د. عبد الباسط بن عبد الرحيم بن حسين محمود1
1 أستاذ علوم الحديث المساعد، جامعة تبوك، المملكة العربية السعودية
بريد الكتروني: a-mahmoud@ut.edu.sa
HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3827
تاريخ النشر: 01/08/2022م تاريخ القبول: 26/07/2022م
المستخلص
هذا البحث يبين حكم الاجتماع عشية عرفة في المساجد لغير الحاج، للدعاء، وهو ما يسمى “بالتعريف” يتم فيه بيان معناه، والمستند فيه عند من يقول به، ويبين للقارئ أن القصد الحسن لا يغتفر معه الخطأ في العبادة. مع استقصاء لما ورد في شأن التعريف، ونقض لاستدلال العاملين به، مع بيان ما يتعلق بلزوم السنة، وشروط قبول الأعمال، وبيان ما يتعلق بحكم “التعريف” ويتضح فيه للقارئ أن الناس سابقًا لم يكونوا يفرقون بين عشية عرفة من غيرها من حيث الاجتماع في المساجد، وفيه الرد على مستند من يقول بمشروعيته، مع توجيه عمل ابن عباس رضي الله عنهما، وباقي العلماء، وقد رأى كثير من العلماء أنه بدعة؛ لعدم الدليل على مشروعيته، وفيه الرد على بعض الشبه التي يتداولها أغلب من يقع في مثل هذه الأمور المبتدعة، ثم كلمة فصل في الموضوع.
الكلمات المفتاحية: التعريف، لزوم السنة، قبول العمل، عمل ابن عباس، شبهة والرد عليها.
Guide the wise to the rule of definition
Dr. Abdul Basit bin Abdul Rahim bin Hussein Mahmoud1
1 Assistant Professor of Hadith Sciences, University of Tabuk, Saudi Arabia
Email: a-mahmoud@ut.edu.sa
HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3827
Published at 01/08/2022 Accepted at 26/07/2021
Abstract
This research shows the ruling on gathering on the eve of Arafat in mosques for non-pilgrims, to supplicate, which is what is called “definition” in which its meaning is clarified, and it is based on those who say it, and it shows to the reader that good intentions are not forgiven for mistakes in worship. With an investigation of what was mentioned regarding the definition, and a refutation of the inference of those working in it, with an explanation of what is related to the obligation of the Sunnah, and the conditions for accepting works, and an explanation of what is related to the rule of “definition” and it becomes clear to the reader that previously people did not differentiate between the eve of Arafat from others in terms of meeting in mosques And in it there is a response to the document of those who say that it is legitimate, while directing the work of Ibn Abbas, may God be pleased with them, and the rest of the scholars, and many scholars have seen that it is an innovation; Because there is no evidence of its legitimacy, and it contains a response to some of the doubts that most of those who fall into such innovated matters, then a final word on the subject.
Key Words: Definition, the necessity of the Sunnah, the acceptance of the work, the work of Ibn Abbas, the suspicion and the response to it.
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن من رحمة الله بعباده؛ أن جعل لهم مواسم خيرات، تتنزل فيها الرحمات، وتتضاعف فيها الحسنات، وتستجاب فيها الدعوات، وتحقق فيها الأمنيات، ومن ذلك يوم عرفة، الذي ورد في فضله عدد من الأحاديث، للحاج وغير الحاج؛ لذا كان السلف الصالح يحرصون على صيامه لما ورد فيه من الفضل، ويكثرون من فعل الخير، ويجتهدون في الدعاء، رجاء ثواب الله سبحانه، والفوز برضوانه، إلا أن البعض توسع في هذا؛ فأحدث فيه ما يخالف السنة، وعمل عملًا غير مشروع، فوقع في البدعة من حيث يدري أو لا يدري، ومما وقع فيه بعض الناس في كثير من الآفاق؛ الاجتماع في المساجد عشية عرفة، للدعاء، والذكر، ومشكلة البحث تكمن في معرفة مستندهم في هذا العمل، وحكم التساهل في هذه الأمور التي تتعلق بالعبادة، بدعوى أن القصد الحسن يغتفر معه كل خطأ ولو كان في العبادة. وقد رأيت أن أقوى ما يستندون عليه ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبعض أهل العلم، مما ليس لهم فيه دليل، كما سيأتي بيانه في هذا البحث. ومن هنا أردت أن أستقصي ما ورد في هذا الشأن، في هذا البحث الموجز والمنعوت بـ” إرشاد الحصيف إلى حكم التعريف” وأبين بطلان استدلالهم بما نقل عن بعض السلف، مع تمهيد أبين فيه ما يتعلق بلزوم السنة، وشروط قبول الأعمال، وأبين أن القصد الحسن لا يُصَيِّر العمل مقبولًا إذا كان مخالفًا للسنة، ثم أبين ما يتعلق بالاجتماع في المساجد عشية عرفة وهو ما يسمى بالتعريف؛ فأبين معنى التعريف، وأبين كيف كانت أحوال الناس سابقًا في عشية عرفة، مع بيان حكم التعريف، مبينًا الكلام في مشروعيته، ومستند من يقول به، ثم أبين الرد على مستندهم، مع توجيه عمل ابن عباس رضي الله عنهما، وباقي العلماء، ذاكراً من كان يرى أنه بدعة، ومحدث، ثم اذكر شبهة يتداولها أغلب من يقع في مثل هذه الأمور المبتدعة، والرد عليها، ثم أختم بكلمة فصل في الموضوع، وخاتمة موجزة للبحث، وأذيله بثبت للمصادر. سائلًا المولى عز وجل أن أكون وفيت بالغرض من هذا البحث، وبينت فيه ما هو متوافق مع الدليل الشرعي، وما كان من صواب فمن الله وحده، وما كان من خلل وزلل فمن نفسي والشيطان فأستغفر الله وأتوب إليه فهو المستعان وعليه التكلان.
