مفهوم الطبقة عند السيد آقا حسين البروجردي (ت 1381ه) أثر الصبر في بناء النفس الإنسانية

إنتظار خضير بوهان1 زينب خضير بوهان2

1 المديرية العامة لتربية النجف الاشرف، العراق. بريد الكتروني: Entidar22.1964@gmail.com,

2 المديرية العامة لتربية النجف الاشرف، العراق. بريد الكتروني:zainabalkurashe@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(11); https://doi.org/10.53796/hnsj4119

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/11/2023م تاريخ القبول: 20/10/2023م

المستخلص

الطبقة في معناها اللغوي هي القوم المتشابهون أو الجماعة من الناس يعدلون جماعة مثلهم. وفي الإصطلاح المحدثين, القوم المتشابهون أو المتقاربون في الإسناد أو لقاء المشايخ. السيّد البروجردي (قُدس سره) له منهجاً تجددياً اعتمده في هذا العلم (علم طبقات الرواة). صنف السيّد البروجردي (قُدس سره الرواة من عصر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إلى عصره إلى ست وثلاثين طبقة. استنتج السيّد (قدس سُره) من خلال منهجه مجموعة من مشاهير الرواة من مجموعة الأسانيد التي قطع بسلامتها من الإرال والاعتدال، بعد أن عثر على نظائر كثيرة لها وشواهد وقرائن قوية منحته الثقة التامة بسلامة هذه المجموعة تكونت عنده مجموعة من الثوابت تصلح أن يتخذها معايير ومقاييس في معرفة طبقات الرواة وتحديدها، أخذ ببحث عن المجموعة الثانية من الرواة من الذين لم يشتهروا ولم تكن لهم روايات كثيرة، فقارن أحاديثهم بأحاديث المجموعة الأولى حتى عرف طبقة مجموعة كبيرة منهم، وبعد تحديد طبقة هاتين المجموعتين تيسرت له معرفة الأسانيد المرسلة والمعلولة ثم الحكم بالارسال فيها.

الكلمات المفتاحية: الطبقة، الصبر، النفس الإنسانية.

أولاً: أهمية البحث والحاجة إليه

-المقدمة:

لا يخفى على ذي علم ودين العناية التي أولاها علمائنا المتقدمين والمتأخرين ببذل الجهود لوضع مصنفات جليلة شكلت علوم شتى تدور حول خدمة الحديث النبوّي الشريف، ومِن ثمرات هذه المصنفات (علم طبقات الرواة)، والذي انبرى السيّد البروجردي (قُدس سره) لدراسته، فكان أحد آلياته في الحكم بالإرسال وعده، وهو واحدٌ من أهم نتائج علم (طبقات الرواة) الذي أهتم به السيّد غاية الاهتمام وقد انفرد (قُدس سره) في تقسيمها وتعدادها منذ عصر الصحابة إلى عصره (قدس سره).

والتي تتلخص في الأحكام الرجالية الفريدة التي توصل إليها وجعلها أساساً مهماً في معالجاته الرجالية، كالحكم بإرسال ما ظاهره الإسناد، أو الحكم بقطع المتصلات في ظاهر السند، أو الحكم بإسناد بعض المراسيل، واستكشاف وثاقة الراوي من خلال نوعيّة رواياته. يهدف البحث إلى معرفة مفهوم (الطبقة) عند السيّد البروجردي (قُدس سره) خاصة، لأنه انفرد في تقسيمها وبيان الأحكام الرجالية الفريدة التي توصل إليها، فكانت الروايات الصحيحة عنده مرسلة عند غيره، والمرسلة عنده صحيحة عند غيره، مجرياً تجديداً منهجياً لم يسبقه إليه غيره.

حدود البحث:

توجيه الضوء على مفهوم (الطبقة) عند السيّد البروجردي (قُدس سره) بكونه مجدداً في (علم طبقات الرواة)الطبقة لغةً واصطلاحاً:

الطبقة في اللغة على معانٍ منها:

1ـ ما يغطي الشيء ويغشيه: تقول: أطبق الشيء وضع طبقة منه على طبقة وأطبق الشيء: غطاه.

2ـ القوم المتشابهون أو الجماعة من الناس يعدلون جماعة مثلهم.

3ـ المرتبة أو المنزلة: تقول الناس طبقات مراتب ومنازل ([1]).

