المـدارس الجماعاتية ودورها في الحد من ظاهرة الانقطاع عن الدراسة – دراسة ميدانية لحالة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين فــاس/ مـكـنــاس

د. عـبـد اللطيف اسـبـيـرتـــو1، د. أمــــــزيــــــــــغ عـبــد اللـطــيــف2، د. فــــــؤاد لـكـحــــل3

1 أسـتـاذ مـكـون بـالـمـركـز الجهوي لمهن التربية والتكوين جهة، فاس/ مكناس، المغرب، البريد الالكتروني : abdellatifsbiritou@hotmail.com

2 بـاحـث فـي الـتـاريـخ الـجـهـوي للـجـنـوب الـمـغـربـي، وقضايا واشكالات منظومة التربية والتكوين، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جـامـعـة ابـن طـفـيــل، القنيطرة، المغرب، البريد الالكتروني : amazigh10abdellatif@gmail.com

3 أسـتـاذ مـكـون بـالـمـركـز الجهوي لمهن التربية والتكوين جهة، مراكش/ آسفي، المغرب. البريد الالكتروني: fouadlakhal@hotmail.com

HNSJ, 2022, 3(9); https://doi.org/10.53796/hnsj3917

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/09/2022م تاريخ القبول: 15/08/2022م

المستخلص

دفعت ظاهرة الانقطاع عن الدراسة وما يترتب عنها من هدر مدرسي وانعكاساته، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في المغرب إلى بدل جهود كبيرة من أجل الحد منها، وذلك من خلال توسيع نطاق برامج التدخل ووضع مقاربة وقائية وعلمية، حيث تم العمل على إرساء خلايا اليقظة وخاصة في العالم القروي، ووضع برامج للمواكبة التربوية لفائدة التلاميذ المتعثرين، بالإضافة إلى إرساء استراتيجية محكمة تستهدف الدعم التربوي والاجتماعي (برنامج “تـيـسـيــــر”، برنامج “مليون محفظة”)، قصد الرفع من نسبة المتمدرسين والاحتفاظ بهم لأطول مدة ممكنة داخل الفصول الدراسية، تحقيقا لهدف إلزامية التعليم ومجانيته إلى حدود 15 سنة.

وفي هذا الإطار، تعد المدرسة الجماعاتية أحد أشكال التدخل للحد من ظاهرة الهدر المدرسي، لما تقدمه من حلول علمية وعملية للعديد من الاكراهات التي تواجهها منظومة التربية والتكوين في المملكة المغربية. لذلك شكل هذا المشروع موضوع هذا العمل من خلال خمس مدارس جماعاتية بجهة فاس/ مكناس.

بناء عليه، فما المقصود بالمدرسة الجماعاتية في المغرب؟ وما سياق إحداثها؟ وإلى أي حد أسهمت في الحد من الانقطاع عن الدراسة خاصة في صفوف الفتيات؟ وأخيرا، أية اقتراحات لتقوية دورها للحد من ظاهرة الانقطاع عن الدراسة؟

الكلمات المفتاحية: المدرسة الجماعاتية، الوسط القروي، الانقطاع عن الدراسة، مقاربة النوع.

Research title

The school dropout: A case study of the role of Communal schools in reducing school dropout in the regional academy of education and training Fes / Meknes

Dr. Abdel-Latif Esperto 1, Dr. Amazigh Abdel Latif 2, Dr. Fouad Lakhal 3

1 Professor Emeritus at the Regional Center for Professions of Education and Training Region, Fez / Meknes, Morocco, e-mail: abdellatifsbiritou@hotmail.com

2 Researcher in the regional history of the south of Morocco, issues and problems of the education and training system, Faculty of Arts and Humanities, Ibn Tofail University, Kenitra, Morocco, email: amazigh10comdellatif@gmail.

3 Professor Emeritus at the Regional Center for Professions of Education and Training Region, Marrakech/Safi, Morocco. Email: fouadlakhal@hotmail.com

HNSJ, 2022, 3(9); https://doi.org/10.53796/hnsj3917

Published at 01/09/2022 Accepted at 08/08/2021

Abstract

Dropping out of school has led the Moroccan Ministry of National Education to make significant efforts to reduce it by launching intervention programs and developing preventive and practical approaches. Therefore, the ministry of education and training in Morocco established vigilant groups especially in rural areas, developed educational support programs for underperforming students, and launched a new strategy targeting educational and social support such as “Tayseer” program, “One Million schoolbag” program with the aim of reducing dropout rate to achieve the goal of compulsory and free education up to 15 years. In this context, communal schools present practical solutions to reduce the phenomenon of school wastage and other constraints that the educational system suffers from in Morocco. Therefore, this study addresses this problem through five communal schools in the Fez/Meknes region. Accordingly, this study starts with defining the communal school and the context of its creation. It also highlights its contribution to reduce school dropout, especially among girls, and finally provides suggestions and implications to strengthen its role to reduce the phenomenon of school dropouts.

Key Words: Communal school, rural community, school dropout, gender approach.

مـقــــدمـة:

ظــــــل الهـدر المدرسي من بين المعضلات الهيكلية الكبرى التي واجهت تحقيق تعميم التعليم وإلزاميته في المغرب، مما فرض تعدد المقاربات لتجاوز هذا الخلل التربوي والاجتماعي في الوقت نفسه، فكان إحداث المدارس الجماعاتية أحد النماذج الإصلاحية التي أخذت بعين الاعتبار لمعالجة هذه الاشكالية. وفي هذا الإطار، حددت الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين للمدرسة الجماعاتية جملة من الأهداف والغايات التي تصـبـــو إلى تطوير العرض المدرسي وتجويده، من بينها وأهمها ترسيخ البُـعـد المؤسساتي للمدرسة المغربية لدى المجتمع، وإشراك الساكنة في تدبيرها والإسهام في تسييرها، وتفادي الأقسام المتعددة المستويات أو ما يسمى بالأقسام المشتركة، بالإضافة إلى غاية أخرى تتمثل في أهمية العمل على التخلي التدريجي عن المدارس الفرعية، وترشيد الموارد البشرية والمالية من جوانب كثيرة ومتعددة، وتتبع المسار التربوي والتعليمي للمتمدرسين وفق رزنامة وحقيبة تربوية محكة، وأخيرا تدبير وتوفير خدمات الإطعام والدعم التربوي والاجتماعي، لاضطلاعها بدور رئيس في استقرار المتعلمات والمتعلمين بالمؤسسة وضمان تدبير ناجع للزمن المدرسي وبالتالي اكتسابهم لكفايات وتحصيل دراسي ناجح.

وإذا كانت تجارب بعض المدارس الجماعاتية في مناطق أخرى من المغرب، قد حققت جزء من مجمل هذه الأهداف وغيرها، فإن مدارس أخرى عجزت عن بلوغ الأهداف نفسها، وهو الواقع الذي يدفعنا إلى البحث والتحري عن مختلف الإكراهات والصعوبات، التي حالت دون تحقيق تجويد العملية التعليمية التعلمية من خلال نموذج هذه المؤسسات الجماعاتية، التي تعلق عليها الوزارة الوصية على القطاع وفئات مهمة من المجتمع آمالا كبيرة في تجاوز الوضع الراهن، والانتقال إلى نحو مدرسة الجودة والكفاءة التربوية.

الإشـكـــالـيـــة والـمـنهــج الــمـتـبـع فــي الـدراســة:

تُــعد المدرسة الجماعاتية أحد أشكال التدخل للحد من ظاهرة الهدر المدرسي، إذ ما فتئت تنتشر على الصعيد الوطني بوثيرة تثير فضول المهتمين بالشأن التربوي، لما تقدمه من حلول للعديد من القضايا والصعوبات الراهنة التي تواجهها منظومة التربية والتكوين ببلادنا، ولاسيما على مستوى ضمان منسوب مستقر ومتطور لنسب التمدرس بصفة عامة، وتمدرس الفتاة بالعالم القروي بصفة خاصة.

بهذا المعنى، نحن أمام دراسة إشكالية تربوية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية ونفسية …، وهي أبعاد تقتضي الاستحضار العلمي / التربوي لمفاهيم في غاية الأهمية من قبيل الملاحظة والتجربة والمقارنة، وهو الأمر الذي يستوجب ضرورة المزاوجة بين التوظيف النظري للمعارف والمعطيات باختلاف نوعها ومصادرها (مذكرات وزارية – القانون الإطار …)، والعمل الميداني الذي يعتمد على الحصول واستقصاء البيانات، والوقوف على المتغيرات الحقيقية التي من شأنها إغناء هذا الموضوع واقعيا، والاستفادة منه في بلورة استراتيجية تعود بالنفع على تنمية وتطور التعليم بالسلك الابتدائي، وذلك وفق مقاربة علمية على مستوى المنهج والمعرفة.

