دلالة النص العدولي في بعض آي الذكر الحكيم

د. عباس محمد إسماعيل موسى1

1 أستاذ اللغويات/ كلية التربية – حنتوب / جامعة الجزيرة

HNSJ, 2022, 3(5); https://doi.org/10.53796/hnsj3510

تنزيل PDF

تاريخ النشر: 01/05/2022م تاريخ القبول: 10/04/2022م

المستخلص

تعد دراسة الدلالة من خلال النصوص من أهم الدراسات اللغوية ، ذلك كونها تختص بالبحث عن المعنى خلال التراكيب النحوية ، حيث إن علم النحو هو الأداة الأساسية لدراسة المعنى في النظم النّصي ، والعدول عن ذلك يؤدي إلى الاختلال في المعنى لذا هدفت الدراسة إلى معرفة دلالة النص العدولي من خلال بعض آيات القرآن الكريم ، وإلى بيان أوجه النظر في النصوص المعدولة عند علماء اللغة والمفسرين . اتبعت الدراسة المنهج الوصفي الاستقرائي والاستنباطي . توصلت الدراسة إلى عدة نتائج منها: إن ما ورد ما وصفه بعض القائلين عن أن هناك عدول عن المطابقة في القرآن الكريم يعود إلى أنهم ينظرون إلى النحو القرآني بنظرة سطحية دون التعمق إلى دلالة النص المعدول لمعرفة أسرار العدول وعدم المطابقة ، وأن ما وُصف في القرآن الكريم بأنه معدول عن المطابقة ، أكدت الدراسات اللغوية جواز وصحة عدم المطابقة في اللفظ مع سلامة دلالة النص اللغوية. توصي الدراسة اللغويين بالاهتمام بدلالة النص وسنن العرب في كلامهم لدفع التوهم عمن يرى أن هناك ضعف في التركيب القرآني نسبة لاستناده إلى النحو السطحي.

Research title

Semantics of Contradictory Text in Some Verses of the Holy Qur’an

Dr. Abbas Mohamed Ismail Musa1

1 Assistant Professor of Arabic Linguistics/ Faculty of Education – Hantoub/ University of Gezira

HNSJ, 2022, 3(5); https://doi.org/10.53796/hnsj3510

Published at 01/05/2022 Accepted at 10/04/2021

Abstract

studying semantics through texts is considered one of the most important linguistic studies, as it is concerned with the search for the meaning through syntactic structures, as grammar is the basic tool for searching the meaning in textual verification, and contraction that leads to an imbalance in meaning, therefore the study aimed to realize the semantics of the verbal text through some ayahs of the holy Qur’an, and to explain the points of view in the texts that are considered by linguists and exegetes. The study followed the descriptive, inductive and deductive method. The study reached to a lot of results, the most important are: What was described by some of those who say that there is a contradiction of conformity in the holy Qur’an because of the fact that they look at the holy Qur’anic syntax with a superficial look without diving into the semantics of the contradictory text to recognize the secrets of contradiction and non-conformity, and that what was described in the holy Qur’an is contradiction of conformity .The linguistic studies confirmed the permissibility and correctness of non-conformity in the utterance with the integrity of the linguistic semantics of the text. The study recommends that linguists to concern with the semantics of the text and the way of Arabs in their discourse to remove the illusion of those who believe that there is a weakness in the Qur’anic structure due to its dependence on superficial syntax.

مقدمة

إن الدراسات اللغوية عند علماء العرب توحي بأن اللفظ أو الكلمة لا معنى حقيقي له ، إلا بعد وضعه في السياق أو في النص ، ويؤكد ذلك الإمام عبد القاهر الجرجاني بقوله ” إن اللفظ لا يوحي بالدلالة الحقيقية إلا إذا وضع في سياق الكلام ” وهذه إشارة واضحة على أن اللفظ المفرد عبارة عن مادة تصلح لأي معني وأي نص وقد أكد ذلك الإمام اللغوي أحمد بن فارس من خلال تعريفه للاسم في كتابه ( الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها ) بقوله: ” الاسم ما كان مستقراً على المسمى وقت ذكرك إياه ولازماً له “

إن هذين الدليلين يبينان أن ما جاء في العربية من قواعد إعرابية وتذكير وتأنيث هي أسس سطحية يقتضي بها كل من أراد معرفة العربية ، أما الجانب العميق فيكمن في إبتكار التكلم في دلالة النص مع استقامة المعنى .