لزوم السنة:
لزوم السنة سبيل للفلاح والسعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، قال الشاطبي رحمه الله([1]): قال أبو علي الحسن بن علي الجوزجاني: ” من علامات السعادة على العبد: تيسير الطاعة عليه، وموافقة السنة في أفعاله….اهـ. وقال عندما سئل: كيف الطريق إلى الله؟ فقال: ” الطرق إلى الله كثيرة، وأوضح الطرق وأبعدها عن الشبه: اتباع السنة قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية، لأن الله يقول: ﴿وإن تطيعوه تهتدوا﴾([2]).
وهي سفينة نوح. قال ابن وهب كنا عند مالك بن أنس فَذُكِرَت السنة فقال مالك: السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق([3]).
وهي النجاة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كان الزهري يقول: كان علماؤنا يقولون: الاعتصام بالسنة هو النجاة “. فكل ضلالة إنما تكون بمخالفة الكتاب والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وعامة هذه الضلالات إنما تطرق من لم يعتصم بالكتاب والسنة. وقال رحمه الله: وذلك أن السنة والشريعة والمنهاج: هو الصراط المستقيم الذي يوصل العباد إلى الله. والرسول: هو الدليل الهادي الخريت في هذا الصراط.([4]). وهي السبب الجالب لمحبة الله تعالى، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم﴾ ([5]). قال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”([6]).
ولا سبيل للزوم السنة إلا بمجانبة البدع وأهلها، واتباع سلف الأمة، قال أبو علي الحسن بن علي الجوزجاني: فقيل له: كيف الطريق إلى السنة؟ فقال: ” مجانبة البدع، واتباع ما أجمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام، والتباعد عن مجالس الكلام وأهله، ولزوم طريقة الاقتداء([7]).
ـ كل عمل يتقرب به إلى الله تعالى فلا بد فيه من شرطين حتى يكون مقبولًا:
اعلم يا رعاك الله، أن كل عمل يتقرب به إلى الله تعالى، لا يقبل من صاحبه إلا بشرطين:
الشرط الأول: الإخلاص.
الشرط الثاني: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ ([8]) : أحسن عملا أخلصه وأصوبه. وقال: العمل لا يقبل حتى يكون خالصا صوابا فالخالص إذا كان الله والصواب إذا كان على السنة([9]).
قال ابن القيم رحمه الله: وهذا كما جعل سبحانه الإِسلام سببًا لانتفاع العبد مما عمل من خير فإذا فاته هذا السبب لم ينفعه خير عمله ولم يقبل منه كما جعل الإخلاص والمتابعة سببًا لقبول الأعمال فإذا فقد لم تقبل الأعمال([10]).
ــ القصد الحسن وقبول العمل:
فإذا تقرر هذا فاعلم أن القصد الحسن لا يُصَيِّر العمل المخالف للسنة مقبولاً، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: وفيه أن العمل وإن وافق نية حسنة لم يصح إلا إذا وقع على وفق الشرع([11]). اهـ. وسأورد بعض الأمثلة التي تدل على أن الإنسان إذا عمل عملًا بقصد حسن، وكان عمله مخالفًا للسنة؛ فإنه لا يقبل منه، لمجرد قصده الحسن:
المثال الأول: قصة أبي بردة بن نيار رضي الله عنه:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة فقال: “من صلى صلاتنا ونسك([12]) نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم”. فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلي وجيراني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تلك شاة لحم”. قال: فإن عندي عناقًا([13]) جذعة([14]) هي خير من شاتي لحم فهل تجزي عني؟ قال: “نعم ولن تجزي عن أحد بعدك”([15]). قلت: ألا ترى أن أبا بردة رضي الله عنه فعل فعلًا عن حسن قصد ليطعم ويطعم جيرانه، ومع هذا لم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفة السنة في الذبح، مع قبول عذره في أكله وإطعام جيرانه قبل الصلاة. قال ابن عبد البر رحمه الله: وفي حديث مالك من الفقه أن الذبح لا يجوز قبل ذبح الإمام لأن رسول الله أمر الذي ذبح قبل أن يذبح بالإعادة وقد أمرنا الله بالتأسي به وحذرنا من مخالفة أمره ولم يخبرنا رسول الله أن ذلك خصوص له فالواجب في ذلك استعمال عمومه([16]).
قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها فاعلها بالجهل([17]). اهـ. قلت: ولا يعذر كذلك بحسن النية والقصد؛ كما تقدم عن أبي محمد بن أبي جمرة.
المثال الثاني:
عن عمرو بن يحيى، قال: سمعت أبي، يحدث، عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قبل صلاة الغداة، فإذا خرج، مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن؟ قلنا: لا، بعد. فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج، قمنا إليه جميعًا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته ولم أر – والحمد لله – إلا خيرًا. قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه. قال: رأيت في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصا، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك أو انتظار أمرك. قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم»، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: «وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن» قوما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم”([18]).
الشاهد من هذا قول ابن مسعود رضي الله عنه لهؤلاء الناس: إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة. فبينوا له أنهم ما قصدوا إلا الخير: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. فرد عليهم بقوله: وكم من مريد للخير لن يصيبه. فهذا دليل على أن القصد الحسن لا ينفع في العبادات إذا كانت مخالفة للسنة.
ـ الاجتماع في المساجد عشية عرفة (التعريف):
لله سبحانه وتعالى مواسم ونفحات، يسوقها إلى عباده، يدعوهم إلى جنته، ويرغبهم إلى عفوه ورحمته، لينالوا مغفرته ويفوزوا بدار كرامته، ومن تلك المواسم يوم عرفة، اليوم الذي تسكب فيه العبرات، وتقال فيه العثرات، ويعتق الله فيه خلقًا كثيرًا من النار، قالت عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ “([19]). قال الشيخ الألباني رحمه الله: فنزوله نزول حقيقي يليق بجلاله لا يشبه نزول المخلوقين، وكذلك دنوه عز وجل دنو حقيقي يليق بعظمته، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته، ووقوفهم بعرفة تلبية لدعوته عز وجل. فهذا هو مذهب السلف في النزول والدنو، فكن على علم بذلك([20]).اهـ. لذا تجد المسلمين في هذا اليوم الفضيل حجاجًا وغير حجاج، يغتنمون هذا الوقت المبارك، ويتعرضون لنفحات الله تعالى؛ فيتوجهون إليه سبحانه وتعالى بدعائهم، فيسألونه العتق من النيران، والفوز بأعلى الجنان، ويرجونه لتحقيق رغباتهم وكشف كرباتهم، واستجابة دعواتهم. وما هذا الحرص من المسلمين إلا دليل على حب الخير ورجاء رحمة الله، وابتغاء مرضاته سبحانه، وقد يعمل بعضهم أعمالًا غير مشروعة، ولا مستند لها من الكتاب والسنة، يرجون بها القرب من الله تعالى، ونيل مرضاته؛ فيتوجهون إلى المساجد في عشية عرفة ويجتمعون فيها ويجتهدون في الذكر والدعاء، رغبة في الخير واستزادة من الحسنات، ويسمى هذا الاجتماع “بالتعريف”.
ـ معنى التعريف: قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل: أما التعريف المحدث فعبارة عن اجتماع الناس عشية يوم عرفة في غير عرفة فيفعلون ما يفعله الحاج يوم عرفة من الدعاء والثناء.([21]).
ـ أحوال الناس سابقًا عشية عرفة:
ثم إنه لم يكن من عادة الناس تعمد حضور المسجد عشية عرفة، ومن حضر منهم؛ فإنما فعل ذلك لأن من عادته البقاء في المسجد عشية كل يوم أو في أغلب الأيام، ومن كان كذلك فإنه لا نكير عليه، ألا ترى أنه لا ينكر على من يصوم آخر يوم من شعبان إذا كان من عادته أنه يصوم يومًا ويفطر يومًا ثم وافق صيامه آخر يوم من شعبان، بخلاف من يتعمد صيام آخر يوم منه لأنه يوم شك.
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: ما كان يشهد المسجد الجامع عشية إلا من كان يشهده قبل ذلك([22]). وقال الأعمش قال: رأيت أبا وائل وأصحابنا يجلسون يوم عرفة فيتحدثون كما يتحدثون في سائر الأيام([23]).
وقال محمد بن سيرين: لقد رأيتنا زمان زياد وما ننكر عشية عرفة من سائر العشيات([24]). وهذا يعني أنه لا مزية لها عندهم عن سائر الأيام من حيث الاجتماع وتخصيصها بالدعاء في المساجد.
