الجواب الكافي عما أستشكله الإمام أبو زرعة الرازي على الإمام مسلم وصحيحه

د. إيهاب عبد الحليم أبو عمر1

1 أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية – كلية العلوم والآداب – جامعة الجوف – المملكة العربية السعودية.

بريد الكتروني: dr.ehab2008@yahoo.com

HNSJ, 2023, 4(12); https://doi.org/10.53796/hnsj412/3

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/12/2023م تاريخ القبول: 02/11/2023م

المستخلص

إن هذا البحث هو أحد البحوث التي كتبت في الدفاع عن السنة ورجالها، وخاصة ما وجه للصحيحين من انتقادات، فجاء هذا البحث للدفاع عن صحيح الإمام مسلم؛ حيث وجه الإمام أبو زرعة الرازي بعض الانتقادات لبعض رجال الصحيح، واستشكل على الإمام مسلم كيف يورد في صحيحه أحاديث عن جماعة هم في رأيه من الضعفاء الذين لا تليق أحاديثهم بالصحيح، فتبنى هذا البحث اظهار وجهة الإمام مسلم في تخريجه عن مثل هؤلاء وبيان الرد على الانتقادات التي وجهها الإمام أبو زرعة للصحيح، وكان من نتائج هذه الدراسة ثبوت عدم وجهة الانتقادات، وبيان وجه الحق في الصحيح ورجاله، وان الإمام مسلم عرض صحيحه على الإمام أبي زرعة وشرح له وجهة نظره فقبل منه أبو زرعة وحمده، ورجع عن انتقاداته.

الكلمات المفتاحية: الجواب ، استشكله ، صحيح

Research title

The Sufficient Answer to Imam Abu Zar’ah Al-Razi’s Criticism of Imam Muslim and his Sahih Book of Hadith

Dr. Ehab AbdElhalim AbouOmar1

1 Assistant Professor, Department of Islamic Studies – College of Science and Arts – Al-Jouf University – Saudi Arabia

Email: Dr.ehab2008@yahoo.com

HNSJ, 2023, 4(12); https://doi.org/10.53796/hnsj412/3

Published at 01/12/2023 Accepted at 02/11/2023

Abstract

This research is one of the researches that were written in defense of the Sunnah and its narrators, especially the criticism directed at the two Sahih books. This research came to defend Sahih Imam Muslim; where Imam Abu Zar’ah Al -Razi directed some criticism to the narrators of the book of Imam Muslim and his authentic book of Hadith. Imam Abu Zar’ah Al–Razi blamed Imam Muslim for narrating on the authority of some weak narrators who are not worthy of being listed is his authentic book of Hadith. This research was based on showing Imam Muslim’s point of view in his narration on the authority of such people and explaining the response to the criticisms directed by Imam Abu Zar’ah to Imam Muslim’s book. One of the results of this study was to prove the lack of criticism, and to clarify the truth Imam Muslim’s book and its narrators, and that Imam Muslim presented his Sahih to Imam Abu Zar’ah and explained his point of view to him, so Abu Zar’ah accepted it, praised him, and retracted his criticisms.

Key Words: Reply; Found Wrong; Sahih [Authentic]

* المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، محمد بن عبد الله النبي الأمين ، وعلى آله وصحبه والتابعين ، وبعد

من المعلوم أن لصحيح الإمام مسلم بن الحجاج مكانة رفيعة ، ومنزلة عالية في نفوس المسلمين ، عامتهم وخاصتهم ، وخاصة أنه ثاني الصحيحين بعد صحيح البخاري ، واللذان اتخذهما المسلمون حجة بينهم وبين الله تعالى بعد كتابه .

ولقد تلقت الأمة الإسلامية الصحيحين بالقبول، واتفقوا على أن أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى ” صحيح الإمام البخاري ” ، وصحيح الإمام مسلم ” وإن اختلفوا في ترجيح أحدهما على الآخر .

ولقد اعتنى الإمامان الجليلان – البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى – عناية فائقة بتصنيف كتابيهما ، وانتقاء رجالهما وأحاديثهما ، مما حمل العلماء على الشهادة والتسليم لهما في ذلك .

أهمية الموضوع وهدف البحث

غير أن جماعة من الأئمة الحفاظ النقاد قد انتقدوا جملة أحاديث في الصحيحين ، وجملة رجال أخرج لهما الشيخان ، ممن ليسوا على شرط الإمامين . ومن ذلك ما انتقده الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله على الإمام مسلم وصحيحه

فمن ذلك ما ذكره أبو عثمان البرذعي( [1] ) تلميذ أبي زرعة الرازي([2]) في سؤالاته لأبي زرعة :

قال البرذعي: شهدت أبا زرعة ذكر كتاب الصحيح الذي ألفه مسلم بن الحجاج ثم الفضل

الصائغ([3]) على مثاله فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شيئا يتشوفون به، ألفوا كتابا لم يسبقوا إليه ليقيموا لأنفسهم رياسة قبل وقتها .

وأتاه ذات يوم – وأنا شاهد – رجل بكتاب الصحيح من رواية مسلم فجعل ينظر فيه ، فإذا حديث عن أسْبَاط بن نَصْر، فقال لي أبو زرعة: ما أبعد هذا من الصحيح يدخل في كتابه أسباط بن نصر. ثم رأى في الكتاب قَطَن بن نُسَيْر ، فقال لي : وهذا أَطَمُّ من الأول، قطن بن نسير وصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس.

ثم نظر فقال : يروي عن أحمد بن عيسى المصري في كتابه الصحيح ! قال لي أبو زرعة : ما رأيت أهل مصر يشكون في أن أحمد بن عيسى وأشار أبو زرعة بيده إلى لسانه ، كأنه يقول : الكذب. ثم قال لي : يحدث عن أمثال هؤلاء ويترك عن محمد بن عجلان ونظرائه، ويُطَرِّقُ لأهل البدع علينا، فيجدون السبيل بأن يقولوا لحديث إذا احتج عليهم به: ليس هذا في كتاب الصحيح. ورأيته يذم وضع هذا الكتاب ويؤنبه.

فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية ذكرت لمسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه روايته في هذا الكتاب عن أسباط بن نصر ، وقطن بن نسير ، وأحمد بن عيسى، فقال لي مسلم : إنما قلتُ صحيح، وإنما أدخلت من حديث أسباط، وقطن، وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية من هو أوثق منهم بنزول فاقتصر على أولئك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات.

وقَدِمَ مسلمٌ بعد ذلك إلى الري، فبلغني أنه خرج إلى أبي عبد الله محمد بن مسلم بن وارة([4]) فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب، وقال له نحوا مما قاله أبو زرعة: إن هذا يطرق لأهل البدع علينا، فاعتذر إليه مسلم وقال: إنما أخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح، ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف، ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح ليكون مجموعا عندي وعند من يكتبه عني فلا يرتاب في صحتها، ولم أقل إن ما سواه ضعيف، ونحو ذلك مما اعتذر به مسلم

إلى محمد بن مسلم، فقبل عذره وحدثه([5]).

* هذا الكلام السابق فيه عدة مسائل:

1- عاب أبو زرعة الرازي على الإمام مسلم بن الحجاج تأليفه كتابه الصحيح على غير مثال سابق، ويتهمه أنه أراد رياسة قبل أوانها.

2- انتقد أبو زرعة الرازي – رحمه الله – على الإمام مسلم بن الحجاج – رحمه الله – إخراجه بعض أحاديث لثلاثة في صحيحه وهم: أسباط بن نصر، وقطن بن نسير، وأحمد بن عيسى المصري، وهؤلاء الثلاثة هم في نظر أبي زرعة ضعاف لا ينبغي أن يرفع لهم ذكر بالتخريج لهم في الصحيح، بل اتهم أحمد بن عيسى المصري بالكذب.

3- ما يخشاه أبو زرعة من وراء هذا الأمر – وهو تأليف مسلم لكتاب في الحديث ويطلق عليه” الصحيح ” – أن يكون ذلك حجة لأهل البدع، والمغرضين أن يردوا الأحاديث الصحيحة والتي لم يخرجها مسلم في صحيحه بحجة أن مسلما لم يخرجها.

4- وقد أجاب الإمام مسلم عما سبق بالآتي:

أ – أنه ما قصد حصر الصحيح ولا جمعه في كتابه، على أن يكون ما عداه ليس بصحيح، وإنما أخرج مسلم أحاديث صحيحه، وما ترك من الصحيح فهو أكثر من ذلك.

ب- أنه انتقى من رواية أسباط، وقطن، وأحمد المصري ما وافقهم على روايته الثقات، ولكنه لم يخرج روايات الثقات؛ لأنها وردت بإسناد نازل، وروايات هؤلاء الثلاثة عند مسلم بإسناد عال، فاختار الإمام مسلم الإسناد العالي، وترك الآخر اعتمادا على أن أصل الحديث كان معروفا عندهم.

قال ابن رجب: وقد يخرج – يعني مسلما – من حديث بعضهم ما هو معروف عن شيوخه من طرق أخرى، ولكن لم يكن

وقع لصاحب الصحيح ذلك الحديث إلا من طريقه، إما مطلقاً أو بعلو. فإذا كان الحديث معروفاً عن الأعمش صحيحاً (عنه)، ولم يقع لصاحب الصحيح عنه بعلو إلا من طريق بعض من تُكُلِّمَ

فيه من أصحابه خَرَّجَهُ عنه([6]).أ.هـ

5- عاب الإمام محمد بن مسلم بن واره على الإمام مسلم بن الحجاج – ما عابه عليه أبو زرعة من قبل.

6- اعتذر الإمام مسلم بن الحجاج للإمام محمد بن مسلم بن وارة بما اعتذر به لأبي زرعة من قبل.

7- قبل الإمام محمد بن مسلم بن وارة عذر الإمام مسلم بن الحجاج في تصنيفه الكتاب، وإخراجه لمثل حديث هؤلاء.

* هذه هي القضايا التي اشتمل عليها النص السابق ، وهي قضايا جديرة بالدراسة ، والمناقشة ، والتحليل ، مما دفعني إلى كتابة هذا البحث محاولا استجلاء الدافع من وراء انتقاد الإمام أبي زرعة للإمام لمسلم وصحيحه ورجاله، ومن ثم الوصول إلى الحقيقة مما يكون حلقة وصل في سلسلة الدفاع عن السنة وكتبها ورجالها([7]) .

الدراسات السابقة

لم أقف – فيما بحثت على دراسة سابقة تبنت الجواب عما استشكله الإمام أبي زرعة الرازي على صحيح الإمام مسلم كما هو في هذه الدراسة.

خطة البحث

قسمت البحث إلى مقدمة – مهدت فيها للموضوع ذاكرا سبب كتابتي فيه – وثلاث مباحث أتت على النحو الآتي:

المبحث الأول: كان في سبب تأليف الإمام مسلم لكتابه الصحيح.

المبحث الثاني: الأعلام الذين انتقدهم الإمام أبو زرعة الرازي على الإمام مسلم، وهو عبارة عن تراجم موسعة للرواة الذين انتقدهم الإمام أبو زرعة على الإمام مسلم، ودراسة أحاديث كل منهم في

الصحيح، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: ترجمة أسباط بن نصر، ودراسة أحاديثه في الصحيحين.

المطلب الثاني: ترجمة قطن بن نسير، ودراسة أحاديثه في الصحيحين.

المطلب الثالث: ترجمة أحمد بن عيسى المصري، ودراسة أحاديثه في الصحيحين.

