دكتور حسام الدين خليل فرج محمد1 عطيات فارس عبد الحميد عبد العال2
1 أستاذ مساعد- جامعة كارابوك – كلية العلوم الإسلامية
البريد الالكتروني: hossameldeenmohammed@karabuk. edu. tr
2 طالبة بمساق الماجستير -جامعة كارابوك – كلية العلوم الإسلامية
البريد الالكتروني: atyat76@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3828
تاريخ النشر: 01/08/2022م تاريخ القبول: 26/07/2022م
المستخلص
عُني هذا البحث بإجراء مقارنة في المعالم العامة بين أصول القانون وأصول الفقه، ومن هنا تناولت المقارنة أربعة مجالات رئيسة، هي: التشريع، العرف، مبادئ الشريعة الإسلامي، القانون الطبيعي وقواعد العدالة. تكمن إشكالية هذا البحث في كون كل من القانون والفقه يتناول تنظيم العلاقات بين المكلفين من خلال أحكام وقوانين توضح ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، ويحتكم إليها عند التنازع، وهناك تشابه بين كل من أصول القانون وأصول الفقه فيما يتعلق بمنهج استنباط هذه الأحكام، وقد أحدث هذا غموضا في حقيقة العلاقة بينهما، مما يجعل هناك حاجة لإزالة هذا الغموض، وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف، وهذا ما توفر عليه هذا البحث. تكون البحث من مقدمة وستة مطالب وخاتمة، جاء المطلب الأول للتعريف بعلم أصول الفقه وعلم أصول القانون، وجاء المطلب الثاني لتحديد مجال المعالم العامة للمقارنة، بينما تناولت المطالب التالية المقارنة بين التشريع والعرف ومبادئ الشريعة والقانون الطبيعي وقواعد العدالة في أصول كل من القانون والفقه. وقد تناولت الخاتمة أهم وأبرز نتائج البحث.
الكلمات المفتاحية: أصول الفقه، أصول القانون، الشريعة، التشريع، العرف، مبادئ الشريعة الإسلامية، القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
The Foundations of Western law compared to the Foundations of Islamic jurisprudence: general features
Dr. Hossam El-Din Khalil Faraj Muhammad1 Attiyat Fares Abdel Hamid Abdel-Al2
1 Assistant Professor – University of Karabuk – Faculty of Islamic Sciences
Email: hossameldeenmohammed@karabuk. edu. tr
2 Master’s students – University of Karabuk – Faculty of Islamic Sciences
Email: atyat76@gmail.com
HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3828
Published at 01/08/2022 Accepted at 26/07/2021
Abstract
This research is concerned with conducting a comparison between the foundations )usul( of law and the foundations )usul( of jurisprudence )Fiqh (. The comparison addresses four main areas: legislation, custom )urf(, principles of Sharia, natural law and the rules of justice. The problem statement lies in the fact that both of law )Fiqh( deal with the regulation of relations between people through provisions and laws that determine their rights and duties. This similarity has created ambiguity in the relationship between both. This research tries to remove this ambiguity and clarify the points of agreement and differences. The research consisted of an introduction, six chapters and a conclusion. The first chapter comes to define both )usul( Fiqh and the )usul( of law, and the second aims to determine the scope of the general features of comparison, while the following chapters deal with the comparison between legislation, custom )urf(, principles of Sharia, natural law and the rules of justice in the )usul( of both law and Fiqh. The conclusion provided the most important and prominent results of the research.
Key Words: usul, law, jurisprudence, Fiqh, comparison, rules of justice, natural law.
مقدمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومَن وَالاَه وعلى من اتبع هداه. . أمَّا بعد:
فقد حظيت الأمة الإسلامية بنظام تشريعي عظيم لم يعرف له العالم مثيلا، لم يتوقف يوما عن العطاء، ولم يقصر أبدا عن حل معضلة وظل كفيلا بتلبية حاجات المسلمين على مختلف العصور وكر الدهور، تنعم الأمة في ظلاله بالأمن والأمان والريادة والسيادة، حتى ابتليت باستعمار ماكر؛ علم أن هذا النظام هو مصدر عزتها وأساس قوتها فعمل في خبث ودهاء على استلابه منها واستبداله بقانون غربي دخيل عليها وعلى ثقافتها، حتى تم له ما أراد ونشأت أجيال من أجيال المسلمين تتوهم أن النظام التشريعي الإسلامي نظام قاصر لا يفي بمتطلبات الحياة وأن القانون الغربي هو الذي ينبغي أن يُعض عليه بالنواجذ وأن تُثنى عليه الأنامل، مما حرم الأمة الإسلامية في كثير من الأصقاع من التحاكم إلى شريعتها الغراء حتى بعد رحيل الاستعمار عن ديارها فكان من الأهمية بمكان أن ينبري العلماء والباحثون لبيان ما يتميز به المنهج التشريعي الإسلامي وما يفوق به القانون الغربي ولاسيما في مجال أصول هذا المنهج التشريعي وطرق استنباط الأحكام فيه. ومن هنا جاءت هذه الدراسة المتواضعة ” أصول القانون الغربي مقارنة بأصول الفقه الإسلامي معالم عامة” كمحاولة لتحقيق الوعي الثقافي، وتصويب فهم المثقف المسلم بشكل عام، وتبصيره بشيء من تميز أصول هذا المنهج عن أصول القانون الغربي عسى أن تعود الشريعة الغراء ترفرف على الحياة وتستعيد مجدها كما كانت من قبل.
إشكالية البحث:
تكمن إشكالية هذا البحث في كون كل من القانون والفقه يتناول تنظيم العلاقات بين المكلفين من خلال أحكام وقوانين توضح ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، ويحتكم إليها عند التنازع، وهناك تشابه بين كل من أصول القانون وأصول الفقه فيما يتعلق بمنهج استنباط هذه الأحكام، وقد أحدث هذا غموضا في حقيقة العلاقة بينهما، مما يجعل هناك حاجة لإزالة هذا الغموض، وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف، وهذا ما توفر عليه هذا البحث.
حدود البحث:
وقد جعلت المقارنة بين أصول القانون وأصول الفقه وليس العكس، لأن أصول الفقه في الحقيقة -وكما سيتبين- لا يمكن أبدا أن تقارن في سعة بحوثها وعمق مسائلها بأصول القانون، فإن هذه البحوث والمسائل لا يوجد لها نظير لا من قريب ولا من بعيد في أصول القانون، ومحاولة كهذه تشبه محاولة المقارنة بين محيط هادر وبئر ناضب وإنما حسبنا في المقارنة أن تتم بين بعض المسائل التي تميز أصول القانون وبعض المسائل التي قد تشبهها في أصول الفقه، وهي تحديدا المصادر الرسمية للقانون وهي التشريع والعرف، ومبادئ الشريعة، والقانون الطبيعي وقواعد العدالة.
الدراسات السابقة:
ومع أهمية هذه المقارنة وشدة الحاجة إليها، فإن موضوعها لم يحظ بكثير من اهتمام الباحثين في دراسات مستقلة، وإنما تأتي إليها الإشارة غالبا في مباحث كتب أصول القانون، مما لا يحقق العمق المطلوب في مثل هذا النوع من المقارنات ويفتح الباب لمزيد من الدراسات. هذا باستثناء بعض الدراسات القليلة والتي سأشير إليها على النحو الآتي: 1- دراسة بعنوان “مقارنة بين أصول الفقه وأصول القانون” للأستاذ فيصل بن سعيد، منشورة بمجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، في المجلد الرابع، العدد الثاني، في عام 2001، وقد ركز فيها الباحث على عقد مقارنة بين القاعدة القانونية والحكم الشرعي، ولم يركز على عقد مقارنة تفصيلية بين المصادر الرسمية للقانون، ومصادر الأحكام في أصول الفقه.
2- تمكن الإشارة أيضا إلى مقال للأستاذ أحمد أبو زنط بعنوان ” العلاقة بين أصول الفقه وأصل القانون”[1] وقد عقد مقارنة مختصرة بينهما من حيث النصوص التي تستنبط منها الأحكام والقوانين، وما قد يطرأ عليها من إمكانية التبديل والتغيير، كما بين مواضع الاتفاق، ولكن لم يقارن بين مصادر القانون ومصادر الأحكام على النحو الذي تم توخيه في هذه الدراسة.
منهج البحث وهيكله:
وقد اعتمد البحث على المنهج الاستقرائي في استقراء المسائل محل المقارنة، ثم اعتمد على المنهج الوصفي التحليلي في إجراء عملية المقارنة.
وقد رأينا أن تتم هذه الدراسة عبر المطالب التالية:
المطلب الأول: تمهيد للتعريف بعلم أصول الفقه وعلم أصول القانون.
المطلب الثاني: تحديد مجال المعالم العامة للمقارنة بين علمي أصول القانون وأصول الفقه.
المطلب الثالث: التشريع بين أصول القانون وأصول الفقه.
المطلب الرابع: العرف بين أصول القانون وأصول الفقه.
المطلب الخامس: مبادئ الشريعة الإسلامية بين أصول القانون وأصول الفقه.
