الممارسات العلاجية الشعبية بمنطقة دكالة (المغرب) دراسة أنثروبولوجية

يوسف بلفاسي1

1 جامعة ابن طفيل، القنيطرة – المغرب

بريد الكتروني: belfassi.youssef2018@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(9); https://doi.org/10.53796/hnsj394

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/09/2022م تاريخ القبول: 10/08/2022م

المستخلص

تهدف هذه الدراسة إلى البحث عن العوامل الثقافية المفسرة لسبب لجوء المرضى إلى الممارسات العلاجية الشعبية للتطبيب والاستشفاء بمنطقة دكالة. اشتملت عينة الدراسة على176 مريضا ممن استفادوا من العلاج الشعبي.

لقد بينت نتائج الدراسة أن للتراث الديني والاعتقاد بنجاعة أساليب العلاج الشعبي، والتجربة أهمية كبيرة في استمرار الممارسات العلاجية الشعبية بمنطقة دكالة بالمغرب.

الكلمات المفتاحية: أنثروبولوجيا، الممارسات العلاجية، العلاج الشعبي، المرض.

Research title

Popular Therapeutic Practices in the Doukkala Region (Morocco)

Anthropological study

Youssef Belfassi1

1 Ibn Tofail University, Kenitra, Morocco
Email: belfassi.youssef2018@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(9); https://doi.org/10.53796/hnsj394

Published at 01/09/2022 Accepted at 10/08/2021

Abstract

Through this study, we seek revealed cultural factors that explain orientation of patients to the Popular Therapeutic Practices, through a field study on a sample of 176 patients in doukkala region resorted to popular therapy.

The results showed that religious heritage and the belief in the effectiveness of popular therapy, and experience is of great importance in the continuation of popular therapy for the performance of its therapeutic function in the doukkala region of Morocco.

Key Words: Anthropology, Therapeutic Practices, Popular therapy, Disease.

مقدمة

تدخل هده الدراسة ضمن البحوث الأنثروبولوجية التي تهتم بالبحث في الطبيعة البشرية والوسائل العلاجية لدى الإنسان عبر التاريخ، والتي تؤكد أن الممارسات العلاجية الشعبية موجودة بدرجات متفاوتة في جل المجتمعات الإنسانية.

يعد المرض من أهم الظواهر التي تواجه صحة الإنسان وتهدد بقاءه، لذلك حرص هذا الإنسان دائما على حفظ صحته مستخدما أساليب وأشكالا علاجية شتى بحسب تجاربه واكتشافاته.

والمجتمع المغربي كغيره من المجتمعات الإنسانية له ارتباط وثيق بثقافته الغنية بالمعتقدات والتصورات والممارسات العلاجية الشعبية التي تنتشر في مناطق عدة ومنها منطقة دكالة.

وبالرغم من التطور التكنولوجي والاكتشافات العلمية التي شهدها الطب الحديث في علاج الأمراض ، ازداد الإقبال بشكل كبير على الممارسات العلاجية الشعبية للاستشفاء من الأمراض. قد يكون هذا الإقبال نابع بالأساس من التراث الديني، أو من نجاعة وفعالية الممارسات العلاجية الشعبية، أو من التجربة والخبرة التي خبرها المعالج الشعبي عبر الزمن في علاج الأمراض.

1 – إشكالية الدراسة

العلاج الشعبي هو عبارة عن مجموعة من الممارسات والتصورات المتصلة بصحة الإنسان ومرضه، يؤمن بها ويعتقد فيها اعتقادا جازما لاشك فيه، وبالتالي يغلب عليها الطابع التاريخي والرسوخ وسعة الانتشار. فمجال العلاج الشعبي أضحى متعدد الجوانب والممارسات والاعتقادات بتشعب موضوعاته وتخصصاته.

من خلال معايشتنا اليومية لمجتمع الدراسة، لاحظنا إقبال العديد من المرضى على الممارسات العلاجية الشعبية (تجبير العظام، الحجامة، التداوي بالأعشاب، الرقية، الكي،..) بمنطقة دكالة للتطبيب والوقاية من الأمراض، بالرغم من وجود مؤسسات الطب الحديث بالمنطقة.

