شروق هدوب1
1 أستاذة بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، تخصص ديداكتيك اللغة العربية، جامعة ابن طفيل القنيطرة، المغرب
بريد الكتروني: Chouroukhed@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(7); https://doi.org/10.53796/hnsj377
تاريخ النشر: 01/07/2022م تاريخ القبول: 15/06/2022م
المستخلص
شهدت الأنظمة التعليمية العالمية خلال السنوات الأخير تحولات مهمة من حيث الطرائق والأساليب المعتمدة في العملية التعليمية التعلمية، فشكلت جائحة كورونا بذلك نقطة تحول من الأنظمة التقليدية إلى أنظمة تعليمية مستحدثة. وقد وجدت كافة دول العالم في التعليم عن بعد ضالتها بعد فرض الحجر الصحي الإجباري، فتزايد الاهتمام بالوسائل المعتمدة في هذا النمط التعليمي من أقسام افتراضية و منصات تعليمية و قنوات تلفزية… إلا أن التفاعل مع هذا النمط التعليمي عرف تباينا حسب الأسلاك التعليمية والفئات الاجتماعية، فافرز نتائج متباينة على مستوى التحصيل الدراسي لدى المتعلمين بعد العودة إلى نمط التعليم الحضوري.
الكلمات المفتاحية: التعليم عن بعد، التحصيل الدراسي، التعليم الحضوري، الأنماط التعليمية.
The level of academic achievement of post-pandemic secondary school educators (field study)
Chourouk Hadoob 1
1 Professor in the course of preparatory secondary education, specializing in didactics of the Arabic language, Ibn Tofail University, Kenitra, Morocco
Email: Choroukhed@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(7); https://doi.org/10.53796/hnsj377
Published at 01/07/2022 Accepted at 15/06/2021
Abstract
In recent years, global educational systems have witnessed important transformations in terms of methods adopted in the teaching-learning process, so the Corona pandemic constituted a turning point from traditional systems to modern educational systems. All countries of the world have found remote education their goal after the imposition of the compulsory quarantine , so interest has increased in the methods adopted in this educational style from virtual departments, educational platforms and television channels… However, the interaction with this educational style varied according to educational wires and social groups. So , he sorted different results on the level of academic achievement of the learners after returning to the attendance method.
Key Words: distance education, academic achievement, attendance education, educational style
المقدمة:
شكلت أزمة كورونا في العالم نقطة تحول على مختلف الأصعدة، وانعكست سلبا على مختلف القطاعات الاجتماعية بما في ذلك قطاع التربية و التعليم، حيث أدت الجائحة إلى شل المؤسسات التعليمية العمومية و الخاصة، و توقف الدراسة بمختلف الأسلاك التعليمية، فانكبت جهود الجهات الوصية على توفير الاستمرارية البيداغوجية و تحقيق تكافئ الفرص بين المتعلمين، فاستثمرت التكنولوجيا الحديثة في خلق التفاعل بين أطراف العملية التعليمية التعلمية، و اعتمدت كافة المؤسسات التعليمية عبر العالم نمط التعليم عن بعد، كوسيلة لتعويض الحصص الحضورية التي حالت ظروف الجائحة دون تقديمها.
ولما كان التعليم عن بعد نمطا تعليميا مستحدثا بالنسبة للمتعلمين و هيئة التدريس، عرف في بداياته تعثرا واضحا كشفت عنه نتائج المتعلمين ما بعد مرحلة التعليم عن بعد، خاصة بالسلك الثانوي التأهيلي نظرا لخصوصيته التربوية و السيكولوجية التي تستدعي المتابعة الدائمة للمتعلمين و انجازاتهم.
تهدف الدراسة إلى استقراء نتائج نمط التعليم عن بعد لدى متعلمي السلك الثانوي التأهيلي بعد العودة إلى نمط التعليم الحضوري، مع الوقوف على أهم الأسباب التي حالت دون تحقق النتائج المسطرة لعملية التعليم عن بعد.
أولا : منهجية الدراسة و إشكاليتها
شكل قطاع التعليم أهم القطاعات التي تأثرت بتداعيات جائحة كرونا عبر العالم، وخلفت الجائحة أهم انقطاع عن نظم التعليم عالميا عبر التاريخ، وانعكس ذلك سلبا على وثيرة التعليم بمختلف دول العالم. فكان لزاما إيجاد حلول للحد من هذه الأزمة التعليمية، وضمان استمرارية العملية التعليمية. وقد لعبت التكنولوجيا الحديثة دورا هاما في ابتكار صيغ جديدة للتعلم، وتحقيق تكافؤ الفرص بين المتعلمين.