المبحث الثالث: وفيه أجوبة الإمام مسلم عما انتقد عليه، ومسألة استيعاب الصحيحين للأحاديث الصحيحة، وموقف الإمامين أبي زرعة الرازي ومحمد بن مسلم بن وارة من هذه الأجوبة، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: هل استوعب الإمامان البخاري ومسلم كل الأحاديث الصحيحة في كتابيهما، أو التزما ذلك حتى يكون كتاباهما حجة للمغرض بأن يَرُدَّ ما لم يَرِد في كتابيهما حتى ولو صح.

المطلب الثاني: مع الإمام مسلم في ردوده، وهل الإسناد العالي يطلب لذاته؟

المطلب الثالث: موقف الإمامين أبي زرعة الرازي، ومحمد بن مسلم بن وارة من ردود الإمام مسلم.

ثم الخاتمة وفيها: أهم النتائج، والتوصيات. ثم أهم المصادر والمراجع.

منهج البحث والدراسة

اقتضت طبيعة الدراسة إلى استخدام المنهج التحليلي النقدي والذي يقوم على سرد الانتقادات ومناقشتها ثم الحكم عليها، فذكرت الانتقادات التي وجهها الإمام أبو زرعة الرازي إلى صحيح الإمام مسلم وقمت بمناقشتها بموضوعية علمية والرد عليها

المبحث الأول : سبب تأليف الإمام مسلم لكتابه الصحيح

تمهيد : تكلم الإمام مسلم عن سبب تأليفه لكتابه الصحيح في مقدمة صحيحه ذاكرا أن أحد طلبة العلم قد طلب إليه أن يؤلف له كتابا جامعا فيه جملة أخبار مأثورة عن رسول الله في سنن الدين وأحكامه ، وما كان منها في الثواب والعقاب والترغيب والترهيب ، وغير ذلك ، على أن تكون هذه الأخبار صحيحة مذكورة بأسانيدها ، من غير تكرار للأحاديث، فأجابه الإمام مسلم إلى ما طلب لما رأى ما فيه من منافع وفوائد .

قال الإمام مسلم رحمه الله: الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد خاتم

النبيين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. أما بعد فإنك يرحمك الله بتوفيق خالقك ذكرتَ أنك هممتَ بالفحص عن تَعَرُّفِ جملةَ الأخبار المأثورة عن رسول الله في سنن الدين وأحكامه، وما كان منها في الثواب والعقاب والترغيب والترهيب، وغير ذلك من صنوف الأشياء بالأسانيد التي بها نُقِلَت وتداولها أهل العلم فيما بينهم، فأردتَ – أرشدك الله – أن تُوَقَّفَ على جملتها مؤلفة محصاة، وسألتَنِي أن ألخصها لك في التأليف بلا تكرار يكثر؛ فإن ذلك – زعمتَ – مما يشغلك عما له قصدتَ من التَّفَهُّم فيها والاستنباط منها، وللذي سألتَ – أكرمك الله – حين رجعتُ إلى تدبره وما تؤول به الحال إن شاءَ الله عاقبةٌ محمودةٌ ومنفعةٌ موجودةٌ، وظننتُ حين سألتَني تَجَشُّمَ ذلك – أن لو عُزِمَ لي عليه وقُضِي لي تمامُهُ كان أَوَّلُ من يصيبُهُ نفعُ ذلك إيايَ خاصة قبل غيري من الناس لأسباب كثيرة يطول بذكرها الوصف، إلا أن جملة ذلك: أن ضبط القليل من هذا الشأن وإتقانه أيسرُ على المرء من معالجة الكثير منه، ولا سِيَّمَا عند من لا تمييز عنده من العوام إلا بأن يُوَقِّفَه على التمييز غيرُه، فإذا كان الأمر في هذا كما وصفنا فالقصد منه إلى الصحيح القليل أولى بهم من ازدياد السقيم، وإنما يُرْجَى بعضُ المنفعة في الاستكثار من هذا الشأن وجمعِ المُكَرَّراتِ منه لِخَاصَّةٍ من الناس ممن رُزِقَ فيه بعضَ التَّيَقُّظِ والمعرفة بأسبابه وعلله، فذلك إن شاء الله يَهْجُمُ بما أُوتِيَ من ذلك على الفائدة في الاستكثار مِنْ جَمْعِهِ، فأما عَوَامُّ الناس الذين هم بخلاف معاني الخاص من أهل التَّيَقُّظِ والمعرفة فلا معنى لهم في طلب الكثير وقد عجزوا عن معرفة القليل.

ثم إنا إن شاء الله مُبْتَدِئُون في تخريج ما سألتَ وتأليفِهِ على شريطةٍ سوف أذكُرُهَا لَكَ.

– ثم شرع الإمام مسلم رحمه الله في ذكر شرط كتابه وطبقات الرواة الذين يخرج عنهم في صحيحه. وغير ذلك مما ذكر([8]).

قلت: ظهر من كلام الإمام مسلم السابق في سبب تأليفه لكتابه الصحيح:

1- أنه طُلِبَ منه ذلك، ولم يكن يَدُرْ بخلده تأليف كتاب في الصحيح، وإن كان من أهل تلك الصنعة المُقَدَّمِينَ فيها.

2- أن غاية الإمام مسلم من طلب العلم هو تحصيل معالم الدين؛ للعلم به، وليس لطلب الشهرة فيه.

3- أن الصحيح والضعيف من الأحاديث كان ثقافة قوم منتشرة في البقاع والأصقاع.

4- أن كلام الإمام أبي زرعة الرازي لا يمكن حمله على غير إرادة الخير منه لمسلم، وذلك بالتزام التؤدة – من وجهة نظره –

ومن باب حمل الأستاذ تلميذَهُ على كثير من التحري والتدقيق، أو أنه صدر منه قبل أن ينظر في الكتاب ويتعرف على وجهة

نظر الإمام مسلم في التخريج لهؤلاء الرواة – فلما أوقفه مسلم على وجهة نظره رضيه.

فقد حكى مكي بن عبدان وهو أحد حفاظ نيسابور قال: سمعت مسلما يقول: عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة أخرجته([9]).

5- حسن خلق الإمام مسلم وتواضعه مع شيخه – أبو زرعة الرازي – حيث عرض عليه كتابه، وقبل منه انتقاده وتصويبه لما فيه، ثم سرعة استجابته لما أشار به أبو زرعة من إخراج الأحاديث التي بها علل من الكتاب الصحيح – ويا ليت – يكون هذا هو خلق عامة طلاب العلم اليوم، فما أحوجنا – خاصة في أيامنا هذه – إلى شيخ محقق حريص على طلبته، وإلى أخلاق الإمام مسلم في تواضعه وحسن أدبه مع شيخه.

المبحث الثاني : الأعلام الذين انتقدهم الإمام أبو زرعة الرازي على الإمام مسلم

* تمهيد:

هذا البحث معقود في الأصل للجواب عن الإشكال الذي أشكله الإمام أبو زرعة الرازي على بعض رجال صحيح مسلم ، وفي هذا الفصل أترجم تراجم موسعة لهؤلاء الرجال ، وأدرس أحاديثهم في صحيح مسلم ؛ وذلك حتى أقف على حقيقة ما ادعاه مسلم من أنه لم يُخَرِّج من حديث هؤلاء إلا ما وافقهم الثقات على روايته عن شيوخهم ، ورأيت أنه من مكملات البحث أن أدرس أحاديثهم في صحيح البخاري أيضا ، لمعرفة هل أخرج عنهم البخاري واعتمدهم في صحيحه أم لم يخرج عنهم شيئا ؛ ولذلك ذكرت أني سأدرس أحاديثهم في الصحيحين ، فمن أخرج عنهم البخاري ومسلم أقوى ممن انفرد به أحدهما – كما هو معلوم عن العلماء .

المطلب الأول : ترجمة أَسْبَاط بن نَصْر([10])، ودراسة أحاديثه في الصحيحين

* أَسْبَاط بن نَصْر أبو يوسف الهمداني، وقيل أبو نصر الكوفي. روى عن: إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وجابر بن يزيد الجعفي، والحكم ابن عبد الملك، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن المفضل الحفري الكوفي، وإسحاق بن منصور السلولي، وعبد الله بن صالح العجلي، وغيرهم. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي قال: سمعت أبا نعيم يضعف أسباط ابن نصر، وقال: أحاديثه عامتها سقط مقلوبة الأسانيد. وقال عبد الرحمن: حدثني أبى نا محمد ابن مهران الجمال قال: سألت أبا نعيم عن أسباط بن نصر فقال: لم يكن به بأس، غير أنه أهوج.أ.هـ وقال النسائي : ليس بالقوي . أ . هـ

قلت: وثقه ابن معين في سؤالات الجنيد، وفي تاريخه رواية الدوري والدارمي. وقد توقف فيه أحمد، وفي رواية حرب بن إسماعيل قال: قلت لأحمد: أسباط بن نصر الكوفي الذي يروي عن السدي كيف حديثه قال: ما أدري، وكأنه ضعفه.أ.هـ

وفي العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل قال عبد الله بن أحمد: سألته عن أسباط بن نصر فقال: ما كتبت من حديثه عن أحد شيئا، ولم أره عرفه. ثم قال: وكيع، وأبو نعيم يحدثان عن مشايخ الكوفة ولم أرهما يحدثان عنه.أ.هـ وفي أجوبة أبي زرعة على أسئلة البرذعي: قال أبو زرعة: أما حديثه فيعرف وينكر، وأما في نفسه فلا بأس به. حدثنا محمد بن إدريس قال: سمعت أبا نعيم وقال له رجل: سمعتَ من أسباط بن نصر قال – أبو نعيم – كان أسباط بن نصر يقلب الحديث. حدثنا محمد قال: سمعت أبا جعفر الجمال يذكر عن أبي نعيم قال: ذكر له أسباط ين نصر فقال: هالك هو.أ.ه وقال البخاري في تاريخه الأوسط: صدوق.أ.هـ وقال موسى بن هارون: لم يكن به بأس.أ.هـ وقال مغلطاي: وخَرَّج ابن حبان حديثه في “صحيحه “، وكذا أبو عوانة، والحاكم. وذكره أبو العرب، والساجي في “جملة الضعفاء”. زاد الساجي: روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن حرب. وقال ابن خلفون لما ذكره في ” الثقات “: وهو عندي في الطبقة الثالثة من المحدثين. وحكى ابن أبي خيثمة في “تاريخه: أنه كان ألثغ.أ.هـ قلت : ذكر له الذهبي في الميزان حديثا عن السدي، وقال: تفرد به أسباط.أ.ه وقال ابن حجر في التهذيب: علق له البخاري حديثا في الاستسقاء وقد وصله الإمام احمد، والبيهقي في السنن الكبير، وهو حديث منكر أوضحته في التعليق([11]).أ.ه وقال في التقريب: صدوق كثير الخطأ.أ.هـ ذكره ابن حبان في الثقات. وفي كتاب الأجوبة للشيح أبي مسعود عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج: قال أبو مسعود: هذا أبو نعيم قد اختلف قوله فيه، ولم يتهمه بكذب، وقد قال أيضاً: لم يكن به بأس، وقد وثقه يحيى بن معين.

قال أبو مسعود : وجميع ما أخرج مسلم حديثاً واحداً في فضائل النبي([12]) : فذكره أبو مسعود وقال: وهذا حديث قد روي عن رسول الله في معناه أحاديث كثيرة. وقد ذكر البخاري أسباطاً في تاريخه فقال: أسباط بن نصر الهمداني الكوفي، سمع سماك بن حرب والسدي. وكذلك ذكره مسلم في ” الكنى “، ولم يذكر أنه روى عن غير هذين. وكذلك قال ابن أبي حاتم عن أبيه، أنه سمع من سماك والسدي. قال أبو مسعود: ولا أعلمه روى عن غيرهما، ولو كان له رواية من شرط البخاري لأخرج عنه، ولكن البخاري ليس من شرطه سماك ولا السدي.أ.ه قلت : روى له مسلم ، والأربعة ، والبخاري تعليقا ، وفي الأدب. توفي في حدود السبعين والمائة.