أما الطبقة اصطلاحاً فلها تعاريف منها:

1ـ القوم المتشابهون أو المتقاربون في الإسناد أو لقاء المشايخ.

2ـ الجيل بعد الجيل: كجيل الصحابة وجيل التابعين، وجيل اتباع التابعين أو جيل الكبار منهم أو المتوسطين أو الصغار… وهكذا والأختلاف في الألفاظ والمؤدي وأحد وهو مطلق التشابه والتماثل في السن ولقاء المشايخ. ([2])

في علم الحديث، الطبقة هي مصطلح يطلق على مجموعة الناس المتقاربة في السن والإسناد، يُقصد بالتقارب في الإسناد بين شخصين أن يكون شيوخ الأول هم شيوخ الآخر أو يقاربوا شيوخه. ([3])

يصنف كلّ راو في الإسناد حسب الطبقة التي ينتمي إليها والطبقات الرئيسية في كلّ إسناد هي طبقة الصحابة، فطبقة التابعين، فطبقة أتباع التابعين، فطبقة أتباع أتباع التابعين، …. وهلم جراً.

وأضاف السيّد (قُدس سره) في تعريفه للطبقات: «وليعلم أن كلّ طبقة تنقسم إلى صغار وكبار، وأنّه قد يكون رجل واحد ـ لطول عمره ـ مُدركاً لطبقتين، كالحّمادَيْن، فإنّهما من الخامسة، وقد أدركا السادسة أيضاً. ([4]).

-أهمية علم طبقات الرواة وفائدته

من خلال (علم الطبقات نتعرف على:

1ـ عدد الوسائط الموجودة، فعندهما ينتقل الصحابي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا توجد واسطة لأنه ينقل مباشرةً عن رسول الله، أما التابعي الذي هو في الطبقة الثانية يوجد بينه وبين رسول الله واسطة فإذا ثبت تابعي ونقل عن رسول الله بلا واسطة فالرواية تكون منقطعة مرسلة وهكذا، إذا جئتنا إلى الطبقة الثالثة إنّما تنقل عن رسول الله من خلال واسطتين إلّا إذا ثبت أنّه طويل العمر وهذه استثناءات وإذا جئتنا إلى الطبقة الرابعة ونقل عن رسول الله لابدّ أن ينقل بثلاث وسائط والخامس بأربع وسائط والسادسة وهكذا إلى أخره، إذن أول فائدة تترتب على ذلك هو معرفة عدد الوسائط الموجودة بين الراوي الأول وبين المروي عنه.

وعن ذلك قال السيد البروجردي (قدس سره): «لا فرق بين علماء أهل السنّة أو علماء الشيعة يعني الطوسي إذا نقل رواية عن رسول الله لابدّ أن الوسائط تكون (11 ـ 12) واسطة فإذا وجدنا أن الوسائط (6 ـ 7) إذن يوجد سقط في الرواية). ([5])

2ـ معرفة أن السند متصل أو غير متصل، ما تقدم كان في قوة السند وضعفه أما في الأتصال والإنقطاع فإذا كان شخص في السابعة ونقل رواية عن شخص في الطبقة الخامسة بلا واسطة إذن الرواية مرسلة حتى كان ثقة لأنه لم يعاصره إلّا إذا ثبت كان طويل العمر أو المروي عنه طال عمره أكثر من اللازم حتى أدركه من بعده بطبقتين.

وهذا ما أشار إليه السيّد البروجردي (قدس سره) والذي تقدم ذكره في تعريف الطبقة: «وليعلم أن كلّ طبقة تتقسم إلى صغار وكبار …» ([6])

3ـ معرفة السند مرسل أو غير مرسل وهذا ما اشار إليه السيّد (قدس سره) بقوله: «وعليك بالدقة في اسانيد الروايات المروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) حتى تطلع على طبقات الرواة وبذلك تقدر على تمييز الأسانيد المرسلة تميزها أن هذه الرواية مرسلة أو غير مرسلة»([7]).

لذلك (قُدس سره) طبق هذه القضية في فقهه ففي موارد متعددة الرواية معروف بين العلماء أنها مرسلة يقول: لا، هي مسندة ويطبق عليها نظام الطبقات أو بالعكس الرواية هي معروفة أنها رواية مسندة صحيحة السند يقول: لا، مرسلة لأن فيها سقط في السند.