ولعلك ذلك تتبين من خلال الشواهد والأدلة اللغوية الكثيرة أن إدراك العرب لحقيقة التذكير والتأنيث أو تمييزهم بين المذكر من الأشياء والمؤنث منها وترجمة ألسنتهم عما وعته عقولهم وقلوبهم كان يقوى ويزداد شيئا فشيئا، كذلك الشأن عند كل الأمم، فمعظم ما باينت فيه الكلمة معناها في التذكير والتأنيث، راجع إلى السماع، وما لا قياس فيه، ومعظم ما طابقت فيه بنية المعنى مما اطرد فيه القياس هو ما وصلت إليه الفصحى في تطورها ([1]) .

دلالة النص العدولي في

التذكير والتأنيث في القرآن الكريم

إن ظاهرة التذكير والتأنيث من أكثر الظواهر المعدولة عن المطابقة في القرآن الكريم ، ذلك ؛ لأن من خصائص اللغة العربية الظاهرة التمييز بين المذكر والمؤنث ، حيث إن التذكير جمع المفرد الذكر يختص بالعقلاء ، أما المؤنث فلما يعقل وما لا يعقل ، وهذا ما جعل علماء ينظرون للآيات التي ورد فيها عدم المطابقة ، ويؤولون ذلك بآراء متعددة إثباتاً لتداول هذه الظاهرة عند العرب في لغتهم ، ومع ذلك سر من أسرار الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم ، ومن ذلك ما ورد في قوله :

” ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ” ([2]) . فهذه الآية كما نراها عدلت عن المطابقة الأصلية المعهودة في اللغة العربية، وكانت مقتضى المطابقة أن تكون حسب قواعد النحاة على (قريبة) حسب منظور القراء والنحاء واللغويين

إن المشكلة في هذه تمركزت في جانبين: أحدهما في تفسير الرحمة المضافة إلى لفظ الجلالة ماذا يراد بها؟ والثاني: في طبيعة لفظ القريب هل هو قرب في النسب أو في المكان والزمان؟ لقد حاولنا من جانبنا إعطاء بعض توضيحات نحسبها مقبولة، على أننا لو أعدنا النظر مرة أخرى في كلمة (قريب) ، نجدهما على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) و (فاعل) ، وكان مقتضى المطابقة أن يكون في حالة التأنيث مقترنا بالتاء نحو (رجل كريم وامرأة كريمة) ، لكن عدلنا به جهته، فحملت محمل أخته (فعيل) بمعنى (مفعول) فحذفت منه التاء.

يقول الزمخشري: “يستوي المذكر والمؤنث في فعول، مفعال أو فعيل بمعنى مفعول ما جرى على الاسم، تقول: هذه المرأة قتيل بني فلان، ومررت بقتيلهم، وقد يشبه به ما هو بمعنى فاعل كما جاء في لفظ ( رميم) في قوله تعلى : “ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ([3]). حيث ذكر العلماء أن لفظ ( رميم ) معدول عن المطابقة إذ جاء حال المذكر مؤنثاً ، حيث يرون أن المطابقة تكمن في التأنيث ” وهي رميمة ” .

إن ما أورده الزمخشري في أن من سنن العرب في لغتهم أن اللفظ الذي يجيء على زنة ( فعيل ) ، فإذا وقع صفة أو فضلة ، يمكن تذكيره أو تأنيثه ، لأنه في الأصل زيادة على التركيب الأساس للجملة حيث إن الجملة استفهامية ( من يحيي العظام ) فما جاء بعد جملة الاستفهام فهو فضلة ، غير أنها جاءت عبى زنة ( فعيل) .

ما سبق ذكره عن العدول مختص بجانب الصرف ومؤشر ذلك أن ليس هناك عدول عن المطابقة ذلك لجواز وصحة نسب ما جاء من الأسماء على زنة ( فعيل ) فيمكن تذكيره أو تأنيثه في النص إذا كان الموصوف مذكراً.