* خلاصة حاله : صدوق كثير الخطأ على قول الأكثرين، فقد أخطأ في أحاديث وقلب أسانيدها، وروى أحاديث لا يتابع عليها وهذا الطعن متعلق بالضبط، فيحمل ما ذكره ابن معين من توثيقه على عدالته كما أشار إليه أبو زرعة.

* دراسة أحاديث أسباط بن نصر في الصحيحين:

1- لم يخرج البخاري شيئا من أحاديث أسباط بن نصر إلا حديثا واحدا ذكره تعليقا عقب حديث أخرجه في كتاب الاستسقاء بَاب إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الْإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدَّهُمْ ح (1020) فذكر الحديث ثم قال: وَزَادَ أَسْبَاطٌ عَنْ مَنْصُورٍ: ” فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ – – فَسُقُوا الْغَيْثَ ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا ، وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ ، قَالَ : اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا ، فَانْحَدَرَتْ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ “([13]).

2- وأخرج له مسلم حديثا واحدا في كتاب الفضائل ( 21 ) باب طيب رائحة النبي ، ولين مسه والتبرك بمسحه ) ح ( 2329 ) قال: حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد حدثنا أسباط وهو ابن نصر الهمداني عن سماك عن جابر بن سمرة الحديث([14]).

* الخلاصة : بان بالتخريج أن أسباط بن نصر لم ينفرد برواية الحديث بل توبع عليه ، فقد تابعه شعبة ابن الحجاج على رواية هذا الحديث عن شيخه سماك بن حرب كما ذكر الطبراني .

– وعلى ذلك فإنه ليس بمدفوع عن الصحيح إلا صحيح البخاري .

* ثم إن مسلما – رحمه الله – أخرج حديث أسباط في كتاب الفضائل – كما مر في التخريج، وأحاديث المناقب والفضائل والترغيب والترهيب لا يشترط في رواتها ما يشترط في رواة أحاديث العقائد والأحكام. والجمهور على أن هذه الأبواب يقبل فيها حديث الضعيف غير الكذاب([15]) .

* المطلب الثاني : ترجمة : قَطَن بن نُسَيْر ، ودراسة أحاديثه في الصحيحين

قَطَن بن نُسَيْر – بنون ومهملة ، مصغر ، البصري أبو عَبَّاد الغُبَرِي المعروف بالذارع([16]). روى عن: بشر بن منصور السليمي، وجعفر بن سليمان الضبعي، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم . قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عنه فرأيته يحمل عليه، ثم ذكر أنه روى أحاديث عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس مما أنكر عليه. وقال البرذعي في سؤالاته لأبي زرعة: قلت: قطن بن نسير: فرأيته يحمل عليه وقال: حدث عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قصته، لا أعلم أحدا يقول قصته عن أنس غيره، وذكر أيضا مما ينكر عليه في روايته.أ.ه وقال في موضع آخر: قطن بن نسير وصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس.أ.هـ. وقال أبو أحمد بن عدي: يسرق الحديث ويوصله. وذكر له حديثا عن جعفر بن سليمان عن أنس أن النبي كان لا يدخر شيئا لغد. قال ابن عدي: وهذا الحديث يعرف بقتيبة عن جعفر، سرقه قطن ابن نسير منه.أ.هـ وقد أجاب الذهبي عن هذا بقوله: قلت: هذا ظن وتوهم، وإلا فقطن مكثر عن جعفر بن سليمان.أ.هـ قلت: وذكر له ابن عدي حديثا آخر وقال عنه باطل. وقال الذهبي في الميزان: قال ابن عدي في آخر ترجمته: أرجو أنه لا بأس به.أ.هـ قلت: ولم أقف على قول ابن عدي هذا في النسخ التي بين أيدينا. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. وقال ابن حجر في التهذيب: روى عنه مسلم حديثا واحدا في فضل ثابت بن قيس بن شماس. وقال في التقريب: صدوق يخطئ. توفي في حدود الأربعين والمائتين. وقال صفي الدين الخزرجي في خلاصة تهذيب الكمال : روى عنه مسلم ثلاثة أحاديث قرنه في أحدهما بيحيى بن يحيى.أ.هـ قلت : بل هو حديث واحد كما ذكر ابن حجر، أخرجه مسلم في كتاب الإيمان كما سيأتي.

وفي كتاب الأجوبة للشيح أبي مسعود عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج قال أبو مسعود: وأما قطن فما أخرج عنه من حديث جعفر، ولا عن غير جعفر، إلا حديثاً واحداً عن جعفر، عن ثابت، عن أنس رضي الله تعالى عنه لما نزلت: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ )…. الحديث ) في قصة ثابت بن قيس، وهذا حديث مشهور عن ثابت. وقد أخرجه مسلم أيضاً من حديث سليمان التيمي وحماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس.

* خلاصة حاله: صدوق له أوهام، كما فسر بعضها أبو زرعة الرازي، وما نسب إليه من سرقة الحديث فقد رده الإمام الذهبي.

* دراسة حديث قطن بن نسير في الصحيحين:

1- لم يخرج البخاري لقطن بن نسير شيئا في الصحيح.

2- أخرج الإمام مسلم حديثا واحدا لقطن بن نيسر في صحيحه في كتاب الإيمان (52 باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله ) ح ( 119) 1/110 قال : وحدثنا قطن بن نسير حدثنا جعفر بن سليمان الحديث حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال: كان ثابت ابن قيس بن شماس خطيب الأنصار فلما نزلت هذه الآية بنحو حديث حماد.

قلت : يعني : حديث حماد بن سلمه عن ثابت البناني عن أنس بن مالك السابق لهذا الحديث عند مسلم. فلم يخرج مسلم حديث قطن أصلا ، وإنما هو متابعة كما هو واضح من ترتيب مسلم للأحاديث في الباب([17]) .

* الخلاصة : بان من هذا التخريج أن قطن بن نسير لم ينفرد برواية هذا الحديث ، وإنما للحديث متابعات كما سبق . فَخَلُصَ منه قطن . والله أعلم

* المطلب الثالث : ترجمة أحمد بن عيسى المصري([18]) ، ودراسة أحاديثه في الصحيحين

أحمد بن عيسى بن حسان المصري أبو عبد الله بن أبي موسى العسكري المعروف بالتُّسْتَري، كان يتجر إلى تستر فعرف بذلك، وقيل: إن أصله من الأهواز. روى عن: إبراهيم بن أبي حية واسمه اليسع المكي، وأزهر بن سعد السمان البصري، وبشر بن بكر التنيسي، وغيرهم. روى عنه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجة، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم . قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: سمعت يحيي بن معين يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنه كذاب. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبى عنه فقال: قيل لي بمصر انه قدمها واشترى كتب ابن وهب وكتاب المفضل بن فضالة. ثم قدمت بغداد فسألت: هل يحدث عن المفضل؟ قالوا: نعم. فأنكرت ذلك؛ وذلك أن الرواية عن ابن وهب والمفضل لا يستويان. قال عبد الرحمن: وسئل أبى عنه فقال: تكلم الناس فيه.أ.هـ وقال البرذعي: أنكر أبو زرعة على مسلم روايته عن أحمد بن عيسى في الصحيح. وقال أيضا: قال لي أبو زرعة: ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه، وأشار إلى لسانه، كأنه يقول الكذب. قال الخطيب البغدادي: ما رأيت لمن تكلم في أحمد بن عيسى حجة توجب ترك الاحتجاج بحديثه، وقد ذكره أبو عبد الرحمن النسائي في جملة شيوخه الذين بين أحوالهم فقال: ليس به بأس. قلت : والراوي أعلم بحال شيخه .

وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان متقنا يروي عن عيينة، وكان راويا لابن وهب. وفى كتاب ” ابن خلدون ” قال أبو جعفر النحات: كان أحد الثقات، اتفق الإمامان على إخراج حديثه. وقال الذهبي: ثقة، كذبه ابن معين فأسرف. وقال مرة : ثقة ثبت كان عصريه يحيى بن معين يكذبه وحاشاه، بل هو صادق متقن. وقال في الميزان: احتج به أرباب الصحاح، ولم أر له حديثا منكرا فأورده. وقال في الكاشف: تكلم فيه بلا حجة. وقال مرة: ثقة حجة احتج به الشيخان وما علمت فيه وَهَنًا، فلا يلتفت إلى قول يحيى بن معين فيه ” كذاب “، وكذا غمزه أبو زرعة. وقال في السير بعد أن ذكر تجريح يحيى، وأبو حاتم، وأبو زرعة لأحمد: قلت – الذهبي -: العمل على الاحتجاج به. فأين ما انفرد به حتى نلينه به؟ ! وقد لحق يغنم بن سالم أحد الهلكى. وسمع منه، وسكن العراق.أ.ه. قلت: يعني بقوله هذا – ولم يحدث عنه أي عن – يغنم بن سالم. فأين ما انتقده عليه هؤلاء حتى ضعفوه به.أ.هـ وفي كتاب الأجوبة للشيح أبي مسعود عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج: قال أبو مسعود: روى عنه البخاري ومسلم جميعاً، وروى عنه كبار الناس. قال أبو مسعود: إنما أُنْكِر عليه حديثه عن مفضل بن فضالة، حكاه أبو حاتم عن أهل مصر، ولم يسم من أنكره عليه، وإنما أخرجوا من حديث ابن وهب. قال ابن حجر في التهذيب: إنما أنكروا عليه ادعاء السماع، ولم يتهم بالوضع، وليس في حديثه شيء من المناكير والله أعلم.

وقال في التقريب: صدوق تكلم في بعض سماعاته، قال الخطيب: بلا حجة. وقال في هدي الساري: عاب أبو زرعة على مسلم تخريج حديثه ولم يبين سبب ذلك، وقد احتج به النسائي مع تعنته. وقال الخطيب: لم أر لمن تكلم فيه حجة توجب ترك الاحتجاج بحديثه. قلت – ابن حجر – وقع التصريح به في صحيح البخاري في رواية أبي ذر الهروي وذلك في ثلاثة مواضع: أحدها : حديثه عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة أن أول شيء بدأ به النبي الطواف. وقد تابعه عليه عنده أصبغ عن ابن وهب. ثانيها: حديثه عن ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سالم عن أبيه في المواقيت مقرونا بسفيان ابن عيينة عن الزهري. وثالثها: هذا الإسناد في الإهلال من ذي الحليفة بمتابعة ابن المبارك عن يونس. وقد أخرج مسلم الحديثين الأخيرين عن حرملة عن ابن وهب. فما أخرج له البخاري شيئا تفرد به. مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين.

* خلاصة حاله: ثقة، ولا التفات لقول من جرحه وذلك للآتي: قد وثقه الأئمة وهم كثرة. وخرّج له الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما، وهذا منهما توثيق عملي له، والتوثيق العملي لا يقل عن التوثيق النظري، وهو من شيوخهما، والراوي أعلم بحال شيخه. وكذلك من جرحه لم يذكر لذلك سببا، ولم يذكروا له حديثا منكرا، والقاعدة أنه لا يقبل التجريح فيمن وثق إلا مفسرا. ولقد دافع عنه الأئمة الكبار مثل الخطيب والذهبي وهم مَنْ هم. والنسائي مع تشدده في الرجال روى عنه وقال فيه: ” لا بأس به ” وهذا منه توثيق لشيخه فهو أعلم به من غيره.