بناء عليه، فإشكالية هذا المقال العلمي، قد تم دراستها بالتركيز على ثلاث نقط أساسية تتضمن معطيات تربوية هامة، أسهمت في التعريف بالمؤسسات الجماعاتية بالنطاق الجغرافي لأكاديمية جهة فاس مكناس، رغم حداثة العمل بهذه التجربة بالمملكة المغربية وحاجتها إلى المزيد من العمل وتضافر الجهود لإنجاحها، وتتجسد هذه النقط فيما يلي:

  • مجهودات الدولة من أجل تـمـــدرس تلميذات وتلاميذ العالم القروي؛
  • واقـــــــع الـمـــدارس الجماعاتية بجهة فاس مكناس؛
  • خدمات المدرسة الجماعاتية، وانعكاساتها على الحياة المدرسية وشخصية المستفيدات؛

أهـــــــــداف الــــــدراســـــة:

يأتي تناول هذا الموضوع في سياق أهمية تناول إحداث المدارس الجماعاتية بالوسط القروي بجهة فاس مكناس، والوقوف في الوقت نفسه على اشكالية محورية تتمثل في محاربة الهدر المدرسي بها، وذلك في إطار الإسهام في تحقيق الانصاف وتكافؤ الفرص في ولوج ميدان التربية والتكوين، الذي يُــشكل أحد الرهانات التي أولتها الدولة المغربية أهمية بالغة، وذلك من خلال تدخل مختلف القطاعات وجميع المسئولين كل من موقعه وطبيعة عمله ومهامه، خاصة المسئولين المعنيين بتدبير قطاع التعليم.

كما تهدف هذه الدراسة أيضا من خلال ما تم التوصل إليه نظريا وميدانيا إلى الإسهام في تجويد عمل المؤسسة المغربية عامة، والمؤسسة بهذه الجهة خاصة، بالإضافة إلى الوقوف على مدى عمل وتوظيف مسؤولي قطاع التربية والتكوين بهذه الجهة، لمضامين ومقتضيات المذكرات الوزارية، واستثمارهم العلمي والتربوي لمختلف الاستراتيجيات التي وضعتها الدولة بغية معالجة مشكل الهدر المدرسي، خاصة من داخل مفهوم المدارس الجماعاتية كحل يمكن اعتباره حلا جذريا وواقعيا لمعالجة هذه الظاهرة، التي مازالت آثارها حاضرة إلى حدود اليوم بنسب متفاوتة حسب المكان والزمان.

إن التساؤل عن مدى تطبيق الاستراتيجيات التربوية لمحاربة الهدر المدرسي من خلال المدارس الجماعاتية بهذه الجهة، بمثابة هدف تصبوا إليه هذه الدراسة العلمية من خلال معرفة مجموعة النقط من بينها وأهمها:

  • انخراط جميع الفاعلين الرسميين والفاعلين في المجتمع المدني في معالجة ظاهرة الهدر المدرسي (خاصة في صفوف الفتيات)؛
  • المواكبة الإيجابية لأكاديمية جهة فاس مكناس لتطور وإدراك مفهوم “النوع الاجتماعي” على المستوى الدولي والوطني؛
  • مدى العمل بمضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين: 1999 / 2000؛
  • مدى تبني وفهم البرنامج الاستعجالي (2009 / 2012)، وهو الذي جاء بمفهوم المدرسة الجماعاتية؛
  • مدى فهم واستيعاب الرؤية الاسترايجية للاصلاح (2015 / 2030) سواء على المستوى النظري أو التطبيقي / الواقعي؛
  • العمل بمضامين المذكرات الوزارية، ومن بينها المذكرة الوزارية التوضيحية رقم: (17X096)، بتاريخ 25 يوليوز 2017، والتي عالجت الهفوات القانونية حول المدارس الجماعاتية الابتدائية؛
  • مدى العمل بمضامين ومقتضيات القانون الإطار للتربية والتكوين 17/ 51 منذ سنة 2019م، وتأثيره على تطور مفهوم المدرسة الجماعاتية؛
  1. _ مجـهـــودات الــدولــة مــن أجـــل تـمــــدرس تـــلامـيـــذ العـالـــم الـقـــروي:

تــمــهــيـــــــد:

بعد استقلال المغرب، بذلت الدولة مجهودات كبيرة من أجل تمدرس أطفال العالم القروي، حيث تم إنشاء العديد من المجموعات المدرسية في مجالات تتميز بتشتت المساكن وتباعدها، مما صعب من ولــوج مرافقها وتحقيق تعميم التعليم في جميع المناطق الجغرافية. وقد فرضت هذه الوضعية (التشتت والتباعد) التربوية وفي الوقت نفسه ذات الأبعاد الأخرى خاصة الاجتماعية، على المتعلمات والمتعلمين قطع مسافات طويلة للوصول إلى مركز أو مقر المؤسسة التعليمية، وذلك في تحدي لمختلف الظروف والمشاكل خاصة المرتبطة بظروف الطقس وأمن المسالك والطرق المؤدية للمدارس، مما نتج عنه عزوف متزايد خاصة في صفوف الإناث، وبالتالي ارتفاع نسبة الانقطاع عن الدراسة، ومن خلالها نسبة الهدر المدرسي، الذي اضطرت معه الوزارة في إطار الرفع من نسبة التمدرس إلى التفكير في التخلي تدريجيا عن نموذج المدارس الفرعية، واستبداله بنموذج جديد حمل اسم المدارس الجماعاتية منذ تبني “البرنامج الاستعجالي 2009 – 2012”.

    1. – الــهــــدر والانـقـطـــــاع عـــن الــدراســــة، ومـفـهــــــوم مــقـــــاربــة الـــنــــــوع:

يقصد بالانقطاع عن الدراسة الذي تناولته العديد من الدراسات التربوية والسوسيولوجية والنفسية، عدم إتمام المتمدرس لمرحلة تعليمية معينة، وينبغي التمييز في هذا الإطار بين ثلاثة مظاهر لمفهوم الانقطاع التربوي: التسرب، وعدم الالتحاق، والفصل عن الدراسة، كما يدخل عدم إكمال البرنامج الدراسي ضمن هذا السياق.

بناء على هذه الاشكالية التي تؤرق منظومة التربية والتكوين، أصبح الوقوف على مفهوم “الهدر المدرسي” أمرا حتميا وبالغ الأهمية؛ وذلك باعتباره نتيجة لمشاكل سابقة ومتداخلة فيما بينها، واعتباره في الآن نفسه بمثابة حجم الفاقد من التعليم نتيجة الرسوب والانقطاع، وغيرهما من المفاهيم الأخرى التي تسير في هذا الاتجاه التربوي، والتي تنعكس سلبا على مستوى التحصيل الدراسي ومستقبل التلاميذ.

كما تنعت ظاهرة “الهدر المدرسي” أيضا في ارتباطها بعوامل ومدلولات سوسيولوجيا التربية (عدم التكيف الدراسي – التخلف الدراسي – التسرب …)، بأنها الفشل الدراسي للمتعلمات والمتعلمين، وهو فشل مرتبط بأسباب مختلفة (تأديبية، اجتماعية، نفسية،…) باختلاف نتائجها على شخصية التلميذ وعلى المجتمع ككل.

ونتيجة لتضافر هذه الظروف الحتمية على المستوى التربوي، استهدف الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999 / 2000) تجويد العملية التعليمية التعلمية من جوانب ومناحي كثيرة، بهدف الحد من ظاهرة الهدر المدرس ومن كل الأسباب التي تدخل ضمن مفاهيمها؛ ونذكر هنا عوامل استقطاب التلاميذ وحفزهم ومساعدتهم على النجاح، وذلك بتقريب المدرسة منهم، وتحقيق مختلف الشروط الأخرى التي من شأنها أن تسهم في تمــدرس المتعلمات والمتعلمين في أحسن الظروف، وفي تطبيق ناجع وواقعي لمفهوم مقاربة النوع الاجتماعي الذي يستهدف بالخصوص الفتاة أو التلميذة القروية، التي يجب أن تنال نصيبها من التعليم والتكوين وبناء شخصية المستقبل على جميع المستويات، وهي مجمل الشروط التي نستحضر بعضا منها كما وردت في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لأهميتها في إغناء موضوع هذه الدراسة العلمية، وذلك على الشكل الآتي في إطلالة أو مسح أو قراءة سريعة لهذه الوثيقة التربوية الهامة[1]:

​”الدعامة الأولى : تعـميم تـعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب

  • المادة  27: تبذل كل الجهود لاستقطاب جميع المتمدرسين, وضمان تدرجهم الدراسي على نحو متواصل, مواظب ومكلل بالنجاح على أوسع نطاق, للقضاء تدريجيا على الانقطاع والفشل الدراسي, والمتابعة المتقطعة أو الصورية للدراسة. ويدخل في عوامل استقطاب التلاميذ وحفزهم ومساعدتهم على النجاح, تقريب المدرسة من المستفيدين منها وفق مقتضيات المادة 160 والعناية بها, وتحقيق مختـــلف الشـــروط المنصوص عليـــها في المواد 139 إلى 143 من هذا الميثاق, وكذا المقتضيات المتعلقة بحفز المدرسين.

