سعيد اومحند1 وعادل حدية2
1 دكتوراه في الجغرافيا: مختبر دينامية المجالات والمجتمعات، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة الحسن الثاني- المحمدية.
بريد الكتروني: Said.oumhand@gmail.com.
2 أستاذ باحث: مختبر الدراسات والأبحاث الجغرافية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة مولاي اسماعيل- مكناس.
بريد الكتروني: adill.haddia@gmail.com
HNSJ, 2023, 4(1); https://doi.org/10.53796/hnsj4115
تاريخ النشر: 01/01/2023م تاريخ القبول: 10/12/2022م
المستخلص
تعالج هذه المقالة دينامية الموارد الغابوية بحوض انفيفيخ في ظل الظروف الطبيعية الحالية المتسمة بالتغايرية المناخية، والبشرية المتميزة بتعدد أشكال استغلال الغابات، مستعينين في ذلك بالعمل الميداني وأداة نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد في معالجة صور الأقمار الإصطناعية وتحليلها.
و قد تبين من خلال هذه المعالجة أن الإرث الغابوي المتخلف عن التطورات البيئية القديمة للمنطقة، والذي اكتسب توازنه عبر مئات السنين لا زال يتعرض لتدهور عمودي وأفقي، فقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة اجتثاث أزيد من 3905 هكتارا، وتدهور نوعية النبات لـ 2135 هكتارا، هذا الأخير تمثل في تحول 38% من مساحة الغابات الذروية الفلينية إلى ماطورال حاليا، هذا علاوة على تراجع كبير للكثافة خاصة في عالية الحوض التي تضم أكبر كثلة نباتبة.
وارتبط هذا التدهور للنبات بعدة عوامل، منها ماهو طبيعي ( تراجع معدل التساقطات، توالي سنوات الجفاف، تفاقم نشاط التعرية المركز…) ومنها ماهو بشري مرتبط أساسا بأنماط الاستغلال المتعددة التي لم تعد تراعي هشاشة التوزانات الغابوية.
وقد ساهم هذا التدهور للغابات في الإخلال بالمنظومة البيئية ككل، والذي تجلى تحديدا في تفاقم لنشاط التعرية، وتراجع للتنوع البيولوجي الذي كانت تزخر به المنطقة نتيجة اندثار موائلها الطبيعية.
الكلمات المفتاحية: حوض انفيفيخ، غابات بنسليمان، دينامية الغطاء النباتي، نظم المعلومات الجغرافية.
The dynamics of the forests in the Moroccan Lower Atlantic Plateau: the case of the Nfifikh Basin.
Said Oumhand1 Adil Haddia2
1 PhD in Geography: Laboratory of the Dynamics of Domains and Societies, Faculty of Letters and Human Sciences – Hassan II University. Said.oumhand@gmail.com.
2 Researcher, Department of Geography, Faculty of Lettres and Human Sciences in Meknes, Laboratory of Studies and Research in Geography. Geomaroc13@gmail.com.
HNSJ, 2023, 4(1); https://doi.org/10.53796/hnsj4115
Published at 01/01/2023 Accepted at 10/12/2022
Abstract
This article treats the dynamics of forest resources, under the current natural conditions characterized by climatic changes, and accelerating human activities in the Nfifekh watershed. This study is based on using fieldwork and geographic information systems and remote sensing tools to analyze and processing of satellite images.
Through this treatment, it was found that the forest area inherited from the local ancient environment, which built its balances over hundreds of years, is currently subject to vertical and horizontal deterioration. The last three decades witnessed the deforestation of more than 3,905 hectares, and the deterioration of plant quality in 2,135 hectares, the latter caused the transformation of 38% of the area of the cork forests into garrigue and matorral now, in addition to a significant decline in density, especially in the upstream slope, which includes the largest plant mass.
This deterioration of vegetation is linked to several factors, some of which are natural (declining precipitation, successive years of drought, exacerbation of concentrated erosion activity…) and others that are mainly linked to human exploitation patterns that no longer consider the fragility of the forest.
This deterioration of forests has contributed to the disturbance of the environmental system as a whole, which was specifically manifested in the exacerbation of the dynamics of erosion and the decline in biodiversity that the region was rich in because of the disappearance of its habitats.
Key Words: Nfifekh watershed, Benslimane forests, vegetation dynamics, GIS.
مقدمة
ينتمي حوض انفيفيخ لهضبة بنسليمان، ويندرج تبعا لتصنيف امبرجي ضمن النطاق البيومناخي شبه الجاف، المتسم بفصل شتاء معتدل، وتساقطات مطرية يصل متوسطها 500 ملم سنويا، الشيء الذي وفر ظروفا ملاءمة لتشكيل غطاء نباتي غني ومتميز، من حيث الأصناف الشجرية والشجيرية، تمتد على مساحة 18468 هـ، أي ما يمثل 22,80 % من مساحة الحوض[1]. وتتكون في معظمها من غابات طبيعية مكونة من البلوط الفليني والعرعار البري، وأخرى اصطناعية تم تشجيرها لأغراض اقتصادية خلال الفترة الاستعمارية.
ويلعب هذا الامتداد الواسع للغابات دورا مهما في توازن المنظومة البيئية للحوض، من خلال إسهامه في حماية التنوع البيولوجي من الاندثار، وللموارد الترابية من التعرية، علاوة على أهميته الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في تلبية حاجيات الساكنة من الأعلاف والحطب والترفيه…الخ.