بناء على ما سبق، جاءت إشكالية الدراسة كالآتي: ما هي العوامل الثقافية المفسرة للجوء المرضى بمنطقة دكالة إلى الممارسات العلاجية الشعبية للتطبيب والعلاج ؟

2- فرضيات الدراسة:

تفترض الدراسة ما يلي :

– ارتباط بعض الممارسات العلاجية الشعبية بالدين مما منحها نوع من القدسية.
– اعتقاد المرضى بنجاعة وفعالية الممارسات العلاجية الشعبية في علاج العديد من الأمراض.

– التجربة كأحد دوافع اللجوء إلى الممارسات العلاجية الشعبية.

3-مجال الدراسة

يتمثل مجال للدراسة في منطقة “دكالة”، التي كانت تمتد تاريخيا من شمال نهر أم الربيع إلى جنوب نهر تانسيفت وجبال الأطلس إلى أن تحدها قبائل حاحا والشياظما والسراغنة والشاوية، بل إن من الباحثين (أحمد بوشرب) من اعتبر أن دكالة ضمت جزءا من السراغنة والشياظما. ودكالة بهذا المعنى امتدت على مساحة أزيد من “7700 كلم”² بطول “170 إلى 180 كلم “و عرض “120 كلم” بالشمال و “30 إلى 35 كلم” بالجنوب. أما حاليا فالمنطقة يحدها من الشمال الشرقي إقليم سطات ومن الجنوب الشرقي إقليم قلعة السراغنة ومن الجنوب اقليم آسفي ومن الغرب والشمال الغربي المحيط الأطلسي.[1]

ومن ذلك، فمنطقة دكالة تقع في المنطقة الوسطى من خريطة البلاد، يحدها من الشمال والشمال الشرقي نهر أم الربيع، ومن الجنوب الشرقي كتلة الرحامنة، ومن الجنوب عبدة ومن الغرب والشمال الغربي المحيط الأطلنتي. وتنتمي دكالة حاليا إلى جهة الدارالبيضاء-سطات حسب التقسيم الجهوي الجديد. وتضم منطقة دكالة كلا من إقليمي الجديدة وسيدي بنور (انظر الشكل رقم 1)

شكل رقم : 1 موقع منطقة دكالة (اقليم الجديدة وسيدي بنور)

D:\مشاريع الدكتوراه\املف البحث الخاص\الدار البيضاء سطات.jpg

المصدر : http://magazine-geo.blogspot.com

4- تحديد المفاهيم والمصطلحات الخاصة بالدراسة

أنثروبولوجيا : إن مصطلح الأنثروبولوجيا Anthropologie ، مشتق من الكلمة الإغريقية Anthropoبمعنى الإنسان، و Logie بمعنى العلم، أي علم الإنسان.[2] (La science de l’omme)

ويتفق العلماء بأن علم الأنثروبولوجيا هو فرع حديث من العلوم الاجتماعية، يهتم بدراسة الإنسان بشكل عام باستعمال أدوات البحث الميداني. وقد تطور علم الأنثربولوجيا تاريخيا بدراسة المجتمعات البدائية التقليدية Les (sociétés primitives)، أو ما يعرف بدراسة الآخر ثقافيا واجتماعيا.[3]

ويضم علم الأنثروبولوجيا العديد من المجالات مثل علوم الإنسان، والعلوم الطبيعية والتاريخية..

– الممارسات العلاجية الشعبية :

تعرف الممارسات العلاجية الشعبية بكونها مجموعة من السلوكات التي يقوم بها أشخاص ذوي الخبرة والتجربة للحد من المرض أو التخفيف منه وتكون نابعة من ثقافتهم و بعيدة عن الممارسات الطبية الرسمية، سواء بتناول أدوية أو ممارسة شعيرة أو القيام بعادة من العادات بطريقة معينة.[4]

و تعرف المنظمة العالمية للصحة الممارسات العلاجية التقليدية بالمجموعة الكلية للمعارف والكفاءات والممارسات التي تعتمد على نظريات ومعتقدات وتجارب خاصة بثقافة مجتمع ما، والتي تستخدم للحفاظ على صحة الناس ومن أجل الوقاية من الأمراض وتشخيصها ومعالجتها بالنسبة للمرضى الذين يعانون من أمراض نفسية وجسدية.[5]

ومنه، فالممارسات العلاجية الشعبية عبارة عن سلوكات وممارسات يقوم بها أفراد من المجتمع اكتسبوا تجربة أوخبرة في علاج الأمراض. وتكون هذه الممارسات العلاجية مستوحاة من ثقافة المجتمع، وتسعى للحفاظ على صحة الأفراد والوقاية من الأمراض.