أما ما جاء عن دلالة النص من حيث التركيب وعدم المطابقة في قوله تعالى :” ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ” من حيث عدم المطابقة بين اللفظ المؤنث ( رحمت ) وصفة التذكير التي صاحبته ( قريب ) ، وفي ذلك يمكن القول في أن إسناد لفظُ غريبٍ ليس إلى كلمة ( رحمت ) إنما أسند إلى لفظ الجلالة ( الله) المجاور له ويرجع ذلك الأمر إلى سببين :

  1. صحة حذف ( رحمت) مع استقامة التركيب النحوي و المعنى إذ يمكن أن تأوّل ب ( إن الله قريب من المحسنين )
  2. إن المولى عز وجل أقرب إلى المؤمنين من رحمته ؛ لأن إتيان الرحمة يجيء بعد الإحسان ، وما يؤكد ذلك قوله جل جلاله ” إني قريب أجيب دعوة الداعي إذا داعي ” ، وقوله ” إني معكم أسمع وأرى “

لهذا فإن إسناد اللفظ ( قريب ) إلى لفظ الجلالة ( الله ) أقرب وأصح ما يكون في إسناده إلى الرحمة ” . والله تعالى أعلم .

2- الفعل والفاعل

إن الفعل والفاعل يعدان الركنان الأساسيان للجملة الفعلية ، لذا فإن العدول عن ذلك يؤدي إلى الاختلال في قاعدة التراكيب العربية ، وهذا ما دعى إلى الوقوف حول ما يدعوا إليه بعض اللغويين على أن هناك عدول عن المطابقة في بعض نصوص آي الذكر الحكيم .

ومما لا شك فيه أن القرآن الكريم يتحدى أرباب الفصاحة والبلاغة بإعجازه اللفظي الذي أعيا أهل الكلام وفصحاء الأعراب ممن لم يتسرب اللحن إلى نحائرهم وسلائقهم السليمة، لذا رأينا أن جودة سبك ألفاظ القرآن الكريم استوقفت الكثير من فطاحل العرب أمثال الوليد بن المغيرة لما اعترف أن القرآن ليس من سجع الكهان و لا من أباطيل الدجالين من حيث روعة نظمه وسلاسة معانيه المتماسكة .

أما النحاة من سيبويه إلى نحاة العصر الحديث فقد تأملوا الصياغة الصرفية والنحوية لتركيب الجملة القرآنية فوجدوها أرفع درجة من الروعة في تماسك جملها وترابط أركانها و توافق إعرابها. إن النحو القرآني يختلف اختلافا ملحوظًا عن نحو القواعد التي وضعها النحاة بعد نزول القرآن. أكد المستشرقون أنفسهم في دراساتهم الاستشراقية؛ إذ يقولون : “إن النحو العربي نشأ في حضن الإسلام، واستمدّ أصوله ومصطلحاته من علمي الأصول والكلام، ولم يتأثر بالفلسفة اليونانية إلا ابتداء من القرن الرابع الهجري”. ([4])

وبعد هذا الاستطراد في بيان الاختلاف الواضح بين النحويين القرآني والموضوع من النحاة في وقت متأخر عن زمن التنزيل من حيث مصطلحاته وثبات معالمه على براعة العرب في فنون التعبير وفصاحتهم في سنن البيان وعلى وجود ارهاصات قاعدية في طرق تناولهم الأساليب وهذا ما يجعلنا نقف قليلاً حول بعض الآيات التي ذُكر أنها معدولة عن المطابقة النحوية ، حيث خالف الفعلُ الفاعلَ في التذكير والتأنيث ، إذْ أن شأن النص العربي المطابقة في ذلك .

من ذلك ما ورد في قوله تعالى : ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ([5]) ، فخالف الفاعل فيها عن فعله، أو عدل الفعل فيها عن الفاعل، والسبب أن النحاة أجازوا تذكير الفعل مع الفاعل المجازي التأنيث، بدليل كون الفاعل في هذه الآية الكريمة اسم جمع إفرادي، لأنهم قالوا: إن كان الفاعل اسم جمع لمؤنث جاز في الفعل المسند عند النحاة التذكير على معنى

إن دلالة النص في قوله تعالى ” وقال نسوة في المدينة تكمن وتستقيم في عدم مطابقة الفعل للفاعل في التذكير والتأنيث ؛ لأن الفعل إذا ألحقت به تاء التأنيث لمطابقة الجمع ( نسوة ) سيحدث التباس ، بين تاء التأنيث للإفراد والجمع ، وهذه إشارة إلى أن تذكير الفعل وعدم التحاقه بالتاء أفصح وأبلغ من تأنيثه .

