القيام بعمل، و يسد – أي التكافل- عجز العاجزين ، ويهيئ العمل للقادرين ، ويربي النشء تربية تظهر القوى والمواهب ، فالذين يخرجون إلى الحياة ، وقد فقدوا الآباء الذين يعولونهم ويرعونهم ، فإن التكافل يوجب تعهدهم ليكونوا لبنات قوية في بناء المجتمع ، وإن الذين يعجزون بعد القدرة من العاملين ؛ على المجتمع أن يسهل لهم الحياة وفاء ما قدموا من خدمات ، ويوجب العمل على سلامة كل قوى الآحاد لتسير في قافلة المجتمع العاملة ” ([100]).

خاتمة البحث

وبعد ،،،، فقد خلص البحث إلى ضرورة توظيف نظام التكافل الاجتماعي ، كمبدأ مهم من المبادئ الرئيسة التي دعا إليها القرآن ، وأرشد إليها- في عدد من آياته- وهو الذي يظهر جلياً للناظر في القرآن من الأمر بالتعاون على البر في شتى صوره وأشكاله ، والحث على رعاية أصحاب الحاجات

والفئات الضعيفة في المجتمع من الفقراء والمساكين واليتامى .. وغيرهم ، وبذل المعروف إليهم وإكرامهم

مما من شأنه أن يبعث على إشاعة جوّ من الألفة والمودة والتراحم داخل المجتمع ، وقد ذم القرآن من يتغافل عن الحض على إطعام المسكين وهو في مقدوره فقال : “ولا يحض على طعام المسكين “

وقال : “ولا تحآضون على طعام المسكين” ، فإذا كان من لا يحض – أي : لا يحث ولا يدعو

على إطعام المسكين مذموماً فكيف بمن لا يحض ؟ . نسأل الله الهداية والتوفيق .

التوصيات

  1. توصي الدراسة بضرورة استثمار أموال الأوقاف للإنفاق منها على سائر وجوه البر والخير
  2. توصي الدراسة بتشجيع الهيئات العامة والخاصة على دعم مجالات التكافل الاجتماعي
  3. توصي الدراسة بعمل مشروعات تنموية لتوسيع دائرة الإنفاق على معدومي ومحدودي الأجور

فهرس المصادر والمراجع

  1. أدب الدنيا والدين ، الماوردي
  2. إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم ، الدامغاني
  3. البحر المحيط ، أبو حيان الأندلسي
  4. التحرير والتنوير، ابن عاشور
  5. التفسير الوسيط ، محمد سيد طنطاوي
  6. التكافل الاجتماعي في الإسلام ، أبو زهرة
  7. التوقيف على مهمات التعريف ، المناوي
  8. الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، السمين الحلبي
  9. الفقه على المذاهب الأربعة ، عبد الرحمن الجزيري
  10. المعجم الكبير ، الطبراني
  11. المغرب في ترتيب المعرب ، أبو الفتح ناصر الدين المطرزي
  12. الملخص الفقهي ، صالح الفوزان
  13. المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي
  14. الموسوعة الفقهية الكويتية ، وزارة الأوقاف بالكويت
  15. النظام الاقتصادي في الإسلام ، مجموعة من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
  16. النهاية في غريب الحديث والأثر ، ابن الأثير
  17. تفسير أبو السعود ، العمادي أبو السعود
  18. تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير
  19. تفسير القرطبي ، أبو عبد الله القرطبي
  20. تفسير المراغي ، أحمد مصطفى المراغي
  21. تفسير المنار ، السيد محمد رشيد رضا
  22. تفسير جزء عم ، محمد عبده
  23. جامع البيان في تأويل آي القرآن ، الطبري
  24. زاد المسير ، ابن الجوزي
  25. سنن ابن ماجة ، ابن ماجه القزويني
  26. سنن الترمذي ، الترمذي
  27. صحيح البخاري ، محمد بن إسماعيل البخاري
  28. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج
  29. فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، ابن حجر العسقلاني
  30. مجمع الزوائد ، الهيثمي
  31. مدارك التنزيل وحقائق التأويل ، النسفي
  32. معالم التنزيل ، البغوي
  33. معاني القرآن ، الزجاج
  34. معجم مقاييس اللغة ، ابن فارس
  35. مفردات غريب القرآن ، الراغب الأصفهاني

