لحسن عماري1
1 كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس – سايس
بريد الكتروني: omarilahcen3@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(5); https://doi.org/10.53796/hnsj3513
تاريخ النشر: 01/05/2022م تاريخ القبول: 10/04/2022م
المستخلص
تعتبر اللغة من أهم الوسائل التي تساهم في تحقيق التواصل بين الأفراد، لذا نجد أن كل المجتمعات ترتبط بها أشد الارتباط، إذ أنها تمثل هويتها، ماضيها وحاضرها، وبما أن اللغات واللهجات عرفت عبر مر العصور تعددا وتنوعا في العالم بأسره، فقد أدى ذلك إلى ظهور ظاهرة الاقتراض اللغوي، في المجتمع عامة، ولدى الفرد خاصة، ذلك لوجود الكثير من الاحتكاكات الحاصلة بين اللغة الأصلية ولغات أخرى بفعل عدة عوامل سواء أكانت اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ثقافية…إلخ، أدت لا محالة إلى تمازج اللغات فيما بينها وتغلغل الكلمات الأجنبية، وهو ما أدى إلى طرح ظاهرة الاقتراض اللغوي. ومن أجل دراسة هذه الأخيرة، كان لابد من الإلمام بمجموعة من الدراسات المرتبطة باللغة من وجهة نظر تركيبية، نحوية أو صواتية، ومن ثم إخضاعها لدراسات مقارنة للتمييز بين الدخيل والمعجم الأصل للغة مجتمع معين. إلا أن هذه الدراسة تظل غير كافية لأنه من الضروري أولا دراسة طبيعة المجتمع في بنيته الداخلية ودون إغفال لعلاقاته الخارجية كذلك.
الكلمات المفتاحية: الاقتراض اللغوي – الدخيل – التعريب – اللغة الأمازيغية– اللغات الأخرى.
Linguistic borrowing in amazigh language
Lahcen Omari1
1 Faculty of Arts and Human Sciences, Fez – Saïss
Email: omaarilahcen3@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(5); https://doi.org/10.53796/hnsj3513
Published at 01/05/2022 Accepted at 10/04/2021
Abstract
Language is one of the most important means which allows the individuals to communicate, that’s why all the human societies are strongly related to the language as a part of its identity, its past and its present. As long as languages and dialects have been several and different among the antiquities in all over the world, it leads to the rise of linguistic borrowing in the society generally and with the individual specifically. That’s because of the interaction between the original language with the foreign one caused by different factors: economic, social, political, cultural…
It led undoubtedly to the coherence between languages then involving foreign words, what gave the rise of linguistic borrowing phenomenon. So as to study this phenomenon, it required to have an idea about all the studies related to the language in its synthetical, grammatical and phonological side. Then make it under a comparative study to distinguish between both intruder and the original lexicon of a language together. But this study stays not enough because we must study at first the nature of society in its internal structure, without ignoring the external one.
Key Words: linguistic borrowing- intruder-arabisation – amazigh language- other languages.
- نظرة عامة حول الاقتراض اللغوي Emprunt linguistique
لقد اهتم العديد من الباحثين سواء منهم العرب أو الغربيين، وخاصة اللسانيين منهم بالاقتراض اللغوي، فتعددت وجهات نظرهم، وظهرت مجموعة من التصنيفات والتعريفات المرتبطة بهذه الظاهرة اللغوية.
لذا نجد مجموعة من العلماء خصصوا اهتماما كبيرا للاقتراض رغم ما اعترضهم من صعوبات في التمييز بين مجموعة من المصطلحات من اقتراض ودخيل وتعريب، فسعوا إلى جمع هذه الألفاظ، ومعرفة أصولها حتى يتسنى لهم تثبيت اللغة التي أتت منها، والزمن الذي عبرت فيه. إذن فما هو مفهوم الاقتراض اللغوي؟ وماهي أبرز التسميات الأخرى؟ وما هي مظاهر الاقتراض اللغوي وتجلياته بموازاة ظواهر لغوية أخرى محافلة له؟
من الظواهر اللغوية التي حظيت باهتمام اللغويين، ظاهرة الاقتراض اللغوي والتي تعني؛ العملية التي تأخذ فيها لغة ما بعض العناصر اللغوية للغة أخرى. وهذه الدلالة للاقتراض اللغوي دلالة مجازية لأن الاقتراض هو مصدر اقترض يقترض اقتراضا. واقترضتُ منه أي أخذْتُ منه القروض، وأقرضه أي أعطاه قرضاً. ويقال أقرضه المال أو غيرَه، والقرض ما تعطيه غيرك من مال أو نحوه على أن يرده إليك[1].
أما التعريف الاصطلاحي للاقتراض اللغوي عند بعض من تطرّقوا إلى هذه الظاهرة فهو إدخال أو استعارة ألفاظ أو غيرها من لغة إلى أخرى. حيث استعمل أهل اللغات لفظ الاقتراض والنقل والاستعارة والإدخال وأطلقوها على الألفاظ المقترضة التي أضافوها إلى لغتهم، وأما العرب فقد أطلقوا على عملية نقل الألفاظ واستعارتها لفظ التعريب وعلى الألفاظ المقترضة الألفاظ المعربة[2].
وهناك بعض الباحثين الذين حاولوا إعطاء مفهوم عام للاقتراض، حيث أن اقتراض عنصر لساني من لغة إلى أخرى هو حدث عرضي في اللغة يقوم به متكلم ما. وهو حسب ديروي لويس؛ تجديد يخل بالنظام الداخلي للغة بصفة وقتية[3]. وحسب جون ديبوا؛ الاقتراض هو عندما تدمج لغة (أ) وحدة لغوية أو لسانية من لغة (ب) أي لغة المصدر، والتي لا تتوفر عليها لغة (أ)[4]، إذن فالوحدة أو السمة المقترضة تسمى مقترض. وجاء تعريفه في معجم المصطلحات العلمية، أنه إدخال عناصر من لغة ما إلى لغة أخرى أو من لهجة إلى لهجة أخرى سواء كانت تلك العناصر كلمات أو أصوات أو صيَغا، لتصبح هذه الكلمات المقترضة مكيفة مع النسق اللغوي الجديد، ومندمجة بشكل طبيعي وسلس في اللغة المستقبلة.