ـ حكم التعريف:
إن الناظر في التعريف الذي يعمله بعض الناس عشية عرفة؛ يرى أنه عمل صالح في ظاهره، وأنه خير وقربة إلى الله تعالى، وأن الناس ما عملوه إلا بقصد حسن، لكن هل هو أمر مشروع، وهل هناك دليل على مشروعيته؟ وهل يقال لمن عمله أنه مأجور لأن قصده حسن؟ وقد تقدم أن كل عمل وإن كان ظاهره الخير والصلاح لا بد فيه من تحقق شرطي قبول الأعمال. وسأجيب عن هذه التساؤلات التي ذكرتها آنفًا؛ فأقول وبالله التوفيق:
أـ أما مشروعيته: فإننا لم نجد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا عمل الخلفاء الراشدين المهديين ولا من بعدهم من سادات التابعين ومن بعدهم، ما يدل على مشروعيته، قال أبو بكر الطرطوشي بعد أن ذكر جملة من العلماء الذين لم يقروا هذا الفعل: فاعلموا رحمكم الله أن هؤلاء الأئمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة، ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة لا في غيرها، ولم يمنعوا من خلا بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله تعالى، وإنما كرهوا الحوادث في الدين، وأن يظن العوام أن من سنة يوم عرفة بسائر الآفاق الاجتماع والدعاء، فيتداعى الأمر إلى أن يدخل في الدين ما ليس منه([25]).
وإذا كان هناك من أقر هذا العمل؛ فإنه العلماء الذين أنكروه أكثر عددًا وأقوى حجة. والحجة ما دل عليه الدليل، ولو كان العامل به واحدًا بمفرده؛ إذ الحق لا يعرف بالكثرة والقلة؛ بل بموافقة الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، وهذا هو معنى الجماعة التي أمرنا بلزومها، وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما سئل: كيف لنا بالجماعة؟ قال: إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك([26]).
ب ـ مستندهم في التعريف عشية عرفة:
وأقوى ما يستند عليه من يفعل التعريف؛ أثر ابن عباس رضي الله عنهما، الذي ذكره الحسن البصري عنه فقال: أول من عرف بأرضنا ابن عباس([27]).
ولهم كذلك بعض ما يستندون عليه، من النقولات عن بعض أهل العلم ممن كانوا لا يرون بأسًا في الاجتماع عشية عرفة، فمن ذلك:
قال ابن عون: كانوا يسألون محمدًا عن إتيان المسجد عشية عرفة فيقول: لا أعلم به بأسًا، فكان يقعد في منزله؛ فكان حديثه في تلك العشية حديثه في سائر الأيام”([28]).
ـ قال موسى بن أبي عائشة: رأيت عمرو بن حريث يخطب يوم عرفة وقد اجتمع الناس إليه.([29]).
وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار، يجتمعون في المساجد يوم عرفة، قال: أرجو أن لا يكون به بأس، قد فعله غير واحد([30]).
قال ابن قدامة: وقال الحسن، وبكر، وثابت ومحمد بن واسع: كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة. قال أحمد: لا بأس به، إنما هو دعاء وذكر لله. فقيل له: تفعله أنت؟ قال: أما أنا فلا.
وروي عن يحيى بن معين أنه حضر مع الناس عشية عرفة([31]).
ـ الرد على مستندهم، وتوجيه عمل ابن عباس رضي الله عنهما، وباقي العلماء:
أما أثر ابن عباس رضي الله عنهما؛ فليس لهم فيه مستند؛ لأنه رضي الله عنهما ما كان يقصد الجلوس قصدًا في المسجد عشية عرفة؛ بل حضرته نية فقعد، قال أبو شامة رحمه الله: فإن ابن عباس رضى الله عنهما حضرته نية فقعد فدعا، وكذلك الحسن، من غير قصد لجمعية، ومضاهاة لأهل عرفة، وإيهام العوام أن هذا شعار من شعائر الدين، والمنكر إنما هو ما اتصف بذلك والله أعلم([32]).اهـ.
ومما يؤيد هذا؛ أنه رضي الله عنهما، كان يجلس للناس ويفسر لهم القرآن، ويعلمهم العلم النافع، قال أبو شامة: على أن تعريف ابن عباس قد صار على صورة أخرى غير مستنكر([33]). قلت: وهذا ما ذكره الحسن البصري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان يقوم على منبرنا هذا ـ يعني ابن عباس رضي الله عنهما ـ أحسبه قال: عشية عرفة، فيقرأ سورة البقرة وسورة آل عمران يفسرها آية، آية([34]).