المطلب السادس: القانون الطبيعي وقواعد العدالة بين أصول القانون وأصول الفقه.
وأخيرا: الخاتمة.
وما ذكرناه في هذه الدراسة هو ما ظهر لنا؛ فإن كنا مصيبين فمن الله سبحانه وحده الصواب، وإن كنا مخطئين فمن أنفسنا ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان من ذلك ونستغفر الله.
والله تعالى أعلم.
المطلب الأول
تمهيد
التعريف بعلم أصول الفقه وعلم أصول القانون
كل من علم “أصول الفقه”، وعلم “أصول القانون” يعرف باعتبارين:
الاعتبار الأول: أن كلا منهما مركب إضافي يقتصر في التعريف به على تعريف مفرداته التي يتركب منها.
الاعتبار الثاني: أن كلا منهما نقل عن معناه الإضافي وأصبح لقبا وعلما على علم خاص به من غير نظر إلى المفردات المكونة له فلا يحتاج في تعريفه إلا تعريفه باعتباره مصطلحا واحدا فقط.
والتعريف بكل منهما بكلا الاعتبارين يخدم مجال المقارنة كما سيتضح إن شاء الله تعالى.
أولا التعريف بحسب المفردات:
أ- تعريف كلمة أصول لغة:
أصول جمع، مفردها أصل، ومعناها اللغوي: أسفل الشيء الذي يبنى عليه ومنه: أصل الجبل، وأصل الجدار، وأصل الشجرة، سواء كان هذا البناء حسيا أو معنويا[2].
ب-تعريف كلمة أصول اصطلاحا:
ذكروا في المصطلحات الفقهية والأصولية لكلمة أصول عدة معان وصل بها بعضهم إلى خمسة[3]:
1 – الصورة المقيس عليها، فيقال مثلاً في باب القياس: الخمر أصل النبيذ، أي إن حكم النبيذ مقيس على حكم الخمر، فحكم النبيذ فرع في مقابلة أصل وهو حكم الخمر.
2 – ما يدل على الرجحان، فيقال: الحقيقة أصل المجاز، أي إذا تردد الأمر بين حمل كلام على الحقيقة وحمله على المجاز، كان الحمل على الحقيقة. أرجح.
3 – الدليل، أي الكاشف عن الشيء والمرشد له، وهذا ما تعارف عليه الفقهاء يقال مثلا الأصل في وجوب الصلاة وإيتاء الزكاة وصلاة الجماعة: قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة: 43).
4 – القاعدة، أي الركيزة التي يرتكز عليها الشيء كقوله –صلى الله عليه وسلم -“بني الإسلام على خمس”[4] أي على خمس قواعد.
5 – ما يجعل لتشخيص بعض الأحكام الظاهرية أو الوظيفية كالاستصحاب أو أصل البراءة فيقال مثلا لمن كان متيقنا الطهارة وشك في الحدث الأصل الطهارة، أي تستصحب الطهارة حتى يثبت نقيضها لأن اليقين لا يزول بالشك.
وأقرب هذه المعاني إلى موضوعنا وأعلق بالمفهوم الذي حددته لعنوان الدراسة هو معنيا الدليل والقاعدة[5]. ومصطلح “أصول” بهذين المعنيين صالح للتعبير عن كل من أصول الفقه وأصول القانون.
ج- تعريف كلمة الفقه:
1- تعريف كلمة الفقه لغة:
الفقه لغة: الفطنة والفهم العميق النافذ ومنه قوله تعالى: (فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) (النساء: 78)
جاء في لسان العرب ” فقه عنه بالكسر فهم ويقال فقه فلان عني ما بينت له فقها إذا فهمه، يقال أوتي فلان فقها في الدين أي فهما فيه”[6]
وجاء في القاموس المحيط: “الفِقْهُ بالكسر: العِلْمُ بالشيءِ والفَهْمُ له والفِطْنَةُ وغَلَبَ علىْ عِلمِ الدينِ لشَرَفِهِ”[7].
2-تعريف كلمة الفقه اصطلاحا:
الفقه اصطلاحا: هو العلم أو الظن الغالب بالأحكام الشرعية العملية المستفادة من أدلتها التفصيلية[8].
د- تعريف كلمة القانون:
1-تعريف كلمة القانون لغة: كلمة معربة تعني: المقياس لكل شيء، وأمر كلي ينطبق على جميع جزئياته التي تتعرف أحكامها منه، والنظام الثابت فيقال قانون الجاذبية وقانون العرض والطلب[9].
2-تعريف كلمة القانون اصطلاحا:
في الاصطلاح: لكلمة القانون معنيان: أحدهما عام والآخر خاص، فالمعنى العام للقانون هو أنه مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأفراد في المجتمع بما يحقق المصلحة المشتركة لهم.
أما المعنى الخاص للقانون فهو إنه مجموعة القواعد الملزمة التي تضعها الدولة لتنظيم أمر معين، مثل القانون المدني، والقانون التجاري، والقانون الجنائي[10].
وبهذا فقد تم التعريف بكل من أصول الفقه وأصول القانون بحسب مفردي وجزءي كل منهما.
ثانيا التعريف بحسب المصطلح:
أ-يعرف أصول الفقه كمصطلح بأنه: القواعد التي يوصل البحث فيها إلى استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها التفصيلية[11].
فأصول الفقه هي المناهج التي تحدد وتبين الطريق الذي يلتزمه الفقيه في استخراج الأحكام من أدلتها، ويرتب الأدلة حسب قوتها فيقدم القرآن على السنة والسنة على القياس وهكذا.
وإن مثل علم أصول الفقه بالنسبة للفقه كمثل علم المنطق بالنسبة لسائر العلوم الفلسفية، فهو ميزان يضبط العقل ويمنع من الخلط في الفكر وكذلك كمثل علم النحو بالنسبة للنطق العربي والكتابة العربية فهو ميزان يضبط القلم واللسان ويمنعهما من الخطأ واللحن، وكذلك علم الأصول ميزان بالنسبة للفقه يضبط الفقيه ويمنعه من الخطأ في الاستنباط[12].
ب-تعريف أصول القانون كمصطلح:
مما يثير العجب أن علم أصول القانون ليس له تعريف حقيقي يدل عليه، فبينما نجد أصول الفقه مصطلحا له مدلول محدد واضح المعالم، راسخ الأركان فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لأصول القانون، فليس له تعريف محدد حتى يقول الدكتور السنهوري وهو الأب الروحي للقانون المدني العربي: «ليس هناك علم واضح المعالم بين الحدود يسمى علم أصول القانون، ولكن توجد دراسات تبحث في القانون وفي نشأته وتطوره وفي طبيعته ومصادره وأقسامه»[13].
ولا يخفى أن طبيعة القانون وأقسامه ونشأته وتطوره، لا تصح أن تسمى أصلا للقانون في ضوء تحديد كلمة الأصل بمعنى دليل الشيء وقاعدته كما هو المعنى اللغوي لكلمة الأصول.
وما حدث في تاريخ العلوم أن تعددت الأسماء لعلم واحد كما حدث لأصول القانون فقد وصلت الأسماء الذي وضعت له إلى ما يقرب من عشرة لعل من أهمها اثنين وهما: أصول القانون، والمدخل للعلوم القانونية، وهذا لاريب يؤكد على أن أصول القانون لم تنضج بعد إلى درجة أن تستقل كعلم قائم بذاته وهذا بخلاف ما عليه علم أصول الفقه الإسلامي.
لذلك فإن فقهاء المسلمين امتازوا على فقهاء القانون الغربي، بل امتازوا على فقهاء العالم باستخلاصهم من النصوص الشرعية أصولاً ومبادئ عامة وقواعد كلية هي أصول استنباط الأحكام من أدلتها الإجمالية عن طريق الاجتهاد، وهذا هو ما سمّوه بعلم “أصول الفقه”.
وهكذا نجد بين أيدينا ونحن على أعتاب عملية المقارنة بين أصول القانون وأصول الفقه وقبل أن نخوض غمارها فرقا جوهريا يلوح أمامنا بمجرد الوقوف على تعريف كل منهما.
لكن مع ذلك توجد مواضع اتفاق بسيطة، منها: أن كلا من العلمين يبحث في القواعد العامة والأدلة الإجمالية التي يبنى عليها استخراج واستنباط الأحكام والقوانين دون البحث في النصوص التفصيلية والأدلة الجزئية. وأن كلا منهما يُعنى بوضع أصول لاستنباط الأحكام التي تنظم العلاقة بين الناس في جانب المعاملات والأحوال الشخصية والعقوبات.
المطلب الثاني
تحديد مجال المعالم العامة للمقارنة بين أصول الفقه وأصول القانون
إذا عرفنا ما تدل عليه كلمة أصول القانون فإن كل ما يمكن أن تتناوله الدراسة بالمقارنة مع أصول الفقه الإسلامي هو خصوص مصادر القانون التي يتكون ويستنبط منها.