الهوامش:

  1. () المغرب في ترتيب المعرب ، أبو الفتح ناصر الدين المطرزي ، 2/ 272.
  2. () العين 5/ 373
  3. () آل عمران / 37
  4. () تفسير أبو السعود 2/30
  5. () جامع البيان في تأويل آي القرآن 6/ 350
  6. () التحرير والتنوير، ابن عاشور 3/235، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، السمين الحلبي 1/141: 142، البحر المحيط ، أبو حيان 3/121
  7. () 5 / 2237
  8. () صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 4/ 2287
  9. () المنهاج شرح صحيح مسلم ، النووي 18/ 113، النهاية في غريب الحديث والأثر ، ابن الأثير 4/ 342
  10. () المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، النووي 18/ 113
  11. () الآية : 28
  12. () الآية : 85
  13. () الآية : 37
  14. () الآية : 44
  15. () الآية : 12
  16. () إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم 406: 407
  17. () النساء : 85
  18. () معاني القرآن 2/85
  19. () 4/ 367 باختصار
  20. () التحرير والتنوير 20/84
  21. () 495
  22. ()النحل : 91
  23. ()مدارك التنزيل وحقائق التأويل 2/ 230
  24. ()النظام الاقتصادي في الإسلام. مجموعة من أعضاء هيئة التدريس- جامعة الملك سعود – 149: 150
  25. ()التكافل الاجتماعي في الإسلام. ص : 7
  26. () 2/230
  27. () التكافل الاجتماعي في الإسلام . ص 7
  28. () البقرة . الآية : 177
  29. () ينظر تفسير المنار، السيد محمد رشيد رضا ، 1/91
  30. () ينظر تفسير التحرير والتنوير ، ابن عاشور ، 2/42
  31. ()ينظر التوقيف على مهمات التعريف ، المناوي ، 122 ، مفردات غريب القرآن ، الراغب الأصفهاني ، 1/76
  32. () ينظر تفسير المراغي ، أحمد مصطفى المراغي 2/53 ، التفسير الوسيط ، محمد سيد طنطاوي ، 1/ 359
  33. ()تفسير المراغي ، أحمد مصطفى المراغي 2/56: 58 باختصار ، التحرير والتنوير 2/130: 131
  34. ()التحرير والتنوير 2/131
  35. ()2/230
  36. ()تفسير القرآن العظيم 2 /7
  37. () صحيح البخاري ، كتاب الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضاً 5 /2242 ، حديث 5680
  38. () فتح الباري ، لابن حجر 10/ 450 نقلاً عن العلامة ابن بطال
  39. () رواه الإمام مسلم في الصحيح من حديث النعمان بن بشير ، 4/ 1999
  40. () أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 1/102، وأورده الهيثمي في المجمع 9/ 143وقال: رواه الطبراني وهو مرسل وإسناده حسن.
  41. () صحيح البخاري . كتاب المظالم . باب ” لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يسلمه ” 2/862 حديث 2310
  42. () صحيح مسلم. كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار. باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر4 / 2074 حديث 2699
  43. () ينظر تعليق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم 4/1999
  44. () التكافل الاجتماعي في الإسلام ، ص : 6
  45. () فتح الباري 5/97
  46. () أي : ومثل المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله – يبتغون رضا الله وحسن مثوبته- كمثل حبة زُرِعتْ في أرض طيبة، فإذا بها قد أخرجت ساقًا تشعب منها سبع شعب، لكل واحدة سنبلة، في كل سنبلة مائة حبة ، والله يضاعف الأجر لمن يشاء.
  47. () أي: إن الذين يبذلون أموالهم يبتغون بذلك مرضاة ربهم، ولا يتبعون ذلك بمنّهم على من أحسنوا إليهم ولا بإيذائهم، لهم عند ربهم ثواب لا يقدر قدره، ولا خوف عليهم حين يخاف الناس وتفزعهم الأهوال، ولا هم يحزنون حين يحزن الباخلون الممسكون عن الإنفاق في سبيل الله، إذ هم أهل السكينة والاطمئنان والسرور الدائم .-

    والحكمة في تعليق هذا الثواب على ترك المنّ والأذى، أن الإنفاق في سبيل الله يراد به وجه الله وطلب رضاه، فلا وجه لمنّ المنفق على من أنفق عليه لأنه لا يد له قبله، ولا صنيعة له عنده، تستحق .. فعلى الله مثوبته دون من أنفق عليه.