تهم ظاهرة “الاقتراض اللغوي” المتغيرات اللغوية التي تدخل ضمن خاصيات التطور اللغوي، فهي تعتري اللغة في ممارستها التداولية، وبشكل طبيعي، حيث تتشارك وتتشابك معها وغيرها، عبر آليات التداخل والاحتكاك، أو عبر حركية التفاعل والانصهار. بطريقة أو بأخرى.
لقد أنتجت ظاهرة الاختلاط بين الأقوام، مصطلحات متعددة كالدخيل والمعرب والمولد…، وقبل البدء في التوضيح نشير إلى أنه أحيانا يقع اللبس في أذهاننا فنتخيل أن مثلا لفظة معينة هي دخيلة في اللغة الأم، لكن يتضح أنها كلمة أصيلة في اللغة.
- الدخيل: Intrus
هو أن نعمد إلى استقبال كلمات أجنبية دون أن نخضعها إلى أي ضرب من ضروب التعديل الموافق لهياكل اللغة المستقبلة من الناحيتين الصوتية والصرفية[5]. يقول كارسيا يبرا: “تعتبر الكلمة من الدخيل تلك التي يتم قبولها تماما كما هي في أصلها الذي صدرت عنه دون أي تطويع للغة التي تستقبلها. إن المقترض هو حسب هذا التمييز قد يكون هو الدخيل الموطَن الذي تم تطويعه للنسق اللغوي الذي يستقبله”[6].
والدخيل حسب ابن منظور، فهو الهجين والغريب، والذي لا يمتّ بصلة في أي من جوانبه إلى اللغة العربية، لأنه دخل كما هو في زيّه وسحنته وشكله وإطاره الأجنبي، كما أنه اعتمد كمـــا هو دون تغيير وتبديل وإضافة وحذف من قبل مجامع اللغة العربية، وموافقة اللغوييـن العرب[7]. وأيضا في لســان العرب[8]، كلمة “دخيل” أُدخلت في كلام العرب وليست منه.
- التعريب: Arabisation
ناتج عن التأثير والتأثر بين اللغات والذي اعتبر بؤرة اهتمام العديد من موضوعات الدرس اللغوي القديم والحديث، ومن هنا كما ورد في الكتب تضمن دلالات متنوعة، فهو عند الجوهري العلامة اللغوي: «التعريب هو أن تتكلم العرب بالكلمة الأعجمية على نهجها وأسلوبها». أما عند سيبويه النحوي المشهور: «التعريب هو أن تتكلم العرب بالكلمة الأعجمية مطلقا، فهم تارة يلحقونها بأبنية كلامهم، وطورا لا يلحقونها بها»[9]. وفي لسان العرب لابن منظور فيقصد به الكلمة غير العربية، وبذلك يعرف التعريب بأنه عملية صرفية قياسية تعتمد لفظة، أصلها غير عربي تضم إلى اللغة العربية بشرط وزنها على أحد الأوزان العربية.
-
- دوافع الاقتراض اللغوي
الاقتراض اللغوي ظاهرة لغوية طبيعية، تعدّ إحدى الوسائل المساهمة في تطور الثروة اللغوية. فاللغات تتفاعل وتتبادل التأثير فيما بينها، ويستعين بعضها بألفاظ البعض الآخر لسد حاجاته من العبارات والتعبيرات التي تنقصه، والتي تصبح فيما بعد جزءا من تلك اللغات. ولا عجب أن هذا الدافع هو السبب الأساس في كل اقتراض لغوي، وهو أمر ينطبق على اللغات جميعا في أغلب الحالات.
وفيما يلي بعض العوامل التي تقف وراء اقتراض لغة معينة من لغة أخرى:
-
- الجــــوار
إن اتصال أي أمة بغيرها من الأمم المجاورة لها كفيل بتمازج اللغات وهو أمر لابد منه، إذ أنه من المتعذر أن تظل لغة بمأمن عن الاحتكاك بلغة أخرى. وكما هو جلي فلغة المناطق الحدودية هي الأكثر تأثرا من غيرها بظاهرة الاقتراض بحكم التواصل المتبادل بين المتكلمين رغم وجود حدود، وكمثال على ذلك، المناطق الحدودية الجزائرية مع نظيرتها المغربية.
-
- الهجرة
بهجرة الشعوب إلى غير أرضها تحتك لغتها بلغة أهل الأرض الجديدة وبمرور الزمن يجدون أنفسهم بحكم الإقامة الدائمة مضطرين إلى الاندماج في الوسط الذي هاجروا إليه وتبادلوا ما احتاجوا إليه في لغة البيئة الجديدة، وأولها وأساسها التعليم. وهذا يبدو جليا في ألفاظ وتعابير المهاجرين المغاربة كنموذج.
-
- دوافع شخصية
ومن بينها ميل أصحاب اللغة المقترضة إلى الترف التعبيري والتفاخر بلغة أخرى. فبعض الأشخاص يحاولون إظهار قربهم من لغة ما وتشبعهم بها. ويكون ذلك نتيجة إعجاب أمة بأخرى والميل إلى تقليدها.
-
- الحاجة
من العوامل التي أدت إلى الاقتراض، حاجة الناطقين بلغة ما إلى استعارة ألفاظ من لغات أخرى، إذ أن أهم ناحية يظهر فيها هذا التأثير هي الناحية المتعلقة بالمفردات، فمن هذه الزاوية بالخصوص تنشط حركة التبادل بين اللغات ويكثر اقتباس بعضها من البعض. والحاجات ضروب منها:
- حاجات اقتصادية وتجارية
إن تقدم التكنولوجيا ووسائل الاتصال مكن شعوب العالم من التواصل اللامشروط بلغات متعددة، يحكمها معيار القوة والضعف، أي أن اللغات القوية اقتصاديا تفرض هيمنة لغتها على باقي الدول. وبعض مظاهر هذه الهيمنة وخاصة في التبادلات التجارية انتقال مسميات البضائع مع بضائعها، ودخول هذه المسميات بألفاظها الجديدة، كألفاظ النباتات، الأدوية، الآلات …إلخ.