قال أبو شامة: فتعريف ابن عباس رضى الله عنهما كان على هذا الوجه فسر للناس القرآن، فإنما اجتمعوا؛ لاستماع العلم، وكان ذلك عشية عرفة؛ فقيل عرف ابن عباس بالبصرة؛ لاجتماع الناس له كاجتماعهم الموقف([35]).
وأما ما نقله الأثرم عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، أنه سأله عن التعريف في الأمصار يجتمعون يوم عرفة فقال أرجوا أن لا يكون به بأس؛ قد فعله غير واحد الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة([36]).اهـ.
فإن هذا داخل في فيما ذكرته آنفًا، من أنهم ما كانوا يتعمدون قصد المساجد في عشية عرفة، وإنما هو أمر وافق جلوسهم المعتاد، يدل عليه أنه لم ينقل عنهم المدامة على فعله، وإلا لنقل إلينا، قال عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: ما كان يشهد المسجد الجامع عشية إلا من كان يشهده قبل ذلك([37]). وقال أبو بكر الطرطوشي رحمه الله: فاعلموا رحمكم الله أن هؤلاء الأئمة علموا فضل الدعاء يوم عرفة، ولكن علموا أن ذلك بموطن عرفة لا في غيرها، ولم يمنعوا من خلا بنفسه فحضرته نية صادقة أن يدعو الله تعالى، وإنما كرهوا الحوادث في الدين، وأن يظن العوام أن من سنة يوم عرفة بسائر الآفاق الاجتماع والدعاء، فيتداعى الأمر إلى أن يدخل في الدين ما ليس منه([38]).اهـ.
ولأن جلوسهم ما كان يجر إلى مفسدة؛ بل كان فيه تعليم للناس الخير، وهذا هو الظن بهم، لذا قال أبو شامة: وعلى الجملة فأمر التعريف قريب إلا إذا جر مفسدة([39]).اهـ. قلت: وأي مفسدة أشد من أن يعمل الناس بدعة فيتوارثها أجيالهم؛ فيظنونها سنة مشروعة؟! وقد وقع هذا، كما قال أبو شامة: وهذا أحدث قديمًا ـ يعني التعريف ـ واشتهر في الأفاق شرقًا وغربًا واستفحل أمره ببيت المقدس وخرج الأمر فيه إلى ما لا يحل اعتقاده وسنذكره([40]).
قلت: والظن الذي نظنه بهؤلاء الأئمة أنهم ما كانوا ليفعلوا فعلًا مخالفًا للسنة، كيف وهم الذين يحذرون من البدع والإحداث في الدين، ولكنهم حضروا عشية عرفة لاعتيادهم حضور المسجد في كل يوم، في عرفة وفي غير عرفة.
جـ ـ وليس كل من يعمل عملًا بقصد حسن؛ فإن عمله يكون مقبولًا ولو كان مخالفًا للسنة، وقد ذكرت في مطلع هذا البحث مثالين يدلان على هذا.
ـ من كان يرى أنه بدعة، ومحدث:
إذا عرفت أخي الكريم ما يتعلق برأي المسوغين لهذا العمل؛ فمن المهم أن تعلم الرأي الآخر وهو قول من يقول ببدعية هذا الاجتماع عشية عرفة، وإليك هذه النقول عنهم:
قال شعبة رحمه الله: سألت الحكم، وحماد عن الاجتماع عشية عرفة، فقالا: محدث.([41])
وقال عامر والحكم: المعرف بدعة([42]). وقال إبراهيم النخعي: الاجتماع يوم عرفة أمر محدث([43]). وقال: إن أحق ما لزمت الرجال بيوتها يوم عرفة([44]).
قال النووي رحمه الله: وكرهه جماعات منهم نافع مولى ابن عمر وإبراهيم النخعي والحكم وحماد ومالك ابن أنس وغيرهم([45]).
قال ابن وهب: ” سألت مالكًا عن الجلوس يوم عرفة؛ يجلس أهل البلد في مسجدهم، ويدعو الإمام رجالًا يدعون الله تعالى للناس إلى غروب الشمس؟ فقال: ما نعرف هذا، وإن الناس عندنا اليوم ليفعلونه”([46]).
قال ابن وهب: ” وسمعت مالكًا يسأل عن جلوس الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر، واجتماعهم للدعاء؟ فقال: ليس هذا من أمر الناس، وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع “([47]).
قال ابن رشد رحمه الله: وسئل مالك عن الجلوس يوم عرفة في المساجد في البلدان بعد العصر للدعاء، فكره ذلك، فقيل له: فإن الرجل يكون في مجلسه فيجتمع إليه الناس ويكبرون، قال ينصرف، ولو أقام في منزله كان أحب إلي.
قال ابن رشد رحمه الله معلقًا على قول الإمام مالك رحمه الله: كره مالك هذا وإن كان الدعاء حسنًا وأفضله يوم عرفة؛ لأن الاجتماع لذلك بدعة. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة”.([48]).
