ذ. عبد الكريم المناوي1
1 باحث في الأدب والفنون – مراكش ، المملكة المغربية
بريد الكتروني: elmnaouiabdelkrim@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3818
تاريخ النشر: 01/08/2022م تاريخ القبول: 21/07/2022م
المستخلص
تشكل أفلام التحريك جزءا مهما في عالم السينما، ولا تقتصر أهميتها على عالم التسلية وحياة الأطفال بل تتعداهما إلى اهتمامات فكرية وتعليمية وفنية وثقافية وإعلامية. وقد استفادت سينما التحريك من أدب الطفل، ومارست تأثيرا كبيرا على الكتاب والشعراء والأدباء والمفكرين الذين ساهموا بنصوص موجهة للأطفال، تراعي مستواهم المعرفي ومتطلباتهم التربوية والثقافية، مما ندرك القيمة الحقيقية لسينما التحريك من خلال توظيفها لأدب الطفل.
تهدف هذه الدراسة إذن، إلى التعرف بالعلاقة القائمة بين سينما التحريك باعتبارها فن له أساليبه وضوابطه وتقنياته، وأدب الطفل كشكل من أشكال التعبير الإنساني، له قواعده وأسسه وفنياته، ومحاولة الكشف عن التأثيرات المتبادلة بين النص الأدبي والفيلم.
لذلك ستحاول الدراسة البحث في هذه العلاقة بين سينما التحريك وأدب الطفل، التي تدخل ضمن قضية أعم وأشمل، ولكنها لم تحظ بالاهتمام المنشود ، أو بمعنى آخر ، إبراز أهمية تحويل العمل الأدبي الموجه للأطفال إلى عمل فني وما يخضع إليه من قيود مغايرة ، لا يشكل النص الأصلي إلا مادة أولية له.. كما تنصرف هذه الدراسة إلى الإشكالات الكبرى للبحث حتى تتجلى أوجه التكامل والتعالق بين مجالين مختلفين في الظاهر ، ولكل مجال أساليبه وتقنياته.
لتخلص الدراسة إلى التأكيد على أن العلاقة بين سينما التحريك وأدب الأطفال مزدوجة الأثر، جماليا ومعرفيا ، حيث أن تحول النص الأدبي إلى خطاب فني عن طريق الاقتباس ، ينقل العمل من مساحة إبداعية إلى نص إبداعي آخر .
الكلمات المفتاحية: أدب الأطفال ، سينما التحريك ، الاقتباس.
Animation cinema and children’s literature: the question of the relationship?
Abdul Karim Al-Manawi 1
1 Researcher in Literature and Arts – Marrakesh, Kingdom of Morocco
Email: elmnaouiabdelkrim@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3818
Published at 01/08/2022 Accepted at 21/07/2021
Abstract
Animation movies are an important part in the cinematic world, and their importance is not only limited to entertainment and children’s life, but also to intellectual, educational, artistic, cultural and media interests. Animation cinema has benefited of children’s literature, and exerted a great influence on writers, poets, authors and thinkers who contributed to children-directed texts, taking into account both their cognitive level and educational and cultural requirements. Thus, we realize the true value of animation cinema through the use of children’s literature.
This study aims to identify the relationship between animation cinema as an art with its own methods, rules and techniques, and children’s literature as a form of human expression with its rules, foundations and techniques. I will also attempt to detect the mutual influences between the literary text and film.
The present study will try to investigate the correlation between animation cinema and children’s literature which is included in a more general and comprehensive issue, but it did not receive due attention, in other words, highlighting the significance of transforming literary work directed to children into an artistic work and the other restrictions it undergoes. The original text is but its raw material. This study also addresses the major problems of research so that aspects of complementarity and correlation between two different fields can be revealed, and each field has its own methods and techniques.
The study concludes by emphasizing that the relationship between animation cinema and children’s literature is a two-fold impact aesthetically and cognitively, as transforming the literary text into an artistic discourse through quotation takes the work from a creative space to another creative text.
Key Words: children’s literature, animation cinema, quotation.
مقدمة:
إن وجود الأدب في مجموعة من الثقافات العالمية والعربية كان فاعلا في صناعة السينما منذ بداياتها، وما وصلت إليه، الآن، من إشعاع عالمي وجماهيري.. بل تبــقــى علاقتها – الجدلية – بالأدب قائمة على التحاور والتداخل باعتبارهما فنين يخضعان لتأثيرات متبادلة ؛ ولقد عدّدت السينما مصادرها التي تستوحي منها موضوعاتها وقصصها .. فوجدت في الأدب أساسها ودعامتها التي استطاعت من خلاله خلق مسار خاص بها.
وقد قدمت السينما منذ ظهورها أفلاما تجمع بين خيال المؤلفين الروائيين والمخرجين السينمائيين، وهذا ما يخلق حالة من التواصل الفني و الفكري والأدبي مع الجمهور، فتجعل المشاهد يرى الأدب بطريقة فنية سينمائية ، من خلال تلك الكلمات التي تجسدت بين صفحات العمل الأدبي وهي تتحول إلى شخصيات ومشاعر وأحاسيس تتحرك أمامه على شاشة السينما.. “فقد تغير شكل الإبداع السينمائي تماما عندما استند المبدعون إلى الآداب المكتوبة” (القاسم، 1988 م، صفحة 6).
و تبقى علاقة السينما بالأدب وطيدة ، إذ يصعب إنكارها أو تجاهلها ، فهي قديمة جديدة، والدليل على ذلك، أن روائع الأعمال السينمائية العالمية والعربية قد خرجت من رحم أعمال أدبية خالصة حققت لها غاية الانتشار، و قدمت لها قراءات أخرى مما زادها متعة بصرية، وكُتب لها النجاح والخلود..
وتشكل أفلام التحريك جزءا مهما في عالم السينما، سواء ما كان منها رسوما متحركة أو أفلام دمى أو أي نمط آخر من أنماط التحريك ، ولا تقتصر أهميتها على عالم التسلية وحياة الأطفال بل تتعداهما إلى اهتمامات فكرية و تعليمية وفنية و ثقافية و إعلامية .. وتحظى سينما التحريك في العالم بموقع كبير يتجلى في عدد فناني التحريك وتعدد توجهاتهم ، و أساليب اشتغالهم وتخصيص جانب لهم من مهرجانات السينما في العالم ..
تهدف هذه الدراسة إلى التعرف بالعلاقة القائمة بين سينما التحريك باعتبارها فن له أساليبه وضوابطه وتقنياته، وأدب الطفل كشكل من أشكال التعبير الإنساني ، له قواعده وأسسه وفنياته ، ومحاولة الكشف عن التأثيرات المتبادلة بين النص الأدبي و الفيلم ، و قياس مدى حضور أدب الطفل في الإنتاجات السينمائية من خلال بعض الأفلام المقتبسة من نصوص أدبية، كما يُشكّل البحث دعوة صريحة إلى المهتمين و الباحثين و الدارسين للاشتغال بالعلاقة بين سينما التحريك وأدب الطفل ، باعتبارها موضوعا ذا أبعاد معرفية و علمية و فنية.
ويراهن البحث ، أيضا ، على بيان أهمية الكتابة الأدبية الموجهة للطفل التي قطعت أشواطا طويلة، والتي تبحث عن طرق جديدة في مجال التطوير والتحديث، تلك الكتابة التي تعتمد طرائق متجددة لتشكيل آفاق أوسع ، أصبح فيها النص الجديد أكثر عمقا وانفتاحا من باقي النصوص الفنية الأخرى ، مما يعني قدرة الكاتب على الإبداع ، وتجاوز الآليات التقليدية للنص الأدبي والحدود الضيقة لبيئته المحلية..
إن القضية التي نود أن نعالجها و نقوم بدراستها ، إذن ، تندرج ضمن قضية أعم وأشمل، ولكنها لم تحظ بالاهتمام المنشود ، وهي تأثير سينما التحريك على أدب الطفل ، أو بمعنى آخر ، إشكالية تحويل العمل الأدبي الموجه للأطفال إلى عمل فني وما يخضع إليه من قيود مغايرة ، لا يشكل النص الأصلي إلا مادة أولية له ؛ وما القول بشرعية العلاقة بين الفكر والصناعة ، وبين الكتابة و الممارسة الفنية، إلاّ حثاً على إعادة النظر في الأصل الذي يمكن أن يصل إلى درجة فكرية ومعرفية ذات قيمة وطاقة فنية عالية .
نحن في هذه العلاقة رأينا عالم الأطفال بعيون فنية و بحس أدبي ، فطوقتنا صور الأشياء وأدهشتنا الشخصيات الكرتونية بحركاتها وعلاقاتها وأوضاعها، ثم استفزتنا الأحداث والمشاهد، وتفجرت بداخلها الأسئلة و تعددت و تنوعت، فأحسسنا بوجود معان مختبئة تحتاج إلى من يكشف عنها، فحرصنا على أن تكون هذه الأسئلة مدخلا للتفكير والانتقال من البسيط إلى المركب، و من الجزئي إلى الكلي العام ..