* دراسة أحاديث أحمد بن عيسى المصري في الصحيحين

* أولا: صحيح البخاري: أخرج البخاري لأحمد بن عيسى ثلاث أحاديث مصرحا فيها باسمه وهي :

– الحديث الأول في كِتَاب الْحَجِّ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ

فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} ح ( 1514 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ فذكر الحديث. وهذا الحديث أخرجه مسلم في كتاب الحج ( 5) باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة ) ح ( 1187 ) قال حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب به بلفظه . وأخرجه النسائي في السنن الصغرى ( المجتبى ) كتاب مناسك الحج باب العمل في الإهلال ح (2758 ) قال:

أخبرنا عيسى بن إبراهيم عن بن وهب به بلفظه.

– فبان برواية مسلم والنسائي لهذا الحديث بأن أحمد بن عيسى لم ينفرد بهذا الحديث عن ابن وهب بل تابعه على روايته كل من: حرملة بن يحيى، وعيسى بن إبراهيم.

– الحديث الثاني في كِتَاب الْحَجِّ أيضا بَابُ الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ ح ( 1641 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ فذكر الحديث.

– وقد تابع أحمد بن عيسى على رواية هذا الحديث أَصْبَغُ بن الفرج عن ابن وهب كما عند البخاري في كتاب الحج بَابُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا ، ح (1614) قال البخاري : حَدَّثَنَا أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ به بنحوه.

– وقد أخرجه مسلم في كتاب الحج ( 29) باب ما يلزم من الطواف بالبيت وسعي من البقاء على الإحرام وترك التحلل ) ح ( 1235 ) قال: حدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب به بنحوه.

– فبان بالتخريج أن أحمد بن عيسى لم ينفرد برواية هذا الحديث بل تابعه على روايته أصبغ بن الفرج وهارون بن سعيد الأيلي.

– الحديث الثالث في كِتَاب الْحَجِّ أَيْضًا – أَبْوَابُ الْعُمْرَةِ – بَابٌ مَتَى يَحِلُّ الْمُعْتَمِرُ ح (1796 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ فذكر الحديث.

– وهذا الحديث أخرجه مسلم في كتاب الحج ( 29 باب ما يلزم من الطواف بالبيت وسعي من البقاء على الإحرام وترك التحلل ) ح ( 1237 ) قال: وحدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب به بلفظه. فأخرج له مسلم مقرونا براوية هارون بن سعيد. وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم ح ( 2871 ) من طريق حرملة بن يحيى وأبي عبيد الله كلاهما عن ابن وهب به بلفظه.

– فبان بهذا أن أحمد بن عيسى لم ينفرد برواية هذا الحديث، بل تابعه على روايته هارون بن

سعيد، وحرملة بن يحيى، وأبو عبيد الله.

* فهذه هي الثلاثة مواضع التي صرح فيها البخاري بالرواية عن أحمد بن عيسى، وبان بالتخريج أن أحمد لم ينفرد برواية أي منها بل توبع على جميعها([19]). والله أعلم

* ثانيا : دراسة أحاديث أحمد بن عيسى المصري في صحيح مسلم

روى الإمام مسلم اثنين وثلاثين حديثا عن أحمد بن عيسى :

1- في كتاب الإيمان ( 8) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي ، وأن من فعل ذلك عصم نفسه وماله إلا بحقها ووكلت سريرته إلى الله تعالى، وقتال من منع الزكاة أو غيرها من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشعائر الإسلام ح ( 21 ) قال مسلم: وحدثنا أبو الطاهر، وحرملة بن يحيى، وأحمد بن عيسى، قال أحمد: الحديث.

2- في كتاب الطهارة ( 9 باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما ) ح (240 ) قال مسلم: حدثنا هارون بن سعيد الأيلي، وأبو الطاهر، وأحمد بن عيسى قالوا: أخبرنا عبد الله ابن وهب الحديث.

3- في كتاب الطهارة ( 29 باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد ) ح ( 283 ) قال مسلم: وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي، وأبو الطاهر، وأحمد بن عيسى جميعا عن ابن وهب الحديث.

4- في كتاب الحيض ( 2 باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد ) ح ( 295) قال مسلم: حدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب عن مخرمة ح وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد ابن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب الحديث.

5- في كتاب الحيض باب المذي ح ( 303 ) قال مسلم: وحدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب الحديث.

6- في كتاب الحيض ( 24 باب نسخ الوضوء مما مست النار ) ح ( 355 ) قال مسلم : حدثني أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب الحديث.

7- في كتاب الحيض ( 24 باب نسخ الوضوء مما مست النار ) ح ( 358 ) قال مسلم: وحدثني أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب وأخبرني عمرو ( ح ) وحدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد عن الأوزاعي ( ح ) وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب الحديث.

8- في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ( 4 باب فضل بناء المساجد والحث عليها )ح ( 533 ) قال مسلم: حدثني هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب الحديث.

9- كرر الحديث السابق في كتاب الزهد والرقائق ( 3 باب فضل بناء المساجد ) سندا ومتنا.

10- في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ( 17 باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوهما ) ح ( 566 ) قال مسلم: حدثنا هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب الحديث.

11- في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ( 32 باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه )ح ( 615 ) قال مسلم: وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، وعمرو بن سواد، وأحمد بن عيسى ، حدثنا ابن وهب الحديث.

12- في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالعصر ح ( 624 ) قال مسلم:

حدثنا عمرو بن سواد العامري، ومحمد بن سلمة المرادي، وأحمد بن عيسى وألفاظهم متقاربة، حدثنا ابن وهب الحديث.

13- في كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به ح ( 847 ) قال مسلم: حدثني هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالاحدثنا ابن وهب الحديث.

14- في كتاب الجمعة، باب في الساعة التي في يوم الجمعة ح ( 853 ) قال مسلم: وحدثني أبو الطاهر، وعلي بن خشرم قالا: أخبرنا بن وهب عن مخرمة بن بكير( ح ) وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالا : حدثنا ابن وهب أخبرنا مخرمة الحديث.

15- في كتاب الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه ح ( 982 ) قال مسلم: وحدثني أبو الطاهر، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالوا: حدثنا ابن وهب الحديث.

16- في كتاب الصيام ( 27 باب قضاء الصيام على الميت ) ح ( 1147 ) قال مسلم: وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب الحديث.

17- في كتاب الحج ( 6 باب الصلاة في مسجد ذي الحليفة ) ح (1188 ) قال مسلم: وحدثني حرملة بن يحيى، وأحمد بن عيسى، حدثنا ابن وهب الحديث.

18- في كتاب الحج ( 9) باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم ) ح ( 1198 ) قال مسلم: حدثنا هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالا: أخبرنا ابن وهب الحديث.

19- في كتاب الحج (29 باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعي من البقاء على الإحرام وترك التحلل ) ح ( 1237 ) قال مسلم: وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب الحديث.

20- في كتاب الحج (67 باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض ) ح ( 1211 ) قال مسلم: حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى، وأحمد بن عيسى، حدثنا ابن وهب الحديث.

21- في كتاب الحج ( 79 باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة ) ح ( 1348) قال مسلم: حدثنا هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب الحديث.

22- في كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاع ح ( 1448 ) قال مسلم: وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب الحديث.

23- في كتاب باب كراء الأرض ح ( 1536 ) قال مسلم: حدثني أبو الطاهر، وأحمد بن عيسى جميعا عن ابن وهب الحديث.

24- في كتاب المساقاة باب الربا ح ( 1585 ) قال مسلم: حدثنا أبو الطاهر، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالوا: حدثنا ابن وهب الحديث.

25- في كتاب الهبات باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل ح ( 1622 ) قال مسلم: وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب الحديث.

26- في كتاب النذر( 5 باب في كفارة النذر ) ح (1645 ) قال مسلم: وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، ويونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن عيسى، حدثنا ابن وهب الحديث.

27- في كتاب الحدود باب حد السرقة ونصابها ح ( 1684 ) قال مسلم: وحدثني أبو الطاهر، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عيسى، واللفظ لهارون وأحمد، حدثنا ابن وهب الحديث.

28- في كتاب الحدود ( 9 باب قدر أسواط التعزير ) ح ( 1708 ) قال مسلم: حدثنا أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب الحديث.

29- في كتاب اللباس والزينة (29 باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه ) ح ( 2118 ) قال مسلم: حدثنا أحمد بن عيسى أخبرنا بن وهب الحديث.

30- في كتاب السلام ( 26 باب لكل داء دواء ، واستحباب التداوي ) ح ( 2204 ) قال مسلم: حدثنا هارون بن معروف، وأبو الطاهر، وأحمد بن عيسى قالوا: حدثنا ابن وهب الحديث.

31- في كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب استعمال المسك وأنه أطيب الطيب وكراهة رد الريحان والطيب ح (2254 ) قال مسلم: حدثني هارون بن سعيد الأيلي، وأبو طاهر، وأحمد بن عيسى، حدثنا ابن وهب الحديث.

32- في كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين ح ( 2658 ) قال مسلم: حدثني أبو الطاهر، وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا ابن وهب

الحديث.

* قلت : هذه اثنتان وثلاثون حديثا أخرجها الإمام مسلم في صحيحه من طريق أحمد بن عيسى المصري ذكرها كلها متابعة ومما وُوُفِقَ عليه أحمد من رواية الثقات عن شيوخه ، إلا الحديث السادس ، والثامن والعشرين ، والتاسع والعشرين . فلم يُتَابَع عليها أحمد في صحيح مسلم ، بل كانت المتابعة في كتب أخرى وهي كالآتي :

– أما الحديث السادس قد تابع أحمد بن عيسى على روايته أَصْبَغُ بن الفرج – وراق ابن وهب – كما عند البخاري في كتاب الوضوء بَاب مَنْ مَضْمَضَ مِنْ السَّوِيقِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ح ( 210 ) قال البخاري: و حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ فذكر الحديث.

– وأما الحديث الثامن والعشرون قد تابع أحمد بن عيسى على روايته يحيى بن سليمان كما عند البخاري في صحيحه في كتاب المحاربين بَاب كَمْ التَّعْزِيرُ وَالْأَدَبُ ح (6850 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ فذكر الحديث.

– وأما الحديث التاسع والعشرون قد تابع أحمد بن عيسى على روايته حرملة بن يحيى كما عند ابن حبان في صحيحه في كتاب الحظر والإباحة باب المُثْلَة، فصل فيما يتعلق بالدواب، ذكر الإباحة للمرء أن يسم في جاعرتى ذوات الأربع، ح ( 5624 ) قال ابن حبان: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ابن إسماعيل قال حدثنا حرملة بن يحيى قال حدثنا بن وهب به بلفظه.

– وتابعه أيضا على رواية الحديث أحمد بن صالح كما عند الطبراني في المعجم الكبير 10/332 ح ( 10822) قال الطبراني حدثنا أحمد بن رشدين المصري ثنا أحمد بن صالح ثنا بن وهب به بلفظه.

* الخلاصة: بان بما ذكرناه من تخريج الأحاديث السابقة صحة ما ادعاه الإمام مسلم أنه لم يخرج عن أحمد بن عيسى المصري إلا ما وُوُفِقَ عليه من رواية الثقات. والله أعلم.