لجأت المؤسسات التعليمية في ظل جائحة كرونا إلى التكنولوجيا الحديثة و التعليم الرقمي، كبديل للتعليم التقليدي الحضوري الذي كان سائدا قبل الجائحة، فاعتمدت نظام التعليم عن بعد، الذي شكل ثورة رقمية على النظم التعليمية التقليدية. فاستعانت المؤسسات التعليمية كمرحلة أولى بمجموعة من التطبيقات الذكية التي تحولت إلى منصات تعليمية، وبوسائل الإعلام كالإذاعة و التلفزيون كمصادر للمعرفة، لتعتمد في ما بعد منصات تعليمية مفتوحة و تطبيقات تعليمية.
وقد سلطت الجائحة الضوء على أفق التعليم الرقمي، وطورت سبل البحث و التقصي في مجال التعليم عن بعد، وأسست لنظام تعليمي مبتكر يستند إلى المعلوماتية والرقمنة. غير أن نمط التعليم عن بعد خلف فيما بعد مجموعة من النتائج السلبية التي بدأت تظهر على المتعلمين بعد العودة إلى نمط التعليم الحضوري، و ذلك راجع بالأساس إلى تباين الظروف الاجتماعية و الاقتصادية والمستوى الثقافي للمتعلمين و أسرهم.
1 – سياق الدراسة و أهميتها :
تأتي الدراسة في سياق النقاش حول واقع التعليم عن بعد و دوره في تحقيق الكفايات التربوية المنشودة، و تجاوز الأزمة التعليمية الناتجة عن الوضعية الوبائية، و استقراء مؤشرات نجاعة اعتماد هذا النمط التعليمي في المؤسسات التربوية المغربية كبديل عن التعليم الحضوري في مرحلة معينة و مكمل له في مرحلة موالية. تهدف الدراسة إلى تقييم وضعية التعليم بمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي ما بعد الجائحة، و الوقوف على الإكراهات التي واجهت نمط التعليم عن بعد، مع اقتراح استرتيجية لتنزيل هذا النمط التربوي، و تحقيق استمراريته مع الرفع من مردودية المتعلمين.
2-أهداف الدراسة :
- تعريف الأنماط التعليمية : التعليم الحضوري، التعليم بالتناوب، التعليم عن بعد.
- بيان الإكراهات التي تواجه نمط التعليم عن بعد.
- اقتراح مجموعة من الآليات والحلول التي تهدف إلى تحقيق استمرارية ونجاعة نمط التعليم عن بعد.
- الوقوف على واقع التعليم بمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي ما بعد اعتماد نمط التعليم عن بعد.
3-إشكالية الدراسة :
حرصت وزارة التربية الوطنية بالمغرب خلال جائحة كرونا على ضمان الاستمرارية البيداغوجية، و ضمان استمرارية العملية التعليمية التعلمية بكافة الأسلاك التعليمية، فاعتمدت ثلاث أنماط تربوية مختلفة (التعليم الحضوري –التعليم عن بعد-التعليم بالتناوب)، حسب الوضعية الوبائية بالمنطقة التي تنتمي لها المؤسسات التعليمية.
وفي هذا السياق و نظرا للظرفية الوبائية الحرجة التي كانت تعرفها مختلف الدول عبر العالم، اعتمدت الوزارة الوصية بالمغرب نمط التعليم عن بعد، للحد من الإكراهات التي يواجهها التعليم الحضوري جراء الاكتظاظ الذي يسهم في سرعة انتشار الوباء، و كنتيجة حتمية للحجر الصحي الذي فرض بالمغرب أنذاك. وقد استمر اعتماد هذا النمط التعليمي إلى غاية نهاية الموسم الدراسي 2019-2020، ليتم بعد ذلك اعتماد نمط التعليم بالتناوب بعد فتح المؤسسات التعليمية، وهو نمط تعليمي يزاوج بين التعليم عن بعد و التعليم الحضوري، لينتهي الأمر بالعودة إلى نمط التعليم الحضوري خلال الموسم الدراسي 2021-2022 و الذي كشف مجموعة من الثغرات و التعثرات التي تعترض المتعلمين و الناجمة بالأساس عن الموسمين الدراسيين السالفين مما يطرح مجموعة من التساؤلات و لعل أهمها :
- ما واقع التعليم عن بعد بمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي بالمغرب ؟
- ما الإكراهات التي واجهت المتدخلين في العملية التعليمية و التي حالت دون تحقق أهداف التعليم عن بعد؟
- ما سبل تجاوز الضعف المعرفي لدى متعلمي السلك الثانوي التأهيلي الناجم عن اعتماد نمط التعليم عن بعد؟
4-منهج البحث :
للإجابة عن إشكالية المقالة سنقوم بعرض نتائج دراسة ميدانية أجريت على عينة من متعلمي السلك الثانوي التأهيلي، بمؤسسات التعليم العمومي و الخاص، ما بين يناير و أبريل 2022.
