دور المنتخب المحلي في تدبير جائحة كورونا المجلس الجماعي بإقليم السمارة نموذجا

ذ. بوجمعة ادغيش1 ذ . السملالي منصور1

1 دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية

HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3829

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/08/2022م تاريخ القبول: 26/07/2022م

المستخلص

مع كل جائحة تَضرب العالم يكنب تاريخ جديد للبشرية وترتسم خارطة مختلفة للتوازنات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للبلدان، وما يعيشه العالم اليوم إثر تفشي فيروس كورونا (Coronavirus (COVID-19) هو صورة مماثلة لتداعيات أكثر الجائحات والأوبئة التي ضربت البشرية عبر حقبات تاريخية مختلفة، فعجلة الحياة تعطلت خلال عقد اتّسم بتسارع العمل نحو تحقيق التنمية المستدامة، عطلها تهديد صحي عالمي أصاب العالم بأضرار جسيمة. فتحول التركيز إلى إتخاذ إجراءات طارئة لإنقاذ الأرواح وإصلاح سبل العيش، ليفرِض على الدول مجموعة من التراتيب الصارمة لوقف تفشيه القاتل بين البشر إلا أن تداعِياته كان لها الأثر العميق على إقتصاديات البلدان وسِياساتها من الداخل والخارج.

لقد تسبب فيروس كورونا المستَجد في تغيير لمسار البلدان السياسي والإقتصادي وبرزت النّقائص التي كانت تنخر القطاع الصحي والإجتماعي للبلدان، وعلى الرغم من صمود بعض الدول أمام تفشي الوباء السريع إلا أنها تعاني اليوم من نقص حاد في الإمكانيات المالية واللوجستية لاستكمال حربها الضروس ضد مُخلفاته على القطاع الإقتصادي والإجتماعي، وبدا التأثير الاقتصادي الفوري للجائحة واضحا مما ساهم في وضع خطة طوارئ عالمية وتفعيل الإجراءات الإحترازية والتضامنية التي من شأنها حماية الإقتصادات من الأضرار المحتملة، فلم يكن للجائحة تأثيرا من حيث العلاقات الخارجية فقط بين البلدان بل هددت تماسك المجتمع المحلي في حد ذاته. وقد حاولت الدول المُتضررة من الفيروس أن تلجأ إلى جميع الأساليب المُمكنة لتوعية المواطنين بخطورته، فاعتمدوا في البداية أساليب التوعية والتعريف بالوباء ثم لجؤوا إلى أساليب أكثر صرامة كالحجر الصِّحي الوجوبي والزجري والعِقاب للمخالفين للنصائح الوقائية المعتمدة، وهذا ما سبب حالة من الفزع والخوف.

Research title

The role of the local team in managing the Corona pandemic

The collective council in the province of Smara is a model

Bujumah Adghish 1 Samali Mansour 1

1 PhD in public law and political science.

HNSJ, 2022, 3(8); https://doi.org/10.53796/hnsj3829

Published at 01/08/2022 Accepted at 26/07/2021

Abstract

With every pandemic that hits the world, a new history for humanity is drawn, and a different map of the economic, social and political balances of countries is drawn. It was disrupted during a decade marked by the acceleration of work towards achieving sustainable development, disrupted by a global health threat that inflicted severe damage on the world, so the focus shifted to taking emergency measures to save lives and reform livelihoods, imposing on countries a set of strict arrangements to stop its deadly spread among humans, but its repercussions had an impact. The deep impact on the economies and policies of countries from within and from the outside.

The new Corona virus has caused a change in the political and economic course of countries, and the shortcomings that were consuming the health and social sectors of the countries have emerged, and despite the resilience of some countries in the face of the rapid spread of the epidemic, they are today suffering from a severe lack of financial and logistical capabilities to complete their fierce war against its residuals on the economic sector. The immediate economic impact of the pandemic was clear, which contributed to the development of a global emergency plan and the activation of precautionary and solidarity measures that would protect economies from potential damage. The pandemic did not have an impact in terms of external relations only between countries, but rather threatened the cohesion of the local community in itself. The countries affected by the virus have tried to resort to all possible methods to educate citizens about its danger, so they initially adopted methods of awareness and definition of the epidemic, and then resorted to more stringent methods such as mandatory and injunctive quarantine and punishment for violators of the approved preventive advice, and this caused a state of panic and fear.

مقدمة:

إن إنتشار وباء كورونا فيروس ومتحوراته، وما نتج عن ذلك من مخاطر على المستوى البشري والإجتماعي والإقتصادي، طرحت مجموعة من التساؤلات بخصوص أدوار الفاعلين المؤسساتيين في مواجهة هذه الجائحة إلى جانب السلطات العمومية ممثلة في البرلمان والحكومة والسلطة القضائية، ومن بين هذه المؤسسات الجماعات الترابية التي أسند لها المشرع عدة اختصاصات في هذا الخصوص، فهي ضرورة من ضروريات الدولة الحديثة في الوقت الراهن، وأضحت تكتسي أهمية كبيرة في ظل التحولات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والمجالية التي تعرفها المجتمعات المعاصرة .

وقد طرحت الجماعات الترابية والجهوية المتقدمة في السياق المغربي كبدائل جديدة وأليات تدبيرية ناجعة، كان الهدف منها تخفيف العبئ على السلطة المركزية، خاصة بعد فشل السياسات الفوقية والقطاعية للدولة التي تهم تسيير القضايا والشؤون المحلية في ظل تزايد المشاكل والطلبات الإجتماعية والإقتصادية على المستوى الترابي، حيث يعتبر المغرب من الدول التي تبنت خيار اللاّمركزية كأسلوب من أساليب توزيع الوظيفة التدبيرية والتنموية بين السلطة المركزية والوحدات الترابية المنتخبة، حيث أصبحت الجماعات الترابية في الوقت الحاضر من الضروريات الأساسية في الدولة الحديثة، إذ تمكن السكان من المساهمة في تدبير شؤونهم المحلية وتسيير قضاياهم اليومية، وفي نفس الوقت تخفف من عبئ الحكومة على المستوى المركزي حتى يتسنى لها التفرغ لمهامها الوطنية العامة، نظرا لكون المجالس الجماعية المنتخبة أكثر إحساسا وإلماما بحاجيات محيطيها وأكثر بمشاكل مواطنيها وأكثر إدراكا لحجم الامكانيات المتاحة، وعلاجا ناجعا للتخفيف على المركز.

وما يهمنا في هذا المقال هو توضيح دور المجالس الجماعية ورؤسائها في مواجهة وتدبير أزمة كورونا، خاصة المجلس الجماعي لمدينة السمارة، والتساؤل حول مكانة وأهمية هذه الجماعات في مساعدة السلطات المركزية في الحد من انتشار وتفشي هذا الوباء، باعتبارها شريكا استراتيجيا في تنفيذ السياسيات التنموي الترابية، وفاعلا مركزيا في خط المواجهة المباشرة مع طلبات المواطنين واحتياجاتهم اليومية و فاعلا مهما ومحركا رئيسيا للقرار المحلي وتكمن أيضا أهمية هذا الموضوع بالنظر إلى النهج الذي اتبعه المغرب في ترسيخ اللاّمركزية واشراك ممثلي السكان في تنظيم وتدبير الشأن العام المحلي. وفي هذا الصدد تكمن أهمية وخطورة المسؤولية التي أناطها القانون بالمنتخبين الجماعيين عامة وبرؤساء المجالس الجماعية ونوابهم بشكل خاص، لأن أي تقصير في أدائها قد يؤدي إلى الإضرار بمصالح السكان وإلى الفوضى وفقدان ثقة الناخبين، فالمجالس الجماعية، تتولى طبقا للقوانين التنظيمية المنظمة لها، ممارسة العديد من الإختصاصات للمساهمة في تحقيق حماية الأشخاص وأقربائهم طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل [1]21 من دستور 2011[2] والذي استندت عليه الحكومة لإصدار مرسوم القانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، ويطرح هذا الموضوع إشكالية محورية تتمثل أساسا في مدى مساهمة الجماعات الترابية بشكل عام والمجالس الجماعية بشكل خاص إلى جانب السلطات المركزية في مواجهة وتدبير أزمة كورونا؟، ولتوضيح أدوار المجالس الترابية في مواجهة جائحة كورونا، سنتولى بالتحديد وضع إطار مفاهيمي لفيروس كورونا والتعريف بالمنتخب المحلي والمجالس الجماعية كنقطة أولى، وتبيان إختصاصاتها وتدخلاتها المرتبطة بهذا الظرف كنقطة ثانية، ثم الحديث عن واقع تدبير الأزمة الصحية بين محدودية تدخل المجلس الجماعي لمدينة السمارة وتعزيز حضور الفاعل المركزي في نقطة ثالثة.