و لأننا كنا نعتقد أن هذه الأفكار و هذه التساؤلات لم تكن أفكارنا ولا تساؤلاتنا لوحدنا ، فإننا كنا دائما ، و لا نزال، نعتبرها قديمة جديدة، تترجم مشروعا فكريا وحضاريا في عالمنا العربي. فثنائية السينما والأدب عامة ، وسينما التحريك في علاقتها بأدب الطفل خاصة ، تعد من المقاربات القليلة في الخطاب النقدي العربي الراهن ، وهي ثنائية تستحق الاهتمام و الدراسة للكشف عن طبيعة هذه العلاقة وآثارها في الإبداع الأدبي و العمل السينمائي معا.. وينبغي أن نضعها الآن في دائرة التساؤل ، باعتبارها مشكلة وقضية من القضايا الحقيقية المشروعة، التي تحتاج دائما إلى مزيد من التأمل العلمي والأكاديمي الذي يحقق لكل من الأدب والسينما خصوصيتهما ، وكذا مظاهر التفاعل بين المجالين تنظيرا وممارسة .
و يمكن صياغة مشكلة البحث في التساؤلات الأساسية الآتية :
- هل مارست سينما التحريك تأثيرا كبيرا في الكتاب والشعراء والأدباء والمفكرين الذين ساهموا بنصوص موجهة للأطفال ، تراعي مستواهم المعرفي ومتطلباتهم التربوية والثقافية ؟
- هل يمكن أن نعتبر سينما التحريك شكلا متجددا لأدب الأطفال ؟
- كيف يمكن أن تكون سينما التحريك مرجعا للتفكير الأدبي ؟ ..
قد تتعدد الأسئلة و تطول ، فتشغل الفكر وتخاطب العقل ، لأن العلاقة بين أدب الأطفال والسينما هي من الغنى و الطرافة، بحيث لا يمكن حصرها في قضايا محددة بعينها، بل تظل منفتحة باستمرار على كل الاحتمالات.
وللإجابة عن هذه التساؤلات وما يمكن أن يرتبط بها ، جاءت هذه الدراسة لتعالج موضوع هجرة النص الأدبي ومشكلات تنزيله من مجالات الكلام الأدبي إلى مجال الفيلم ، وما يرافق ذلك من إمكانيات كبيرة في التأويل و القراءة النقدية من لدن صناع العمل السينمائي..
أما منهج البحث فقد اعتمد الباحث على المنهج التحليلي الوصفي قصد تصنيف المصطلحات والمفاهيم والأفلام السينمائية ، و رصد الجوانب الموضوعاتية و الجمالية و التقنية بعيدا عن الانطباعية والارتجالية ؛ وتبقى دائرة التحرك النقدي والتحليلي متسعة ، وقد نستمد بعضا من مقومات العلوم الإنسانية والفلسفية وعلم الجمال ..
I ) العلاقة بين سينما التحريك و أدب الأطفال..
1 : تاريخ العلاقة بين السينما والأدب.
تعتبر السينما فنا تعبيريا معاصرا التحق بالفنون الأخرى في نهاية القرن التاسع عشر، يعتمد على الصور المتحركة والصوت كأدوات من أدواته[1] .. اعتقد مخترعها أن السينما مجرد لعبة، لن تقدم إلا شيئا مسليا ومضحكا سيخبو ضجيجها بعد فترة قصيرة من الزمن. فالصور التي التقطتها آلة الأخوين (لوميير) (Lumière) ستبقى خالدة في ذهن الجمهور السينمائي؛ فمشاهد خروج العمال من المصنع ودخول القطار الى محطة ‘ لاسيوطا ‘ كأنه قادم داخل الشاشة البيضاء، ويحاول أن يخترقها الى المشاهدين، جعلتهم يشعرون بالخوف و بالدهشة، و بالمتعة أيضا.. وقد اعتقد الإنسان أن هذا الفن الجديد ، ولد ليضيف شيئا إلى الفنون السابقة وسط خضم من المتغيرات العلمية و الفلسفية ، ووسط كَمّ من التبدل في المفاهيم و الإشكالات المعرفية التي ألقت بوجودها في حياة الإنسان وجوانبها المختلفة ..
إلا أن ظروف بداية و نشأة السينما عكست التصورات والرؤى، وبدأت ككل بداية خجولة وشاحبة.. ثم صارت تحبو فتنهض و تكبو ، فتنهض وتنمو .. وخلال مراحل نموها ، أفرزت عدة عناصر منفردة بذاتها متكاملة مع غيرها ، تخلق في انسجامها وتناقضها معا ، ما يسمى بالسينما شكلا ومضمونا.. فظهر المونطاج (التوليف أو التركيب ) (تيريز جورنو، الصفحات 67 – 68)؛ وظهر التقطيع التقني والخدع السينمائية والماكياج والسيناريو كأحد أهم هذه العناصر (الخضري، 1989، صفحة 11) .. وتعددت وظائف السينما و أصبحت فنا ناضجا لها لغتها الخاصة بها، وتنوعت مواضيعها وكثرت مدارسها وتياراتها وإيديولوجياتها الثقافية والفكرية.
ارتبطت بدايات السينما مع فيلم (جورج ميليس Georges Méliès) ‘الرحلة إلى القمر’ عام 1902 م ، حيث تبدو فكرة الوصول إلى سطح القمر حلما كان يراود الإنسان منذ زمن بعيد، ويتساءل عن زمن تحققه ، كلام مجرد لكنه تحقق عند كبار الأدباء في إبداعاتهم الأدبية أمثال (هـ ج ويلز و جون فيرن) .. وعمل ملموس بعد إنجازات علمية سوفياتية وأوصلها الأمريكي (نيل أمسترونغ ) في ليلة حارة من صيف 1969 م إلى حقيقة بعدما وطأت قدماه سطح القمر .. حقيقة سحرت مئات الملايين من الناس ، وانتبهت السينما إلى أن الحلم قابل لأن يكون عملا فنيا أيضا وليس ما تراه الكاميرا أمامها فقط..
يعتبر العمل السينمائي الصامت ‘ رحلة إلى القمر’ ( Le Voyage dans la lune) للمخرج الفرنسي (جورج ميليس Georges Méliès)[2] من أول أفلام الخيال العلمي الذي حقق فيه ميليس حلم الإنسان في الوصول إلى القمر ، باستخدام الخدع البصرية و المؤثرات الخاصة المستحدثة كالمركبة الفضائية التي تهبط على عين القمر .. وقد اقتبس المخرج الفكرة من روايتين مشهورتين، الأولى للكاتب الانجليزي (هربرت جورج) ويلز[3] (H. G. Wells) والثانية للكاتب الفرنسي (جون فيرن) عام 1865 م، بعنوان ” من الأرض إلى القمر ” De la Terre à la Lune ) ( ، وتدور أحداثها في القرن التاسع عشر حول مجموعة من المهتمين بشئون الفضاء ويرغبون في السفر ، يقرر أعضاء النادي القيام برحلة إلي القمر في فوهة مدفع عملاق صمم خصيصا لهذا الغرض. تنطلق الرحلة لتصل إلى سطح القمر المبتسم الذي صوره المخرج في شكل وجه له عينان و أنف وفم يبتسم في غالب الأحيان ..يكتشف المسافرون أن القمر فردوس عامر بالراقصات الفاتنات الجميلات .. ذو طبيعة خلابة ووديان وجبال وروائع لاتعد ولا تحصى..ينخرط الرحالة / أبطال الفيلم في هذا العالم الجميل ليكتشفوا فيما بعد أن هذا الأخير لا يرحب بوجودهم ويرغب في مغادرتهم ..فيفضل الرحالة في النهاية العودة إلى جحيم الأرض التي تحن عليهم تاركين نعيم القمر.. ليجدوا الناس في انتظارهم واستقبالهم مرحبين بهم ترحيب الأبطال.. وينتهي الفيلم على ذلك ..
لا شك أن السينما عانت في بداياتها الأولى لكي توصف بكونها فنا له جمالياته الخاصة مثل باقي الفنون الرفيعة الأخرى، وتكتسب شرعية الفنية رغم أنها ابنة شرعية للفانوس السحري وللفوتوغرافيا، فقد أصبحت اليوم وسيلة جماهيرية للترفيه و التسلية ملائمة لمختلف الثقافات.. واستطاع صناع السينما أن يلامسوا في أفلامهم مدارس فنية من عالم التشكيل والموسيقى والمسرح و الفن و الأدب.. وقد تمكن الفلاسفة و علماء النفس ورجال اللغة و الأدب والعلوم الإنسانية في نهاية العقد الأول من القرن العشرين أن يقتحموا عالم السينما تنظيرا وممارسة..