أما البحث عن القانون وطبيعته وأقسامه ونشأته وتطوره، فهو خارج عن صميم الأصول وملحق بمداخله وأقرب ما يشبه ذلك في مجال الدراسات الإسلامية هو كتب مداخل الفقه الإسلامي. [14]
ومصادر القانون هنا ذات معانٍ في أعراف القانونيين لعل أهمها معنيان:
1 – الأصل التاريخي، وهو الذي أخذ القانون الذي يراد دراسته عنه أحكامه، فالقانون الفرنسي مثلاً، يعتبر أصلاً للقوانين المصرية في الكثير من موادها وهذا لا يعنينا هنا وهو أقرب إلى دراسة التاريخ.
2 – السلطة التي تعطي القواعد القانونية قوتها الملزمة وتسمى بـ (المصدر الرسمي) ولكل قانون مصدر أو مصادر متعددة.
و«المصادر الرسمية هي: التشريع، والعرف، والدين أحياناً والقانون الطبيعي، وقواعد العدالة، [15]».
«ويتصل بالمصدر الرسمي ما يسمى بالمصدر التفسيري، وهو المرجع الذي يجلو غامض القانون ويوضح مبهمه، والمصادر التفسيرية اثنان: الفقه والقضاء».
والتفسير إنما يلجأ إليه إذا كان في النص غموض أو تناقض أو نقص، وقد وضعوا للتفسير طرقاً قسموها إلى قسمين: داخلية وخارجية، فالداخلية: هي التي يلتمس المفسر من نفس النص معالم تهديه إلى واقع ما يجهله، وأهم طرقها:
«القياس، الاستنتاج من باب أولى (مفهوم الموافقة)، والاستنتاج من مفهوم المخالفة، وتقريب النصوص المتعلقة بموضوع واحد بعضها من بعض».
والطرق الخارجية «وهي التي يستند فيها المفسر على عنصر خارجي عن التشريع نفسه، ومن ذلك الاستناد إلى حكمة التشريع والاسترشاد بالأعمال التحضيرية، والاسترشاد بالعادات والرجوع إلى المصدر التاريخي للتشريع»[16].
وهذه الطرق التفسيرية للنص القانوني في مجملها سواء كانت داخلية أو حتى خارجية لم يبتكرها القانونيون بل هم فيها عالة على القواعد الأصولية التي وضعها علماء أصول الفقه الإسلامي وهذا نابع من طبيعة القانون الذي هو عبارة عن أحكام غالبا ما تكون في لغة بسيطة لا تحتاج إلى تفسير أو استنباط[17]
والذي يعنينا هنا في المعالم العامة لموضوع المقارنة هو المصادر الرسمية ففي ضوء هذا المجال تمكن المقارنة بين أصول الفقه الإسلامي وأصول القانون الغربي.
والمصدر الرسمي للقانون هو الذي يعطي للقانون قوته الملزمة وقد سبق أن ذكرت أن المصادر الرسمية هي: التشريع، والعرف، وأحياناً الدين والقانون الطبيعي، وقواعد العدالة،
وعلى هذا جرى العمل في معظم البلاد وقد تنص بعض القوانيين على أنه في حالة عدم وجود قاعدة قانونية تحكم المسألة المعروضة على القاضي فإن عليه أن يبحث عن حل لها في الفقه والقضاء أي في مؤلفات الفقهاء وأحكام المحاكم إلا إن الفقه والقضاء يعتبر في بعض البلاد كمصر مثلا مصدر غير رسمي للقانون بينما يعتبر من المصادر الرسمية في العراق[18] ولكن بما أن هذه الدراسة عبارة عن مقارنة في معالم عامة فسوف تقتصر على المقارنة بين المصادر الرسمية المتفق عليها وهي التشريع، والعرف، والدين والقانون الطبيعي، وقواعد العدالة وما يقابلها في أصول الفقه.
وإذا كانت مصادر القانون هي ما أسلفت فقط فإن مصادر الأحكام الشرعية في أصول الفقه كثيرة وتنقسم من جهة مدى الاتفاق والاختلاف عليها إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: وهو محل اتفاق بين أئمة المسلمين، ويشمل هذا النوع القرآن والسنة.
النوع الثاني: وهو محل اتفاق جمهور المسلمين، وهو الإجماع والقياس. وقد خالف في الإجماع النظام من المعتزلة وبعض الخوارج، وخالف في القياس الإمامية والظاهرية.
النوع الثالث: وهو محل اختلاف بين العلماء، ويشمل هذا النوع العرف[19]، والاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي. فمن العلماء من اعتبر هذا النوع من مصادر التشريع، ومنهم من لم يعتبره[20]. والآن إلى عملية المقارنة من خلال المطالب الآتية:
المطلب الثالث
التشريع بين أصول القانون وأصول الفقه
أولا التشريع في القانون:
التشريع في القانون هو المصدر الرسمي الأول الذي يكاد يشمل جميع أمور الدولة وهو عبارة عن قيام السلطة التشريعية في المجتمع بوضع القوانين المنظمة للعلاقات بين الأفراد.
وتحدد دساتير الدول عادة الطريقة التي توضع بها القوانين وتقسم السلطات في أغلب الدول إلى ثلاث:
السلطة التشريعية وهي المختصة بوضع القوانين.
والسلطة التنفيذية وهي الحكومة ممثلة في رئيس الدولة والوزراء.
والسلطة القضائية ممثلة في المحاكم التي تفصل في المنازعات.
والسلطة التشريعية تتكون من نواب الشعب وقد تم النص في معظم الدساتير على أن للشعب ممثلاً في نوابه الحق المطلق في تشريع القوانين الوضعية؛ لأنه لا توجد إرادة تساميه أو تساويه! وتم بناءً على ذلك الفصلُ بين الدين والدولة، وتشريع أحكام تخالف الدين وتضاده كإباحة الزنا بالتراضي وكإباحة التعامل بالربا والميسر ونحو ذلك[21].
وإذا كان التشريع في القانون خاضعا لإرادة البشر على هذا النحو، فإن الأمر مختلف في التشريع الإسلامي.
ثانيا التشريع في أصول الفقه الإسلامي:
تطلق كلمة التشريع في الإسلام ويراد بها أحد معنيين:
(أحدهما): إيجاد شرع مبتدأ.
و(ثانيهما): بيان حكمٍ تقتضيه الشريعة في حادثة ما.
فالتشريع بالمعنى الأول في الإسلام، ليس إلا لله تعالى وحده، فهو ـسبحانه ابتدأ شرعاً بما أنزله في قرآنه العظيم، وما أقرَّ عليه رسوله الكريم، وما أقامه من دلائله. وبهذا المعنى: لا تشريع إلا لله تعالى، ولا حاكم إلا الله، إذ إن التشريع والحاكمية من أخص خصائص الألوهية، فيجب أن يفرد بها الله تعالى.
وقد بت الإسلام في مسألة الحاكمية القانونية وقضى أنها لله تعالى وحده، فقال تعالى
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: 44) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59).
ولذا فإن الأصوليين يعرفون الحكم الشرعي بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع[22].
والمقصود بخطاب الله: كلامه مباشرة وهو القرآن، أو بالواسطة وهو ما يرجع إلى كلامه من سنة أو إجماع وسائر الأدلة الشرعية التي نصبها الشارع لمعرفة حكمه[23].
وأما التشريع بالمعنى الثاني ـ وهو بيان حكم تقتضيه الشريعة في حادثة ما ـ فهذا الذي تولاّه بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلفاؤه من علماء الصحابة، ثم مَنْ بعدهم من علماء التابعين وتابعيهم من الأئمة المجتهدين. فهؤلاء لم يشرِّعوا أحكاماً مبتدَأةً جديدةً، وإنما استمدُّوا الأحكام من نصوص القرآن والسنة، وما نصَبَه الشارع أو أقامه من دلائل، وما قرَّره من القواعد العامة؛ فمن استنبط حكماً منهم بواسطة القياس مثلاً، فهو لم يشرِّع حكماً مبتدَأً، وإنما اجتهد في تعرُّف علَّة الحكم المنصوص عليه، وعدَّى الحكم من موضع النص إلى موضعٍ اشترك معه في الوصف الذي هو مناط الحكم وهو العلة. فهو ـ باجتهاده ـ: قد استبان له أنَّ النصَّ يشمل موضعين: الموضع الظاهر فيه، والموضع الذي يشترك معه في علة الحكم. وهو بذلك يقوم بعملية كشفٍ عن الحكم وبيانٍ، ولا ينشئ حكماً من تلقاء نفسه والعلم والمنهج الذي يحكم عملية الاستنباط هذه هو علم أصول الفقه[24].
ولا مانع هاهنا من أن يطلق على الجهة العلمية المخولة باستنباط الأحكام للوقائع المعروضة: اسم السلطة التشريعية مادامت تسير في إطار نصوص الشريعة وقواعدها ومراميها ولم ينطبق عليها قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(الشورى: 21)
والخلاصة: أن التشريع في أصول الفقه الإسلامي بمعنى ابتداء شرع جديد لا يكون إلا لله وقد توقف هذا التشريع بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- وانقطاع الوحي، أما التشريع بمعنى استنباط حكم للواقعة المعروضة فهو مقيد بأن يكون ذلك ضمن نصوص الشريعة وفي إطار مقاصدها العامة لا من خلال وضع واختراع القوانين التي يضعها ويخترعها الإنسان مهما كان هذا الإنسان فردا، أو جماعة، أو دولة، أو غير ذلك.