فهل الأمر يتعلق بفشل هذه الوحدات الترابية في ممارسة صلاحياتها الدستورية والتنظيمية؟ أم أن دورها تم تغيبه بشكل أو بأخر؟

  1. إطار نظري لفيروس كورونا والمنتخب المحلي بالمجالس الجماعية
  2. ظهور فيروس كورونا

في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2019. كشفت منظمة الصحة العالمية عن عدد من حالات الإلتهاب الرئوي مجهول السبب في مدينة ووهان شرق الصين، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 11 مليون نسمة، وبعدها بأيام وتحديداً في 7 يناير 2019 (كانون الثاني)، توصل علماء صينيون، إلى أن فيروسا تاجيا جديدا من عائلة كورونا، هو المسبب لتلك الحالات، فقد بدأ الأمر وكأنه وباء يقتصر بشكل أساسي على الصين، لكنّه تحول سريعا إلى وباء عالمي، مما دفع المتحدث بإسم منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندماير، إلى دعوة الدول الأخرى إلى التحري عن أي حالات مبكرة أخرى يشتبه أنها تعود لمرض ناجم عن الإصابة بالفيروس.

ومنذ بداية ظهور الفيروس تم ترجيح أنه حيواني المنشأ، حيث أصدر فريق من علماء الفيروسات في معهد ووهان لعلم الفيروسات ورقة مفصلة في فبراير 2020، تبين أن التركيب الجيني للفيروس متطابق بنسبة 96 في المائة مع تكوين الفيروس التاجي الموجود في الخفافيش، بينما ذهبت دراسة أخرى نشرت في 26 مارس من نفس السنة إلى أن التسلسل الجيني للفيروس البشري يبدو أقرب إلى آكل النمل الحرشفي (البنجولين) بنسبه تطابق تتراوح بين 88.5 و92.4 في المائة، ولكن الحالات المبكرة للإصابة والتي ليس لها صلة بسوق ووهان على الإطلاق، تشير إلى أن المسار الأولي للعدوى البشرية قد يسبق حالات السوق[3]، ففيروسات كورونا فصيلة كبيرة من الفيروسات المعروف أنها تسبب اعتلالات تتنوع بين الزكام وأمراض أكثر وخامة، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس)، ويُمثل هذا الفيروس سلالة جديدة لم يسبق تحديدها لدى البشر من قبل[4].

ومع انتشار جائحة كورونا المستجد “كوفيد-19” في جميع أنحاء العالم، تستمر الدول في تطوير طرق مختلفة لمكافحة الفيروس والحد من انتشاره، وفي إطار التدابير المتخذة لمكافحة الفيروس، تم تحديث معلومات عن طرق التشخيص والعدوى والأعراض، وآخر الأبحاث بخصوص العلاج واللقاح، والمعلومات المغلوطة الشائعة، وطرق استخدام الكمامات، وتحذيرات وزارة الصحة، ومنظمة الصحة العالمية، بالأعراض الأكثر شيوعًا هي الحمى والسعال وضيق التنفس والإرهاق، ولكن في الحالات المتقدمة من المرض فقد يصاب المريض بآلام، وإنسداد الأنف، والرشح، وآلام في الحلق وإسهال.

يمكن أن يؤدي الفيروس إلى الوفاة للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل الضغط والقلب والسكري، ولابد لمن يعانون إرتفاع درجات الحرارة والسعال وضيق التنفس، ف.80 بالمئة من المصابين بالفيروس يتعافون دون الحاجة إلى علاج خاص، وواحد من كل ستة مصابين “بكوفيد-19” تكون حالته شديدة ويجد صعوبة في التنفس، و20 بالمئة من الحالات يمكن علاجها في المستشفى، ويؤثر المرض في المسنين الذين تتجاوز أعمارهم الستين أكثر من غيرهم[5].

وكان تطوير لقاحات آمنة وفعالة ضد كوفيد-19 خطوة كبيرة إلى الأمام نحو إنهاء الجائحة وإستئناف القيام بالأنشطة الطبيعة للبشر.

  1. النخبة المحلية

لقد أثار مفهوم النخبة المحلية العديد من النقاشات الشيء الذي جعل الباحثين ينكبون على دراستها لفهم المجتمع في شموليته، فماذا نعني بالنخبة المحلية؟

إن النخبة المحلية لا تخرج عن الإطار العام للنخب، والذي يتمثل في وجود أقلية أوليغارشية تتحكم في تدبير وسائل الإنتاج والإكراه على الصعيد المحلي بما يكفل لها توجيه وقيادة المجتمع المحلي بالتأثير على القرار المحلي أو بالمساهمة في صناعته، بل قد يصل الأمر إلى حد اتخاذ القرارات المحلية[6].

وإذا كانت النخبة على الصعيد الوطني ترتبط بالأمة وتهتم بالقضايا الوطنية والدولية، فإن النخبة المحلية تظل أكثر ارتباطا بمجالها المحلي، فالزعيم المحلي يحصر همومه في تحقيق مصلحة مدينته والاهتمام بمشاكلها دون أن يكترث للقضايا الوطنية أو الدولية، إلا أن التطورات التي عرفها العالم في الفترة الأخيرة جعلت من الفاعلين المحليين أكثر انفتاحا على كل القضايا والمستجدات الخارجية، وذلك بالدخول في إطار الشراكة أو التوأمة والاتفاقيات.

وفي هذا الإطار يمكن تعريف النخبة المحلية بأنها النخبة المكونة من أفراد المجتمع المحلي ذات التوجهات والأبعاد المحلية، وبالتالي فإن إختزال النخبة المحلية في المنتخبين المحليين يجد أساسه في كون القائد والمقدمين والشيوخ يمكن أن ندرجهم في النخبة الإدارية التي تمثل السلطة المركزية محليا، ونفس الملاحظة يمكن إثارتها بشأن رؤساء الجماعات وبحكم الصورة التي يكونها عنهم المواطن المحلي في ذهنه كأفراد ذوو أصول اجتماعية رفيعة. إضافة إلى الجاه والسمعة والثروة التي يتوفرون عليها. فالظاهرة النخبوية لا تنحصر على صعيد المجتمع الشامل فحسب، بل أيضا على مستوى المجتمعات المحلية والبنيات القطاعية، وحتى على مستوى أصغر وحدات البناء الاجتماعي، والنخب التي نعاينها على تلك المستويات هي التي نسميها بالنخبة المحلية، باعتبارها تلك الأقلية الإستراتيجية من أفراد المجتمع المحلي، التي تسيطر على عملية التخصيص السلطوي لقيم القوة والثروة والسلطة والمعرفة، للتأثير في عملية صنع القرار المحلي أو حتى الوطني أحيانا، وهو جهد يقوم على التركيب بين العناصر التنظيمية التي يلح عليها ميشلز وموسكا، والعناصر الاجتماعية الاقتصادية التي يشدد عليها بيرنهام وميشلز، ومفهوم الأقليات الاستراتيجية التي تحدث عنها ريمون آرون[7].

وللحديث عن النخبة المحلية أكثر والتوسع في هذا المفهوم يجب الانطلاق من خلال استحضار الهيمنة التي مارسها الأعيان في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، ومن حضورهم المركزي والكثيف في تاريخ السلطة بما هي فعل، سواء كانت مادية أو سلطة رمزية، فقد كانوا يمتلكون هذه السلطة ويستثمرونها لاحتلال مواقع مهمة في إطار التراتبية الاجتماعية القائمة[8]، باعتبار الأعيان أقطابا يحملون كل ما هو عتيق ويجسدونه و يحافظون عليه، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو دينيا باعتبارهم منفصلين عن الجماهير أو يقيمون معهم، ولا يعملون إلا على الحفاظ على مصالحهم المادية ورصيدهم الرمزي بوصفه مصدرا لشرعيتهم[9].