لكن استمرارية الغطاء النباتي في تأدية هذه الأدوار ليس بالأمر اليسير، إذ يحتاج إلى إيجاد معادلة تحفظ التوازن بين ممارسات وطرق استغلاله من جهة، وخصائصه وحساسيته للإتلاف من جهة أخرى، وهي معادلة فشل المنتفعون في تحقيقها إلى حدود اللحظة، الشيء الذي يقلص من وظائف المجال الغابوي ويهدد استدامته.
من هذا المنطلق، تبلورت الإشكالية التي سنحاول مقاربها في هذه المقالة، والتي تتلخص في إبراز نتائج التفاعلات القائمة بين العوامل الطبيعية والبشرية على استدامة الأوساط الغابوية بحوض انفيفيخ.
للإجابة عن هذه الإشكالية صُغْنَا فرضيتين، سنحاول التحقق منهما خلال محاور هذه الدراسة:
- الدينامية التراجعية للغطاء النباتي بالحوض لا ينحصر فقط في جانبه المساحي وإنما يشمل أيضا التدهور النوعي للنبات؛
- تراجع الأصناف الغابوية الذروية أكثر حدة بسافلة الحوض نظرا لقدم وكثافة الضغط السكاني؛
1: الإطار المنهجي المعتمد والجهاز المفاهيمي للدراسة
1-1- نظم المعلومات الجغرافية والعمل الميداني أساس الدراسة
ارتكزت هذه الدراسة بشكل أساسي، في مختلف مراحلها، على تقنيات نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، والتي مكنتنا من رصد دينامية الغطاء النباتي وتتبعها وتكميمها خلال العقود الثلاثة الأخيرة عبر تحليل ومعالجة صور الأقمار الاصطناعية لاندسات (Tm) و(OLI 8) لسنتي 1986 و2016 الملتقطة في شهر يونيو وذلك باستعمال برنامج المعلومات الجغرافية (ARCgis 10,6)؛ كما ارتكزت أيضا هذه الدراسة على العمل الميداني المبني على تعبئة الاستمارات مع الساكنة المحلية المنتفعة من الملك الغابوي (140 استمارة)، وعلى الملاحظات الدقيقة لوضعية النبات، وكذا الزيارات لمختلف المصالح الإدارية المعنية ونخص بالذكر مديرية المياه والغابات ومركز التجارب الغابوية التي حصلنا منها على قاعدة معطيات مهمة تهم حدود برامج الاستغلال والتشجير والتطور المساحي للأصناف النباتية خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
عُزٍزَت هذه الدراسة كذلك بالعمل البيبليوغرافي اعتمادا على بعض البحوث ذات الصلة بالموضوع، بغرض التعرف على البيئات القديمة للنبات بالمنطقة والميكانيزمات المتحكمة في تطورها.
1-2- مفهوم الدينامية النباتية
أضحى موضوع الدينامية قاسما مشتركا لمجموعة من العلوم والتخصصات (علم النبات، علم التربة، الجيومورفولوجيا، الهيدرولوجيا، المناخ والمدن…الخ). لذا فقد اختلفت المصطلحات باختلاف التخصصات والباحثين. ومن أوائل الذين وظفوا مفهوم الدينامية نجد علماء سوسيولوجيا النبات “براون بلانكيت وكوسن” و عالم التربة “اغارتErhart” (لحسن نبيل 2000). ويحيل مفهوم الدينامية حسب معجم Le Petit Robert ، إلى دراسة ظاهرة معينة في حركيتها ومستقبلها، ومحاولة استجلاء أسبابها والآثار المترتبة عنها.
ومن هذا المنطلق نقصد بالدينامية النباتية سيرورة التحول والتطور، التي تعرفها المجالات الغابوية والنباتية عموما بفعل قوى وميكانيزمات معينة، في إطار تفاعل بين الإنسان مع محيطه.
2-تقديم مجال الدراسة: حوض انفيفيخ مجال تزامن دينامية الأقطاب حضرية وظهير ريفي
يقع حوض انفيفيخ جغرافيا بين خطي طول 7.6579 و 7.0214غربا وخطي عرض 33.8933 و 33.4621 شمالا (الخريطة رقم 1)، بمساحة تقدر ب 800 كلم²، وينتمي طبوغرافيا إلى هضبة بنسليمان، التي تشكل جزءا من الهضبة الوسطى، وله خط تقسيم المياه مع حوض المالح من الجنوب والجنوب الشرقي والشراط من الشمال وحوض أبي رقراق من الجنوب الشرقي.
الخريطة رقم 1: موقع حوض انفيفيخ ضمن المجال المغربي
أما إداريا، فيمتد على 12 جماعة ترابية، ينتمي معظمها لإقليم بنسليمان (المنصورية، فضالات، بنسليمان، أولاد يحي لوطا، أولاد علي الطوالع، الزيايدة، مليلة، أحلاف، بئر النصر) وجماعة واحدة لكل من إقليم السطات (امكارطو)، وعمالة المحمدية )بن يخلف).
ويتبوأ حوض انفيفيخ موقعا استراتيجيا بانفتاحه على أهم المحاور الطرقية وأكبر الأقطاب الحضرية بالمغرب الرباط من الشمال والدار البيضاء من الجنوب، والتي تمارس عليه ضغطا وإشعاعا قويين للاستفادة من إمكاناته وموارده الطبيعية المتنوعة والغنية على رأسها الموارد الغابوية التي تمتد على ربع مساحته.