وبهذا يتضح مدى البون الشاسع بين التشريع في أصول القانون وفي أصول الفقه الإسلامي. فالقانون يقرر حق المخلوقين في منازعة الخالق في أخص خصائصه وأجمع صفاته؛ وهو حقه في الأمر والتشريع المطلق! بينما يجعل الإسلام هذا حقا خالصا لله قال تعالى: (إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ الحق وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين) (الأنعام: 57 ). وهناك شبهة قد تشوش على هذا الفرق الشاسع، وهي أن بعض الدساتير قد نصَّ على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع، الأمر الذي يعني تقرير السيادة للشريعة، وإهدار سيادة البشر من الأساس، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في بعض دساتير الدول العربية من النصِّ على أن: ((الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع)).
ولكن ما يبين ضعف *هذه الشبهة: أن هذه النصوص لا تقرر بذاتها مبدأ السيادة العليا للشريعة الإسلامية وحدها، وإهدار ما سواها، بل إنها تجعلها في المرتبة الثالثة بالنسبة لمصادر القانون فتقدم عليها التشريع، ثم العرف، ثم تأتي الشريعة في المرتبة الثالثة! كما سيأتي.
المطلب الرابع
العرف بين أصول القانون وأصول الفقه
أولا: تعريف العرف لغة:
مدار العُرْف في لغة العرب على أمرين:
- تتابع الشيء متصلًا بعضه ببعض.
- السكون والطمأنينة.
يقول ابن فارس في تعريف العُرْف: “العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدلُّ أحدهما على تتابع الشيء متصلًا بعضه ببعض، والآخر يدلُّ على السكون والطمأنينة.
فالأول: ” العُرْف” عُرْف الفرس، وسمي بذلك لتتابع الشعر، ويقال: جاء القطا عُرْفًا عُرْفًا، أي بعضها خلف بعض.
والأصل الآخر: “المعرفة والعِرْفان”، تقول: عَرَف فلان فلانًا عِرْفانًا ومعرفة، وهذا أمر معروف، وهذا يدلُّ على ما قلناه من سكونه إليه، لأنَّ من أنكر شيئًا توخى منه ونبأ عنه، والعُرْفُ: المعروف، سُمَّي بذلك لأنَّ النفوس تسكن إليه[25].
ثانيا: تعريف العُرْف في اصطلاح الفقهاء والقانونيين:
أ- تعريف العرف في اصطلاح الفقهاء:
من أجمع التعاريف للعرف في اصطلاح الفقهاء ما عرفه به الشيخ عبد الوهاب خلاف، فإنَّه قال في تعريفه: “هو ما تعارفه الناس، وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك”[26].
ب- تعريف العرف في اصطلاح القانونيين:
عرف علماء القانون العرف تعريفات متقاربة من حيث المعنى، منها تعريف الدكتور عبد المنعم فرج الصَدَّة حيث عرفه بأنَّه “اعتياد الناس على سلوك معين في ناحية من نواحي حياتهم الاجتماعية بحيث تنشأ منه قاعدة يسود الاعتقاد بأنها ملزمة”. وقد يطلقون مصطلح “العرف على القواعد القانونية ذاتها التي تنشأ من اعتياد الناس على مثل هذا السلوك”[27]
ثالثا: منزلة العرف في القانون:
يحتل العرف مكانة عظيمة في القانون فهو المصدر الثاني بعد التشريع، فالمشرع الوضعي يوجب على القاضي أن يعمل نصوص القانون الوضعي فيما يعرض عليه من وقائع، فإن لم يجد عمل بالعرف، ويجعل العمل بالعرف مقدما على العمل بمبادئ الشريعة الإسلامية والعمل بالقانون الطبيعي وقواعد العدالة.
ولذا نصت المادة الأولى من القانون المدني المصري على ما يلي: “تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يجد نصا تشريعيا يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يجد فبمقتضى الشريعة الإسلامية، فإذا لم يجد فبمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
وقد سارت القوانين المدنية في أكثر البلاد الإِسلامية على النحو الذي سار عليه القانون المدني المصري.
ولاريب أن في ذلك إهدار للشريعة، بل وتقديم العرف البشري على أحكام الشرع الإلهي.
ويعد القانونيون العرف من الناحية التاريخية أسبق من القانون المعروف وأصلا له، يقول الدكتور عبد المنعم فرج الصدَّة: “العرف أول مصدر رسميّ للقانون ظهر في تاريخ المجتمع البشري … ولذلك كان له الشأن الأول في المجتمعات القديمة”[28]
وهذا الذي يردّده القانونيون من كون العرف هو أول مصدر رسمي للقانون في تاريخ المجتمع البشري غير صحيح، والحقُّ أن الشرائع التي جاءت من عند الله هي القانون الأول الذي حكم البشر فإن آدم -عليه السلام- كان متعبدا بشريعة ولابد.
ويحرص القانونيون في تعريفهم للعرف على أن يضَّموا في التعريف ركني العرف، وهما الركن المادي والركن المعنوي.
ويتمثل الركن المادي في اعتياد الناس على سلوك معين، ومن هنا اشترطوا في العادة حتى تصبح عرفًا أن تكون عامَّة، ومطردة، وثابتة، وقديمة.
ويريدون بالركن المعنوي تولد الاعتقاد لدى الناس بأنَّ هذه العادة ملزمة باعتبارها قاعدة قانونية لها جزاء مادي توقعه السلطة العامة جبرًا على من يخالفها شأنها في ذلك شأن القاعدة القانونية سواء بسواء[29].
ولا خلاف بين أصول الفقه وأصول القانون فيما يتعلق بالركن المادي للعرف، أما بالنسبة للركن المعنوي وهو وجود الاعتقاد لدى الناس بأنَّ هذه العادة ملزمة باعتبارها قاعدة قانونية لها جزاء مادي توقعه السلطة العامَّة – فإنَّ هذا الشرط غير صحيح لأمور: الأول: صعوبة التحقق من وجود هذا الركن في واقع الأمور، فالذي يراه ويشاهده القاضي والحاكم هو اعتياد الناس لأمر ما، أما أنهم اعتقدوا لزوم تلك العادة فهذا أمر التحقق منه في غاية الصعوبة.
الثاني: الملاحظ أن الناس يساقون إلى الالتزام بالعادة من غير تفكير ولا اعتقاد، وإنَّما بحكم الإلف الذي يصل إلى درجة التقديس، وكثير من الناس لا يفكر بالجزاء القانوني الذي يوقع على من خالف العادة، وكلُّ الذي يلاقيه المخالف للعادة هو استغراب المجتمع واستهجانه.
الثالث: أن الفقه الإِسلاميَّ يخالف القانون في عدم وجود جزاء مادي دنيوي يجب على السلطة العامة إِيقاعه على من خالف العرف.
إذا كانت هذه منزلة العرف وهذه هي مكانته في أصول القانون فما هي منزلته في الشريعة الإسلامية؟
رابعا: العرف في أصول الفقه الإسلامي[30]:
إذا كان العرف في القانون الوضعي من أكبر المصادر وأغزرها، فإنه في أصول الفقه الإسلامي يعتبر مصدرا ثانويا. فلقد قلّصت الشريعة من سلطان العرف في التشريع، فأبطلت العوائد المنحرفة الضالَّة، وقوَّمت الأعراف الخاطئة، وأقرَّت من العوائد والأعراف ما كان حقًّا وصوابًا.
ويمكننا أن نحدَّد الدائرة التي أذنت الشريعة الإِسلامية للمسلمين أن يرجعوا فيها إلى العرف في المجالين التاليين:
الأول: تفسير النصوص التي وردت مطلقة ولم يرد في الشرع ولا في اللغة ما يفسَّرها، يقول ابن تيمية في هذا: “كل اسم ليس له حدٌّ في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف”[31]. وقال الزركشي: العادة تُحَكَّم فيما لا ضبط له شرعًا[32].
الثاني: تطبيق الأحكام التي أحال فيها الشرع على العرف مثل نفقة الزوجة كما في قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 233). ومثل أكل ولي اليتيم الفقير من مال اليتيم كما في قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (النساء: 6) ومثل الحرز في السرقة، والتفرق في البيع والقبض.
ولا خلاف بين أهل العلم من الأصوليين والفقهاء والمفسَّرين والمحدَّثين في اعتبار العرف في المجالين الذين سبق تحديدهما. يقول الشيخ أحمد فهمي أبو سنَّة: “اعتبر الفقهاء – على اختلاف مذاهبهم – العرف، وجعلوه أصلًا ينبني عليه شَطْرٌ عظيم من أحكام الفقه”[33]
وفي اعتبار الشرع للعرف يقول ابن عابدين في أرجوزة له:
والعرف في الشرع له اعتبار *** لذا عليه الحكم قد يدار[34].