- حاجات سياسية وإدارية وعسكرية
هذا النوع من الاقتراض يكون نتاج غزو أو حرب أو استيطان، يؤدي إلى انتقال العديد من الألفاظ والتسميات والصيغ البنائية إلى لغة الشعوب المستعمرة، وهي غالبا ما تأخذ لغة المستعمر لسبب أو لآخر. ومخلفات الاستعمار ما تزال جلية إلى حد الآن حينما نرى أن اللغة الفرنسية والانجليزية صارت لغات رسمية في بعض البلدان حتى بعد استقلالها، وبالتالي نشهد ميلاد ازدواجية لغوية أثثت فضاء مناسبا للاقتراض اللغوي. ومن جانب آخر كذلك تميل بعض اللغات المستعمرَة إلى الانقراض حيث لا يبقى منها سوى ترسبات متشكلة في العادات النطقية والصوتية والمعجمية، وكمثال على ذلك منطقة “جبالة” في علاقتها مع منطقة الريف ومقارنة مع اللغات المحلية المغربية الأخرى.
ج- حاجات ثقافية
اللغة وعاء الثقافة، المشتمل على نتاج مبدعي الأمة وترجمان أفكارها وجهودها المعرفية، ولذا كان للعامل الثقافي تأثير كبير على الاقتراض. فمثلا اللغة العربية انتقل إليها الكثير من مرادفات اللغة الفارسية واليونانية والآرامية وغيرها، خاصة تلك المتعلقة بمظاهر الحياة الحضرية، وإن لغة شعر ما قبل الإسلام تؤكد وجود بعض الألفاظ الدخيلة والمقترضة[10].
كذلك من أسباب اقتراض مفردات من لغة أجنبية معينة وجود مفردات جديدة في تلك الأجنبية ولم تتمكن اللغة المقترضة أو الآخذة من تعبير معاني هذه المفردات الجديدة بمفرداتها، وذلك ما يحدث في اللغة الأمازيغية نموذجا.
من الواضح أن أي اقتراض له ما يبرره، من خلال النقص الذي يؤدي إلى نشوء حاجة حقيقية (“استعارة الضرورة”)، أي أن الاقتراضات تأتي عمومًا لملء الفراغ لتحديد وتسمية حقائق جديدة، لاسيما في المجال العلمي أو الفكري أو التكنولوجي… على سبيل المثال: “طاكسي” (taxi)، “تلفزة” (télévision)، “طبلة” (table)، “تلفون” (téléphone)، إلخ.
يمكن القول، أن أسباب الاقتراض لا تخضع دائمًا لمفهوم الحاجة أو الضرورة، بل يمكن أن تكون الأسباب اختيارية.
- أشكال الاقتراض اللغوي
- اقتراض كامل: تُقتَرَضُ الكلمة كما هي في لغتها دون أي تعديل أو تغيير أو ترجمة[11]. مثال: “لافــــــاك” (la fac) ، “لبيـــــــرو” (le bureau)، “لاكــــار” (la gare)، “لكــــــــارني” (le carnet)…
- اقتراض مُعَدِّلٌ: تُقتَرَضُ الكلمة ويعدل نطقها أو ميزانها الصرفي للتسهيل أو للاندماج في اللغة المقترضة. مثال: “لكوري” (l’écurie)، “كردافو” ( garde-à-vous)، “لْمَادْري” (le madrier)
- اقتراض مُهَجَّن: تُقتَرَضُ الكلمة فيترجم جزء منها إلى اللغة المقترضة ويبقى الجزء الآخر كما هو في لغة المصدر. مثال: “نوتيل” (hôtel)، ” شمبرير” (chambre à air)…
- اقتراض مُتَرْجَم: تُقتَرَضُ الكلمة عن طريق ترجمتها من لغة المصدر إلى اللغة المقترضة أي ترجمة حرفية إلى كلمة وطنية. وكمثال:
/ « takurt n uḍaṛ» “تَكُورت ن أضار” )كرة القدم)
/ «lmasira lxdra » “لْمَسِرَ لْخْضْرَ” (المسيرة الخضراء).
- الاقتراض في اللغة الأمازيغية
لا شك أن اللغة الأمازيغية كغيرها من لغات العالم تتعرض لظاهرة الاقتراض، ولابد أن نشير إلى أن هذه اللغة أي الأمازيغية، التي سنتحدث عن المقترض فيها، ليست معيارية بل هي مجموعة من اللهجات (التي سندرس علاقتها واتصالها مع الدارجة المغربية ولغات أخرى كالفرنسية والاسبانية) علما أن “اللغة المعيارية أقل واقعية أي مجرد لغة مشتركة lingua franca بخلاف اللهجات المحلية التي يعتقد أن يكون للأفراد فيها جذور سيكولوجية”[12].
إن تأثير اللغة الأمازيغية بغيرها من الحضارات المتعاقبة وخاصة الإسلامية منها وهي حتمية تاريخية لا مفر منها أدى إلى تعريب الأمازيغ على حساب لغتهم الأم، إلا أن هذا التعريب رغم سيطرته منذ قرون لا زالت الأمازيغية صامدة لم تمت، وهذا راجع إلى “أن التحولات الثقافية أشبه شيء بالتحولات الجيولوجية التي يتغير بمفعولها شكل التضاريس. لا يمكن للرواسب الطارئة على السطح أن تخفي إخفاءً كليا القواعد الصلدة القديمة، والقاعدة الصلدة القديمة في المجال اللساني تتجلى على أربع مستويات هي المستوى المعجمي، المستوى النحوي والصرفي، والمستوى التركيبي، والمستوى الفونولوجي”[13].
من هنا نستنتج أن للغة الأمازيغية بنيتها الخاصة ونظام أصواتها. يقول الأستاذ محمد المدلاوي: “إن معجم العربية المغربية الدارجة معجم سامي تمثلته أرضية فونولوجية أمازيغية”[14].