العلاج الشعبي :العلاج الشعبي هو علاج موروث عن السلف في جميع خصائصه، سواء العلمية منها أو الخرافية، فهو بمثابة مجموعة من المعتقدات الشعبية والممارسات العلاجية الطبية التي استعملت منذ الأزل لعلاج الأمراض بواسطة مجموعة من الأفراد ممن يعتقد أنهم يملكون الخبرة والقدرة على مداواة الناس.[6]

يحتوي العلاج الشعبي على مجموعة من الأساليب والطرق التي تسعى إلى تحقيق الراحة العضوية والنفسية للمريض، وقد ذكر لوفلين Laughlin أن العلاج الشعبي يضم كلا من الأساليب السحرية الدينية من جهة والأساليب الكيميائية الآلية من جهة ثانية، ولقد بين الباحث أن نجاح الجماعات الإنسانية لا يكون بالاعتماد على الأساليب الطبية الحديثة فقط، بل أيضا على استعمال الأساليب الشعبية في التطبيب والمداواة.[7]

وبهذا ، فالعلاج الشعبي هو مجموعة من المعارف والمهارات القائمة على الخبرات والمعتقدات التي تحتويها مختلف الثقافات وتنتقل من جيل إلى جيل، تستعملها للحفاظ على الصحة والوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية التي تهدد حياة الإنسان.

– المرض: يعرف المرض بكونه “اعتلال يصيب جسم الإنسان وصحته ويتضح هذا الاعتلال عادة من خلال الأعراض المرضية الإكلينيكية، سمات وعلامات المرض، ويكون ذلك في شكل تطوري يؤدي إلى عجز وظائف الجسم عن عملها ويتطلب العلاج”.[8]

هذا بالنسبة لتعريف المرض من وجهة النظر الطبية ، أما المفهوم الاجتماعي للمرض فيعنى به “حالة اجتماعية تضم تغييرا في السلوك وهو ظاهرة إنسانية تختلف باختلاف الثقافات، ففي حين أن المرض بمعناه البيولوجي يحدث مستقلا عن المعرفة والتقييم الإنساني الاجتماعي، والمرض بهذا المعنى ينشأ ويتطور عن طريق هذه المعرفة والتقييم الاجتماعي”.[9]

وفي هذا الإطار نجد الباحث “براون” يركز على الدلالات الاجتماعية والثقافية للمرض وأيضا الخلفية الاجتماعية له، الشيء الذي يبين أن المرض له جذور متأصلة في أعماق المجتمع من حيث الدلالة والتعامل والأسباب، بمعنى المرض ظاهرة من صنع المجتمع تتأثر بشكل مستمر بالواقع الاجتماعي.[10]

وبالتالي، يمكن تعريف المرض إجرائيا بأنه ظاهرة بيولوجية، اجتماعية وثقافية في آن واحد تعكس الواقع الثقافي الاجتماعي لمجتمع معين، فالمرض مفهوم يختلف معناه وتتعدد أساليب علاجه من مجتمع لآخر تبعا لخبراتهم ومهاراتهم الموروثة عن السلف.

5- الدراسة الميدانية

أولا : الإجراءات المنهجية:

أجريت الدراسة بمنطقة دكالة، (انظر الشكل رقم 1) وشملت العينة 176 مريضا ممن استفادوا من العلاج الشعبي. وقد استعملنا الاستبيان كوسيلة رئيسية لجمع المعطيات والبيانات الخاصة بعينة الدراسة، إضافة إلى مقابلات مع بعض الأفراد المترددين على الممارسات العلاجية الشعبية بالمنطقة.

وقد توسلنا في دراستنا بالمنهج الوصفي التحليلي الذي يقوم على جمع البيانات الوصفية حول الظاهرة، ثم تحليلها وتفسيرها وتصنيفها وقياسها واستخلاص النتائج لتعميمها.

ثانيا : نتائج الدراسة الميدانية:

تسعى هذه الدراسة الموسومة بـ الممارسات العلاجية الشعبية بمنطقة دكالة – دراسة أنثروبولوجية ” إلى البحث عن العوامل الثقافية المفسرة لإقبال المرضى بدكالة على الممارسات العلاجية الشعبية للتطبيب والوقاية من الأمراض.