ونقل ابن أبي شيبة في المصنف عن الحسن، وابن سيرين، أنهما كانا لا يشهدان المسجد عشية عرفة([49]).
شبهة والرد عليها:
ولقائل أن يقول: إن ابن عباس رضي الله عنهما فعل هذا التعريف، وهو أعلم وأدرى بالسنة. نقول: هذا حق لا ريب فيه وهو أن ابن عباس رضي الله عنهما من أعلم الناس بالسنة، لكن من ذا الذي يسلم من الخطأ؟ وابن عباس رضي الله عنهما هو من كان يوصي ويأمر باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا مواقف متعددة عنه رضي الله عنهما، منها: أنه كان يطوف مع معاوية رضي الله عنه بالبيت، فجعل معاوية يستلم الأركان كلها، فقال له ابن عباس: ” لِمَ تستلم هذين الركنين؟ ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما” فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا، فقال ابن عباس: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسن﴾([50])، فقال معاوية: صدقت([51]).
ـ وأخرج اللالكائي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: “ما يأتي على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن”. وسمعته يقول: “حتى تظهر البدع”([52]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وتعريف ابن عباس بالبصرة وعمرو بن زاذان بالكوفة فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته؛ لم يمكن أن يقال هذا سنة مستحبة؛ بل غايته أن يقال: هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة.
أو مما لا ينكر على فاعله لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد؛ لا لأنه سنة مستحبة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
أو يقال في التعريف: إنه لا بأس به أحيانًا لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة.
وهكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله: تارة يكرهونه وتارة يسوغون فيه الاجتهاد وتارة يرخصون فيه إذا لم يتخذ سنة([53]). ولا يقول عالم بالسنة: إن هذه سنة مشروعة للمسلمين؛ فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع. وما سنه خلفاؤه الراشدون؛ فإنما سنوه بأمره فهو من سننه، ولا يكون في الدين واجبًا إلا ما أوجبه ولا حرامًا إلا ما حرمه ولا مستحبًا إلا ما استحبه ولا مكروهًا إلا ما كرهه ولا مباحًا إلا ما أباحه([54]). قلت: وقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة. هذا يدل على أن من فعله من الصحابة كان مجتهدًا، أي عالمًا وليس عاميًا، والاجتهاد قد يكون صوابًا وقد يكون خطأ، ولا يكون صوابًا إلا إذا وافقه دليل من كتاب أو سنة، وإلا فإنه خطأ، ولا يتابع عليه فاعله، ولا يكون دليلًا على صحة فعله، وخطؤه مغفور لصاحبه المجتهد.
وقوله رحمه الله: “أو مما لا ينكر على فاعله لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد”. قلت: ولا شك أن الذي يحصل منه هذا التعريف بناءً على اجتهاده، دائر بين الأجر والأجرين، ولكن ليس لعوام الناس، فعله، ولا يقرون عليه؛ لأنهم ليسوا بعلماء فضلًا عن أن يكونوا مجتهدين؛ بل على العلماء بيان الحق لهم بدليله، لئلا يقعوا في بدع ومحدثات.
وقوله رحمه الله: ” إنه لا بأس به أحيانًا لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة” فهذا كفعل ابن عباس رضي الله عنهما، حيث إنه جلس في ذلك اليوم يفسر لهم القرآن ويعلمهم أمور الشرع، لا أنه اجتمع بالناس يدعوا وهم يأمنون، أو يردد قول ” لا إله إلا الله وحده ….” وغيره من الأذكار، خلاف ما يفعله الناس اليوم ممن يتعمدون الاجتماع؛ حيث إنهم يذكرون ذكرًا جماعيًا، ويتخذونه سنة راتبة يفعلونها في كل عام عشية عرفة، والواقع خير شاهد. فليت شعري أن من استدل بأثر ابن عباس رضي الله عنهما، يفعل كفعله فيفسر للناس القرآن ويعلمهم أمور دينهم، لا أن يفعل أفعالًا مبتدعة ثم يقول: كان ابن عباس يفعله.
قال النووي رحمه الله: ولا شك أن من جعله بدعة لا يلحقه بفاحشات البدع بل يخفف أمرها والله أعلم([55]).
ـ كلمة فصل في الموضوع:
لا شك أن مسألة التعريف كغيرها من المسائل التي وقع فيها الخلاف، وقد أرشدنا الله تعالى في كتابه إلى كيفية التعامل مع أي اختلاف، بأن نرجع إلى كتابه وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([56]). فنرجع كما أمرنا الله تعالى عند الاختلاف، فهل في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على مشروعية هذا التعريف؟ فإن كان الجواب نعم، فوالله لن نألوا جهدًا في العمل به والتقرب إلى الله تعالى به، وإن كان الجواب لا، فلا خير في عبادة لم يشرعها الله سبحانه، أو يشرعها رسوله صلى الله عليه وسلم. وليعلم أن التساهل في مثل هذه الأمور، وإقرار الناس عليها؛ لهو نذير شر، إن لم يكن في العاجل ففي الآجل.
الخاتمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، أما بعد: فقد يسر الله لي الفراغ من هذا البحث المختصر، وهو المنعوت بـ ” بإرشاد الحصيف إلى حكم التعريف” والذي اشتمل على بيان حكم ما يفعله بعض الناس عشية عرفة من غير الحجاج؛ إذ يجتمعون في المساجد ويذكرون الله ويدعونه في تلك العشية، منهم يفعله جهلًا بحكمه، ومنهم من يرى أنه يسوغ له أن يحدث في الدين ما ليس منه إذا كان يريد بذلك الخير، ولا شك أن هذا فعل مخالف للسنة، وعمل غير مشروع، وتساهل يجر إلى فتح باب بدع ما أنزل الله بها من سلطان، بدعوى أن القصد الحسن يغتفر معه كل خطأ ولو كان في العبادة. وقد ذكرت أقوى ما يستندون عليه وهو ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبعض أهل العلم، مما ليس لهم فيه دليل، كما بينته في هذا البحث، وذكرت بطلان استدلالهم بنقولات عن بعض السلف، مع بيان ما يتعلق بلزوم السنة، وشروط قبول الأعمال، وأن القصد الحسن لا يُصَيِّر العمل مقبولًا إذا كان مخالفًا للسنة، ثم بينت ما يتعلق بالاجتماع في المساجد عشية عرفة وهو ما يسمى بالتعريف، وذكرت كيف كانت أحوال الناس سابقًا في عشية عرفة، وأنهم ما كانوا يخصصون تلك العشية ولا يميزونها بشيء عن باقي الأيام، وذكرت ما يمكن أن يوجه به عمل ابن عباس رضي الله عنهما، وباقي العلماء، ذاكراً من كان يرى أنه بدعة، ومحدث، وذكرت شبهة يتداولها أغلب من يقع في مثل هذه الأمور المبتدعة، ورددت عليها بما يسر الله، ثم ذكرت كلمة فصل في الموضوع رجاء النفع بها، وذيلت البحث بثبت للمصادر، فما كان من صواب فمن الله وحده، وما كان من خلل وزلل فمن نفسي والشيطان، فأستغفر الله منه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ثبت المصادر
ـ الاعتصام، إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي، دار ابن عفان، السعودية، الطبعة: الأولى، 1412هـ – 1992م.
ـ الباعث على إنكار البدع والحوادث، عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي المعروف بأبي شامة. تحقيق: محمد محب الدين أبو زيد. الطبعة الأولى، مكتبة مجد الإسلام، القاهرة. 2007م.
ـ البدع والنهي عنها، محمد بن وضاح القرطبي، تحقيق: محمد أحمد دهمان، دار الصفا، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1411 هـ، 1990 م.
ـ البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق: د محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، الطبعة الثانية، 1408 هـ – 1988 م.
ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، نشر وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب، 1387 هـ.
ـ الحوادث والبدع، أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد الطرطوشي، تحقيق: علي بن حسن الحلبي، دار ابن الجوزي، الطبعة الثالثة، 1419 هـ – 1998 م.
ـ الروح، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي، خرج أحاديثه: كمال بن محمد قالمي، منظمة المؤتمر الإسلامي – مجمع الفقه الإسلامي – جدة – مطبوعات المجمع، إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع.
ـ الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان ابن أبي شيبة، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد – الرياض، الطبعة: الأولى، 1409ه.
ـ المجموع شرح المهذب، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، دار الفكر.
ـ المصنف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي- الهند، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة الثانية، 1403ه.
ـ المغني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، مكتبة القاهرة، 1388هـ – 1968م.
ـ النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، 1399هـ – 1979م
ـ تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420هـ – 1999 م.
ـ ذم الكلام وأهله، أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي، تحقيق: عبد الرحمن عبد العزيز الشبل، مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1418هـ -1998م.
ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة: الأولى.
ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي، تحقيق: أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي، دار طيبة – السعودية، الطبعة الثامنة، 1423هـ- 2003م.
ـ شرح سنن أبي داود، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسين بن علي بن رسلان، تحقيق: عدد من الباحثين بدار الفلاح بإشراف خالد الرباط، دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، مصر، الطبعة: الأولى، 1437 هـ – 2016 م.
ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري، أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة بيروت، 1379ه.
ـ لسان العرب، أبو الفضل محمد بن مكرم بن على ابن منظور الإفريقي، دار صادر – بيروت، الطبعة الثالثة – 1414 هـ.
ـ معالم التنزيل في تفسير القرآن، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الأولى ، 1420 هـ.