- الكلمات الدخيلة والمقترضة من اللغة العربية وكيفية إدماجها في الأمازيغية:
يتم الاقتراض بين هاتين اللغتين بتبادل المفردات بينها، “ومن الصعب الحديث عن علاقة الهيمنة بينهما”. ذلك لأن تواجدهما في السوق اللغوية في وضعية تنافس تميل فيه الكفة أحيانا إلى العربية الدارجة وخاصة في المدن. والملاحظ أن ذوي اللسان العربي لا يتعلمون اللسان الأمازيغي في حين يضطر الأمازيغي إلى تعلم الدارجة لاستعمالها عند الحاجة وبذلك فإن المتكلمين بالدارجة والأمازيغية يعتبرون مزدوجي اللغة، إن لم يكونوا متعددي اللسان خاصة الذين يمتلكون منهم بالإضافة إلى ذلك اللسان الفرنسي والإنجليزي أو الإسباني. إلا أن المؤكد هو أن هذا التعايش بين اللسانين العربي والأمازيغي قد أسفر عن صهر العربية الفصحى في بوتقة الأمازيغية مما تولد عنه ما يسمى بالدارجة المغربية. كما أن تعايشهما قد أسفر عن تبادل للمفردات والتعابير البارزة في معجميهما وبنياتهما الصرفية والتركيبية. والجدير بالذكر هنا أن الاقتراض اللغوي يمر ولا محالة عبر ذوي اللسانين الذين يستطيعون نقل المفردات وغيرها من لسان إلى آخر ليتبناه الناطقون الأحاديي اللسان. وفيما يلي تبيان لهذا التأثير والتأثر بين هذين اللسانين.
يتضح أن الاقتراض اللغوي هو عملية أخذ إحدى اللغات بعض العناصر اللغوية من لغة أخرى وذلك لعناصر قد تكون أصواتا أو كلمات أو صيغا… سندرج أمثلة عن اقتراض الأمازيغية من العربية ومن الفرنسية والاسبانية، وأيضا اقتراض العربية الدارجة من الأمازيغية.
- المقترض الأمـازيغي في العربية الفصحى والدارجة
العربية الدارجة هي اللغة الاكثر حيوية والأكثر اتساعا في الاستعمال اليومي للتواصل خاصة مع الغير الناطقين بالأمازيغية، فهي بمثابة شفرة للفهم في عملية التواصل بين الفئتين من ذوي اللسان العربي والأمازيغي. تستعمل الدارجة عادة لضمان التواصل على أوسع نطاق. ومثال ذلك الأمازيغ الذين ينتمون إلى لهجات مختلفة يستعملون العربية الدارجة لضمان الفهم والتواصل فيما بينهم.
أما اللغة العربية الفصحى هي لغة شبه ميتة في بلدنا، لمحدودية مجال تدوالها ليست مستعملة من طرف المتكلمين لغاية التواصل اليومي والعادي، وإنما تظهر “بشكلها الكلاسيكي لغة الدين والشعائر، وبشكلها العصري لغة رسمية”.
قد تقترض اللغات مجموعة من المفردات وتخضعها لبنياتها وقواعدها الصوتية والصرفية، وقد يتعدى هذا الاقتراض حدود تكييف الكلمات المقترضة مع هذه القواعد بتوسيع رقعة النظام الصوتي والصرفي للغة المقترضة. ولعل اللغتان الأمازيغية والعربية لا تخرجان عن هذه القاعدة. حيث إننا نجد مجموعة من الصيغ الغريبة عن العربية والقادمة من الأمازيغية قد استوطنت هذه اللغة، ومثال هذه الصيغ.
- صيغة تافعالت
إن مما اقترضته العربية الدارجة من الأمازيغية على المستوى الصرفي صيغة تافعالت التي تتميز بعلامة التأنيث الأمازيغية الجلية في هذا الوزن “تافعالت” الذي يستعمل لتسمية الحرف والذي يختلف عن وزنه “فعالة” في العربية الفصحى، ومثال ذلك.
“تاكْزًارت” : (الجزارة)
“تانجًارت”: (النجارة)
“تاحدادت”: (الحدادة)
“تابنايت”: (البناء)
“تابقالت”: ( البقال / التجارة)
“تاحجامت”: )الحجامة(
“تازلايجيت”: حرفة (الزلايجي)
بل والأكثر من هذا فإننا نجد وزن “تافعليت“، الذي يمزج بين علامة التأنيث الأمازيغية (تا…..ت) والجذر العربي أو الأمازيغي فضلا عن الصيغة الصرفية المتمثلة في الحركات (ا ، ي) الدالة على الصفة وهي صيغة أمازيغية قحة لا وجود لها في العربية وإن دلت الياء في بعض الكلمات على النسبة كما في تاداميت، حيث الياء تدل على النسبة أي (آدمي، نسبة إلى آدم). من هنا يمكن القول أن هذه الكسرة في الأمازيغية حركة صرفية تدخل في وزن الصفة الأمازيغية. أو خصلة إما حميدة أو ذميمة. ومن الأمثلة الدالة على ذلك ما يلي.
“تامسلميت” : كرامة المسلم الصالح.
“تاكافريت”: أذى الكافر
“تاداميت”: آدمية
“تاعزريت”: العزوبة
“تامعلميت” : حرفية وإتقان.
وإلى جانب هذه الصيغة نجد أسماء تجمع بين مورفيم التأنيث الأمازيغي الظاهر في التاء الاستهلالية والعربي الظاهر في الفتحة في آخر الكلمة، ومن أمثلة ذلك هذه الكلمات الأمازيغية التي تبين تواجد الصيغتين في العربية والأمازيغية.
“تامارا”: (الشقاء)، المقترضة من الجذر الأمازيغي “دمر” والتي لا تختلف عن وزن الكلمة الأمازيغية “تارولا”: (الهروب). و”تاركْا” التي تعني (الساقية) و”تويزا” التي تعني عملية (التعاون)، و”تارازا” التي تعني (مضلة) أو (واقية من الشمس).