فقال عند الحديث عن رواية يرويها محمد بن عبدالحميد عن سيف بن عميرة وابن عبد الحميد من الطبقة السابعة، وسيف بن عميرة من الطبقة الخامسة، وحينئذ فربما يستبعد رواية عنه، ولكن ابن عميرة كان من المعمّرين وأدرك الطبقة السابعة، فلا يبعد رواية ابن عبدالحميد عنه»([8])

4ـ تمييز الشيوخ عن التلاميذ

(وهذا أهم فوائد الطبقات حيث يعرف بها مشايخ الراوي الذي يروي عنهم مباشرةً وكذلك الرواة عنه بالمباشرة)([9])

وقد أكد السيّد (قُدس سره) في موارد متعددة بقوله:

«لأن العربي الفقيه أضبط من العامي العجمي): وكذا إلى آخره، يقول: كمعرفة مذهبه لأنه من خلاله نستطيع أن نتعرف على مذهب الشخص إذا وجدنا عموم اساتذته وشيوخه من السنة ونادراً ما يحضر عند الشيعة أو بالعكس يحاول أن يحضر عند علماء او شيوخ الشيعة ويبتعد عن مشايخ أهل السنة.

وأكد (قُدس سره) في كتابه (نهاية التقرير) في مباحث الصلاة أنه يمكن استكشاف وثاقة الراوي من تلاميذه الذين أخذوا الحديث عنه فإذا كان الأخذ مثل الشيخ أو المفيد أو الصدوق أو غيرهم من الأعلام خصوصاً مع كثرة الرواية عنه لا يبقى ارتياب في وثاقة الشيخ أصلاً يقول: وإلّا هولاء، أصروا أن يتتلمذوا عند شخص طبعاً لم يرد فيه أنه سني لا نعلم عنه شيئاً أصر هولاء الأعلام أن يتتلمذوا عند شيخ ويكثر الرواية عنه لا أقل كانوا قد أحرزوا وثاقته وإلّا كيف يكثرون الرواية عنه وهم لا يعرفونه وهم موجود بالنسبة إليهم هذه القضايا لابدّ أن يلتفت إليها جيداً. ([10])

رابعاً: علم طبقات الرواة قبل السيّد البروجردي (قُدس سره) (إنّ تحديد طبقات الرواة ومعرفتها، يؤثر ـ مباشرة ـ في المعالجة الرجالية، خصوصاً في أمر الاتّصال والانقطاع بين الرواة، والحكم على الأسانيد يأخذ هذين، وجوداً أو عدماً، وكذلك يؤثّر في معرفة بعض «العلل» الأخرى التي تقع في الأسانيد، ولذا اعتنى العلماء بها منذ القدم سواء في ذلك الخاصّة أم العامة) ([11])

لذلك نيّة أهل الدراية على ما يسمّى بالحديث المعلّل وقال الشهيد الثاني: ومعرفته من أجل علوم الحديث وأدقها، وهو: ما فيه من أسباب خفية غامضة قادحة فيه في نفس الأمر، وظاهره السلامة منها، بل الصحة.

وإنّما يتمكن من معرفة ذلك أهل الخبرة بطريق الحديث، ومتونه، ومراتب الرواة الضابطة لذلك وأهل الفهم الثاقب في ذلك. ([12])

وقد ألّف عدّة من علماء الرجال القدماء كتبهم على أساس الطبقات، كالبرقيّ، والشيخ الطوسي في رجاله، الذي عنونه «تسمية من روى عن النبي والائمة» ورتبّه على أبواب بعدد المعصومين عليهم السلام ثم ختمه بباب «مَنْ لم يرو عنهم».

وكتاب الرجال للطوسي أوسع كتب الطبقات وأهمها، وقد بنى كثير من علماء الرجال المتأخرين أمر الطبقات على ترتيب رجال الطوسي إلّا أنّ بعضهم لم يوافق على ذلك، وحاول تنظيم الطبقات على أساس وضعها وأعتبرها، فهناك مسالك متعددة: مثل مسلك ابن أبي جامع العاملي حيث جعلها من عصر المفيد إلى طبقة ابن أبي عُمَيْر سِتاً

ومسلك التقي المجلسي الأول، حيث جعلها من عصر الطوسي الى البداية اثنتى عشرة طبقة، ومسلك السيّد المقدس الأعرجي، حيث جعلها من عصر المفيد إلى البداية، عشر طبقات، ومسلك أخر جعلها خمس طبقات.([13])

والسيد البروجردي لم يوافق ـ كذلك ـ على طبقات رجال الطوسي فقد اعترض عليه بقوله:

(إنّ بناء الطبقات على ابواب كتاب الشيخ في الرجال ـ كما يتراءى من كثير من المتأخرين ـ حيث نراهم يكتفون في بيان طبقة أي رجل بأنه مذكور في باب كذا من (جنح) ـ غير صحيح.