3- الصنافة النباتية بالحوض: الخصائص والتوزيع المجالي
3-1- الأصناف النباتية الطبيعية: انفراد عالية الحوض بجل مساحتها
تغطى الأصناف النباتية الطبيعية مساحة شاسعة تقدر بـ 14493هـ، أي ما يمثل 79% من إجمالي مساحة الغطاء النباتي داخل الحوض، وتضم أنواعا ذروية (البلوط الفليني) وثانوية (العرعار البري) وتشكيلات ماطورالية متنوعة( الخريطة رقم 3).
الخريطة رقم 2 : :امتداد أصناف التشكيلات النباتية سنة 1986 | الخريطة رقم 3 : :امتداد أصناف التشكيلات النباتية سنة 2016 |
البلوط الفليني: تبلغ مساحته داخل الحوض 3178 كلم2 وهو ما يمثل 21% من إجمالي مساحة الغطاء النباتي الطبيعي، ويتركز انتشاره بالحوض الأعلى بما يناهز 89%، حيث يشكل جزء مهما من صنافة “غابة الخطوات” وتيفساسين” ، أما الحوض الأسفل فلا يحتضن سوى 11% من مساحته، والتي تتركز بالخصوص بغابة بن النابت على الضفة اليمنى لواد انفيفيخ.
العرعر البري: يمثل أكثر الأصناف النباتية انتشارا داخل حوض انفيفيخ بمساحة 4128 هكتارا، أي ما يمثل خمس مجموع الغطاء النباتي، ينتشر معظمه بالحوض الأعلى بما يناهز 98%، ويمثل معظم تشكيلات “غابة تيفساسين” بمرتفعات كدية جنينة وكدية البناني وكدية حديرش وكدية حيط لنج، وبمنطقتي راس الواد وسيدي أحمد بجماعة الزيايدة.
تشكيلات الماطورال: تصل مساحتها داخل الحوض 5835 كلم2، أي ما يمثل 35% من مجموع مساحة الغطاء النباتي الطبيعي، نجد أكبر امتداد مساحي لها بالحوض الأعلى بـ 59% من إجمالي مساحتها وذلك بأقصى الحدود الجنوبية الشرقية بمنطقة اولاد غانم “جماعة بئر النصر” أولاد مومن “جماعة مكارتو”، حيث يتجاور مع بقايا غابة البلوط الفلين.
ورغم هذا الامتداد المساحي الواسع للماطورال بعالية الحوض، فإن حيز انتشاره وسط التشكيلات الغابوبة الليفية، يبقى ضعيفا، إذ لا يتعدى 24% عكس سافلته الذي تشغل فيه الحيز الأكبر بـ 52% من إجمالي مساحة غطائه النباتي. وينتشر الماطورال عموما بالمنحدرات القوية، وبمنخفضات الأودية التي تعرضت لتراجع الأنواع الذروية.
على ضوء ما سبق، نستخلص أن الحوض الأعلى لازال يحتفظ بمساحات مهمة من الغطاء النباتي الطبيعي الغابوي، المكون من البلوط الفليني والعرعر البري، عكس السافلة التي أصبحت تنتشر فيه بمساحات محدودة ومتناثرة وسط تشكيلات ماطورالية.
3-2- التشكيلات النباتية الاصطناعية: توسع كبير لموازنة الطلب المتزايد
توسعت الغابات الاصطناعية داخل الحوض بفضل سلسلة من البرامج الرامية لاستخلاف الغابات المتدهورة ومحاربة التعرية، وتوفير حاجيات التجمعات الحضرية من الخشب. تقدر مساحتها حاليا بـ 4035 هكتارا، أي ما يمثل 27% من مجموع الغطاء النباتي بالحوض، نجد معظم انتشار لها بعالية الحوض بانفراده بـ 67% من مساحتها (الخريطة رقم 3). وتضم الغابة الاصطناعية نوعين رئيسين من الأصناف الشجرية:
الأوكاليبتوس: يشكل أهم فصيلة استعملت في مشاريع التشجير بما يبلغ 2784 هكتارا، حيث يشكل الصنف الرئيسي لغابة انفيفيخ، التي استحدثها المعمرون سنة 1945 بغية توفير الخشب للصناعة، وإحداث فضاءات خضراء للترفيه، ليتم اعتماده في مرحلة لاحقة من طرف المهيء لاستخلاف الغابة الذروية المتدهورة، خاصة بغابتي تيفساسين والمذاكرة بعالية الحوض.
الصنوبريات: تشكل ثاني فصيلة استعملت في مشاريع التشجير بمساحة 1192 هكتار وذلك بالمناطق المعرضة للتعرية المائية التي عرفت تدميرا لتشكيلات البلوط الفليني، في الأطراف الغابوية المنتمية لجماعات بئر النصر ومليلة وأحلاف.
ورغم الانتشار المساحي المهم للأصناف النباتية الاصطناعية بالحوض الأعلى، إلا أن حيزها المجالي لا يتجاوز 19% من إجمالي الغطاء النباتي. عكس الحوض الأسفل الذي تحتل فيه نسبة 32% والذي تشكل فيه جل الصنف الغابوي الليفي.
تأسيسا على ما سبق، يتضح أن حوض انفيفيخ يحتضن تشكيلات نباتية متنوعة تغطي حوالي 22% من مساحته، ويؤشر التوسع الكبير لتشكيلات الماطورال على حجم التبدد الذي طال الغابة الذروية، ما يجعلنا نتساءل عن وضعية الغطاء النباتي بالحوض، وتسارع وتيرته التراجعية خلال العقود الأخيرة، بسبب الظروف الطبيعية القائمة وتزايد الضغوط البشرية.