- الاقتراض الصرفي
تخضع بعض الألفاظ العربية التي تدخل “اللغة الأمازيغية” لتغيرات مهمة على المستوى الصرفي، يقوم الناطق بها إلى إضفاء صبغته الخاصة عليها، وإخضاعها للقوالب الصرفية الأمازيغية، نستعرض بعض الأمثلة مع ذكر بعض التغيرات:
- قسم الأسماء:
الأمثلة كثيرة في هذا السياق نكتفي بذكر بعضها:
“الدّوَا” (الدواء): مزغت بإسقاط المد الطويل (ا) ثم الهمزة في آخر الكلمة.
“الجّاجْ” (الزجاج): مزغ بقلب الزاي اللثوي الرخو المفخم المجهور بالشديد المجهور الجيم مع حذف المد الطويل.
“لْمْكْتْبْ” (المكتب): مزغت بتسكين الحروف.
“لْخْبَارْ” (الخبر): مزغت بتسكين الحروف.
“طّيَّارَة” (الطائرة): مزغت بقلب المد الطويل ياء مضعفة مع حذف الهمزة.
“لْمُوتْ” (الموت): مزغت عن طريق التقليص بنقل الحركة المزدوجة (وْ) إلى صائت قصير.
“لْخُوفْ” (الخوف): مزغت عن طريق التقليص بنقل الحركة المزدوجة إلى صائت قصير.
“لْوْقْتْ” (الوقت) : مزغت عن طريق التقليص بنقل الحركة المزدوجة إلى صائت قصير.
“لْمَانْتْ” (الأمانة): مزغت بإسقاط الهمزة وحذف الصائت الطويل ثم تعويضه بصائت قصير.
“لّمون”: (الليمون)، مزغ عن طريق التقليص بنقل الحركة المزدوجة إلى صائت قصير.
“لْفَايْدَة” : (الفائدة)، مزغت بمقابلة الصائت الطويل بالصائت القصير ثم ابدال الهمزة بالياء.
“لْغَابْتْ” : (الغابة)، مزغت بتقليص الصائت الطويل بصائت قصير مع تسكين الحروف.
“لاَجْرْ” (الأجر): مزغت بحذف الهمزة وتعويضها بصائت قصير.
“الطّْبٍيبْ” (الطبيب): مزغت بتسكين الحروف وإسقاط المد الطويل مع تطويعها وذلك بإضافة “ءَ” أول الكلمة للتذكير.
“السْخَانَة” (السخانة): جاءت من الدارجة المغربية مزغت بإسقاط الصائت الطويل.
“لْحْدِيد” (الحديد): مزغت بتسكين الحروف وإسقاط الصائت الطويل وتعويضه بالصائت القصير.
“تِّسَاعْ” (الاتساع): مزغت بحذف الهمزة. وإسقاط الصائت الطويل.
“لْبَاطْلْ” (الباطل): مزغ بإسقاط المد الطويل وتعويضه بالمد القصير وتسكين الحروف ثم بتضعيف الطاء.
“لْبْطِّيخ” (البطيخ): مزغت بإبدال الطاء الحرف الشديد المجهور المفخم بالتاء الحرف الشديد المهموس المرقق مع إسقاط المد الطويل.
“لْمْعْدْنُوس” (المقدونس): مزغت بإبدال القاف الحرف الشديد المجهور المفخم بالعين الحرف الرخو المجهور المرقق.
“ثْلاَّجَة” (الثلاجة): مزغت بإبدال الثاء الحرف الرخو المهموس المرقق إلى التاء الحرف الشديد المهموس المرقق.
- قسم الأفعال: الأمثلة متعددة في هذا السياق لنذكر بعضها:
- “فْرْحْ”: فعل بمعنى (فرح)، مزغ بتسكين حروفه.
- “مْشْظْ”: فعل بمعنى (مشط)، مزغ بتسكين حروفه.
- “نْفْضْ” : فعل بمعنى (نفض)، مزغ بتسكين حروفه مع قلب الضاد اللثوي الرخو المجهور المفخم بالطاء اللثوي الشديد المجهور المفخم.
- “خْدْمْ” : فعل بمعنى (خدم) مزغ بتسكين حروفه.
- “عْدْلْ” : فعل بمعنى (عدِّل) مزغ بتسكين الحروف.
- “نْقْشْ” : فعل بمعنى (نقش) الأرض، مزغ بتسكين الحروف.
- “سَلْ” : فعل بمعنى )سأل(، مزغ بحذف الهمزة وإبدالها بصائت قصير.
- الاقتراض الصوتي
تعرف المقترضات العربية الدخيلة إلى اللغة الأمازيغية، بعض التغيرات الصوتية، إذ يقوم المتكلم بالأمازيغية بإدراج هذه المقترضة ضمن صميم كلامه، حيث يستبدل أصواتها أو يغير بناءها، وفي هذا السياق سنورد بعض الأمثلة عن التكييف الصوتي مع توضيح الانتقال من لفظ إلى آخر.
- “لمانت” (الأمانة): لحقها حذف صوتي بإسقاط الهمزة.
- “الشْرْع” (الشرع): ألحق بها تغيير صوتي عائد إلى حذف الصوائت مع تسكين الحروف.
- “الرّوح” (الروح): تم التقليص بالتقابل، نلاحظ صائت طويل يقابله صائت قصير.
- “اللّيْمُون” (الليمون) : وقع التقليص بنقل الحركة المزدوجة إلى صائت قصير.
أيضا لجأت الأمازيغية إلى تكييف بعض الفونيمات الغريبة عليها وذلك بإبدالها بفونيمات أمازيغية كإبدال الصاد بالزاي المفخمة، وإبدال الطاء بالضاد. كما تم حذف الهمزة في أمثلة أخرى لعدم وجودها في النظام الصوتي الأمازيغي. يتضح هذا من خلال الأمثلة التالية:
“لِينْجِيل” (الانجيل)، “لْقُوران” (القرآن)، “يْبْلٍيس” (ابليس)، “لْكْتاب” (الكتاب)، “لْفَرَايْض” (الفرائض)، “الشّْرُوضْ” (الشروط)، “لاَغْراض” (الأغراض)، “لموصلين” (المصلين)، “لْوْضُو” (الوضوء)، “لْبَاضْل” (الباطل)، “تَازَليت” (الصلاة)، “أزُومْ” (الصوم)…
- الاقتراض التركيبي
إضافة إلى ما سبق تجدر الإشارة إلى أن الاقتراض اللغوي من الأمازيغية إلى العربية قد تخطى حدود اقتراض الكلمات والصيغ إلى اقتراض التراكيب والتعابير إما بتعريبها أو بالحفاظ على مكوناتها الأمازيغية، كما تبين ذلك هذه التعابير.
