التنمية المستدامة بين الرؤية النظرية و التطبيق الواقعي

حصة خليل ابراهيم الحمر1

1 باحثة بسلك الدكتوراه، بكلية علوم التربية جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب.

بريد الكتروني: danat-25@hotmail.com

HNSJ, 2023, 4(11); https://doi.org/10.53796/hnsj4111

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/11/2023م تاريخ القبول: 01/10/2023م

المستخلص

من خلال هذه الدراسة سوف نتطرق إلى دراسة الأبعاد الاجتماعية و الاقتصادية والبيئية للتنمية المستدامة ومدى ترابطها نظريا، ودور الدول والمنظمات في تحقيق هذا الترابط واقعيا من خلال إيجاد طرق واستراتيجيات لتحقيق تنمية مستدامة ناجعة تضع الإنسان كركيزة ـأساسية في خططها. وتعتبر هذه الدعائم الثلاث المتعلقة بالبيئة والمجتمع والاقتصاد، صعبة الاندماج مجتمعة رغم ترابط سبل أجرأتها، لدرجة أنها أصبحت تشكل رهانات التنمية المستدامة المنشودة. عموما سوف نحاول تفسير وتحليل أهداف التنمية المستدامة والإكراهات التي تعوق تحقيق تنمية مستدامة تستجيب لحاجيات الأجيال الحاضرة دون أن تمس بحاجيات الأجيال المستقبلية.

الكلمات المفتاحية: البيئة، التنمية المستدامة ، المجتمع , الاقتصاد.

Research title

Sustainable development from theoretical vision to application

Hessa Khalil Ibrahim Al-Hamar1

1 Faculty of Educational Sciences Mohammed V University .Rabat.Morocco

Email: Danat-25@hotmail.com

HNSJ, 2023, 4(11); https://doi.org/10.53796/hnsj4111

Published at 01/11/2023 Accepted at 01/10/2023

Abstract

This study has a goal to study the economic, social and environmental dimensions of sustainable development and the aspects of their theoretical interdependence, and the role of countries and organizations in achieving this interdependence in reality via generating ways and strategies to achieve effective sustainable development based on the human factor as a main actor in the process of sustainable development.

These three pillars related to the environment, society and the economy are considered difficult to integrate together, despite the interdependence of their impacts and working methods, to the extent that they have become the challenges of that desired sustainable development.

In general, we will try to interpret and analyze the aims of sustainable development and the constraints that impede the achievement of sustainable development that should meet the needs of present generations without compromising the needs of future ones.

Key Words: sustainable development, environment, society, economy.

مقدمة :

ظهر مفهوم التنمية المستدامة مع الحاجة إلى تصور نموذج مجتمعي قادر على اندماج ثلاث مكونات هي، حسن تدبير البيئة والتنمية الاقتصادية واحترام الحقوق الإنسانية.

وترجع جدور المفهوم إلى القرن التاسع عشر حيث تزامنت مع الانشغالات الأولية للبيئة والمناخ كمجال موضوعاتي للبحث الاكاديمي، ومع مرور الوقت واعتبارا للازمات التي عرفها العالم والتي مست الاقتصاد والمجتمع والبيئة والتي عرفت خلال القرن العشرين سيصبح المفهوم اكثر تداولا وراهنية .

وتأتي التنمية المستدامة لتحتوي جميع المواضيع المحددة التي يكثر حولها الجدل نظرا لتعدد جوانب هذا المفهوم، وجاء الاهتمام عالميا بهذا المفهوم الجديد من خلال عقد عدة لقاءات ومؤتمرات عالمية، بداية بمؤتمر ستوكهولم المتعلق بالتنمية البشرية عام1972 ، وبعدها قمة الأرض في ري ودي جانيرو حول البيئة والتنمية لسنة1992 ، وصولا إلى قمة جوهانسبورغ لسنة 2002إضافة إلى مؤتمرات أخرى قارية ومحلية[1].

وفي الحقيقة فإن التنمية المستدامة بدأت تهتم بشكل خاص بموضوع البيئة، وبعدها تطور التفكير فيها من طرف عدة مفكرين ليصل في الأخير إلى دراسة المشاكل الكبرى التي يطرحها هذا العصر.

