بلاغة أسلوب التقديم والتأخير في آيات الجنَّة والنَّار في القرآن الكريم

مهند حسن حمد الجبالي1

1 أستاذ مساعد جامعة عجلون الوطنية – الأردن

HNSJ, 2022, 3(7); https://doi.org/10.53796/hnsj3716

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/07/2022م تاريخ القبول: 23/02/2022م

المستخلص

حقّق أسلوب التقديم والتأخير في آيات الجنَّة والنَّار – عبر أنماطه المختلفة، وسياقاته المتنّوعة –دلالات ومعاني بلاغّية جليلة كالاهتمام ،والعناية ،والتشويق، وغيرها، وقد تجلّى منها بشكلٍ كبيرٍ وواضحٍ غرض الاختصاص الذي يؤمّن للنفس المؤمنة ما تصبو إليه من إثبات الأجر والثواب لها على أفعالها الصالحة، إضافة إلى تعريضه بالكفّار الذين زلّت قدمهم عن الصراط المستقيم.

Research title

The eloquence of the method of presentation and delay in the verses of Heaven and Hell in the holly Qur’an

Muhannad Hassan Hamad Al-Jabali1

1 Assistant Professor, Ajloun National University – Jordan

HNSJ, 2022, 3(7); https://doi.org/10.53796/hnsj3716

Published at 01/07/2022 Accepted at 23/02/2021

Abstract

The style of presentation and delay in the Ayat of paradise and hellfire through its different styles and types has realized rhetorical magnificent indications and meanings, such as interest, care, excitement, etc. Many of which have been appeared greatly and clear for the specialization which ensures the believer its hope of confirmation of reward and gift for its good actions , in addition to the condemn of the disbelievers whose feet have been slipped from the right path.

بلاغة أسلوب التقديم والتأخير([1]):

يستقل أسلوب التقديم والتأخير في آيات الجنَّة، والنَّار مكانة بلاغيَّة عالية، ويكوِّن ظاهرة أسلوبيَّة فريدة تنبِّه نظر القارئ لها، فالتقديم والتأخير أداة فعَّالة لإبراز هذا الأسلوب المعجز، فكل كلمة قدمت لأمر، وأخِّرت أخرى لأمر آخر.

قال سيبويه في كتابه: (كأنَّهم يقدِّمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أعنى وأن كانا جميعاً يهمانهم ويعنيانهم)([2]).

وهو – بلا شك- يشتمل على لطائف بلاغيَّة بديعة، ومعاني دقيقة تشارك في إبراز الدلائل، فضلاً عن أنَّها تجلي مغزى المتكلِّم من وراء استعمال هذا الأسلوب البلاغيَّ الطريف.

وقد أشار الزركشي إليه بالقول: (هو أحد أساليب البلاغة، فإنَّهم أتوا به دلالة على تمكَّنهم في الفصاحة، وملكتهم في الكلام، وانقياده لهم، وله في القلوب أحسن موقع، وأعذب مذاق)([3]).

ونصَّ الجرجاني عليه بالقول: (هو باب كثير الفوائد، جم المحاسن، واسع التصرف، بعيد الغاية، لا يزال يفتر لك عن بديعة، ويقضي بك إلى لطيفة، ولا تزال ترى شعراً يروقك بسمعه، ويلطف لديك موقعه، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك، ولطف عندك أن قدَّم فيه شيء، وحوَّل اللفظ عن مكان إلى مكان)([4]).

وكذلك قال أحمد بدوي في ذلك: (فقد حرصت الجملة في القرآن الكريم على أن يكون هذا التقديم مشيراً إلى مغزى، دالاً على هدف حتَّى تصبح الآية بتكوينها، تابعة لمنهج نفسيِّ، يتقدَّم عندها فيها ما تجد النفس تقديمه أفضل من التأخير، فيتقدَّم مثلاً بعض أجزاء الجملة حيث يكوِّن المحور الذي يدور عليه الحديث وحده، فيكون هو المقصود والمعنى)([5]).

ومعروف أنَّ نحاة العربيَّة قد وضعوا للجملة العربيَّة قوانين، وتطرقوا إلى ترتيب أجزائها، وإلى التباين في هذا الترتيب، إذ يشكِّل هذا التباين نوعاً من التأثير البلاغيِّ قصروه على غرض الاهتمام، والعناية، ولقد كان خيال البلاغيين أعمق، وأشمل في تسجيل جماليات هذا الانحراف عن الأصل التركيبي للجملة العربيَّة، مستندين على سياق النظم لآيات الجنَّة والنَّار كأساس في تبيُّن الأغراض الأسلوبيَّة البلاغيَّة للتقديم والتأخير.

ويتشكَّل أسلوب التقديم والتأخير في العربيَّة من خلال الخروج الفني عن القاعدة النحويَّة، وتبديل أجزاء من الكلام لتنزل موقع غيرها لاعتبارات (ترتبط فيها بالمتكلِّم، واعتبارات ترتبط فيها بالمتلقي، واعتبارات تتصل بطبيعة الصياغة ذاتها)([6])، وتجدر الإشارة إلى أنَّ أسلوب التقديم والتأخير في آيات الجنَّة والنَّار قد حقَّق لطائف دلاليَّة بديعة، وأبرز قدرات اللغة العربيَّة الجليلة، وعلى ذلك فالتقديم والتأخير في أجزاء الكلام لا يأتي اعتباطاً، وإنما يضفي ذلك إلى أغراض بلاغيَّة مقصودة كان أشهرها ما يلي:

القصر والاختصاص:

فدلالة المعنى في التقديم مقصورة على المتقدِّم، فراراً من الشراكة مع غيره، ويكمن غرض الاختصاص في قوله تبارك وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى ربِّها نَاظِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ، تَظُنُّ أنَّ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [القيامة:22-25].

قال ابن الأثير معلِّقاً على هذه الآية القرآنيَّة الكريمة: (أي تنظر إلى ربِّها دون غيره، فتقديم الظرف هنا ليس للاختصاص… وإنَّما قدِّم من أجل نظم الكلام، لأنَّ قوله تبارك وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى ربِّها نَاظِرَةٌ أحسن من أنَّ لو قيل: وجوه يومئذ ناضرة ناظرة إلى ربِّها والفرق بين النظميين ظاهر)([7]).

وتابع العلوي ابن الأثير في هذا النمط من التقديم، ويوشك أن ينقل الشواهد نفسها فقال: (فهذا وأمثاله إنَّما قدِّم ليس من جهة الاختصاص، وإنما كان من أجل ما ذكرناه من المطابقة اللفظيَّة في تناسب الآي وتشاكلها)([8]).

في حين يرى أحد الباحثين المحدثين: (أنَّ هذا التقديم ما هو إلاَّ للاختصاص دون أن نردَّ على ابن الأثير بقوله: هو نفسه، فقد قال في بداية كلامه (أي تنظر إلى ربِّها دون غيره) فمعنى كلامه يدلُّ على أنَّ هذا التقديم هو للاختصاص وليس لمراعاة الفاصلة، ولا يمنع من أن يكون التقديم في الأسلوب القرآني الكريم للاختصاص والفاصلة كما بينا)([9]).

فالجملة تقوم على سياق لغوي يتقدَّم فيه الخبر (إلى ربِّها) على المبتدأ (ناظرة)، فكلام النحويَّ في هذه الجملة، وأشباهها أن يقول: تقدِّم الخبر على المبتدأ، لأنَّه شبه جملة، والمبتدأ اسم نكرة.

وخليقٌ بنا أن نشير إلى أنَّ وراء هذا التقديم غرضاً بلاغيَّاً قيِّماً يتجلَّى بمعنى الاختصاص، والتقدير: أنَّ هذه الوجوه تنظر إلى ربِّها، وتقصر نظرها عليه، من دون النظر إلى سواه. وقد تطرأ هنا مسألة تتمثَّل في أنَّ أهل الجنَّة ينظر بعضهم إلى بعض، فضلاً عن أنَّهم ينظرون إلى زوجاتهم أيضاً فكيف يفيد التقديم في الآية القرآنيَّة الكريمة معنى أنَّ الوجوه لا تنظر إلاَّ إلى ربِّها سبحانه وتعالى، فهذا التساؤل بما يتضَّمنه يثير معرفة الجواب لدى السامع، وفي ذلك يقول الألوسي في تفسير هذه الآية القرآنيَّة الكريمة: (ومعنى كونها ناظرة إلى ربِّها أنَّها تراه تعالى مستغرقة في مطالعة جماله، بحيث تغفل عمَّا سواه، وتشاهده تعالى على ما يليق بذاته سبحانه)([10]).