لما ذكرناه من شمول باب مَنْ لم يرو عنهم، للثلاث بل للخمس الأخيرة، كلاً أو جُلاً، ولسائرها بعضاً.

ولما مرَّ من أنّه قد يتفق رواية طبقتين أو أكثر عن إمام واحد، ورواية طبقة واحدة عن إمامين أو أكثر ([14]).

فما سلكه السيّد (قُدس سره) لا يخرج عن إعمال خبرة في تشخيص الأحاديث المعلّلة من جهة الخلل الواقع في السند، وهو أمر عقلائي بيّن، لاسيّما فيما لو اخترنا في علم أصول الفقه أنّ المناط في حجيّة الخبر على الوثوق النوعي أو الشخصي، وأنّ أحد طرق الوثوق رواية الثقة عن مثله مع الأتصال، إلاّ أن يكون المرسل ممن عُرف بأنّه لا يروي ولا يُرسل إلّا عن ثقة. ([15])

خامساً: طبقاة الرواة عند السيّد البروجردي (قُدس سره) تطرق السيّد مكرراً لأمر الطبقات فعرّفها بقوله:

«أعلم أنّ رجال الشيعة الإماميّة ـ بل عامة المسلمين ـ بحسب تلمذة بعضهم لبعض، تنقسم إلى طبقات، ويُراعى في ذلك الغلبة والكثرة)

1ـ ويبتدأ بصحابة النبي (صلّى الله عليه وآله) فصحابته الأخذون منه كلهم من الطبقة الأولى.

2ـ والتابعون، الذين أخذوا من الصحابة، وتلمّذوا لهم، طبقة ثانية.

3ـ وتابعو التابعين، طبقة ثالثة، والغالب فيهم أخذ الحديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بواسطتين.

4ـ وتلامذة الطبقة الثالثة، طبقة رابعة، والأغلب في روايتهم عنه (صلّى الله عليه وآله) وجود ثلاث وسائط وهم اصحاب الباقر (عليه السلام)، كزرارة ومحمد بن مسلم، وامثالهما.

5ـ وتلامذة هذه الطبقة، طبقة خامسة، وهم اصحاب الأمام الصادق والكاظم عليهما السلام، وقد اكثروا من الرواية عن الطبقة الرابعة، منهم: علاء بن رزين، وحريز بن عبدالله، وعُمَر بن يزيد، وهشام بن سالم، وربعي بن عبدالله وعبدالله بن بُكير.

6ـ وتلامذة هذه الطبقة، طبقة سادسة: أصحاب الرضا (عليه السلام)، ومنهم مؤلفوا الجوامع الأولية، كعلي بن الحكم، وابن أبي عُمَير، والبزنطي، والحسن بن علي بن فضال، والحسن بن محبوب، وأمثالهم.

يذكر السيد البروجردي(قُدس سره): (عندما أقول الطبقة السادسة هذه الطبقة عموماً ولادتهم في حدود سنة (145) إلى سنة (160) ووفياتهم في حدود 210 إلى 230. ([16])

7ـ وتلامذة هذه الطبقة، طبقة سابعة، منهم: الفضل بن شاذان، والحسين بن سعيد الأهوازي، صاحب الكتب الثلاثين وقد ألفها بمشاركة أخيه الحسن، وشيوخهما متحدون إلاّ في زُرعة بن محمد الحضرمي، فإن الحسين يروي عنه بواسطة أخيه الحسن، وهذه الطبقة ولادتهم في حدود (185) ووفياتهم في حدود (260).