فالمتتبع للمجتمع العربي سيعرف أن خصوصياته الحضارية، الدينية، التاريخية والثقافية، تختلف كل الاختلاف عن المجتمعات الغربية من حيث المحددات المتحكمة في النظام السياسي عبر مسار تطوره التاريخي. لذا فمصطلح النخبة لم يعرف انتشارا على مستوى التداول في المغرب سوى مع قدوم الباحثين الفرنسيين، الذين اهتموا بالدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية للحقلين الاجتماعي والسياسي المغربيين قبل توقيع وثيقة الحماية الفرنسية[10]، والمصطلح الذي كان شائعا في الحقل التداولي المغربي آنذاك هو مصطلح “الأعيان” أو “الفئة العليا في المجتمع”، حيث يشهد التاريخ على أن المدينة المغربية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت تنقسم إلى ثلاث فئات اجتماعية، فئة عليا تضم أصحاب السلطة الأغنياء، العلماء ثم الشرفاء، وفئة وسطى ضمت أصحاب الحرف المعاشية التي يمارسها الغرباء عن المدينة[11]. فكما يمكن أن نجد “النخبة” على مستوى المجتمع الكبير (الوطني) يمكن أن نجدها كذلك على مستوى أصغر وحداته (المحلي)، فميز بذلك بين نوعين: “النخبة المحلية وأخرى وطنية”، غير أن العلاقة جدلية بين وجود الأولى ووجود الثانية[12].

فالنخبة المحلية منذ الإستقلال لعبت داخل النظام السياسي المغربي دور “مجموعة استقرار” للحد من توسع البورجوازية بل إن هذه النخب بمراقبتها للوضعية السياسية على مستوى القاعدة بواسطة نسق العلاقات الشخصية القائمة على روابط القرابة وعلى المصالح المقدمة، مما أفضى إلى تحول النسق على الأحزاب والبيروقراطية[13]، فمفهوم النخبة المحلية يستعمل كثيرا على المستوى المحلي للدلالة على فئة إجتماعية (أقلية) يمكنها من خلال موقعها الإجتماعي أن تؤدي أدوارا سياسية وإدارية على المستويين المحلي والوطني، فالمنزلة الإجتماعية كمجال خاص تمكن من غزو الفضاء العمومي محليا ووطنيا، سياسيا إداريا، كما يمكنها تقديم دور المتحكم أو المتداول على السلطة أو حتى الوسط ما بين المركز والمحيط المحلي، وهناك من يستعمل كلمة “نخبة” للدلالة على هذه الفئة، وهناك كذلك من يرفض لأسباب قد تكون ابستمولوجية أو إيديولوجية أو أخلاقية استعمال كلمات من قبيل “الصفوة”، “الطبقة”، “القوى الفاعلة”، “الطليعة”، “الأعيان”.

والجذير بالإشارة إليه هو أن دراسة النخبة المحلية، تقوم أساسا على محاولة تفسير الأدوار التاريخية والوظائف المتجددة للنخبة المحلية سواء على الصعيد المحلي أو حتى على مستوى العلاقات التي تربطها بالنسق الوطني، خاصة النسق السياسي، وإنعكاسات هذه العلاقة على مكونات وأنماط النخبة المحلية بهدف إنتاج نموذج تحليلي يمكننا من تفسير ظاهرة النخبوية المحلية ودورها في صناعة القرار المحلي.

وبالرغم من أن وجود النخب ليس ظاهرة مقصورة على الصعيد السياسي، إلا أنها تكون أكثر وضوحا في مجال الحياة السياسية بحكم الدور الذي تمارسه هذه الفئة، مهما كان الأساس الذي يقوم عليه أفرادها ودرجة نفوذهم وتأثيرهم، وأيا كان مصدر الشرعية، حيث أن التفاوت في موارد القوة والنفوذ والقدرة ضمن النسق السياسي المحلي يقوم على أسس مادية ورمزية واجتماعية لا علاقة لها أحيانا بالتكوين الأكاديمي أو الكفاءة الشخصية، بل يرتبط أحيانا أخرى بتفاوتات موروثة على المستويات المادية والرمزية والإجتماعية بصفتها موردا للقوة ودعامة أساسية للنفوذ حتى ضمن التنظيمات العصرية ذات الطابع المركب.

فالنخبة المحلية التي تتمثل في وجود أقلية تتحكم في تدبير وسائل الإنتاج على الصعيد المحلي، لما يكفل توجيه وقيادة المجتمع المحلي بالتأثير على القرار المحلي أو بالمساهمة في صناعته، بل قد يصل الأمر إلى حد إتخاذ القرارات المحلية، إلا أن التطورات الأخيرة التي عرفها العالم في الفترة الأخيرة جعلت من الفاعلين المحليين أكثر إنفتاحا على كل القضايا والمستجدات الخارجية بالدخول في إطار شراكات أو توأمة أو إتفاقيات[14]، ولذلك برزت ضمن النخب المحلية نخب في جميع المجالات، فرضت نفسها على الساحة المحلية وحتى الوطنية.

ج- المجالس الجماعية

تعتبر الإنتخابات الجماعية فرصة أولية وهامة، لأنها تفتح المجال للمنافسة بين الأحزاب السياسية والسكان، وتدور هذه الانتخابات في إطار الأهمية المتزايدة لموضوع التسيير البلدي، وفي ظل ملامح جديدة للعمل الجماعي وللممارسة المحلية في ظل مدونة الإنتخابات (قانون 9.97) [15].

وتجدر الإشارة إلى الأهمية التي تكتسيها الإنتخابات المحلية، والتي تكمن أولا في كون الجماعة أصبحت تلعب دورا أساسيا في البناء الديمقراطي، فهي مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى المساهمة في التنمية إلى جانب الجماعات المحلية الأخرى، كالأقاليم والجهات والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين سواء في القطاع العام أو الخاص[16]. كما تأتي الإنتخابات الجماعية 2015 في إطار سلسلة من الإصلاحات السياسية والدستورية الهادفة إلى زيادة ترسيخ وتقوية المؤسسات، من هذا المنطلق أصبحت الجماعة تشكل بدون منازع نهجا أساسيا لمشاركة المواطنين في تسير الجهة، فالجماعة تشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة، وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الإعتبارية والإستقلال الإداري والمالي، ترتكز في تدبير شؤونها على مبدأ التدبير الحر الذي يخول لها سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها.

تناط بالجماعة داخل دائرتها الترابية مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها، فما هي صلاحيات الجماعة بمجلسها المسير في تدبير مواجهة فيروس كورونا؟

  1. صلاحيات المجالس الجماعية ورؤسائها في مواجهة وباء كورونا نموذجا

لقد أصبحت الجماعات الترابية بشكل عام والجماعات في الوقت الراهن من الضروريات الأساسية في التدبير التنموي، وحجرة أساسية في بناء الدولة الحديثة، وقد كرس الدستور المغربي لسنة 2011 هذه الفلسفة من خلال تخصيص بابا كاملا في ديباجته للجماعات الترابية وعيا منه بأهمية الفاعل الترابي في تنزيل السياسات التنموي وتحقيق العدالة المجالية. وقد ثم تأكيد هذا الخيار الاستراتيجي من خلال إصدار القانون التنظيمي الجديدة للجماعات[17] رقم 113.14 والذي يتأسس على مبادئ التدبير الحر و التعاون والتضامن، وتأمين مشاركة السكان في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية.

وتمارس الجماعة اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة بالإضافة إلى اختصاصات منقولة وما يهمنا في هذا النقاش هو طبيعة الاختصاصات التي تمارسها الجماعات في مجال مواجهة الأوبئة والحفاظ على النظام العام .

إن مسألة تخويل إمكانية التعبير عن الحاجيات وتسطير الأهداف والبرامج للفاعل الترابي أضحت أمرا أساسيا لتحقيق التنمية الشاملة، حيث يعتبر المحرك الأساسي لعملية صنع وتنفيذ السياسات العمومية على المستوي المحلي. فإشراكه في صنع السياسات يعتبر ضروريا، هذا ما تأكد مع صدور القانون التنظيمي رقم 113.14، عرف التنظيم الجماعي تطورا، على قدر كبير من الأهمية، حيث اتجه إلى توسيع نطاق تدخل الجماعة في العديد من المجالات نظرا لإرتفاع مستوى الاهتمام بتدبير الشأن العام المحلي، إذ تضمن هذا القانون مجموعة من المواد التي تبين دور المنتخب الجماعي باعتباره فاعلا ترابيا[18]، فقد حدد القانون التنظيمي 14-113 اختصاصات الجماعة، وقسمها إلى اختصاصات ذاتية، ومشتركة، ومنقولة.