تعابير حافظت على كلمات أمازيغية | تعابير أمازيغية تم تعريبها أو استنساخها |
ضْرْبُو أَرْوَاسْ | هْزُّو لما: أُسِينْتْ وَامَانْ |
شْلْحْ عْنْدُو أَغَرَاسْ أَغَراسْ | خْمّْمْ مَعَ رَاسْكْ: سْوِينْكْمْ (ميتي) دِيخْفْ نّْكْ |
لْخْدْمَا غِيرْ تَمَرَا | دَارْهَا لُو فْمُّو: يِيًاسْتْ إْيمِي نًسْ |
كْلَا لُو تِيغْرَادْ دْيَالُو | أُسِخْتْ س إِغِيلْ: خْدِتُو بْالدّْرَاعْ |
دَارْلُوُ تامْسًّومَانْتْ | يِوْضِيٍي سْ لْعِيبْ: وْصْلْنِي |
كْلَا أَزْفْلْ | رَاجْلْ لْمْرَا: أَرْكَازْ نْ تْمْطُّوتْ (وليس زوج) |
أدْجْ أَتَّايْ أَدْ إِرْزْمْ : خْلِّي أَتايْ إِطْلْقْ | |
تْتُّوتِي غِفْسْ تَدَّارْتْ سْ 20 مْلْيُونْ: طَاحْتْ عْلٍيهْ الدَّارْ بْ 20 مليون |
بعد هذه الإطلالة الخفيفة على مدى اتصال اللغتين العربية (الفصحى – الدارجة) والأمازيغية فيما بينهما سيظهر للمتكلم المزدوج اللغة بأن العربية لم تؤثر في الأمازيغية في شيء بقدر ما أثرت الأمازيغية في العربية لتظهر في هذا الشكل العامي الذي يخضع للقوالب الصرفية الصوتية وحتى التركيبية الأمازيغية. لهذا فإن هذه القوة التي حظيت بها الأمازيغية لتطويع اللغة الدخيلة وإعطائها رونقا ومعنى أمازيغيين ينم عن كون هذه الأرض المغاربية سكانها الأصليون أمازيغ ولا أحد غيرهم، إذ عرب منهم من عرب بحيث لا يدري أن أصوله الباطنية أمازيغية ومنهم من بقي على لغته الأصلية، ولتفنيد هذه الفكرة نأخذ معجم الدارجة ونقارنه مع العربية الفصحى لنجدها لا تمت لها بأية صلة اللهم ما يتعلق بالمعجم الديني كما رأينا سابقا، ومثال ذلك: شتا التي تعني المطر وليس فصل الشتاء، هكذا التقطها الأمازيغي وأعطاها هذا المدلول.
5. الكلمات الدخيلة والمقترضة من الفرنسية وكيفية إدماجها في الأمازيغية
اللغة الفرنسية هي لغة المستعمر الفرنسي وقد بقيت إلى حد الآن تحتل مواقع هامة في الاقتصاد والعلم والثقافة والتعليم، ولم تستعمل أبدا للتواصل، حتى وإن حصل ذلك فيكون مجرد بريستيج لعائلات تعيش حياة الترف والبذخ…، إن لم يكن لغايات أخرى.
تعاملت الأمازيغية مع الفرنسية تعاملها مع العربية بتكييف ما اقترضته منها من الكلمات على مختلف المستويات اللغوية، صوتا وصرفا إلخ. وكمثال على ذلك:
- “السْرْبِسْ” (service): إبدال الصامت الاحتكاكي المهموس الشفوي- الأسناني«v» بالصامت الشفتاني الإنفجاري المجهور «b».
- “لترو”(litre): إضافة الصائت البسيط في نهاية الكلمة
- “لافير” l’affaire)): مزغت بإزالة التضعيف وإسقاط المد الطويل.
- “لكونطرا” (contrat) : فهي دخيلة، دخلت دون تغيير.
- “دوش” (douche): هي دخيلة، دخلت دون تغيير.
- “مارشي” (marché): دخلت دون تغيير .. فهي دخيلة.
- “باليزة” (valise): إبدال الصامت الشفوي –الأسناني «v» بآخر موجود في النسق الفونيمي الأمازيغي أي «b» الشفتاني الانفجاري المجهور «b» .
- “لاكْسيضا” l’accident)) : تفخيم الحرف «d» أي تغييره ب “ض” وتغير الصائت الأنفي «en» بصائت بسيط «a»
- “الدِّيوَانَة” (douane): تغير الصائت الأخير إلى فتحة، ثم التقليص بنقل الحركة المزدوجة إلى صائت قصير.
- “لباكاج” (bagage) : دخلت الأمازيغية دون تغيير. .. فهي دخيلة.
- “لْفِيلم” (le film): دخلت الأمازيغية دون تغيير.ٍ.. فهي دخيل.
- “جًورْنَان” (journal): دخلت الأمازيغية بتغير الصائت الخلفي العال بصائت قصير وإبدال الصائت الرنان الجانبي بالصائت الأنفي.
- “لْبُونْج” (l’éponge) : حذف الصائت الاستهلالي «é» وتغير الصامت الانفجاري الانفجاري المهموس «P» بالصامت الانفجاري المجهور الباء.
- “الصَّاك” (sac): حافظت على نفس البنية. .. فهي دخيلة
- “لْمِكَانِسْيان” (le mécanicien) تفكيك الصائت الأنفي المركب «ien» إلى حرف علة والصائت المنخفض «a» والصامت النفي «n».
- “لَمْبَا”: (lampe) مزغت بإبدال الصائت الأنفي بالحركة القصيرة ثم إبدال «p» الحرف الشديد المهموس المرقق بالباء الحرف الشديد المجهور المفخم.
– “كَمَام” (comme même ) : مزغت بتغيير في الصوائت القصيرة ، حيث قلبت الضمة فتحة والفتحة ضمة مع إسقاط الميم الأخيرة لأن الأمازيغية لا تقبل الكلمات الطويلة.