تتمتع السينما اليوم بشعبية لا محدودة ، ساهم في ذلك ارتباطها بالمنطق الرأسمالي خاصة على مستوى الإنتاج و التوزيع ، كما أن استخدامها للتقنيات الحديثة جعلها في حالة تطور و تحول مستمرين.. وتتميز السينما المعاصرة بحضور التيمات ما بعد الحداثية، كالاختلاف والتجاور والتعددية وتغيرات المجتمع الصناعي والرؤى ما بعد الحداثية، والتفكيك و التشظي وتوظيف التاريخ والمزج إلى غير ذلك من السمات الجديدة ..
استطاعت السينما أن تكتسب صفة ” فن ” والبحث عن هوية خاصة بها، فكان من الضروري أن يتم إدماجها أو استدماجها في الفنون الأخرى كالرواية والمسرح و الفلسفة والموسيقى..من أجل البحث عن أوجه التشابه والاختلاف والتكشف عما يمكن أن يتلاءم معها .
أما الأدب فقد سبق السينما الى الوجود بمئات السنين ، و لعب دورا هاما في بروز الفن السابع رغم حداثة سنه و ما وصل اليه من تطور وإشعاع عالمي ،ومما لاشك فيه ، أن الأدب شكّل دائما خطابا فاعلا في بناء الثقافات والحضارات، فالعلاقة القائمة بين الأدب و السينما عبارة عن علاقة شراكة وإثراء، فهي علاقة حميمية متبادلة ولا يمكن أن نتجاهلها ، رغم الجدل الكبير حول طبيعتها و آثارها .. منذ نشأة السينما و بصور مختلفة مع مرور الزمن.
تشكل النصوص الأدبية على اختلاف أجناسها عالما كثيف الدلالات ، و تمكّن من تصوير الواقع بكل أحداثه وأشخاصه وفضاءاته و أزمنته وتفاعلاته و انفعالاته ..و تحاول في متونها السردية أن تعكس الهموم والقضايا الانسانية فتسعى إلى الانتقاء الجيد لمختلف هذه الاهتمامات.. وهذا ما يؤهلها لأن تتحول إلى عمل فني ( فيلم سينمائي مثلا )، فالسينما تبقى أنضج اشكال التعبير الأدبي ..
2 : الاقتباس .
تتعدد التعاريف الخاصة بمفهوم الاقتباس يعرف المعجم التقني للسينما ” هو مرادف إعداد وتكيف” (Pinel, 1996, p. 6) فهو ” عمل أدبي معد من عمل موجود مسبقا ( رواية / خبر ..) أو موضوع أصلي لضمان تحوله إلى عمل فني ( فيلم ) ” (Pinel, 1996, p. 6)، و هو أيضا ” عملية تحويل أو نقل شكل فني إلى آخر ( قصيدة إلى أغنية ، أو من رواية إلى فيلم ، أو من حكاية إلى صور متحركة ) ، أي تحويل من لغة إلى أخرى ” (Aron, Denis, & Alain, 2002, p. 4)، و يعرف جيرار دينيس فارسي (Gérard – Denis FARCY ) مصطلح الاقتباس أنه ” إعادة كتابة العمل الأدبي من شكله الأصلي إلى شكل آخر جديد ، دون تعديل أو تغيـير بنيته و شخصياته و فضاءاتــه بشكل عام ” (Farcy, 1993, p. 387)
الاقتباس، إذن، هو نشاط للقراءة وإعادة الكتابة من جديد وفق قواعد سينمائية معينة، فهو عملية إنتاج تهدف إلى تحقيق لغتين ونوعين من التعبير، انطلاقا من نص أصلي إلى نص آخر، والمقتبس هو بمثابة قارئ ، يكون في غالب الأحيان كاتب سيناريو.
تعاملت السينما منذ نشأتها مع الأدب بأجناسه المختلفة عن طريق الاقتباس، لكن تعامل السينمائيين مع النصوص الأدبية اختلف باختلاف الكيفية في الحفاظ على شكله ومضمونه .. مما خلق نوعا من الشكوك والتساؤلات حول مشروعية التعامل مع النص الأدبي والالتزام به أثناء ألاقتباس ، أم أن للسينمائي مجالا مفتوحا في التعامل مع النصوص الأدبية بطريقة نوعية أو انتقائية .. ولا شك أن تاريخ السينما حافل بمجموعة من الاقتباسات التي اختلفت درجة التعامل فيها مع النصوص الأصلية ..
إن الاقتباس السينمائي للنصوص الأدبية لا يعني بالضرورة أن يكون العمل الأدبي أو العمل المقتبس على الشاشة نسخة مطابقة للعمل الأصلي أو النص الأدبي، فهذا الأمر يمكن أن نعتبره مستحيلا، ” لا يتعلق الأمر هنا بالنقل، سواء كان حرفيا/أمينا أو مخلصا .. لكن يجب أن نعيد بناء الرواية – من خلال السينما – بطريقة جمالية جديدة ..” (BAZIN , 1976, p. 126)
يأتي التصنيف الكلاسيكي لطرق الاقتباس السينمائي للعمل الأدبي على الشكل الآتي :
أ – الاقتباس النصي الأمين : هو إعادة إنتاج النص الأصلي حرفيا ونقل ما فيه من تتابع سردي و حوارات و بناء درامي كما قدمت في النص الأدبي، مع مراعاة العلاقات الزمكانية للنص و الجوانب التصويرية فيه .. ( Baron, 2008, p. 7)، فهنا يُنقل النص الأدبي الى السينما مع احترام النص الأصلي ووجهة نظر كاتب هذا النص.. مما يجعل هذا العمل يُنقل على شكل عمل بصري فيلمي ، والاقتباس الأمين للنص يصعب تحقيقه أثناء تحويل العمل الأدبي الى صورة سينمائية، إلا أنه تبقى درجة الإخلاص للعمل الأصلي حاضرة أثناء النقل على اعتبار العلاقة التي تربط بينهما، و التي تتجلى في الصلات المشتركة بينهما. إن “السينما يجب أن تكون مرآة العالم ” كما يقول (الأخوين لوميير)، فالفيلم مثل النص الأدبي ، ينبغي فقط أن نفهم ونعيد النظر في العلاقة بين الأدب و السينما فكلاهما يشكلان مساحة للتأويل والاهتمام
ب – الاقتباس الحر : هو عكس الاقتباس الأمين حيث يتعامل كاتب السيناريو مع النص الأدبي بنوع من الحرية في إنتاج الصور، و خلق عوالم العمل الأدبي فيسمح لنفسه باقتباس روح النص فقط ، و تعدي الجوانب الأخرى ، خاصة العلاقات الزمكانية و الحوارات والأحداث.. هذا النوع من الاقتباس تكون نتيجته غير مؤكدة فهي قادرة على إنتاج الأفضل والأسوأ في نفس الوقت.
ج – التحويل : و هو الأصل في الاقتباس حيث يسمح بخلق عمل جديد ، فالمُقتبِس يحاول قراءة العمل الأدبي كاملا، ويعيد إنتاجه وفق منظوره وآرائه وتَوجُّهاته..
د – الباروديا : أو المحاكاة الساخرة ، وهو عرض درامي / أثر أدبى قائم على السخرية من عمل فني آخر ، إذن فهي نوع من التحويل الذي يستهدف الجمهور بهدف الضحك . وهذا ما يميز أفلام ما بعد الحداثة عند مشاهدتها ، وذلك نتيجة توظيف المضامين والقيم الأخلاقية والإنسانية التي كانت سائدة في تاريخ السينما الكلاسيكية و إعادة استثمارها في الزمن المعاصر بشكل ساخر ..
3 : علاقة بين سينما التحريك بأدب الطفل.