“الدعامة الرابعة عشرة :تحسين الظروف المادية والاجتماعية للمتعلمين والعناية بالأشخاص ذوي الحاجات الخاصة:

  • المادة  139 : تتم إعادة هيكلة المطاعم المدرسية وتدبيرها على أسس لامركزية، مع إشراك الفرقاء، وخاصة منهم الآباء والأولياء والتلاميذ في البرمجة والمراقبة، بحيث توفر هذه المطاعم وجبات غذائية سليمة على أوسع نطاق، خصوصا في الوسط القروي.

وتعمل مجالس تدبير المؤسسات على الاستفادة من الإمكانات المتوافرة في عين المكان، للتموين والطهي والتوزيع في أحسن شروط النظافة والاقتصاد والنظام والشفافية.

  • المادة 140 : تحرص كل مدرسة إعدادية تستقبل التلاميذ من الوسط القروي على أن تتوافر لها داخلية تستوفي كل شروط الصحة والراحة والمراجعة، ويشارك في الإشراف على حسن تسيير الداخليات مجلس تدبير المؤسسة، المحدث بموجب المادة  149 ب من الميثاق.

العناية بالأشخاص ذوي الحاجات الخاصة:

  • المادة 142 : رعيا لحق الأشخاص المعوقين، أو الذين يواجهون صعوبات جسمية أو نفسية أو معرفية خاصة، في التمتع بالدعم اللازم لتخطيها، تعمل سلطات التربية والتكوين، على امتداد العشرية الوطنية للتربية والتكوين، على تجهيز المؤسسات بممرات ومرافق ملائمة ووضع برامج  مكيفة وتزويدها بأطر خاصة لتيسير  اندماج الأشخاص المعنيين في الحياة الدراسية، وبعد ذلك في الحياة العملية.

ويتم كذلك فتح المعاهد والمدارس المتخصصة في هذا المجال، بشراكة بين سلطات التربية والتكوين والسلطات الحكومية الأخرى المعنية، والهيئات ذات الاختصاص على أوسع نطاق ممكن.

  • المادة 143 : تعزز مصالح الصحة المدرسية والجامعية، وتجهز وتؤطر على نحو  يضمن الوقايــــة الفعالة والعلاجات الأولية لكل تلميذ أو طالب، وذلك بتعاون وشراكة مع السلطة المشرفة على قطاع الصحة والمؤسسات الجامعية والتكوينية المختصة في هذا المجال، وكذا كل المنظمات ذات الاهتمامات الوقائية والصحية والطبية.

الدعامة السابعة عشرة: تنويع أنماط البنايات والتجهيزات ومعاييرها وملاءمتها لمحيطها وترشيد استغلالها، وحسن تسييرها:

  • المادة 160 :  يشترط في كـل بناية جديدة في قطاع التربية والتكوين الاستجابة للمتطلبات الآتــيــــة:
  • تقريبها أكثر ما يمكن من السكان المعنيين،
  • إدماجها في إطار الحياة الجماعية،
  • إدراجها ضمن مشروع للتنمية المندمجة، قائم على استثمار الدولة والجماعات المحلية والخواص في البنيات التحتية من طرق وتزويد بالمـــاء الشــــروب وكـــهرباء ومـــرافق صحية ومشــــاريع اقتصـــادية معينة،
  • مراعاة حاجات الأشخاص المعوقين حركيا،
  • فصل الملاعب والمرافق الرياضية أو إبعادها عن القاعات الدراسية والمختبرات والإدارة.

تسهر السلطات العمومية في إطار هذه المشاريع المندمجة على تشجيع نطاق التربية والتكوين وتنسيقه وتوسيعه، وعلى الأخص، التمدرس بالوسط القروي.

في حالة عدم التوافر الآني لشروط البناء المذكورة أعلاه، خاصة في المناطق القروية المعزولة، يتم اعتماد حلول تعويضية ومرحلية، مثل اللجوء  إلى وحدات متنقلة للتربية والتكوين أو تهيئة مرافق موجودة واستخدامها  للأغراض التربوية.

هذا حسب ما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999م / 2000م)، أما بالنسبة لمعالجة هذا الموضوع (الهدر المدرسي والتكرار وضعف نسبة تمدرس الفتيات على وجه الخصوص …) في سياق تتبع تدخل الدولة والوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين، وذلك من خلال البرنامج الاستعجالي (2009 / 2012)، فقد وضعت الحكومة مخططا لإحداث حوالي خمسون (50) مدرسة جماعاتية خاصة بالعالم القروي خلال سنوات تنزيل هذا البرنامج الاستعجالي، وهو ما نــــال استحسان وموافقة العديد من الجهات المهتمة بمشاكل وقضايا التربية والتعليم ببلادنا، حيث ركز هذا المخطط على انجاح مجموعة من المشاريع[2] الهادفة إلى تجويد العمل التربوي خاصة من خلال المدارس الجماعاتية.

وعلى نهج الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999م / 2000م)، والبرنامج الاستعجالي (2009 / 2012)، وفي سياق الجهود المبذولة لمحاربة الانقطاع والهدر المدرسي …، أقـــــرت “الرؤية الإستراتيجية للإصلاح” (2015 / 2030) التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، تحت شعار “من أجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء”، بالإكراهات التي ما مازالت تعترض تجويد العملية التعليمية التعلمية وإلزامية التعليم، وفي الوقت نفسه عملت على إرساء مدرسة جديدة تقوم على مفاهيم متعددة وذات أثر تربوي وعلمي مهم، ومن هذه المفاهيم نجد مفهوم الإنصاف وتكافؤ الفرص، بالإضافة إلى مفهوم الجودة البيداغوجية لاضطلاعها بدور تأدية مختلف وظائف التربية والتعليم والتكوين، بالاستناد على أطر مرجعية ومعرفية ومنهجية محكمة في بلورة استراتيجية مختلف مراحل وأسلاك التعليم المدرسي، والتعليم العالي والعتيق والتكوين المهني، هذا في استحضار علمي وتربوي لخصوصية كل مرحلة دراسية على حدة، وذلك عن طريق إعادة للنظر في مجمل المناهج والبرامج والطرائق البيداغوجية المعتمدة، بهدف إعادة البناء وتدبير الزمن الدراسي الذي من شأنه محاربة الهدر المدرسي[3] خاصة بين صفوف الفتيات القرويات، وتجاوز العديد من الصعوبات السابقة التي واجهت منظومة التربية والتكوين بعموم مؤسسات المملكة المغربية.

أما بالنسبة للقانون الإطار للتربية والتكوين (51.17) الصادر سنة 2019، وهو قانون وطني ملزم يحدد رؤية الاصلاح على المدى البعيد، فإن من بين أهم أهدافه تعميم التعليم وفرض إلزاميته بالنسبة إلى جميع الأطفال في سن التمدرس؛ وذلك من خلال محاربة الهدر والانقطاع المدرسيين بكل الوسائل المتاحة، والآليات التي يمكن توفيرها بمختلف الأشكال والطرق في انفتاح المؤسسة على محيطها الخارجي، وعقدها لشراكات مختلف مع العديد من الجهات الرسمية منها أو المدنية، بالإضافة إلى العمل على تحقيق هدف آخر يتمثل في إعادة إدماج المتعلمات والمتعلمين المنقطعين عن الدراسة في أحد مكونات منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، أو إعدادهم للاندماج المهني في سوق الشغل ومعرفة تطوره وحاجياته، وتوسيع نطاق تطبيق أنظمة التغطية الاجتماعية لفائدة المتمدرسين من ذوي الاحتياج، قصد تمكينهم من الاستفادة من خدمات اجتماعية تساعدهم وتحفزهم على متابعة دراستهم في ظروف مناسبة وملائمة.

وسعيا إلى تحقيق مجمل هذه الأهداف التربوية وغيرها، تم العمل من داخل القانون الاطار هذا، على توسيع نطاق تجارب المدارس الجماعاتية[4]، وخاصة في العالم القروي وذلك باعتبارها البديل التربوي الذي تتوخى منه الوزارة الوصية ومختلف المسؤولين والمتدخلين في العملية التعليمية التعلمية، محاربة الهدر المدرسي وخدمة التلاميذ وأسرهم ومحيطهم من جوانب متعددة ومهمة، تنعكس ايجابا على المجتمع من مناحي كثيرة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة ببلادنا، وهي تنمية لن تكون في معزل عن مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي، الذي يؤسس لميثاق إلزامية تعلم وتعليم الفتاة القروية ومواصلة انخراطها واستفادتها من الأوراش التنموية التي تعكف الدولة على انجازها وإنزالها.