4- دينامية الغطاء النباتي بحوض انفيفيخ
4-1- التطورات البيئية القديمة للنبات
عرف التنوع الإحيائي بحوض انفيفيخ والمجالات المجاورة له عموما، تراجعا تدريجيا منذ القدم، والتي يمكن التمييز فيها بين ثلاث مراحل أساسية حسب طبيعة التدخلات البشرية بالمنطقة واستغلاله للغابات:
– استغلال الأرض في بداية الألفية الأولى: أكدت الإرسابات الغرينية والسفحيات، المرافقة أو اللاحقة مباشرة لفترة التدخل الروماني (ما بين 1600 و2000 سنة قبل الحالي)، في كل من وادي أبي رقراق والفورات وشاطئ الأمم، عن حدوث تدهور في المجال الإحيائي والغابوي الذي يغطي السفوح، وأشارت كتابات THIMISTTUS في القرن الرابع بعد الميلاد (عن Gsell 1921) أن من أسبابه انتشار الزراعة والصيد مع قدوم الرومان للمنطقة (رشيدة نافع وعبد الرحيم وطفة، 2001).
– التحولات المجالية خلال العصور الوسطى: استمر تراجع التنوع الإحيائي بالمنطقة نتيجة الاستغلال المفرط للموارد الغابوية من جهة، ونتيجة تغير نمط عيش وطرق الاستغلال لدى قبائل بني هلال، التي استقدمها يعقوب المنصور الموحدي وجعلها تستقر بالمجال الممتد بين طنجة وسلا من جهة ثانية. وفي عهد السلطان المريني أبو يوسف، كانت المعمورة المزود الأساسي بالأخشاب لبناء الاسطول، كما كانوا يستغلون ثمار البلوط خصوصا في فترات الجفاف الطويل (رشيدة نافع وعبد الرحيم وطفة، 2001).
– الدينامية الغابوية في مطلع القرن العشرين: عرفت منطقة الشاوية احتلالا أجنبيا مبكرا بدأ سنة 1907، ومنذ ذلك التاريخ بدأ المعمرون الفرنسيون في احتلال أجود الأراضي الفلاحية وأكثرها خصوبة، قصد استغلالها في زراعة الحبوب والكروم، وصادف ذلك ارتفاع عدد سكانها المحليين الذين اضطروا إلى تكثيف استغلالهم للأراضي التي لم تصلها الحماية، واللجوء إلى عمليات اجتثاث الغطاء النباتي بالسفوح الضعيفة الانحدار من أجل استزراعها، وفي ظل هذه التحولات يشير Beaudet إلى تدمير واجتثاث 20000 هـ من الأشجار الثانوية ( الضرو، الزيتون البري، السدرة…الخ)، خلال الأربعين سنة الأولى من القرن الماضي غرب مدينة بوزنيقة (ابراهيم التركي، 2008).
4-2- الدينامية الحالية للنبات: استمرار للتدهور المساحي والنوعي للإرث الغابوي
تبين من خلال التحليل المعلوماتي لصور الاقمار الاصطناعية الملتقطة في شهر يونيو 1986 و2016، ومعطيات الأنواع النباتية المحصل عليها من مركز التجارب الغابوية. أن الغطاء النباتي بحوض انفيفيخ، شهد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تطورات مهمة على مستوى المساحة والنوع والكثافة.
4-2-1- الدينامية المساحية للنبات: تطور متباين بين عالية وسافلة الحوض
عرف حوض انفيفيخ ما بين سنتي 1986 و2016 اجتثاث مساحة 3905 هكتارا من الغطاء النباتي، توزعت حسب الأصناف بين 2041 هكتارا من الغابات الليفية و1865 هكتارا من الماطورال (الخريطة رقم 4)، وتخفي هذه المساحات تباينات كبيرة بين عالية وسافلة الحوض.
خريطة رقم 4 : دينامية تطور الغطاء النباتي ما بين سنتي 1986 و2016 بحوض انفيفيخ |
- سافلة الحوض: ارتفاع مؤشر التبدد وضعف مؤشر التجدد
على مستوى التبدد: بلغت مساحة المجالات الغابوية التي تعرضت للتدمير خلال الفترة المدروسة، ما يناهز 1911 هكتارا (63 هكتارا سنويا) ، مكونة من أصناف نباتية يغلب عليها الماطورال بـ 53% من المساحة المجتثة، تليها الغابة الاصطناعية ثم بقايا الغابة الطبيعية المختلطة.
وارتبط اجتثاث غابات سافلة الحوض بالتوسع العشوائي للإقامات الثانوية الخاصة بالساكنة الحضرية، والضيعات الفلاحية العصرية (لوحة الصور رقم 1)، كما ارتبط أيضا بإقامة تجهيزات عمومية كالمطرح وتوسيع مرافق مطار بن سليمان.
على مستوى التجدد: شهدت سافلة الحوض خلال نفس الفترة تجدد 495 هكتارا من مساحات النبات، وذلك بفضل برامج التشجير، والاستخلاف الطبيعي للماطورال بقعور الأودية والسفوح الوعرة، بعد تراجع الرعي الطليق وتشديد المراقبة على الغابات.