وقد بوَّب البخاريُّ في “جامعه الصحيح” للعرف الصحيح الذي أقرته الشريعة، فقال: “باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإِجارة والمكيال والميزان، وسننهم على نيَّاتهم ومذاهبهم المشهورة “[35].
وأورد تحت هذا الباب قول شُرَيْحَ للغَزَّاليِن: “سُنَّتَكُم بينكم”. ومراده أن الذي يحكمهم هو ما تعارفوا عليه، وأصبح لهم سنَّةً وطريقة، وأورد تحت هذا الباب اكتراء “الحسن البصري من عبد الله بن مِرْداس حمارًا، فقال له الحسن: بكم؟ قال: بدانقين. فركبه ثمَّ جاء مرة أخرى، فقال: الحمارَ الحمارَ، فركبه ولم يشارطه، فبعث إليه بنصف درهم”. فالحسن لم يشارطه في المرة الثانية، بل اكتفى بالاتفاق الأول، وإن كان زاده دانقًا من عنده تفضلًا. وأورد البخاريُّ تحت هذا الباب حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها: “قالت هند أمُّ معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، فهل على أن آخذ من ماله سرًّا؟ قال: ((خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف ))[36].
وهذه الأحكام التي أحال فيها الشرع على العرف تتغير بتغير هذا العرف وهذا من أسباب مرونة الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان وقد نص العلماء على أن اختلاف الأحكام في هذا الصدد: اختلاف عصر وأوان لا اختلاف حجة وبرهان.
يقول الإمام القرافي في الفروق: تعتبر جميع الأحكام المرتبة على العوائد وهو تحقيق مجمع عليه بين العلماء لا خلاف فيه[37]. ويقول أيضا: “وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك من غير أهل إقليميك يستفيتك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده وأجره عليه دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين وسلف الماضين”[38]
شروط تطبيق العرف[39]:
لكي يصبح للعرف قوة الالتزام والاعتبار شرعا اشترط الأصوليون شروطًا لا بد من توافرها فيه، إذ ليس كل عرف يصلح أن تبنى عليه الأحكام الشرعية، وهذه الشروط هي:
الشرط الأول: الاطراد والغلبة ومعناه أن يكون العمل به جاريًا بين متعارفيه في جميع الحوادث، ولذلك قالوا: لا تعتبر العادة إلا إذا اطردت أو غلبت، جاء في الأشباه والنظائر لابن نجيم: ” إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت “[40]
الشرط الثاني: ألا يكون مخالفا لنص شرعي إذ هو لا يقوى قوة النص، يقول ابن عابدين مبينًا عدم اعتبار العرف إذا خالف النصَّ الشرعيَّ من الكتاب والسنة: “إذا خالف العرف الدليل الشرعي، فإن خالفه من كل وجه بأن لزم منه ترك النص فلا شك في رده كتعارف الناس كثيرا من المحرمات من الربا وشرب الخمر ولبس الحرير والذهب وغير ذلك مما ورد تحريمه نصا “[41].
ويقول الشيخ أبو زهرة: “وإذا خالف العرف الكتاب والسنة، كتعارف الناس في بعض الأوقات، تناول بعض المحرمات كالخمر وأكل الربا فعرفهم مردود عليهم”[42].
فإذا كان العرف مخالفًا للنص بحيث لو عمل به لزم منه ترك النص وعدم العمل به؛ مثل تعارف الناس كثيرًا من المحرمات شرعًا كتعاملهم بالربا واعتيادهم لعب القمار وتناول المسكرات وغير ذلك من كل المحرمات بالنص، فإن ما جرى به العرف واعتاده الناس لا ينقل الحكم الشرعي من الحرمة إلى الحل وهو عرف فاسد مردود وهذا بخلاف ما عليه أصول القانون من اعتبار العرف وتقديمه على نصوص الشريعة، على الرغم من كون القانون لا يعتد بالعرف إذا خالف نصا قانونيا من نصوصه. . . ! ! ! [43].
الشرط الثالث: عدم معارضة العرف بتصريح يخالفه، فإذا اشترط أحد المتعاقدين شرطًا يخالف ما جرى به العرف ولا يتناقض العقد وجب العمل بمقتضاه لأن الناس على شروطهم ولا عبرة للعرف حينئذ، وإنما يعتد بالعرف ويرجع إليه عند الإطلاق، يقول العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام: ” كل ما يثبت في العرف إذا صرح المتعاقدان بخلافه بما يوافق مقصود العقد صح”[44].
الشرط الرابع: للاعتماد على العرف يجب أن يكون سابقًا للنص فلا عبرة بالعرف المتأخر عن النص، فإذا تأخر عن تاريخ العقد أو تاريخ التصرف فلا يمكن الاحتكام إلى العرف المتأخر، يقول القرافي: إنما يعتبر من العادات ما كان مقارنًا لها، فكذلك النصوص الشرعية لا يؤثر فيها إلا ما قارنها من العادات، وأما العوائد الطارئة بعد النطق فلا يقضى بها على النطق، فإن النطق سالم عن معارضتها[45]
هذه هي الشروط المعتبرة في العرف وتحكيمه في التصرفات والالتزامات بحيث يسقط عن الاعتبار إذا افتقد شرطا من هذه الشروط وتنعدم صلاحيته في بناء الأحكام عليه عند علماء الأصول والشريعة وقد يتفق مع القانون في بعض ذلك، ولكن يبقى الفرق الأكبر بينهما في رتبة العرف ومجاله.
المطلب الخامس
مبادئ الشريعة الإسلامية
بين أصول القانون وأصول الفقه
أولا الشريعة لغة:
الشريعة في اللغة: العتبة ومورد الشاربة، ومثلها شرعة، قال صاحب القاموس المحيط: الشريعة: ” ما شَرَعَ اللّهُ تعالى لعبادِهِ والظاهِرُ المُسْتَقِيمُ من المَذاهِبِ كالشِّرْعَةِ بالكسرِ فيهما والعَتَبَةُ ومَوْرِدُ الشارِبَةِ كالمَشْرَعَةِ”، وقال صاحب مقاييس اللغة: ” الشين والراء والعين أصلٌ واحدٌ، وهو شيءٌ يُفتَح في امتدادٍ يكون فيه. من ذلك الشّريعة، وهي مورد الشَّارِبة الماء. واشتُقّ من ذلك الشِّرْعة في الدِّين، والشَّريعة. قال الله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَاً)”[46].
ثانيا: الشريعة في اصطلاح الأصوليين والقانونيين:
أ- الشريعة في اصطلاح الأصوليين:
قال أبو البقاء الكَفَويُّ في كتابه الكليَّات: “الشريعة”: “اسم للأحكام الجزئية التي يتهذَّب بها المكلَّف معاشاً ومعاداً، سواء كانت منصوصة من الشارع أو راجعةً إليه”.
ويشمل لفظ الشريعة عند علماء الأصول وغيرهم من علماء الإسلام:
1- التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة. قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى 13].
2- الأحكام الشرعية، ومنه قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة 48].
3- التوحيد والأحكام معا، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون} [الجاثية 18].
فالشريعة في اصطلاحهم شاملة لذلك له، ولكن شاع في العصر الحديث إطلاق لفظ الشريعة على ما شرعه الله من أحكام عملية، فهي بهذا الإطلاق تكون مرادفة للفظ فقه بالاعتبار الذي عليه المتأخرون.
ولعل لهذا العرف المستحدث سندا من قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (سورة المائدة: 48) فإن من المعلوم أن ما تختلف فيه الشرائع السماوية إنما هو في الأمور العملية الفرعية، وإلا فالأحكام الأصلية واحدة في كل الشرائع السماوية[47].
ب- الشريعة في اصطلاح القانونيين:
الشريعة في اصطلاح القانونيين هي مجموعة الأحكام العملية التي حوتها المذاهب الفقهية. فهي مرادفة للفظ الفقه الإسلامي.
ثالثا: منزلة مبادئ الشريعة في أصول القانون:
تأتي مبادئ الشريعة كمصدر احتياطي ثان للقانون طبقا لنص المادة الأولى من القانون المدني السوري والقانون المدني الليبي والمادة 185 من نظام العمل والعمال السعودي، والمصدر الثالث طبقا لنص المادة الأولى من القانون المدني المصري[48]. وأغلب القوانين تجعلها مصدرا تاليا للتشريع وتقدم التشريع عليها.
ولا يقصد هنا بمبادئ الشريعة الإسلامية الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية التي تطبقها المحاكم، فهذه الأحكام تعتبر المصدر الرسمي في هذا الخصوص.
كما لا يقصد بها الأحكام التي أخذها المشرع عن الشريعة وضمنها بعض التشريعات التي أصدرها، حيث إن أحكام الشريعة هنا تعتبر المصدر التاريخي لهذه التشريعات. والقضاء في تطبيقه لهذه الأحكام لا يفعل ذلك على أنها مبادئ الشريعة الإسلامية التي يجب عليه تطبيقها كمصدر رسمي ثالث، وإنما كتشريع ملزم وكمصدر رسمي أول.