– “جْمَافٌو” (je m’en fou): هذه العبارة مزغت في كلمة واحدة وطوعت أمازيغيا وذلك بإسقاط الصائت الأنفي «en» وتعويضه بصائت قصير (الفتحة) ثم إسقاط المد الطويل «ou» وإبداله بضمة.
- “جَّدارميا” (gendarmes): مزغت بحذف الصائت الأنفي «on» وإبداله بحركة قصيرة ثم إضافة “يّا” في آخر الكلمة للدلالة على الجمع في الدارجة.
- “سبيطار” (l’hôpital) : مزغت بزيادة حرف السين مضعفا أول الكلمة وقلب «P» الحرف الشديد المهموس المرقق بالباء والحرف الشديد المجهور المرقق، ثم أخيرا قلب اللام الحرف المتوسط الجانبي راء ( الحرف المتوسط المكرر اللثوي).
- “لافيراي” (la ferraille) : لم يطرأ عليها أي تغيير. فهي من الدخيل.
- “لكونكور” (le concours) : دخلت الأمازيغية دون تغيير. فهي من الدخيل.
- “برمسيون” (permission) مزغت بإبدال الصامت « p » بمقابله في الأمازيغية «b» مع فك الصائت الأنفي إلى صائت بسيط وصامت أنفي « n».
- “راديو” (radio) حافظت على نفس البنية.
- “ريسيبو” (le reçu-bon): دمج الكلمة في كلمة واحدة مع تضعيف الصامت الشفهي الانفجاري وتحول الصائت الأنفي «on» إلى صائت وسيط خلفي «u».
- “طوموبيل” (automobile) مزغت بحذف الصائت العالي «au» مع قلب الميم المتوسط الأنفي الشفتاني بالنون الحرف المتوسط الأنفي اللثوي .
- “تريكو” : (tricot) حافظت على نفسها كما كانت في لغتها الأصلية. فهي من الدخيل.
- لكاميو (camion)، لباطيم (batiment) ، لبــاصبور (passeport) ، لاصــورانس (l’assurance) ، لبـــلان (le plan) ، لانطير(l’antenne) ، لبلاصت (la place) لكونونير (colonnel)، طوبيس (autobus)…
6 . المقترض الإسباني في الأمازيغية
اللغة الإسبانية لغة المستعمر الإسباني التي نجد لها آثارا وخاصة في مناطق الشمال والجنوب المغربي، وقد فقدت هيمنتها بسبب منافسة اللغة الفرنسية باعتبارها اللغة الثانية بعد اللغة العربية الرسمية، حيث نجد سجلا للألفاظ الإسبانية المتداولة في شكل مقترضات في الأمازيغية. نذكر بعضا منها على سبيل المثال:
- “البُوكادو” (المحامي)
- “الْبَابور” (الباخرة)
- “السْوِيرْتي” (الحظ)
- “بطاطا” (البطاطيس)
- “السْكْوِيلة” (المدرسة)
- “كْشّينَة” (مطبخ).
ما يمكن ملاحظته من خلال هذه الأمثلة (المقترضات الإسبانية) هو أننا نلمس مجموعة من المظاهر الصوتية والصرفية التي تشترك والأمازيغية في تداولها.
إذن نلاحظ أن اللغة الأمازيغية كم أثرت في لغات تأثرت هي بدورها، إذ اكتسحتها كثير من اللغات، منها على رأس اللائحة اللغة العربية ويليها في الترتيب الفرنسية ثم الإسبانية.
يمكن أن نخلص بعد هذا العرض الوجيز إلى أن هذا الاقتراض يبين كما قال أحمد بوكوس: “إن للغات المحلية حتى ولو كانت في وضعية تبعية، القدرة على استيعاب المفردات المقترضة بإخضاعها لبنياتها الخاصة، ومثل هذا الإبداع من الدرجة الثانية بالتأكيد، إحدى أهم استراتيجيات المقاومة لدى اللغات المستضعفة في غياب الإبداعية المعجمية التي تتيح خلق ألفاظ جديدة”[15].
يمكن القول إجمالا أن المقترض العربي في الأمازيغية يمس بالخصوص الحقل الديني. فكل المصطلحات الدينية الاسلامية قد تم اقتراضها من العربية مع تكييفها على المستوى الصوتي والصرفي لكي تدمج في الأمازيغية.
خـــاتمة
الاقتراض اللغوي ظاهرة اجتماعية شائعة تكاد تطرد في معظم لغات العالم على مدى العصور، وتعد إحدى وسائل تنمية الثروة اللغوية وابتكار كلمات جديدة. فاللغات تتبادل التأثير فيما بينها، ويستعين بعضها بألفاظ البعض الآخر وأساليبه في سد حاجته من الكلمات والتعبيرات. فإننا لا نكاد نجد لغة تخلو من كم كبير من كلمات اللغات الأخرى بداخلها إذ لم تكن هناك أمة منعزلة كلية عن سواه.
إلا أن لظاهرة الاقتراض اللغوي آثارا سلبية وإيجابية. تتمثل الآثار الإيجابية في إغناء اللغة المستقبلة للمقترض بمفردات لم تكن تعرفها، أو تستعملها كمقابلات لمفردات أصلية، لهذا تضمن لها الاستمرارية والتطور. أما الجانب السلبي للاقتراض فيتجلى في أنه يؤدي إلى إهمال المصطلحات والمفردات الأصلية في اللغة التي تكون ربما مستضعفة مما يؤدي إلى إفقار اللغة الأصلية في مقابل إعطاء الحيوية والانتشار للغة المانحة. الشيء الذي يؤدي إلى موت اللغة.
وفيما يخص الاقتراض اللغوي في اللغة الأمازيغية، تدل نسبة الألفاظ المقترضة من اللغات الأخرى إلى مستوى الاحتكاك وعمق الاتصال الثقافي والحضاري بين اللغتين الآخذة والمعطية. كما يدل ارتفاع نسبة الألفاظ المقترضة على عمق التواصل والتعاون، فيزداد بذلك ثراء اللغة الآخذة.