وأحسب أنَّ الشاعر ابن الفارض قد استوعب مغزى هذه الآية القرآنيَّة الكريمة فقال:

فَأِدْرِ لِحاظَكَ في مَحَاسِنِ وَجْهِهِ تَلْقَى جَميعَ الحُسْنِ فيه مُصَوَّرا([11])

ويتبعه فاضل صالح السامرائي في ذلك فيقول: (وأمَّا تقديم الجار والمجرور في قوله تبارك وتعالى: (إلى ربِّها ناظرة) فللاختصاص، فإنَّ هذه الوجوه لا تنظر إلاَّ إليه فإنَّ النظر إليه يذهلها عن كلِّ ما عداه، وينسي أهلها ما عداه من النعيم، فإنَّ أهل الجنَّة ما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إليه كما في الحديث الصحيح، فهذا من أوجب مواطن الاختصاص. فالتقديم اقتضاه المعنى كما اقتضته موسيقى الفاصلة. وهذا الجمع بين النضرة وسعادة النظر في وجهه الكريم فيشبه الجمع بين النضرة والسرور في قوله تبارك وتعالى: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان:11]([12])، ويتابع القول: (وتقديم (يومئذ) في الآيتين يفيد الاختصاص وهو ما يقتضيه المعنى والفاصلة فإنَّ نضرة أصحاب النعيم، خاصة بذلك اليوم، أمَّا في الدُّنيا فربَّما لم تعرف وجوههم النضرة، وكذلك أصحاب الوجوه الباسرة فإنَّ البسور مختصُّ بذلك اليوم وربَّما كانت وجوههم من أنضر الوجوه في الدُّنيا)([13]).

ويرى محمد أبو موسى في ذلك: (والذي نراه أنَّه لا تزاحم في النكات والأسرار وأنَّ التقديم في الآية القرآنيَّة الكريمة يفيد الفائدتين: فائدة معنويَّة وهي الاختصاص وفائدة لفظيَّة – في تقديرنا جزء من التعبير كالمعنى تماماً – وهي الحفاظ على التنغيم الآخذ والتوازن الصوتي الذي يشارك مشاركة فعَّالة في تحريك القلوب وبعث خوافي الإحساس والشعور، ويدرك هذه الحقيقة من ذاق حلاوة الترتيل وجمال التنغيم في هذا القول الحكيم)([14]).

وقريب ممَّا سبق قوله تبارك وتعالى: لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ… [الأنعام: 127].

فقد قُدِّم (المسند على المسند إليه؛ لأنَّه محط الفائدة وبدونه لا يستقيم المعنى المراد إذ ليس بواجب أن يكون كلُّ معرفة مسنداً إليه فذلك أكثري لا كلي ومن ذلك قول أبي تمام:

لُعابُ الأفَاعي القَاتِلاتِ لُعابُهُ وَأَرْىُ الجنَى اشْتارَتْهُ أَيْدٍ عَواسِلُ([15])

فالتقدير النحوي في هذه الآية القرآنيَّة الكريمة يطلَّب دار السلام لهم. بيد أنَّ هذا التقديم في موضع الخبر يضفي إلى أنَّ دار السلام –الجنَّة- لا تكون إلاَّ لأصحاب الضمير (هم) الذين سبق ذكرهم في الآيات القرآنيَّة الكريمة؛ وذلك لامتلاكهم صفات تفردهم عن غيرهم من بني البشر، لذلك استحقوا هذا الاختصاص في الجزاء.

ومنه قوله تبارك وتعالى: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ [الفجر: 13]، فالآية القرآنيَّة الكريمة قد جاءت على الشكل اللغوي الآتي:

فعل (صبَّ) + عليهم (جار ومجرور + فاعل (ربك) + مضاف إليه الكاف الضمير المتصل + مفعول به + مضاف إليه.

ويميل الباحث إلى القول: إنَّ تقديم الجار والمجرور (عليهم) على الفاعل (ربك) جاء ليفيد اختصاص الضمير في (عليهم) بالعذاب دون غيرهم، فلو أخَّر التعبير القرآني الكريم (عليهم) بعد الفاعل (ربك) لكان التقدير ما كانوا مختصين به، ويلحظ أنَّ الفاعل لم يأتِ بلفظ الجلالة (الله) وإنَّما جاء بلفظ (ربك)؛ ليكون هذا درساً، وتربية للناس أجمعين بأنَّ الله الذي نسبت إليه يحميك ويعذِّب أعداءك.

وقريب مما سبق قوله تبارك وتعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة… [يونس: 26]. تحوي الآية القرآنيَّة الكريمة نموذجاً لغوَّياً يتجاوز تركيبة الجملة العربيَّة المألوفة إذ يتقدَّم الخبر على المبتدأ على النحو الآتي:

للذين شبه جملة (جار ومجرور) – خبر مقدَّم + أحسنوا (جملة الصلة لا محل لها من الإعراب)+ الحسنى (مبتدأ).

يفهم من هذا التعبير القرآني الكريم الاهتمام بالمحسنين، وإثبات الفعل لهم عن طريق حذف المفعول به من جانب، وقصر جزاء (الحسنى)، وهي الجنَّة التي تتصف بالحسنى في كلِّ شيء عليهم من دون سواهم من جانب آخر، ولحد الآن فالآية القرآنيَّة الكريمة تبيِّن العمل والجزاء، والإحسان مقابل الجنَّة (الحسنى)، غير أنَّ الله سبحانه وتعالى من أسمائه الكريم فهو أكرم من عباده إذ يمتن عليهم بالزيادة التي تتضَّمنها جملة العطف (وزيادة).

وممَّا هذا شأنه قوله تبارك وتعالى: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ [المطفِّفين: 25-26]. فبناء الآية القرآنيَّة الكريمة يقوم على تقديم المتعلِّق شبه الجملة من الجار والمجرور (في ذلك) على العامل (فليتنافس) من أجل تحقيق مضمون اختصاص التنافس بين المؤمنين، وهو نعيم الجنَّة الدائم.

لهذا فالتنافس في الآية القرآنيَّة الكريمة مقصور على أنواع الخيرات الوفيرة الموجودة في الجنَّة، بمعنى: أنَّ تنافساً يقوم به بنو البشر غير هذا التنافس المذكور في الآية القرآنيَّة الكريمة إذ لا يعني شيئاً بالنسبة له، ولا يساويه بأيِّ شكل من الأشكال، وفي هذا درس تربوي للمخاطب من أجل أن يستغل وقته، ويسخِّر جهده، ويرصد أعماله الصالحة للفوز في هذا الأمر الجليل.

وشبيه بما سبق قوله عزَّ وجلَّ: فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن، 52]. وقوله تبارك وتعالى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ [الصافات: 48]. فتقديم المسند على المسند إليه في الآيتين القرآنيتين الكريمتين قد أفاد غرض الاختصاص في جنَّة الخلد، فهي إذاً المكان الذي يشتمل على الفاكهة المتنوِّعة في الطعم والصنف، فضلاً عن أنَّ أهل الجنَّة هم الوحيدون الذين يتفرَّدون بأنَّ لديهم نساء يتصفن بصفة القصر أي قصر النظر على أزواجهن فهّن عفيفات طاهرات متحبِّبات لأزواجهن.

ومن أساليب التقديم والتأخير التي تفيد غرض الاختصاص المتلازم مع غرض الاهتمام، والاعتناء بالمتقدِّم لتفرُّده، وإجلاله، وتشريفه ما يكمن في قوله تبارك وتعالى: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ولا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس: 26]. فالنظام التعبيري الذي يستند عليه بناء الجملة في الآية القرآنيَّة الكريمة هو على النحو الآتي:

لا يرهق (فعل مضارع منفي) + وجوههم (مفعول به مقدَّم) + قتر (فاعل) + ولا ذلة (جملة العطف).

فتقديم المفعول به في الآية القرآنيَّة الكريمة يحقِّق غرض الاختصاص والاهتمام، فالوجوه هي الجزء المخصوص الذي لا يصاب بالرهق والذلة، والتقدير أنَّ جميع أعضائهم بعيدة عن الإصابة بهذه الآفات، ومن جملتها الوجوه بيد أنَّ الاعتناء، والاهتمام الأكبر للوجوه، وفي هذا إشارة إلى (أنَّ المصون من الرهق أشرف أعضائهم)([16]).

فإذا كان الوجه أطهر، وأشرف الأعضاء لا يصاب فحريّ أن تكون بقية الأعضاء كذلك.

وبخلاف ذلك قوله تبارك وتعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّار وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ [المؤمنون: 104]. إذ قدم القرآن الكريم شبه الجملة (من الجار والمجرور) (فيها) خبر مقدَّم على المبتدأ المؤَّخر (كالحون)؛ وذلك للعناية بالمكان([17]).

وقريب من قوله تبارك وتعالى: وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات: 18]. فالآية القرآنيَّة الكريمة تشير إلى أنَّ هؤلاء جماعة مستغفرون دائمون على الاستغفار من الذنوب، بيد أنَّ تميزهم يتمثّل في الوقت الذي يخصصونه لهذا العمل الجليل، وهو وقت السحر حيث الناس نيام، فتعبدهم لله سبحانه وتعالى المتعلِّق (بالأسحار) فيه اهتمام، وتركيز لهذا الوقت، وعليه فإنَّ التقديم قد أفاد غرض الاهتمام، والاختصاص معاً، ويحمل غرضاً ثالثاً يكمن في إثارة التشويق للمتأخّر.

ومنه قوله تبارك وتعالى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جهنَّم خَالِدُونَ [المؤمنون: 103]. قدَّم التعبير القرآني الكريم الجار والمجرور شبه الجملة (في جهنَّم) خبر مقدَّم + على المبتدأ المؤخر (خالدون)؛ ذلك: (للاهتمام بتصوير مصيرهم وسرعة بيانه لهم، بخلودهم في النَّار)([18]).