لقد لجأت السينما منذ بداياتها إلى الرواية كما لجأت إلى باقي الأجناس الأخرى ، واستمر هذا الاتصال إلى الآن، فهي ظاهرة مألولفة محليا و عالميا، فقد اقتبست السينما في العالم الكثير من التراث الروائي لأدباء معروفين .. واثارت مواقف ورؤيات فنية جديدة للتيمات والقضايا التي تتناولها الرواية ، فمن الطبيعي أن يثير هذا الاقتباس مشكلات تقنية ترتبط أساسا في اختلاف اللغة الأدبية و اللغة السينمائية، واستقلالية الأجناس الفنية عن بعضها . فإشكالية النقل الروائي إلى السينما، يشترط أساسا إعادة تحليل تلك التيمات والقضايا وفق ما تفرضه تقنيات التحويل إلى الفن الجديد. وقد عرفت السينما مجموعة من الأفلام السينمائية الناجحة المقتبسة من روايات عالمية و عربية ،
يلتقي النص الروائي عموما بالسينما في السردية ، ويختلفان من حيث تغير آلية الخطاب لا مضمونه. فهما يستخدمان السرد ، ويختلفان في كيفية تقديم المادة المحكية تبعاً لاختلاف آلية التعبير، هما معا يقدمان خطابا ذا حمولات إيديولوجية تستمد قوتها من آليات كل صنف على حدة. يقول (إيتيان فيزيليه) : ” تبدو لي هذه القرابة بين الرواية و السينما إيهامية اكثر مما هي حقيقة . إن السرد الروائي في خطوطه الأساسية يمكن أن يشكل مادة درامية كما يمكن أن يشكل مادة روائية ، و ما يميز الرواية هو طريقة معينة في تناول القصة ونموها و إغنائها بإطار خارجي وتقطيعها إلى عدة أمكنة ومزجها بتحليل مجرد ، وفي الواقع إن هذه المميزات الروائية هي بعيدة عن أن تكون قابلة للاستيعاب في السينما”(فيزيلييه، 1983، صفحة 22)
إن نقل العمل الأدبي الموجه إلى الطفل إلى أفلام سينمائية عبر الاقتباس / التكيف “Adaptation” يجسد رؤية مغايرة عن كيفية تطويع النص الأدبي ذات البعد المجرد إلى نص سينمائي، قوامه الحركة وغايته تجسيد عالم السرد اللغوي، لتقديم شخصيات وأشياء وأمكنة و أزمنة.. وكذلك مراعاة الدقة و الأمانة في نقل المتن الأدبي و الحفاظ عن تماسكه في الشريط السينمائي .. هذا النقل ، غالبا ، ما يقع تحت تأثيرات إيديولوجية عميقة تتبدل معها كثير من التفاصيل والشخصيات و وجهات النظر، “فالعملية السينمائية نتائج أيديولوجية تتمثل في جعل المتفرج في وضع الخاضع لهيمنة خيالية مسيطرة ” (بيغنل، 19832001، صفحة 237)، كما تتجلى الأيديولوجية في الفيلم السينمائي من خلال أسلوب العمل الأدبي المقتبس و النموذج الثقافي الذي يحمله الفيلم في موضوعه ، فاي منتوج ثقافي يخضع إلى ثقافة المجتمع ومحدداته المرجعية في التفكير.. وهذا ما نسميه بـ ” الجوهر الأيديولوجي للفيلم ” ، والتي تحدد وظيفته في ” نمط العلاقة بين المشهد و الممثل و المُشاهد ، علاقة هي نفسها تابعة للوضعية المعطاة للواقع في الفيلم ، بناءً على ذلك ، فالوظيفة الأيديولوجية للفيلم لا يمكن فصلها عن سيرورة الدلالة ، عن فعاليتها الدالة التي تحدد النهاية للعلاقة بين المشاهد و الفيلم ” (Solin, 1970, p. 19)
تأسيسا على ما سبق، تصبح العلاقة بين الأدب و السينما أبعد من تغير في آلية التعبير، إلى تغير في البنية، نظرا لظروف الاشتغال الخارجية والتي لا تحكمها بالضرورة العلاقة الآلية بين النصين (النص الأدبي والنص الفيلمي )، بل يحكمها معضل السياق الخارجي؛ فالأفلام المنقولة عن نصوص أدبية قد تضطر لأسباب خارجية، سياسية أو دينية أو اجتماعية، إلى الاستغناء عن بعض الشخصيات أو الأحداث أو المواقف، أو زيادة شخصيات وأحداث، أو تغيير جوهر بعض منها. ومن الأكيد أن هذا الأمر يتطلب إعادة صياغة النص الأدبي اختزالا أو تكثيفا أو تقديما ، وتأخيرا لمسار الأحداث، أو اقتراح نهاية بديلة تتفق و رؤية المخرج للواقع أثناء إنتاج الفيلم.
II ) تأثير سينما التحريك على أدب الطفل
1 – سينما التحريك
تحولت سينما التحريك إلى فن قائم بذاته ، يعتمد على تقنية الصور المتحركة إلى فن تشكيلي أو أشكال منظمة تسجل بواسطة وسائل التصوير السينمائي ، قادر على إيهام المتفرجين بالحركة على الشاشة ، والتأثير فيهم بقوة الصورة السينمائية ، فانتبه السينمائيون إلى إمكانياتها وقدراتها في إعادة الحياة والتشخيص في الصور وتسجيل الواقع الإنساني وعرضه.. وأصبح الوعي لديهم بضرورة الاهتمام بالصورة و الحركة وكيفية التعبير عنهما .. وعلى الرغم من أن الحركة ” كانت هي المحور الأساسي في كون السينما اختراعا علميا ، فقد كانت هي السبب في تحولها إلى أن تصبح فنا ، وذلك عندما حدث الوعي بأهمية ومركزية هذه الحركة المرئية ، وبذلك تحولت الحركة إلى بؤرة الاهتمام ، و أصبحت تلازم كل تطور وتغير في أسلوب السينما من أجل التعبير عن هذه الحركة ، بل وتقديمها بشكل أفضل وأكثر فاعلية ” (عبد العزيز، صفحة 51)
ويعد ( اميل كول ) أول فنان تحريك مؤسس لهذا الفن ، ظهرت أفلامه القصيرة الأولى في بداية القرن العشرين حيث نذكر : ‘ فنتاسماجوري ‘ ( تقنية تمكن من إظهار اشباح نورانية وعجائب مضيئة في الظلام ) ، و” كابوس فانتوش ” و “فاجعة لدى عائلة فانتوش ” وغيرها ، وقد أصبح (فانتوش ) هو الشخصية النمطية المألوفة في أفلامه ..
وبالموازاة مع أعمال اميل كول ظهرت أعمال أخرى كارتونية في أمريكا مع ( ونسور ماك كاي Winsor Zenic McCay ) الذي اشتهر أشتهر بسلسلته الكارتونية نيمو الصغير( 1905م) والديناصور جيرتي ( 1914 م ) .. ورغم الجهود المبذولة في صناعة أفلام الكارتون رغم ظروف الحرب العالمية الأولى التي عرفها العالم سنة ( 1914 م ) ، استطاعت هذه الأفلام أن تحظى باهتمام شعبي من خلال شخصياتها المتفردة مثل القط فيليكس للفنان بات سوليفان و شخصيات ماکس فلیشر بتي بوب والمهرج كوكو.. ويبقى فنان التحريك الأبرز في ذاك الوقت ” والت ديزني ” وشخصيته الشهيرة الفأر ميكي ماوس التي حازت شهرة عالمية ، وقد عمل والت ديزني على توظيف المؤثرات الصوتية مع حركات شخصياته في مختلف أعماله المتميزة في فن التحريك ، مع ‘ ميني ‘ و ‘ بلوتو وجوفي ودونالد دك ‘ وأفلام ‘ الفانتاسيا’ و ‘ بينو شيو’ و ‘ دومبو’ ..، لتنتشر فيما بعد حلقات تحريك خاصة جديدة أو إعادة إنتاج أعمال سابقة مثل حلقات كرازي كيت أو سلسلات بول تيري الموسومة ” تيري تونز ” وسلسلات توم وجيري وحلقات باباي آكل السبانخ.
2 – مراحل الطفولة وأدب الأطفال
2 – 1 – مراحل الطفولة
قد يكون من الصعب أن نتعرف إلى شخصية الأطفال ، بصورة واضحة ونقف عند كثير من ميولهم وقدراتهم وأسرارهم ، بل نعجز غالبا على إقامة حوار معهم بسبب تعنتهم وتقلباتهم المتكررة التي تتغير بتغير آرائهم وملاحظاتهم وسلوكهم .. وفي خضم هذا الغموض يحاول المشتغلون بعلم نفس الطفولة وأدباء الأطفال إلى سبر أغوار عالم الطفولة وجمهور الأطفال ..
يمر الطفل في نموه وتكوينه من مراحل متعاقبة تختلف باختلاف سنه والتغيرات البنائية التي تحدث في ذاته ، وتشمل تلك التغيرات كل ما يرتبط بنموه الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي (الأسعد، 2013، صفحة 18) ، مما يستوجب معه رعاية في ظروف ملائمة وطبيعية وبيئة سليمة ، “فمن المعلوم أن الطفل هو البذرة التي يبذرها الإنسان في البيئة السليمة ، ثم يتعهدها بالعناية والرعاية في ظروف سوية وملائمة ، حتى تنبت نباتا حسنا وتؤتي ثمارا طيبة ، وليس أسعد للمرء من أن يرى طفله سوي الخَلق والخُلق ، سالم العقيدة على نهج الفطرة ، وعلى هدى مستقيم ” (الأسعد، 2013، صفحة 13)
تشكل الطفولة عالما قائما بذاته ، يتفرع إلى مراحل بحسب حاجات الطفل البيولوجية والنفسية التي تختلف باختلاف عمره ونموه الجسمي والعقلي واللغوي والاجتماعي.. وما يتناسب مع ميوله وعواطفه وحاجاته في كل مرحلة من مراحل النمو .. ويحدد الطفل في سن تتراوح ما بين الولادة و السادسة عشرة من عمره ، وخلال هذه السنوات يتلقى عناية ورعاية خاصة ، تتشكل من خلالها شخصيته ، وتكمن قوت الطفل في تهييئ مجالات تنمية قدراته ومهاراته ومواهبه ، وما نوفره له من إمكانات وفرص ،خلال مراحل تكوينه ونموه ، ونذكر هذه المراحل في التقسيم الآتي :
- المرحلة الأولى : ما قبل السنة الثالثة
يمر الطفل في هذه المرحلة بأزمة الشخصية الأولى ، التي يعرف من خلالها تحولا مهما يتجلى في فهم الطفل حاجاته النفسية والجسمية ، وتتبعها التقدم في المهارات الحركية وزيادة النمو من خلال استجابة الطفل للمثيرات الخارجية ، وفي هذه المرحلة يكون الطفل غير قادر على تلقي أدب الأطفال من خلال الوسائط السمعية والبصرية ..