1. توزيع أفراد عينة الدراسة حسب السن والجنس

1 الهوية الاجتماعية والثقافية للمترددين على الممارسات العلاجية الشعبية بدكالة

عملنا أثناء توزيع الاستمارات على عدم تحديد الفئة العمرية الخاصة بالمترددين على الممارسات العلاجية الشعبية ، بحكم أن جميع أفراد مجتمع الدراسة ذكورا وإناثا ومن مختلف المستويات الاجتماعية والثقافية، يترددون في كثير من الأحيان على مختلف أنواع الممارسات العلاجية الشعبية (التداوي بالأعشاب، تجبير العظام، الكي، الحجامة، الرقية..) ، سواء أكانوا شيوخا أو صبيانا أو رضعا أو شبابا من أجل التطبيب والاستشفاء.

وقد تم توزيع الاستمارات على الجنسين من مختلف المستويات والمهن.

جدول رقم :1 عينة من الأفراد المترددين على الممارسات العلاجية الشعبية بدكالة حسب الجنس

المجموع أنثى ذكر الجنس

السن (الفئة)

% العدد % العدد % العدد
9.65 17 5.11 9 4.54 08 30-40
38.06 67 23.29 41 14.77 26 50-41
52.27 92 36.36 64 15.90 28 51 فما فوق
100 176 64.76 114 35.21 62 المجموع

المصدر: إنجاز شخصي

شكل رقم 2 : نسبة المترددين على الممارسات العلاجية الشعبية بدكالة حسب الجنس

المصدر: إنجاز شخصي

يتضح لنا من خلال العينة المستجوبة و البالغ عددها (176) شخصا، منهم (114) امرأة، أن الإناث هي الفئة الاجتماعية الأكثر ترددا على الاستشفاء بالممارسات العلاجية الشعبية بنسبة

(% 64.77) مقارنة بالذكور التي بلغت نسبتهم %35.22 (انظر الجدول رقم 1). وما يلاحظ أيضا هو إقبال الفئة العمرية 51 سنة فما فوق على العلاج الشعبي، حيث احتلت المرتبة الأولى بنسبة (% 52.27). ويعزى ذلك إلى كونها الفئة الأكثر عرضة للأمراض، إضافة إلى تمسكها بالتراث العلاجي الشعبي بحكم معايشتهم لدوي الخبرة والتجربة في المجتمع الدكالي.

هذا إضافة إلى وجود تقارب بين الجنسين من المترددين على الطب الشعبي من فئة الشباب(الإناث %5.11 والذكور% 4.54) (أنظر الشكل رقم 2 )، الشيء الذي يبين بجلاء أن العلاج الشعبي لا يزال يتوارث بشكل متواصل إلى يومنا هذا.

جدول رقم : 2 توزيع المترددين على الممارسات العلاجية الشعبية بدكالة حسب المستوى الثقافي والعلمي بدكالة

أفراد العينة
المستوى التعليمي
المترددون على العلاج الشعبي بدكالة
العدد %
ابتدائي 36 20.45
ثانوي 25 14.20
جامعي 15 8.52
بدون مستوى تعليمي 100 56.81
المجموع 176 100

المصدر: إنجاز شخصي

شكل رقم 3 : نسبة المترددين على الممارسات العلاجية الشعبية بدكالة حسب المستوى

الثقافي والعلمي بدكالة

المصدر: إنجاز شخصي

نستشف من خلال (الشكل رقم 3) أن المستوى الثقافي والدراسي للمترددين على الممارسات العلاجية الشعبية بمنطقة دكالة يتوزع ما بين مستوى الابتدائي (%20.45) والثانوي (%14.20) ثم الجامعي(%8.52)، كما صادفنا خلال الدراسة الميدانية فئة كبيرة من أفراد مجتمع البحث دون مستوى تعليمي(%57.14) بسبب اقتناعهم بنجاعة وفعالية هذه الممارسات العلاجية في علاج الأمراض والوقاية منها.

ويمكن تفسير إقبال فئة ذوي المستوى التعليمي الثانوي أو الجامعي على الممارسات العلاجية الشعبية، مثل (العلاج بالرقية أو الحجامة أو النباتات الطبية..) بمدى وعي هذه الفئة بفعالية هذا النوع من العلاج الشعبي، الذي أثبتت التجارب المخبرية مدى نجاعته وفعاليته في علاج كثير من الأمراض التي استعصت على الطب الحديث.