وإنما يقصد بها المبادئ الكلية لهذه الشريعة والتي لا تختلف باختلاف المذاهب الفقهية، وهي لا تطبق بوصفها قواعد دينية، ولكن باعتبارها قواعد قانونية تطبق على المسائل المالية، وتستخلص هذه المبادئ من كتب الفقه الإسلامي المعتمدة دون التقيد بمذهب معين من مذاهب هذا الفقه. ويجب في ذلك الابتعاد عن الأحكام الجزئية التي تختلف عليها المذاهب الإسلامية[49].
رابعا منزلة مبادئ الشريعة في أصول الفقه:
الشريعة الإسلامية لها السلطة العليا في كل علوم الإسلام ومنها علم أصول الفقه، وهذا أمر بدهي فإن هذه العلوم ما قامت إلا لخدمتها، وفي هذا السياق تأتي أهمية مبادئ الشريعة ومنزلتها في أصول الفقه الإسلامي فهي إضافة إلى قواعد الأصول بمثابة القواعد العامة التي تسير وتحكم المجتهد في اجتهاده.
ولقد عاش العالم الإسلامي زهاء ثلاثة عشر قرنا في ظل الشريعة الإسلامية وما انبثق عنها من علوم كعلم الأصول وعلم الفقه ونحو ذلك من علوم باعتبار هذه الشريعة جزء من عقيدة المسلم لها من القدسية ما لهذه العقيدة ذاتها واستمر الأمر كذلك إلى أواخر عهد الخلافة العثمانية، وإن كانت هذه الأخيرة قد اقتبست بعض قوانينها من قوانين الدول الغربية، إلا إن ذلك حدث في نصف القرن الأخير من عمرها بعد ضعفها وقد جرت العادة أن يقلد الضعيف القوي ويقتدي به لفقد ثقته في نفسه[50].
وقد يقول بعض المتعصبين للقانون: إن الفقه الإسلامي ما هو إلا آراء لبعض العلماء ولا يعتبر الخروج عليه خروجا على الشريعة، كما يقولون: إن الفقه الإسلامي لم يعالج مشاكل العصر وما جد من أحداث. بل يتجرأ البعض ويقول: إنه أصبح تاريخا، كتشريع الآشوريين وقدماء المصريين وغيرهم من الأمم البائدة.
وهذا ظاهر البطلان فإن الفقه الإسلامي وإن كان مجموعة آراء لبعض العلماء، إلا إن هذه الآراء لا بد أن تكون معتمدة على نص شرعي من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن الآراء المعتمدة على الإجماع والقياس وغيرها من الأدلة المساندة لا بد أن ترجع – أخيرا – إلى كتاب الله أو سنة رسوله. فالإجماع – مثلا – لا بد أن يكون له سند من نص قرآني أو سنة مقبولة، وهو ما يعرف عندهم بسند الإجماع. وقد يكون هذا السند ظني الدلالة، ولكن اجتماع آراء المجتهدين على رأي واحد يرفعه من الظنية إلى القطعية. والأحكام النابعة من القياس لا بد أن ترجع إلى أصل من الكتاب أو السنة؛ لأن القياس – كما عرفوه – هو إلحاق مسألة لم يرد فيها نص بمسألة أخرى ورد فيها نص لإثبات حكم شرعي، لجامع بينها، وهذا الجامع هو العلة، والمسائل التي بنيت على الاستصلاح، وهي ما تعرف بالمصالح المرسلة، لا بد أن تكون تلك المصلحة لم يلغها الشارع، بل لا بد أن يعتبرها الشارع ولو بأي وجه من وجوه الاعتبار، وهكذا يقال في كل حكم.
ومن هنا يتبين لنا أن وجه القداسة في الفقه الإسلامي هو بالنظر إلى مصادره، ولذا رأينا الفقهاء – على مدى العصور – يرفضون كل رأي لا تشهد له الشريعة مهما كان قائله، فأين هذا من الفقه الوضعي الذي بنيت أكثر أحكامه على الأهواء والأغراض وترضية أصحاب النفوذ، والذي يلبس في كل حين لباسا جديدا.
أما دعوى أن الفقه الإسلامي لم يعالج مشاكل العصر فهذه دعوى كذبها التاريخ، لأن هذا الفقه حكمت به دول وشعوب مختلفة على مدى ثلاثة عشر قرنا، فكان فيه لكل مشكلة حل، حتى في عهد التقليد والجمود، فقد رأينا في كل عصر مفتين وعلماء وجدوا في هذا الفقه حلا لمشاكل هذه المجتمعات المختلفة.
ولولا إبعاد هذا الفقه – عن قصد أو غير قصد – عن مجالات الحياة أو أكثرها لوجدناه مسايرا لكل عصر، حلالا لكل مشكلة[51].
المطلب السادس
مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
بين القانون وأصول الفقه
أولا المقصود بالقانون الطبيعي وقواعد العدالة:
يقصد بالقانون الطبيعي وقواعد العدالة ذلك القانون الكامن في طبيعة الروابط الاجتماعية بين الأفراد، فهو قانون أزلي ككل القوانين التي تهيمن على الظواهر الطبيعية، بحيث لا يختلف بتغير الزمان والمكان ويستطيع الإنسان الوصول إليه عن طريق العقل، فهذا القانون عبارة عن المثل الأعلى الذي لا يتغير، فهو مشترك بين جميع الأمم ويجب على الشارع في كل بلد وفي كل عصر أن يترسمه ويعمل على هداه[52].
ثانيا منزلة مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة في أصول القانون:
من المصادر الرسمية التي أحال عليها القانون الغربي وكل من القانونين المصري والسوري وبعض القوانين العربية الأخرى «مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة».
وإذا عرفنا المقصود بها كما سلف، تبين أنها في الحقيقة لا تصلح أن تعتبر مصدرا رسميا للقانون بالمعنى الصحيح، ولاسيما وأنها ليست مدونة في مرجع معين أو قائمة محددة، فإذا احتاج القاضي إلى الرجوع إليها، كان عليه أن يحدد بعقله هو ما يراه منها. وهي لا تمد القاضي بقاعدة مجردة وعامة كما هو شأن التشريع والعرف أو مبادئ الشريعة الإسلامية وإنما تلهمه إلى حل يطبقه على النزاع المعروض، إذا لم يجد قاعدة في هذه المصادر، ولذا فإن إحالة القاضي على هذه المبادئ والقواعد إنما يقصد منها، كما تقول المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري، «إلزام القاضي أن يجتهد رأيه حتى يقطع عليه سبيل النكول عن القضاء»، ولذلك فإن عبارة التقنين المدني السويسري كانت أكثر توفيقا في التعبير عن هذا المعنى فقد نصت المادة الأولى منها على أن القاضي حين لا يجد نصا في التشريع أو عرفا يحكم وفق ما كان يضعه هو من قواعد لو عهد إليه الأمر بالتشريع، ومهما تواترت الأحكام في مسألة معينة على نمط واحد استنادا إلى مبادئ القانون الطبيعي ومبادئ العدالة فإن هذا لا يؤدي إلى خلق قاعدة قانونية[53].
ثالثا منزلة مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة في أصول الفقه:
يعتبر الإسلام هذا القانون الطبيعي وقواعد العدالة التي أحال عليها القانون ضربا من الخيال الفلسفي والتصور العقلي المجرد الذي لا يمكن الاعتماد عليه في التشريع والحكم بين الناس.
إنّ مصادر التشريع الإسلامي التي ترجع إليها الأحكام الشرعية، مصادر ليست غامضة أو مبهمة أو افتراضية، ولكنها مصادر يقينية محددة منضبطة، تعفي الفكر البشري من الضرب في التيه بلا دليل، ومن الإحالة على أسباب غير منضبطة أو غير موجودة وتستوعب أحكام كل النوازل على مر العصور.
ولذلك فإنها تتميز عن القانون الغربي التي يحيل على القانون الطبيعي وقواعد العدالة، وهي أمور ليست منضبطة أصلا في عقل الإنسان؛ فكيف تكون أساسًا للقانون، ناهيك عما تؤدي إليه من خطر عظيم، لأن معنى ذلك أنّ العقل البشري- أي عقل المشرع الوضعي أو القاضي- هو أساس القانون، ومعنى ذلك أيضاً أنه لا قيد على إرادته وعقله، استناداً إلى أنّ إرادته العقلية هي القانون الطبيعي. وهذا يؤدي إلى تحكم السلطة السياسية والاستبداد.
كما يؤدي الأخذ بذلك إلى قصور التشريع الوضعي عن حكم كل المنازعات، كون العقل البشري لا يمكن أن يحيط علماً بكل مظاهر سلوك الأشخاص في المجتمع الحاضر منه والمستقبل، ولا يمكن أن يفطن إلى أنجع الوسائل وأفضل الحلول التي تحكم هذا السلوك، لأنّ عقل الإنسان قاصر ومحدود بالبيئة وبالمكان والزمان والثقافة الخاصة، ومن هنا يأتي التشريع الوضعي ناقصاً دائماً.