المبحث الثالث: أجوبة الإمام مسلم عما انتقد عليه، ومسألة استيعاب الصحيحين للأحاديث الصحيحة، وموقف الإمامين أبي زرعة الرازي ومحمد بن مسلم ابن وارة من هذه الأجوبة:

المطلب الأول: هل استوعب الإمامان البخاري ومسلم كل الأحاديث الصحيحة في صحيحيهما، أو التزما ذلك حتى يكون كتاباهما حجة للمغرض بأن يَرُدَّ ما لم يَرِد في كتابيهما حتى ولو صح ؟

كان مما جاء في كلام أبي زرعة: أن الإمام مسلم بتأليفه لكتابه الصحيح يُطَرِّقُ لأهل البدع على أهل السنة، بأن يجدوا السبيل لرد الأحاديث الصحيحة والتي لم ترد في الصحيح إذا احتج بها عليهم.

والسؤال: هل استوعب الإمامان البخاري ومسلم كل الأحاديث الصحيحة في صحيحيهما ؟ وهل أصاب أبو زرعة فيما زعم وهل كان تخوفه هذا في محله ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه المسألة بإذن الله تعالى.

فنقول وبالله التوفيق: من المعلوم أن الإمامين البخاري ومسلم لم يستوعبا الحديث الصحيح في صحيحيهما، ولا التزما ذلك، بل فاتهما من الصحيح الكثير؛ لأنهما وكما صرحا، لم يقصدا جَمْعَ الصحيح واستيعابه، بل جَمْعَ جُمَلٍ من الحديث الصحيح.

فقد صرح الإمام البخاري والإمام مسلم أنهما لم يخرجا في صحيحيهما كل ما صح من الأحاديث. قال الحافظ ابن حجر: وروى الإسماعيلي عن البخاري أنه قال: لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا وما تركت من الصحيح أكثر.أ.هـ

قلت: أي ترك تسويد صحائفه بكتابة كل الصحيح، وهذا معنى ما ذكره لإبراهيم بن معقل. قال إبراهيم بن معقل النسفي: سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي” الجامع ” إلا ما صح، وتركت من الصحيح حتى لا يطول([20]).

وقال الإمام مسلم في جوابه على محمد بن مسلم بن وارة: إنما أخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح، ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف، ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح ليكون مجموعا عندي وعند من يكتبه عني فلا يرتاب في صحتها، ولم أقل إن ما سواه ضعيف([21]). وقال ابن طاهر المقدسي: قال الإمام مسلم: أخرجت المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة([22]). قلت: وفي قول الإمام مسلم السابق ما يدل على سعة حفظه وكثرة سماعاته ورحلاته وشدة انتقاءه للرجال. ثم إن الواقع العملي للكتابين يشهد بذلك. ولهذا أدلة كثيرة ذكرها العلماء في موطنها وقد اقتصرنا على ما ذكرنا خشية الطول([23]). وقد صرح غير واحد من الأئمة أن البخاري ومسلما لم يستوعبا الصحيح ولا قصدا إلى ذلك ولم يلتزما ذلك. وعباراتهم في لك متقاربة([24]). وعليه فليس لأحد حجة في رد الأحاديث الصحيحة والتي لم ترد في صحيحيهما .

– ومع ما ذكرناه فإنه قد ظهر جماعة من أهل البدع يردون الأحاديث الصحيحة والتي لم يخرجها الشيخان أو أحدهما بحجة أن ما لم يكن في الصحيحين فهو ضعيف ويشمتون في أهل السنة بأنه لم يصح عندهم من الأحاديث إلا جملة ما أخرجه الشيخان.

قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في خطبة كتاب المستدرك على الصحيحين: قد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار، بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة ألاف حديث، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر منه كلها سقيمة غير صحيحه.أ.هـ ثم شرع رحمه الله في ذكر سبب تأليفه للمستدرك.

– وما ذكره الحاكم هنا يدل على بُعْد نَظَرِ الإمام أبي زرعة الرازي، وَصِدْقِ حَدَسِهِ وَصِحَّةِ تَخَوُّفِهِ، وما كان منه ذلك إلا صيانة لدين الله وحفاظا على سنة نبيه.

* قلت: غير أن هذا التخوف من أبي زرعة وغيره – مع وقوعه – لا يمنع الإمام مسلما من تأليف كتابه الصحيح، ويكون الرد على أهل البدع بما مر ذكره من أن الشيخين لم يستوعبا الصحيح في كتابيهما ولم يلتزماه.

فرحم الله أبا زرعة لبعد نظره وخوفه على الدين، ونصحه للمسلمين، ورحم الله الإمام مسلما على ما بذله في خدمة هذا الدين من تأليفه لكتابه الصحيح فكم انتفعت به أمة الإسلام.

المطلب الثاني : مع الإمام مسلم في ردوده ، وهل الإسناد العالي يطلب لذاته ؟

أجاب الإمام مسلم رحمه الله تعالى على المآخذ التي أخذها عليه أبو زرعة الرازي، ومحمد بن مسلم ابن وارة رحمهما الله تعالى، فجاء رده على النحو الآتي:1- قال: إن ما أخرجه في كتابه صحيح، ولم يقل إن ما لم يخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف. وهذا ما ثبت في المطلب السابق.

2- إنما أدخل من حديث أَسْبَاط، وقَطَن، وأحمد بن عيسى ما قد وافقهم عليه الثقات فتابعوهم بروايتهم هذه الأحاديث عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلى مسلم عنهم بارتفاع ويكون عنده من رواية من هو أوثق منهم بنزول فيقتصر على أولئك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات. وهذا ما ثبت عمليا – ومر ذكره – عند الكلام على ترجمة هؤلاء الأئمة ودراسة أحاديثهم في الصحيحين.

* وبقي لنا مسألة واحدة وهي: ما هي قيمة الإسناد العالي عند مسلم وغيره من الأئمة، وهل علو الإسناد يطلب لذاته؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة لا بد وأن نتعرف أولا على معنى الحديث العالي، والحديث النازل، ثم أيهما أفضل ولماذا؟

أولا: تعريف الحديث العالي: هو الحديث الذي قلّ عدد رواته مع سلامته من الضعف فيقرب رجال سنده من الرسول ، أو من إمام من أئمة الحديث أو غيره.

– وللحديث العالي خمسة أقسام:

1 – القرب من رسول الله بسند صحيح، ويسمى العلو المطلق. وباقي الأقسام علوها علو نسبي. والعلو المطلق: وهو العلو إلى رسول الله ، بمعنى قلة عدد رواته التي بين المحدث وبينه ، وهذا القسم أَجَلُّ الأقسام وأَفْضَلُهَا بشرط أن يكون الإسناد صحيحا، أما إن كان مع الضعف فلا فضل فيه.

2- القرب من إمام من أئمة الحديث ذي صفة عالية كالحفظ والضبط والشهرة: كابن جريج، والزهري، والأوزاعي، ومالك، وشعبة، والشافعي، وَمَنْ أَشْبَهَهُم، ولو كثر العدد بعد ذلك الإمام إلى النبي ، وهذا القسم يلي ما قبله في الأجلية والفضل بشرط الصحة والنظافة من الخلل.

3- القرب إلى كتاب من كتب الحديث المعتمدة كالصحيحين، والسنن، ومسند أحمد ونحوها، وسمى ابن دقيق العيد هذا القسم بـ” علو تنزيل ” وهو على أربعة أنواع:

أ – الموافقة: وهي الوصول إلى شيخ أحد المصنفين كالبخاري ومسلم مثلا من غير طريقه بعدد أقل مما لو روى من طريق عنه([25]).

ب – البدل: هو الوصول إلى شيخ شيخ أحد المصنفين بعدد أقل مما روى عن طريقه، أي مع علو

بدرجة فأكثر([26]).

ج – المساواة: وهو أن يتساوى عدد الإسناد من المحدث إلى آخر السند مع إسناد أحد المؤلفين([27]).

د – المصافحة: وهي استواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد تلميذ أحد المصنفين. وسميت مصافحة لأن العادة جرت في الغالب بالمصافحة بين من تلاقيا، فكأنه صافحه وسمع منه.

4- ما كان علوا بقدم موت الراوي عن الشيخ على موت راو آخر عن ذلك الشيخ، وإن كان متساويين في العدد. وسبب العلو كما قال السخاوي: لأن المتقدم الوفاة يعز وجود الرواة عنه بالنظر إلى متأخرها فيرغب في تحصيل مرويه لذلك([28]).

5- تقدم السماع من الشيخ: فمن تقدم سماعه من شيخ كان أعلى ممن سمع من ذلك الشيخ نفسه بعده، مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا وسماع الآخر من أربعين سنة فإذا تساوى السند إليهما في العدد فالإسناد إلى الأول الذي تقدّم سماعه أعلى من الثاني([29]).

ثانيا : تعريف الحديث النازل: هو الحديث الذي كثر رجال إسناده بالنسبة إلى غيره.

وللحديث النازل أقسام خمسة:

1- النزول المطلق: وهو البعد من رسول الله بكثرة الوسائط بالنسبة إلى سند آخر يرد بذلك الحديث بعينه بعدد كثير. وباقي الأقسام يعتبر نزولها نزولا نسبيا

2- كثرة الوسائط إلى إمام من أئمة الحديث، وهو نزول مسافة.

3- نزول الإسناد من طريق غير الكتب الستة عن الإسناد من طريقها، وهو نزول مسافة أيضا.

4- النزول بتأخر وفاة الراوي عن شيخ عن وفاة راو آخر عن ذلك الشيخ.

5- النزول بتأخر السماع من الشيخ، فمن تأخر سماعه من الشيخ أنزل ممن سمع من ذلك الشيخ نفسه.

* أيهما أفضل العلو أم النزول؟

قال العلماء: العلو أفضل من النزول، إلا أن يكون رجال الإسناد النازل أجلّ من رجال العالي وإن كان الجميع ثقات. فقد أثر عن افمام أحمد والحاكم وابن الصلاح وغيرهم: أن طلب الإسناد العالي سنة، واستحب الناس الرحلة لأجله.

* قلت : ويترجح الإسناد النازل لمزية فيه، كما قال ابن حجر: قد يترجح النزولُ على العُلوِّ، فإن كان في النزول مَزِيَّةٌ ليست في العلوِّ: كأنْ تكونَ رجاله أوثقَ منه، أو أحفظَ، أو أفقَهَ، أو الاتصالُ فيه أظهَرُ، فلا تردُّدَ أنّ النزولَ، حينئذٍ، أَولى.أ.هـ

قلت: كما قال وكيع لأصحابه: أيهما أحب إليكم الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود، أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود؟ فقالوا: الأول، أي الأعمش عن أبي وائل. فقال: الأعمش عن أبي وائل شيخ عن شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود فقيه عن فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء أحب إلينا ممن يتناوله الشيوخ.

وأيضا: فقد رجح وكيع الإسناد النازل في هذه الصورة وذلك لجلالة رواته مع مزيةٍ فيهم وهي الفقه، فهم أدرى لما يروون([30]).

– قال أ.د الخشوعي: قد يكون الحديث عند الإمام البخاري ومسلم بإسنادين أحدهما عال من رواية من تكلم فيه، والإسناد الآخر نازل من رواية الثقات فيقتصر الإمام منهما على الإسناد العالي، ولا يذكر الإسناد النازل من باب الاختصار، مكتفيا بمعرفة أهل الحديث في ذلك، وهذا العذر قد روي عن الإمام مسلما تنصيصا.