وعلى هذا الحساب يكون الكُليني وابن أبي عقيل من الطبقة التاسعة، والصدوق وابن الجنيد من العاشرة، والمفيد من الحادية عشرة، وشيخنا أبوجعفر الطوسي من الثانية عشرة، والغالب في هذه الطبقة وقوع وفياتهم في حدود سنة (450) إلى سنة (650)، وابن إدريس وابن حمزة من الخامسة عشرة، والشهيد الثاني من الرابعة والعشرين، ونحن من السادسة والثلاثين. ([17])

فمن صحابة النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى الشيخ (قُدس سره) اثنتا عشرة طبقة ومن ابنه (قُدس سره) إلى الشهيد الثاني، أيضاً كذلك، ومن تلامذة الشهيد إلينا كذلك. ([18])

لم يتعبّد السيّد البروجردي (قدّس سره) بالطبقات دائماً، بل يعترف بإمكان تجاوزها في بعض الموارد، وأن بناء الطبقات على الغلبة، ومن لاحظ مجموعة الأسانيد المتعارفة قد يجد صحة تطبيقاته.

مثلاً استشكل في الأسانيد التي ظاهرها رواية ابن أبي عُمير عن محمد بن مسلم بلا واسطة، فقال تعليقاً على بعض تلك الأسانيد:

(وأعلم أنّه سقطت الواسطة بين أبي عُمَير ومحمد بن مسلم في سند الرواية؛ لأنه لا يمكن أن يروي بحسب الطبقة ابن أبي عُمَير عن محمد بن مسلم بلا واسطة. ([19])

وما ذكره قريب من جهة أنّ محمد بن مسلم توفي في سنة (150 هـ ق) ([20])، وابن أبي عُمير توفي في سنة (217 هـ ق) ([21]) ، ويبعد أن تقع الرواية عنه بلا واسطة، ومن لاحظ أخبار ابن أبي عُمير التي يرويها محمد بن مسلم يجد الواسطة موجودة في الغالب، وجملة منهم ممن عرف بملازمته لابن أبي عُمَير من امثال العلاء بن رزين، وإبراهيم أبي أيوب الخزاز، وعمر بن أذنية.

ومما يؤكد هذا المعنى أنّه قد روى الشيخ أبوجعفر الطوسي في التهذيب بسنده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عُمَير، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) : في الرجل يشتري الجارية فيعتقها … ([22])

وقد روى الشيخ عين هذا الحديث في الاستبصار لكن مع ذكر الواسطة بين أبي عُمَير ومحمد بن مسلم، فقال: الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عُمَير، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام): في الرجل يشتري الجارية فيعتقها… ([23])

سادساً: ملاك السيد البروجردي في تحديد مدّة كل طبقة.

لقد بلغت الطبقات منذ هجرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى زمن الشيخ الطوسي ـ أي في مدة 460 سنة ـ اثنتا عشرة طبقة، ولو اعتبرنا أنّ العمر المعهود للإنسان هو (70 سنة) فإن كل راوٍ يعيش (35 سنة) معاصراً للطبقة التي قبله و (35 سنة) مع الطبقة التي بعده، وبناءً عليه لو كان متوسط عمر الراوي سبعين سنة فإن عدد الطبقات منذ هجرة رسول الله إلى وفاة الشيخ الطوسي تبلغ 12 طبقة؛ وذلك أنّ كل طبقة تعيش سبعين سنة، منها 35 سنة مشتركة مع الطبقة المتقدمة و35 سنة مشتركة مع الطبقة المتأخرة، فلو قسمنا السبعين اثنين سينتج 35، ونضربه بـ 11 (وهي الحصص المشتركة بين كل طبقة وأخرى) فسينتج 385، ونضيف إليها 35 سنة من عمر الطبقة الأولى، التي لم تشترك مع شيء قبلها، و35 سنة من عمر الطبقة الثانية عشرة، التي لم تشترك مع شيء بعدها فيصبح المجموع 455 سنة، وهو يساوي تقريباً سنة وفاة الشيخ الطوسي، هذا هو المعيار في تقسيم السيّد البروجردي للرواة إلى طبقات. ([24])

سابعاً: تقسيم الطبقات الذي أقره السيّد البروجردي هو على النحو الأتي:

الطبقة الأولى: طبقة اصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله) كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وغيرهما.

الطبقة الثانية: طبقة من روى في الطبقة الأولى ممن لم يطل عمره ممن روى عنه (صلّى الله عليه وآله) كأبي الطفيل عامر بن وائل أو محمد بن أبي بكر (ره) أو كميل بن زياد، لأن هؤلاء ادركوا زمانه (صلّى الله عليه وآله) ولكنهم لم يحظوا بالرواية لصغرهم أو بعدهم.