- المرحلة الثانية : وتبتدأ من السنة الثالثة وتنتهي في السنة الخامسة
تتميز هذه المرحلة لدى الطفل بالنمو الجسمي والانفعالي والعقلي والاجتماعي والعاطفي والقدرة على اكتساب مهارات حركية جديدة ، والاعتماد على نفسه وضبطها ، كما أن شخصيته تتطور وتنمو ، ويتمكن من تكوين وبناء مجموعة من المفاهيم والقيم والتمييز بينها ، ويكون الطفل في هذه المرحلة قادرا على تطوير محصلته اللغوية وتعلم مهارات وخبرات جديدة ، رغم عالمه الضيق الذي يعيش فيه : الأسرة والجيران ومحيطه الذي يؤثر فيه من مؤثرات طبيعية ومادية وملابس وحيوانات وألعاب إلى غير ذلك ،وينسج فيه علاقات بيولوجية سرعان ما تتطور إلى علاقات نفسية وعاطفية وتربوية ، و يعتبر أنطون مكارينكو[4] ” أن السنوات الخمس الأولى في حياة الطفل هي الفترة التي تستقر فيها أسس التربية الأولى ، فكل ما يفعله الوالدان في هذه الفترة يمثل تسعين بالمئة من عملية التربية ، ولئن كانت عملية التربية وتكوين الشخصية تستمر بعد هذه الفترة، فإن معظم ما يجنيه المربي فيما بعد هو ثمار لأزهار تفتحت في تلك السنوات ” ( مجلة الشرق ، مايو 1959 )..
يكون خيال الطفل في هذه المرحلة محدودا في إطار المحيط والبيئة التي يعيشها ، فيستعمل أشياء في لعبه ، ويتصورها أشياء أخرى ، فالوسادة في نظره حصان ، وكل شيء دائري يتصور مقود سيارة ، والدمى بمختلف أنواعها يعتبرها كائنات حية لها إحساس وشعور ، فيتعامل معها تارة برفق وحنان لحظة فرحه بها ، وتارة بغضب وقلق لحظة انفعاله منها ، ويشكل هذا الإيهام في نظر علماء النفس وظيفة مهمة لنموه وتواصله الاجتماعي وتنظيم ممارساته ومهاراته الحركية ..
وما يميز هذه المرحلة أيضا هو حب الطفل لاكتشاف محيطه ، والظروف المتصلة بحياته، ورغبته في التعبير والنطق وإخراج الأصوات ، ويزيد من العب مع رفاقه ويشارك في أنشطة أسرته ومحيطه ، ويحاول أن يستمع إلى حكاياتهم وقصصهم وفهمها .. ومن خلال كل هذا ينمي الطفل محصلته اللغوية من أسماء وأفعال وجمل وتراكيب ، والعمل على استخدامها في مواقف مختلفة ، رغم أنها تأخذ في بعض الأحيان دلالات معينة غير دقيقة . وبتعدد المواقف التي بتعرض لها الطفل في حياته والخبرة التي اكتسبها ، يتعدل مفهومها شيئا فشيئا ، حتى يستقر هذا المفهوم طبقا لطبيعته المتداولة في البيئة التي يعيش فيها ..
إن الأدب المقدم للأطفال وهم في هذه المرحلة ينبغي أن يستجيب لخيالهم والخصائص التي يتصفون بها وتناسب عمرهم ونموهم العقلي والنفسي والاجتماعي ، كالأشكال القصصية التي تحتوي على شخصيات مألوفة لديهم من البشر أو الحيوانات أو النباتات التي تتقمص الأدوار البشرية في حركاتها وتصرفاتها ، التي تتميز بصفات الحركة والصوت واللون والحجم والموسيقى، وهي صفات تساعد هؤلاء الأطفال على الإيهام في إشباع ميولهم وعواطفهم ، وتجذب اهتمامهم ةبعث السرور والضحك لديهم .. مما يغني محتوى أدب الطفل ومضامينه ويزيد من حب الأطفال به ، ويُفضل الابتعاد عن القصص الخيالية المخيفة والشخصيات الخرافية المرعبة ..
المرحلة الثالثة : وتشمل الأطفال الذي تتراوح أعمارهم بين ست سنوات وثمان سنوات
تعرف هذه المرحلة انتقال الطفل من مرحلة الخيال المحدود إلى مرحلة الخيال المنطلق ، فتظهر رغبة الطفل في تخطي واقعه الضيق إلى عوالم متسعة ومختلفة ، وتزيد مدارك الطفل وقدراته العقلية والمعرفية ، فيستطيع أن يعرف عالم الحيوانات ومنافعها وأضرارها ، وان يقتحم عالم الطبيعة ويدرك شيئا فشيئا اسرارها ، فيتصور نفسه مغامرا أو بطلا من الأبطال يعيش الأحداث الخيالية والمغامرات الصعبة ، رغبة في اكتشاف عوالم أرحب ، فنجده ينجذب إلى القصص الخيالية والخرافية التي تستمد شخصياتها من عوالم الجن والغريب والعجيب التي تكون نهاياتها سارة أو مضحكة .. فتتسع ذخيرة الطفل اللغوية وتنمو أخيلتهم الإبداعية ، ويتسع فضوله ، فتكثر الأسئلة لديه خاصة في تباين الفروق الجسمية بين الجنسين، وينتظر الإجابة عليها مما يمنحه الثقة في تكوين شخصيته ..
وتتميز هذه المرحلة أيضا ، بالتحاق الأطفال بالمدرسة ، فتتغير جوانب حياتهم في نظرهم سلبيا ، فيجدون أنفسهم أمام التزامات جديدة وواجبات معقدة ، ومسؤوليات كثيرة ، فيسعون إلى عدم الاكتراث وممارسة اللعب .. مما ينبغي التركيز على توجيههم والاهتمام بهم ومساعدتهم على القيام بواجباتهم التي تتعلق بالتدريبات على التعبير والكتابة والتركيز والانتباه ، حتى تتبلور لديهم كثير من القيم الانسانية والأخلاقية ..
المرحلة الرابعة : وتمتد من السنة التاسعة إلى السنة الثانية عشر
ينتقل الطفل في هذه المرحلة من الخيال إلى الواقع ، وتنمو شخصيته أكثر على ألعاب الحركة والمنافسة والمخاطرة ، فنجده يبدي إعجابه إلى أبطال المغامرات ويصور أفعالهم وبطولاتهم، ويحاول تقليد أفعالهم ونشاطاتهم ..
وفي هذه الفترة ، يتمكن الطفل من تحمل المسؤوليات من خلاله قدرته على تعلم مهارات الحياة ، والتحكم في انفعالاته ، والقدرة على الحفظ و تذكر الحوادث والوقائع التاريخية ..
تستهوي طفل هذه المرحلة قراءة القصص البوليسية والهزلية المصورة وقصص المغامرة والعنف .. وكل ما يتعلق بالواقع المعاش داخل الأسرة أو خرجه ، كما يستمتع الطفل بمشاهدة السينما والتلفزيون والمسرح .. فنجده يمتلك قدرات ومهارات قرائية تساعده في فهم الرموز والدلالات اللغوية ، ويساعدهم على النمو العقلي والمعرفي ، مما يتيح لهم الفرصة في اكتشاف كتب العلوم المبسطة ، وكتب التكنولوجيا والرقمنة والتاريخ والكتب الفنية ..
المرحلة الخامسة : وتشمل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين اثنتي عشرة إلى خمس عشرة سنة .
تتصف هذه المرحلة بالتغيرات الدقيقة في حياة الطفل ، وتتميز بالانتقال من الاستقرار العاطفي إلى مرحلة دقيقة بسبب اقترابه من مرحلة البلوغ ، حيث تظهر قوى جنسية ورغبة قوية في الاستقلال ، وإعادة النظر في روابطه الاجتماعية مع أهله ورفاقه .. كما تعرف هذه المرحلة تعدد مبولات الأطفال بتعدد مجالات الحياة الاجتماعية مما يتطلب معها إشغالهم وتنمية المواهب لديهم ، وتحويل الطاقات الكامنة بداخلهم إلى وسيلة للتغلب على الاضطرابات الجنسية التي يعرفها الطفل المراهق ، والتي قد تؤدي به إلى أمراض وعقد نفسية ..