المراجــع
- – محمد عفيف الدين، محاضرة في علم اللغة الاجتماعية، سورابيا، دار العلوم اللغوية، 2006.
- ابن منظور، لسان العرب، ج 11، مكان النشر: قم، ايران، تاريخ الإنشاء: 2006.
- ابن منظور، لسان العرب، ج1، ترجمة وتحقيق عبد الله علي الكبير، محمد أحمد حسب الله، هاشم محمد الشادلي، دار المعارف، 1998.
- أحمد بوكوس، مسار اللغة الأمازيغية، الرهانات والاستراتيجيات. طوب بريس، الرباط، 2013.
- جون جوزيف، اللغة والهوية قومية- إثنية- دينية، ترجمة: د عبد النور خراقي، عالم المعرفة ، 342.
- زهور حوتي، “الاقتراض اللغوي مقاربة سوسيولسانية” في “مقالات في الأدب واللسانيات والتواصل، تنسيق أحمد بشنو ومحند الركيك، مطبعة آنفو-برانت، فاس2013.
- سعيد نوصير، “سوسيولسانيات المجتمع المغربي وإشكال التداخلات اللغوية” – دراسة في التعدد والتداخل والاقتراض- سلسلة شرفات، العدد 63، مطبعة بني ازناسن سلا- المغرب، أكتوبر 2015.
- محمد المدلاوي، قوانين اضطراد التقابل بين معجمي العربية الدارجة والعربية الفصحى، ندوة (تمكين اللغات)، أبريل 1996.
- محمد الوالي، لقاء مع جريدة الصحراء المغربية، حول موضوع تاريفيت والثورة اللغوية المشتركة مع العربية، العدد 53-54، 2005.
- محمد شفيق، الدارجة المغربية مجال توارد بين الأمازيغية والعربية، مطبعة المعارف الجديدة، 1999.
- محمد شفيق، أربعة وأربعون درسا في اللغة الأمازيغية -نحو وصرف واشتقاق-دار النشر: تاوالت، 1990.
- محمد شوقي أمين ومصطفى حجازي: الألفاظ والأساليب، مطابع دار أخبار اليوم، دار الكتب، القاهرة، 1976.
- محمد علي الخولي، الحياة مع لغتين (الثنائية اللغوية)، جامعة الملك سعود، الرياض 1987.
- مروج غني جبار. الاقتراض في العربية. جامعة بغداد، كلية العلوم الإسلامية، 2011.
- المسألة الأمازيغية في المغرب، نوافذ، العدد 17، غشت 2002، مجلة ثقافية.
- عالم المعرفة. اللغة و الهوية، قومية- إثنية – دينية. العدد 342.
- AMEUR Meftaha, (2007). Emprunt et créativité lexicale en berbère. Traitement en situation d’aménagement linguistique, n° 105 ling. fr.
- BEN ABBAS, Mustapha, (2003(. Variation et emprunt lexicaux, étude sociolinguistique sur le parler Amazighe de Figuig. Thèse Doctorat soutenu à la faculté des Lettres et Sciences Humaines, Dhar El Mehraz- Fès.
- CHIBLI, Fatima. (2013). L’adaptation phonologique et morphologique des emprunts arabes en parler d’Aït Sgougou. Mémoire du master langue et culture amazighes. Université Mohamed V, Rabat.
- DEROY. Louis. (1959). L’emprunt linguistique. Les belles lettres. Paris. P. 7.
- DUBOIS, J et autre. (2002). « Dictionnaire de linguistique et des sciences du langage », Larousse, pour la première édition, Larousse – Bordas / HER 1999 pour la présence édition ; Paris.
- VALENTIN García Yebra, (1982). Teoría y práctica de la traducción. Madrid, Editorial Gredos,
- https://ia800209.us.archive.org/28/items/waq10576/11_10586.pdf.
- http://www.alami.net.ma/ALFOSHA/oeuvres/Langue/Arabisation/Fitaerib/Texte15.htm.
الهوامش:
-
- ابراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، بيروت، دار الإحياء، التراث العربي، ج2، ص. 733.↑
- – محمد عفيف الدين، محاضرة في علم اللغة الاجتماعية، سورابيا، دار العلوم اللغوية، 2006م، ص 184 ↑
- – DEROY. Louis. (1959). L’emprunt linguistique. Les belles lettres. Paris. P. 7. ↑
- DUBOIS, J et autre. (2002). Dictionnaire de linguistique et des sciences du langage. Editions Larousse, P. 188. ↑
- – محمد الوالي، لقاء مع جريدة الصحراء المغربية، حول موضوع تاريفيت والثورة اللغوية المشتركة مع العربية، العدد 53-54، 2005. ↑
- -VALENTIN García Yebra, Teoría y práctica de la traducción. Madrid, Editorial Gredos, 1982 P. 33. ↑
- – ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ط. دار صادر- بيروت، 2002. ص 241. ↑
- – ابن منظور، لسان العرب ج 11، : دار النشر: قم، ايران، تاريخ الإنشاء: 2006. ص 16-17. ↑
- – http://www.alami.net.ma/ALFOSHA/oeuvres/Langue/Arabisation/Fitaerib/Texte15.htm, ↑
- – مروج غني جبار، الاقتراض في العربية، ج 1، دار النشر جامعة بغداد، 2011، ص 526. ↑
- – الدكتور محمد علي الخولي، الحياة مع لغتين (الثنائية اللغوية)، جامعة الملك سعود، الرياض 1987، ص 96. ↑
- – عالم المعرفة. اللغة و الهوية، قومية- إثنية – دينية. العدد 342، ص 81. ↑
- – محمد شفيق، الدارجة المغربية مجال توارد بين الأمازيغية والعربية، مطبعة المعارف الجديدة. 1999، ص: 7. ↑
- – محمد المدلاوي، قوانين اضطراد التقابل بين معجمي العربية الدارجة والعربية الفصحى، ندوة (تمكين اللغات)، أبريل 1996. ↑
-
– أحمد بوكوس، مسار اللغة الأمازيغية، الرهانات والاستراتيجيات. طوب بريس، 2013، الرباط. ↑