ومنه أيضاً قوله تبارك وتعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الرعد: 5]. فعليك أيُّها القارئ الكريم أن: “تتأمل ما أحدثته بلاغة التقديم وتوسيط ضمير الفصل (هم) بين الصدر والعجز، ففي ذلك تأكيد العذاب بالخلود فيه، ليس لمنكري البعث فيه، وإنَّما للجمع المدلول عليه بقوله وسط الآية: (أولئك الذين كفروا بربِّهم”)([19]).

وقد (وافق توسيط الضمير في آخر الآية، توسيط لفظ الكافرين في صدرها، فأي إحكام في النظم يبلغ مثل ذلك؟!))([20]).

ومنه قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جهنَّم خَالِدُونَ [الزخرف: 74]. وذلك: (لبيان الاهتمام بالمقدَّم وهو كونهم في العذاب يصطلون بحرِّ جهنَّم، ووجودهم في شدَّة العذاب، وفي جهنَّم أهم من خلودهم في النَّار، لأنَّه أشد، وأفظع لاحتمال أن تكون جهنَّم مع خلودهم فيها واهنة ضعيفة، فالعبرة إذن ليست بخلودهم في النَّار ولكن العبرة بمكثهم في وسط جهنَّم)([21]).

ومنه قوله تبارك وتعالى: فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ [الرحمن: 66]. فقد قدَّم القرآن الكريم الجار والمجرور (فيهما) لاختصاص الجنتين بهاتين العينين.

ويتجلَّى غرض الاختصاص واضحاً في قوله تبارك وتعالى: هَذَا ذِكْرٌ وأنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ [ص: 49]. حيث يقوم تركيب الجملة القرآنيَّة الكريمة على تقديم المسند (الخبر) (للمتقين) على المسند إليه المبتدأ (اسم إنَّ) (لَحُسْنَ) إذ فيه من الدلالة على قصر المآب الحسن على المتقين من دون غيرهم، وأيضاً فيه اهتمام بخصلة التقوى التي تشمل الخوف من الله سبحانه وتعالى في السرِّ والعلن، والمراقبة النفسيَّة، والقلبيَّة له.

وممَّا هذا شأنه قوله تبارك وتعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُن…ُ [الزخرف: 1]. ولطيفة تقديم المسند (فيها) شبه الجملة الذي يعود إلى الجنَّة على المسند إليه المبتدأ (ما) تكمن في قصر دلالة فعل الاشتهاء، واللذَّة على جنَّة النعيم من دون غيرها من الجنان، وفي هذا التقديم والتأخير تعريج على جنَّة الدُّنيا الناقصة الفانية.

ومنه قوله تبارك وتعالى: إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [الانشقاق: 25]. فالقرآن الكريم قد قدَّم المسند – وهو الجار والمجرور (لهم)- على المسند إليه، وهو (الأجر) للاختصاص، أي اختصاص المسند إليه بالمسند)([22])، والمعنى أنَّ الأجر الإلهي للذين آمنوا، وعملوا الصالحات وحدهم من دون سواهم من الكفَّار الذين ذكروا في الآية القرآنيَّة الكريمة السابقة.

وقوله تبارك وتعالى: فَلَهُمْ عَذَابُ جهنَّم وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج: 10]. قدَّم التعبير القرآني الكريم الخبر وهو الجار والمجرور (فلهم) على المبتدأ وهو (عذاب جهنَّم)؛ وذلك: (لأهميتهم، واستحقاقهم للعذاب، فلمَّا استحقوا هذا العذاب قدَّم ما يدلُّ عليهم اهتماماً بهم، وأنَّهم جديرون بالعذاب وتكرار العذاب مرةً بأنَّه عذاب جهنَّم وأخرى بأنَّه عذاب الحريق، فهما عذابان مختلفان. وأحدهما ليس كالآخر، لذا جاء العطف الذي يفيد المغايرة بينهما)([23]).

وقوله تبارك وتعالى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمْ النَّار ولا عَنْ ظُهُورِهِمْ ولا هُمْ يُنصَّرُونَ، بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ [الأنبياء: 39-40].

لعلك ((تجد أنَّ قوله: (ولا هم ينصَّرون)، قد أفاد الاختصاص، إذ النصر في هذا اليوم منفي عن الكفرة مثبت لغيرهم، وهم المؤمنون فالله عزَّ وجلَّ ينصرهم في ذلك اليوم ويتجلَّى عليهم بنعمه)([24]).

وهذا يتفق مع ما قاله البلاغيون… أمَّا قوله تبارك وتعالى: (ولا هم ينصَّرون… ولا هم ينظرون) قدَّم فيه المسند إليه على الخبر الفعلي وهو مسبوق بحرف النفي ومع هذا يفيد التقوية فقط؛ لأنّ الاختصاص يعني أنَّ غيرهم ينفر من عذاب الله وينظر حين تأتيه الساعة وذلك لا يكون)([25])، وهذا (يتعارض مع ما قاله البلاغيَون. لذا نقول ينبغي أن تبنى الأحكام البلاغيَّة على الأكثر والغالب، لا على القطع، الإطلاق)([26]).

وقريب منه قوله تبارك وتعالى: …وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّار [البقرة: 167]. إذ يقول محمد أبو موسى فيها: (هم بمنزلة قولهم: هم يفرشون اللبد كل طمرة في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم لا على الاختصاص، الآية عند المعتزلة لا تفيد اختصاص الكافرين بعدم الخروج من جهنَّم أي بالخلود فيها؛ لأنَّ مرتكب الكبيرة المسلم عندهم يخلد أيضاً في النَّار. وقد أثيرت مناقشات كثيرة حول هذا الموضوع؛ لأنَّ علماء أهل السنَّة، والجماعة يرون أنَّ الزمخشري يقول بلزوم دلالة هذا التركيب على الاختصاص، وأنَّه هنا خالف هذه القاعدة لكيلا تصدم الآية بما يعتقده في أمر مرتكب الكبيرة، وهذا خطأ ؛لأنَّه يقول مثل هذا في آيات كثيرة لا علاقة لها بالاعتزال…)([27]).

وقوله تبارك وتعالى: مَثَلُ الْجنَّة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أنَّها رٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لذَّة لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [محمد: 15]، فقد قدَّم القرآن الكريم (لهم): (ليفيد أنَّ هذه الثمرات لهم دون غيرهم من الكافرين، والعاصين، كما قدَّم (فيها) ليفيد اختصاصها دون غيرها بهذه الأشياء)([28])، وقوله تبارك وتعالى: …وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الجاثيَّة: 10]. إذ (قدَّم (لهم) الجار والمجرور لإفادة التخصيص أي لهم هذا العذاب العظيم دون غيرهم)([29]).

وتجدر الإشارة إلى أنَّ تداخل أغراض التقديم، والتأخير البلاغيَّة في الآية القرآنيَّة الكريمة الواحدة ما يدلِّل على دقة هذه الظاهرة الأسلوبيَّة، ومقدرتها في التعبير المتعدِّد عن الدلالات، والمعاني، وقد تطرَّق القزويني إلى هذا التداخل، والتلازم بقوله: (والتخصيص لازم للتقديم غالباً… ويفيد المعنى في جميع ما ذكر وراء التخصيص شيئاً آخر وهو الاهتمام بالمقدَّم)([30]).

ومن المعاني التي يفيدها تقديم المسند ما ذكره البلاغيون([31]) من أنَّ تقديم المسند يأتي لغرض التشويق إلى ذكر المسند إليه، وعلَّل السكاكي ذلك بقوله: (وحق هذا الاعتبار تطويل الكلام في المسند وإلاَّ لم يحسِن ذلك الحُسن)([32])، فقد يستغرق زمناً طويلاً قبل وصول المعنى إلى ذهن السامع الذي يلهف إلى ذكر المسند إليه المتأخر، ومنه قول الشاعر([33]):

ثَلاثَةٌ تُشْرق الدُّنيا بِبَهْجَتِها شَمسُ الضُّحى وأبو اسْحقُ والقَمَرُ

وقول الشاعر([34]):

وَكالنَّار الحَيَاةُ فَمِنْ رَمادٍ أَواخُرها وَأوُّلها دُخْانُ

ولعلّ هذا يظهر في قوله عزَّ وجلَّ: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جهنَّم وَبِئْسَ الْمِهَادُ [الرعد: 18]. فالمقصود بالآية القرآنيَّة الكريمة (إنَّ الذين استجابوا لدعوة الله سبحانه وتعالى وأمنوا به وبرسوله، وأطاعوه الحسنى أي الجنَّة، فكان تقديم المسند على المسند إليه لغرض التشويق إلى المتأخر (المسند إليه)، ليستقر في النفس ويتمكَّن فيها)([35]).

ومن أساليب التقديم التي تضفي إلى التشويق إلى متأخر قوله تبارك وتعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن: 46].