الطبقة الثالثة: طبقة من روى عن الطبقة الثانية كسلمة بن كهيل وأبي حمزة الثمالي والزهري (ت 184 هـ).

الطبقة الرابعة: طبقة من روى عن الطبقة الثالثة من غير المعمرين كزرارة بن أعين وأخوته وابان بن تغلب والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزيد بن معاوية وأبي حنيفة (ت 150 هـ)ز

الطبقة الخامسة: من روى عن الطبقة الرابعة كحريز بن عبدالله، وسماعة بن مهران (ت 145 هـ) وصفوان الجمال وعبدالله بن مسكان وحمّاد بن عيسى وحماد بن عثمان ومعاوية بن عمار وإسحاق بن عمار وحفص بن غياث بن إبراهيم وسفيان الثوري وإضرابهم.

الطبقة السادسة: طبقة من ولد في حدود (145 هـ ـ 160) وتوفي في حدود (210 ـ 230 هـ) امثال البزنطي والوشاء والحسن بن محبوب والحسن بن علي بن فضال والنوفلي وصفوان بن يحيى وعثمان بن عيسى وابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ومحمد بن سنان ويونس بن عبد الرحمن والشافعي.

الطبقة السابعة: وهم الرواة الذين ولدوا في حدود (185 ـ 200 هـ) وتوفوا حدود سنة (260 ـ 270 هـ) كإبراهيم بن هاشم وأحمد ومحمد وعلي ابناء الحسن بن علي بن فضال ومحمد بن خالد وابنه أحمد بن محمد البرقي وأحمد بن محمد بن عيسى وعبدالعظيم الحسني (المعروف بشاه عبدالعظيم) ومعاوية بن الحكيم وعثمان بن سعيد وغيرهم.

الطبقة الثامنة: طبقة من ولد بحدود سنة (230 ـ 250 هـ) وتوفي حدود (300 ـ 310 هـ) كإبراهيم بن نصير وأخيه حبلويه والحسين ومحمد ابن أحمد بن الحسن بن فضال واغلب شيوخ الكليني (ت 329 هـ).

الطبقة التاسعة: طبقة من ولد في حدود (260 هـ ـ 270 هـ ) وتوفي حدود (300 ـ 350 هـ)، أمثال الشيخ الكليني وأحمد بن داوود وابن عقيل العماني والحسين بن روح وعلي بن محمد السمري وعلي بن الحسين والد الصدوق، والعياشي صاحب التفسير والكشي صاحب الرجال ومحمد بن علي والشلمغاني، ومحمد بن الحسن بن الوليد وغيرهم.

الطبقة العاشرة: وهي طبقة مَنْ ولد حدود (290 ـ 310 هـ) وتوفي حدود (360 ـ 380 هـ) كأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وابن الجنيد وابن النديم والشيخ الصدوق ( 381هـ) وغيرهم.

الطبقة الحادية عشرة: وهم طبقة الذين توفوا في حدود (400 ـ 430 هـ) كالحسين بن عبدالله الغضائري وعلي بن أحمد بن العباس والد النجاشي صاحب الرجال والسيد بن الشريف الرضي والشريف المرتضى والشيخ المفيد وغيرهم.

الطبقة الثانية عشرة: وهم طبقة الذين توفوا حدود (450 ـ 460 هـ) كالنجاشي صاحب الرجال والحلبي صاحب الكافي وسلام صاحب المراسم والشيخ الطوسي والكراجكي وغيرهم ([25]) .

ثامناً: الأئمة (عليهم السلام) وطبقات الرواة.

لابدّ من تبيان مصادر الطبقات ومعاصرتهم للمعصومين (عليهم السلام):

1ـ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) (41 هـ) ووالده (الحسن 3 ـ 50 هـ) والحسين (4 ـ 61 هـ) عليهم السلام، والغالب أن الذين رووا عنهم من الطبقتين الأولى والثانية والثالثة وقد يشترك معهم الإمام زين العابدين (عليه السلام) (38 ـ 95 هـ).

2ـ الإمام محمد الباقر (عليه السلام) (57 ـ 114 هـ) فقد روى عنه عمّر من الطبقات الثلاث كجابر بن عبدالله الانصاري وأبي حمزة الثمالي إلّا أن الغالب في من روى عنه كونهم من الطبقة الرابعة.