الهوامش:
- () الاعتصام للشاطبي(1/123). ↑
- () سورة النور، آية(54). ↑
- () ذم الكلام للهروي(5/81). ↑
- () مجموع الفتاوى لابن تيمية(4/56، 57). ↑
- () آل عمران، آية(31). ↑
- () تفسير القرآن العظيم لابن كثير(2/32). ↑
- () الاعتصام للشاطبي(1/123). ↑
- () سورة الملك، آية(2). ↑
- () انظر معالم التنزيل للبغوي(5/124، 125). ↑
- () الروح لابن القيم(2/398). ↑
- () فتح الباري لابن حجر(10/17). ↑
- () النسك الذبح. يقال: نَسَك يَنْسَك نسكًا إذا ذبح. انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير(5/48)، ولسان العرب لابن منظور(10/499). ↑
- () العناق: الأنثى من أولاد المعز، ما لم يتم له سنة. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير(3/311). ↑
- () الجذع من المعز ما دخل في السنة الثانية. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير(1/250). ↑
- () متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه(العيدين، باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد 1/334، ح رقم:940)، ومسلم في صحيحه(الأضاحي، باب وقتها 3/1552، ح رقم:1961) واللفظ للبخاري. ↑
- () التمهيد لابن عبد البر(23/181). ↑
- () انظر شرح سنن أبي داود لأبي العباس أحمد بن حسين بن رسلان(12/168). ↑
- () أخرجه الدارمي في سننه(1/286)، قال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة(5/12): إسناده صحيح. وقال محقق السنن: إسناده جيد. ↑
- () أخرجه مسلم وغيره، مسلم في صحيحه(الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة 2/982، ح رقم:436). ↑
- () سلسلة الأحاديث الصحيحة محمد ناصر الدين الألباني(6/108). ومن هنا نعلم أن من يفسر دنو الله تعالى يوم عرفة بأنه يدنو منهم بفضله ورحمته، أو دنو الفضل والكرامة، وغير ذلك، أن هذا كله باطل وتحريف لهذه الصفة الإلهية، بل هو دنو حقيقي يليق به سبحانه وتعالى. ↑
- () انظر المجموع شرح المهذب ليحيى بن شرف النووي(8/117)، وانظر المغني لابن قدامة(2/296). والباعث على إنكار البدع والحواث، عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة(ص:110) ↑
- () ذكره ابن أبي شيبة في المصنف(3/287). ↑
- () المصدر السابق. ↑
- () المصدر السابق. ↑
- () الحوادث والبدع لمحمد بن الوليد الطرطوشي(ص:128). ↑
- () شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، هبة الله بن الحسن اللالكائي(1/121). ↑
- () أخرجه عبد الرزاق في المصنف(4/376)، وابن أبي شيبة في المصنف(3/287). ↑
- () مصنف ابن أبي شيبة(3/287). ↑
- () المصدر السابق. ↑
- () المغني لابن قدامة المقدسي(2/296). ↑
- () المصدر السابق. ↑
- () الباعث على إنكار البدع والحوادث، عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة(ص:114). ↑
- () المصدر السابق. ↑
- () أخرجه عبد الرزاق في المصنف(4/376). ↑
- () الباعث على إنكار البدع والحوادث، عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة(ص:114). ↑
- () المغني لابن قدامة المقدسي(2/296). ↑
- () مصنف ابن أبي شيبة(3/287). ↑
- () الحوادث والبدع، أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي(ص:127، 128). ↑
- () المصدر السابق(ص: 110). ↑
- () المصدر السابق(ص: 110). ↑
- () المصدر السابق. ↑
- () مصنف ابن أبي شيبة(3/288). ↑
- () الحوادث والبدع، أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي(127). ↑
- () مصنف ابن أبي شيبة(3/287). ↑
- () المجموع شرح المهذب يحيى بن شرف النووي(8/117)، وأثر نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما ذكره في البدع والنهي عنها، محمد بن وضاح(ص:53). ↑
- () الحوادث والبدع، أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي(126). ↑
- () المصدر السابق. ↑
- () البيان والتحصيل لمسائل المستخرجة، محمد بن أحمد بن رشد(1/274). ↑
- () مصنف ابن أبي شيبة(3/288). ↑
- () الأحزاب، آية:21. ↑
- () أخرجه الإمام أحمد في مسنده(3/369، ح رقم: 1878)، قال محقق المسند: حسن لغيره، خصيف متابع، وباقي رجاله ثقات. ↑
- () شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، أبو القاسم هبة الله اللالكائي(1/103). ↑
- () وهذا ما بينه عبد الرحمن بن أبي بكرة، وسيأتي. ↑
- () مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية(1/284). ↑
- () المجموع شرح المهذب ليحيى بن شرف النووي(8/117). ↑
-
() سورة النساء، أية:59. ↑