على مستوى التبدد فقد تعرضت عالية الحوض لأكبر عملية تدمير للغطاء النباتي بما يناهز 1995 هكتار، والتي همت جميع غاباته بنسب متفاوتة، بلغت بغابة المذاكرة 184 هكتارا، وتعدت بغابة تيفساسين 629 هكتارا، بينما سجلت غابة الخطوات أكبر عملية تدمير لغطائها النباتي بما يناهز 1170 هكتار، وتبين الخريطة رقم 4 جبهات انطلاق الاجتثاث والتي بدأت من الأطراف الشمالية الغربية، لتقضي على بقايا الجزيرات النباتية المعزولة من الماطورال التي كانت سائدة سنة 1986، ثم تعمقت في مرحلة لاحقة وسط الغابة الذروية المكونة من البلوط الفليني والعرعار البري.
ويعزى ارتفاع مساحة المجالات الغابوية المجتثة بعالية الحوض حسب المعاينات الميدانية إلى عدة عوامل متداخلة نذكر منها:
- الرعي الجائر الذي تفوق حاجياته العلفية القدرات الغابوية، حيث نجد الضغط على هذه الموارد يتم طيلة السنة دون تحديد فترات الاستراحة، باستثناء المجالات المسيجة التي خضعت لعملية التهيئة؛
- تزايد كمية الاحتطاب الذي يعتبر مصدرا طاقيا أساسيا لجل الأسر داخل الحوض، نظرا لضعف الإمكانيات في توفير الطاقات البديلة؛
- نفاقم نشاط التعرية المائية وخاصة ظاهرة التخديد، والتي عرضت مساحات مهمة من الغطاء النباتي للاقتلاع والتبدد.
أما على مستوى التجدد فقد ساهمت تدخلات القطاع الوصي على الموارد الغابوية في استخلاف 2646 هكتارا من الغابات بأصناف نباتية مكونة أساسا من العرعار والصنوبر والأوكاليبتوس في كل من غابة تفساسين والمذاكرة.
كما سمحت أيضا آلية الحماية والمراقبة للغابات باستخلاف طبيعي لتشكيلات شجيرة ليفية وطيئة مكونة من الضرو التوزالة والزبوج…الخ، على مساحة ناهزت 277 هكتارا.
4-2-2- الدينامية النوعية للنبات: تدهور الأصناف الذروية أكبر خطر يهدد الإرث الغابوي
إن تدهور النبات بالحوض لا يهم فقط التراجع المساحي بسبب الاجتثاث، بل يمتد ليشمل اختفاء الأنواع الذروية، فاسحة المجال لاستيطان التشكيلات الثانوية محلها، وهذا ما استُخْلِصَ من خلال مقارنة الامتداد النوعي للنبات بين سنتي 1986 و2016[2]، والتي أبانت عن تحول أزيد من 2135 هكتارا من الغابات السائدة سنة 1986 إلى ماطورال حاليا، منها 931 هكتارا من مساحة البلوط الفليني – أي ما يمثل 38% من مساحته- و1204 هكتارا من الغابة الطبيعية المختلطة، وعلى غرار التراجع المساحي عرفت الأنواع الذروية تراجعا وفق انتقائية مجالية بين أجزاء الحوض.
الحوض الأعلى: انفرد بمعظم المساحة التي عرفت تدهورا نوعيا للنبات ما بين 1986 و2016 بحوالي 1991 هكتارا ( 93,2% من مجموع المساحة المتدهورة بالحوض)، توزعت بين غابة الخطوات بما يناهز 74,4%، وغابة تيفساسين بنسبة 19,7%، وشمل هذا النوع من التدهور في جله تحول مساحات مهمة من غابات البلوط الفليني والعرعر البري إلى تشكيلات ماطورالية وعشبية، كما تدهور أيضا إلى هذا الصنف النباتي، بعضا من المساحات المشجرة بالأوكاليبتوس والصنوبر، والتي فشلت في تحقيق أهدافها الرامية إلى الاستخلاف والرفع من مردودية الغابات.
علاوة على تدهور الغابات إلى ماطورال تبين الخريطة أيضا، انتشار نباتات عشبية غير مستساغة كالقستوس بالسفوح الشديدة الانحدار بهوامش غابتي المذاكرة والخطوات وبوسط غابة تيفساسين، وهو مؤشر دال على التدهور الكبير للنوع النباتي بالحوض، باعتبار القستوس يتأتي في آخر حلقة ضمن مسلسل التراجع النوعي للنبات (لوحة رقم 2).
سافلة الحوض: سجل تراجع مساحة محدودة لا تتعدى 219 هكتارا (6,8% من المساحة المتدهورة)، وهي مساحة كانت عبارة عن بقايا الغابة الطبيعية المكونة من البلوط والعرعر البري، والتي تحولت حاليا إلى تشكيلات من الماطورال كالضرو الدوم والزبوج والتوزالة…إلخ. على السفوح القوية الانحدار بغابتي انفيفيخ وبني النابت.
بناء على ما سبق، نستخلص أن تدهور الغطاء النباتي بحوض انفيفيخ، لا يشمل فقط امتداده الأفقي بل يشمل أيضا تدهورا واختفاء الأنواع الذروية وإحلال التشكيلات الماطورالية والعشبية محلها، وإذا استمر الوضع على ما عليه فمآل الأصناف الذروية وخاصة البلوط الفليني الانقراض خلال العقود القادمة، خاصة إذا لم تتحذ الإجراءات المناسبة للحد من التدهور الذي يلحق هذه المنظومة الطبيعية.