3ـ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) (38 هـ ـ 148 هـ) قد روى عنه من عمّر من الطبقة الثالثة وكثير من الطبقة الرابعة والأكثر من الطبقة الخامسة كحريز وسماعة.

4ـ الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) (128 هـ ـ 183 هـ) فقد روى عنه بعض من عمّر من الطبقة الرابعة والأكثر من الطبقة السادسة في سن مبكرة بأحداث الطبقة السادسة.

5ـ الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) (148 ـ 203 هـ) روى عنه بعض الطبقة الخامسة والأكثر من الطبقة السادسة وصغار الطبقة السابعة.

6ـ الإمام الجواد (عليه السلام) (195 ـ 220 هـ) فقد روى عنه كلا من الطبقتين السادسة والسابعة.

7ـ الإمام علي الهادي (عليه السلام) (212 هـ ـ 254 هـ) فقد روى عنه بعض من معمّري الطبقة السادسة والأكثر من الطبقة السابعة.

8ـ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (232 ـ 260 هـ) فقد روى عنه غالباً من الطبقة السابعة وقليل من الطبقة الثامنة.

ثم ما عدّا هذه الطبقات التسع وهي الثلاث المتبقية فانهم قد رووا عن الائمة عليهم السلام، بواسطة باعتبار غيبة الإمام (عليه السلام) حيث لم تسنح له فرصة الشرف للرواية المباشرة عن المعصوم (عليه السلام) مع أنه في عصر الحضور كمحمد بن أبي عُمَير حيث روى عن الإمام الصادق (عليه السلام) (83 هـ ـ 148 هـ) أكثر مما رواه عن الإمام الجواد (عليه السلام) (195 ـ 220هـ) مع أن المناسبة الطبقية تقتضي أن يروي عنه لا عن جده وكان ذلك منهم باعتبار الظروف الحبس وما أثره عليه ومن هنا نجد أن الشيخ الطوسي (ت460 هـ) (قدس سره) قد عقد باباً (من لم يرو عنهم) (عليهم السلام) ويعني بذلك ما لم يرو بالمباشرة ثم إننا بعد أن عرفنا إن هذه الطبقات بلحاظ الرواة، وعرفنا الطبقات بلحاظ الأئمة (عليهم السلام) فانه يتيسر لنا معرفة الإرسال والإسقاط في السند، وهناك معايير يمكن من خلالها معرفة الضابطة في رواية أحد عن أحد ولو باعتبار القرائن، وقد كان القدماء يعتنون بهذا المنهج حتى اصطلحوا على بعض المصنفات فيه بأنها في علم الطبقات.

المصادر:

  1. الاستبصار فيما اختلف من الاخبار، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1363 ش.
  2. البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر (تقرير بحث آية الله البروجردي)، منتظري، حسين علي، نشر مكتب الإعلام الإسلامي، عام 1362 شمسية، قم.
  3. تبيان الصلاة (تقرير البحث أية الله العظمى البروجردي)، أقا علي الصافي الكلبايكاني، گنج عرفان للطباعة والنشر، عام 1426 هـ ق، قم ـ إيران.
  4. ترتيب اسانيد الكافي، البروجردي، أقا حسين الطباطبائي (ت 1381هـ) مجمع البحوث الإسلامية في الأستانة الرضوية المقدسة، 1414 هـ ، 1993م.
  5. تهذيب الأحكام، الطوسي، ابوجعفر محمد بن الحسن بن علي (ت 460هـ)، تحقيق السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1405 هـ.
  6. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تحقيق الشيخ جواد اليعقوبي، ط1، 1417 هـ ، الخاقاني، الشيخ علي (ت 1334 هـ)ز
  7. جامع الرواة وازاحة الاشتبهات عن الطرق والإسناد، الاردبيلي، محمد بن علي الغروي الحائري (ت 1101 هـ)، قم، ب. ت.
  8. الرعاية لحال البداية في علم الدراية، محمد رضا جديدي.
  9. رجال النجاشي، النسائي، الدين شعيب (ت 303هـ).
  10. رجال ابن داود، المطبعة الحيدرية، النجف، 1392 هـ، الزركشي، بدر الدين.
  11. رجال الخاقاني، تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم، ط2، 1404 هـ.
  12. الفوائد الرجالية: الكجوري الشيخ مهدي (ت 1293 هـ)، تحقيق: محمد كاظم رحمان ستايش، ط1، 1424، 1482 ش، دار الحديث للطباعة.
  13. الفوائد الرجالية: الصدر علي الحسيني، دراسات جامعة وقواعد نافعة في علم الرجال، انتشارات دار الغدير، ط1، مطبعة أمين، 1420 هـ، إيران، قم.
  14. لسان العرب، ابن منظور، أبوالفضل جمال الدين محمد بن مكرم الافريقي المصري (ت711 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1416.
  15. معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، أحمد (ابوالحسين)، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، مصر، 1366 هـ.
  16. معجم رجال الحديث تفصيل طبقات الرواة، ط 5، 1413 هـ، الخرسان، السيد محمد صادق محمد رضا.
  17. معجم الثقات وترتيب الطبقات، التبريزي، طالب التجليل، مطبعة مهر، استوار، قم.
  18. المنهج الرجالي والعمل الرائد في الموسوعة الرجالية لسيّد البروجردي، الجلالي، محمد رضا الحسيني، نشر بوستان، كتاب قم، ط2، 1422 هـ ، قم.
  19. معرفة علوم الحديث، ابن الصلاح، ابوعمرو عثمان بن عبدالرحمن الشهرزوري (ت 643 هـ)، تحقيق: نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، 1998 هـ.
  20. حياة سيّد الطائفة أية الله العظمى السيد أقا حسين الطباطبائي البروجردي، (1292 ـ 1380 هـ)، النجفي، محمود دُرياب، قم، مؤسسة أية الله العظمى البروجردي، 1385.
  21. المفردات في غريب القرآن، الراغب الاصفهاني، أبوالقاسم الحسين بن محمد (ت 502 هـ)، تحقيق نديم المرعشي، دار الكتاب العربي، ط1، 1404.
  22. مقياس الهداية في علم الهداية، المامقاني، عبدالله (ت 1290 ـ 1356هـ)؛ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1411 ق.

الهوامش:

  1. () ظ / لسان العرب، ابن منظور، والمحكم، ابن سيّده، وابن فارس معجم مقاييس اللغة، مادة (طبق)، والمفردات في غريب القرآن، الراغب الاصفهاني، ص 313.
  2. () ظ / مقياس الهداية، المامقاني، 3/48، علوم الحديث، ابن الصلاح، ص 39، بحوث في مباني علم الرجال، التبريزي، ص 174.
  3. () ظ / مقياس الهداية، المامقاني، 3/48، علوم الحديث ، ابن الصلاح، 39
  4. () البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر، منتظري، ص 43.
  5. () البدر الزاهر، منتظري: ص 43.
  6. () البدر الزاهر، منتظري، ص 43.
  7. () المصدر نفسه، ص 43، حياة سيّد الطائفة، النجفي، ص 270.
  8. () البدر الزاهر، ص 358
  9. () المنهج الرجالي، الجلالي، ص 99.
  10. () تقريرات الشيخ اللنكراني، ج3، ص 232، نهاية التقرير، ج2، ص 271.
  11. () المنهج الرجالي، الجلالي، ص 94.
  12. () الرعاية لحال البداية في علم الدراية، جديدي، ص 97.
  13. () للسيد حسن الصدر الكاظمي العاملي، ص 342، 343، 344، 349
  14. () ترتيب اسانيد الكافي، البروجردي، ص 113
  15. () التهذيب، الطوسي، ج2، ص 245
  16. () البدر الزاهر، ص 26 ـ 27.
  17. () البدر الزاهر، ص 42 ـ 43.
  18. () المصدر نفسه، ص 26 ـ 27.
  19. () تبيان الصلاة، ج7، ص 111.
  20. () رجال النجاشي، ص 323.
  21. () المصدر نفسه، ص 327.
  22. () التهذيب، ج8، ص 175.
  23. () الاستبصار، ج3، ص 361.
  24. () المنهج الاجتهادي عند الإمام البروجردي، حوار مع نخبة من المراجع والفقهاء، الشيخ أبوطالب تجليل التبريزي، ترجمة كاظم العزاوي ظ / المنهج الرجالي، الجلالي لهذه التقسيمات.
  25. () البدر الزاهر، ص 42 ، 43.