تقوم الدراسة على المزاوجة بين المنهجين الاستقرائي و الوصفي لمقاربة موضوع الدراسة من مختلف جوانبه، و بيان أسباب و نتائج الظاهرة و اقتراح حلول للنهوض بالمستوى التعليمي لمتعلم السلك الثانوي التأهيلي ما بعد أزمة كورونا.
اعتمدت الدراسة المقاربة الكمية و الكيفية (استمارة –مقابلة فردية ) قصد تحليل واقع الظاهرة و الخروج بحلول عملية لتجاوز إكراهاتها.
المقاربة الكمية : اعتمدنا من خلالها استبيانات وزعت على عينة عشوائية من متعلمي السلك الثانوي التأهيلي بنوعيه العام و الخاص،و بمستوياته الثلاث الجذع المشترك، الأولى باكلوريا و الثانية باكلوريا ) : الجدول1
جمعت عينة الدراسة 300 تلميذ و تلميذة، 150 منهم ينتمون إلى التعليم العمومي و 150 إلى التعليم الخصوصي، و أربع مؤسسات تعليمية، منها ثلاث مؤسسات عمومية، وواحدة خاصة.تفاعل منها 160 تلميذا و تلميذة في حين اعتذر عدد كبير لعدم تفاعلهم مع التعليم عن بعد.
المقاربة الكيفية : تقوم الدراسة على نتائج 15 مقابلة أجريت مع مدرسي مواد مختلفة بالسلك الثانوي التأهيلي.
(الجدول رقم 1)
نوع المؤسسة | مؤسسات التعليم العمومي | مؤسسات التعليم الخصوصي | ||||
المستوى | الجذع المشترك | أولى باكلوريا | ثانية باكلوريا | الجذع المشترك | أولى باكلوريا | ثانية باكلوريا |
عينة الدراسة | 60 | 50 | 40 | 50 | 50 | 50 |
عدد التلاميذ الذين تفاعلوا مع الدراسة | 30 | 15 | 15 | 40 | 10 | 10 |
الجدول 2: نسبة أفراد العينة حسب الشعب
الشعب | عدد المتعلمين | النسبة |
العلمية | 120 | 40% |
التقنية | 60 | 20% |
الأدبية | 120 | 40% |
ثانيا : نتائج الدراسة
1-في تعريف الأنماط التعليمية :
أ-التعليم عن بعد:
يشكل التعليم عن بعد أحد المصطلحات المحدثة، التي تزايد استخدامها في ظل جائحة كورونا، إلا أنه مفهوم قديم ارتبطت بداياته بسنة 1982 حيث غير المجلس الدولي للتعليم بالمراسلة اسمه إلى المجلس الدولي للتعليم عن بعد، بعدما أصبحت التسمية القديمة لا تتماشى مع تحولات العصر و متطلبات مجتمع المعرفة.
يحيل مفهوم التعليم عن بعد إلى ” عملية نقل المعرفة إلى المتعلم في موقع إقامته بدلا من انتقال المتعلم إلى المؤسسة التعليمية، وهو مبني على أساس إيصال المعرفة و المهارات و المواد التعليمية عبر وسائط و أساليب تقنية مختلفة، حيث يكون المتعلم بعيدا أو منفصلا عن المعلم أو المسؤول عن العملية التعليمية “( دليل صانعي السياسات في التعليم الأكاديمي والمهني و التقني، 2020)
وهو شكل من أشكال التعليم الحديثة التي تعتمد في مضمونها على اختلاف المكان، وبعد المسافة، وتكمن أهميتها في تقديم برنامج تعليمي من قلب الحرم التعليمي، ووضعه بين يدي المتعلم بالرغم من اختلاف المساحة الجغرافية (الحياري 2020).
وقد أشارت مجموعة من الدراسات التربوية إلى مزايا التعليم عن بعد فأكدت أنه وسيلة ميسرة لنشر التعليم و التغلب على الصعوبات، كم أنه يحقق درجة عاليو من التوازن و المواءمة بين مطالب المجتمع المتغيرة، بالإضافة إلى استجابته للمبادئ الحديثة لعلم النفس و التربية (عامر2013).