4-2-3- دينامية كثافة الغطاء بين 1986 و2016: تأكيد لسيرورة التدهور
أشارت الكثير من الدراسات والأبحاث التي قام بها كل من: Epiphanio, 1996 Penuelas1997 وJensen, 2001 وغيرهم، إلى أهمية وإمكانية الاستفادة من حساب قيم ما يعرف بدليل الاختلافات الخضرية الطبيعي Normalized Differences Vegetation Index (NDVI) وغيرها من الدلائل في دراسة تدهور الغطاء النباتي. وهو ما ذهبت إليه المنظمة العربية للتنمية الزراعية في كثير من نشراتها ودورياتها، حيث أكدت على أهمية استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد في رصد ومراقبة حالة الأراضي، اعتمادا على بيانات الأقمار الصناعية، وتحديد المناطق المتدهورة بغرض تطويرها وتحسينها وإدارتها (جاسم خلف شلال، 2007)، فما هي حالة الكثافة خلال الثمانينات بحوض انفيفيخ؟ وما وحجم تطورها خلال العقود الثلاثة الأخيرة؟
تميز الغطاء النباتي خلال ثمانينيات القرن الماضي، بضعف كثافته داخل حوض انفيفيخ، والذي تجلى في اندراج 48% من مساحة غاباته ضمن فئة الكثافة الضعيفة، 28% فقط ضمن فئة الكثافة الجيدة، وتبين (الخريطة رقم 5) أن مناطق الكثافة الضعيفة تنتشر على أطراف الغابات بمختلف مواقعها وترتفع كلما توغلنا نحو الوسط، خاصة في عالية الحوض، الذي سجل نوعا من الأفضلية في كثافته النباتية.
وتعزى سيادة الكثافة الضعيفة في هذه الفترة إلى موجات الجفاف التي عرفها المغرب عامة والحوض خاصة، والتي جعلت الغابة ملاذا للرعاة لتوفير كلأ الماشية، الأمر الذي كان له تأثير سلبي على الغابات وقدرتها على الاستخلاف.
خريطة رقم 5 : تطور كثافة الغطاء النباتي لغابات حوض انفيفيخ ما بين سنة 1986 و2016 |
تميزت كثافة الغابات في هذه الفترة بتباينات كبيرة بين أجزاء الحوض، إذ ناهزت الكثافة الجيدة 47% من مساحة غابات سافلته، وأقل من 23 %بعاليته، في المقابل بلغت نسبة مساحة الكثافة الضعيفة 23% بالسافلة وأكثر من 49% بالعالية.
ويؤشر هذا التباين المجالي للكثافة، إلى تفاوت حدة الضغوط البشرية على الموارد الغابوية، التي تجلت بالخصوص في استمرار الرعي الطليق والجائر بالعالية، مقارنة بالسافلة التي أضحت تعتمد على التدجين داخل الإصطبلات، وعلى أنشطة اقتصادية غير فلاحية.
- تطور كثافة الغطاء النباتي خلال العقود الثلاثة الأخيرة: تدهور بالعالية واستقرار بالسافلة
عرفت دينامية كثافة الغطاء النباتي، خلال الفترة الممتدة ما بين 1986 و2016، تطورا متباينا بين أجزاء الحوض (الخريطة رقم 5)، والذي يمكن تصنيفه كالتالي:
- أوساط عرفت استقرارا للغطاء النباتي: وذلك بفضل برامج الاستخلاف والحماية، التي نهجتها الدولة داخل غابات موجاش والمذاكرة وتيفساسين، مما انعكس ايجابا على كثافتها، ويصل مجموع المساحة التي عرفت تحسنا 33 % من إجمالي مساحة الغطاء النباتي بسافلة الحوض و10% فقط بعاليته.
- أوساط عرفت تراجعا لكثافة الغطاء النباتي: بلغت مساحتها 7667 هكتارا أي ما يمثل 34% من إجمالي مساحة الغابات، ومست بالخصوص عالية الحوض بما يناهز 5328 هكتارا حيث شمل التدهور 22% من مجموع مساحته الغابوية، سجلت منه غابة الخطوات أكبر نسبة للتدهور، تليها غابتي تيفساسين ثم المذاكرة بنسب أقل.
وهكذا، فإن التراجع الكبير لكثافة الغطاء النباتي بالحوض وبعاليته خصوصا يزكي ما عُرِضَ في المحور السابق، من التراجع النوعي والمساحي للنبات، وانتشار الماطورال والتشكيلات العشبية محلها، بسبب عدة عوامل يتداخل فيها ما طبيعي بما هو بشري.
5- تظافر الآليات الطبيعية والعوامل البشرية لتسريع وتيرة التدهور
5-1- ضعف معدل التساقطات وتردد سنوات الجفاف
يعد تردد سنوات الجفاف من أبرز العوامل التي أخلت بالسير الوظيفي للأنظمة النباتية وانحسار مساحتها، ليس بسبب قلة تساقطاتها فقط، وإنما بفعل الضغوط الرعوية التي تكون مضاعفة خلالها، لأن الغابات إبان السنوات الجافة، تشكل مجالات حيوية لتعويض ضعف المراعي والأراضي الفلاحية عموما في تأمين الحاجيات العلفية.
من جانب آخر، كشفت الاحصائيات المناخية للفترة الممتدة بين 1986 و2016 عن تراجع متوسط معدل التساقطات السنوية بالحوض إلى ما دون 367 ملم، والذي يعتبر غير كاف لنمو متوازن للغابة الذروية الفلينية التي تحتاج إلى متوسط 500 ملم.