فالآية القرآنيَّة الكريمة الموضوعة للاستدلال تنهض على أساس تعبيري تستبدل فيه بعض المواضع على النحو الآتي:

لمن (جار ومجرور خبر مقدَّم) + خاف مقام ربِّه (جملة الصلة لا محل لها من الإعراب)+ جنتان (مبتدأ مؤخر)، ويكمن في هذا التقديم للمسند غرض التشويق للجزاء المتضمِّن في الجنتين الموعودتين، إذ فصل القرآن الكريم بين المسند، والمسند إليه بجملة الصلة (خاف مقام ربه) إضافة إلى أنَّ التقديم هنا يفيد الاختصاص، فنصيب الجنتين يكون من حظِّ من اختصَّ بالخوف، والخشيَّة من الله سبحانه وتعالى؛ لما يضفيه الخوف في النفس من إصلاح الجوارح، والقلوب، ولابدَّ من الإشارة إلى أنَّ تقديم الخبر قد حقَّق اللذَّة الموسيقيَّة أيضاً في تعميمه للتناغم الصوتي، ومن أساليب التقديم التي توحي بغرض الاختصاص إلى جانب غرض التشويق، قوله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جنَّة الْمَأْوَى [النجم: 13-15]. فقد قدَّم القرآن الكريم الظرف (عندها) على الجنَّة، واللطيفة البلاغيَّة في هذا التقديم تكمن عندما يعرف الإنسان ماهيَّة سدرة المنتهى؟ فهي: (شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر، وورقها كآذان الفيول، تنبع من أصلها الأنهار التي ذكرها الله في كتابه، يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها. والمنتهى: بمعنى وضع الانتهاء، أو الانتهاء، كأنَّها في منتهى الجنَّة وآخرها. وقيل لم يجاوزها أحد، وإليها ينتهي علم الملائكة وغيرهم، ولا يعلم أحد ما وراءها، وقيل: تنتهي إليها أرواح الشهداء)([36]). وهذه سمات عجيبة غريبة، تحفِّز القارئ على التعرُّف إلى الأمور التي تحيط بها، ولو قام القارئ بالوقوف على شبه الجملة الظرفيَّة (عندها) لتحرَّكت جوارحه، وتطلَّعت لبيان الشيء الموجود عند سدرة المنتهى، وفي هذا إجلال لشأن جنَّة الخلد، وإشباع للذَّة القارئ، وطمأنينته الروحيَّة.

ومنه قوله تبارك وتعالى: إِنَّ أَصْحَابَ الْجنَّة الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ [يس: 55]. فالبناء اللغوي الذي تقوم عليه الآية القرآنيَّة الكريمة هو:

إنَّ (حرف توكيد ونصَّب) + أصحاب الجنَّة (اسم إنَّ مضاف ومضاف إليه) + اليوم (ظرف زمان) + في شغل (شبه جملة متعلِّق جار ومجرور) + فاكهون (خبر إنَّ).

يلمس من التقسيم السابق الفصل بين المسند إليه (أصحاب) والمسند (فاكهون)، وفي هذا الفصل الكلامي تشويق لنفس السامع، والمتلقي، وتحفيزها لمعرفة الخبر، وهو (فاكهون)، فالتقدير أنَّ أهل الجنَّة يتفكَّهون في نعيم الجنَّة، ويفرحون به.

وهناك نوع آخر من التقديم، وهو تقديم المتعلِّق شبه الجملة (في شغل)، إذ أفاد هذا التقديم الاعتناء ببيان هيئة المؤمنين في الجنَّة، فهم مغمورون في التنعُّم بأنواع النعيم المختلفة، (والشغل هو الشأن الذي يصد المرء ويشغله عَمَّا سواه من شؤونه؛ لكونه أهمَّ عنده من الكل)([37]).

وتجدر الإشارة إلى أنَّ تأخير الخبر (فاكهون) له غرض بلاغي آخر غير التشويق يكمن في حمل التنبيه: لما بعده، فقد يشكُّ شاكٌّ أنَّ أصحاب الجنَّة يرهقون في شغلهم هذا، فيجيء الخبر ليزيل هذا الشكّ، ويُدلِّل على أنَّ هذا الشغل محفوف بالسرور، والسعادة، والطمأنينة، والراحة، ولو أخَّر القرآن الكريم المتعلِّق شبه الجملة من الجار والمجرور (في شغل) على الخبر، لأدى بالنظم القرآني الكريم إلى التناغم الصوتي المتمثِّل في تشابه رؤوس الآي؛ وذلك لأنَّ السورة القرآنيَّة الكريمة قائمة على حرف النون المسبوق بحرف الواو.

ويتجلَّى التقديم والتاخير الذي يدلُّ على الاهتمام في قوله تبارك وتعالى في الحديث عن وجوه الكفَّار: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران: 106].

فأشار صاحب تفسير المحرر الوجيز إليه بالقول: (ولما كان صدر هذه الآية إخباراً عن حال لا تخصُّ أحداً معيَّناً، بدئ بذكر البياض لشرفه، وأنَّه الحالة المثلى، فلمَّا فهم المعنى، وتعين له الكفَّار والمؤمنون، بدئ بذكر الذين أسودَّت وجوههم للاهتمام بالتحذير من حالهم)([38]).

وينصُّ النيسابوري أيضاً في تفسيره على أنَّ (افتتاح الحديث عن حال المؤمنين واختتامه بذكر حال بيض الوجوه تنبيهاً على أنَّ إرادة الرحمة من الله أكثر من إرادة الغضب)([39])، بينما يذهب ابن البناء المراكشي في روضة المريع إلى أنَّ هذا (يسمّى رد الإعجاز على الصدور فقال: هو أن تأتي بجميع المقدِّمات ثم بجميع التوالي مرتبة من آخرها وساق الآية السابقة شاهداً على ذلك)([40]).

إذ لم يبيِّن ابن البناء المراكشي اللطيفة البلاغيَّة من التقديم والتأخير، بل اقتصر كلامه على إطلاق اصطلاح المحسِّن المعنوي عليه.

وهناك نوع آخر من التقديم أطلق عليه ابن الأثير بقوله: (الذي يختصّ بدرجة التقدُّم في الذكر)([41])، ووصف هذا النوع بأنَّه: (ممَّا لا يحصره حد ولا ينتهي إليه شرح… فمن ذلك تقديم السبب على المسبب، والأعجب فالأعجب)([42])، وقد أشار إلى أنواع من هذا التقديم من آي الذكر الحكيم.

إذ يكمن التقديم للأعجب فالأعجب في قوله تبارك وتعالى: …فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأرض إلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ أنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجنَّة [هود: 104-108].

فقد قال ابن الأثير في ذلك: (فقدَّم أهل النَّار في الذكر على أهل الجنَّة، وهذا مخالف للأصل الذي أصّلته في هذا الموضع! فالجواب عن ذلك: أنَّ هذا الذي أشرت إليه في سورة هود وما شبهه له أسرار تحتاج إلى فضل تأمل، وإمعان نظر، حتَّى تفهم.

أمَّا هذا الموضع فإنَّه لما كان الكلام مسوقاً في ذكر التخويف والتحذير وجاء على عقب قصص الأولين، وما فعل الله بهم من التعذيب والتدمير، كان الأليق أن يوصل الكلام بما يناسبه في المعنى، وهو ذكر أهل النَّار، فمن أجل ذلك قدَّموا في الذكر على أهل الجنَّة، وإذا رأيت في القرآن الكريم شيئاً من هذا القبيل وما يجري مجراه فتأمله، وأمعن نظرك فيه، حتَّى يتبَّين لك مكان الصواب منه.

واعلم أنَّه إذا كان مطلع الكلام في معنى من المعاني، ثم يجيء بعده ذكر شيئين أحدهما أفضل من الآخر، وكان المعنى المفضول مناسباً لمطلع الكلام، فأنت بالخيار في تقديم أيَّهما شئت، لأنَّك أن قدَّمت الأفضل فهو في موضعه من التقديم، وأن قدَّمت المفضول فلأنَّ مطلع الكلام يناسبه)([43]).

وهناك نوع آخر من التقديم، والتأخير، يقوم على المعنى لا الإطار اللفظي، واللغوي بالتحديد، وأطلق عليه البلاغيون اسم (ما قُدِّم والمعنى عليه)، وقد أحصى الزركشي من موجباته خمسة وعشرين([44])، منه ما يكون التقديم فيه للسبق، أي يكون المتقدِّم أسبق من المتأخر في المعنى، وخير شاهد على ذلك قوله تبارك وتعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجنَّة عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133]. فالقرآن الكريم قدَّم المغفرة على دخول الجنَّة؛ وذلك لأنَّ الترتيب للأسبقيَّة، إذ إنَّ المؤمنين لا يدخلون الجنَّة فعلاً إلاَّ بعد تطهيرهم، وتزكيتهم من بقايا المعاصي، والذنوب، والله أعلم.

غير أنَّنا نرى الغرض متبايناً في آية كريمة أخرى، كما في قوله تبارك وتعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا [الفتح: 5]. فالآية القرآنيَّة الكريمة قد قدَّمت دخول الجنَّات للمؤمنين ثمَّ ذكرت تكفير الذنوب عنهم، واللطيفة من هذا التقديم هو تعظيم شأن المقدَّم، وتشريفه، وتحفيزه للحصول على المراد الأغلى، وهو الجنَّة، فضلاً عن أنَّ فيه تعجيلاً للسرور، والسعادة، والطمأنينة.

ومنه أيضاً قوله تبارك وتعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا،حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ: 32].

فقد قدّم القرآن الكريم “قدم فوز المتقين، وخلاصهم من الهلاك على حصول المتعة واللذَّة التي جاءت في قوله (حدائق وأعناباً). (كواعب أتراباً) ، لأنَّ الخلاص من الهلاك لا يستلزم حصول اللذَّة، والفوز بها، فتدرج التعبير من العظيم إلى الأعظم”([45])، وثمَّة نوع آخر من التقديم يقوم على التنبيه على أنَّ السبب مرتَّب، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نار جهنَّم فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التوبة: 35]. فالقرآن الكريم قدَّم الجباه ثم الجنوب؛ لأنَّ مانع الصدقة في الدُّنيا كان يصرف وجهه أوَّلاً عن السائل، ثم ينوء بجانبه، ثم يتولى بظهره)([46]).

ومن أنواع التقديم والتأخير تقديم وتأخير الظرف والفعل في حالة النفي في قوله تبارك وتعالى: لا فِيهَا غَوْلٌ ولا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ [الصافات: 47]. فيشير ابن الأثير إلى ذلك بقوله: (فكان القصد من تقديم الظرف، تفضيل المنفي عنه، وهو خمر الجنَّة على غيرها من خمور الدُّنيا أي ليس فيها ما في غيرها من الغول)([47])، لأنَّها (لا تغتال العقول كما تغتالها هي، كأنَّه قيل: ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة (الغول))([48]).

وتبعه صاحب كتاب التعبير الفني في القرآن الكريم حيث يقول: (فقد قدَّم تعالى الجار والمجرور ليفيد قصر عدم وجود الغول –الذي يغتال العقول- في خمور الجنَّة، وليفيد في الوقت ذاته أنَّ خمور الدُّنيا في الغول والإسكار وتخريب العقول، ونلاحظ أنَّه في جملة واحدة نفى وأثبت، وقرَّر عدداً من الحقائق، وشرَّع وهدى، وما كانت الجملة لتزيد على ثلاث كلمات فقط)([49]) ، وكذلك محمد أبو موسى في قوله أنَّ التقديم (يفيد التخصيص قطعاً، والمراد قصر نفي الغول عليها بخلاف خمر الدُّنيا فإنَّ فيها غولاً، ولو قال: لا غول فيها لأفاد نفي الغول عنها فقط من غير أن يتعرَّض لخمور الدُّنيا)([50]).

وأيضاً عبد القادر حسين إذ يقول: (ليس في خمر الآخرة ما يغتال عقل الإنسان، ويفسده، فقدَّم هنا الخبر وهو الجار والمجرور، فأفاد هذا التقديم الاختصاص، فيكون المعنى أنَّه نفى الغول عن خمر الآخرة دون أن يتعداها إلى خمر الدُّنيا، فإنَّ فيها غولاً)([51]).

فالمعنى هنا نفي الغول الذي يغتال العقول، ويسبِّب دوران الرأس فيفقد الإنسان التوازن عن خمر الجنَّة وحدها، وإثباته لخمور الدُّنيا فيفيد التقديم معنى القصر مع النفي أيضاً.

وقريب منه قوله تبارك وتعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا ولا تَأْثِيمًا، إِلا قِيلاً سلامًا سلامًا [الواقعة: 25-26].

فقد تقدَّم الفعل يسمعون لنفي الفعل عامة، وهو عدم سماع اللغو، والتأثيم ثم جاء الاستغناء ليثبت سماع السلام للمؤمنين (وهو من المدح الذي يشبه الذم، حيث نفي اللغو والتأثيم أوّلاً: وهي صفة مدح، ثم استثنى، والاستثناء من المدح ذم، ولكن ليس قول السلام، وإفشاءه ليس ذمّاً، بل هو مدح فكان مدحاً أتى بعد مدح. فما أجمل التعبير القرآني الكريم([52]).

ويأخذ التقديم والتأخير في القرآن الكريم شكلاً آخر، وهو التقديم والتأخير للمقابلة بين الألفاظ، وخير مثال على ذلك قوله تبارك وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجنَّات لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ [التوبة: 20-21]. فالأوصاف المذكورة في الآية القرآنيَّة الكريمة التي تحلَّى بها المؤمنون حتَّى صاروا بها عبيد الله حقيقة، هي الإيمان بالله، والهجرة في سبيله، والجهاد بالمال، والنفس فقوبلوا بالتبشير بثلاث، وهي الرحمة، والرضوان، والجنَّات، وبدأ بالرحمة؛ لأنَّها الوصف الأعم الناشئ عن الإيمان، وثنى بالرضوان وجعله مقابل الجهاد؛ لأنَّه الغاية من إحسان الرب لعبده([53])، وذهب أبو حيَّان الأندلسي في سبب تقديم الرضوان على الجنَّة بالقول: (لأنَّ رضا الله على العبد أفضل من إسكانهم الجنَّة، وفي الحديث الصحيح أنَّ الله تبارك وتعالى يقول يا أهل الجنَّة هل رضيتم فيقولون يا ربنا كيف لا نرضى وقد باعدتنا عن نارك، وأدخلتنا جنتك فيقول: لكم عندي أفضل من ذلك، فيقولون وما أفضل من ذلك، فيقول أحلَّ عليكم رضائي فلا أسخط عليكم بعدها)([54])، وأتى (ثالثاً بقوله وجنَّات لهم فيها نعيم مقيم أي دائم لا ينقطع وهذا مقابل لقوله (وهاجروا)؛ لأنَّهم تركوا أوطانهم التي نشأوا فيها وكانوا فيها منعمين، فآثروا الهجرة من دار الكفر إلى مستقر الإيمان والرسالة)([55]).

ويكثر التقديم والتأخير في آيات الجنَّة والنَّار لمسوغٍ يرتبط بالنظم الإيقاعي لفواصل الآي القرآنيَّة الكريمة، وللاستمرار في التنغيم الصوتي المؤثِّر في النفس الإنسانيَّة، فأشار إلى ذلك صاحب الطراز من خلال حديثه عن تقديم الظرف إذ يقول: (… وثانيهما أن يكون تقديمه من أجل مراعاة المشاكلة لرؤوس الآي في التسجيع)([56])، وهناك الكثير من الدارسين قد عدُّوا التقديم والتأخير في بعض الآيات قد جرى لمجرد رعاية الفاصلة الموسيقيَّة.

وأرى أنَّ هذا التقديم والتأخير لا يلتزم بالدلالة الإيقاعيَّة وحدها، بل تشاركها، وترتبط بها دلالة أخرى كالقَصْر، والاهتمام، والتأكيد عليه، وإثارة اهتمام المخاطب به، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ،ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة: 30-31]. حيث يقول أحد الباحثين المحدثين في ذلك: (ونحن إذا ما أخذنا الآية الثانية وهي (ثمَّ الجحيم صلَّوه) نجد أنَّ تقديم المفعول به (الجحيم) على الفعل (صلَّوه) وتشديدنا في لفظنا على اللام في (صلُّوه) والوقوف على الهاء المضمومة يعطينا معنى أوسع وهو (صلوه صلواً عظيماً ومستمراً) فالتشديد على اللام والمد في الواو والهاء المضمومة تفيدنا في تصور استمرار الاصطلاء، وأنا لا أنكر في كلامي هذا الفاصلة الموسيقيَّة وما لها من أثر في نسق الكلام، واعتداد المقاطع، فالفاصلة تجعل وقع الآيات أجمل في النفوس، وتؤثِّر في السامع تأثيراً لا ينكر، والسامع يرتاح لهذا الترداد الجميل، ويجذب انتباهه، ولكن الذي أريد قوله إنَّ الآيات التي ذكرها اللغويون، والمفسِّرون تحت عنوان التقديم والتأخير رعاية للفواصل ليس من أجل ذلك فقط، فهناك أشياء أخرى يمكن تحليلها والبحث فيها)([57]).

وقد أنكر ابن الأثير رأي الزمخشري([58]) من أنَّ تقديم المفعول يفيد الاختصاص في الآية القرآنيَّة الكريمة السابقة التي تصف أصحاب الجحيم فقال: (فإنَّ تقديم (الجحيم) على التصلية، وأن كان فيه تقديم المفعول على الفعل، إلاَّ أنَّه لم يكن ها هنا للاختصاص، وإنما للأفضلية السجعيَّة، ولا مراء في أنَّ هذا النظم على هذه الصورة أحسن من أنَّ لو قيل: (خذوه فغلوه ثم صلوه الجحيم، ثم يفند زعم الزمخشري، فيقول: (فإن قيل: إنما قُدِّمت (الجحيم) للاختصاص. لأنَّها نار عظيمة، ولو أخرت لجاز وقوع الفعل على غيرها، كما يقال: ضربت زيداً وزيداً ضربت. فالجواب: أنَّ الدرك الأسفل أعظم من الجحيم، فكان ينبغي أن يُخَص بالذكر دون الجحيم، على ما ذهب إليه؛ لأنَّه أعظم ثم يقسو عليه في العبارة، ويشتدّ في التعنيف، فيقول: وهذا لا يذهب إليه من هو بنجوة عن رموز الفصاحة والبلاغة، وهكذا يقال في (سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه)، فإنَّه لم يقدِّم (السلسلة) على (السلك) للاختصاص، وإنَّما قُدِّمت لمكان نظم الكلام، ولا شكَّ أنَّ هذا أحسن من أنَّ لو قيل: ثم اسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً)([59]).

ويتابع الباحث المحدث كلامه معلِّقاً على كلام الزمخشري، وابن الأثير فيقول: (وأنا لا أعارض كلام الزمخشري في تقديم (الجحيم) للاختصاص، ولا كلام ابن الأثير في الفاصلة الموسيقيَّة، ولكن أضيف أهم سبب في رأيي إضافة إلى الاختصاص، والفاصلة، وهو ما كنت ذكرته من حذف الصفة (غلوه غلواً عظيماً) و (صلُّوه صلواً كبيراً)([60]).

وقد رفض أيضاً أبو حيَّان رأي الزمخشري في تقديم المفعول المفيد للاختصاص، وعدَّها (دعوى ادَّعى بها الزمخشري إنما هو للاهتمام كما قال سيبويه: (والتقديم على العامل عنده (أي الزمخشري) يوجب الاختصاص، وليس كما زعم: قال سيبويه وقد تكلَّم على (ضربت زيداً) ما نصَّه: وإذا قدَّمت الاسم فهو عربي جيد، كما كان ذلك يعني تأخيره عربياً جيداً وذلك قولك: (زيداً ضربت) والاهتمام والعناية هنا من التقديم والتأخير سواء)([61]).

وذلك من أجل إبراز أداة العذاب، وتخصيصها إمعاناً في تخويف الكافر، وإظهار لغضب الله منه، فالله يجعل إظهار أداة العذاب قبل الفعل أو تأكيداً لوقوعه([62])، وتبعه مختار عطيه في ذلك حيث يقول (أنَّ مسألة رعاية الفاصلة لم تكن هي الغاية العظمى وإنَّما هي واحدة من الأغراض التي من أجلها تقدَّمت تلك المتعلِّقات، ففي آية الحاقة تقدَّم قوله تبارك وتعالى (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) على الفعل (اسلكوه)؛ لبيان هول ذلك العذاب الذي حاق بذلك الكافر، والتركيز عليه بتقديمه، إذ ليس التأكيد على أنَّه مسلوك، وإنما التأكيد على أنَّ السلوك في هذا الخضمّ المتلاطم من أنواع العذابات التي يكفي ذكرها لتحقيق الرهبة)([63]).

وقال صاحب كتاب لغة الحوار في القرآن الكريم: ( ولهذا التقديم دلالات منها: الإبراز والحصر أي لا تصلوه إلاَّ الجحيم، والتعذيب المعنوي لذلك الكافر بتعجيل ذكر مكان العذاب، وقطع أي بريق أمل له في النجاة؛ لأنَّ في تقديم الجحيم دلالة على النتيجة الحتميَّة التي سيؤول إليها فلو قال: ثم صلوه الجحيم، لكان في تأخير التصريح بالمكان فرصة لتوقع مكان آخر، ولكن الله يحرِّم على الكافر من لذَّة هذا التوقع إمعاناً في تعذيبه)([64]).

ويعلِّق فاضل صالح السامرائي على ذلك بالقول: (وهذا مردوداً أيضاً لأنَّ القرآن الكريم لا يعنى بالفاصلة على حساب المعنى، ولا على حساب مقتضى الحال والسياق بل هو يحسب لكلّ ذلك حسابه)([65]).

وممَّا نراه كذلك قوله تبارك وتعالى: (وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّار)، فقد (جاء تقديم المفعول به في القرآن الكريم حتَّى لا يكون إخلال بالتناسب في فواصل الآي لتأتي على نسق واحد، من ذلك قوله تبارك وتعالى: (وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّار)، فإنَّه أشكل بما قبله، وهو قوله تبارك وتعالى: (مُقَرنِينَ فِي الأصْفَادِ)، وأشكل بما بعده، وهو قوله: (إِنَّ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)([66]). فالقرآن الكريم قدَّم المفعول به (وُجُوهَهُمْ) على الفاعل (النَّار) مراعاةً للفاصلة القرآنيَّة الكريمة؛ وذلك لأنَّها: (تلعب دوراً في نظم الكلام، وقد يأتي التقديم والتأخير لأجلها، ومال التعبير القرآني الكريم إلى ذلك مراعاة للحسّ الصوتي وانسجاماً مع التناغم الموسيقي الذي ألفه العرب، فالفاصلة مناسبة لفظيَّة تريح القارئ، وترشده إلى تلوين الصورة، وتزيد من روعة التلاوة بما تخلع عليه من إيقاع محبِّب ونغم جميل وتطريب أخاذ)([67]).

ومثيل ذلك قوله تبارك وتعالى: فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن: 52]. فالتقديم في الآية القرآنيَّة الكريمة السابقة قد حقَّق غرضاً بلاغيَّاً يكمن في تناسق الإيقاع الموسيقي القائم على حرف النون في السورة كلِّها، غير أنَّه قد أضفى إلى اختصاص الجنتين بالفاكهة المتنوِّعة.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ سياقات التقديم والتأخير السابقة التزمت بمفهوم البلاغة الذي هو صياغة الكلام على مقتضى الحال عن طريق مراعاة أحوال المتكلِّم بحيث يتمُّ ترتيب الكلام بحسب أحوال النفس.

وقوله تبارك وتعالى: …عَلَيْهِمْ نار مُوصَدَةٌ [البلد: 20]. فيقول فاضل صالح السامرائي فيها: (أمَّا تقديم الجار والمجرور فقد يظنُّ ظانّ أنَّه لفاصلة الآية فإنَّ كلمة (مؤصدة) هي المناسبة لخواتم الآي: المسغبة، المقربة، المتربة، المرحمة، المشأمة. ولو قال (نار مؤصدة عليهم) لم يكن مناسباً وهذا صحيح فإنَّه لو أخَّر الجار والمجرور لم يناسب خواتم الآي غير أنَّ المعنى يقتضي ذلك.

أيضاً فإنَّ التقديم هاهنا يفيد الحصر فإنَّ النَّار مؤصدة على الكافرين لا يخرجون منها أبداً أمَّا غير الكافرين من عصاة المؤمنين فقد يخرجون منها بعد أن ينالوا عقابهم، فهي إذن مؤصدة عليهم حصراً ولو قال: ( نار مؤصدة عليهم) لم يفد الحصر بل لأفاد أنَّها مؤصدة عليهم وقد تكون مؤصدة على غير الكفَّار أيضاً وهو غير مراد)([68]).

ومنه أيضاً قوله تبارك وتعالى: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جهنَّم وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الملك: 6]. قدَّم القرآن الكريم المسند (للذين كفروا بربِّهم) الجار والمجرور (شبه الجملة) على المسند إليه (عذاب) مبتدأ مؤخر. وذلك من أجل أن (يقع الذين كفروا بين عذابين، عذاب السعير قبله، عذاب جهنَّم بعده، والعذاب الأوَّل وأنَّ خاصاً كان لسادتهم من الشياطين، فإنَّ مجاورة الذين كفروا إياه يعطي إيحاءً خاصاً لمن يحسن تتبّع آيات السورة في ربط بين إعجاز وصدور آياتها، هو الإشعار بالخطر الواقع فيه هؤلاء الكفَّار، والتعبير بلفظ (رب) وإضافته إليهم يشعر باستحقاقهم هذا العذاب؛ لأنَّهم كفروا بمن خلقهم، وتولاهم بالتربية، والفاصلة (وبئس المصير) تولِّد شعور الكراهيَّة والنفور، والهرب من ذلك المصير المذموم الممقوت)([69]).

ومن أساليب التقديم والتأخير في المعنى التي تضفي إلى التعظيم، تقديم الحليُّ على اللباس، وخير شاهد على ذلك قوله تبارك وتعالى: …يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثيابا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ [الكهف: 31]. فيعلِّق الأندلسي على هدف التقديم هنا بالقول: (وقدِّمت التحليَّة على اللباس، لأنَّ الحليَّ في النفس أعظم، وإلى القلب أحبُّ، وفي القيمة أعلى، وفي العين أحلى)([70]).

ومن التقديم الذي يهب المعنى التشريف في الذات: (تقديم الإنس على الجن حيث ذكرا في القرآن الكريم لشرفهم على الجنِّ كقوله تبارك وتعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌّ [الرحمن: 74]. فقدّم القرآن الكريم الإنس على الجنِّ في هذه الآية؛ لأنَّ الإنس أشرف؛ فقد كان منهم الأنبياء والرسل، وقد ابتدأ الجنُّ بالمعصية، وذلك عندما رفض إبليس السجود لآدم عليه السلام، ولا يمنع هذا الشرف ما ورد من تقديم الجنِّ على الإنس في سياقات قرآنيَّة أخرى، فلذلك أسبابه، ومقتضياته لا مجال لذكرها ها هنا([71]).

ومثله قوله تبارك وتعالى: لِسَعْيِهَا رَاضِيَّة [الغاشية: 9].

يظهر أنَّ القرآن الكريم قدّم الجار والمجرور (شبه الجملة (لسعيها) المسند على المسند إليه راضية (المبتدأ)؛ ليتّسق ذلك مع فواصل السورة القائمة على حرف واحد كما يتجلَّى ذلك من النصِّ، ولو عكس الكلام فقيل (راضية لسعيها) لا يشعر القارئ، بتلك اللطيفة الموسيقيَّة، وللتقديم هنا غرض بلاغي آخر يحقِّق الاعتناء بالسعي، وقد أشار الألوسي إلى ذلك بقوله: (والتقديم للاعتناء مع رعاية الفاصلة) ([72]).

ومثله قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ،عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [المطفِّفين: 22-23]. ليس بجديد ما يحقَّقه تقديم المتعلِّق (على الأرائك) من رعاية الفاصلة القرآنيَّة الكريمة، إضافة إلى أنَّ فيه بياناً للمحل الذي ينظر منه أهل الجنَّة، أرى أنَّ التقديم في الآية القرآنيَّة الكريمة السابقة دليل على مدى راحة الأبرار في نعيمهم، فهم ينظرون إلى ما يريدون ويتمتَّعون بذلك، وهم متكئون، ولا يحسُّون بأي عناء أو تعب.

وخلاصة ما تقدَّم يمكن القول إنَّ أسلوب التقديم والتأخير في آيات الجنَّة، والنَّار قد لبَّى أغراضه الموضوع لها، وحقَّق – من خلال أنماطه المتنوِّعة، وسياقاته المختلفة – لطائف بلاغيَّة أسهمت في إبراز أسلوبيَّة المتكلِّم في التعبير عن مشاهد الجنَّة، والنَّار، وتبيان نفسيَّة السامع للخبر، أو المعنى الدلالي، وكان غرض الاختصاص من أهمّ الأغراض التي برزت بشكل كبير، ولافت للنظر؛ وذلك لأنَّه يمثِّل العلاقة التي ترتبط بأحوال النفس الإنسانيَّة، ويتلاءم مع مقتضى الحال لأهل الجنَّة، والنَّار.

الخاتمة:

ففي نهاية هذا البحث الذي حاول إلقاء الضوء على بلاغة أسلوب التقديم والتأخير في آيات الجنَّة والنَّار في القرآن الكريم، أقف وقفةً قصيرةً؛ لتلخيص، وسرد أهمّ مايحتويه هذا البحث من نتائج، وتوصيات تكشف الستار عن القيم الجماليّة، والمقارنات الأسلوبّية، والتعابير الدلاليّة لآيات الجنَّة والنَّار، فأقول بصدقٍ، وإخلاصٍ، وأمانةٍ، وبالله التوفيق، ومنه سبحانه وتعالى العون، والمساعدة، أنّه من خلال دراستي لموضوع: بلاغة أسلوب التقديم والتأخير في آيات الجنَّة والنَّار ،قد توصلت إلى نتائج مهمة أظهرت أهميّة اتخاذ الموضوع القرآني الكريم طريقاً للدراسة الأسلوبيّة من دون النظر إلى الجزء، أو السورة المتحقّقة فيها، وهو من الموضوعات الطريفة في الدراسات القرآنيّة الكريمة، وقد كشف أيضاً عن أهميّة بلاغة أسلوب التقديم والتأخير في تصوير مشاهد الجنَّة والنَّار، بما يحتويه من مزايا بلاغيّة، وسمات لغويّة، ودلالات معنويّة .

قائمة المصادر والمراجع:

  1. ابن الأثير، ضياء الدين، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق أحمد الحوفي، و بدوي طبانة، دار الرفاعي، الرياض، ط3، 1402هـ-1983م.
  2. ابن الزملكاني، التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن، تحقيق أحمد مطلوب و خديجة الحديثي، مطبعة العاني، بغداد، 1383هـ-1964م.
  3. ابن الفارض، عمر، الديوان، شرحه وضبطه عمر فاروق الطبَّاع، دار القلم، بيروت، لبنان.
  4. ابن عطيَّة، أبو محمد عبد الحق الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق عبد الله إبراهيم الأنصاري، والسيد عبد العال السيِّد إبراهيم، ط1، الدوحة، 1988م.
  5. ابن قنبر، أبو بشر عمرو بن عثمان، الكتاب كتاب سيبويه، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة.
  6. أبو تمام، الديوان، تقديم وشرح محيي الدين صبحي، دار صادر، بيروت، ط1، 1997م.
  7. أبو موسى، محمد، خصائص التركيب دراسة تحليليَّة لمسائل علم المعاني، دار التضامن للطباعة، 1980م.
  8. الألوسي، أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود البغدادي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، نشره وصححه وعلَّق عليه السيد محمود شكري الألوسي البغدادي، إدارة الطباعة المنيريَّة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
  9. الأندلسي، أبو حيَّان، أثير الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف، ابن حيَّان الأندلسي الغرناطي الجياني، التفسير الكبير المسمَّى بالبحر المحيط، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1411هـ-1990م.
  10. بدوي، أحمد أحمد، من بلاغة القرآن الكريم، دار نهضة مصر، الفجَّالة، القاهرة.
  11. الجرجاني، عبد القاهر، كتاب دلائل الإعجاز في علم المعاني، وقف على تصحيح طبعه وعلق حواشيه ناشره، محمد رشيد رضا، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، ط6، 1380هـ-1960م.
  12. حسين عبد القادر،- البلاغة القيمة لآيات القرآن الكريم جزء عمَّ، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.
  13. التفسير البلاغي الميسَّر، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة.
  14. أضواء بلاغيَّة على جزء الذاريات، دار غريب للنشر والطباعة والتوزيع، القاهرة.
  15. فن البلاغة، عالم الكتب، ط2، 1405هـ- 1984م.
  16. الدبل، محمد بن سعد، النظم القرآني الكريم في سورة الرعد، عالم الكتب، 1398هـ- 1998م، دار النصر للطباعة الإسلاميَّة، مصر، 1987م.
  17. الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، تحقيق إبراهيم السامرائي، محمد بركات حمدي أبو علي، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، 1985م.
  18. الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، خرَّج حديثه وقدَّم له وعلَّق عليه مصطفى عبد القادر عطا، دار الفكر، بيروت، ط1، 1408هـ-1988م.
  19. الزمخشري، أبي القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد، تفسير الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، رتَّبه وضبطه وصحَّحه محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلميَّة، بيروت، لبنان، ط1، 1415هـ-1995م.
  20. السامرائي، فاضل صالح، التعبير القرآني الكريم، دار عمار، عمان، ط1، 1418هـ- 1998م.
  21. لمسات بيانيَّة في نصوص من التنزيل، دار الشؤون الثقافيَّة العامة، بغداد، العراق، ط1، 1999م.
  22. السكاكي، أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي، مفتاح العلوم، تحقيق وتقديم عبد الحميد الهنداوي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلميَّة، بيروت، لبنان، ط1، 2000م.
  23. شادي، محمد إبراهيم عبد العزيز، دور البلاغة في تأدية الأغراض الدينيَّة مع التطبيق على سورة الملك، ط1، 1991م.
  24. شرشر، محمد حسن، قبس من البيان القرآني الكريم، دار الطباعة المحمديَّة، ط1، 1983م.
  25. شيخ أمين، بكري، التعبير الفني في القرآن الكريم، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط1، 1994م.
  26. شيخون، محمود السيد، أسرار التقديم والتأخير في لغة القرآن الكريم، مكتبة الكليات الأزهريَّة، ط1، 1983، الأزهر، القاهرة،
  27. صبح، خلدون، التقديم والتأخير في القرآن الكريم، رسالة ماجستير، إشراف محمد موعد، جامعة دمشق، 1995.
  28. الطوير، حسن مسعود، المنهج البلاغي لتفسير القرآن الكريم، دار الملتقي، بيروت، لبنان، ط1، 1998م.
  29. العامري، حميد أحمد عيسى، التقديم والتأخير في القرآن الكريم، دار الشؤون الثقافيَّة العامة، ط1، 1996م.
  30. عبد المطلب، البلاغة والأسلوبيَّة، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، 1984م.
  31. عطيَّة، مختار، علم المعاني ودلالات الأمر في القرآن الكريم، دراسة بلاغيَّة، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية .
  32. العلوي اليمني، يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، كتاب الطراز المتضمِّن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، أشرفت على مراجعته وضبطه وتدقيقه جماعة من العلماء بإشراف الناشر دار الكتب العلميَّة، بيروت، لبنان، 1402هـ-1982م.
  33. فريد، عائشة حسين، من بلاغة سورة المؤمنون، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع.
  34. فيود، بسيوني عبد الفتاح، علم المعاني، دراسة بلاغيَّة ونقديَّة لمسائل المعاني، مؤسسة المختار، دار المعالم الثقافيَّة، ط2، 1419هـ- 1998م.
  35. القزويني، جلال الدين، محمد بن عبد الرحمن، الإيضاح في علوم البلاغة، قدَّم له وبوَّبه وشرحه علي بو ملحم، دار المكتبة الهلال، بيروت، لبنان، ط2، 1991م.
  36. شرح التلخيص في علوم البلاغة، شرحه وخرَّج شواهده محمد هاشم دويدري، دار الجيل، بيروت، لبنان، ط2، 1402هـ-1982م.
  37. الكوَّاز، محمد كريم، أسلوب التعقيب في القرآن الكريم، منشورات جامعة السابع من أبريل، ليبيا، ط1، 1425هـ.
  38. المراكشي، ابن البناء العددي، الروض المريع في صناعة البديع، تحقيق رضوان بنشقرون، 1985م.

نزال، فوز سهيل كامل، لغة الحوار في القرآن الكريم، دراسة وصفيَّة أسلوبيَّة، الجوهرة للنشر والتوزيع، ط1، 2003م.

الهوامش:

  1. () للتعرف على أسرار التقديم والتأخير، ينظر: الجرجاني، كتاب دلائل الإعجاز في علم المعاني، ص83، الزركشي، البرهان في علوم القرآن الكريم، ج3، ص273، الطراز المتضمِّن لأسرار البلاغة، ج2، ص56، القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص69، 81، 106.
  2. () ينظر: سيبويه، الكتاب، ج1، ص34.
  3. () ينظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن الكريم، ج3، ص273.
  4. () ينظر: الجرجاني، عبد القاهر، كتاب دلائل الإعجاز في علم المعاني، ص82.
  5. () ينظر: بدوي، أحمد، من بلاغة القرآن الكريم، ص112.
  6. () ينظر: عبد المطلب، البلاغة والأسلوبيَّة، ص252.
  7. () ينظر: ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ج2، ص18.
  8. () ينظر: العلوي، الطراز المتضمِّن لأسرار البلاغة، ج2، ص71.
  9. () ينظر: العامري، حميد أحمد عيسى، التقديم والتأخير في القرآن الكريم، ص98.
  10. () ينظر: الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج29، ص144.
  11. () ينظر: ابن الفارض، عمر، الديوان، ص106.
  12. () ينظر: السامرائي، فاضل صالح، لمسات بيانيَّة في نصَّوص من التنزيل، ص161.
  13. () ينظر: المرجع السابق ، ص161.
  14. () ينظر: أبو موسى، محمد، خصائص التركيب، ص250.
  15. () ينظر: ابن الزملكاني، التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن الكريم، ص103، البيت في ديوان أبي تمام، ج2، ص57.
  16. () ينظر: الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،ج11،ص103.
  17. () ينظر: فريد، عائشة حسين، من بلاغة سورة المؤمنون، ص173.
  18. () ينظر: المرجع السابق ، ص173.
  19. () ينظر: شرشر، محمد حسن، كتاب من قبس البيان القرآني، ص99.
  20. () ينظر: الدبل، محمد بن سعد، النظم القرآني في سورة الرعد، ص81، شرشر، محمد حسن، كتاب من قبس البيان القرآني، ص99.
  21. () ينظر: عبد القادر حسين، التفسير البلاغيَّ الميسَّر، ج25، ص 82.
  22. () ينظر: عبد القادر حسين، البلاغة القيمة لآيات القرآن الكريم، جزء عمَّ، ص66.
  23. () ينظر: المرجع السابق ، ص70.
  24. () ينظر: فيود، بسيوني عبد الفتاح، علم المعاني، دراسة بلاغيَّة ونقديَّة لمسائل المعاني، ج1، ص136.
  25. () ينظر: أبو موسى، محمد، خصائص التركيب، ص179.
  26. () ينظر: فيود، بسيوني عبد الفتاح، علم المعاني، دراسة بلاغيَّة ونقديَّة لمسائل المعاني، ج1، ص136.
  27. () ينظر: أبو موسى، محمد، خصائص التركيب، ص181.
  28. () ينظر: عبد القادر حسين، التفسير البلاغيَّ الميسَّر، ج26، ص63.
  29. () ينظر: المرجع السابق ، ج25، ص119.
  30. () ينظر: القزويني، شرح التلخيص في علوم البلاغة، ص 71.
  31. () ينظر: السكاكي، مفتاح العلوم، ص321، القزويني، شرح التلخيص في علوم البلاغة، ص65.
  32. () ينظر: السكاكي، مفتاح العلوم، ص324.
  33. () ينظر: العامري، حميد أحمد عيسى، التقديم والتأخير في القرآن الكريم، ص102.
  34. () ينظر: العامري، حميد أحمد عيسى، التقديم والتأخير في القرآن الكريم، ص 102.
  35. () ينظر: المرجع السابق ، ص102 بتصرف بسيط.
  36. () ينظر: الزمخشري، الكشَّاف، ج4، ص411.
  37. () ينظر: الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،ج23، ص34.
  38. () ينظر: ابن عطيَّة، المحرِّر الوجيز، ج3، ص259.
  39. () ينظر: الطوير، حسن مسعود، المنهج البلاغيَّ لتفسير القرآن الكريم، ص82.
  40. () ينظر: المراكشي، ابن البناء، الروض المريع في صناعة البديع، ص107، الطوير ، حسن مسعود، المنهج البلاغيَّ لتفسير القرآن الكريم، ص82.
  41. () ينظر: ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ج2، ص223.
  42. () ينظر: المرجع السابق ، ج2، ص223-225، العامري، حميد أحمد عيسى، التقويم والتأخير في القرآن الكريم، ص55.
  43. () ينظر: ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ج2، ص225-226.
  44. () ينظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن الكريم، ج3، ص279.
  45. () ينظر: عبد القادر حسين، البلاغة القيمة لآيات القرآن الكريم، جزء عمَّ، ص12.
  46. () ينظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن الكريم، ج3، ص311.
  47. () ينظر: ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ج2، ص219.
  48. () ينظر: الزمخشري، الكشَّاف، ج1، ص44، ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ج2، ص219، الزركشي، البرهان في علوم القرآن الكريم، ج3، ص277.
  49. () ينظر: شيخ أمين، بكري، التعبير الفني في القرآن الكريم، ص194-195.
  50. () ينظر: أبو موسى، محمد، خصائص التركيب، ص250.
  51. () ينظر: عبد القادر حسين، فن البلاغة، ص108.
  52. () ينظر: عبد القادر حسين، أضواء بلاغية على جزء الذاريات، ص9.
  53. () ينظر: الأندلسي، البحر المحيط، ج5، ص21، بتصرف بسيط، العامري، حميد أحمد عيسى، التقديم والتأخير في القرآن الكريم، ص147.
  54. () ينظر: الأندلسي، البحر المحيط، ج5، ص21.
  55. () ينظر: المرجع السابق ، ج5، ص21.
  56. () ينظر: العلوي، الطراز المتضمِّن لأسرار البلاغة، ص71.
  57. () ينظر: صبح، خلدون، التقديم والتأخير في القرآن الكريم، ص216-217.
  58. () ينظر: الزمخشري، الكشَّاف، ج4، ص592.
  59. () ينظر: ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ج2، ص213.
  60. () ينظر: صبح، خلدون، التقديم والتأخير في القرآن الكريم، ص227.
  61. () ينظر: الأندلسي، البحر المحيط، ج1، ص16.
  62. () ينظر: نزال، فوز كامل، لغة الحوار في القرآن الكريم دراسة وصفيّة أسلوبيّة، ص259-260.
  63. () ينظر: عطيَّة، مختار، علم المعاني ودلالات الأمر في القرآن الكريم، دراسة بلاغيَّة، ص119.
  64. () ينظر: نزال، فوز سهيل، كامل، لغة الحوار في القرآن دراسة وصفيَّة أسلوبيَّة، ص257.
  65. () ينظر: السامرائي، فاضل صالح، التعبير القرآني، ص211، الكواز، محمد كريم، الأسلوب في الإعجاز البلاغيَّ للقرآن الكريم، ص 320.
  66. () الآيات من سورة إبراهيم،49، 50، 51، وتمامها (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النَّار ليجزي الله كل نفس ما كسبت أنَّ الله سريع الحساب) ينظر الرازي، فخر الدين، نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، ص 160.
  67. () ينظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن الكريم، ج3، ص75، بدوي، أحمد، من بلاغة القرآن الكريم، ص113.
  68. () ينظر: السامرائي، فاضل صالح، لمسات بيانيَّة في نصَّوص من التنزيل، ص205.
  69. () ينظر: شادي، محمد إبراهيم عبد العزيز، دور البلاغة في تأدية الأغراض الدينيَّة مع التطبيق على سورة الملك، ص74-75.
  70. () ينظر: الأندلسي، تفسير البحر المحيط، ج6، ص122.
  71. () للتعرف على أسرار ذلك، ينظر: شيخون، أسرار التقديم والتأخير في لغة القرآن الكريم، ص88-89، أبو موسى، محمد، خصائص التركيب، ص296.
  72. () ينظر: الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،ج30، ص114.