قال فضيلة الدكتور: قلت: وإن كان الإسناد العالي مرغوبا فيه وحرص العلماء على تحصيله، وتحملوا في سبيل الوصول إليه المشقات، وقدموه على الإسناد النازل إلا أن هذا ليس على إطلاقه؛ لأنه من المعلوم أن جودة الإسناد واتصاله وسلامة رواته من القدح أمر مقدم على طلب العلو، فلو أن الحديث روي بإسنادين أحدهما عال وفي رواته أو بعضهم مقال، وإسناد نازل إلا أنه متصل ورواته ثقات سالمين من القدح، ففي هذه الحالة يقدم الإسناد النازل على الإسناد العالي، ويكون الإسناد النازل هو العالي في المعنى، وإذا كان الشيخان قد اختارا بعض الأسانيد العالية التي فيها بعض من تكلم فيهم مع علمهم أن لهذه الأحاديث أسانيد نازلة سالمة من ضعف الرواة فإن غيرهم لم يقف على ما وقفوا عليه، بدليل أن هذه الأحاديث كانت محل نقد من العلماء، ولو أنهم نبهوا على ذلك بذكر الأسانيد النازلة السالمة من الرواة المتكلم فيهم أو تجنبوا الأسانيد العالية التي بها بعض من تكلم فيهم، واعتمدوا الأسانيد النازلة ما كان هناك مجال للكلام في هذه الأحاديث([31]).أ.هـ

* المطلب الثالث : موقف الإمامين أبي زرعة الرازي ، ومحمد بن مسلم بن وارة من ردود الإمام مسلم .

نقل البرذعي أن الإمام محمد بن مسلم بن وارة عاتب الإمام مسلما على تأليفه كتابه الصحيح وتخريجه لحديث جماعة من الضعفاء، وعاب عليه ما عابه عليه الإمام أبو زرعة، وأن الإمام مسلم اعتذر له بأعذار- سبق ذكرها ومناقشتها، وذكر أيضا أن الإمام محمد بن وارة قَبِلَ من مسلم عذره وحدثه، فهل قبل أبو زرعة من مسلم عذره؟

قال ابن الصلاح: بلغنا عن مكي بن عبدان وهو أحد حفاظ نيسابور قال: سمعت مسلما يقول: عرضت كتابي هذا المسند

على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة أخرجته([32]).أ.هـ

إذا فالذي يبدوا من هذا الكلام أن الإمام مسلما عرض كتابه الصحيح على الإمام أبي زرعة، وذلك بعد انتقاد أبي زرعة للكتاب كما مر، وقد شرح مسلم وجهة نظره لأبي زرعة، وأن أبا زرعة قَبِلَ منه، ثم إن إبقاء مسلم على رواية هؤلاء الثلاثة والذين انتقدهم أبو زرعة يشعر بأن أبا زرعة رجع عن قوله فيهم، وأنه لم يذكرهم بعلة وإلا لأخرجهم مسلم من كتابه.

– وليت إذ حصل ذلك لم ينقل البرذعي في كتابه الأجوبة كلام أبي زرعة في صحيح مسلم. فكان في هذا غِنًى عن مسألة الدفاع والرد بعد ذلك. وإذ كنا نَوَدُّ ذلك فإننا في نفس الوقت نرى أننا انتفعنا به لأنفسنا. والله أعلم.

الخاتمة وفيها : أهم النتائج والتوصيات

الخاتمة : وبعد هذه الرحلة الشيقة مع أئمةٍ أعلامٍ في الرواية والدراية، والجرح والتعديل أقول: كانت رحلتي هذه محاولة لفهم بعض مناهج العلماء في نقد المرويات، وما استندوا إليه، وقد كانت تجربة جيدة أفدت منها كثيرا، فقد طوفت فيها مع الصحيحين وما كتب عنهما، وفي كتب المصطلح، وكتب الرجال، وغيرها، فهذا بحق مجال خصب للبحث والدراسة، وقد خلصت في نهاية البحث إلى النتائج الآتية:

* أهم النتائج:

1- إن الذي كان يحكم أئمتنا الكرام في أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وفي حياتهم كلها هو إخلاص العمل لرب العالمين، ومحض النصح للإسلام وللمسلمين، وقد تمثل ذلك فيما يأتي:

أ – مراعاة الإمام مسلم – رحمه الله – لحال من طلب منه تأليف كتاب يجمع له فيه جملة أحاديث صحيحه وغير مكررة، مأثورة عن رسول الله في سنن الدين وأحكامه، وغير ذلك مما يحتاجه المسلم في حياته، فقد أجابه مسلم لطلبه دون اعتذار أو تلكؤ مراعيا النصح له وللمسلمين.

ب – حسن قصد الإمام مسلم – رحمه الله – في تأليفه لكتابه الصحيح، وأنه لم يطلب به شهرة ولا رياسة.

جـ – اهتمام الإمام أبو زرعة – رحمه الله – بتتميم عمل تلميذه الإمام مسلم محاولا إخراجه على أكمل صورة تليق بموضوعه.

د – حسن خلق الأئمة الكبار بعضهم مع بعض، فهذا مسلم لم يجد في صدره على أبي زرعة وابن وارة حينما انتقدا بعض أشياء في كتابه، بل سارع بعرض وجهة نظره عليهما، بل بعرض الكتاب على أبي زرعة ليصوبه له ويصححه إياه، وقد عمل بقوله شيخه، فما أشار به أبو زرعة أن له علة أخرجه مسلم من الكتاب.

وفي المقابل لما اعتذر مسلم بما اعتذر به قبل منه شيخاه وحمدا له صنيعه. فيا لجميل صنعهم وحسن خلقهم!.

2- الإمام أبو زرعة الرازي إمام كبير الشأن عظيم القدر له باع طويل في الكلام على الرجال جرحا وتعديلا، والكلام في علل الأحاديث، يعرف قدره في هذا الباب الكبير والصغير، لا ينكره إلا جاحد وهذا ما دعا الإمام مسلما – رحمه الله تعالى – إلى الأخذ بقوله، والنزول على رأيه، والاعتبار به وبانتقاداته وتوجيهاته، فسارع مسلم بشرح وجهة نظره، وعَرْضِ كتابه على شيخه.

3- ثبت بعد البحث والدراسة صحة ما ادعاه مسلم – رحمه الله – من أنه لم يخرج لهؤلاء الثلاثة – الذين انتقدوا عليه –

من الأحاديث إلا ما وافقهم الثقات على روايته عن شيوخهم.

4- نفاذ بصيرة الإمام أبي زرعة الرازي – رحمه الله تعالى – وصدق حدسه، وصحة تخوفه على السنة من أن يطعن عليها المغرضون برد الأحاديث الصحيحة والتي لم يخرجها الشيخان أو أحدهما، بدعوى أنهم استوعبا الصحيح في كتابيهما. وهذا ما ثبت وقوعه – كما مر في أثناء البحث، مما دعا العلماء إلى مناقشة هذه القضية والدفاع عن السنة في هذا الباب.

5- ومع صدق حدس أبي زرعة في تخوفه – كما سبق – إلا أن في تأليف مسلم لصحيحه فوائد لا تعد ولا تحصى. فجزا الله الإمامين خيرا.

6- لا يلزم من تخريج الإمامين البخاري ومسلم لراو في صحيحيهما تصحيح كل ما روي عنه خارج الصحيحين. وأن يحتج به على إطلاقه، بل هناك قواعد تحكم هذه المسألة.

7 – يعلو الإسناد بقربه من رسول الله مع ثقة رجاله، وكذلك يعلو في المعنى بجلالة رواته وإن كثروا، كما ينزل الإسناد بضعف رجاله وإن قلُّوا.

8- جودة الإسناد واتصاله وسلامة رواته من القدح مقدم على طلب العلو.

– هذه هي أهم النتائج التي خلصت بها من هذا البحث الطيب المبارك بإذن الله تعالى.

كما أوصي بـ :

1- الاهتمام بمثل هذه الموضوعات الحديثية وخاصة الطعون الموجهة لرموز السنة ودراستها دراسة مستوعبة متأنية لمحاولة استجلاء المقصد من وراء كلام الأئمة، ومعرفة مناهجهم في نقد الموريات.

2- كما أوصي بتخصيص دراسة للتعرف على الإمام الكبير الفضل بن العباس المعروف بفضلك

الصائغ، فهو كما مر – إمام كبير له تصانيف كثيرة، وذكر منها أبو زرعة ” كتاب الصحيح ” وهذا الكتاب لا نعرف عنه شيئا حتى اليوم، ويا ليت بعض الباحثين ينقب عليه بين بطون المكتبات لعله يقف على مخطوطاته؛ فيفيد به الأمة الإسلامية.

وأختم بحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

قائمة بأهم المصادر والمراجع:

  • أحمد بن حنبل، “المسند”. تحقيق شعيب الأرناؤوط.(ط1،بيروت، مؤسسة الرسالة،2001م)
  • ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد.” الجرح والتعديل”. ( ط1، بيروت: دار إحياء التراث، 1952م ).
  • ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي. ” تهذيب التهذيب”. تحقيق محمد عوامة. ( ط1، بيروت: دار الفكر، 1983م ).
  • تغليق التعليق على صحيح البخاري” تحقيق سعيد عبد الرحمن موسى. ( ط1، الأردن، دار عمار، 1405 )
  • تقريب التهذيب ” تحقيق محمد عوامة. ( ط1، سوريا دار الرشيد، 1406 )
  • فتح الباري شرح صحيح الإمام البخاري”. تحقيق محب الدين الخطيب. (بيروت: دار المعرفة، 1959م)
  • ابن شاهين، عمر بن أحمد بن شاهين، ” تاريخ أسماء الثقات” تحقيق صبحي السامرائي. ( ط1، الكويت، الدار السلفية، 1404 – 1984 )
  • ابن معين، يحيى بن معين، ” تاريخ ابن معين رواية عثمان الدارمي” تحقيق أحمد محمد نور سيف. ( ط1، دمشق، دار المأمون للتراث 1400 هـ )
  • البخاري، محمد بن إسماعيل ” التاريخ الكبر” تحقيق السيد هاشم الندوي. ( بيروت، دار الفكر )
  • الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله وسننه وأيامه”. تحقيق: محمد زهير.( ط1،دار طوق النجاة، 1422هـ)
  • البرذعي، أبوعثمان سعيد بن عمرو. ” أجوبة أبي زرعة على سؤلات البرذعي” تحقيق سعد الهاشمي. ( ط1، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، 1402 هـ – 1982 م).
  • البستي، أبو حاتم محمد بن حبان ” الثقات” تحقيق السيد شرف الدين أحمد. ( ط1، بيروت، دار الفكر، 1395 )
  • البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، ” تاريخ بغداد” تحقيق: بشار عواد معروف. ( ط1، بيروت، درا اغرب الإسلامي، 1422، 2002)
  • البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين الخراساني. “السنن الكبرى”. تحقيق: محمد عبد القادر عطا. ( ط3، بيروت، دار الكتب العلمية، 2003م)
  • التخلي، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله ” سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين، تحقيق أحمد محمد نور سيف. ( ط1، المدينة المنورة، مكتبة المدينة المنورة، 1408،1988)
  • الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى .” سنن الترمذي”. تحقيق: أحمد محمد شاكر، محمد فؤاد عبد الباقي. ( ط2، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1975م)
  • الجرجاني، عبد الله بن عدي.” الكامل في ضعفاء الرجال”. تحقيق يحيى مختار غزاوي. ( ط3، بيروت: دار الفكر، 1988م ).
  • الحنظلي، عبد الرحمن بن ابي حاتم” الجرح والتعديل” ( ط1، بيروت، دار إحياء التراث، 1271)
  • الخشوعي، الخشوعي الخشوعي محمد ” غاية الإيضاح في علوم الاصطلاح” ( ط1، المنصورة، مكتبة الإيمان، 1436، 2015 )
  • الدمشقي، أبو مسعود محمد بن عبيد ” كتاب الأجوبة عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحاج” ( موقع ملتقى أهل الحديث )
  • الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان. “سير أعلام النبلاء”. ( ط1، القاهرة، دار الحديث 2006)
  • ميزان الاعتدال”. تحقيق علي معوض. ( ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، 1995م ).
  • السجستاني، سليمان بن الأشعث. “سنن أبي داود”. تحقيق محمد محي الدين. (بيروت: دار الفكر).
  • السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن ” فتح المغيث شرح ألفية الحديث” تحقيق علي الحسين علي. ( ط1، مصر، مكتبة السنة، 1424، 2003)
  • السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، ” تدريب الراوي في شرح تقريب النوواوي” تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. ( الرياض، مكتبة الرياض الحديثة )
  • النسائي، أحمد بن شعيب.” السنن الصغرى المجتبي ” تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. ( ط2، سوريا: مكتب المطبوعات الإسلامية، 1985م ).
  • الشهرزوري، أبو عمرو ابن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن ” صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط” تحقيق موفق عبد الله عبد القادر. ( ط2، بيروت، دار الغرب الإسلامي 1408 )
  • معرفة أنواع علوم الحديث، المعروف بمقدمة ابن الصلاح”، تحقيق نور الدين عتر. ( ط1، سوريا دار الفكر، 1406، 1986)
  • العراقي، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين، ” التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح” تحقيق عبد الرحمن بن محمد عثمان. ( ط1، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، 1389، 1969)
  • الغساني، الحسين بن محمد/ ” تقييد المهمل وتمييز المشكل ( شيوخ البخاري المهملين)”، تحقيق محمد أبو الفضل. ( المملكة المغربية، وزارة الأوقاف، 1418، 1997 )
  • القزويني، محمد بن يزيد. “سنن ابن ماجه”. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. ( بيروت: دار الفكر).
  • المزي، يوسف بن الزكي عبد الرحمن ” تهذيب الكمال” تحقيق بشار عواد معروف. ( ط1، بيروت، الرسالة، 1400، 1980)
  • النيسابوري، أبو عبد الله الحاكم . ” المستدرك على الصحيحين” تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا ( ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1990م)
  • النيسابوري، مسلم بن الحجاج. “صحيح مسلم”. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. (بيروت: دار إحياء التراث).