  1. اختصاصات ذاتية للجماعات في مجال الحفاظ على النظام العام

تتمثل الإختصاصات الذاتية في وضع برنامج عمل الجماعة(المادة 78)،واحدات وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية كتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء، والنقل العمومي الحضري، والإنارة العمومية، والتطهير السائل والصلب، ومحطات معالجة المياه العادمة، وتنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية[19]، فالجماعة في إطار صلاحياتها الذاتية تمارس مهمة نقل هذه النفايات إلى المطارح ومعالجتها، كما تعمل أيضا على السهر على تنظيم السير والجولان وحفظ الصحة العامة ونقل المرضى والجرحى، ونقل الأموات وتنظيم عمليات الدفن كما تختص أيضا في أحداث وصيانة المقابر، وفيما يخص تنظيم الأسواق الجماعية، فالجماعة تختص بموازاة مع فاعلين أخرين من القطاع العام والخاص بتدبير أسواق البيع بالجملة وتنظيم المجازر والذبح ونقل اللحوم ومراقبة أسواق بيع السمك.

بالموازاة مع ذلك يمارس رئيس المجلس الجماعي صلاحيات الشرطة الإدارية[20] في ميادين الوقاية الصحية والنظافة الأحياء السكينة العمومية وسلامة المرور، بواسطة قرارات تنظيمية وفردية المتمثلة في الإذن أو الأمر أو المنع ومن أهم الصلاحيات التي يمارسها رئيس المجلس الجماعي من خلال القانون التنظيمي رقم 113.14 نذكر: 

  • إتخاد التدابير اللازمة لتجنب أو مكافحة إنتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة؛
  • السهر على إحترام شروط نظافة المساكن والطرقات وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها؛
  • تنظيم السير والجولان والوقوف بالطرقات العمومية والمحافظة على سلامة المرور بها؛
  • إتخاذ التدابير الخاصة لضمان السكينة العمومية خصوصا في المحلات والفضاءات العمومية التي يقع فيها تجمهر الناس كالمواسم والأسواق ومحلات المشاهد أو الألعاب والميادين الرياضية والمقاهي والمسابح والشواطئ وغيرها؛
  • تنظيم ومراقبة المحطات الطرقية ومحطات وقوف الحافلات وحافلات النقل العمومي وسيارات الأجرة وعربات نقل البضائع وكذا جميع محطات وقوف العربات؛
  • اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من الحرائق والآفات والفيضانات وجميع الكوارث الطبيعية؛
  • ممارسة شرطة الجنائز والمقابر واتخاد الإجراءات اللازمة المستعجلة لدفن الموتى بالشكل اللائق، وتنظيم المرفق العمومي لنقل الأموات ومراقبة عملية الدفن واستخراج الجثث من القبور؛
  • منح رخص احتلال الملك العمومي دون إقامة بناء وذلك طبق الشروط والمساطر المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛
  • مراقبة محلات بيع العقاقيروالبقالة ومحلات الحلاقة وبيع العطور، وبصورة عامة كل الأماكن التي يمكن أن تصنع أو تخزن أوتباع فيها مواد خطيرة؛
  • مراقبة البنايات المهملة أو المهجورة أو الايلة للسقوط واتخاذ التدابير الضرورية في شأنها بواسطة قرارات فردية أو تنظيمية وذلك في حدود صلاحياته وطبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛
  • المساهمة في المحافظة على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي وحمايتها وذلك باتخاذ التدابير اللازمة لهذه الغاية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛
  • منح رخص إستغلال المؤسسات المضرة أوالمزعجة أو الخطيرة التي تدخل في صلاحياته ومراقبتها طبق للقوانين والنظمة الجاري بها العمل؛
  • تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقباتها؛
  • السهر على إحترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات المفتوحة للعموم خاصة المطاعم والمقاهي وقاعة الألعاب والمشاهد والمسارح وأماكن السباحة، وكل الأماكن الأخرى المفتوحة للعموم، وتحديد مواقيت فتحها وإغلاقها؛
  • إتخاذ التدابير الضرورية لتفادي شرود البهائم المؤذية والمضرة، والقيام بمراقبة الحيوانات الأليفة، وجمع الكلاب الضالة ومكافحة داء السعار، وكل مرض أخر يهدد الحيوانات الأليفة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

وبخصوص التعمير واعداد التراب، تختص الجماعة بالسهر على احترام الإختبارات والضوابط المقررة في مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والتنمية وكل الوثائق الأخرى المتعلقة بإعداد التراب والتعمير والدراسة والمصادقة على ضوابط البناء الجماعية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل[21]. وفيما يتعلق بالتعاون الدولي أتاح القانون التنظيمي للجماعة إمكانية إبرام اتفاقيات مع فاعلين من خارج المغرب في إطار التعاون الدولي وكذا الحصول على تمويلات في نفس الإطار بعد موافقة السلطات العمومية طبقا للقوانين والانظمة الجاري بها العمل غير أنه لا يمكن للجماعة أو مؤسسة التعاون بين الجماعات أو مجموعة الجماعات الترابية إبرام أي اتفاقية مع دولة أجنبية[22].

إختصاصات مشتركة

هذه الاختصاصات تمارسها الجماعات، إما بطلب منها أو بمبادرة من الدولة في إطار تعاقدي، فالجماعات بناء على هذه الوظيفة تساهم في صيانة المستوصفات العمومية الواقعة في نفود ترابها بالإضافة إلى المساهمة في تنمية الإقتصاد المحلي للجماعة وإنعاش سوق الشغل والاهتمام بالبنيات التحية والتجهيزات، والمساهمة في تحسين ظروف عيش المواطنين. واستنادا أيضا لهذه الاختصاصات المشتركة فإن الجماعة ملزمة بالمساهمة بإحداث دور العمل الخيري ومأوى العجزة ودور الحضانة ورياض الأطفال، وإحداث المراكز الاجتماعية للإيواء، بالإضافة إلى السهر على احترام البيئة وتهيئة الشواطئ والممرات الساحلية وتدبير الساحل التابع لنفودها الترابي وتحسين ظروف عمل المقاولات حسب ما نصت عليه المادة 87 من القانون التنظيمي رقم 14-113.

اختصاصات منقولة

هذه الوظائف والتي يتم تحديد مجالاتها مراعاة لمبدأي التدرج والتمايز بين الجماعات تعتمد فيها الدولة سياسة التدرج في نقل بعض الاختصاصات للجماعات وذلك بغية تعزيز مكانتها في التدبير التنموي وتقديم خدمات القرب للمواطنين وقد نص الدستور في الفصل 141 على أن كل اختصاص تنقله الدولة للجماعات الترابية يكون مقترنا بتحويل الموارد المالية المطابقة له لمساعدة الجماعات في ممارسة هذا الاختصاص المنقول ومن بين الاختصاصات المنقولة التي جاء بها القانون التنظيمي 113.14 في المادة 90 نذكر:

  • حماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية؛
  • إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة.
  • طبقا للبند الرابع من الفصل 146 من الدستور فإن تحويل الإختصاصات المنقولة إلى إختصاصات ذاتية للجماعة المعنية يتم بموجب تعديل القانون التنظيمي للجماعات.

ومن خلال ما سبق يتبين الدور الكبير الذي يلعبه المنتخب المحلي، بحيث أصبح يتوفر على العديد من الوسائل القانونية التي سوف تمكنه من تحقيق سياسات العمومية ترتبط أساسا بكل المجالات التي لها إرتباط مباشر بالتنمية الجماعية على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والبيئي الأمر الذي سيمكنه لا محالة من أن يلعب دورا رياديا على المستوى المحلي في شتى المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

وإن صلاحيات المجالس الجماعية في الدور الوقائي الكبير، بميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية بإتخاذ عدد من التدابير الإحترازية اللازمة للوقاية من إنتشار الفيروس، خاصة التدابير المرتبطة بالوقاية الصحية والنظافة من تعقيم الأماكن والمرافق العمومية ووسائل النقل، وأخرى مرتبطة بتقديم خدمات القرب بتوفير السلع والمنتوجات الضرورية للحد من إنتشار الوباء[23] تبقى محدودة بالمقارنة مع حضور الفاعل المركزي.