3.العوامل الثقافية التي ساهمت في لجوء المرضى للمداواة بالممارسات العلاجية الشعبية

الجدول رقم 3 : دوافع لجوء المرضى إلى التطبيب بالممارسات العلاجية الشعبية بدكالة

العدد الإجمالي لأفراد العينة الدافع العدد النسبة المئوية
176 ديني 66 37.50
اعتقادي 54 22.72
التجربة 56 30.68

المصدر: إنجاز شخصي

شكل رقم 4 : النسبة المئوية لدوافع لجوء المرضى إلى الممارسات العلاجية الشعبية بمنطقة دكالة

المصدر: إنجاز شخصي

نلاحظ من خلال (الشكل رقم 4) أن الدافع الديني يأتي في المرتبة الأولى بنسبة (%37.50)، و يليه الدافع الاعتقادي بنسبة (%30.68 ) ، ثم التجربة بنسبة (%31.81 ).

1- الدافع الديني :

يعد الدين من أقدم أوجه نشاط العقل البشري وأوسعها شمولا، كما له أهمية كبرى في البنية الروحية والسيكولوجية للإنسان، ناهيك عن كونه ظاهرة تاريخية واجتماعية ت على أساس الولاء والتصديق والثقة. [11]

أ- مفهوم الدين :

جاء تعريف الدين في اللغة هو العادة ، لأن الناس لا تعيش غالبا من دون دين ، سواء كان دينا سماويا أم وضعيا، فالدين عادة إنسانية .

أما اصطلاحا ، فيعرف وليام جيمس الدين بأنه :((هو الأحاسيس والخبرات التي تعرض للأفراد في عزلتهم، وما تقود إليه من تصرفات، وتتعلق هذه الأحاسيس والخبرات بنوع من العلاقة، يشعر الفرد بقيامها بينه وبين ما يعده إلهيا”.[12]

أما اميل دوركايم فيعرفه بقوله: الدين مجموعة متماسكة من العقائد والعبادات المتصلة بالأشياء المقدسة ــ مميزة وناهية ــ بحيث تؤلف هذه المجموعة في وحدة دينية متصلة لكل من يؤمنون بها” ([13]).

عموما يقصد بالدين مجموعة من المعتقدات المتصلة بالإله وصفاته وعلاقته بالكون، إضافة إلى ما يتفرع عن هذه المعتقدات من قواعد اجتماعية للسلوك تمثل في نظر حكم الإله، تنظيم المجتمع وتحديد العلاقة بين أفراده.[14]

إن هذه المعتقدات الدينية تجعل الإنسان بدكالة ينظر إلى الممارسات العلاجية الشعبية، نظرة استحسان وتقبل لهذه الأنماط العلاجية الشعبية واعتمادها في الاستشفاء من الأمراض. ذلك أن الدين يمثل جزءا من الدوافع النفسية التي تدفع إلى السلوك الاستشفائي وتزيد في ترسيخه في نفسية المريض. هذا الأمر يجعل الأفراد الذين يترددون على الممارسات العلاجية الشعبية كالرقية والحجامة والتداوي بالأعشاب.. يشعرون بالراحة النفسية والاعتقاد في فعالية هذا النوع من العلاجات الشعبية.

وخلال دراستنا الميدانية توصلنا إلى أن هناك دوافع دينية لتردد الأفراد بدكالة على الطب الشعبي، حيث وجدنا نسبة % 37.50 من مجموع العينة البالغة عددها (176)، يقبلون على التداوي بهذه الأنماط العلاجية الشعبية، إضافة إلى أنهم يجدون عند ممارسي الرقية أو الحجامة الراحة والأمل والعقيدة التي تجعلهم يتقربون إلى الله عزوجل حسب اعتقادهم.