الهوامش:

  1. – الإمام الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي البرذعي. وبرذعة بلد من أعمال أذربيجان رحال جوال، مصنف توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين. تاريخ دمشق 21/259ترجمة ( 2538)، سير أعلام النبلاء 14/77، طبقات الحفاظ 1/316 ترجمة ( 715)، الأعلام للزركلي 3/99
  2. – عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي وهو ابن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ مولى عياش بن مطرف القرشي . أحد الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام. ولد سنة تسعين ومائة، وقيل أربع وتسعين ومائة، وقيل ولد سنة مائتين في مدينة الري. وكان أبو زرعة – رحمه الله – إماما في الجرح والتعديل، والعلل، فقد تكلم في الرجال جرحا وتعديلا، وهو من الأئمة المعتدلين جدا في أحكامهم، وتكلم في علل الأحاديث، وله فيها كتاب ماتع. مات بالري آخر يوم من ذي الحجة سنة أربع وستين ومائتين وله أربع وستون. الجرح والتعديل 5/325 ترجمة ( 1543 )، تاريخ بغداد 10/326 ترجمة ( 5469)، تهذيب التهذيب 7/28.
  3. – الفضل بن العباس المعروف بِفَضْلِك الصائغ الرازي الإمام الحافظ المحقق الثقة الثبت إمام عصره في معرفة الحديث، طوف وصنف، وتكلم في الرجال، سكن بغداد توفي أبو بكر الفضل بن العباس الرازي المعروف بفضلك يوم السبت لسبع بقين من صفر سنة سبعين ومائتين الجرح والتعديل 7 / 66، تاريخ بغداد 12 / 630، سير أعلام النبلاء 12 / 630.
  4. – محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله الرازي أبو عبد الله بن وارة الثقة المتقن الحافظ مات سنة خمس وستين. وقيل سنة سبعين ومائتين الجرح والتعديل 8/79 ترجمة ( 332 ) ، تاريخ بغداد 3/256ترجمة ( 1349 ) ، تهذيب التهذيب 9/399 ترجمة ( 735 ).
  5. – أجوبة أبي زرعة الرازي على سؤالات البرذعي لأبي عثمان سعيد بن عمرو البرذعي. تحقيق د. سعد الهاشمي. ( ط1، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية1402، 1982) 2/674 ، وقيل : حمده بدل حدثه .
  6. – شرح علل الترمذي : 2/709
  7. – ولشيخنا فضيلة الأستاذ الدكتور الخشوعي الخشوعي محمد الخشوعي الأستاذ بقسم الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالقاهرة- جامعة الأزهر – بحث ماتع في أحاديث الصحيحين ، والانتقادات التي وجهت لهما ، وقام بالرد على هذه الانتقادات جميعها إجمالا وتفصيلا، يراجع ضمن كتابه غاية الإيضاح في علوم الاصطلاح – الجزء الأول من ص 189- 298 ، ففيه بإذن الله فوائد جمة للمستفيد
  8. – مقدمة صحيح مسلم تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. ( ط1، بيروت: دار إحياء التراث ) 1/ 3 وما بعدها.
  9. – صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط لابن الصلاح. تحقيق موفق عبد الله عبد القادر. (ط2، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1408). 1/67
  10. – مصادر الترجمة : التاريخ الكبير 2/53 ترجمة ( 1656 ) ، الجرح والتعديل 2/332ترجمة ( 1261 ) ، تاريخ أسماء الثقات 1/43 ترجمة (101 ) ، سؤالات ابن الجنيد ص465 ترجمة (777) ، تاريخ ابن معين رواية الدارمي 1/70 ترجمة ( 143 ) ، تاريخ ابن معين رواية الدوري 3/266 ترجمة ( 1251 ) العلل ومعرفة الرجال 2/95 ترجمة ( 1678 ) ، بحر الدم 1/63 ترجمة ( 58 ) ، أجوبة أبي زرعة الرازي على سؤالات البرذعي 2/464 ، الثقات 6/85 ترجمة ( 6834 ) ، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 1/ 96 ترجمة ( 291 ) ، رجال مسلم 1/73 ترجمة ( 107) ، تهذيب الكمال 2/357 ترجمة ( 321 ) إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي 2/64ترجمة ( 372) ، ميزان الاعتدال 1/175 ترجمة ( 712 ) ، تهذيب التهذيب 1/185( 396 ) ، تقريب التهذيب 1/98 (321 ) ، الوافي بالوفيات 8/249، كتاب الأجوبة للشيح أبي مسعود عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج 1/18
  11. – تهذيب التهذيب 1/186 . قلت : وهو في تغليق التعليق 2/390 ، وليس فيه ذكر للإمام أحمد ولا للحكم على الحديث. وفي مقدمة الفتح عزاه إلى البيهقي في السنن والدلائل، ولم يعزه إلى أحمد 1/31 ، وفي الفتح أيضا 2/511 قال : وصله الجوزقي والبيهقي ، ولم ينسبه إلى أحمد . وسيأتي في التخريج.
  12. – سيأتي الحديث وتخريجه عند الكلام على ” دراسة أحاديث أسباط في الصحيحين ” .
  13. – حديث أسباط أخرجه البيهقي في السنن الكبرى في كتاب صلاة الاستسقاء باب ( 17) الإِمَامِ يَسْتَسْقِى لِلنَّاسِ فَيَسْقِيهِمُ اللَّهُ لِيَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِى شُكْرِهِ ح (6658 ) .قال البيهقي : أَخْرَجَاهُ فِى الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ مَنْصُورٍ . وَأَشَارَ الْبُخَارِىُّ إِلَى رِوَايَةِ أَسْبَاطٍ بِزِيَادَتِهِ الَّتِى جَاءَ بِهَا فِى الْحَدِيثِ مِنْ دُعَاءِ النَّبِىِّ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ.أ.هـ وأخرجه البيهقي أيضا في دلائل النبوة في باب دعاء رسول الله على من استعصى من قريش بالسَّنَةِ ، وإجابة الله عز وجل دعاءه وما ظهر في ذلك من الآيات ح ( 609) بإسناده ومتنه في السنن .

    قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات غير أسباط بن نصر فهو صدوق كثير الخطأ كما مر في ترجمته.

  14. – هذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه كِتاب الْفَضَائِلِ باب مَا أَعْطَى اللَّهُ مُحَمَّدًا ح ( 31765 ) قال: حدثنا عمرو ابن طلحة عن أسباط بن نصر الهمداني به بلفظه. والبزار في مسنده 2/128 ح (4257) قال: حدثنا العباس بن عبد العظيم قال: نا عمرو بن طلحة قال: نا أسباط بن نصر به بلفظه. والطبراني في المعجم الكبير 2/228 ح (1944 ) قال: حدثنا على بن عبد العزيز ثنا عمرو ابن حماد بن طلحة القناد ثنا أسباط بن نصر به بلفظه. والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 9/253 ترجمة ( 4829) شجاع بن جعفر بن احمد بن خالد أبو الفوارس الوراق الواعظ ) من طريق العباس بن محمد الدوري عن عمرو بن حماد بن طلحة عن أسباط بن نصر به بلفظه . والبيهقي في دلائل النبوة 1/240 ح ( 212) من طريق عمرو بن حماد عن أسباط به بلفظه. وأخرجه الطبراني في الكبير 2/221 ح (1909 ) قال: حدثنا محمد بن عيسى بن شيبة المصري ثنا أحمد بن سيار المروزي ثنا عبد الله بن عثمان أنا أبي عن شعبة عن سماك عن جابر به.
  15. – يراجع في هذه المسألة ما كتبه الخطيب البغدادي في الكفاية في باب التشدد في أحاديث الأحكام ، والتجوز في فضائل الأعمال ص 151. ومقدمة ابن الصلاح 1/60 حيث عقد ابن الصلاح فصلا في نهاية الكلام على الحديث الضعيف وذكر فيه تنبيهات ، وقد نبه على ما قلناه . والله أعلم
  16. – الذارع: بفتح الذال المعجمة وبعد الألف راء وفي آخرها عين مهملة – هذه النسبة إلى ذرع الأرض وعرف بها جماعة كبيرة. مصادر الترجمة: الجرح والتعديل 7/138ترجمة ( 777 )، أجوبة أبي زرعة الرازي على البرذعي 2/537، و2/675، الثقات 9/22 ترجمة(14968) الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 3/18 ترجمة (2771 ) ، الكامل في ضعفاء الرجال 6/52 ترجمة (1596 )، تهذيب الكمال 23/617 ترجمة ( 4886 )، ميزان الاعتدال 5/474 ترجمة (6907 )، تهذيب التهذيب 8/341 ترجمة (679 )، تقريب التهذيب 1/456 ترجمة ( 5556 ) ، الوافي بالوفيات 24/197 ، خلاصة تذهيب الكمال 1/316، كتاب الأجوبة للشيح أبي مسعود عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج 1/18 ، اللباب في تهذيب الأنساب 1/528
  17. – والحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده 6/149 ح ( 3427 ) قال: حدثنا قطن بن نسير به بلفظه.