  1. تدبير جائحة كرونا بين الدور الجماعي والفاعل المركزي بإقليم السمارة نموذجا

يقع إقليم السمارة في أقصى الجنوب الشرقي للمملكة المغربية يمتد محاذياً للحدود الجزائرية الموريتانية من الشرق يقع إقليم العيون من الغرب و لإقليمي طانطان وكلميم من الشمال وإقليم بوجدور من الجنوب. ويشكل إقليم السمارة مساحة أرضية صحراوية قاحلة تبلغ 61760 كلم مربع على هضاب صخرية شرقا ورملية شاسعة غربا يتخلل هاتين الجهتين وادي الساقية الحمراء الذي ينحدر من أقصى الهضاب الشرقية نحو المحيط الأطلسي والبالغ طوله 400 كلم جاعلا من المناطق التي تجتاحها مياهه هضابا مكسوة بنباتات ومراعي للماشية. ويتميز مناخ الإقليم بكونه صحراويا جافا لموقعه الجغرافي على شرق الصحراء الكبرى المحادية للخط الاستوائي. وقد ارتفع عدد سكان الإقليم من 7280 نسمة سنة 1972 و20480 نسمة سنة 1982 إلى 60 ألف نسمة حسب إحصاء 2004.

ويعتبر إقليم السمارة من الأقاليم المسترجعة بعد تنظيم المسيرة الخضراء المظفرة التي دعا إليها الملك الحسن الثاني، والتي عجلت بجلاء الإحتلال الإسباني، وقد كانت السمارة منذ القديم عبارة عن مركز ديني يقع وسط الترسبات الغرينية لوادي الساقية الحمراء. بناها الشيخ ماء العينين في نهاية القرن الماضي بدعم وأوامر السلطان مولاي عبد العزيز. وبعد أن كانت مدينة السمارة تشكل في الماضي مرحلة مهمة في طريق القوافل هاهي اليوم تصل حاضرها بماضيها ونصبح إحدى المحطات الرئيسية للمحور الطرقي عبر الصحراء تربط المناطق الجنوبية الشرقبة بشمال المملكة وبالساحل الأطلسي، الذي شهد في ظرف وجيز بعد استرجاع أقاليم المملكة الجنوبية نهضة كبيرة ومنجزات ضخمة في جميع الميادين إقتصادية وإجتماعية وثقافية وإدارية، أحدثت عمالة الإقليم بتاريخ: 06 غشت 1976 بموجب مرسوم[24]رقم 470-76-2.

ولقد أدى ظهور وإنتشار وباء كورونا كوفيد-19-إلى توجه معظم دول العالم ومن ضمنها المغرب إلى اتخاد مجموعة من التدابير والاجراءات الاستثنائية والاستباقية التي تستهدف مواجهة هذا الوباء الفتاك والحد من انتشاره.ويعتبر من المغرب من الدول السباقة إلى اتخاد هذه التدابير لمواجهة من هذه الجائحة والحد من انتشارها وقد صنفت هذه الإجراءات بأنها نموذج استثنائي للتفاعل مع الازمة، وذلك بالإنتقال من مأسسة تدخلاتها عن طريق وضع الأليات القانونية لجعل كل تلك التدخلات متسمة بالشرعية والمشروعية، وذلك بتدارس الحكومة المغربية يوم 22/3/2020 لمشروع مرسوم قانون مقدم في إطار الفصل 81 من الدستور, والذي تم التصويت عليه في البرلمان يوم 23/3/2020 .وصدر في الجريدة الرسمية يوم 24/3/2020 تحت رقم 6867 مكرر، فالمتتبع للنقاش الوطني المرتبط بالجائحة سيلاحظ بشكل واضح أن السلطات المركزية مارست صلاحياتها الإستثنائية وعبئت جميع وسائلها لمواجهة هذه الأزمة الوبائية، وقد إندرجت هذه الإجراءات والتدابير في إطار الإمتيازات الإستثنائية للدولة والتي مارستها بناء على نظرية الظروف الطارئة وأعمال السيادة، وذلك من خلال إعلان حالة الطوارئ بموجب المرسومين رقم 02.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والمرسوم 2.20.293 المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية على صعيد التراب الوطني.

أما الجهة المؤهلة لتحديد مجال تطبيق حالة الطوارئ الصحية والإجراءات الواجب إتخاذها فقد أسندت لكل من وزارة الداخلية ووزارة الصحة، بحكم الاختصاص سواء في الجانب الصحي او الجانب الأمني، والرجوع إلى طبيعة هذه التدابير والإجراءات المتخذة في هذا الإطار والتمعن فيها، سيلاحظ بشكل ملموس غياب دور الجماعات الترابية بشكل عام والجماعات بشكل خاص في تدبير هذه الجائحة مقابل حضور قوي للسلطات المركزية.

وباستقراء مقتضيات المرسوم[25] رقم 02.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها نلاحظ أن المادة الثالثة من مرسوم اعلان حالة الطوارئ الصحية غيبت بشكل شبه مطلق صلاحيات الجماعات ورؤساءها في تدبير ومواجهة هذه الجائحة في مقابل تعزيز صلاحيات واختصاصات السلطات المحلية المعينة في خرق للتراتبية القانونية[26]، على إعتبار أن القوانين التنظيمية تسمو على مراسيم القوانين وقد تم تبرير هذا الأمر بناء على المشروعية الإستثنائية للسلطات والتي تسمدها من نظرية الظروف الطارئة.

كما يلاحظ أيضا من خلال التتبع اليومي لمعظم الإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة تداعيات أزمة كورونا -كوفيد 19-أن رجل السلطة هو الممارس الفعلي لجميع الصلاحيات والسلطات المتعلقة بالحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاثة. في حين أن الفاعل الترابي المنتخب أصبح تدخله شبه غائب ومحتشم ويقتصر على مجالات ثانوية، على غرار تعقيم بعض الأماكن والطرقات وتنظيم عمليات استفادة الأسر من الدعم والمشاركة في الحملات التوعية حول خطورة الوباء.

ويرجع ضعف ومحدودية تدخل الجماعات الترابية في تدبير هذه الأزمة إلى مقتضيات المرسوم السالف الذكر والذي أسند المهمة بشكل شبه مطلق لوزارتي الصحة والداخلية، وكذا مذكرات وزير الداخلية الذي راسل من خلالها الجماعات الترابية وطلبها بعدم عقد الإجتماعات وتأجيلها إلى أجل غير مسمى، وبعد موجة الجدل السياسي والقانوني التي رافقت قرار وزارة الداخلية بمنع عقد دورات الجماعات الترابية تحت مبرر “الوقاية من فيروس كورونا” تراجعت وزارة الداخلية عن هذا القرار، وأكدت في بلاغ مشترك مع جمعية جهات المغرب والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات على إمكانية عقد الإجتماعات بشكل حضوري مع الحرص على إتخاذ كافة التدابير الوقائية المقررة من قبل السلطات المختصة. بالإضافة إلى محدودية الموارد البشرية والمالية للجماعات، وكذا ضعف المستوى التعليمي والمعرفي لبعض الرؤساء المنتخبين وعدم قدرتهم على إستيعاب صلاحياتهم الدستورية والتنظيمية، ويمكن القول أيضا أن الجماعات الترابية لم تكون مستعدة لمثل هذه الأزمة وتفاجئت بشكل كبير على اعتبار أن برامج عمل الجماعات الترابية لا تتوفر على خطط لمواجهة مثل هذه الظروف الطارئة ولم ترصد لها موارد مالية، كما أن تدخل الدولة أشعر الفاعل الترابي بعدم جدوى تدخله، هذا بالإضافة إلى خوف بعض المنتخبين والرؤساء من امكانية اتهامهم باستغلال الأزمة لتحقيق مصالح سياسية وإنتخابية[27]، في حين أن هناك من اعتبر أن السبب الحقيقي في الأمر يرجع بالأساس إلى جهل بعض أعضاء المجالس ورؤسائها لإختصاصاتهم الدستورية والتنظيمية خصوصا في مجال الضبط الإداري والحفاظ على النظام العام، وغالبا ما يتم تبرير ذلك بغياب سياسة تكوين وتأهيل المنتخبين الجماعيين ساهم في ذلك بشكل.

ومن الأسباب الرئيسية في ذلك أيضا عدم وضوح النص القانوني المنظم لإختصاصات الجماعات ورؤساءها وعلاقتهم بالسلطات المحلية، خصوصا في مجال الحفاظ على النظام العام والذي يتدخل فيه العديد من الأطراف مما يفتح المجال في كثير من الأحيان أمام سوء التدبير وتنازع الإختصاص ويتجلى ذلك بوضوح من خلال الفصلين 100 و110 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية.

ورغم ضعف ومحدودية تدخل المجالس الجماعية في تدبير جائحة كورونا، تبقى بحكم قربها المجالي واحتكاكها اليومي بالمواطنين مسؤولة عن تقديم خدمات القرب، وخاصة في هذه الظرفية الإستثنائية، والتي تتطلب من الجماعات مضاعفة الجهود لضمان استمرارية عدد من المرافق التي تديرها عبر اختصاصاتها الذاتية لتقليص من حدة تفشي الوباء، حيث يمكن القول أن الجماعات الترابية بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية، تركز دورها أساسا في التحمل المؤسساتي والتضامن التطوعي الجماعي للأعباء في الصندوق الخاص بتدبير هذه الجائحة، تنفيذا للتوجيهات الملكية القاضية باحداثه، وتنزيلا للخيارات الدستورية المتمثلة في الفصلين[28] 31 والفصل[29] 40 من دستور 2011 .

ولقد تجندت السلطات الإقليمية بمدينة السمارة بكل تلاوينها، باشراف مباشر من عامل الإقليم، للتطبيق الفعلي لحالة الطوارئ التي إتخذتها الحكومة، كاجراء استباقي للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد “COVID19وفي هذا الإطار تجندت المصالح الأمنية إلى جانب المجالس المنتخبة، كل من موقعه لتطبيق كل التدابير الآزمة، من خلال وضع الحواجز الحديدية وتقليص الشوارع، التي تعرف ازدحاما والحد من الإكتظاظ، حيت وضعت الحواجز الأمنية، داخل الإقليم ومراقبة مختلف شوارع وتوقيف الراجلين والعربات والدراجات النارية وطلب الإدلاء بوثيقة الخروج المصرح بها من طرف السلطات،حيث تشرف دورية أمنية مشتركة للوقوف على، تطبيق قرار الإغلاق للمحلات على الساعة الثانية زوالا، وكذلك محلات المواد الغذائية والتموينية على الساعة السادسة مساءا، حيت تم وضع حواجز حديدية بمداخل سوق الخضر واللحوم الذي يعرف حركة نشطة، لتوفير الولوج الأمن اليه، كما باشرت السلطات المحلية عملية تعقيم مختلف الأحياء وأزقة المدينة، إضافة إلى جميع المصالح الأمنية والخارجية، وبخصوص المنظومة الصحية بالسمارة تم تجهيز جناح خاص للحجر الصحي، للحالات المشكوك فيها بحمل الفيروس، حيث تم تجهيزه بأحدث المعدات الطبية.

بالإضافة إلى تخصيص للمستشفى الإقليمي مساعدات طبية، وشبه طبية ناهزت المليون درهم كمساهة من المجالس المنتخبة بإلاقليم، وحجز فندق خاص لإيواء الأطباء، ثم عمل السلطات العمومية على تأمين كل المداخل الفرعية للإقليم، بحواجز رملية وحفر متاريس للحد من تسلل السيارات الوافدة بطرق غير شرعية، ومنع مهربي المواد الإستهلاكية، ومنع كل التجمعات والتجمهرات، علاوة على إغلاق قاعات الألعاب والقاعات الرياضية وكذا ملاعب القرب، والحدائق العمومية وفضاءات الترفيه في وجه العموم إبتداء من الساعة السابعة مساء، وإغلاق المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم في الساعة التاسعة مساء، مع منع البث التلفزي لمباريات كرة القدم بها، بالإضافة إلى حملات تحسيسية جابت الشوارع الرئيسية بالمدينة وأحيائها السكنية محملة برسائل توعوية عبر مكبرات الصوت وملصقات تحذيرية غايتها حث الساكنة على التقيد. بإرشادات الوقاية ومن جملتها عدم الخروج من المنازل إلا للضرورة القصوى وإلتزام قواعد النظافة الصحية.

وحرصا على إستقرار الأسعار وضمان وفرة مختلف المواد الغذائية الأساسية والمنتجات الواسعة الإستهلاك في هذه الطرفية الإسثنائية، كثفت اللجنة الإقليمية المختلطة المكلفة بتتبع وضعية السوق المحلي من جولاتها الميدانية بكافة تمركزات المحلات التجارية ومستودعات التخزين حيث تأكد لها وفرة مختلف المواد التموينية بكميات تؤمن حاجات الساكنة المحلية وبأسعار معقولة، ففي الفترة الممتدة بين 2020/03 إلى 2020/12 بلغ عدد خرجات اللجنة 49 وتم مراقبة 1060 نقطة بيع حرر فيها ثلاثة مخالفات تتعلق بإشهار الأثمان، وبالنسبة لسنة 2021 بلغ عدد الخرجات 98 تم مراقبة 1673 نقط بيع، أعضاء اللجنة أهابوا بالتجار لتحليهم  بروح المسؤولية والنأي عن كل أشكال الإحتكار والمضاربة في الأسعار[30]

من جهة أخرى تم إحداث صندوق خاص لتدبير ومواجهة جائحة فيروس “كورونا”، رصدت له اعتمادات بمبالغ كبيرة، ساهم المجلس الجماعي للسمارة إلى جانب المجالس المنتخبة بتعويضات شهر عن مهامهم لفائدة الصندوق، الذي سيخصص للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، سواء فيما يتعلق بتوفير البنيات التحتية الملائمة أو المعدات والوسائل التي يتعين اقتناؤها بكل استعجال، ووضع الآليات والمعدات اللوجيستيكية والبشرية التي تتوفر عليها رهن إشارة مصالح ومؤسسات السلطة الإقليمية والدولة لمواجهة هذه الجائحة. وبالموازاة مع ذلك توزيع 6000 حصة من المساعدات الغدائية[31] المقدمة من طرف جهة العيون الساقية الحمراء تكفلت بتوزيعها عمالة الإقليم في تغييب تام للمجلس الجماعي.

ومما سبق نستنتج أن السلطات العمومية واجهت الجائحة بمقاربة مركزية، دون إشراك الجماعات الترابية على المستوى المحلي من خلال الاختصاصات الذاتية المتعلقة بالشرطة الإدارية، بل جعلت من عامل العمالة أو الإقليم والسلطات التابعة هم الفاعلون الأساسيون في ميدان المواجهة، وعززت هذه المقاربة بإحداث آليات مركزية صحية لمتابعة انتشار الجائحة أو اقتصادية لدراسة تداعياتها الإقتصادية من قبيل:

  • لجنة قيادة تتبع الوضعية الوبائية المكونة على الخصوص من وزارتي الصحة والداخلية إلى جانب الدرك الملكي ومصالح الطب العسكري والوقاية المدنية؛
  • اللجنة العلمية والتقنية الوطنية لدى وزارة الصحة المكلفة بتتبع الجوانب الطبية والعلمية المتعلقة بهذا الوباء وتوفير السند الطبي والعلمي المتخصص لقرارات الحكومة، ومواكبة التطورات المتسارعة التي تعرفها الحالة الوبائية؛
  • لجنة اليقظة الاقتصادية، التي تضم عددا من القطاعات الحكومية، إلى جانب الفاعلين الإقتصاديين وممثلي القطاع البنكي والمالي، والتي تكلفت بدراسة تداعيات الجائحة على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، وإقتراح حلول بشأنها.