فالنص إما أن يكون محمولاً على اللفظ أو على المعنى، فإذا حمل على المعنى ضمن فيه معنى الجماعة فتؤنث، وإذا حمل على اللفظ يكون التأنيث فيها اعتبارًا إلى اللفظ .

* الفاصل بين الفعل والفاعل المؤنث كما في الآيات الآتية:

أكد علماء اللغة العربية جواز عدم مطابقة الفعل للفاعل في التذكير التأنيث ، ذلك إذا فُصل بين الفعل والفاعل بضمير أو ظرف أو المفعولية ومن ذاك قوله تعالى : ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ([6]).

لو تأملنا في الآية السابقة ، ترى فيها الفصل بين الفعل والفاعل إما بالمفعولية كـ (من جاءه) والضمير كما في قوله تعالى: ﭽﯺ ﯻ ﯼ ﯽﭼ([7])، وبالموصولة وبالظرف كما في الآية قبل الأخيرة وبالمطابقة كما في الأخيرة.

أما علل التذكير في الفعل المسند إلى الفاعل المؤنث فهي:

  1. يذهب إلى أن علة تذكير الفعل مع الفصل بينه وبين الفاعل إلى الاكتفاء بدلالة الفاعل على التأنيث عن ذكر التاء مع الفعل. ([8])
  2. ومنهم من ذهب إلى أن العلة من الفصل طول الجملة وصيرورته عوضا عن تاء التأنيث، على هذا الرأي يميل صاحب المقتضب، المبرد حيث يقول: ” ألا ترى أن النحويين لا يقولون: قام هند، وذهب جاريتك ويجيزون: حضر القاضي اليوم امرأة يا فتى، فيجيزون الحذف مع طول الكلام؛ لأنهم يرون ما زاد عوضا مما حذف” ([9])

3_ العدد (المفرد والمثنى والجمع)

إن المطابقة بين العدد والمعدود في التذكير والتأنيث من حيث الجمع والتثنية والإفراد ، من السمات والقواعد الصرفية و النحوية والتركيبية التي جاءت بها العربية في نصوصها ، وهذا فإن عدم مطابقتها في النص قد يؤدي إلى فساد وخلل في المعنى ، وهذا ما جعل الكثير من القراء يتوهم على أن هناك عدول عن المطابقة في قوله تعالى في سورة التحريم: ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ، ([10]). الملاحظ حسب ظاهر الآية أن هناك عدم مطابقة في النص من حيث التثنية ، حيث إن الخطاب لاثنين ، وجاء لفظ القلوب المصاحب للمخاطبين بصيغة الجمع ( قلوبكما) وسبب ذلك يعود إلى أن ذلك خطاب لحفصة و عائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما ([11]) هذا بموجب الخطاب بالتثنية على وجه التخصيص، ولكننا نخرّج على طريقة العدول في جمعها القلوب الذي مرده إلى الاثنين، وكان مقتضى الظاهر ألا يعدل فيها عن الاثنين إلى الجمع وأن تطابق ألف التثنية السابقة بأن يقال مثلا في غير القرآن الكريم (فقد صغى قلباكما) بالمطابقة.

أما العدول عن التثنية إلى الجمع فيراد به تكثير القليل بموجب المعاونة التي تخص تضخيم الأمر وإفشاء الأسرار، كما أنه يمكن أن يرجع إلى سنن العرب في كلامها، وفى هذا السياق يقول:” إن المثنى إذا أضيفت إليه شيآن هما جزآه، جاز في ذلك المضاف الذي هو شيآن، الجمع والتثنية والإفراد، وأفصحها الجمع، فالإفراد، فالتثنية على الأصح، سواء كانت الإضافة لفظا أو معنى نحو: شويت رؤوس الكبشين أو رأسهما أو رأسيهما، وثانيهما : أن يفرق بين المثنى، فإن فرق المثنى، فالمختار الإفراد، نحو قوله تعال في سورة المائدة: ﭽ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭼ ([12]) ولم يقل على لساني داود وعيسى؛ لأنه فرق بين المثنى لذا اختار الإفراد هاهنا، وإن كان الاثنان المضافان منفصلين عن المثنى المضاف إليه أي كانا غير جزأيه فالقياس الجمع، كما جاء في الحديث (ما أخرجكما من بيوتكما إذا أويتما إلى مضاجعكما). ([13])