    – ولم أقف على متابعة لقطن بن نسير على رواية هذا الحديث عن شيخه جعفر بن سليمان. وإنما المتابعة لجعفر بن سليمان شيخ قطن ، فقد تابعه حماد بن سلمة كما في الطريق الأول لمسلم، وكما عند أحمد في مسنده ح ( 12480). وتابعه أيضا: سليمان بن المغيرة كما عند مسلم في بعض روايات الباب، وكما عند أبي يعلى في مسنده 6/76 ح (3331 )، وكما عند ابن حبان في صحيحه في كتاب إخباره عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم رضوان الله عليهم أجمعين، ذكر ثابت بن قيس بن شماس ح ( 7168 ) وذكره من طريق أبي يعلى السابق. وهناك متابعة لثابت، فقد تابعه موسى بن أنس على روايته لهذا الحديث عن أنس كما عند البخاري في صحيحه في كتاب المناقب باب علامات النبوة في الإسلام ح ( 3613 )، وفي كتاب التفسير ، تفسير سورة الحجرات باب ( لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ )ح ( 4846 ). وتابع ثابتا أيضا ثمامة بن عبد الله بن أنس كما عند الطبراني في المعجم الكبير 2/66 ح ( 1309) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن معين ثنا أزهر بن سعد عن بن عون قال أنبأني ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس بن مالك بنحوه .

  18. – التُّسْتَري : بالتاء المضمومة ثالث الحروف وسكون السين المهملة وفتح التاء الثانية والراء المهملة – هذه النسبة إلى تستر بلدة من كور الأهواز من خوزستان يقولها الناس ششتر .

    – مصادر الترجمة / التاريخ الكبير 2/6 ترجمة ( 1512)، الجرح والتعديل 2/64 ترجمة ( 109 )، أجوبة أبي زرعة على سؤالات البرذعي 2/676، الثقات 8/15 ترجمة (12060)، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 1/82 ترجمة ( 229 )، تاريخ بغداد 4/272 ترجمة ( 2023)، المغني في الضعفاء1/51 ترجمة ( 394 )، من تكلم فيه وهوموثق1/38 ترجمة ( 19)، ميزان الاعتدال 1/268 ترجمة ( 2236 )، تهذيب التهذيب 1/56 ترجمة ( 115 )، تقريب التهذيب 1/83 ترجمة ( 86 ).

  19. – وروى البخاري اثنتا عشرة حديثا عن أحمد عن ابن وهب ولم ينسبه، واختلف العلماء في تمييز أحمد هذا، هل هو أحمد بن عيسى بن حسان المصري، أم أحمد بن صالح أبو جعفر المصري، أم أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب، وكلهم سمع ابن وهب .

    * وهذه الأحاديث هي: – الحديث الأول أخرجه في كتاب الصلاة بَاب رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ ح ( 471 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. الحديث. قلت: ذكر البخاري هذا الحديث أصلا في بابه ولم يذكر له متابعا اعتمادا منه على رواية شيخه أحمد. وقد صرح أبو داود عند روايته لهذا الحديث في سننه بأنه أحمد بن صالح ففي كتاب الأقضية باب في الصلح ح (3595 ) قال: حدثنا أحمد بن صالح ثنا بن وهب أخبرني يونس به بلفظه. وقال ابن حجر في الفتح : قوله : حدثنا أحمد ، في رواية أبي على الشبوي عن الفربري حدثنا أحمد بن صالح ، وبذلك جزم بن السكن . 1/561

    – الحديث الثاني أخرجه في كتاب الآذان أبواب الجماعة والإمامة ، بَاب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ فَحَوَّلَهُ الْإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا ح ( 698 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ الحديث. قال ابن حجر في الفتح: قوله: حدثنا أحمد، لم أره منسوبا في شيء من الروايات، لكن جزم أبو نعيم في المستخرج بأنه: ابن صالح، وأخرجه من طريقه. 2/191

    – الحديث الثالث أخرجه في كِتَاب الْجُمُعَةِ بَاب مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ح (902 ) قال : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الحديث. وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة ( 1 باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به ) ح (847 ) قال: حدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب به بلفظه. فصرح الإمام مسلم بأنه أحمد بن عيسى ، وأنه لم ينفرد برواية الحديث فقد تابعه كل من هارون بن عيسى الأيلي كما عند مسلم. وقال ابن حجر في الفتح : قوله : حدثنا أحمد بن صالح كذا في رواية أبي ذر، ووافقه ابن السكن، وعند غيرهما حدثنا أحمد غير منسوب، وجزم أبو نعيم في المستخرج بأنه: ابن عيسى والأول أصوب. 2/386.

    – الحديث الرابع أخرجه في كتاب العيدين بَاب الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ ح ( 949 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ الحديث. قال ابن حجر في فتح الباري: قوله: حدثنا أحمد، كذا للأكثر غير منسوب، وفي رواية أبي ذر وابن عساكر: حدثنا أحمد بن عيسى، وبه جزم أبو نعيم في المستخرج، ووقع في رواية أبي على بن شبويه: حدثنا أحمد ابن صالح، وهو مقتضى إطلاق أبي على بن السكن حيث قال : كل ما في البخاري حدثنا أحمد غير منسوب فهو ابن صالح. 2/440

    – الحديث الخامس أخرجه في كتاب الجنائز بَاب نَقْضِ شَعَرِ الْمَرْأَةِ ح (1260 ) قال : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الحديث. قال ابن حجر في الفتح: قوله حدثنا أحمد كذا للأكثر غير منسوب ونسبه أبو علي بن شبويه عن الفربري أحمد بن صالح . 3/132

    – الحديث السادس أخرجه في كتاب الجنائز بَابٌ كَيْفَ الْإِشْعَارُ لِلْمَيِّتِ ح ( 1261 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الحديث. قال ابن حجر في الفتح: قوله: حدثنا أحمد، كذا للأكثر غير منسوب، وقال أبو علي ابن شبويه في روايته: حدثنا أحمد يعني بن صالح. 3/133

    – الحديث السابع أخرجه في كتاب الحج بَابُ مُهَلِّ أَهْلِ نَجْدٍ ح (1528 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ الحديث. قال ابن حجر في الفتح: أحمد هو ابن عيسى كما ثبت في رواية أبي ذر. 3/388

    – الحديث الثامن أخرجه في كتاب الحج بَابٌ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ ح ( 1579 ) قال البخاري : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ الحديث. قال ابن حجر في الفتح: أحمد ، لم أره منسوبا في شيء من الروايات، وقد تقدم في أوائل الحج: أحمد عن ابن وهب، وأنه أحمد بن عيسى ، فيشبه أن يكون هو المذكور هنا. 3/438

    – الحديث التاسع أخرجه في كتاب بدء الخلق بَاب إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ح (3226 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ الحديث. قال ابن حجر في الفتح: شيخ البخاري هو أحمد بن صالح كما جزم به أبو نعيم. 6/314

    – الحديث العاشر أخرجه في كتاب المغازي باب غزوة خيبر ح ( 4211 ) قال البخاري : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ .ح و حَدَّثَنِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ الحديث. قَالَ أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الحديث. قال ابن حجر في الفتح: قوله: وحدثني أحمد في رواية كريمة: أحمد بن عيسى، وفي رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري: أحمد بن صالح، وبه جزم أبو نعيم في المستخرج. 7/479

    – الحديث الحادي عشر أخرجه في كتاب المغازي بَاب غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ ح ( 4260 ) قال البخاري : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ الحديث. قال ابن حجر في الفتح: قوله حدثنا أحمد هو بن صالح بينه أبو علي بن شبويه عن الفربري وبه جزم أبو نعيم . 7/522

    – الحديث الثاني عشر أخرجه في كِتَاب التَّفْسِير بَاب قَوْلِهِ { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } ح ( 4828 ) قال البخاري: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ الحديث. وقد صرح أبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم في كتاب الصلاة باب في بركة المطر ح ( 2025 ) بأن أحمد هذا هو أحمد بن عيسى وكذا قال البيهقي في السنن الكبرى في كتاب صلاة الاستسقاء ( 121 باب ما جاء في تغير لون رسول الله إذا هبت ريح شديدة أو رأى سحابا ) ح ( 6254 )

    -وسماه أبو داود : أحمد بن صالح كتاب الأدب ( 113 باب ما يقول إذا هاجت الريح ) ح ( 5098). فالله أعلم. قال ابن حجر في الفتح : قوله : حدثنا أحمد ، كذا لهم ، وفي رواية أبي ذر : حدثنا أحمد بن عيسى . 8/578

    * قلت : هذه هي المواضع التي روى فيها البخاري عن أحمد بن عيسى المصري مصرحا باسمه ، ثم المواضع التي أهمله فيها .

    * وللزيادة في هذه المسألة ينظر ما قال أبو علي الحسين بن محمد الغَسَّانِي الجَيَّانِي عند الكلام على شيوخ البخاري المهملين : من اسمه أحمد، في كتاب تقييد المهمل وتمييز المشكل (شيوخ البخاري المهملون) 1/18 وما بعدها، وينظر أيضا هدي الساري مقدمة فتح الباري 1/ 222

  20. – الكامل في ضعفاء الرجال 1/131، هدي الساري 1/5
  21. – أجوبة أبي زرعة الرازي على سؤالات البرذعي 2/674
  22. – شروط الأئمة الستة ص 14
  23. – تنظر الأدلة باستيعاب في غاية الإيضاح في علوم الاصطلاح 1/288 وما بعدها .
  24. – مقدمة شرح صحيح مسلم للنووي 1/24، فتح المغيث للعراقي 1/17،4- المستدرك للحاكم 1/2
  25. – قال الحافظ ابن حجر في ” نزهة النظر” روى البخاري عن قتيبة عن مالك حديثا، فلو رويناه من طريقه كان بيننا وبين قتيبة ثمانية، ولو روينا ذلك الحديث بعينه من طريق أبي العباس السراج عن قتيبة مثلا لكان بيننا وبين قتيبة سبعة، فقد حصلت لنا الموافقة في البخاري في شيخه بعينه مع علو الإسناد على الإسناد إليه.
  26. – قال الحافظ ابن حجر: كأن يقع لنا ذلك الإسناد بعينه من طريق أخرى إلى القعنبي عن مالك فيكون القعنبي بدلا فيه من قتيبة.
  27. – ذكر الحافظ ابن حجر أنه قد وقعت له أحاديث بينه وبين النبي فيه عشرة رجال، وقد وقع للنسائي حديث عدد رجاله كذلك فتساوى ابن حجر مع النسائي في عدد رجال الإسناد. وقد جمع ابن حجر من هذا النوع عشرة أحاديث في جزء صغير سماه: ” العشرة العشارية “.
  28. – قال النووي: فما أرويه عن ثلاثة عن البيهقي عن الحاكم أعلى مما أرويه عن ثلاثة عن أبي بكر ابن خلف عن الحاكم لتقدم وفاة البيهقي على ابن خلف.
  29. – قال السيوطي: ويتأكد ذلك في حق من اختلط شيخه أو خرف وربما كان المتأخر أرجح بأن يكون تحديثه الأول قبل أن يبلغ درجة الإتقان والضبط ثم حصل له ذلك بعد – إن هذا علو معنوي –
  30. – ينظر في تعريف الحديث العالي والنازل وأقسامهما وأقوال العلماء: معرفة علوم الحديث للحاكم 1/40، 41، التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث لابن شرف النووي 1/18 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح 1/150 وما بعدها، التقييد والإيضاح 1/257 وما بعدها، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/12، المنهل الروي لابن جماعة 68 وما بعدها، تدريب الراوي 2/159 وما بعدها، نزهة النظر 1/146 وما بعدها، الإرشاد في معرفة علماء الحديث 1/15، الباعث الحثيث 2/443
  31. – غاية الإيضاح في علوم الاصطلاح 1/274 وما بعدها .
  32. – صيانة صحيح مسلم 1/67