وعلى اعتبار أن إشكالية الانقطاع عن الدراسة، ترتبط في المغرب على وجه الخصوص بالعالم القروي والعالم شبه الحضري، وتخص على وجه التحديد الفتاة أو التلميذة القروية، فقد وحد الاهتمام بهذه الظاهرة التربوية والاجتماعية في الوقت نفسه، جميع الفاعلين، سواء على المستوى الرسمي المؤسساتي التابع للدولة، أو على المستوى المدني من خلال جمعيات وهيئات ومنتديات مهتمة بهذا الموضوع، وذلك منذ أزيد من عقدين من الزمن على الأقـــل[5].

على المستوى الوطني، فقد تعددت الأحكام التي تضمنها دستور المملكة المغربية لسنة 2011م، والهادفة إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، خاصة منها تلك المتعلقة بمبدأ عدم التمييز القائم على نوع الجنس[6]، كما صادق المغرب ايضا في هذا الإطار على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1993)، هذا فضلا عن انخراطه واستثماره لمختلف القوانين الوطنية المغربية التي همت مجمل الميادين التي تكون فيها المرأة أو الفتاة طرفا مهما أو مؤثرا ( مثال: قانوني الالتزامات والعقود، والحالة المدنية).

أما على المستوى الدولي، فقد اهتمت المنظمات الأممية بمفهوم مقاربة النوع الاجتماعي، وهو المفهوم الذي اتخذ عدة أبعاد خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بفضل تزايد ضغط الهيئات الدولية وتطور وسائل الإعلام، مما مكن من تشخيص وفهم حجم الفوارق الحاصلة داخل المجتمعات والأمم وادراكها؛ وفي هذا السياق، وفي إسهام منه للرقي بالفكر والوعي الانساني، فقد وضع برنامج الأمم المتحدة للتنمية مقاربة تمييزية بين مفهوم الجنس والنوع الاجتماعي، وذلك بهدف الحيلولة دون التمييز بين الرجل والمرأة على أساس بيولوجي أو عرقي. كما نصت كذلك مختلف المؤتمرات والندوات التي عقدت تحت مظلة الأمم المتحدة على توصيات تدعو جميع الدول والحكومات إلى العمل على تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات، والعمل على إحقاق مبادى حقوق الانسان وترسيخها.

    1. _ الإطار المرجعي الخاص بالمدارس الجماعاتية، وأهـم وظــائفهـا التربوية:

أصدرت وزارة التربية الوطنية سنة 2016 دليلا وإطارا مرجعيا خاصا بالمدرسة الجماعاتية[7]، حيث يورد هذا الدليل تعريفا خاصا لهذه المدرسة ويحدد بنيتها التربوية ووظائفها، ثم أتبعتها فيما بعد بإصدار مذكرة وزارية[8] تكميلية؛ حاولت سد الفراغ القانوني والغموض الذي مازال يكتنف العمل التربوي من خلال هذا النوع من المؤسسات الجماعاتية الحديثة في الدولة المغربية، وذلك عكس غيرها من الدول الأخرى السباقة إلى هذه التجربة.

واستنادا على المستوى المرجعي القانوني المؤطر لهذا النوع من المؤسسات التربوية، فقد اعتبرت هاتين الوثيقتين (الدليل الوزاري 2016 – المذكرة الوزارية رقمX17 096) المدرسة الجماعاتية، بمثابة مؤسسة تعليمية ابتدائية عمومية، تهدف إلى إنعاش العرض المدرسي الابتدائي بالوسط القروي، وتشجيع تعميم التعليم والتمدرس ومحاربة الهدر والانقطاع الدراسي؛ حيث يتم السماح من خلالها لتلاميذ القرى بولوجها بكيفية منتظمة وبكيفية سهلة، وذلك في تجاوز للمشاكل السابقة المرتبطة على وجه الخصوص بظروف الفرعيات المدرسية بالمناطق الهشة والأقل تنمية.

وانتقالا إلى المستوى الوظيفي، فإنها تؤدي ثلاث وظائف مترابطة، وفي علاقة تكامل وتأثير وتأثر، إذ يمكن الحديث الوظيفي عنها علــى الشكــل الآتـــــــــي:

  1. – الــوظـــائـــف الـتــــربــويـــة: تُـتــرجم في الوظائف الأساسية للمدرسة العمومية المغربية، والتي تسمح للتلميذ باكتساب كفايات تنمي شخصيته من جوانب ومناحي مهمة وكثيرة، كما تسهم في بناء مستقبله المدرسي والجامعي والمهني، ويمكن تحديدها واجمالها فيما يلــــي:
  • التربية والتكوين وتأهيل التلميذ؛
  • التتبع الفردي للتلاميذ؛
  • الدعم البيداغوجي؛
  • التعليم الأولي حسب الطلب؛

ب) – وظــائــف مـــوازيـــة تــواصــلــيــــة: تُـعد المدرسة الجماعاتية، فضاء مناسبا للتفتح الذهني لدى المتعلمات والمتعلمين، وفضاء يسمح بتقوية مهاراتهم وقدراتهم التواصلية، وذلك عن طريق ممارسة عدة أنشطة موازية متنوعة ومختلفة باختلاف الموضوع التربوي أو الثقافي، الذي نستهدف منه تحقيق عدة غايات وكفايات هامة، والتي يمكن الوصول إليها من خلال عقد شراكة واتفاقيات مع جمعيات ومنتديات وهيآت رسمية ومدنية، وطنية ودولية، إلا أن تنظيم هذه الأنشطة الموازية يجب أن يتم خارج أوقات الدراسة، تفاديا لهدر الزمن المدرسي وضمان تفرغ التلميذ لها، وفي الوقت نفسه ضمان تنمية شخصيته وتنشئته الاجتماعية والثقافية المبنية على القيم الانسانية والوطنية.

ج) – وظـــائـــف اجـتــمــاعـيــة: تـقدم المدرسة الجماعاتية عدة خدمات اجتماعية لفائدة التلميذات والتلاميذ، وأيضا خدمات لفائدة الآباء وأولياء الأمور، بهدف تشجيعهم وحثهم على ضرورة وأهمية تمدرس أبنائهم وبناتهم.

ومن أهم الخدمات الاجتماعية للمدرسة الجماعاتية، نجــد:

  • التغذية المدرسية والداخلية؛
  • الأدوات المدرسية (مليون محفظة)؛
  • النقل المدرسي؛
  • الدعم المالي المشروط (برنامج “تـيـسـيــــر”)؛
  • مساكن جماعية للمدرسين لدعم استقرارهم محليا؛

إلا ان نجاح أي مؤسسة جماعاتية في أداء مهامها والوظائف المنوظة لها، بناء على المرجعية القانونية والتربوية، فإن لمسألة التدبير[9] الإداري والتربوي والمالي أهمية قصوى، لاضطلاعه بدور مهم في تدقيق وتحديد مختلف المهام؛ سواء المهام المرتبطة بالموارد البشرية التابعة للمدرسة الجماعاتية، أو المهام المنوطة بالمجتمع المدني، أو المهام الموكولة للجماعة الترابية وكل الشركاء باختلاف انتمائهم القطاعي أو الجمعوي.

فالتدبير الإداري والتربوي والمالي، يدخل ضمن اختصاص مدير المؤسسة وأطر الدعم الإداري، بالإضافة إلى مجلس التدبير باعتباره مجلسا يعين ويساعد المدرسة الجماعاتية على تسيير الشؤون الادارية والتربوية وتجويدها ماليا وديداكتيكيا وبيداغوجيا …، حيث يختص المدير في هذا السياق بإعداد وتسيير وتنفيذ الميزانية الخاصة بمشروع المدرسة، الذي يجب أن تتم المصادقة عليه من قبل مجلس التدبير السالف الذكر، وذلك في إطار اعتماد التدبير والعمل والتعاون الجماعي (المقاربة التشاركية)، باعتباره الأسلوب الموصـى به من طرف مختلف المتدخلين في استراتيجية نجاح مفهوم “المؤسسة الجماعاتية” (أنظر الشكل رقم: 01).

  1. – واقــــع الـمـــــدارس الـجـمــــاعــاتـيــة بــأكــاديـمـيــة جـهــة فــاس مـكـنــــــاس:

الخريطة رقم: 01

2_1)_ أثر الـدعــم الاجتماعي على تمدرس الفتاة القروية بالمدارس الجماعاتية بالجهة:

تدخل خدمات الداخلية والتغذية المدرسية ضمن الوظائف الاجتماعية للمدرسة الجماعاتية، وتُـــعد في هذا الإطار، الداخلية مرفقا ضروريا وأساسيا بالنسبة للتلاميذ، فكلما تم الاعتناء بمكوناته من قاعات الإيـــواء ومرافـق صحية وخدمات الإطعام والإيواء والترفيه…، كلما استفاد التلاميذ من ظروف الراحة وظروف التدريس والتعلم المناسبة، وهو ما يسهم في التقليل من حدة ونسبة الهدر أو الانقطاع المدرسي، وتحقيق نتائج جيدة على مستوى التحصيل الدراسي وأنشطة الحياة المدرسية، كما أن الخدمات الجيدة للداخلية تعوض التلاميذ (الأطفال) جزئيا عن فقدانهم للرعاية الأبوية المباشرة والدفء الأسري، وذلك رغم أن نظامها يجعلهم في حنين دائــم إلى حضن الأسرة وظروفها العاطفية والاجتماعية، وهي الظروف التي اضطلعت بدور رئيس في تزايد ظاهرة الانقطاع عن الدراسة واستفحالها، خاصة في صفوف الإناث التلميذات.

وفي هذا السياق التربوي الخاص بدارسة أثر الـدعــم الاجتماعي من خلال المؤسسات الجماعاتية؛ فقد تكونت عينة البحث الميداني الذي أنجزناه مع تلميذات وتلاميذ خمس مؤسسات بالجهة (ثلاث مدارس بمديرية الحاجب، واحدة بمديرية بمديرية مكناس، وواحدة بمديرية إفران)، من 114 تلميذة، وهو ما يمثل نسبة 70% من مجموع الإناث، ومن حوالي 112 تلميذ، وهو ما يمثل نسبة 44% من مجموع التلاميذ الذكور.

تبين من قراءة معطيات وإحصائيات هذا البحث الميداني وتحليلها، أن ما يزيد عن ثلثي المجتمع المبحوث (68،72%) يرى أن ظروف العيش في داخلية المدرسة الجماعاتية جيدة، وحوالي الخمس (21،68%) يرونها ذات ظروف متوسطة، بينما فقط 6،64% يرونها ظروفا ضعيفة وصعبة. وبذلك عبر أغلب المستجوبات والمستجوبين عن رضا مقبول عن أهم الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الأقسام الداخلية.

إلا ان ما نسجله بخصوص نتائج هذه الاحصائيات التربوية والاجتماعية في الآن نفسه، أنها تفسر وترتبط بمواقف المتعلمين وعواطفهم، التي تتحكم فيها العوامل التالية:

أ ) – العامل الموضوعي والذاتي: وهو الذي يفسر بتحديد وضعية الداخلية وظروفها، وأهم مرافقها وخدماتها، فكلما كانت الوضعية جيدة، كلما كانت كان ذلك مشجعا على التعلم والاستقرار وتقليل نسبة الانقطاع، خاصة في صفوف التلميذات، والعكس صحيح.

ب ) – العوامل الــذاتية / الشخصية: تتعلق أساسا بوضعية الأسرة؛ إذ كلما كانت وضعية الأسرة جيدة على المستوى المادي، والاجتماعي والثقافي، كلما عجزت الداخلية بالمدرسة الجماعاتية عن تعويض التلميذ عن دور الأسرة ومختلف ظروفها المعيشية، وبالتالي يصعب إرضاؤه، وكلما كانت وضعية الأسرة أكثر هشاشة، كان رضا التلميذ أو التلميذة عن ظروف الداخلية أكثر قبولا (أنظر الشكل رقم: 02).

يتبين من قراءة بسيطة للشكل أعلاه (الشكل رقم 02) أن أغلب المستفيدات والمستفيدين راضين عن جـــودة الأفرشة (83%)، وعن جودة الأغطية (أكثر من 60%)، وفي الوقت نفسه تعتبر ظروف الاستفادة من المرافق الصحية ظروفا كافية ونظيفة، وذلك حسب تصريح أكثر من 60% من المستجوبين من المتعلمات والمتعلمين.

إلى جانب الإطعام والإيواء (أكثر من 50 % راضون عن التغذية بالداخلية) تستفيد التلميذات والتلاميذ من عملية مليون محفظة، كما تستفيد أسرهم من برنامج “تــيـــســـيــــــر” رغبة في الحد من الانقطاع عن الدراسة، وبالتالي التقليل من حدة الهدر المدرسي وتدبير الزمن الدراسي بشكل بيداغوجي وعلمي.

وعلى ضوء ما تقـــدم، فهل واكب استفادة التلاميذ وخاصة الفتيات من الدعم الاجتماعي، تـدبـيـــر إداري ومادي ومالي كاف ومناسب بالمدارس الجماعاتية لجهة فاس مكناس؟

2-2)_ مـــدى إسـهـام مفهــوم الـتـدبـيـــر بالمدرسة الجماعاتية في الرفع من نسبة التمدرس والتحصيل الدراسي بالجهة:

إشكالية تربوية نناقشها من خلال ثلاثة مستويات تربوية وعلمية في الآن نفسه:
أ ) – على مستوى الوضعية الإدارية والتربوية / العلمية (الطاقم الإداري) بالجهة، نسجل ما يلي:

  • جل المديرين يتوفرون على تكوين جامعي ( شهادة الإجازة في الدراسات الأساسية على الأقل)، مما أهلهم لمواكبة مقاربات التدبير الحديث المتمظهر أساسا في الحكامة الجيدة (ماديا – ماليا – اجتماعيا … وصولا إلى نتيجة تحقيق التنمية التربوية)، بحيث أن متوسط تجربة كل واحد منهم تفوق على الأقل عشر سنوات في مجال تدبير مؤسسات التربية والتعليم العمومي بالمستوى الابتدائي؛
  • على مستوى التكوين الممهنن، جميع المديرين تندرج حالاتهم ضمن ما يسمى بوضعية “إسناد”، حيث مكنتهم الوضعية من الاستفادة من تكوين نظري وعملي على شكل دورات مكثفة خلال سنة دراسية، وهو تكوين يغطي جل الحقول التدبيرية الحديثة، كما استفاد أغلبهم من دورات في التكوين المستمر النظامي وغير النظامي؛
  • اعتماد كل المؤسسات موضوع هذه الدراسة الميدانية على المستوى التربوي، على أطر تقوم بمهام التدبير المادي والمالي والمحاسباتي؛

ب ) – على مستوى نقط قـــوة التدبير الإداري، ودوره في الرفع من نسبة التمدرس والتحصيل الدراسي بالجهة:

يتمثل إسهام التدبير في الرفع من نسبة التمدرس، وذلك في العديد من نقاط القوة التي تضمنتها مؤشرات الحكامة الجيدة، ومن أبرز مظاهرها بهذه الجهة، نذكر:

  • تسهيل العمل الإداري وترشيد النفقات، والحد من الهدر البشري والمالي؛
  • تطور نسب الاستقطاب من الروافد، وارتفاع الطلب على خدمات المؤسسة الجماعاتية؛
  • المساهمة في رفع مؤشرات التمدرس، ولاسيما في صفوف الفتيات، وذلك بفضل توفرها على بنية الاستقبال( الإيواء، التغذية، النقل المدرسي، التطبيب …)؛
  • ترشيد الزمن المدرسي للتلاميذ والأساتذة على حد سواء، وهو ما انعكس ايجابا على العملية التعليمية التعلمية من جوانب كثيرة، من أهمها الحد من انتشار الأقسام المتعددة المستويات؛
  • الإسهام في تنزيل مقاربة مدرسة الإنصاف والجودة، وتلـيـيـن الفوارق والتمايزات المجالية والتعليمية والإنسانية المهيكلة بين التلاميذ، الذين يدرسون بالفرعيات أو المناطق النائية التي لا توجد بها أصلا المدرسة أو الفرعية المدرسية؛
  • تزايد رغبة الأساتذة للاستفادة من السكن الوظيفي الملحق بالمدارس الجماعاتية، مما أثر إيجابيا على الزمن الدراسي، وبالتالي الرفع من المردودية والتقليل من حدة الانقطاع والهدر المدرسي.
  • توسيع وعــاء الدعم الاجتماعي المخصص في شكل منح، ليشمل بالإضافة إلى برنامج “تـــيـــســيـــــر” و”عملية مليون محفظة” جزءا مهما من المتمدرسات والمتمدرسين بالعالم القروي.

ج ) – على مستوى نقط ضعف التدبير الإداري، ودور ذلك في التقليل من أهمية المؤسسة الجماعاتية بالجهة:

يمكن إجمال نقط الضعف هذه، فيما يلي:

  • قــلــــة الأطر الإدارية ببعض المؤسسات الجماعاتية، بالإضافة إلى اشكالية عدم استقرار المديرين في مؤسساتهم، رغم توفر السكن الوظيفي الملحق بالمؤسسات التي يشتغلون بها، لأسباب مرتبطة على وجه الخصوص بإشكالية التوطين الجغرافي للمدارس الجماعاتية (أنظر الصورة أسفله: الصورة رقم: 01) واختيار المكان المناسب لتشييدها[10]؛
  • إثقال كاهل المديرين بمهام مكثفة ومتنوعة دون دعمه بالموارد البشرية اللازمة؛
  • نقص على مستوى الأندية التربوية، وصعوبة تفعيل الموجودة منها؛
  • انعدام ربط المدارس المعنية بشبكة الأنترنيت؛
  • صعوبة الاستجابة لمتطلبات الصيانة، بسبب ضعف الموارد المخصصة، وتعقد مسطرة الصرف؛
  • غياب القاعات المتعددة الوسائط، وقلة الوسائل والأدوات التعليمية المواكبة، مثل أجهزة التلفاز، والمسلاط العاكس، مما يعيق إنجاز العديد من الأنشطة التعليمية التعلمية وأنشطة الحياة المدرسية؛
  • الافتقار إلى قاعات المطالعة ومكتبات مجهزة بالكتب والمراجع والمصادر التربوية والعلمية؛
  • عدم استفادة التلميذات المستفيدات من بعض الخدمات الأساسية، مثل الاستحمام، رغم توفر بنيات وتجهيزات أعدت لهذا الغرض؛

الشكل رقم: 03: موضع وتصميم المدرسة الجماعاتية “آيــت حــرز الله”

المصدر: بحث ميداني نونبر 2018؛ 2018 Maps Google

الشمال

مطبخ ومطعم

داخلية ومرافق صحية

مكاتب إدارية

قاعات للتدريس والمطالعة

سكنيات وظيفية

ملعب رياضي

10 m

بستنة

بئر لسقي المجال الأخضر

ساحات وممرات مبلطة

بالرغم من تسجيل جملة الاكراهات والصعوبات المذكورة آنفا، فقد أسهمت تجربة المدارس الجماعاتية بأكاديمية جهة فاس مكناس في توفير العديد من الظروف والفرص التربوية المهمة، والتي أنصفت إلى حد ما تمدرس الفتاة على وجه الخصوص، ويظهر ذلك أساسا في تحسن المؤشرات التربوية الآتية:

  • الإنصاف المسجل بالنسبة لتمدرس الفتاة، مؤشر مشجع على تقوية وتدعيم التجربة؛
  • تحسن المؤشرات الخاصة بمستوى التحصيل الدراسي عموما؛
  • تزايد رغبة الأساتذة للاستفادة من السكن الوظيفي الملحق بالمدارس الجماعاتية، مما أثر إيجابيا على تدبير الزمن الدراسي، وبالتالي أسهم ذلك في الرفع من المردودية الدراسية وجودة التعليم؛
  • تعبئة وانخراط المجتمع المدني والجماعات الترابية بهذه الجهة، وذلك قصد تعميم هذه التجربة التربوية وتجويدها؛
  • التفكير في إمكانية تحول المدرسة الجماعاتية إلى مؤسسة للتنشئة الاجتماعية؛

اجمالا، رغم هذه التحولات الايجابية التي أسهمت المدارس الجماعاتية في بلورتها في هذه الجهة، فإن هناك العديد من الصعوبات باختلاف أنواعها تقف حائلا دون تحقيق العديد من الأهداف المسطرة والمشاريع التربوية الهادفة إلى تحقيق الجودة، ومن أبرزها الصعوبات القانونية والتنظيمية؛ حيث تفتقد العديد من المدارس الجماعاتية لإطار قانوني واضح ومتكامل، بالإضافة إلى إكراهات أخرى متمثلة على وجه الخصوص في العوامل والضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن فصل أطفال صغار عن أسرهم لأيام عديدة.

3)_ خدمات المدرسة الجماعاتية، وانعكاساتها على الحياة المدرسية وشخصية المستفيدات:

إذا كانت المنظومة التربوية تسعى بمختلف مكوناتها إلى تحسين النتائج الدراسية للتلاميذ، فإن للمدرسة الجماعاتية آثارا ايجابية في هذا الصدد، حيث اعترف أغلب المتدخلين بالتحول الايجابي لنتائج التلاميذ بعد استفادتهم من الخدمات التي وفرتها هذه المدارس، بل أن العديد من التلميذات ربطن بين متابعتهن للدراسة ومسألة إقامتهـن في المدرسة، بفعل ضعف حماس آبائهن لاستمرار تدريسهن نتيجة عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية على وجه الخصوص.

3.1) _ انـعـكـــاســـات عـلــى مـسـتـــــوى الـحـيــاة الـمــــدرسـيـــة:

يُـــستفـاد من المقابلة التي تم انجازها مع عـيـنــة ممثلة من مجموعة من التلميذات والتلاميذ، أن حوالي ثلاثة أربــاع المستجوبين أكدوا على تحسن نتائجهم الدراسية بشكل جيد، مع تفاوت نسبي لصالح التلميذات، بينما صـرح 24% منهم بتحسن نتائجهم بشكل نسبي، وهي نفس النسبة التي وردت في أجوبة الآبـــاء (أنظر خريطة رقم: 02 : درجة مساهمة المدرسة الجماعاتية في تحسين النتائج حسب الآباء).

الخريطة رقم: 02

يتبين من معطيات الخريطة رقم 02، وجود تباين ملحوظ في رأي الآبـاء من مؤسسة جماعاتية لأخرى، لكن رغم ذلك هناك قناعة وتأكيد من قبل الآباء والتلاميذ على حد سواء على دورها في تحسين نتائج متعلميها(شكل رقم: 04 )، مع العلم بوجود تفاوت فيما بينها، نظرا لتفاوت عدد المستويات بكل مدرسة جماعاتية (ثلاثة مستويات في كل من المدرسة الجماعاتية سبت جحجوح والمدرسة الجماعاتية واد الرمان، مقابل مستويين اثنين في المدرسة الجماعاتية تامشاشاط والمدرسة الجماعاتية آيت حرز الله)

تطور نتائج تلاميذ مالقسم الخامس بدرسة واد الرمان

الاتـــجاه العــــــام(إنــــاث)

شكل رقم: 04 : تطور نتائج المستوى السادس بالمدرسة الجماعاتية “واد الرمان” خلال المواسم الدراسية:

2014/ 2015 – 2015/2016 – 2016/2017 – 2017/2018

مصدر البيانات: المركز الإقليمي للامتحانات بالمديرية الإقليمية بمكناس، دجنبر 2018.

استنادا إلى معطيات الشكل رقم: 04، نسجل ملاحظتين أساسيتين:

  • أن الاتجاه العام لوثيرة نسبة النجاح في صفوف الإناث بالمستوى السادس عرفت تزايدا ملحوظا بمرور الزمن أو المواسم الدراسية، حيث انتقلت نسبة النجاح من 66،7 % خلال السنة الدراسية 2014/2015 إلى 91،6 % سنة 2017/ 2018، مما يؤكد التحسن الملموس الذي عرفته هذه الفئة في إطار الاهتمام بمقاربة النوع.
  • أن الاتجاه العام لوثيرة نسبة النجاح لدى الذكور تميل إلى التراجع، وفي الوقت نفسه غير مستقرة، حيث انتقلت نسبة النجاح من 37،5 % سنة 2014/2015 إلى 88،24 % سنة 2015/2016، لتتراجع إلى 58،6% سنة 2017/2018، مما يدل على تفوق الفتيات مقارنة بالذكور.

تروم الأنشطة الموازية الداعمة أو أنشطة الحياة المدرسية في سياق دراسة انعكاساتها على التلاميذ، تنمية شخصية المتعلمات والمتعلمين، وتنشئتهم تنشئة اجتماعية وثقافية تحترم وتتبنى القيم الانسانية، وتؤمن أيضا بالقيم الوطنية الراسخة في تاريخ الأمة المغربية، بالإضافة إلى العمل على إعدادهم لتحمل المسؤولية باختلاف أنواعها وطبيعتها، وذلك رغم التضارب الحاصل في البيانات المتوصل إليها في هذه الدراسة التربوية، سواء المرتبطة بالتلاميذ أو المرتبطة بالآباء؛ ففي الوقت الذي نجد فيه استحسان كبير لآباء وأمهات تلميذات وتلاميذ المدرسة الجماعاتية “تامشاشاط” فيما يخص ممارسة الأنشطة الموازية الداعمة التي تقدمها هذه المؤسسة لأبنائهم، نلاحظ وجود بعض الفتور بالنسبة لباقي المؤسسات الجماعاتية الأخرى، ويرتبط ذلك في الغالب بتفاوت التجهيزات الرياضية والثقافية وغير ذلك من الظروف الأخرى.

رغم هذا التفاوت، يبقى النشاط التربوي الذي لقي شبه إجماع مختلف المستفيدين، هو ما يتعلق بالدعم التربوي الذي انعكس ايجابا على نتائج المتعلمات والمتعلمين، وذلك كما يظهر من الاحصائيات السابقة الذكر المرتبة بالتحصيل الدراسي والنتائج المتحصل عليها، وقد ربط العديد من التلاميذ والمتدخلين بين هذه الأنشطة وتأمين زمن التعلمات، بإشكالية النجاح في التقليل أو الحد من ظاهرة التغيبات خاصة في صفوف الإناث.

3_2)_ المدرسة الجماعاتية بجهة فــاس / مكناس: إسـهـــام نـــــوعــــي فـــي تـنـمـيــة شخصية المستفيدات:

تأتي الفتاة إلى المدرسة ولديها شخصية تشكلت في الأسرة وفق معايير معينة وقيم ومبادئ واتجاهات خاصة، فتصبح ضمن وضعية تربوية واجتماعية وثقافية جديدة، مما يتطلب منها التعرف على شخصيات متعددة، والاحتكاك مع ظروف كثيرة ومختلفة باختلاف أسبابها ونتائجها، فيحدث بذلك تفاعل وتبادل ثقافي داخل المدرسة، وهو تبادل قائم على الأخذ والعطاء والتفاعل، خاصة في القسم الداخلي الذي تقضي فيه المتعلمة جل أوقاتها، وذلك تزامنا مع الزمن المدرسي، فتغني تجاربها الاجتماعية والثقافية وتتسع دائرة تواصلها، وهو الواقع الذي يختلف تماما عما اعتادته داخل فضاء أسرتها أو الفضاء القروي الذي تنتمي إليه.

انطلاقا من هذا الواقع الذي تجتمع فيه ظروف الأسرة بظروف الفضاء التربوي الجديد، طرحنا السؤال التالي على التلميذات والتلاميذ وآبائهن في هذه الدراسة الميدانية:

  • ما مدى ودرجة إسهام المدرسة الجماعاتية في تنمية شخصية المتعلمات والمتعلمين؟

توصلنا بأجوبة متباينة ومختلفة يعكسها المبيان التالي:

المصدر: بحث ميداني، نونبر2018

الشكل رقم: 05: درجة إسهام المدرسة الجماعاتية في تحسين شخصية التلميذات:

نستخلص من الشكل رقم: 05 أن هناك اعتراف ملحوظ بدور المدرسة الجماعاتية في تحسين وصقل شخصية المتعلمات، مع العلم بوجود اختلاف بخصوص هذه الإشكالية بين المدارس موضوع هذه الدراسة التربوية، واختلاف أيضا حسب الجنس (ذكور- إناث)؛ فبينما أجمعت تلميذات المدرسة الجماعاتية “تامشاشاط” والمدرسة الجماعاتية “آيت حرز الله” والمدرسة الجماعاتية “واد الرمان” على الدور الايجابي لهاتين المؤسستين في تحسين شخصيتهن وصقلها من مناحي كثيرة، فإنه في المدرسة الجماعاتية “سبت جحجوح” لم تصل النسبة إلى الثلثين.

وللتأكد من دور المؤسسة الجماعاتية بجهة فاس مكناس في تنمية شخصية مجمل التلاميذ (ذكورا وإناثا)، وتوسيع آفاقهم وطموحاتهم المستقبلية، أدرجنا سؤالا يتمحور عن الهدف البعيد الذي يطمحون إليه؟، فجاءت الأجوبة وفــق ما يلي:

الجدول رقم 01: الهدف المستقبلي من الدراسة حسب المستجوبات والمستجوبين من التلاميذ بالمدارس الجماعاتية قيد الدراسة الميدانية بالجهة:
المدرسة الجماعاتية الجنس أستاذ طيار شرطي عسكري طبيب نجار مهندسة حلاقة صحافية محامية مهنة متابعة الدراسة المجموع
واد الرمــــــــــــان إ 26% 0% 19% 0% 22% 0% 11% 4% 4% 0% 0% 0% 86%
ذ 10% 5% 45% 15% 10% 5% 0% 0% 0% 0% 0 0 90%
آيت حرز الله إ 14% 0% 33% 0% 33% 0% 14% 0% 0% 5% 0 0% 99%
ذ 11% 5% 32% 5% 21% 0% 16% 0% 0% 0% 0 0% 90%
تامشاشـــط إ 14% 0% 33% 0% 33% 0% 14% 0% 5% 0% 0 0% 99%
ذ 11% 5% 26% 5% 16% 0% 16% 0% 0% 0% 0% 11% 90%
سبت جحجوح إ 18% 0% 9% 0% 18% 0% 4% 0% 2% 2% 16% 11% 80%
ذ 19% 0% 9% 2% 7% 0% 4% 9% 0% 0% 2% 13% 65%
ج

المجموع

إ 18% 0% 20% 0% 25% 0% 10% 1% 3% 2% 6% 4% 89%
ذ 13% 2% 18% 5% 9% 1% 5% 5% 0% 0% 1% 6% 65%
المجموع إ+ذ 15% 1% 19% 2% 17% 0% 7% 3% 1% 1% 4% 5% 75%
المصـــدر: بحث ميداني، نونبر 2018

نستخلص من هذا الجدول أن تسعة أعشار الفتيات عبرن عن رغبتهن في متابعة الدراسة حتى الحصول على مهنة مشرفة، مقابل ثلثي الذكور. ويبدو طموح الإناث أكثر من الذكور، حيث احتلت مثلا الرغبة لامتهان الطب المرتبة الأولى بنسبة 25% عند المتعلمات، مقابل 9% لدى الذكور المتعلمين. وبذلك يتبين أن الإناث حريصات أكثر من الذكور على تحسين أوضاعهن الاجتماعية، والانخراط في الحياة العملية والثقافية، وهذا ما يؤكد على الإسـهـــام النـــــوعــــي للمدارس الجماعاتية بالجهة فـــي تـنـمـيــة شخصية المستفيدات وعقليتهن على جميع المستويات، خاصة المرتبطة بما هو مهني وسوسيو ثقافي.

خــــاتـــــــمــة:

أكدت معطيات هذا البحث التربوي من خلال الدراسة الميدانية المنجزة، وجود تأثير واضح للمدارس الجماعاتية في الحد من الانقطاع عن الدراسة، والتشجيع على التمدرس وتحسين مستوى التحصيل الدراسي، خاصة في صفوف الفتيات القرويات بجهة فاس مكناس، حيث استفدن من عدة ظروف مناسبة ومواتية لممارسة فعل التربية والتعلم، خاصة الظروف المرتبطة بالدعم الاجتماعي الذي أسهم إلى حد ما في الحد أو التقليل من الآثار السلبية للبنية التحتية الهشة، التي تميز أغلب مناطق المجال القروي بهذه الجهة المغربية.

غير أن ضعف الإطار القانوني والتربوي المنظم للمدرسة الجماعاتية، مازالت تأثيراته السلبية تلقي بضلالها على سير هذا المشروع، الذي تُــعلق عليه العديد من الأسر المغربية آمالا كبيرة في تحسين وتجويد العملية التعليمية التعلمية، وما يتعلق بها من أمور اجتماعية واقتصادية وثقافية، وهو الواقع الذي يفرض تكاثف الجهود من قبل جميع الفاعلين والمتدخلين المعنيين بتطوير المنظومة التربوية ببلادنا، وذلك بهدف تقييم حصيلة التجربة الجماعاتية المنجزة إلى حدود اليوم، وفي الوقت نفسه معالجة المشاكل التي رافقت تنزيل هذه المشاريع التربوية، خاصة تلك المشاكل المرتبطة بالخدمات الموازية، مثل النقل المدرسي وتدبير الموارد البشرية والمالية، بالإضافة إلى الدعم التربوي لأهمية في تحقيق الجودة على مستوى التحصيل الدراسي، وبناء شخصية متكاملة لدى المتعلمين مدرسيا وجامعيا ومهنيا … .