الهدف من العدول الإشارة إلى أن هناك أنفسا أخرى مشاركة وقلوبا مساعدة في فعل الإفشاء لأسرار البيت النبوي الشريف من القريبات والزوجات الأخريات؛ لذا جمع، ومثنى؛ لأن أقل أعوان من له حال وشرف اثنان فأكثر، فثنى على ذلك، ([14]) يضاف إلى ذلك وقوع الجمع موقع المثنى، وهذا هو مربط الفرس في هذا التحليل وعكسه أي وقوع المثنى موقع الجمع كما دلت عليه آية الملك : ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﭼ([15]). وكرتين بمعنى كرات وكرات،

هذه إشارة إلى أن لفظ العدد في اللغة العربية ، قد يرد مثنى ويراد به الجمع ، وقد يجمع ويراد به التثنية ، وقد يجمع ويراد به الإفراد ، وكل ذلك من سنن العرب في عربيتهم .

4- العدول الإعرابي في العطف

إن العطف النحوي يراد به لبس المعطوف ما على المعطوف عليها في الحكم الإعرابي والصفة ، إلا أن هناك حالات ينقطع عنها العطف , وتستأنف الجملة بواو الاستئناف ، وهذا ما يسنيه النحاة بالنعت المقطوع الاختصاص، والنعت المقطوع هو النعت الذي يختلف في حركته الإعرابية عن سابقه، إما أن يكون بالضم أو الفتح، وهذا النوع من الاستعمال يؤتى به لبيان أهمية المقطوع عن سابقه وتشريفه وتكريمه أو توبيخه وبيان عظمته.

وقد استعملها العرب كثيرا في مخاطباتهم. نحو: مررت بعبد الله العالمِ والفقيهُ. إذ ذاك تكون قد أديت معنى جملتين في جملة واحدة. ففي الأولى أردت بيان علمه بقطعك الحركة عما سبق، ثم أردت بالرفع أن تركز وتشعر مخاطبك إلى أهمية علمية وشرف منزلته.

ومما ورد منه في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة البقرة: ﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ ([16]).

إن العدول عن المخالفة يكون سببا في إثارة المشاعر والهمم؛ لأنك تنبه الذهن إلى أمر غير معتاد ولا مألوف؛ بل يدعوك إلى الإصغاء والانتباه، فهو كما يقول السامرائي: “كاللافتة أو المصباح الأحمر في الطريق، ينير انتباهك ويدعوك إلى معرفة أسباب وضعه.” جاء في تفسير أبي السعود: ” قال أبو علي: إذا ذكرت صفات للمديح وخولف في بعض إعرابها، فقد خولف للافتتان؛ أي التفنن الموجب لإيقاظ السامع وتحريكه إلى الجد في الإصغاء؛ فإن تغيير الكلام المسوق لمعنى من المعاني وصرفه عن سننه المسلوك ينبئ عن اهتمام جديد بشأنه من المتكلم يستجلب مزيد رغبة فيه من المخاطب.” ([17])

و في هذا يقول سعيد الأفغاني: ” وبهذا القطع وتغيير حركة الإعراب من حركة النعت إلى حركة الجر أفادت الجملة مؤدى جملتين معا؛ الإفادة الأولى من معاني الجملة، وشعور الإعجاب أو النفرة أو الترحم.” ([18])

فالعدول عن طريق القطع تحول بالمعنى من مجرد النعت إلى معاني التعظيم أو التحقير أو الترحم. من شروط القطع أن يعلم السامع من اتصاف المنعوت بذلك النعت ما يعلمه المتكلم.

لهذا فإن للانقطاع دلالات لغوية كما بينت الآية كرامة الموفين بالعهود يختلف عن الصابرين ، ولكل درجة ، فلولا الانقطاع لكانت الصفة واحدة .