5-2- انتشار الغابات على الانحدارات القوية
الخريطة رقم 6 : توزيع مساحة للغابات حسب درجة الانحدارات | الخريطة رقم 7 : : أشكال التعرية النشيطة بالأوساط الغابوية |
تتركز 59% من المساحات الغابوية بالحوض على فئة الانحدارات القوية (20– 35%) والقوية جدا (أكثر من 35%)، الشيء الذي عرض وعاءها الترابي ومصدر تغذيتها لمختلف آليات التعرية المائية، فقد تبين من خلال ضبط الأشكال المترتبة عنها وجردها أن 49 %من مساحة الغابات تتعرض للتعرية الغشائية و 24% للتخديد، بينما لا تتعدى المساحة المستقرة 14%، وتشكل ظاهرة التخديد -حسب الملاحظات الميدانية- أكبر خطر يهدد استدامة الموارد الغابوية، لكونها تتسبب حاليا بشكل نشيط في اقتلاع المكونات النباتية للغابات على مساحة شاسعة تقدر بـ 4466 هـ (الخريطة رقم 7).
5-3 تعدد أشكال استغلال الموارد الغابوية
تشكل الغابة المجال الحيوي الذي تتحرك فيه الساكنة وتعتبره من بين حقوقها التاريخية غير القابلة للتقادم (Wierly Delvingh 1996) ، ومن نتائج ممارسة هذه الحقوق تعدد أشكال استغلال المجالات الغابوية بالحوض لتشمل الاحتطاب و الرعي و الترفيه و القنص…الخ، الأمر الذي عرضها لضغوط قوية تجاوزت قدرتها على التجدد.
النشاط الرعوي: شكل الرعي حقا من حقوق الانتفاع التي حظي بها الأهالي المحليون، في إطار التشريعات الصادرة والمنظمة لاستغلال الملك الغابوي، علما بأن هذا النشاط يؤمن حوالي 70% من مداخلهم لحد الآن غير أن التراجع الذي لحق مساحة الرقعة الرعوية، بفعل تدخل الدولة والقطاع الخاص، ترتب عنه ضغوطا متصاعدة على ما تبقى من هذه المساحات التي لا زالت مخصصة للرعي. (إدريس شحو، 2011)
وتشكل الضغوط الرعوية أحد أبرز الإشكالات التي ساهمت في التراجع النوعي والمساحي للغطاء النباتي، وذلك نتيجة لتبني جل الساكنة المحلية لقطاع تربية الماشية بحجم كبير، في مجال يعاني من ضيق المراعي وتدهورها، وتذبذب الكتلة العلفية للأراضي الفلاجية من فصل لآخر، ومن سنة لأخرى بسبب عدم انتظام التساقطات وتردد فترات الجفاف.
بناء عليه، كشفت التحريات الميدانية أن 41% من ساكنة الحوض تتخذ الغابات كمراعي مجانية لها وذلك لممد متباينة، 35% منها تصل مدة ترددها بين شهر واحد و9 أشهر في السنة، مقابل 6% طيلة السنة، وهي فئة الرعاة التي تستوطن بالقرب من المجالات الغابوية بعالية الحوض، والتي تستفيد من غياب المراقبة وفترات منع الرعي.
وقد كان لهذا التردد المكثف للماشية تأثير سلبي على الغابات، فمعظم بذور وفسائل أصنافها النباتية مستساغة تأتي عليها القطعان في بداية نموها، مما يحول دون تجدد منظومتها النباتية، وبينت الملاحظات أن هذا الوضع يشمل أيضا أوساط الحمى المطلق الممنوعة من الرعي، وذلك إما في غفلة من الرعاة أو لصعوبة التحكم في القطيع.
الاحتطاب: يعد الحطب أهم مصدر للطاقة في المجالات القروية، فتوفيره يشكل الهم اليومي للساكنة خاصة في المجالات الفقيرة، التي تعرف مستوى متدنيا من التنمية، مما يحول دون سد حاجياتها الطاقية بوسائل أخرى (INAU, 1993).
وقد تراوحت كمية الاستهلاك الأسبوعي لساكنة الحوض بين 40 و100 كلغ، حيث نجد 62% من الأسر المحتطبة تستهلك 40 كلغ في الأسبوع، بينما 19% تستهلك مابين 60 و 80 كلغ، أما النسبة المتبقية من الأسر أي ما يمثل 19% فتستهلك أزيد من 80 كلغ، هذا مع ارتفاع نسبة الاستهلاك كلما اتجهنا نحو عالية الحوض، حيث نجد 57% من المحتطبين تستهلك أكثر من 60 كلغ، ويعزى هذا الارتفاع بالأساس إلى تفشي ظاهرة الفقر والهشاشة لدى شريحة واسعة من ساكنته.
5-4- العلاقة الجدلية بين ضعف مستوى التنمية وتدهور الغطاء النباتي
تشكل التنمية في شموليتها عاملا محددا لقياس مستوى تدهور الموارد الطبيعية حاضرا ومستقبلا، ولقياس مدى ترابط مصداقية هذه العلاقة داخل مجال دراستنا اعتمدنا على مجموعة من المؤشرات من جملتها:
أولا: ضعف التجهيزات المنزلية: أبان البحث الميداني المنجز سنة 2016 عن ضعف كبير على مستوى الربط بالخدمات الأساسية، وعلى رأسها الربط بالكهرباء الذي لا تتعدى النسبة المرتبطة به 69% من الساكنة، في حين تعتمد النسبة المتبقية من الأسر على الأدوات التقليدية المعتمدة على طاقة الحطب، كالأفران التقليدية في الطهي عند 38% من الساكنة، والحمامات التقليدية عند 32%، وهي نسب ترتفع كلما اتجهنا نحو العالية، حيث ضعف الدخل الأسري ومحدودية الموارد الاقتصادية، وانخفاض متوسط الربط بشبكة الكهرباء.