يستهوي اطفال هذه المرحلة القصص البوليسية و قصص المغامرة والعاطفة التي تتضمن وقائع العلاقات بين الجنسين ، والتي تتفاعل فيها شخصيات تنطلق من ذواتها في رؤيتها للواقع ، وتعيش في عالم المثالية ، وأيضا تلك التي تواجه الصعوبات من أجل العدل و الحب والسلام .. كما يميل الأطفال إلى قراءة الروايات والصحف والكتب .. والاستماع إلى الأخبار والبرامج الإذاعية والمسلسلات التلفزية والأفلام السينمائية وبرامج الكبار ..
2 – 2 – أدب مراحل الطفولة
لا يختلف أدب الأطفال عن أدب الكبار في كونه نشاط لغوي إبداعي له أدواته وتقنياته ومناهجه تبعا للنوع الأدبي ( قصة ، شعر ، رواية ، مسرحية..) ، اللهم فيما يتعلق بطرق التقديم وأساليب العرض وما يتصل بهما من اللغة والأسلوب وما يلتزم بالبناء الفني لكل نوع من الأنواع الأدبية ، والقضايا والموضوعات التي يتناولها بحسب المرحلة العمرية وخصائصها المعرفية والنفسية ، ويتميز أدب الأطفال بمراعاته لحاجات الأطفال وميولاتهم وقدراتهم … غايته التسلية والإمتاع والتشويق والإثارة ، والشعور بالرغبة الداخلية في القراءة ومناقشة قضايا اجتماعية أو جمالية أو تربوية أو تعليمية
“كما أن أدب الأطفال يتجاوز أدب الكبار حلما وإبداعا ، فليس من السهل أن تكتب للطفل ، ويقال إنك إذا استطعت أن تجذب طفلا للقراءة كأنك امتلكت العالم ، بل إن كتابة أدب الأطفال تحتاج إلى مهارات أكثر دقة من الكتابة للكبار ” (الضبع ، صفحة 53) .
تهدف الكتابة للأطفال إلى إحداث التوازن النفسي والمعرفي والوجداني ، وبناء الشخصية الفاعلة التي تسعى تحقيق التواصل والاندماج الكلي مع ذاتها ومع محيطها ، ويتطلب ذلك تنمية القدرات العقلية والمهارات التواصلية وتنمية الذوق الأدبي. وتبقى حكايات الشاعر الفرنسي جان دي لافونتين ( 1621 – 1695 ) الخرافية التي ضمّنها في اثني عشر كتابا أبرز كتب الأطفال تأثيرا، والتي أكسبته جمهورا واسعا ، فقد استمد شخصياته من حيوانات الغابة والطبيعة الحية ..
3 – تأثير سينما التحريك في أدب الطفل
3 – 1 : لقاء سينما التحريك بالأدب .
إن لقاء سينما التحريك بأدب الطفل يتمثل في كونهما معا يؤسسان لعالم مشترك واحد وخاص ، تتحرك فيه الشخوص سواء كانت متخيلة أو مفهومية ، ويضعان تصورا خاصا عن الذات والآخر.. في ارتباطهما الوثيق بالواقع ، رغم أن السينما في أساسها تتميز بالخاصية التخييلية فهي تنتج السيمولاكر والظلال والخيال[5] ، فالأدب و السينما عامة يحملان آثارا للوجود الواقعي والعالم الذي يؤسسانه الذي هو عالم الأطفال ، ليس بالضرورة أن يكون انعكاسا لما هو موجود في الحقيقة ولكنه غير منفصل عنه.
لا يمكن بأي شكل من الأشكال، أن نجعل من أفلام التحريك عبارة عن خطابات أدبية مثلما لا يمكننا مطالبة الأدب بالتفكير في السينما ، لكن يجب أن نضع حدودا و شروطا لهذا التفكير يأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل منهما ، ولذلك ينبغي ان نجعل من الخطابين معا ، الأدبي و السينمائي، ينفتحان على بعضهما ليحدث التقاطع و التكامل و تصبح العلاقة بينهما علاقة عرضية Transversale ، تسمح بتوظيف المفاهيم المرتبطة بكل حقل وتوظيفها في الحقل الآخر، و أن ننتبه إلى حاجة كل مجال في هذه العلاقة، و التقارب الممكن بينهما باعتبارهما يشتركان في الطابع الفني والإبداعي ، حتى يمكن للأديب أن يعتبر الفيلم شكلا متجددا للأدب ، وهكذا سيُفهم أن العدد الكبير من الاقتباسات ، هو بالأساس يرجع إلى التيمات التي تعالجها سواء بقيت في الكتب أو عبرت عنها بالصور.
حين نتساءل عن الكيفية التي تؤثر فيها أفلام التحريك على أدب الطفل وعلى عالم الأطفال ، فلا يجب أن نعتبر هذا السؤال وكأنه لا جدوى منه، بل يجب أن نبحث عن الشروط التي تجعل اللقاء الأدبي بالسينما ممكنا ، مع استحضار خصوصية كل واحد منهما والعناصر المشكلة لهما ، فأدب الطفل بإمكانه أن يثير مشكلات مرتبطة بصيغ تعبيره، وبتداعيات الكلمة و الجملة و باللغة الأدبية التي تعيش بها الحكاية فتمنح الطفل عالما متخيلا بعيدا عن المؤثرات الخارجية التي يمكن أن تتحكم فيه .. عكس السينما التي لها عالمها الخاص ومتعتها الجمالية و الفكرية و الفنية التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نعوضها أو نستبدلها ..
إن أدب الطفل بكل أجناسه، كان منبعا خصبا و مغذيا للفن السابع بوجه عام ، لدرجة أنه أصبحنا نتساءل عن إمكانية اعتبار كل عمل أدبي موجه للطفل هو مشروع لعمل فيلمي / سينمائي، سواء كان رواية أو قصة أو مسرحية….دون مراعاة شروط ذلك التحول ..هذا النوع من الاستحواذ على النص الأدبي لا يمكن أن نجزم ، هل أساء للنص أكثر من إفادته أم العكس؟ ، يرى ابراهيم العريس (العريس ، 2010، صفحة 7) أن : ” كل أفلمة لنص أدبي ، تعتبر في شكل أو في آخر خيانة لهذا النص ..إذ نعرف أن الترجمة – مهما كانت دقيقة – من لغة إلى أخرى، تعتبر خيانة ، فكيف إذا كانت من فن أو إلى فن آخر يختلف عنه لغة ومضمونا وأساليب الجمهور أيضا ” ، وهنا نستحضر المخرج (ستانلي كوبريك) عندما قام بأفلمة رواية (إشراق ) لـ(ستيفان كينغ) بنفس العنوان ، هذا الأخير اعتبر اقتباس روايته كان غير صائب، نظرا لتغيير بعض أحداث العمل الأدبي في الفيلم السينمائي.. و يعد هذا الفيلم واحدا من أعظم وأقوى أفلام الرعب في تاريخ الفن السابع ، فرغم أن احتجاج (ستيفان كينغ ) لما وقع لفيلمه، قام على اقتباس عمله الروائي بنفسه إلى التلفزيون والإساءة إلى عمله بشكل جعله يخلص إلى أن المبدع و المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك (Stanley Kubrick) قد أنقذ روايته (إشراق ) ..
3 – 2 : أفلمة العمل الأدبي .