أما الأخذ بالتشريع الإسلامي وما دلّ عليه من مصادر وقواعد أصولية فلا يؤدي إلى ذلك، لأن مصدر الأحكام فيه هو الوحي الإلَهي الصادر عن الله سبحانه وهو الحق الذي له الكمال المطلق الذي هو من لوازم ذاته، وذاته سبحانه تخلو من معاني النقص والجهل والظلم والجور والهوى، وذلك بخلاف البشر[54].
الخاتمة
فيما يأتي بعض أهم النتائج التي يمكن استخلاصها من هذه الدراسة:
- يتفق كل من أصول القانون والفقه في كون كل منهما يبحث في القواعد العامة والأدلة الإجمالية التي يبنى عليها استخراج واستنباط الأحكام والقوانين.
- بينما نجد أصول الفقه مصطلحا له مدلول محدد واضح المعالم، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لأصول القانون، فهناك غموض يحيط به كعلم مستقل، ولكن توجد دراسات تبحث في القانون وفي نشأته وتطوره وفي طبيعته ومصادره وأقسامه، تسمى أصول القانون.
- أصول القانون لم تنضج بعد إلى درجة أن تستقل كعلم قائم بذاته وهذا بخلاف ما عليه علم أصول الفقه الإسلامي.
- مصادر الأحكام في أصول الفقه أكثر اتساعا وأعمق مباحث من المصادر الرسمية في أصول القانون.
- المصادر الرسمية في القانون التي يعتمد عليها في وضع القوانين هي التشريع، والعرف، والدين والقانون الطبيعي، وقواعد العدالة. أما مصادر الأحكام الشرعية في أصول الفقه فهي كثيرة، فبعضها متفق عليه مثل القرآن والسنة والإجماع والقياس [لم يعد للمخالفين في القياس نشاط علمي ظاهر يعتد به]، كما أن بعضها مختلف فيه كالاستصحاب والعرف والمصالح المرسلة، ولكنها أدت دورا هائلا في إثراء الفقه الإسلامي.
- التشريع في أصول الفقه الإسلامي بمعنى ابتداء شرع جديد لا يكون إلا لله وقد توقف هذا التشريع بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- وانقطاع الوحي، أما التشريع بمعنى استنباط حكم للواقعة المعروضة فهو مقيد بأن يكون ذلك ضمن نصوص الشريعة وفي إطار مقاصدها العامة لا من خلال وضع القوانين التي يضعها الإنسان مجردة من أي شرط وقيد، مهما كان هذا الإنسان فردا، أو جماعة، أو دولة، أو غير ذلك.
- إذا كان العرف في القانون الوضعي من أكبر المصادر وأغزرها، فإنه في أصول الفقه الإسلامي يعتبر مصدرا ثانويا. فلقد أبطلت الشريعة العوائد المنحرفة الضالَّة، وقوَّمت الأعراف الخاطئة، وأقرَّت من العوائد والأعراف ما كان حقًّا وصوابًا.
- حددت الشريعة الدائرة التي أذنت للمسلمين أن يرجعوا فيها إلى العرف في مجالين الأول: تفسير النصوص التي وردت مطلقة ولم يرد في الشرع ولا في اللغة ما يفسَّرها، الثاني: تطبيق الأحكام التي أحال فيها الشرع على العرف مثل نفقة الزوجة والمهر ونحو ذلك.
- تأتي مبادئ الشريعة كمصدر احتياطي ثان للقانون، وأغلب القوانين تجعلها مصدرا تاليا للتشريع وتقدم التشريع عليها.
- من المصادر الرسمية التي أحال عليها القانون الغربي «مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة»، ويُقصد بها القانون الكامن في طبيعة الروابط الاجتماعية بين الأفراد، فهو قانون أزلي ككل القوانين التي تهيمن على الظواهر الطبيعية، بحيث لا يختلف بتغير الزمان والمكان ويستطيع الإنسان الوصول إليه عن طريق العقل، فهذا القانون عبارة عن المثل الأعلى الذي لا يتغير، أما في أصول الفقه فإن هذا المصدر يعد ضربا من الخيال الفلسفي والتصور العقلي المجرد الذي لا يمكن الاعتماد عليه في التشريع والحكم بين الناس.
وإذا كان لنا من كلمة في ختام هذه الدراسة المتواضعة فنقول إنه يحق لكل مسلم أن يفتخر بأصول هذا المنهج التشريعي الموسوم بأصول الفقه وأن يعض عليه وعلى ما يثمره من فقه بالنواجذ، ويحذر من أن يقع فريسة لبريق القانون الوضعي الذي ما يزال بحاجة ماسة إلى يد مطورة أمينة تخلصه من مضادة الشريعة وتغذيه باقتباس بحوث من أصول الفقه، ليقوم بواجبه من تأسيس قواعد عامة تكون هي المرجع في التماس الحكم.
وأخيرا صلاة وسلاما على صفوة البشر وخير الخلق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- والحمد لله رب العالمين.
ثبت بأهم المصادر والمراجع
الإحكام في أصول الأحكام لعلي بن محمد الآمدي أبو الحسن، الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الأولى، 1404، تحقيق: د. سيد الجميلي.
الأصول العامة للفقه المقارن للأستاذ محمد تقي الحكيم، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع.
أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر.
أصول الفقه المسمى إجابة السائل شرح بغية الآمل، المؤلف: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة الأولى، 1986، تحقيق: القاضي حسين بن أحمد السياغي والدكتور حسن محمد مقبولي الأهدل
أصول الفقه لمحمد أبو زهرة، ط دار الفكر العرب.
أصول الفقه لمحمد زكريا البرديسي، ط دار الثقافة للنشر والتوزيع 1983م.
أصول القانون للدكتور عبد الرزاق السنهوري وأحمد حشمت، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر.
أصول القانون للدكتور عبد المنعم الصدَّة، دار النهضة العربية.
أصول القانون مقارنة بأصول الفقه للدكتور محمد عبد الجواد محمد، منشأة المعارف بالإسكندرية.
بحث الدكتور عمر سليمان الأشقر “العرف بين الفقه والتطبيق” وبحث الشيخ كمال الدين جعيط مجمع الفقه الإسلامي “العرف” وبحث الدكتور إبراهيم فاضل الدبو “نظرية العرف في الفقه الإسلامي” وهي منشورة في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في العدد الخامس.
بحث المصادر العقلية عند الأصوليين لاستنباط الأحكام الفقهية، للدكتور سالم حسن مقبل الدوسي منشور بمجلة بحوث الفقه المعاصر العدد 72.
تجديد النظرية العامة للقانون، نحو توظيف أصول الفقه في بناء أصول القانون، للدكتور مصطفى محمد جمال، ط الناشر للفتح والطباعة.
التعريفات لعلي بن محمد بن علي الجرجاني دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الأولى، 1405 تحقيق: إبراهيم الأبياري.
الجامع الصحيح المختصر، لمحمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، الناشر: دار ابن كثير، اليمامة – بيروت، الطبعة الثالثة، 1407 – 1987، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة – جامعة دمشق
الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، المؤلف: زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري أبو يحيى، الناشر: دار الفكر المعاصر – بيروت، الطبعة الأولى، 1411، تحقيق: د. مازن المبارك
رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب المؤلف: تاج الدين أبي النصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي دار النشر: عالم الكتب – لبنان / بيروت – 1999 م – 1419 هـ الطبعة: الأولى
صحيح مسلم لمسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
علم أصول الفقه، للشيخ عبد الوهاب خلاف.
القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، ط مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية.
لسان العرب للعلامة ابن المنظور إعداد وتصنيف يوسف خياط ونديم مرعشلي- دار لسان العرب- بيروت لبنان.
مجلة البيان، مقال “السلطات العامة في الإسلام” لعثمان جمعة ضميرية العدد 211.
مجموع فتاوى شيخ الإِسلام جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، دار الوفاء.
مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، الناشر: مكتبة لبنان ناشرون، بيروت.
المستصفى في علم الأصول لمحمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى، 1413، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي.
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي الناشر: المكتبة العلمية – بيروت.
المعجم الوسيط المؤلف لإبراهيم مصطفى وأحمد الزيات وحامد القادر ومحمد النجار دار النشر: دار الدعوة تحقيق / مجمع اللغة العربية.
معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا، الناشر اتحاد المتاب العرب، 1423 هـ، المحقق عبد السلام هارون.
الوجيز في أصول الفقه، للدكتور عبد الكريم زيدان، مطبعة الدار العربية ببغداد.