وتعد التنمية المستدامة تعبيرا عن السعي الحثيث إلى إعادة تنظيم المجتمعات عبر مرورها بفترة انتقالية لبلوغ تنمية تستجيب لحاجيات الجيل الحاضر دون أن تمس بحاجيات الجيل المستقبلي ولبلوغ ذلك ينبني المفهوم على ثلاث دعائم هي : العدالة الاجتماعية والنجاعة الاقتصادية والجودة البيئية[2].

وتعد هذه الدعائم الثلاث صعبة الاندماج مجتمعة رغم ترابط سبل اجراتها لدرجة أنها أصبحت تشكل رهانات التنمية المستدامة المنشودة .

وبالتالي فـان الإشكالية الأساسية لهذه الورقة البحثية تتمثل في ما يلي: ما مدى إمكانية تطبيق أهداف التنمية المستدامة وكيف يتم ذلك ؟ ومادور المنظمات في الوصول إلى تنمية مستدامة ناجعة ؟وما عراقيل الوصول لها؟

بغية الإجابة عن هذه التساؤلات سوف ننطلق من الفرضيات أسفله :

  • التنمية المستدامة هي عملية تستوجب مجهودا بيئيا و اجتماعيا واقتصاديا.
  • التنمية المستدامة بمفهومها الجديد تبدا من الفرد وبيئته؟

للإثبات هذه الفرضيات والإجابة عن الإشكالية سنحاول اتباع منهجية الوصف والتحليل من خلال :

  • تقديم مفهوم إجرائي للتنمية المستدامة.
  • تفسير أبعاد وأسس التنمية المستدامة.
  • الوقوف عند محددات وأهداف التنمية المستدامة من خلال برنامج (2030) كأهداف كونية.
  • معرفة دور المنظمات في نجاح عملية التنمية المستدامة.
  • تحديد عراقيل التنمية المستدامة.

– 1تعريف التنمية المستدامة :

تعتبر التنمية في الأصل نتيجة عمل الإنسان على تغيير عناصر فطرية في البيئة إلى ثروات، أي إلى اعتبارها سلعة وخدمة تلبى حاجات الإنسان، وهذا التغيير يرتكز على مجهود الإنسان وما يستعمله من معارفة علمية وما يوظفه من أدوات ووسائل تقنية، وفي نفس الوقت يهدد توازن الأرض الفطري اذ يصل إلى درجة الإضرار إذا تجاوز قدرة الفطرة البيئية ومن هنا جاءت أهمية التنمية المستدامة كمفهوم جديد.

ولقد تعددت تعاريف التنمية المستدامة بين علماء الاقتصاد في كل المجالات ومنها :

تقرير BRANDTLAND لسنة 1997 الذي عرف التنمية المستدامة على أنها :

هي”تلبية حاجات الأجيال الحالية دون أن تمس بإمكانية تلبية حاجات الأجيال القادمة.

و تعرف أيضا على أنها “تلك التنمية التي ترمي إلى تحقيق رغبات الأفراد عن طريق حسن استعمال الموارد الطبيعية بشكل عقلاني مع المحافظة عليها للأجيال القادمة”[3].

عموما فالتنمية المستدامة تتحقق في ظل تواجد الأبعاد الموضحة في الشكل :

الشكل رقم (1): مفهوم التنمية المستدامة

يظهر من خلال الشكل أعلاه أن التنمية المستدامة تتحقق من خلال تظافر عدة أبعاد وهي، البعد الاقتصادي والذي برمي إلى تحقيق المنفعة والرفاه لناس، والبعد الاجتماعي الذي يسعى إلى تعميم الحق في التعليم والصحة والعمل..الخ لجميع أفراد المجتمع مع، وكذلك البعد البيئي الذي يهدف إلى المحافظة على الأنظمة البيئية بجميع أنظمتها، وكل هذا لن يحصل إلى بتوفر البعد الأخلاقي والذي يضمن العدالة الإنسانية والاستمرارية وهكذا تتحقق التنمية المستدامة.

1 –1تعريف مفهوم التنمية المستدامة من منظور اللجنة العالمية للتنمية المستدامة.

تقرير اللجنة العالمية للتنمية المستدامة المعنون “بمستقبلنا المشترك” أفاد أنه يستوجب إيجاد طريق جديد للتنمية، ويشترط فيه تحقيق التقدم البشري لكل سكان المعمور، وان لا يقتصر على بقع محدودة ولا مدة محدودة ولكن ان يشمل المجتمع ككل وعلى مدى بعيد. وبذلك تعد التنمية المستدامة من منظور هذه اللجنة الذي وضعته سنة 1987، هي عملية تهدف إلى “تلبية احتياجات الجيل الحاضر دون أن تؤدي إلى تدمير قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة”[4].

– مؤتمر ريو لسنة 1992

وقد انعقد في هذا الإطار في يونيو 1992 في “ريو ذي جنيرو”  بالبرازيل أول مؤتمر عالمي حول البيئة والتنمية أطلق عليه تسمية “قمة الأرض[5]“. وقد حضرته 168 دولة بينما ارتكزت أهم محاوره على موضوع التغيرات المناخية التي يعرفها العصر، وكذلك أهمية التنوع الحيوي وحماية الغابات. وقد اعتمد المؤتمر جدول أعمال بشأن حماية البيئة، كما تم توصيف العواقب الاقتصادية والسياسية المترتبة عن الاستمرار في تدمير الأرض. لكن رغم الضجة الإعلامية الكبيرة التي أعطيت لهذا المؤتمر إلا أن النتائج المحسوسة القاضية بحماية الطبيعة ومعالجة المشاكل المتعددة المترتبة عن تدهور البيئة كانت جد بسيطة. :

2-1التعريف المادي للتنمية المستدامة

في ما يخص التعريف المادي للتنمية المستدامة، فمن منظور بعض المؤلفين فلابدا من ادراج مفهوم الموارد البشرية بشكل مستمر، ومستجد حتى نضمن عدم فنائها للأجيال الأتية، مع مراعاة الحفاظ على الموارد الطبيعية من مياه، وتربة وحيوانات.

– التعريفات الاقتصادية

تعتبر مجموعة من التعريفات الاقتصادية لمفهوم التمية المستدامة، أن حسن تدبير الموارد الطبيعية هو أساسها وذلك من خلال محاولة الوصول إلى اعلى منافع التنمية الاقتصادية مع مراعاة المحافظة على كل الموارد الطبيعية وتنوعها.

كما انصبت تعريفات اقتصادية أخرى على فكرة مفادها أن استخدام الموارد في الوقت الحالي يجيب ألا ينقص من قمة الدخل للأجيال المستقبلية ، بمعنى أن كل ما يتم اتخاذه من قرارات اليوم يجيب ألا يمس بالمستوى المعيشي للأجيال الأتية، وهو ما يعني أن الأنظمة الاقتصادية يجيب أن يتم إدارتها بشكل معقلن وان نعيش اعتمادا على أرباح الموارد الحالية والمحافظة عليها “.

–الإنسان أي مكانة له ضمن تعريفات التنمية المستدامة:

يعتبر الإنسان أساس كل تنمية بشرية تهدف إلى تحسين مستوى عيش الإنسان من صحة وتعليم ورفاه اجتماعي، ومن خلال تقرير للجنة التنمية البشرية الذي قدمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فإن الرجال، والنساء والأطفال يجيب أن يكونوا مركز الاهتمام، حيث يتم نسج التنمية حول الناس وليس الناس حول التنمية. عموما توصي مجمل تعريفات التنمية المستدامة بشكل كبير، على أن التنمية يجيب أن تعتمد مبدأ المشاركة من خلال إشراك كل أفراد المجتمع بشكل ديمقراطي في اتخاذ القرارات التي يكون لها تأثير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، و السياسية والبيئية.

2– أبعاد التنمية المستدامة

الوصول إلى التنمية المستدامة يستوجب تحقيق عدة أبعاد متداخلة في ما بينها، وضمان تطبيقيها يحقق أهداف تنمية مستدامة ناجعة، وسوف نقف عند ثلاثة أبعاد مهمة وهي الأبعاد البشرية والبيئية، والاقتصادية:

1-2الأبعاد الاقتصادية:

البعد الاقتصادي للتمية المستدامة يتحقق من خلال تلبية الحاجات المادية للإنسان، من خلال عملية الإنتاج والاستهلاك، ومن منظور بعض علماء الاقتصاد فان التنمية المستدامة تستوجب تحقيق نمو اقتصادي سريع من أجل القضاء على الفقر وإنتاج الموارد اللازمة للتنمية[6].

وبالتالي فان التنمية المستدامة ببعدها الاقتصادي تنطلق من فكرة مفادها أن استخدام الموارد الحالية يجيب ألا ينقص من الدخل الحقيقي للأجيال المستقبلية ، ويطرح هذا البعد فكرة انتقاء كل الوسائل التقنية والتمويلية في استخدام الموارد الطبيعية، مما يعني استخدام أفضل للتكنولوجيا والمعارف والقيم التي يجيب ان تضع في الأولوية لتحقيق ديمومة كبرى.

2-2الأبعاد البشرية :

تلعب الأبعاد البشرية للتنمية المستدامة دورا مهما في بناء مجتمع مستديم ومزدهر وذلك من خلال السعي إلى تثبيت نمو السكان، وذلك لأن النمو المتزايد لسكان الأرض قد يؤدي إلى إحداث ضغط كبير على الموارد الطبيعية ويحد من قدرة صناع القرار على تحقيق كل الخدمات. علاوة على ذلك فان الزيادة السريعة في نمو السكان يؤدي إلى تعثر في التنمية، ويقلص الموارد الطبيعية المتاحة لإعالة كل ساكن [7].

كما تسعى التنمية المستدامة في بعدها البشري إلى توفير خدمات التعليم والصحة، والعمل على تحقيق عدالة اجتماعية تضمن عدم وجود تفاوتات مجتمعية حيث يتم توفير كل متطلبات الحياة للفقراء والقاطنين بالمناطق المعزولة ؛ عموما فالتنمية المستدامة تسعى إلى توزيع الموارد بشكل عادل بين السكان من أجل تحقيق الرفاه الاجتماعي و الاستثمار في الرأس المال البشري باعتباره ركيزة التنمية وأساسها ودرعها.

3-2الأبعاد البيئية

تشمل الأبعاد البيئية للتنمية المستدامة كل ما يتعلق بالمحافظة على الموارد الطبيعية والبيئة بما فيها التربة والماء والحيوانات، والحفاظ على منظومة البيئة ككل.

كما أنها تسعى إلى تحقيق التوازن البيئي والاقتصادي والاجتماعي، ومن اجل ضمان تنمية مستدامة بأبعادها البيئية يجيب مراعاة التنوع البيولوجي، وإدارة الموارد الطبيعية والحد من التلوث ومكافحة تغير المناخ واستدامة المدن وحسن تدبير النفايات .

الشكل رقم(2 ): البيئة الاقتصاد والمجتمع كأبعاد للتنمية المستدامة

developpement_durable.PNG

نلاحظ من خلال الشكل أن التنمية المستدامة تستوجب تحقيق توازن بين هذه الأبعاد الثلاثة، حيث يؤدي تقاطع كلاً من البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي إلى تحقق مبدأ العدالة الاجتماعية بين شرائح المجتمع، و تقاطع البعد الاقتصادي والبيئي يؤدي إلى محاولة تحقيق توازن في عملية الإنتاج والتوزيع، أما تقاطع البعد الاجتماعي والبيئية فيتجلى في تعميم التوعية البيئية.

-3مستجدات أهداف التنمية المستدامة:

سعى المنتظم الدولي لجعل أهداف التنمية المستدامة ، تتميز بشمولية وتتميز بالترابط والوضوح، لذلك بات لزاما إعادة النظر في التركيبة الأولى لبرنامج (2015) وتوسيع مجال الملاحظة وتحسين أليات التتبع والتقييم، في أفق رصد امثل للنجاحات والإخفاقات في أجراه برنامج (2030.)

ومن أهم مميزات أهداف برنامج (2030) مقارنة مع برنامج (2015) نورد أدناه أهم تجلياتها:

3–1أهداف برنامج (2030) كأهداف كونية:

ثم اعتماد أهداف برنامج (2030) ، لتشكل التزاما لمجموع دول المعمور، على خلاف ما سطر لبرنامج (2015) حيث اقتصرت على الدول المتقدمة بالدرجة الأولى. غير أن هذا الالتزام الشامل، لتحقيق الأهداف المختلفة داخل أجل (2030)، ترك هامش التصرف نسبيا للدول حين اختيار مسار الوفاء بالتزاماتها. كما أحاط الدول المتقدمة بمسؤولية إضافية تتجلى في مساعدة دول الجنوب على مسايرة الركب عبر أليات التعاون الدولي.

سعى برنامج (2030) إلى تعزيز هدف المكونات الثلاث للتنمية المستدامة، حين صياغة تركيبته من الأهداف والمرامي وبحكم صعوبة تحقيق هذا المبتغى بالنظر إلى ما يميز المكونات الثلاث من ترابط وتأثير متبادل، حيث أسفرت التجربة على وضعيات مختلفة للعلاقة التفاعلية بين أهداف البرنامج، نوجز أهمها أدناه:

-وضعية التكامل: حيث يمكن إنجاز هدف معين من تسهيل الوصول إلى آخر عبر خلق ظروف مثلى لا جرأته. وكمثال ستمكن الكهربة القروية من تحسين ظروف التمدرس بالعالم القروي.

-وضعية العالقة السببية: حيث الوصول إلى إنجاز هدف معين يمر حتما عبر إنجاز اخر أو أخرى، وكمثال فان تنمية الطاقات النظيفة ضرورية من اجل الحد من تلوث الهواء وبالتالي تحسين الصحة العامة للساكنة.

وضعية التصادم :حيث أن إنجاز هدف أو مجموعة أهداف سيشكل ضغطا على إنجاز أخرى وقد تتعارض عمليات الإنجاز هذه في ما بينها، وكمثال تعارض هدف الحفاظ على الثروات الطبيعية مع بعض أهداف التنمية الاقتصادية من حيث توسيع الأنشطة المنتجة والمرتبطة بذات الموارد. ويظل الهدف العام، المحافظة ما امكن على الثروات الطبيعية دونما وصول المنتظم الدولي إلى مقاربة تشاركية ومتوافق عليها لبلوغ ذلك.
2-3 مؤشرات تتبع أجرأة أهداف التنمية المستدامة :

يتطلب الوصول إلى تنمية مستدامة واقعية اعتماد مجموعة من الاستراتيجيات ومنها:

الوقوف عند الأولويات: نظرا للمشاكل التي عرفتها البيئة وكذلك قلة المياه وجب تحديد الأولويات بدقة، فكانت خطة العمل البيئي لأوروبا الشرقية (سابقا) التي أعدها البنك العالمي والاتحاد الأوروبي، وكل البلدان الأعضاء في المنطقة تمثل جهدا رائدا ومؤثرا في هذا الصدد، وتعتمد هذه الخطة على تحليل اثأر البيئية الصحية والأيكولوجية والوقوف عند اهم المشاكل التي يجيب معالجتها بشكل فعلي [8].

إعطاء فرص متساوية الربح لكل الأطراف :يعتبر نقص الضغط على الموارد الطبيعية من انجع السبل لإعطاء فرص متساوية الربح للجميع .

إنجاز شراكات مع القطاع الخاص: وضع شراكات مع القطاع الخاص يجيب ان يؤخذ بجدية من طرف الدولة لأنه يعتبر ركيزة مهمة في عملية الاستثمار وذلك من خلال ما تم به من مزايا بيئية ومنها إنشاء نظام الأيزو [9]14000 الذي يشهد بأن الشركات لديها أنظمة سليمة للإدارة والبيئة، وكذلك توجيه التمويل الخاص صوب أنشطة تحسين البيئة مثل أماكن معالجة النفايات، وتحسين الطاقة.

مشاركة المواطنين: ان مواجهة المعضلات البيئية تكون اكثر نجاحا اذا تم الاعتماد فيها على مبدأ المشاركة لكل شرائح المجتمع وذلك لأنها ضرورية للأسباب الآتية:

  • المواطنين لهم القدرة على تحديد الأولويات كما انهم يساعدون في إيجاد الحلول الممكنة .
  • المواطنين يسعون ما امكن إلى المحافظة على الموارد الطبيعية.
  • مشاركة المواطنين في القرارات تؤدي إلى التغيير الإيجابي.

السعي إلى تحقيق شراكة ناجحة : وذلك من خلال عقد شراكات بين منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والدولة وغيرها، من اجل معالجة المشاكل البيئة.

جعل قضية البيئة ذات أولوية: تعد قضايا البيئة من أهم القضايا التي يجيب على كل الدول التعامل معها بجدية، وذلك بالتسلح بسبل الوقاية من الأضرار الناتجة عن سوء استخدام البيئة، وبالتالي فان أغلب الدول باتت تجعل من البيئة قضية جوهرية في كل سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .

تنمية الأرياف والحد من الضغط على المدن: تعتبر التنمية الريفية مجموعة من النشاطات والإجراءات الاجتماعية والاقتصادية المتكاملة، التي تهدف إلى تنمية موارد الريف البشرية، الزراعية، الصناعية والسياحية…وتهدف إلى تزويد المناطق الريفية بالخدمات الأساسية من اجل الوصول إلى بيئة متكاملة يتكمن فيها للإنسان من أن ينتج ويعيش بدرجة مقبولة من الرفاهية وأن يساهم في المجهود الاجتماعي، الاقتصادي وبالتخفيف من حدة التفاوت. والوطني ضمن تصور شامل ومتكامل يظم جميع البلاد[10] .

-4 المنظمات والمؤسسات الدولية أي دور لها في تحقيق التنمية المستدامة :

بعد الاعتراف بأهمية حماية البيئة وجعلها قضية كونية في عدة مؤتمرات دولية ومنها مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية اصبح لزاما التعاون الدولي بين دول العالم من خلالا عقد شراكات وخلق منظمات دولية .

وتعد المنظمات الدولية والمؤسسات المالية ركيزة أساسية ومهمة في نجاح وتحقيق التنمية المستدامة على الصعيد العالمي، وذلك من خلالا المساهمات المالية للمؤسسات والمنظمات في تشجيع المشاريع البيئية.

4-1برنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE)

من خلال مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة المنعقد في جوان 1972 ، أنشأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي يختص بقضايا البيئة من أجل تطوير وحماية البيئة للأجيال الحاضرة والقادمة، وتعتبر مهمته هي تشجيع الأنشطة التي تخدم البيئة، وتطبيق برنامج العمل المحدد في ندوة ستوكهولم، وقد لعب برنامج الأمم المتحدة للبيئة دور كبير من خلال عدة قضايا هامة كبروتوكول كيوتو للاحتباس الحراري، واتفاقية بال حول حركة النفايات السامة ودوره الفعال في عقد ندوة التنوع البيولوجي .

و يعد المخطط المتوسط المدى بشأن البيئة من أهم أدوات سير عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهو عبارة عن مخطط عمل لفترة 6 سنوات، يشمل جميع الأنشطة المتعلقة بالبيئة والتنمية وإيجاد الحلول للمشاكل المطروحة.

2-4برنامج الأمم المتحدة للبيئة(PNUD)

يقوم برنامج الأمم المتحدة للتنمية، بمساعدة جميع الأطراف من اجل تحقيق التعاون في مجال التنمية، وفي مجال البيئة فانه ينطلق من مبدأ ان التنمية المستدامة هي الضامن الحقيقي لتحقيق حماية ناجعة للبيئة .

من هنا جاء برنامج التنمية المستدامة لسنة و 1990 يعرف باسم،” شبكة التنمية المستدامة الإنمائية “، بغية مد صناع القرار باستراتيجيات وطرق تحقيق التنمية المستدامة. كما أعد أيضا برنامج الأمم المتحدة للتنمية في بداية 1991 ، برنامج جديد بنفس تسمية البرنامج الأول، قصد التمكن من معرفة المعلومات والتكنولوجيا الملائمة لتعامل مع الدول النامية..

كما أن برنامج الأمم المتحدة للتنمية جمع معلومات كثيرة حول الجال الصحي والتربية، ونسبة محو الأمية لدى الكبار….الخ، تشكل هذه المؤشرات مرجعية دولية تسمح بمقارنة تطور ومستوى تنمية كل بلد.

3-4المركز العالمي للأمم المتحدة بشأن المستوطنات البشرية:(CNUEH)

يعتبر المركز العالمي للأمم المتحدة بشأن المستوطنات البشرية منظمة تابعة للأمم المتحدة تم إنشائه بتاريخ 2أكتوبر1978 . ويهتم بقضايا التنمية المستدامة خاصة في مجال إدارة المدن والتي تم نشرها بالتعاون بين المركز وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة سنة .1987

لجنة التنمية المستديمة(CDD): تعد هذه اللجنة من اهم مخرجات مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية من أجل إقامة شراكة عالمية جديدة بين الشمال والجنوب بشأن التنمية191بتاريخ 2 / المستدامة، وقد تم إنشائها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1992 وهي جهاز ثانوي تابع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، يشرف على جميع الأنشطة ذات الصلة بالتكامل بين الأهداف البيئية والإنمائية داخل منظومة الأمم المتحدة. وقد تم تحديد مهام الجنة التنمية المستديمة في الفصل 38 من جدول أعمال القرن 21 تحت عنوان ” الإصلاحات المؤسساتية الدولية “بموجب القرار 47_196للجمعية العامة للأمم المتحدة.[11]

5_ تحديات وعراقيل التنمية المستدامة.

تتعدد معوقات وتحديات التنمية المستدامة وتتلخص أهمها في التحديات الاجتماعية والاقتصادية، والبيئية .

1-5 تحديات اجتماعية : يعتبر الفقر أكبرها، وذلك لأنه يتداخل مع قضايا أخرى كالصحة، والتعليم، والحق في الحياة..، وبالتالي بات لزاما ومن اجل تحقيق التنمية المستدامة تقليل الفقر وتعزيز المساواة الاجتماعية بين الدول.

2-5تحديات اقتصادية : تواجه التنمية المستدامة عدة عراقيل اقتصادية ، ومنها كثرة الأزمات الاقتصادية والتفاوت في توزيع الثروة ، وكذلك تفاقم البطالة، هذه الأخيرة التي أصبحت مشكلة مجتمعية كبيرة والتي لم ينج أي بلد من بلدان العالم من أثارها. الشيء الذي وجب اتخاذ إجراءات مستدامة لتغلب على هذه المشاكل .

3-5تحديات بيئية : في سياق القضايا العالمية، تأخذ القضية البيئية شكلا خاصا، مبدئيا لأنها تتعلق بمسألة البقاء، وبالتالي سوف يبقى تحدي البيئة قائما، لم تنجوا منه حتى الدول المتقدمة التي خطت خطوات كبيرة في سبيل تطوير استراتيجيات المحافظة على البيئة.

ومن هنا أصبح موضوع التغيرات المناخية ذا أهمية كبيرة، وتم وضع عدة مقترحات وإجراءات على الصعيد الوطني، والعالمي عدة محافل دولية ومنها التقرير الذي اعلن في باريس في الثاني من فبراير عام 2007 .

خاتمة:

من خلال هذه الورقة تم تأكيد فرضيات البحث حيث ان هناك ثلاث أبعاد أساسية ضرورية في نجاح عملية التنمية المستدامة وهي البعد الاقتصادي، والاجتماعي والبيئي. وهناك ترابط كبير بين هذه الأبعاد المختلفة، وكذلك طرق تطبيقها.

كما ان نجاح التنمية المستدامة لا يقتصر فقط على الأمور الإدارية الكلاسيكية بل الأمر اشمل من ذلك كون التنمية البشرية مشروع بشري بالدرجة الأولى، يبدأ من الفرد وبيئته وهو الطرح الذي تبنته الفرضية الثانية .

وجوابا على الإشكالية الأساسية التي تسألت عن دور المنظمات في تحقيق تنمية مستدامة منشودة، نخلص إلى أنه رغم ما تم الوصول اليه من اجتهادات واستراتيجيات من طرف المنظمات والمؤسسات فلابدا من مضاعفة الجهود بشكل شمولي، من اجل الحفاظ على هذا الكوكب وضمان مستقبل افضل للجميع ، ألأاتالللتتتتلبيبي كما تتطلب التنمية المستدامة تغييرا جوهريا في القرارات السياسية والاستراتيجيات الحالية المتبعة، لكن هذا التغيير لن يتأتى بسهولة، وبدون قيادة قوية وجهود متصلة ونضالات مستمرة من طرف جميع البلدان .

المراجع :

-سراج الدين إسماعيل ، حتى تصبح التنمية مستدامة، مجلة التمويل والتنمية، ديسمبر 1993 ، ص 6.

-2باتر وردم محمد مخاطر العولمة على التنمية المستدامة، مجلة الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى 2003، ص 20 .

-3سماي علي، الشراكة الاقتصادية وأثارها على التنمية المستدامة، مقال بالملتقى الوطني حول البيئة والتنمية المستدامة، منشورات المركز الجامعي بالمدية، 6،7 جوان 2006 ، ص 11.

-4عدنان مصطفى، العرب وقمة الأرض الرسالة التائهة. دراسات في التنمية العربية، الواقع والآفاق. منشورات مركز دراسات الوحدة العربية . الطبعة الأولى بيروت، 1998 ، ص 41.

-5أحمد الطراح علي ، غسان منير، التنمية البشرية في المجتمعات النامية والمتحولة دراسات في آثار العولمة، والتحولات العالمية، منشورات دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، ص25.