يطرح السؤال ، دائما ، حول ماهية الفيلم ؟ ولماذا هناك احتياج إنساني إليه؟ هل باعتباره يشكل فنا يُولّد نوعا من المتعة و اللذة ؟ فاختلفت دائما الإجابات والآراء والتصورات حول تعريفه وسبب تعلق الفرد به ، فقد ارتبطت الأعمال الفنية الإبداعية بالإنسان منذ بداياته الأولى، و لازمته على مر التاريخ ، سواء أكانت ذات طابع أسطوري أم وظيفي .. يرى سدني كولفن (Sydney Colven ) : ” أن الفنون الجميلة هي من بين شتى فنون الإنسان ، تلك التي تنبع من نزوعه نحو عمل أشياء، ولإنتاج موضوعات بطرق خاصة ، أولا من أجل اللذة الخاصة المستقلة عن أية منفعة مباشرة يستشعرها في أدائه لتلك الأعمال ، أو إنتاجه لمثل هذه الموضوعات، وثانيا من أجل اللذة المماثلة التي يستشعرها من مشاهدة أو تأمل تلك الأعمال حين يحققها غيره من الناس ” (إبراهيم، صفحة 13)؛ فالفيلم يحقق هذه اللذة سواء في إنتاجه أو في تلقيه، فهو أداة تواصل بين الناس، مثل باقي الأعمال الفنية الأخرى، في نقل الخبرات السابقة التي أحدثت أثرا عميقا في نفس الفنان إلى المتلقي ، يقول ليوتولستوي (Leo Tolesty ) عن الفنون : ” الفن هو أن يثير المرء في نفسه شعورا عميقا سبق أن جربه ، و إذ يثيره في نفسه يعمد إلى نقل هذا الشعور بواسطة الحركات أو الخطوط أو الألوان أو الأصوات أو الأشكال المعبر عنها بالكلمات، بحيث يصبح جزءا من تجربة الآخرين ، و هذا هو فعل الفن ” (نويلر، صفحة 34)
إن تحويل العمل الأدبي الموجه للطفل إلى فيلم أو ما يصطلح عليه بأفلمة العمل الأدبي ، وإعادة قراءته قراءة فنية معاصرة يعد بعثا للنص من جديد وتحديثه ، فالنص الأدبي عند تحويله إلى عمل فني سينمائي يمكن أن يصبح عملا جيدا أو سيئا ، وذلك راجع إلى نوع الاقتباس الذي تم توظيفه، فالمسألة هنا تخرج عن الغرض الذاتي من العمل الأصلي ، فالحفاظ عليه بأمانة أو خيانته تبقى رهينة بالعمل الجديد ، فستيفان كينغ لم يكن راضيا عن أفلمة روايته في البداية ، في حين نجد مثلا، الكاتب آنطوني بارغس عندما شاهد روايته “برتقال آلي ” قد تحولت إلى عمل سينمائي بنفس العنوان ومن إخراج المبدع و المخرج الأمريكي (ستانلي كوبريك Stanley Kubrick) ، أحس بعمل رائع قد ولد من عمله الأصلي، رغم بُعد العمل السينمائي عن الرواية .. فالمسألة في نهاية الأمر تتعلق بكيفية التعامل مع الأدب واستحضاره في المجال السينمائي، ورصد كيفية معالجة بعض السينمائيين لقضايا الأدب ..
وإذا ما نحن انتقلنا إلى تأثير فن التحريك على أدب الطفل ، نجد أن عملية اقتباس النصوص الأدبية إلى أعمال سينمائية لا يمكن إلا أن يخدم هذا الأدب، فسينما التحريك رغم حداثتها استطاعت بأساليبها و إمكانياتها و جمالياتها أن تنقل النص الأدبي بلغتها السينمائية ، وعلاماتها اللغوية ، وبما تعنيه الصورة باعتبارها مجالا للتأويل و التأمل واللذة.
إن المتأمل في الإنتاج الكمي الذي سمح بوجود صناعة سينما التحريك ، سيطرح لا محالة، سؤال مشروعية العلاقة بين أدب الطفل والأفلام المتحركة ، لنقول أن هذا المشروع ينبغي تبنيه ، فالزواج الشرعي بين الفنين، يعطي نفسا جديدا وعميقا ومجالا أوسع للتفاعل و التأثير ، فكلاهما يضعان تصورا خاصا عن العالم و عن الذات و الآخر ، وهنا يحصل الالتقاء والتكامل…
3 – 3 : نماذج شاهدة
تشكل أفلام التحريك دنيا بديلة يحياها الطفل ويتأثر بها تأثيرا كبيرا ، فمن خلالها يتعرف الأطفال على عالم الكبار وطباعهم وأفكارهم وعلاقاتهم ، ويتعرفون أيضا على عالم الحيوان والطبيعة ، ويحلقون إلى عالم الخيال ، وتعتبر هذه الأفلام وسيلة من وسائل تثقيف الأطفال ، وأداة لتنمية سلوكه وعواطفه “فالسينما ليست أداة للهو الأطفال وامتاعهم فقط ، بل هي أداة فاعلة من أدوات تنميتهم عقليا وعاطفيا واجتماعيا وخلقيا ، ووسيلة من وسائل ثقافتهم ، وهي يخدم جمهور الأطفال ويسهم في تأصيل كثير من القيم والمفاهيم ” (الهيتي، صفحة 377)
وقد بدأ الاهتمام بسينما الأطفال يفرض على القائمين إلى عدم الإغفال عن ـتأثيراتها السلبية التي تفسد تفكيرهم وتربيتهم ، وتعمل على تخريب أخيلتهم ، من خلال توظيف حيلا وخدعا سينمائية صوتية وصورية ، بغرض إثارة الأطفال وانجذابهم إلى أمور لا نريدها لأطفالنا ، فتصبح هذه الأفلام صناعة لذاتها ، وأعمال تجارية هدفها السيطرة على الأسواق ، والحصول على مزيد من الأرباح ، فأوجب التفكير في إنتاج أفلام بديلة تسعى إلى وضع فلسفة واضحة لثقافة الأطفال وفق الأسس النفسية والاجتماعية والسلوكية ..كما وقع في إيطاليا التي استبدلت أفلام الكارتون الأمريكي ميكي ماوس بفأر آخر يدعى توبو جيجو الذي نال شهرة واسعة في إيطاليا بل وفي أروبا..
ومن أشهر أفلام التحريك المقتبسة عن أعمال أدبية نذكر :
- فيرديناند (Ferdinand the Bull) : هو فيلم رسوم متحركة قصير، أخرجه ديك ريكارد وأنتجته شركة ديزني عام 1938 م ، ، كما أعيد تصوير الفيلم سنة 1917 م ، ويعتبر هذا الفيلم من أعمال المصارع الشهير جون سينا ، وقد أخرجه المخرج البرازيلي كارلوس سالدانا ، وأنتجته شركات استديوهات بلو سكاي، وتونتيث سينتشوري فوكس دافيس إنترتايمنت .. اقتبس الفيلم عن قصة فرديناند (The Story of Ferdinand) للمؤلف الأمريكي مونرو ليف ، وتحكي القصة عن ثور أسود أليف يدعى فيرديناند يعيش في مزرعة ، يتعرض لمواقف طريفة ومتاعب مع ثيران مصارعة خارج المزرعة ، لتتوالى الأحداث الشيقة ويعود الثور إلى مكانه الطبيعي..
- الغرينش(The Grinch) : هو فيلم رسوم متحركة أمريكي ، أخرجه يارو تشيني وسكوت موسيير ، وقد اقتبس الفيلم من كتاب أدب الأطفال كيف سرق جرينش عيد الميلاد (How the Grinch Stole Christmas!) ، عام 1957 م للروائي الأمريكي تيودور سيوس جيزل المعروف بالدكتور سوس ، وتحكي قصة الفيلم عن بطل الرواية جرينش الذي يقيم في منزل مع كلبه ‘ ماكس ‘ بمدينة هوفيل ، ويدفعه غضبه من حفل عيد الميلاد إلى التنكر في صفة بابانويل والقيام بأمور طريفة ..
- سالي : أو الأميرة سارة ( Princess Sarah) هو عمل فني من نوع الرسوم المتحركة لشخصية سارة أو سالي ، تم إنتاجه عام 1985م باليابان ، وهو مقتبس من الرواية الشهيرة للكاتبة فرانسيس هودسون برنيت(Frances Hodgson Burnett) تحت عنوان ” الأميرة الصغيرة ” ، وتحكي القصة عن أحداث واقعية عاشتها الفتاة ‘سارة كريو’ التي عاشت في الهند مع والديها البريطانيين ، وإثر وفاة والدتها إثر مرض خطير ، سيضطر الأب الغني إلى اصطحاب ابنته سالي ( وهو اسم الشخصية في المسلسل ) إلى لندن ، لتتم دراستها في مدرسة داخلية للبنات ، حتى يتفرغ السيد ‘كرووي ‘ إلى أعماله في مناجم الألماس ، وستحظى الأميرة الصغيرة بظروف العناية والاهتمام والرعاية إلى أن تعلم السيدة ‘ منشن ‘ مديرة المؤسسة بخبر وفاة والد سالي وإفلاسه ، لتضطر إلى الانتقام منها حتى تسترجع جزءا من المال التي قامت بإنفاقها عنها ، فتعيش الطفلة سالي ظروفا عصيبة في المدرسة ، والعمل كخادمة ومعاملة صديقاتها إليها ..لتتوالى أحداث السلسلة الفنية لتنفرج الأمور في النهاية ، وتظهر الحقيقة وتستعيد الطفلة سالي مكانتها الطبيعية ، كأميرة للألماس في العالم ، ولم تنس إدارة بالمؤسسة وصديقاتها وسامحت كل من آذاها وعاملها بسوء ، أو قام بمضايقتها ، بل عملت على دعم المؤسسة ماديا .. وقد عرف هذا العمل الفني شهرة واسعة لدى الأطفال والكبار لعمق العمل الإنساني والاجتماعي وما يتضمنه من قيم وأخلاق نبيلة .