الخاتمة

تختتم هذه الدراسة بأهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها الدراسة من خلال البحث عه دلالة النص العدولي في يعض آيات القرآن الكريم . من أهم النتائج

  1. إن علم النحو العربي على اثنين قسم سطحي يختص بدراسة أساسيات النحو من حيث تراكيب الجمل وعلامات الإعراب والتذكير والتأنيث ، والآخر عميق يختص بدراسة أوجه التراكيب النحوية لمعرفة أسرار العرب في لغتهم ففي ذلك لغة القرآن
  2. إن العدول عن المطابقة عدولٌ لفظي وليس معنوياً ، واللغة معني ؛ لأن دلالة النص مستقيمة وذا نوع من أنواع الإعجاز القرآني
  3. الذي يريد معرفة إن كان هناك عدول أم لا فعليه بمعرفة أسرار العرب في عربيتهم ، ومنها يتضح قيمة النص القرآني وإعجازه

توصي الدراسة بالاهتمام بالقراءات القرآنية لمعرفة الأوجه اللغوية المتعددة مع تواقف دلالتها النصيّة.

فهرس المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

ابن جني، أبو الفتح عثمان: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، تحقيق: علي النجدي ناصيف وزميله، القاهرة، لجنة إحياء كتب السنة، 1424هـ/2004.

ابن عقيل: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الطلائع للنشر والتوزيع، 2009م.

ابن فارس، أبو الحسين أحمد (ت 395 هـ): معجم مقاييس اللغة، اعتنى به محمد عوض مرعب وآخر، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، بيروت 2001م.

ابن منظور: جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي الأفريقي المصري (ت 711هـ): لسان العرب، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1985 م.

أبو القاسم جار الله، محمود الزمخشري: الكشاف عن حقائق التنزيل وموجود عيون الأقاويل، دار الفكر، 1977م.

أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر: الكتاب، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1988م.

أبو حيان: البحر المحيط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط2، 1411ه/1990م.

الأفغاني، سعيد: الموجز في قواعد اللغة العربية، دمشق، دار الفكر، 1390ه/1970م.

آل ياسين، محمد حسين: مقدمة في الأصول اللغوية المشتركة بين

الزبيدي، محمد بن الحسن: طبقات النحويين واللغويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، دار المعارف، ط2، ب.ت.

السامرائي، فاضل صالح: معاني النحو، عمان، دار الفكر، 2003م/1423ه.

السكاكي، أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر: مفتاح العلوم، ضبطه ووضع هوامشه: نعيم زرزور، بيروت، دار الكتب العلمية، 1407هـ.

السيوطي، أبو الفضل جلال الدين: الأشباه والنظائر في النحو، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1975.

السيوطي، أبو عبد الرحمن: الإتقان في علوم القرآن، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1974م.

الشنقيطي، محمد الأمين: دفع ايهام الاضطراب عن آيات الكتاب، تحقيق عمر عبد السلام السلومي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ب.ت.

شنوقة، السعيد: دراسات في آليات التحليل وأصول اللغة والنحو، عالم الكتب، القاهرة، عام 2009م.

الهوامش:

  1. () نجلاء، محمد نور عبد الغفور عطّار: العدول عن المطابقة بين أجزاء الجملة، مؤسسة فؤاد للتجارة، 1998م، ص73.
  2. () سورة الأعراف، الآية: 56.
  3. () سورة يس، الآية: 78.
  4. () المرجع نفسه، ص61.
  5. () سورة يوسف، الآية: 30.
  6. () سورة الممتحنة، الآية: 4.
  7. () سورة الحشر، الآية: 9.
  8. () نجلاء محمد نور: العدول عن المطابقة بين أجزاء الجمل، ص213.
  9. () المبرد: المقتضب، ج2، ص337.
  10. () سورة التحريم، الآية: 4.
  11. () الزمخشري: الكشاف، ج4، ص127.
  12. () سورة المائدة، الآية: 78.
  13. () الشنقيطي، محمد الأمين: دفع ايهام الاضطراب عن آيات الكتاب، تحقيق عمر عبد السلام السلومي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ص ص188 – 189.
  14. () القيس، مكي بن أبي طالب: مشكل إعراب القرآن، تحقيق ياسين محمد آل ياسين، دمشق، دار المأمون للتراث، ص ص212 – 321.
  15. () سورة الملك، الآية: 4.
  16. () سورة البقرة، الآية: 177.
  17. () السيوطي، جلال الدين: معترك الأقران في إعجاز القرآن، تحقيق محمد على البجاوي، القاهرة، دار الثقافة العربية للطباعة، ج1، ص354.
  18. () الأفغاني، سعيد: الموجز في قواعد اللغة العربية، دمشق، دار الفكر، 1390ه/1970م، ص ص231-232.