تــــوصـيـــــات الــــدراســة:

أفضت هذه الدراسة الميدانية حول إشكالية “المدارس الجماعاتية، ودورها في الحد من ظاهرة الانقطاع عن الدراسة بجهة فاس/ مكناس”، إلى أهمية وضرورة بلورة التوصيات العلمية الآتية، وذلك في الوقت الذي يمكن أن تُـــضاف إليها توصيات أخرى من هذه المنطقة أو تلك في إطار تبادل التجارب وإغنائها:

  • خلق هيأة أو لجنة مختلطة تضم كل الفاعلين والمتدخلين في تطوير منظومة التربية والتكوين في الجهة موضوع هذه الدراسة، حيث تعمل على القيام بدراسة دقيقة للحاجات الحقيقية لإنجاح مشروع المدارس الجماعاتية، كما تحث على ضرورة إشراك الجميع في إنجاز هذه المشاريع التربوية، وذلك منذ مرحلة الدراسة والتشخيص إلى مرحلة التخطيط والانجاز، ونهاية بمرحلة التقويم.
  • ضرورة المعالجة الحقيقية والمناسبة لمشكل النقل المدرسي، الذي مازال يطرح بقوة رغم الجهود التي بدلت، بسبب مجموعة من الظروف المتحكمة خاصة المرتبطة بوعورة المسالك القروية، والصيانة المستمرة لوسائل النقل، وهوما يتطلب تضافر الجهود الجماعية اداريا وماليا وماديا.
  • صياغة معايير جديدة في إسناد إدارة وتدبير المدارس الجماعاتية بالجهة، وذلك باعتبار هذا المشروع حديث العهد ومازال يحتاج إلى الدراسة والعمل المُـضني لإنجاحه، وذلك من خلال موارد بشرية مؤهلة ومتخصصة.
  • وضع برامج محددة وملزمة لأنشطة الدعم التربوي والأنشطة الموازية، نظرا لأهمية ذلك في انجاح هذا المشروع الذي يراد له الاستمرار، لاضطلاعه بأدوار مهمة وكثيرة خاصة على مستوى بلورة مفهوم مقاربة النوع، ومحاربة الهدر المدرسي وتكوين شخصية المتعلمات والمتعلمين.
  • ضرورة تنويع الشركاء بالانفتاح على منظمات وجمعيات المجتمع المدني والدولي، ناهيكم على ضرورة إعادة الاستعانة بالجهات الرسمية لصياغة استراتيجية جديدة تعود بالنفع على المدارس الجماعاتية، وذلك بالاستفادة من التجارب السابقة، سواء على مستوى هذه الجهة قيد الدراسة التربوية، أو على مستوى الإنفتاح على باقي الجهات المغربية.
  • تدارك الفراغ القانوني الخاص بالمدارس الجماعاتية، وذلك بالتمييز والفصل النوعي لنظامها عن النظام الأساسي الخاص بمجمل مؤسسات التربية والتعليم العمومي المتواجدة بالمجالات الحضرية أو الشبه حضرية، نظرا للإختلاف الحاصل بينها، سواء على مستوى البنية، أو المنهج الدراسي، أو العمل الإداري أو المالي والمادي.

الــدراســـات المعتمدة في إنـجــاز الـمـقـــال:

وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، البرنامج الاستعجالي (2009 / 2012)، المملكة المغربية، 2009م.

دسـتــــور المملكة المغربية، سنة 2011م.

وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، القانون الإطار 17/51، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، حافظة المشاريع، المملكة المغربية، 07 أكتوبر 2020.

  • وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999 / 2000)، المملكة المغربية.
  • وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المذكرة الوزارية رقمX17 096 بتاريخ 25 يوليوز 2017، المتعلقة بالاطار المرجعي الخاص بالمدارس الابتدائية الجماعاتية.
  • Ministère de l’éducation nationale et de la formation professionnelle, Guide référentiel de l’école communautaire, Rabat, 2016.

الهوامش:

  1. – وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المملكة المغربية، الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999 / 2000)، المواد: 27 – 139 – 140 – 142 – 143 – 160.
  2. – جاء البرنامج الاستعجالي (2009 / 2012) لتنفيذ وبلورة مجموعة من المشاريع التربوية الهامة، وذلك بما فيها المتعلقة بمفهوم “المدرسة الجماعاتية” التي كان ومازال ينظر إليها بمثابة الحل لتجاوز العديد من المشاكل خاصة في العالم القروي، ومن بين هذه المشاريع وأهمها، نذكر:

    •    المشروع 4 : تكافؤ فرص ولوج التعليم الإلزامي؛
    •    المشروع 5 : محاربة ظاهرتي التكرار والانقطاع عن الدراس؛

    •    المشروع 6 : تنمية مقاربة النوع في منظومة التربية والتكوين؛

    •    المشروع 9 : تحسين جودة الحياة المدرسية؛

    •    المشروع 17 : ترشيد تدبير الموارد البشرية لمنظومة التربية والتكوين؛

    •    المشروع 22 : ترشيد الموارد المالية وتوفيرها بشكل مستدام؛

    •    المشروع 23 : التعبئة والتواصل حول المدرسة؛

    للمزيد من التفاصيل التربوية حول هذه المشاريع، راجـــع:

    البرنامج الاستعجالي (2009 / 2012)، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المملكة المغربية، 2009م.

    • المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، رؤية إستراتيجية للإصلاح (2015 / 2030)، من أجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء، المملكة المغربية.- جاءت “الـرؤيــة الإسـتــراتـيـجـيــة للإصــلاح” (2015 / 2030)، بخصوص موضوع تجويد العملية التعليمية التعلمية ومحاربة الانقطاع عن الدراسة لأسباب مختلفة باختلاف نتائجها على المتعلمين، بالعديد من المقترحات أو الرافعات التربوية الهادفة والمهمة، وهي الرافعات التي نورد بعضها على الشكل الآتــــي لأهميتها:
      • الرافعة الأولى: تحقيق المساواة في ولوج التربية والتكوين؛
      • الرافعة الثانية : إلزامية التعليم الأولي وتعميمه؛
      • الرافعة الثالثة: تخويل تمييز إيجابي لفائدة الأوساط القروية وشبه الحضرية والمناطق ذات الخصاص؛
      • الرافعة الرابعة: تأمين الحق في ولوج التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة، أو في وضعيات خاصة؛
      • الرافعة الخامسة: تمكين المتعلمين من استدامة التعلم وبناء المشروع الشخصي والاندماج؛
      • الرافعة الثانية عشرة: تطوير نموذج بيداغوجي قوامه التنوع والانفتاح والنجاعة والابتكار؛
      • الرافعة الثامنة عشرة: ترسيخ مجتمع المواطنة والديمقراطية والمساواة؛
      • الرافعة التاسعة عشرة: تأمين التعلم مدى الحياة؛
      • الرافعة الثانية والعشرون: تعبئة مجتمعية مستدامة؛

      راجع بخصوص تفاصيل ومعطيات هذه الرافعات التربوية:

  3. – ورد مفهوم المدارس الجماعاتية ضمن مضامين ومشاريع القانون الإطار 17/51، راجع بهذا الشأن:

    وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، القانون الإطار 17/51، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، حافظة المشاريع، المملكة المغربية، 07 أكتوبر 2020، ص. 10 – 18 – 20 – 75.

    الظهير الشريف رقم 1.19.113 الصادر بتاريخ 09 أغسطس 2019 بتنفيذ القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي؛

  4. – هذا الموضوع التربوي الاجتماعي في الآن نفسه، من أبرز اهتمامات الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، وهي الخطة التي شكلت محور النقاش الصاخب الذي ناقشته أطياف المجتمع المغربي نهاية العقد الأخير من القرن العشرين وبداية الألفية الثانية.
  5. . راجع بهذا الخصوص:

    دسـتــــور المملكة المغربية، سنة 2011م، الــديـبــاجــــة.

  6. . Ministère de l’éducation nationale et de la formation professionnelle, Guide référentiel de l’école communautaire, Rabat, 2016, p. 17.
  7. . وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المذكرة الوزارية رقمX17 096 بتاريخ 25 يوليوز 2017، المتعلقة بالاطار المرجعي الخاص بالمـدارس الابتدائية الجماعاتية.
  8. – راجع بخصوص تـدبـيـــر المدرسة الجماعاتية:

    Ministère de l’éducation nationale et de la formation professionnelle, Op. cit., p11.

  9. – يتضح من معطيات الصورة أسفله (الصورة رقم: 01)، وجود تباين واضح فيما يخص مواضع ومواقع التوطين، وكذا التصاميم الهندسية للمدارس الجماعاتية المدروسة بهذه الجهة (أكاديمية فاس/ مكناس)؛ فإذا كان موضع المدرسة الجماعاتية “آيت حرز الله” وموقعها مناسبين في مجال منبسط غني بالموارد الفلاحية، وسهل الولوج من جميع الاتجاهات الجغرافية، وذات تصميم هندسي مناسب (أنظر الشكل رقم: 03)، فإن باقي المدارس الجماعاتية لم تستفد من الامتياز نفسه، حيث تضل المدرسة الجماعاتية “تامشاشاط” هي الأقل حضا واستفادة، وذلك بالمقارنة مع باقي المؤسسات الأخرى، إذ توجد في موضع منعزل لا تتوفر فيه أدنى المعايير الواردة في الإطار المرجعي الذي أصدرته الوزارة الوصية على قطاع التعليم، ناهيك عن سيادة الطرق غير المعبدة وغير المناسبة، مما يجعل التنقل من وإلى هذه المدرسة الجماعاتية، تكتنفه العديد من الصعوبات والظروف التي لا تسهم في محاربة ظاهرة الهدر والانقطاع عن الدراسة، ويكفي أن نشير إلى أن بعض التلاميذ يقطعون حوالي 60 كلم للالتحاق بها.