خاتمة وتوصيات
لا يسعنا في خاتمة البحث ، إلا التأكيد على أن الاهتمام بالعلاقة بين سينما التحريك وأدب الأطفال، يطرح إشكاليات عديدة وعميقة، ، غير أننا لم نجعل منها مشجبا ، نعلق عليها عجزنا وانكساراتنا .. بل كانت لنا خير حافز للبحث والقراءة والتحليل .. فقد حاولت الدراسة أن تركز على قضايا بعينها، شكلت اللبنة الأساسية لمشروعية العلاقة بين الفنين ، وأن تصب بكاملها في طبيعة تصور معايير تحويل عمل أدبي له خصوصيته الإبداعية ، إلى عمل فني سينمائي ، يعتمد على الفعل والحركة والصوت والأداء..
حاول الباحث في دراسته أن يرتب أفكاره وفق لتصور جدلي يؤمن بالتغيير والتحول وبتلاقح التجارب ، وأيضا لطبيعة الإشكالية ومدى تدخل النص الأدبي الموجه للطفل واقترابه من عملية الأفلمة، فحاول الباحث بناء استراتيجية مقترحة تقوم على مرتكزات علمية ومنهجية وموضوعية ، لا تنفي إمكانية وجود استراتيجيات تحليلية أخرى لها دور الإغناء لما قدمه ، اعتبرها بمثابة معايير للقراءة الملائمة للمصطلحات والمفاهيم السينمائية ، وعرّج على تاريخ العلاقة بين الأدب والسينما في بعض التجارب العالمية ، وعمل على الحديث عن الطفولة ومراحلها ومكانة الأدب في مستوياتها ، كما قدم التجليات التي تؤثر من خلالها سينما التحريك على أدب الأطفال .. ورغم ذلك يصعب أن يُلم بتفاصيل وجوانب الإشكالية بصفة عامة.
ويمكن أن نرصد أهم النتائج التي توصلت الدراسة إليها ، فيما يلي :
- تبقى مقاربة العلاقة بين سينما التحريك وأدب الأطفال منفتحة على مقاربات منهجية مختلفة ومتعددة، الأمر الذي يجعل منها مقاربة شمولية و متكاملة .
- إن البحث في عمق العلاقة سينما التحريك وأدب الأطفال وفي أشكال الكتابة الفيلمية، مكنن من الوقوف على مسار هذه العلاقة ، و طرحت عمق السؤال عن مشروعية العلاقة بين المجالين ، وما لازمها من إشكالات نعتبرها أساس التجربة الفنية، أي تحول النصوص الأدبية إلى أعمال سينمائية .. فالعلاقة بين الأدب و السينما مزدوجة الأثر، و لا يمكن أن يحصل التفاعل بينهما دون أن نعود لوظائفهما الجمالية و المعرفية ..
- اتخذت تحولات البنية الأدبية في أدب الأطفال مسارات أخرى متباينة على صعيد الاقتباس والنقل، لتأخذ خطابا فنيا تأويليا خاصا.. ينقلها من مساحاتها الإبداعية إلى نصوص إبداعية أخرى ..
- إن الأفلام المقتبسة من مصادر و أعمال أدبية موجهة للطفل بالخصوص ، تعكس قوة العلاقة بين الكلمة و الصورة . مما يجعلنا نخلص إلى الدور الكبير الذي يلعبه المخرجون في محاكاة النصوص الأدبية ومقاربتها إبداعيا .
- إن معظم الأفلام السينمائية ولدت من رحم أعمال أدبية ، وبمبادرات شخصية و بدوافع مختلفة ..
- الاقتباس هو نتاج الثقافة الغربية، التي ترى أنه يحمل معان وثيقة الخصوصية، والتي تختلف من مخرج إلى آخر، في تعامله مع النص المقتبس، ليجسد بذلك معانيه ودلالاته ويشكل بناه، وينبثق الاقتباس من الكتابة إلى الصورة من عمليات التداخل و التعالق بين المجالين الأدبي والفني، فالنص الأدبي في صيرورته يتقاطع مع باقي النصوص الأخرى..
- إن احتياجات العمل السينمائي تختلف عن احتياجات العمل الأدبي ، وبذلك فإن العلاقة بين الأدب و السينما يجب أن تقوم على فكرة وموضوع القصة .
- تشكل سينما التحريك وسيلة اتصالية مهمة للأطفال في نقل الأحداث والوقائع ، فهي تسهم في تكوين شخصية الأطفال وتكوينهم العقلي والنفسي والاجتماعي والمهاري ..
- تؤثر سينما التحريك إيجابيا على الأطفال ، وتسهم في تنمية التفكير الإبداع ، فمن الضروري مراعاة الجوانب التربوية والأخلاقية والفنية والثقافية عند إنتاج أفلام التحريك ، التي تناسب الطفل العربي عموما
- منع قبول أفلام التحريك التي تتلاءم مع قيم المجتمع العربي وتراثه ..
- العمل على جعل سينما التحريك تعليما بديلا وفق ضوابط وأسس علمية دقيقة ، وتستمد مصادرها من أدب الأطفال ، وما يتبناه التعليم الأساسي خدمة للمتعلمين الصغار وتطوير قدراتهم الإبداعية..
المراجع بالعربية
إبراهيم, ز. (s.d.). مشكلة الفن. القاهرة: مكتبة مصر.
الأسعد, ع. (2013). أدب الأطفال. عمان, الأردن: الوراق للنشر والتوزيع.
الخضري, خ. (1989). موقع الأأدب المغربي من السينما المغربية. الرباط: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
الضبع , م. (s.d.). أدب الأطفال بين التراث والمعلوماتية. الدار المصرية اللبنانية.
العريس , ا. (2010). من الرواية إلى الشاشة. دمشق, الجمهورية العربية السورية: منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما.
القاسم, م. (1988 م). الأدب في السينما (éd. 1). الجيزة: دار الأمين للنشر والتوزيع.
الهيتي, ه. (s.d.). أدب الأطفال : فلسفته ، فنونه ، وسائطه. القاهرة وبغداد: الهيئة العامة المصرية للكتاب ودار الشؤون الثقافية العامة.
بيغنل, ج. (19832001). مدخل إلى سيمياء الإعلام. (م. شيا, Trad.) بيروت, لبنان: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
تيريز جورنو, م. (s.d.). معجم المصطلحات السينمائية. (ف. بشور , Trad.)
عبد العزيز, ع. (s.d.). الفيلم بين اللغة و النص : مقاربة منهجية في انتاج المعنى والدلالة السينمائية. منشورات وزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما.
فيزيلييه, إ. (1983). السينما والأنواع الأدبية. (س. طلال , Trad.) بغداد: مجلة الثقافة الأدبية عدد 3.
نويلر, ن. (s.d.). مدخل إلى تذوق الفن والتجربة الجمالية. (خ. فخري, Trad.) عمان, الأردن: دار الفارس للنشر والتوزيع.
المراجع بالفرنسية
Baron, A.-M. (2008). Roman français du XIX siècle à l’écran. Problèmes de l’adaptation. France: Presses universitaires Blaise Pascal.
Aron, P., Denis, S.-J., & Alain, V. (2002). Le Dictionnaire du Littéraire. Presse universitaire de France.
BAZIN , A. (1976). Qu’est-ce que le cinéma.
Farcy, g.-D. (1993, Novembre). L’adaptation dans tous ses états. Poétique n° 96.
Pinel, V. (1996). Vocabulaire technique du cinéma. Paris: Nathan-Université.
Solin, P. (1970). Sociologie de cinéma. Paris: aubier Montaigne.
الهوامش:
- – السينما كانت صامتة ، الصوت ألحق فيما بعد … ↑
- – ماري جورج جان ميلييس: (Marie-Georges-Jean Méliès ) ( 1861م– 1938 م)،يلقب بالمصور الساحر ، وهو سينمائي فرنسي شهير، من أوائل السينمائيين الذين استخدموا تقنيات الكشف المتعدد، و تصوير انقضاء الزمن.. وصاحب خدعة التوقف أو الاستبدال عام 1896م ، ومن رواد أسلوب المونتاج الفني و المؤثرات الصوتية و الخدع السينمائية .. من افلامه : رحلة إلى القمر وهو فيلم فرنسي من نوع الخيال العلمي،وهو فيلم صامت بالأبيض و الأسود، أنتج عام 1902. وهو من روايتين: رواية جول فيرن من الأرض إلى القمر ورواية أول رجال على سطح القمر بقلم هـ. ج. ويلز.. ↑
- – هربرت جورج ويلز ( 1866 م – 1946 م ) أديب، مفكر، صحفي، عالم اجتماع ومؤرخ إنجليزي. يعتبر من مؤسسي أدب الخيال العلمي، من أشهر أعماله آلة الزمن، الرجل الخفي، جزيرة الدكتور مورو، حرب العوالم وأوائل الرجال على القمر.. ↑
- – أنطون سيمونوفتش مكارينكو (1888 – 1939) عالم التربية الروسي وأحد أعلام التربية خلال القرنين 19 و 20 . ↑
-
– نشير إلى أن هناك معجم المصطلحات السينمائية يترجم لفظة السينما بالخيالة. ↑