  48. () أي : كلام حسن وردّ جميل على السائل، وستر لما وقع منه من الإلحاف في السؤال وغيره أنفع لكم وأكثر فائدة من صدقة فيها الأذى، لأنه وإن خيّب رجاءه فقد أفرح قلبه وهوّن عليه ذل السؤال.
  49. () يا من آمنتم بالله واليوم الآخر لا تُذْهِبُوا ثواب ما تتصدقون به بالمنِّ والأذى، فهذا شبيه بالذي يخرج ماله ليراه الناس، فيُثنوا عليه، وهو لا يؤمن بالله ولا يوقن باليوم الآخر، فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب، فتركه أملس لا شيء عليه، فكذلك هؤلاء المراؤون تضمحلُّ أعمالهم عند الله، ولا يجدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه. والله لا يوفق الكافرين لإصابة الحق في نفقاتهم وغيرها.
  50. () أي: ومثل الذين ينفقون أموالهم طلبًا لرضا الله واعتقادًا راسخًا بصدق وعده، كمثل بستان عظيم بأرض عالية طيبة هطلت عليه أمطار غزيرة ، فتضاعفت ثمراته، وإن لم تسقط عليه الأمطار الغزيرة فيكفيه رذاذ المطر ليعطي الثمرة المضاعفة، وكذلك نفقات المخلصين تُقبل عند الله وتُضاعف، قلَّت أم كثُرت، فالله المُطَّلِع على السرائر، البصير بالظواهر والبواطن، يثيب كلاً بحسب إخلاصه.
  51. () أي : أيرغب الواحد منكم أن يكون له بستان فيه النخيل والأعناب، تجري من تحت أشجارِه المياه العذبة، وله فيه من كل ألوان الثمرات، وقد بلغ الكِبَر، ولا يستطيع أن يغرس مثل هذا الغرس، وله أولاد صغار في حاجة إلى= =هذا = البستان وفي هذه الحالة هبَّت عليه ريح شديدة، فيها نار محرقة فأحرقته; وهكذا حال غير المخلصين في نفقاتهم، يأتون يوم القيامة ولا حسنة لهم. وبمثل هذا البيان يبيِّن الله لكم ما ينفعكم; كي تتأملوا، فتخلصوا نفقاتكم لله.
  52. () يا من آمنتم بي واتبعتم رسلي أنفقوا من الحلال الطيب الذي كسبتموه ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تقصدوا الرديء منه لتعطوه الفقراء، ولو أُعطِيتموه لم تأخذوه إلا إذا تغاضيتم عما فيه من رداءة ونقص. فكيف ترضون لله ما لا ترضونه لأنفسكم؟ واعلموا أن الله الذي رزقكم غني عن صدقاتكم، مستحق للثناء، محمود في كل حال.

    ينظر: تفسير المراغي، الأستاذ أحمد مصطفى المراغي ، 3/ 28: 39 باختصار وتصرف. التفسير الميسر ، ط: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، 44: 45.

  53. ()3/50
  54. () آل عمران/ 92
  55. () الحشر/ 9
  56. () ينظر تفسير التحرير والتنوير ، ابن عاشور ، 4/ 5: 6 باختصار
  57. () آل عمران/ 92
  58. () قال ابن الأثير1/292:”هذه اللفظة كثيرأ ما تختلف ألفاظ المحدِّثين فيها فيقولون بَيرَحَاء بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها والمدّ فيهما وبفَتْحِهما والقصْر وهي اسم مالٍ ومَوْضع بالمدينة “. وقال الزمخشري في الفائق 1/93:

    ” بَيْرَحى اسم أرض كانت له- أي: لأبي طلحة – ، وكأنها فَيْعَلَى من البراح وهي الأرض المنكشفة الظاهرة” . ونقل النووي في شرح مسلم 7/84 : “وهو حائط يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْم ، وَلَيْسَ بِئْر وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَيْه ” .