وبالتالي، فإن المقاربة المعتمدة ببلادنا إقتصرت على القطاعات والمؤسسات العمومية ذات الإرتباط المباشر بمحاربة الجائحة وآثارها، ولم تعكس مكانة اللامركزية كخيار إستراتيجي ببلادنا خلال هذه المعركة، وذلك بعدم إشراك ممثلي الجماعات الترابية في أية هيئة مركزية ذات العلاقة بمحاربة الجائحة، بل وحتى على المستوى المحلي تباينت عملية إشراك بعض وليس كل رؤساء الجماعات الترابية في اللجن المحلية للتنسيق المحدثة لهذا الغرض.

واللافت في هذه الفترة الحضور البارز للشرطة الإدارية التابعة للسلطة التنفيذية (الولاة والعمال، القواد، الأمن، القوات المساعدة)  من خلال السهر على تنزيل التدابير التي ترمي إلى فرض الحجر الصحي والحد من تنقلات وتجمعات الأشخاص و بإغلاق المحلات المفتوحة للعموم خارج الأوقات المحددة، و بمراقبة الأسعار وكل التدابير التي تهدف إلى حفظ النظام العام والأمن العموميين، حيث نجد سند الشرطة الإدارية ذات الطابع التنفيذي في أحكام المادة الثالثة من المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية[32] 2.20.293 التي نصت على أنه “يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، جميع التدابير التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة “، فضلا عن تخويلهم حق اتخاذ أي قرار أو إصدار أي أمر تستلزمه حالة الطوارئ الصحية المعلنة، باللإضافة إلى المرسوم المحدد لإختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية، حيث تناط بهذه الأخيرة مهام:” الإدارة الترابية للمملكة والحفاظ على النظام والأمن العموميين”[33].

كل هذه الإختصاصات والصلاحيات التي تحددها النصوص القانونية سواء لمجالس الجماعات الترابية أو لرؤسائها تحيل إلى الدور الهام المنوط بالجماعات الترابية من أجل الحد من انتشار هذا الوباء، وهذا ما يمكنه أن يؤثر على عمل مجالس الجماعات، إذ لا يمكن لها إتخاذ إجراءات تتطلب موارد مالية  دون انعقاد الدورة وهو ما سيتم تأجيله إلى ما بعد تجاوز أزمة فيروس كورونا المستجد في جميع تراب المملكة.

وهذه المقاربة المركزية أعادت النقاش من جديد حول التمركز واللامركزية، فاعتماد التدابير الناجعة في فترة الجائحة ليس مرتبطا بمستوى التمركز واللامركزية، بقدر ما هو مرتبط بفعالية آليات التنسيق بين مختلف مستويات الإدارة محليا وجهويا ومركزيا، وعلى قدرة السلطات العمومية على تحديد الأولويات، تنزيل التدابير الموحدة، الدعم المشترك وتشجيع تبادل المعلومات بشكل يومي وحتى مع المواطنين، وهذا ما تم اعتماده في العديد من الدول، لذلك فإن وضع آليات أفقية وعمودية للتنسيق يعتبر مسألة ذات أهمية كبيرة سواء تم تدبير حالة الطوارئ مركزيا أو بشكل مشترك، فنظرا للدور المنوط بالجماعات في ظل اتساع اختصاصاتها وارتفاع منسوب وعي الناخبين[34] وتعاظم أدورها في تحقيق التنمية ومواجهة الأزمات، أصبح من الضروري إعادة النظر في اختصاصاتها ومواردها المادية والبشرية والعمل على الرفع من الخدمات التي تقدمها هذه الجماعات، ولن يتأتى ذلك إلا بتفعيل دور الدولة والجماعات الترابية والأحزاب السياسية في تأهيل الموارد البشرية وكذا تخليق الحياة الجماعية والتخفيف من صرامة الرقابة التي تمارسها سلطات المراقبة المتمثلة في العامل ورجال السلطة.

أن الإهتمام بتكوين المنتخب الجماعي والرفع من مستواه يشكل خطوة أساسية لتطوير التجربة اللامركزية بالمغرب وسيساهم لامحالة في ممارسة صلاحيته في مثل هذه الأزمات، حيث أن استفادة المنتخب الجماعي من سياسة تكوينية متكاملة ستمكنه أساسا من اكتساب المعارف الأولية والتدبيرية ليكون مؤهلا لتسيير الشأن العام المحلي، ويعتبر تفعيل دور الدولة والجماعات الترابية في هذا المجال من الشروط الضرورية والاجبارية، وذلك عن طريق إحداث مؤسسات متخصصة في سياسة التكوين والتأطير وكذا تنظيم دورات تكوينية وتدريبية لفائدة المنتخبين الجماعيين لتأهيليهم لممارسة صلاحياتهم الدستورية وتأهيليهم لموجهة مثل هذه الأزمات الصحية الطارئة.

وضرورة إشتراط مستوى تعليمي محترم لممارسة المهام الانتدابية خصوصا رئيس المجلس ونوابه، حيث أن حجم الصلاحيات والسلط الممنوحة للرئيس ولأعضاء المجلس في ظل القوانين التنظيمية الجديدة، تستدعي أن يكونوا على إلمام كبير بالنصوص التنظيمية والقانونية التي تساعدهم على ممارسة صلاحياته بشكل صحيح وبالتالي ضمان جودة التسيير المحلي. ومن المداخل الرئيسية أيضا لتعزيز مكانة الجماعات ورؤسائها في تدبير مثل هذه الأزمات الطارئة لتخليق الحياة الجماعية، وضرورة التوفر على نخب مفعمة بما يكفي من روح المواطنة والأخلاق الحميدة ونكران الذات وتغليب المصلحة العامة عن الصالح الشخصية والحزبية. وإذا كان من درس بليغ الدلالات والمعاني السياسية قد أجادت به جائحة كورونا إذ “رب ضارة نافعة”، فمضمونه: لم يعد تنزيل الجهوية المتقدمة بالمغرب يحتمل المزيد من التأخير، لأنها هي المدخل الحقيقي لتجاوز تبعات كورونا إقتصاديا وإجتماعيا، لبناء نموذج تنموي جديد يجعل من التنمية الجهوية غايته، كما يجب أن تشكل حالة الطوارئ الصحية درسا يجب الإستفادة منه لتطوير الإدارة الالكترونية والخدمات عن بعد على مستوى مجموع الجماعات الترابية.

ولمواجهة جائحة كورونا ليست من مسؤولية الدولة والسلطات العمومية، هي مسؤولية مشتركة مع مكونات المجتمع المدني تغيير العقليات، لبناء مغرب الجهات، والصلاحيات التي تبين المكانة المهمة والأساسية للجماعة كمكون وفاعل أساسي ومحوري في التنظيم الإداري اللامركزي، ستجعل المنتخب المحلي يلعب دورا أساسيا في صنع السياسات العمومية[35]التي تمس جميع الجوانب المتعلقة بحياة المواطنين، خصوصا أن دوره لم يعد حياديا يقدم خدمات الإدارية المحضة، بل إمتد إلى مجال التدخل الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والبيئي والصحي الأمر الذي أصبحت بموجبه الجماعة تقوم بكل الأشغال التي تدخل في ميدان تنميتها كبرمجة المشاريع التنموية بترابها. ليبقى السؤال ما هي مسؤولية الأحزاب السياسية في تغيير عقليات التدبير الجهوي والمحلي؟

المراجع

مجلات ومقالات

بونعمان سلمان، “النخبة المحلية في النسق السياسي المغربي”، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والإقتصاد، العدد 11/12، 2009، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء.

بناني عثمان، “مدينة الرباط أعيانها في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين 1830-1912″، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، العدد 11-21، 1998، الرباط.

رشيدة بيدق، الفاعل الترابي وتحقيق السياسات العمومية على ضوء القانون التنظيمي رقم 113-14، مجلة المنارة للدراسات القانونية والادارية عدد خاص، 2017.

  • أحمد أزرقان،أدوار الجماعات الترابية في مواجهة جائحة فيروس كورونا كوفيد -19 والدروس المستخلصة، باحث بماستر الحكامة وسياسة الجماعات الترابية بتطوان، بتاريخ 24/05/2020.

أطروحات ورسائل

خالد بنجدي، “طبيعة المشاركة السياسية من خلال الإنتخابات الأخيرة إقتراع 14 نونبر 97″، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط 2002- 2004.