ثانيا: ارتفاع نسبة الفقر: تتميز وضعية الساكنة عموما بارتفاع نسبة المصنفين تحت عتبة الفقر، فقد تبين حسب المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2014،أن الجماعات الترابية التي تحتضن أكبر مساحات غابوية (بئر النصر، لكناديز، امكارطو…الخ)، تتراوح فيها نسبة الفقر مابين 40 و21%، وهي نسب مرتفعة جدا مقارنة بالمعدل المسجل على الصعيدين الوطني والجهوي الذي لا يتعدى 12%.
بناء على هذه الأرقام، يمكننا القول إن الفقر والتهميش بحوض انفيفيخ، يعتبرن من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت الساكنة إلى الضغط على الموارد الغابوية، واستغلالها بشتى الوسائل والطرق بالرغم من هشاشة امكانياتها ومحدوديتها ، فضعف دخل الأسر جعلها غير قادرة على تطوير إمكاناتها الاقتصادية وتوفير تجهيزاتها الأساسية التي تحول دون الاستغلال المفرط للموارد الغابوية.
خاتمة.
يحتضن حوض انفيفيخ ثروة غابوية مهمة، تمتد على خمس مساحته وتضم تشكيلات نباتية متنوعة، على رأسها غابات الأشجار الليفية الطبيعية ( البلوط والفلين والعرعار البري) والاصطناعية (الأوكاليبتوس و الصنوبر) ثم تشكيلات ماطورالية، وتشكل عالية الحوض موطن الأنواع الطبيعية بانفرادها بـ 79 % من مساحتها داخل الحوض.
وقد تبين من خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية ومعطيات مركز التجارب الغابوية أن الموارد الغابوية تواجه درجات مختلفة من التدهور، إن على المستوى المساحي أو النوعي المفضي إلى تقلص الأنواع الذروية، المتمثلة في البلوط الفليني وسيادة تشكيلات ماطورالية متفرقة.
نتج هذا الوضع عن عدة عوامل متداخلة، على رأسها الانتشار الواسع للغابة الذروية على السفوح القوية الانحدار المعرضة لدينامية تعروية نشيطة، والضغوط البشرية المكثفة لتحقيق حاجياته المتزايدة من الأعلاف والحطب، وهي ضغوطات لم تتوقف عند هذا الحد، بل حولت الغابات إلى مجال للمضاربات العقارية والتوسع العمراني.
إن خطر تراجع الغطاء النباتي لا يهدد فقط استدامته التي باتت على المحك، بل يهدد أيضا استدامة باقي العناصر البيئية وعلى رأسها الإرث الترابي والتنوع البيولوجي اللذين كانت تزخر بهما غابات بنسليمان عموما والحوض خصوصا، فقد أكد مجموعة من الدارسين وجود عدة أصناف حيوانية في طور الانقراض مقابل واختفاء أخرى، كأسد الأطلس والنمر والغزال والحباري والدجاج الفرعوني…الخ، وذلك نتيجة اندثار موائلها الطبيعية.
قائمة المصادر والمراجع
- لحسن نبيل (2000). “الدينامية: مفاهيمها صنافتها، ودورها في البحث العلمي”، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان،420 ص.
- اومحند سعيد، (2021). الدينامية الحالية واستدامة الموارد الطبيعية بحوض انفيفيخ (دراسة بتوظيف نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد)، أطروحة لنيل الدكتوراه في الجغرافيا، جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، المحمدية، 345 ص.
- بنعبد المالك إدريس (2019). التمدن الضاحوي ومسألة الحكامة الترابية حالة جماعتي عين عتيق وعين العودة (عمالة الصخيرات تمارة) أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب، تخصص جغرافيا، جامعة عبد المالك السعدي ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تطوان 563 ص.
- التركي إبراهيم (2008). “إشكالية استدامة الماء بمنطقة زعير بين قلة الموارد وتزايد الطلب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الجغرافيا، جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، المحمدية، 162 ص.
- حدية (عادل)، 2020: تقييم أثر الاستعمالات الرعي-زراعية في التصريف الهيدرولوجي والتعرية المائية بهضبة بنسليمان، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، المحمدية، 413.
- خلف شلال جاسم (2007). “استخدام دليل الاختلافات الخضرية الطبيعي (NDVI) في تحديد وتقييم حالة التدهور للغطاء النباتي في منطقة جبل سنجار / محافظة نينوى”، المجلة العراقية لعلوم الأرض، المجلد7، العدد2، ص 1-14.
- رشيدة نافع، وطفه عبد الرحيم (2001). “الوسط الطبيعيي ودينامية المجال المغربية دراسات جغرافية”، أشغال الملتقى التاسع للأيام الجيومورفلوجية، الجديدة 23-24 أكتوبر، تنسيق: حسن العباسي ومحمد داود، سلسلة ندوات ومناظرات عدد 3، ص 78-79.
- شحو إدريس (2011). “التوازنات البيئية بالأطلس المتوسط الغربي: مقارنة صون تنموية لمنطقة أزرو”، الطبعة الأولى، مجموعة الأبحاث والدراسات البيومناخية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس، الرباط، 564 صفحة.
INAU (1993), contribution à l’étude des impacts Socio-économiques sur la Foret Marocain (cas de la commune rurale de sebt Ait IKKOU) Province de Khemisset, p 164.
Wierly Delvingh (2002), le foret des hommes : terroirs villageois en forêt tropicale Africaine, INAU, p 110.
الهوامش: