آليات الحكامة في تدبير الشأن التربوي وانخراط الشركاء

فوزية المرساوي1

1 طالبة باحثة في كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب

بريد الكتروني: fouziaelmersaoui@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(11); https://doi.org/10.53796/hnsj4112

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/11/2023م تاريخ القبول: 05/10/2023م

المستخلص

تردد مصطلح الحكامة في مختلف الوثائق المرجعية لإصلاح المنظومة التربوية، انطلاقا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين وصولا إلى المخطط الإستعجالي مرورا بالعديد من الدراسات والتقارير المنجزة في الموضوع وعلى رأسها التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم الذي يعتبر أرضية هذا المقال. مطلب السياسات التربوية من الحكامة الجيدة هو انفتاح المؤسسة على محيطها عبر خلق مشاريع تربوية وشراكات بيداغوجية واجتماعية واقتصادية مع مؤسسات رسمية ومدنية وعمومية خاصة مع الجماعات المحلية، المجتمع المدني، الأحزاب السياسية وجمعيات أباء وأمهات التلاميذ، قصد توفير الإمكانيات المادية والمالية والبشرية والتقنية للارتقاء بالمؤسسات التعليمية. وهذا لا يتحقق بدون تطبيق أسس ومرتكزات الحكامة الجيدة في تدبير الشأن التربوي وبوعي الشركاء بأهميته.

الكلمات المفتاحية: الحكامة، الشأن التربوي، الشركاء

Research title

Governance mechanisms in managing educational affairs and partner involvement

Fouzia ELMERSAOUI1

1 Research student at the Faculty of Educational Sciences, Mohammed V University, Rabat, Morocco Email: fouziaelmersaoui@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(11); https://doi.org/10.53796/hnsj4112

Published at 01/11/2023 Accepted at 05/10/2023

Abstract

The term governance is repeated in various reference documents for reforming the educational system, starting from the National Charter for Education and Training and reaching the emergency plan, passing through many studies and reports completed on the subject, most notably the first report of the Supreme Education Council, which is the basis for this article.

The requirement of educational policies for good governance is the openness of the institution to its surroundings through the creation of educational projects and pedagogical, social and economic partnerships with official, civil and public institutions, especially with local groups, civil society, political parties and associations of parents of students, with the aim of providing the material, financial, human and technical capabilities to improve educational institutions.

This cannot be achieved without applying the foundations and foundations of good governance in managing educational affairs and with partners being aware of its importance.

Key Words: governance, educational affairs, partners

تمهيد:

لقد اكتسى الحديث عن مفهوم الحكامة الجيدة في السنوات الأخيرة أهمية بالغة سواء على الصعيد الإعلامي أو السياسي أو المؤسساتي، ومرد ذلك إلى سعة تداول المفهوم عبر ربطه بمشكلات وآفاق التنمية لكون الحكامة الجيدة عاملا جوهريا في إصلاح الدولة والمجتمع وآلية مهمة لترشيد وتدبير الموارد المالية والبشرية.

وهذا ما اتضح للمهتمين بالشأن التربوي باعتبار الحكامة الجيدة حل للإشكالات التي تواجهها المنظومة التربوية وأداة ناجعة وفعالة في التسيير والتدبير على مستوى النتائج والمردودية بشرط انخراط كافة الفاعلين في مجال التربية والتكوين.

الحكامة الجيدة: المفهوم، المبادئ والآليات :

يعتبر مفهوم الحكامة الجيدة من أكثر المفاهيم الجديدة المتداولة اليوم في مختلف النقاشات الدائرة بخصوص إصلاح الدولة والمجتمع فهو يندرج ضمن شبكة مفاهيمية مهمة لكونه يرتبط بالأساس بمجموعة من المفاهيم من قبيل (التنمية المستدامة، المجتمع المدني، المواطنة، دولة الحق والقانون…)، لذلك أصبح لفظ الحكامة الجيدة يفيد الرقابة والتدبير.

تشمل الحكامة الجيدة مختلف الأنظمة والتدابير والإجراءات الناجعة والفعالة والمنتجة التي تقوم بتنشيط مختلف بنيات الإنتاج في جل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

الحكامة الجيدة أداة يتم بواسطتها ترشيد التدبير وذلك بالتحكم في آليات الإنتاج لتحقيق التنمية، كما تهدف إلى إعطاء البعد الاستراتيجي لتدبير المنظومة وتحديد أهدافها والتحقيق من بلوغ تلك الأهداف والتأكد من حسن تدبير الموارد والصعوبات التي تعترض سيرها.

يرتكز مفهوم الحكامة على مبادئ كما يعتمد على آليات وأدوات تضمن لها الجودة والفعالية على مستوى التسيير والتدبير والمراقبة واتخاذ القرار .

تحتاج الحكامة في التربية خاصة على مستوى المؤسسات التعليمية إلى أسس متينة تضمن لها الفعالية ومن بين المبادئ التي تستند عليها حسب مجموعة من التعريفات التي تم الوقوف عليها لإنجاز هذا المقال ما يلي :

  • الرؤية الإستراتيجية من خلال منظور بعيد المدى لعملية التطوير المجتمعي والتنمية البشرية المستدامة والتي تعتبر من مرتكزات الحكامة الجيدة.
  • الشفافية في التدبير والإعلام والتواصل كوسيلة للتعبئة والانخراط في مشاريع المؤسسة والعمل على تحقيق أهدافها.
  • دولة الحق والقانون باعتماد الديمقراطية وحرية التعبير التجنب القرارات الأحادية التي لا تخدم الصالح العام وتضر بالحكامة.
  • المشاركة الفعالة لكافة الفاعلين كشكل من أشكال القيادة المتعددة الأطراف مع توزيع الأدوار والمسؤوليات في إطار التدبير التشاركي….

إن رهانات الحكامة الجيدة مرتبطة أساسا بمستويين الأول : الأسس والمبادئ السالفة الذكر، والمستوى الثاني : آليات تعزيز نظام الحكامة المتمثلة في :

  • مبدأي اللامركزية واللاتمركز كما أفرد الميثاق الوطني للتربية والتكوين في المجال الخامس عن طريق تفويض الصلاحيات من المستوى المركزي إلى المحلي مرورا بالجهوي والاقليمي.
  • تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة لصيانة المصلحة العامة والمال العام والقضاء على النهب والتبذير.
  • التقويم كمكون أساسي للحكامة الجيدة ومدخلا أساسيا يمكن من المراقبة وتصحيح كما تسمح هذه الألية من قياس مدى الالتزام بخطة العمل المدرجة والأهداف والوسائل.
  • التخطيط الاستراتيجي الذي يشمل التنبؤ بما سيكون والاستعداد له لمواجهة ظروف التغيير لتركيز الجهود وتسهيل الرقابة.

الحكامة الجيدة: مطلب المنظومة التربوية :

الحكامة الجيدة باعتبارها من التدابير والإجراءات المحركة للإنتاج في مختلف المجالات فلا شك أنها الوسيلة الأنجح والأنسب لتحقيق أهداف المنظومة التربوية كما أوضح الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكذا خلاصات التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم السنة 2008 بالإضافة للمخطط الاستعجالي، بهدف الارتقاء بالمنطومة التربوية تربويا وإداريا لذلك أصبح إرساء أسس الحكامة الجيدة في المنظمة أمرا ملحا ومطلبا مجتمعيا لكونها آلية فعالة لتدبير رشيد لتحقيق التنمية الشاملة.

يرتكز هذا المطلب على تفعيل مبادئ الحكامة الجيدة كالمسؤولية والشفافية والإشراك والتشاور في إطار دولة الحق والقانون وبمقارنة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار مختلف الشركاء في المنظومة التربوية عامة وتسيير المؤسسات التعليمية خاصة.

الفاعلون في المنظومة التربوية ومدى انخراطهم:

أحصى تقرير المجلس الأعلى للتعليم المحددات الأساسية للاختلالات التي تشهدها المنظومة التعليمية، فرتب” ضعف انخراط الشركاء وعدمه “ في الدرجة الثانية من تلك المحددات.

ومن نماذج هذا التخلي عن المسؤوليات اتجاه المؤسسات التربوية نجد :

  • الجماعات المحلية: من بين المعنيين الأوائل بنجاح المدرسة العمومية وتألقها فهي عضو كامل العضوية في المجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وعضو لا يقل وزنا في مجالس التدبير التي تعتبر الشريك الأساسي لرؤساء المؤسسات والتي تعتبر مجال تطبيق الديمقراطية والتشارك…

إلا أن هذا الدور يكتنفه بعض القصور مرده إلى ضعف مساهمة هذه المؤسسة الرسمية في الرقي بالمؤسسة التعليمية لكونها مطالبة بأداء دور فعال يعبر عن المواطنة لأنها معينة بالشأن التربوي الذي يهم متمدرسينا التي تلتزم هذه الجماعات بالتفاني في خدمة مصالحها.

كما أن من مهامها بناء المدارس وتوسيع أخرى وأن تساهم في تأهيلها لحل بعض المشاكل كالاكتظاظ نقص أو انعدام التجهيزات وحسن استخدامها، وهي مطالبة بفتح مكتبات عمومية محلية ودور ثقافة ومنشأت رياضية، فهي صلة وصل بين المجتمع المحلي والمدرسة وأولياء الأمور لأن الأب أو ولي الأمر هو من يمنح صوته وثقته في مسير هذه الجماعة.

جماعتنا المحلية تعاني من ضعف الكفاءة في مجال التسير الإداري والحكامة ذلك أن تجربتها في هذه الميادين التنظيمية ما تزال لم تمكنها من امتلاك مجموعة من المعارف والمهارات والتقنيات التي تجعلها قادرة على تدبير قطاعات حيوية وهامة كقطاع الثقافة والتربية والتكوين فضلا عن مهامها الأخرى في مجالات اجتماعية وسياسية متعددة التي تعتبرها قطاعات منتجة عكس قطاع التعليم كما يعتقدون.

  • جمعيات الآباء وأولياء الأمور : في إطار انفتاح المدرسة على محيطها واعتبار التربية مسؤولية الجميع بما فيهم الآباء والأمهات وبالتالي الأسرة بشكل مباشر، فإنه من اللازم توفر إطار قانوني يعطي الصلاحية للآباء في مشاركة المدرسة في تحقيق وظيفتها، هذا الإطار الممثل في جمعية الآباء وأولياء التلاميذ.

حيث وجب عليها أن تعيد للمدرسة قيمتها المعنوية وتجعلها في قلب اهتمام المجتمع وخاصة الآباء ومنها جعل الأطفال يكنونها نفس التقدير، ولأن الجمعية تعتبر عاملا أساسيا يمكننا من انفتاح المدرسة على محيطها ويساعد في الرفع من وعي الآباء بدورهم التربوي الهام لترسيخ التعاون والتكامل بين الجانبين والنهوض بمستوى المؤسسات التعليمية تربويا إداريا واجتماعيا، وخاصة تلك التي أكد عليها “الميثاق الوطني للتربية والتكوين“ المتمثلة في رهانات التدبير التشاركي للشأن التربوي باعتبار هذا التدبير آلية من آليات اللامركزية والحكامة والديمقراطية المحلية.

بيدا أن الجمعيات تعيش هي الأخرى حالة من التغييب باستثناء بعض الأدوار الثانوية كتنظيف المؤسسة أو ترميمها أو صيانتها … في الوقت الذي يجب على هذه الجمعيات أن تركز نشاطها على الجوانب الاجتماعية والتربوية والثقافية التي تمس الطفل والأسرة والمجتمع بحيث تصبح الجمعية حلقة وصل بين كل هذه المكونات والمدرسة، ومن بين ما يمكن لجمعية الآباء أن تقوم به نجد:

  • خلق تواصل فعال بين كل الأطراف المساهمة في العمل التربوي.
  • المشاركة في كل مشروع تقبل عليه المؤسسة وتتبعه.
  • البحث عن شركاء جدد للمؤسسة والاتصال بالسلطات المحلية وبمختلف القطاعات والجمعيات.
  • المساهمة بحملات للرفع من نسبة التمدرس وضمان استمرارهم بالدراسة وتتبع نتائج المراقبة وتقديم الدعم للمتعثرين…
  • المجتمع المدني : لم تعد المدرسة كما كانت مجرد وحدة إدارية بسيطة منعزلة مهمتها تطبيق التعليمات والبرامج والقوانين، بل أصبحت مؤسسة فاعلة في المجتمع تساهم في تكوين وتأطير قوة بشرية مدربة قادرة على تسيير دواليب الاقتصاد وتأهيل المجتمع في كل المجالات.

أمام هذه التغيرات والمستجدات أصبح من الضروري انفتاح المؤسسة التعليمية على سوق الشغل قصد محاربة البطالة وتدريب وتأهيل الأطر البشرية لتحقيق التنمية على جميع الأصعدة ، كما أن التسيير المحلي الجهوي أو المؤسسي في إطار اللامركزية والقرب والديمقراطية يتطلب الدخول في شراكات فعالة مع كل المؤسسات من ضمنها المجتمع المدني والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية من أجل دعم المؤسسة التربوية والمساهمة في تحسين ظروفها وإيجاد الموارد المادية والمالية والبشرية والتقنية للرفع من مستوى ناشئة المستقبل.

  • الأحزاب السياسية : تشكل بتنظيماتها ومستوياتها القيادية ولجانها المتعددة وكذلك صحفها، نطاقا اجتماعيا يتفاعل مع بقية النظم والتي منها المؤسسات التعليمية حيث تعمل على بث القيم والاتجاهات لدى الأفراد وفق البرامج المعدة لذلك كما أنها تساعد على خلق الشخصية المشاركة بالقول والفعل في القضايا المجتمعية وتنمية روح العمل الجماعي والنقد البناء وطرح بدائل للقضايا المثارة وتدعيم الانتماء الوطني لدى الناشئة لكن من الناحية العملية نجد أن غالبية الأحزاب السياسية تلعب دورا ضعيفا في دعم العملية التعليمية من الناحية الفنية والمادية.

يتضح مما سبق أن الهيئات والكيانات ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالمؤسسة التربوية بإمكانها تقديم الكثير كالدعم والتطوير داخل المؤسسة، لكن في المقابل نجد ضعف الكفاءات الإدارية داخلها وضعف السلطات الممنوحة لها مما يحد من قدرتها على استغلال إمكانيات هذه الهيئات والكيانات.

المراجـــع :

  • تقرير المجلس الأعلى للتعليم ” خمس محددات أساسية قد تشكل مصدر إخـتـلالات المنظومة ”
    ص 30.
  • عزة جلال مصطفى، التخطيط الاستراتيجي الناجح لمؤسسات التعليم : القاهرة 2010.
  • محمد السوالي، السياسات التربوية الأسس والتدبير دار الأمان 2012 الرباط.
  • البدري عبد الحميد، (2001)، الأساليب القيادية والإدارية في المؤسسات التعليمية، الطبعة الأولى، عمان.

Abbé Louis Mpala, )août 2011 (, Bonne gouvernance et éducation/ Pour une éducation à la bonne gouvernance, Approche par émiologique.

Briggs, Margaral Carol(1992), Reform of Principal Certification Program Focus on Urban Elementary Principals, Pro-quest. Dissertation Abstracts International, Vol, 52, No. 7, P.334.