2- الدافع الاعتقادي

يمثل الاعتقاد تلك القوة الموجودة بكيان كل إنسان ، والتي تؤثر في توجيه الأفراد نحو الممارسات العلاجية الشعبية. ويجمع الأطباء على أن المريض يستمد قوته من صبره واعتقاده الراسخ في الشفاء. وفي هذا السياق نجد الدكتور أمين رويحة يقول ” …فالطب في الحقيقة علم لا محفوظات، والطبيب يساعد جسم المريض على القيام بوظائفه…أما الذي يتولى عملية الشفاء العجيبة الغامضة فهو الطبيب الذاتي الموجود في كيان كل إنسان وكل حيوان..”[15]

وفي هذا السياق يرى الباحث “ديفيد ويرنر” أن بعض الوصفات الطبية الشعبية لها تأثير مباشر على الجسم يساعد على الشفاء والبعض الآخر يؤثر بمجرد اعتقاد الأفراد بفائدتها. وخلال دراستنا الميدانية بمنطقة دكالة لاحظنا أن العديد من المرضى لهم اعتقاد كبير في الأنماط العلاجية الشعبية (%22.72).

إن نجاعة أساليب العلاج الشعبي وفائدتها هي السبب في توجه الأفراد بدكالة إليها. ذلك أن عجز الطب الحدييث في علاج بعض الأمراض المستعصية، يكون المريض مضطرا إلى التداوي بمختلف الأنماط العلاجية المتوارثة و المنتشرة بالمنطقة يمانا منه بفعالية هذه العلاجات الشعبية.

3- التجربة كأحد دوافع اللجوء إلى الممارسات العلاجية الشعبية

التجربة هي مجموعة من الأفكار والمعارف والممارسات الاجتماعية التي فرضت وجودها وفاعليتها ثم احتضنها المجتمع كسلوك اجتماعي لمواجهة المؤثرات الخارجية، أو لتحقيق احتياجات ورغبات الأفراد، أو لتوجيه خياراتهم. ولذلك يعتمد الفرد عادة على التجربة خلال اختياره للممارسات العلاجية الشعبية. وفي هذا الإطار نجد أن التجربة في مجال التداوي بالطب الشعبي تعد أهم الدوافع رسوخا في الذاكرة الشعبية، وذلك بسبب تأثير العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع .

و قد بينت دراستنا الميدانية أن العلاج الشعبي بدافع التجربة يعرف انتشارا واسعا بمنطقة دكالة، ذلك أن نسبة % 30.68 يترددون على الطب الشعبي بدافع التجربة المكتسبة نظرا لفرص الشفاء السري.

ومن بين الأنماط العلاجية الأكثر إقبالا بمنطقة دكالة، نجد العلاج بالأعشاب والنباتات الطبية، ثم الحجامة وتجبير العظام، والكي، والرقية.. وغيرها من الممارسات العلاجية الشعبية.

خاتمة

منذ القدم والإنسان يحاول علاج آلامه وأمراضه بالممارسات العلاجية الشعبية المتوارثة، والتي استمرت إلى يومنا هذا بفعل مجموعة من الدوافع منها، ماهو ديني واعتقادي، إضافة إلى دافع التجربة. هذه الدوافع جعلت الإنسان بدكالة يلجأ إلى مختلف الأنماط العلاجية الشعبية المتداولة ( التداوي بالأعشاب، الحجامة، الرقية، تجبير العظام..) قصد التطبيب والمداواة. و قد أكدت الدراسات العلمية الحديثة مدى فاعلية الممارسات العلاجية الشعبية، ناهيك عن كونها جزء من المعارف والعادات التي تكونت عبر الزمن وثبتت نجاعتها العلاجية.