  59. () بخَ كلمةٌ يقولها المْعجَبُ بالشيء. قال ابن الأثير1/250:” هي كلمة تقال عند المدح والرِّضَى بالشيء وتُكَرر للمبالغة وهي مَبْنية على السكون فإن وَصَلْت جَرَرْت ونَوَّنْتَ فقلت بَخٍ بَخٍ وربّما شُدّدَت . وبَخْبَخْتُ الرجُل إذا قلت له ذلك . ومعناها تعظيم الأمر وتَفْخِيمُه . وقد كثُر مجيئها في الحديث” .
  60. () أي : ذو ربح .
  61. () 2/ 693
  62. () 2/691
  63. () 3 / 1354
  64. () تفسير المراغي ، 10/ 145
  65. () تفسير المنار ، 3/ 51: 52 بتصرف
  66. () 17/ 247
  67. () التوبة / 60 قال الله تعالى: ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم.
  68. () قال القرطبي 8/ 185: قوله تعالى: ( وفي سبيل الله) وهم الغزاة وموضع الرباط، يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء. وهذا قول أكثر العلماء، وهو تحصيل مذهب مالك رحمه الله.
  69. () قال الأستاذ محمد عزة دروزة في التفسير 9/ 476: ” وأكثر الأقوال على أن سَبِيلِ اللَّهِ في الآية تعني الجهاد الحربي وأسبابه. وهناك من قال إن كل ما فيه برّ عام وتقوية للإسلام يدخل في هذا التعبير. ومن ذلك تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد ويدخل فيه بطبيعة الحال الجهاد الحربي وأسبابه. وهذا هو الأوجه كما هو المتبادر. لأن سبيل الله .. أشمل من الجهاد الحربي الذي ليس هو إلّا وسيلة من وسائلها”.
  70. () ينظر ، النظام الاقتصادي في الإسلام ، 171 بتصرف
  71. () الشمس / 9
  72. () ينظر ، زاد المسير ، ابن الجوزي ، 6/193، وتفسير ابن كثير ، 8/412
  73. () غريب الحديث ، 1/25
  74. () ينظر ، الفقه على المذاهب الأربعة ، الشيخ عبد الرحمن الجزيري ، 1/536
  75. () النور / 56
  76. () النور / 56
  77. () التوبة / 58 : 59 إشارة إلى قول الله تعالى : ” وَمِنْهُمْ مَن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطونَ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ” .
  78. () التفسير الوسيط 6 / 328
  79. () الأنعام / 141
  80. () المعارج 24 : 25
  81. () ينظر التحرير والتنوير ، ابن عاشور 8/ 121: 122
  82. () صحيح مسلم 1/ 34
  83. () 2/ 505
  84. () التحرير والتنوير 8 / 121
  85. () الموسوعة الفقهية الكويتية 11/ 311 ، الملخص الفقهي ، الشيخ صاح صالح الفوزان 2/ 63
  86. () صحيح البخاري 2/ 982
  87. () الموسوعة الفقهية الكويتية 3/107 ، الملخص الفقهي ، صالح الفوزان 2/ 199
  88. () الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 74
  89. () الآية : 34
  90. () الآية : 36
  91. () رواه مسلم في الصحيح 3/ 1562
  92. () رواه البخاري في الصحيح 5/ 2115
  93. () ينظر الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 74: 75 ، الملخص الفقهي ، صالح الفوزان 1/ 449: 450
  94. () ينظر المرجع السابق
  95. () ينظر ، النظام الاقتصادي في الإسلام ، ص : 155 باختصار وتصرف
  96. () أدب الدنيا والدين ص 184
  97. () التحرير والتنوير 6 /88
  98. () التكافل الاجتماعي في الإسلام 6: 7
  99. () النظام الاقتصادي في الإسلام ، مجموعة من أعضاء هيئة التدريس ، جامعة الملك سعود ، 151 بتصرف.
  100. () التكافل الاجتماعي في الإسلام . ص 7