-6قادري محمد طاهر، آليات تحقيق التنمية المستدامة في الجزائر، أطروحة دكتوراه في العلوم الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر، 2006 ص51 .

-7غازي سفاريني ،عبد القادر عابد، أساسيات علم البيئة، الطبعة الثانية، مجلة دار وائل، عمان-الأردن ، 2004 ص .23 ، 22.

-8حمد عارف نصر ، التنمية من منظور متجدد، التحيز والعولمة ما بعد الحداثة، مطبوعات

، الشركة العالمية للكتاب، لبنان، ص 46.

-9محمد صالح الشيخ، الآثار الاقتصادية والمالية لتلوث البيئة ووسائل الحماية منها، مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية، الإسكندرية، مصر 2002 ، ص 114.

مراجع بالفرنسية:

1-Caraco, Alain. Les Bibliothèques à l’heure du development durable In : BBF N°3, p.77. [En ligne] :https://agora-parl.org/ar/resources/aoe/sdgs-indicators-and-evaluation. Consulté le (05/10/2022) .

2-Pierre-Noël Giraud (Cerna), Denis Loyer (AFD), Capital naturel et développementdurable en Afrique ; (http://www.cerna.ensmp.fr/Documents/PNG-DLCapitalAfrique.

pdf)

3-William D. Nordhaus, Economic aspects of global warming in a post Copenhagen environment.Department of Economics, Yale University, New Haven. May 10, 2010.pp 1-6 https://www.pnas.org/

الهوامش:

  1. سراج الدين إسماعيل ، حتى تصبح التنمية مستدامة، مجلة التمويل والتنمية، ديسمبر 1993 ، ص 6
  2. باتر وردم محمد مخاطر العولمة على التنمية المستدامة، مجلة الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الأولى 2003، ص 20 .
  3. سماي علي، الشراكة الاقتصادية وأثارها على التنمية المستدامة، مقال بالملتقى الوطني حول البيئة والتنمية

    . المستدامة، منشورات المركز الجامعي بالمدية، 6،7 جوان 2006 ، ص 11

  4. 1-Caraco, Alain. Les Bibliothèques à l’heure du développement durable In : BBF N°3, p.77. [En ligne] :

    https://agora-parl.org/ar/resources/aoe/sdgs-indicators-and-evaluation. Consulté le (05/10/2022)

  5. عدنان مصطفى، العرب وقمة الأرض الرسالة التائهة. دراسات في التنمية العربية، الواقع والآفاق . منشورات مركز دراسات الوحدة العربية . الطبعة الأولى بيروت، 1998 ، ص 41
  6. قادري محمد طاهر، آليات تحقيق التنمية المستدامة في الجزائر، أطروحة دكتوراه في العلوم

    الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر، 2006ص51 .

  7. Pierre-Noël Giraud (Cerna), Denis Loyer (AFD), Capital naturel et développement durable en Afrique ; (http://www.cerna.ensmp.fr/Documents/PNG-DLCapitalAfrique.pdf)
  8. William D. Nordhaus, Economic aspects of global warming in a post Copenhagen environment. Department of Economics, Yale University, New Haven. May 10, 2010.pp 1-6 https://www.pnas.org/
  9. تمت صياغة معيار ISO 14000 من قبل المنظمة الدولية للتوحيد القياسي وتحديد المتطلبات التي يجب تلبيتها للمصادقة على سلسلة من القواعد المتعلقة بالإدارة البيئية. ISO 14000 هو نظام إدارة بيئية بامتياز ، والذي يحتوي على إرشادات عامة حول المبادئ والأنظمة وتقنيات الدعم ، لضمان اعتماد الشركة, يتم تطبيق هذا المعيار دون أي تمييز بين الحجم أو الكمية التي تنتجها الشركة التي ترغب في الحصول على الشهادة.
  10. غازي سفاريني ،عبد القادر عابد، أساسيات علم البيئة، الطبعة الثانية، مجلة دار وائل، عمان ، الأردن ، 2004 ص .23 ، 22..
  11. محمد صالح الشيخ، الآثار الاقتصادية والمالية لتلوث البيئة ووسائل الحماية منها، مكتبة ومطبعة الإشعاع

    .115 ، الفنية، الإسكندرية، مصر 2002 ، ص 114