ويعرفه محمد الخطيب على أنه : طريقة من طرق التعلم تتمركز حول المتعلم، ويجوز أن يترتب عليها انفصال دائم أو شبه دائم بين المعلم و المتعلم خلال العملية التعليمية، ويكون دور المؤسسة التعليمية فيها قويا في تخطيط و تحضير و توصيل الخدمة التعليمية، وتعتمد وسائل اتصال متعددة تساعد على ترسيخ الاتصال المزدوج او المتعدد بين الدارس و مؤسسته، وتعزز مفاهيم التعلم الفردي.
وعليه فالتعليم عن بعد أحد الأنماط التعليمية التي تقوم على مجموع التفاعلات الحاصلة بين المعلم و المتعلم، باعتماد التكنولوجيا الحديثة التي تعوض العملية التعليمية الوجاهية أو الحضورية.
و عليه فالتعليم عن بعد شكل جديد من أشكال التعليم الذي يسمح بنقل المادة العلمية عبر وسائل إلكترونية متعددة دون حاجة الطالب إلى حضور الدرس بشكل منظم.( أعمال الملتقى الدولي حول التعليم عن بعد بين النظرية و التطبيق –التجربة الجزائرية أنموذجا، ص14)
ب- التعليم بالتناوب :
عملت وزارة التربية الوطنية خلال الموسم الدراسي 2020-2021 على المزاوجة بين نمطي التعليم الحضوري و التعليم عن بعد ، وفق ما تتطلبه الحالة الوبائية من تقليص عدد المتعلمين داخل الفصل الواحد، فعملت المؤسسات التعليمية بنظام التفويج أو ما سمي بنمط التعليم بالتناوب، وقسمت الحصص التعليمية إلى حصص حضورية وأخرى عن بعد تعتمد التعليم الذاتي و التكنولوجيات الحديثة في التحصيل الدراسي.
يعتبر التعليم عن بعد نمطا تربويا غير مسبوق بالمغرب، فهو يزاوج بين التعليم الحضوري و التعلم الذاتي في إطار توافقي و تكاملي ينشد التناغم و التناسق.(وزارة التربية الوطنية 2020)
وعلى الرغم من كون التعليم بالتناوب استراتيجية فاعلة لتحقيق الاستمرارية الدراسية و العمل على عدم توقف المؤسسات التعليمية العمومية و الخاصة عن آداء مهامها، إلا أنه انعكس سلبا على الزمن الدراسي للمتعلمين و مستوى التحصيل الدراسي بمختلف الأسلاك التعليمية.
ج التعلم الذاتي:
يحيل مفهوم التعلم الذاتي على قدرة الفرد على اكتساب المعارف و المهارات و الخبرات بشكل ذاتي، دون وسيط تعليمي و خارج إطار المؤسسات التعليمية و باعتماد مصادر معرفة مختلفة سواء رقمية أو ورقية.
لذلك فالتعلم الذاتي نمط سلوكي إيجابي، نابع من الرغبة الخاصة للفرد في التعلم، وهو سلوك غير إلزامي، يقوم على الاختيارات الفردية للشخص و الأهداف التي يصبو إلى تحقيقها من خلال النشاط المعرفي الذي يمارسه.
التعلم الذاتي أسلوب من أساليب التعلم المتطورة التي تمكن الفرد من أن يعلم نفسه بنفسه وفقا لقدراته ولسرعته في التعلم وما يتوافق مع ميوله واهتماماته وأنه يقوم على أساس المتعلم فهو الذي يختار المادة الدراسية التي يريد دراستها وهو الذي يحدد نقطة البداية و نقطة النهاية كما ينمي لديه مهارة التخطيط واتخاذ القرار والقدرة على تحمل مسؤولية هذا القرار، والتي تنشأ من شعور المتعلم بمسؤولية عن عملية التعلم الخاصة به وعن نتائج هذا التعلم بالإضافة إلى رفع كفاءة المعلم من خلال تدريبه على أسلوب التعلم الذاتي كأسلوب من أساليب التعلم، وتدريبه على كيفية تطبيق هذا الأسلوب من خلال الابتعاد عن الطرق التقليدية في التعليم وفي تقويم المتعلم، مما يعني أنه قادر على الحياة، والبقاء، والتميز، والإبداع والابتكار أي أنه قادر على الاستمرار.( أحمد السيد 2011).
و قد اتخذ التعلم الذاتي شكلا رسميا بالمؤسسات التعليمية خلال فترة جائحة كورونا، إذ شكل السبيل للاستمرارية المعرفية في ظل نمطي التعليم عن بعد و التعليم بالتناوب.
و عموما شكلت الأنماط التعليمية الثلاثة السالفة أساسا للعملية التعليمية بالمغرب خلال جائحة كورونا، فاتخذت الوزارة الوصية بالمغرب من هذه الأنماط سبلا لتحقيق استمرارية المدرسة المغربية في أداء وظائفها التعليمية والتربوية.
2- الوسائل التكنولوجية المعتمدة في نمط التعليم عن بعد:
أ-وسائل التواصل الاجتماعي :
شكلت وسائل التواصل الاجتماعي أول الوسائل المعتمدة في عملية التعليم عن بعد، لما لها من شعبية في أوساط متعلمي السلك الثانوي التأهيلي، فعمد أساتذة التعليم الثانوي في بداية الجائحة إلى إحداث مجموعات تواصلية على تطبيق” الواتساب”، بهدف تحقيق استمرارية العملية التعليمية، و تزيد المتعلمين بملخصات للدروس التي لم تنجز و التوصل بإنجازات المتعلمين و تصحيح تعثراتهم، إلا أن الدراسة الميدانية التي أجرتها الباحثة أثبتت أن نسبة كبيرة من المتعلمين في السلك الثانوي التأهيلي لم ينخرطوا بهذه المجموعات لعدة أسباب من أهمها حسب عينة الدراسة : غياب الوسائل التكنولوجية، و كون الانخراط في هذه المجموعة اختياريا / بالإضافة إلى عدم ربط هذه الأنشطة التعليمية بمفهومي الجزاء و العقاب.
المصدر :بحث ميداني (يناير-أبريل 2022)
ب –التلفاز
حظي التلفاز خلال فترة جائحة كورونا بأهمية بالغة باعتباره وسيلة لتحقيق الاستمرارية الدراسية، فخصصت وزارة التربية الوطنية برمجة خاصة عبر القنوات الرسمية لبث دروس تربوية لكافة الشعب و المسالك، حرصا على استمرارية العملية الدراسية و تحقيق تكافؤ الفرص بين المتعلمين في مختلف ربوع المملكة.
وقد أكدت إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة المتعلمين الذين تابعوا دروسا على القنوات التعليمية لا تتجاوز 15% ، معظمهم ينتمي إلى السلك الابتدائي أو الثانوي الإعدادي، في حين أثبتت الدراسة الميدانية التي أجريت على عينة من متعلمي السلك الثانوي الـتأهيلي أن معظم المتعلمين اعتمدوا الانترنت كبديل للقنوات التلفزية.
ت –الأقسام الافتراضية :
اكتسحت الأقسام الافتراضية الساحة التعليمية في ظل الجائحة وشكلت ظاهرة تربوية ساهمت في تحقيق الاستمرارية الدراسية، وتقوم فكرة هذه الأقسام على مجموع التفاعلات التي تقع بين المعلم و المتعلم عن طريق الانترنيت من أجل تسهيل العملية التعليمية و تعويض الحصص الحضورية.
وقد اعتمدت الوزارة الوصية مجموعة من التطبيقات و المصطحات لتفعيل هذه الخدمة منهاmicrosoft teams-google meet –blackboardvirtuelK، وقد شكلت هذه الأقسام وسيلة لضمان الاستمرارية البيداغوجي و تنويع البدائل الممكنة من أجل تشجيع المتعلمين على متابعة دراستهم عن بعد، وذلك من خلال اتاحة إمكانية التواصل المباشر مع المتعلمين و تتبع انجازاتهم.
وعلى الرغم من الدور المحوري الذي اضطلعت به هذه الأقسام الافتراضية في عملية التعليم عن بعد،إلا أننا نجد تفاوتا ملحوظا في تفاعل المتعلمين معها خاصة بين متعلمي المدارس العمومية و الخاصضة فقد أفرزت الدراسة ما يلي :
الجدول 3: نسبة تفاعل متعلمي المؤسسات العامة والخاصة مع نمط التعليم عن بعد
نوع المؤسسة التعليمية | العينة | تفاعل مع المنصات الرقمية | لم يتفاعل مع المنصات الرقمية |
عامة | 150 | 15% | 85% |
خاصة | 150 | 80 % | 20% |
وحسب المتعلمين الذين لم يتفاعلوا مع منصات التعليم عن بعد، يرجع السبب الرئيسي في ذلك لعدم تمكنهم من تقنيات الاشتغال بالأقسام الافتراضية وعدم توفرهم على الوسائل التكنولوجية اللازمة، بالإضافة إلى عدم تمكن بعض الأساتذة من اعتماد هذه التقنية في التعليم لغياب التكوين المستمر في التكنولوجيات الحديثة خاصة بالمؤسسات العمومية .
وعليه تشير الدراسة إلى تفاوتات على مستوى استفادة المتعلمين من التعليم عن بعد، و تنوع الوسائل المعتمدة في هذه العملية، و قد أفرزت الدراسة النتائج الآتية :
3-مستوى التحصيل المعرفي لدى تلاميذ السلك الثانوي التأهيلي ما بعد التعليم عن بعد:
غني عن البيان أن جائحة كورونا تركت أثرا بالغا بمختلف المجالات الاجتماعية و الاقتصادية والتربوية…، وقد شكل قطاع التعليم بالمغرب أحد أهم القطاعات التي تّأثرت سلبا بظروف الجائحة، ورغم كافة الجهود التي بدلت من طرف المتدخلين في الشأن التربوي، إلا أن الجائحة أثرت في مستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين بكافة الأسلاك التعليمية و بشكل خاص متعلمي السلك الثانوي التأهيلي.
يحيل مفهوم الكفاية على مجموع المهارات والمعارف والسلوكات، الناتجة عن تعليمات، ومكتسبات متعددة يحصلها، ويتمكن منها المتعلم، ويوظفها لأداء مهام، وإنجازات تسمح بتشغيل مختلف الأنشطة، والعمليات بشكل فعال في وضعيات تعليمية جديدة، ولذلك تقتضي الانتقال في التعليم، و التعلم من التلقين إلى التمهير.(حسيني 2005،ص4).
وقد كشفت نتائج المتعلمين بالسلك الثانوي التأهيلي بالموسمين الدراسيين 2020-2021 و 2021-2022عن مجموعة من المتغيرات همت الكفايات الأساسية بالسلك الثانوي التأهيلي:
أ-الكفايات المعرفية
يحيل مفهوم الكفاية على مجموع المهارات و المعارف و القدرات التي يكتسبها المتعلم من خلال العملية التعليمية و يستخدمها في وضعيات مختلفة.
ترتبط الكفاية المعرفية بتنمية الرصيد المعرفي و الثقافي للمتعلمين، و اكسابهم معلومات و معارف جديدة، مع توسيع دائرة أحاسيسهم و تصوراتهم ورؤيتهم للعالم و الحضارة البشرية، وترسيخ هويتهم كمواطنين فاعلين في مجتمعاتهم.
وقد تأثرت الكفايات المعرفية خلال مرحلة التعليم عن بعد بشكل كبير، حيث و بالرغم من أننا ننتمي إلى مجتمع المعرفة، الذي باتت فيه المعارف متاحة للجميع، إلا أننا حينما نتحدث عن التلميذ ينبغي استحضار عامل التحفيز في بحثهم عن المعارف، فكلما ارتبط النشاط التعليمي بعامل المكافئة كلما شكل ذلك حافزا للمتعلم، خاصة في ظل الثورة الرقمية التي باتت تهدد دور المطالعة الحرة.
من خلال المقابلات التي أجريت مع أساتذة مواد مختلفة بالسلك الثانوي التأهيلي، حول أثر التعليم عن بعد في مستوى الكفايات المعرفية أفرزت الدراسة ما يلي :
الجدول 4: نسبة تأثر الكفايات المعرفية بالتعليم عن بعد حسب المواد.
مستوى الكفاية المعرفية | المواد الدراسية | ||
حسنة | متوسطة | ضعيفة | |
%25 | %30 | %45 | اللغات |
%35 | %40 | %25 | الرياضيات |
%25 | %45 | %30 | العلوم |
%30 | %50 | %20 | االتربية الإسلامية |
%20 | %35 | %45 | الاجتماعيات |
نتائج المراقبة المستمرة خلال موسمي 2020-2021 و 2021-2022
نلاحظ من خلال الجدول(4) أعلاه أن الكفايات المعرفية المرتبطة بمجال الآداب و العلوم الإنسانية قد تأثرت بشكل كبير، مقارنة بالكفايات المعرفية الخاصة بالعلوم و الرياضيات، وذلك راجع بالأساس حسب أساتذة السلك الـتأهيلي إلى استسهال المتعلمين للمواد الأدبية و ربطها بالذاكرة و الحفظ، إلا أن هذا التصور قد أثر سلبا على الكفايات المنهجية في هذه المواد.
ب- الكفايات المنهجية :
يشير مفهوم الكفايات المنهجية إلى كافة الكفايات التي تروم اكساب المتعلمين منهجية للتفكير، و تطوير مدارجهم العقلية، و تمكينهم من منهجية للعمل داخل الفصل و خارجه، و تعويدهم على تنظيم أفكارهم و حسن تدبير الزمن المخصص للعمليات العقلية.
وتكتسب الكفايات المنهجية من خلال تدريب المتعلمين على مجموعة العمليات عقلية تنتهج للوصول إلى نتائج معينة، و لعل أهم هذه العمليات يتمثل في التمكن من مبادئ التنظيم التخطيط والتصنيف، التمكن من خطوات التحليل، التمكن من اكتشاف مختلف أنماط النصوص و معرفة طرق بنائها، القدرة على استنباط القواعد من مختلف الموارد، القدرة على تحويل المكتسبات وإدماجها في أنشطة التعلم و التثقيف الذاتيين.( وزارة التربية الوطنية 2010).
وقد أثر التعليم عن بعد في طرق اكتساب منهجية الاشتغال على مواد دراسية معين، في حين لم تتأثر الكفايات المنهجية لمواد أخرى، ويعرض الجدول أسفله نسبة تمكن المتعلمين من المهارات المنهجية حسب المواد:
الجدول 4: نسبة تأثر الكفايات المنهجية بالتعليم عن بعد حسب المواد.
مستوى الكفاية المنهجية | المواد الدراسية | ||
حسنة | متوسطة | ضعيفة | |
%20 | %30 | %50 | اللغات |
%30 | %30 | %40 | الرياضيات |
%25 | %35 | %45 | العلوم |
%40 | %40 | %20 | االتربية الإسلامية |
%20 | %35 | %45 | الاجتماعيات |
نتائج المراقبة المستمرة خلال موسمي 2020-2021 و 2021-2022
استنادا إلى الجدول(5) أعلاه يتضح أن الكفايات المنهجية لكافة المواد الدراسية (العلمية و الأدبية) تأثرت بشكل كبير بنمط التعليم عن بعد، نظرا لكونها كفايات تكتسب من خلال الممارسة و التدريب الدائمين، الشيء الذي يفتقده المتعلم في ضوء التعليم عن بعد.
ج-الكفايات التكنولوجية:
يقصد بالكفايات التكنولوجية مجموع المهارات والاتجاهات و الخبرات التي تساعد المتعلم في استخدام الحاسوب وتكريسه للتحصيل الدراسي. ولعل أهم الكفايات التكنولوجية التي يكتسبها المتعلم في السلك الثانوي هي:
- كفاية استخدام الحاسوب: وتعني الوعي بكيفية التعامل مع الحاسوب مع وحدات الإدخال والإخراج، وطرق حفظ وتخزين البيانات.
- كفاية تتعلق بالثقافة المعلوماتية: مثل اعتماد شبكة الانترنيت في العملية التعليمية، القدرة على اختيار المواقع المفيدة في موضوع البحث، القدرة على تقييم مصادر المعلومة.
- كفاية التعامل مع شبكة المعلومات العالمية : التمكن من سبل ولوج التطبيقات التعليمية والتفاعل من خلالها.
تمثل الكفايات التكنولوجية أحد المهارات التي عرفت خلال فترة كورونا تطورا ملحوظا، حيث بات من الضروري للمتعلم اتقان المهارات الأساسية المرتبطة بالتكنولوجيا لتحقيق التواصل مع العالم الخارجي، و مع محيطه الدراسي.
وفيما يلي رسم مبياني يكشف عن وثيرة تطور الكفايات التكنولوجية لدى متعلمي السلك الثانوي بعد جائحة كورونا
4-مناقشة النتائج
في ضوء الدراسة الميدانية التي أجريت على عينة من متعلمي السلك الثانوي التأهيلي بالمغرب، يتضح أن الكفايات المستهدفة لد متعلمي هذا السلك قد تأثر بشكل كبير خلال فترة جائحة كورونا، حيث و بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف الجهات الوصية، إلا أن نمط التعليم عن بعد يبقى شكلا تعليميا مستجدا على هذه الفئة التي اعتادت الدروس الحضورية و بناء الدرس بشكل جماعي داخل الفصول الدراسية.
فقد كشفت نتائج المراقبة المستمرة خلال الموسمين الدراسيين الأخيرين 2020-2021_2021-2022، عن تندي مستوى بعض الكفايات لدى متعلمي السلك الثانوي، خاصة الكفايات المنهجية
التي تقوم على التدريب و الممارسة الدائمين، لتمكين المتعلم من طرائق حل الوضعيات المشكلة التي تواجهه.
وقد انعكست نسبة تفاعل المتعلمين مع نمط التعليم عن بعد على وثيرة التحصيل الدراسي و على مستوى تحقق الكفايات المستهدفة. فلما كانت نسبة التفاعل مع وسائل التعليم عن بعد ضعيفة، تأثر مستوى التحصيل الدراسي لدى المتعلمين.
ولعل أهم الأسباب التي حالت دون تحقق الأهداف المسطرة من عملية التعليم عن بعد تتجلى في:
- غياب التكوين المستمر للأساتذة في مجال المعلوميات.
- عدم توافر الوسائل التكنولوجية المعتمدة في عملية التعليم عن بعد.
- عدم إلزامية المؤسسات المتعلمين للتفاعل مع وسائل التعليم عن بعد .
- غياب المراقبة المستمرة لإنجازات المتعلمين من طرف الآباء والأساتذة.
- ضعف الموارد الرقمية.
- ضعف المستوى التعليمي للأسر و غياب الوعي بضرورة الاستمرارية البيداغوجية.
- الأوضاع النفسية و الاجتماعية خلال فترة الجائحة.
- ضعف استيعاب المتعلمين للدروس المقدمة عبر الوسائل الرقمية.
الخلاصة :
و مما سبق نستشف أنه و بالرغم من العناية الخاصة التي أولتها الجهات الوصية لقطاع التعليم في ظل جائحة كورونا بنمط التعليم عن بعد، إلا أنه لم يحقق الأهداف المنشودة من اعتماده، نظرا لحداثة عهد المتعلمين به، و لغياب تكوين الأطر التربوية في آلياته ووسائله. و فيما يلي ندرج بعض الحلول التي كان من شأنها أن تسهم في إنجاح نمط التعليم عن بعد بمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي:
- إخضاع أطر هيئة التدريس إلى تكوين مستمر في مجال المعلوميات.
- توفير التجهيزات الرقمية بمؤسسات التعليم العمومي و ربط المؤسسات بشبكة المعلومات العالمية.
- تحفيز المتعلمين على التعلم الذاتي باعتماد وسائل التكنولوجيا الحديثة.
- التحسيس بأهمية التعليم عن بعد ودوره في تحقيق الاستمرارية البيداغوجية.
- إعادة النظر في المناهج الدراسية مع مراعاة رقمنة البرامج بما يتماشى مع متطلبات العصر.
- الحرص على استمرار التعليم عن بعد بشكل موازي للتعليم الحضوري بعد انتهاء الجائحة.
- إضافة نقطة أشطة التعليم عن بعد إلى نقط الفروض و الأنشطة الموازية.
- مواكبة انتاجات المدرسين الرقمية و تثمين جهودهم في هذا المجال.
المراجع:
– أحمد السيد كردي، مهارات التعلم الذاتي، موسوعة الإسلام و التنمية، 2011.
– إيمان الحياري، سلبيات و إيجابيات التعلم عن بعد، مقالة أساليب التعلم.
-حسيني فاطمة، كفايات التدريس و تدريس الكفايات (آليات التحصيل و معايير التقويم)، مطبعة النجاح الدار البيضاء، المغرب، الطبعة 1، 2005.
– طارق عامر، التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، عمان، دار اليازوري العملية للنشر و التوزيع، 2013.
– وزارة التربية الوطنية، الإطار المرجعي للامتحان الموحد الجهوي ، 2010.
-وزارة التربية الوطنية، الإطار الوطني المرجعي للنمط التربوي القائم على التناوب بين “التعليم الحضوري” و “التعلم الذاتي”، يوليوز 2020.
-التعليم عن بعد بين النشأة والتطور مقاربة في خلفيته التاريخية وأبعاده التنموية، أعمال الملتقى الدولي حول التعليم عن بعد بين النظرية و التطبيق –التجربة الجزائرية انموذجا: منشورات مختبر الممارسة اللغوية، كلية الآداب و اللغات، جامعة مولود معمري تيزي وزي، الجزائر.
-التعليم عن بعد: مفهومه أدواته واستراتيجياته، دليل لصانعي السياسات في التعليم الأكاديمي والمهني والتقني، مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، اليونسكو 2020.