قائمة المصادر والمراجع

  • – أحمد بيري الوحيشي، عبد السلام بشير الدويبي. (1989) .” مقدمة في علم الاجتماع الطبي، ليبيا: الدار الجماهرية للنشر والتوزيع والإعلان.
  • أومليلي، حميد/زكراوي ،حسينة .(2018).”ممارسات علاجية تقليدية بالمجتمع الجزائري” المجلة العربية نفسانيات، العدد 58.
  • بلفاسي، يوسف.(2014).”الموروث الثقافي بمنطقة دكاالة بين إشكالية الحفاظ ورهانات التنمية المستدامة “أولاد افرج وأولاد بوعزيز نموذجا”، بحث الماستر المتخصص “تراث وتنمية”، كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر، أكادير.
  • بلقاضي ، (محمد).(2013/2014).”الطب النبوي في الممارسة العلاجية الشعبية-أحواز تلمسان نموذجا“. رسالة لنيل شهادة الماجيستير، جامعة أبوبكر بلقايد تلمسان، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، الجزائر.
  • جارفيس،(1994). “الطب الشعبي -وصفات من الطب الشعبي بطريقة علمية“، ترجمة أمين روحية، لبنان.
  • رويحة، أمين.(1974). “التداوي بالإيحاء الروحي“، الطبعة الثانية، لبنان: دار القلم.
  • عبد السلام بشير الدويبي،(2005). “علم الاجتماع الطبي“، ط1 ، الأردن: دار الشروق.
  • ك.غ.يونغ.(1988). “الدين في ضوء علم النفس“، ترجمة وتقديم نهاد خياطة، الطبعة الأولى، دمشق: دار العلم.
  • محمد عباس ابراهيم،(2003). “المدخل إلى الأنثروبولوجيا”، مصر: دار المعرفة الجامعية الإسكندرية.
  • النشّار ،علي سامي.(1995) “نشأة الدين (النظريات التطورية والمؤلهة)”، ط1، حلب: مركز الإنماء الحضاري للدراسة والترجمة والنشر.
  • Augé.M. (2001).”Introduction à l’anthropologie.ed .Paris .Ballard.
  • James, William .(2008), The Varieties of Religious Experience, Published by Arc Manor, Printed in the United States of America
  • Richard (W) Lieban .)1977.( “The Field of Medical Anthropology In David Landy (ed), Culture, Disease and Healting, Studies in Medical Anthropology”,, USA. Macmillan publishing, Inc.
  • Yves Juvain, Partrick Roux. (2002). “Petit Larousse de la médecine“,2 ème édition. Montréal, Canada: Distributeur Messageries ADP.

الهوامش:

  1. – – بلفاسي، يوسف.(2014).”الموروث الثقافي بمنطقة دكاالة بين إشكالية الحفاظ ورهانات التنمية المستدامة “أولاد افرج وأولاد بوعزيز نموذجا”، بحث الماستر المتخصص “تراث وتنمية”، كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن زهر، أكادير. ص.8.
  2. – محمد عباس ابراهيم،(2003). “المدخل إلى الأنثروبولوجيا”، مصر: دار المعرفة الجامعية الإسكندرية. ص10.
  3. -Augé.M. (2001).”Introduction à l’anthropologie.ed .Paris .Ballard.p42
  4. – بلقاضي ، (محمد).(2013/2014).”الطب النبوي في الممارسة العلاجية الشعبية-أحواز تلمسان نموذجا“. رسالة لنيل شهادة الماجيستير، جامعة أبوبكر بلقايد تلمسان، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، الجزائر. ص14.
  5. -أومليلي، حميد/زكراوي ،حسينة .(2018).”ممارسات علاجية تقليدية بالمجتمع الجزائري” المجلة العربية نفسانيات، العدد 58، ص68.
  6. -جارفيس،(1994). “الطب الشعبي -وصفات من الطب الشعبي بطريقة علمية“، ترجمة أمين روحية، لبنان . ص .52
  7. – Richard (W) Lieban .)1977.( “The Field of Medical Anthropology In David Landy (ed), Culture, Disease and Healting, Studies in Medical Anthropology”, Macmillan publishing, Inc, USA, p 21.
  8. – Yves Juvain, Partrick Roux. )2002( “Petit Larousse de la médecine”, Distributeur Messageries ADP, Montréal, Canada, 2 ème édition, p 559 .
  9. – أحمد بيري الوحيشي، عبد السلام بشير الدويبي. (1989) .” مقدمة في علم الاجتماع الطبي، ليبيا: الدار الجماهرية للنشر والتوزيع والإعلان، ص 59.
  10. – عبد السلام بشير الدويبي،(2005). “علم الاجتماع الطبي“، ط1 ، الأردن: دار الشروق. ص51 .
  11. – ك.غ.يونغ.(1988). “الدين في ضوء علم النفس“، ترجمة وتقديم نهاد خياطة، الطبعة الأولى، دمشق: دار العلم. ص09.
  12. -James, William .(2008), The Varieties of Religious Experience, Published by Arc Manor, Printed in the United States of America. p. 31.
  13. 2ـ النشّار ،علي سامي.(1995) “نشأة الدين (النظريات التطورية والمؤلهة)”، ط1، حلب: مركز الإنماء الحضاري للدراسة والترجمة والنشر. ص 25.
  14. – نفسه. ص 12.
  15. – رويحة، أمين.(1974). “التداوي بالإيحاء الروحي“، الطبعة الثانية، لبنان: دار القلم. ص235.