عمر بوتغناش، “صناعة النخبة المحلية بين جدلية الإستمرار ورهان التغيير”نموذج اقليم اسا الزاك 1983-2009 رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة محمد الخامس السويسي 2011/2012.ص: 12.

سعيد غيلان، النخبة المحلية في أسا الزاك / التجربة الجماعية 1983/2009 رسالة لنيل شهادة الماستر ، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال 2011 .

قايدي بوشعيب، “التحديث الإداري المحلي”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الأول ، كلية الحقوق، سطات، 2006-2007.

نصوص قانونية

ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011) الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011.

قانون 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات كما تعديله بقانون رقم 2.15.260 الصادر في 14 من جمادى الاخرة 1436 /ابريل 2015/، الجريدة الرسمبة عدد 6349 بتاريخ 16 جمادى الاخرة 1436 /6 ابريل 2015/، ص:3623، المصادق عليه بقانون رقم 43.15 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.96 بتاريخ 18 من شوال 1436 / 4 غشت 2015/، بالجريدة الرسمية عدد 6387 بتاريخ فاتح ذي القعدة 1436/17 غشت 2015/، ص: 7071.

القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.15.85 صادر في 20 رمضان 1436 الموافق ل 23 يوليوز 2015، المنشور بالجريدة الرسمية 6380 بتاريخ 6 شوال 1436 الموافق 23 يوليو 2015، صفحة 6660.

مرسوم قانون 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441 الموافق 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6867مكرر-29 رحب 1441 الموافق 24 مارس 2020، صفحة :1782.

  • مرسوم رقم 2.20.293 صادر في 29 من رجب 1441 (24 م ارس 2020( بإعالن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر – 29 رجب 1441 الموافق 24 مارس 2020، صفحة 1783.
  • مرسوم رقم 2.19.1086 صادر في 4 جمادى الأخيرة 1441 (30 يناير 2020) بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية، الجريدة الرسمية، عدد 6854، ص 621.

مواقع الكترونية

النقر للوصول إلى covid-19_markham_ar.pdf

https://openwho.org/courses/introduction-to-COVID-19-AR

https://www.aa.com.tr/ar

هشام العقراوي، “النخب المحلية وصناعة القرار المحلي”، طالب باحث حاصل على ماستر تدبير وافتحاص إدارات الدولة والجماعات الترابية.

https://web.facebook.com/guidexam/posts/1112350935528328/?_rdc=1&_rdr

لقاءات

لقاء مع رئيس قسم الشؤون الإقتصادية والتنسيق بعمالة إقليم السمارة

مراجع أجنبية

Remy LEVEAU, ” Le fellah marocain défenseur de trône “, Presse fondation des sciences politique. Paris 1985.

Jacques coenen _huthery, ” Sociologie des élites “, édition Armand Colin, collection cursus, Paris, 2004.

الهوامش:

  1. – الفصل 21 من دستور 2011، لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته.

    تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع.

  2. ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو 2011) الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011.
  3. – https://www.cancer.net/sites/cancer.net/files/covid-19_markham_ar.pdf
  4. – https://openwho.org/courses/introduction-to-COVID-19-AR
  5. – https://www.aa.com.tr/ar
  6. هشام العقراوي، “النخب المحلية وصناعة القرار المحلي”، طالب باحث حاصل على ماستر تدبير وافتحاص إدارات الدولة والجماعات الترابية. https://web.facebook.com/guidexam/posts/1112350935528328/?_rdc=1&_rdr
  7. بونعمان سلمان، “النخبة المحلية في النسق السياسي المغربي”، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والإقتصاد، العدد 11/12، 2009، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، ص: 93.
  8. – عمر بوتغناش، “صناعة النخبة المحلية بين جدلية الإستمرار ورهان التغيير”نموذج اقليم اسا الزاك 1983-2009 رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة محمد الخامس السويسي 2011/2012.ص: 12.
  9. – بونعمان سلمان، مرجع سابق، ص:07.
  10. – سعيد غيلان، النخبة المحلية في أسا الزاك / التجربة الجماعية 1983/2009 رسالة لنيل شهادة الماستر ، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال 2011 .
  11. – بناني عثمان، “مدينة الرباط أعيانها في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين 1830-1912″، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، العدد 11-21، 1998، الرباط، ص:301.
  12. -قايدي بوشعيب، “التحديث الإداري المحلي”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الأول ، كلية الحقوق، سطات، 2006-2007.
  13. -Remy LEVEAU, ” Le fellah marocain défenseur de trône “, Presse fondation des sciences politique. Paris 1985, p:248.
  14. -Jacques coenen _huthery, ” Sociologie des élites “, édition Armand Colin, collection cursus, Paris, 2004. P :118.
  15. – قانون 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات كما تعديله بقانون رقم 2.15.260 الصادر في 14 من جمادى الاخرة 1436 /ابريل 2015/، الجريدة الرسمبة عدد 6349 بتاريخ 16 جمادى الاخرة 1436 /6 ابريل 2015/، ص:3623، المصادق عليه بقانون رقم 43.15 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.96 بتاريخ 18 من شوال 1436 / 4 غشت 2015/، بالجريدة الرسمية عدد 6387 بتاريخ فاتح ذي القعدة 1436/17 غشت 2015/، ص: 7071.
  16. – خالد بنجدي، “طبيعة المشاركة السياسية من خلال الانتخابات الأخيرة اقتراع 14 نونبر 97″، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط 2002- 2004.
  17. القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.15.85 صادر في 20 رمضان 1436 الموافق ل 23 يوليوز 2015، المنشور بالجريدة الرسمية 6380 بتاريخ 6 شوال 1436 الموافق 23 يوليو 2015، صفحة 6660.
  18. رشيدة بيدق، الفاعل الترابي وتحقيق السياسات العمومية على ضوء القانون التنظيمي رقم 113-14، مجلة المنارة للدراسات القانونية والادارية عدد خاص، 2017، ص191.
  19. المادة 83 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.
  20. المادة 100 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات
  21. – المادة 34 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.
  22. – المادة 86 من القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات
  23. أحمد ازرقان، أدوار الجماعات الترابية في مواجهة جائحة فيروس كورونا كوفيد -19 والدروس المستخلصة، باحث بماستر الحكامة وسياسة الجماعات الترابية بتطوان، بتاريخ 24/05/2020 ص 13.
  24. إقليم السمارة، أنظر الموقع الالكتروني: https://www.marefa.org/%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A9
  25. مرسوم قانون 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441 الموافق 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6867مكرر-29 رحب 1441 الموافق 24 مارس 2020، صفحة :1782.
  26. هشام ودرة، الجماعات ودورها في تدبير الجائحة تغييب ممنهج أم إخفاق في فهم الأدوار؟ نقلا عن: https://web.facebook.com/Achkayenpress/posts/1641255212718056/?_rdc=1&_rdr

    تاريخ الزيارة 31/01/2022 على الساعة 20:42 مساءا.

  27. هشام ودرة، مرجع سابق.
  28. الفصل 31 من دستور 2011 تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
    –         العلاج والعناية الصحية؛
    –         الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛
    –         الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛
    –         التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛
    –         التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛
    –         السكن اللائق؛
    –         الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي؛
    –         ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق؛
    –         الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة؛
    –         التنمية المستدامة.
  29. الفصل 40 من دستور 2011 على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.
  30. قسم الشؤون الإقتصادية والتنسيق بعمالة إقليم السمارة
  31. https://saharatodos.ma/?p=10085
  32. مرسوم رقم 2.20.293 صادر في 29 من رجب 1441 (24 م ارس 2020( بإعالن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر – 29 رجب 1441 الموافق 24 مارس 2020، صفحة 1783.
  33. المادة الأولى من المرسوم رقم 2.19.1086 صادر في 4 جمادى الأخيرة 1441 (30 يناير 2020) بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية، الجريدة الرسمية، عدد 6854، ص 621.
  34. هشام ودرة، مرجع سابق.
  35. رشيدة بيدق، الفاعل الترابي وتحقيق السياسات العمومية على ضوء القانون التنظيمي رقم 113-14، مجلة المنارة للدراسات القانونية والادارية عدد خاص، 2017، ص:193.