الهوامش
- ينظر: لسان العرب، للعلامة ابن المنظور، إعداد وتصنيف يوسف خياط ونديم مرعشلي- دار لسان العرب- بيروت لبنان. (11/16) القاموس المحيط (1/242) الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، المؤلف: زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري أبو يحيى، الناشر: دار الفكر المعاصر – بيروت، الطبعة الأولى، 1411، تحقيق: د. مازن المبارك ص66. ↑
- ينظر أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر، ص 16، والأصول العامة للفقه المقارن للأستاذ محمد تقي الحكيم، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع ص40، ص41، أصول الفقه لمحمد زكريا البرديسي، ط دار الثقافة للنشر والتوزيع 1983م ص23. ↑
- رواه البخاري في باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس) حديث رقم: 8 ترقيم البغا، ومسلم باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، حديث رقم: 16 ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. ↑
- أنظر أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي، ط دار الفكر، ص 17، والأصول العامة للفقه المقارن للأستاذ محمد تقي الحكيم، ط دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع ص9. ↑
- لسان العرب للعلامة ابن المنظور،13/522، إعداد وتصنيف يوسف خياط ونديم مرعشلي- دار لسان العرب- بيروت لبنان. ↑
- القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، ط مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية، 1/ 1614. ↑
- أصول الفقه المسمى إجابة السائل شرح بغية الآمل ،المؤلف : محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ،الناشر : مؤسسة الرسالة – بيروت ،الطبعة الأولى ، 1986 ،تحقيق : القاضي حسين بن أحمد السياغي و الدكتور حسن محمد مقبولي الأهدل 1/28 ، التعريفات لعلي بن محمد بن علي الجرجاني دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الأولى ، 1405 تحقيق : إبراهيم الأبياري 1/216 ، الإحكام في أصول الأحكام لعلي بن محمد الآمدي أبو الحسن ،الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت ،الطبعة الأولى ، 1404 ،تحقيق : د. سيد الجميلي 1/22 ، المستصفى في علم الأصول لمحمد بن محمد الغزالي أبو حامد الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى ، 1413 ، تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي ، 1/5 . ↑
- القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادى ص1582، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي الناشر: المكتبة العلمية – بيروت، 2/517 ، معجم الوسيط المؤلف لإبراهيم مصطفى و أحمد الزيات و حامد القادر و محمد النجار دار النشر : دار الدعوة تحقيق / مجمع اللغة العربية 2/763 . ↑
- أصول القانون للدكتور عبد الرزاق السنهوري وأحمد حشمت، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1946م ص10. ↑
- التقرير والتحبير لمحمد بن محمد بن محمد الشهير بـ (ابن أمير حاج)، ط دار اكتب العلمية ،1/26،28، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب المؤلف: تاج الدين أبي النصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي ط عالم الكتب – لبنان / بيروت – 1999 م – 1419 هـ الطبعة : الأولى ، 1/242دار النشر : عالم الكتب – لبنان / بيروت – 1999 م – 1419 هـ ↑
- أصول الفقه لمحمد أبو زهرة، ط دار الفكر العربي ص6،7. ↑
- أصول القانون للدكتور عبد الرزاق السنهوري وأحمد حشمت، ص 1. ↑
- الأصول العامة للفقه المقارن للأستاذ محمد تقي الحكيم، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع ص47 ، وما بعدها، أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ، ، دار الفكر ، ص8. ↑
- يأتي الدين أحيانا بعد العرف متقدما عن القانون الطبيعي ومبادئ العدالة وأحيانا لا يعد مصدرا أصلا. ↑
- أ أصول القانون للدكتور عبد الرزاق السنهوري وأحمد حشمت، ص164 وما بعدها، الأصول العامة للفقه المقارن للأستاذ محمد تقي الحكيم، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع ص48. ↑
- أنظر: أصول القانون للدكتور الصدة ص285. ↑
- أصول القانون مقارنة بأصول الفقه للدكتور محمد عبد الجواد محمد، منشأة المعارف بالإسكندرية، ص106 :108. ↑
- العرف معتبر باتفاق كمرجع في تفسير النصوص وتطبيق الأحكام التي أحال الشرع على العرف فيها، إنما الخلاف في مدى صلاحية العرف لتقييد المطلق وتخصيص العام وما شابه ذلك. ↑
- انظر الوجيز في أصول الفقه، للدكتور عبد الكريم زيدان، مطبعة الدار العربية ببغداد: ص145 ↑
- للمزيد حول ذلك، يراجع: تجديد النظرية العامة للقانون، نحو توظيف أصول الفقه في بناء أصول القانون، للدكتور مصطفى محمد جمال، الناشر للفتح والطباعة 2002م ، ص229. ↑
- المقصود بالاقتضاء الطلب سواء أكان طلب فعل أو تركه وسواء أكان هذا الطلب بنوعيه على سبيل الإلزام أو على سبيل الاستحباب، والمقصود بالتخيير: التسوية بين فعل شيء وتركه بدون ترجيح أحدهما على الآخر وإباحة كل منهما للمكلف، والمراد بالوضع جعل شيء شيئا سببا لآخر أو شرطا له أو مانعا منه ، أنظر الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان ، مؤسسة الرسالة ، ص 24. ↑
- الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان ص23. ↑
- مجلة البيان، مقال “السلطات العامة في الإسلام” لعثمان جمعة ضميرية العدد 211، ص5. ↑
- معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا، الناشر اتحاد المتاب العرب، 1423 هـ، المحقق عبد السلام هارون، 4/229. ، وانظر أيضا : مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي ، ناشر : مكتبة لبنان ناشرون ، بيروت ، 1415 هـ ، 1/467. ↑
- علم أصول الفقه، للشيخ عبد الوهاب خلاف: ص 99. ↑
- أصول القانون، للدكتور عبد المنعم الصدَّة، دار النهضة العربية، ص 140،141. ↑
- أصول القانون لعبد المنعم فرج الصدَّة: 141. ↑
- أصول القانون، للدكتور عبد المنعم الصدَّة: ص 147. ↑
- استفدنا في منزلة العرف في أصول الفقه من بحث الدكتور عمر سليمان الأشقر “العرف بين الفقه والتطبيق” وبحث والشيخ كمال الدين جعيط مجمع الفقه الإسلامي “العرف” وبحث الدكتور إبراهيم فاضل الدبو “نظرية العرف في الفقه الإسلامي” وهي منشورة في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في العدد الخامس. ↑
- مجموع فتاوى شيخ الإِسلام جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، دار الوفاء: 24 /40. ↑
- ينظر: المنثور في القواعد، للزركشي، ط وزارة الأوقاف الكويتية 2/356. ↑
- العرف والعادة، لأحمد فهمي أبو سنَّة الناشر، مطبعة الأزهر، ص 33. ↑
- رد المحتار على الدر المختار، لمحمد أمين بن عمر الشهير (بابن عابدين) ط دار الكتب العلمية، 3/147. ↑
- صحيح البخاري: انظر فتح الباري: 4 /405. ↑
- رواه البخاري في باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع حديث رقم: 2097 ورواه مسلم باب قضية هند حديث رقم :1714، و انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، ط دار المعرفة ، 4 /406. ↑
- ا أنوار البروق في أنواع الفروق لأحمد بن إدريس القرافي، الناشر عالم الكتب 1/176. ↑
- المصدر السابق 1/176. ↑
- ينظر فيها للاستزادة نظرية العرف للدكتور عبد العزيز الخياط، نشر مكتبة الأقصى عمان، ص52: 58. ↑
- الأشباه والنظائر لابن نجيم، مع حاشيته غمز عيون البصائر، الناشر دار الكتب العلمية، 1/299. ↑
- نشر العرف (مجموعة رسائل ابن عابدين) ، الناشر لا يوجد ، 2 /118. ↑
- أصول الفقه لمحمد أبو زهرة، الناشر دار الفكر العربي، ص273. ↑
- أصول القانون للدكتور عبد المنعم الصدة ص163. ↑
- قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام، الناشر دار الكتب العلمية ،2/ 186. ↑
- شرح تنقيح الفصول للقرافي، دار الفكر 1973م ص211 نقلا عن الموسوعة الفقهية، لمجموعة من العلماء ، صادر عن : وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت ،30/60. ↑
- القاموس المحيط 1/964، معجم مقاييس اللغة 3/203 ↑
- الموسوعة الفقهية 1/17. ↑
- أصول القانون مقارنة بأصول الفقه ص146. ↑
- أصول القانون دراسة مقارنة في القانون القطري والشريعة الإسلامية للدكتور محمود عبد الرحمن محمد، الناشر دار النهضة العربية الطبعة الأولى ص122. ↑
- النظرية العامة للقانون للدكتور مصطفى محمد الجمال والدكتور عبد الحميد محمد الجمال، الناشر المكتبة القانونية ص232. ↑
- الموسوعة الفقهية 1/21 ،22 . ↑
- أنظر: أصول القانون للدكتور الصدةص172 ↑
- المرجع السابق، ص174 ،175. ↑
-
أنظر بحث المصادر العقلية عند الأصوليين لاستنباط الأحكام الفقهية، للدكتور سالم حسن مقبل الدوسي منشور بمجلة بحوث الفقه المعاصر العدد 72. ↑