معالم من منهج الاستدلال بالنص القرآني عند نوازليي المغرب الأقصى من خلال النوازل الفقهية

د. خالد مسعودي1

1 الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين: طنجة – تطوان – الحسيمة – المملكة المغربية.

بريد الكتروني: khalidmessaoudi07@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(12); https://doi.org/10.53796/hnsj412/5

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/12/2023م تاريخ القبول: 07/11/2023م

المستخلص

يسعى هذا البحث إلى استجلاء معالم منهج الاستدلال بالنص القرآني عند نوازليي المغرب الأقصى من خلال النوازل الفقهية، وإبراز مسالكه؛ للإحاطة بمجاري النظر في معالجة النوازل، وبطرق استثماره، حتى تكون الفتوى مثمرة، محققة لمقصدها الذي يتوخاه الشرع الإسلامي ويهدف إليه.

وهذا يدل على أن النص القرآني كان حاضرا عند نوازليي المغرب الأقصى في نوازلهم الفقهية من حيث الاستدلال، الذي تعددت معالمه فيها تبعا لباعث توظيفه، ولدافع الاستناد إليه، مما ينم عن تمكنهم في صناعة الفتوى وتضلعهم فيها.

الكلمات المفتاحية: منهج، الاستدلال، النوازل الفقهية، النص القرآني.

Research title

Features of the Quranic Textual Evidence Approach in the Legal Opinions of the Jurists of the Farthest Morocco Through Juridical Issues

Khalid Messaoudi1

1 Regional Academy for Education and Training: Tangier – Tetouan – Al Hoceima – Kingdom of Morocco. Email: khalidmessaoudi07@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(12); https://doi.org/10.53796/hnsj412/5

Published at 01/12/2023 Accepted at 07/11/2023

Abstract

This research seeks to elucidate the characteristics of the method of deriving legal rulings from the Quranic text in the jurisprudential issues of the jurists of the Farthest Morocco through juridical issues, highlighting their pathways to comprehensively address these issues and effectively utilize them, in order to produce fruitful legal opinions that align with the objectives of Islamic law and serve its purposes.

This indicates that the Quranic text was present among the jurists of the Farthest Morocco in their jurisprudential issues as a source of evidence, with its features varying depending on the purpose of its application and the rationale behind relying on it, demonstrating their competence in issuing legal opinions and their expertise in this field.

Key Words: Approach, Evidence, Juridical Issues, Quranic Text.

مقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد؛ فإن النوازليين المغاربة – رحمهم الله- قد اهتموا بالقرآن الكريم، وتفانوا في خدمته حفظا وتفسيرا واستدلالا وفهما وتنزيلا وإجابة مستفتيهم عما يتعلق به وبعلومه، واستشعروا مكانته في الأمة بصفة عامة وأهميته في فقه النوازل بخاصة؛ لأنهم أحوج إلى غيرهم من العلماء إلى التعامل مع كتاب الله تعالى والاستناد إليه، باعتباره -أي فقه النوازل- فقها تطبيقيا عمليا للنص القرآني وباقي المصادر على الوقائع، إذ يعتبر أول مصدر يعرض عليه النوازليون المسائل والنوازل.

من هنا لابد وأن يكون لهم في الاستدلال بالنص القرآني والتأصيل به في صناعة الإفتاء مسالك تستدعي إبراز معالمها، ومنهج يحتاج إلى دراسة؛ للإحاطة بمجاري النظر في معالجة النوازل واستثماره – أي النص القرآني- من كل أبعاده الإصلاحية والاستدلالية، حتى تكون الفتوى مثمرة، والنوازليون قد أدَّوا دورهم المنوط بهم في تبليغ الشرع لغيرهم، وإخبارهم بالأحكام الشرعية للنوازل، وإصلاح الأمة في إطار المنظومة التشريعية القويمة.

ونظرا لأهمية الموضوع، ولعلاقته بكتاب الله تعالى، ارتأيت أن أستجلي أطرافه، فعنونته بـ “معالم من منهج الاستدلال بالنص القرآني عند نوازليي المغرب الأقصى من خلال النوازل الفقهية“.

بواعث اختيار الموضوع:

من الأسباب والدواعي التي حملتني على اختيار هذا الموضوع، أجملها فيما يلي:

  • القرآن الكريم أول مصدر تنبني عليه الأحكام الشرعية وتُؤصَّل به يستحق الدراسة من جوانب متعددة، وخاصة من حيث توظيفه في الفتوى والاستدلال به.
  • لما كان الموضوع متعلقا بكتاب الله تعالى فإن له أهمية وفضلا، كما هو معلوم أن شرف الشيء بشرف متعلقه.
  • عدم وجود دراسة خاصة تتعلق بهذا الموضوع – حسب علمي- لذلك ارتأيت أن أخوض غماره إحياء لتراث أسلافنا – رحمهم الله- والتعريف به، وصرف همم الباحثين إليه، كما قالت الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ (ت1419ه) – رحمها الله- : “إن يكن أحد خدم الثقافة العربية الإسلامية بصدق وإخلاص، وكفاءة عالية فهم المغاربة، لقد كان أساتذتي الأولون في علم القراءات، وعلم الفقه، وعلم النحو مغاربة، ولكن إن يكن ثمة من أساء إلى هذه الثقافة وأهملها فهم المغاربة أيضا، ذلك أن طلاب اليوم من أبناء المغرب بدل أن ينفضوا تراب الماضي على تراث آبائهم ويحيونه فيما يقدمونه من رسائل، يذهبون إلى إنشاء كتب قد تكون في مواضيع تافهة، أو إحياء ما تبقى من تراث الشرق، ويتركون خزائنهم تطفح بعشرات من الكتب من تراث المغرب والأندلس، مما هو أصيل ومفيد”[1]

أهداف البحث:

يروم البحث تحقيق مجموعة من الأهداف، أذكر منها:

  • إبراز جهود النوازليين المغاربة في خدمة كتاب الله تعالى في الإفتاء، والعناية به استدلالا وتأصيلا.
  • الكشف عن معالم منهج استدلال النوازليين بالنص القرآني في النوازل الفقهية، وعن مقدرتهم التأصيلية التي تعد مظهرا من مظاهر الاجتهاد في القرون المتأخرة.
  • الاستفادة من منهج النوازليين المغاربة في التعامل مع النص القرآني واستثماره أثناء الإفتاء من حيث الاستدلال والتأصيل.

إشكالية البحث:

يتوخى البحث الإجابة عن الإشكالية التالية: ما معالم منهج الاستدلال بالنص القرآني في النوازل الفقهية لدى نوازليي المغرب الأقصى؟

منهج البحث:

اعتمدت في هذا البحث المنهج التحليلي الاستنباطي؛ لإبراز منهج النوازليين في الاستدلال بالنص القرآني في نسق يجمع بين ما هو نظري وتطبيقي.

خطة البحث:

لقد أوردت في البحث ثمانية معالم تبرز منهج فقهاء النوازل الاستدلالي بالنص القرآني في النوازل الفقهية، فهي كالتالي:

  • مقدمة
  • المعلم الأول: الاستدلال بالنص القرآني في بداية الفتوى وفي نهايتها وفق مقتضى الحال.
  • المعلم الثاني: الاستدلال بالنص القرآني لتصحيح ما ورد في النازلة من أخطاء.
  • المعلم الثالث: الاستدلال بالنص القرآني في سياق شرح الحديث وبيان معاني ألفاظه.
  • المعلم الرابع: الاستدلال بالنص القرآني تعضيدا لمعنى لغوي وبيانه.
  • المعلم الخامس: الاستدلال بالنص القرآني لتأكيد مقتضى من مقتضيات الشرع وإثباته.
  • المعلم السادس: الاستدلال بالنص القرآني في معرض استنباط الحكم الشرعي للنازلة.
  • المعلم السابع: الاستدلال بالنص القرآني في سياق النقد.
  • المعلم الثامن: الاستدلال بالنص القرآني في سياق التصحيح.
  • خاتمة.

المعلم الأول: الاستدلال بالنص القرآني في بداية الفتوى وفي نهايتها وفق مقتضى الحال.

إن النوازلي كان يراعي أثناء الإفتاء نوع النازلة وحيثياتها ومضمونها، فإذا كانت عادة أو ظاهرة اجتماعية مخالفة للشرع الإسلامي، فإنه يستحضر البعد الإصلاحي والقيمي في جوابه عنها فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويستهل فتواه بآية أو آيات قرآنية تمهيدا للحكم الشرعي للنازلة؛ حتى يتقبله المستفتي، ويذعن لما ينصحه به المفتي، ويدع كل ما يخالف الدين، مظهرا له شناعة ذلك الفعل الذميم؛ كي تستقبحه نفسه ويعظم جرمه في خاطره، ويتذكر الوعيد الشديد المترتب عن اقتراف المحرمات.

ومن النماذج في هذا المقام؛ ما سئل عنه الإمام ابن خجو (ت956هـ)[2] -رحمه الله- عن حكم الإمام الذي يجبر بعض الطلبة على حضور الختمة مزينين مكحلين مسوكين، يذكرون الله تعالى بالسهو واللهو وتعلية السكاكين والنبابيل والشطح بهم على أعين النساء وغيرهن، فهل تجوز شهادته وإمامته؟

“فأجاب: رحمه الله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أجل الجهاد، وجعل من تواطأ على البدعة المخالفة للسنة من أشر العباد والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه الذين أعزوا الدين بالجهاد وإقامة الحدود وبذلوا أنفسهم وأموالهم في مرضاة الإله المعبود. الجواب إن كان الأمر كما ذكرتم فالطلبة المسؤول عنهم هم طلبة الشر المباعدون للخير لفسقهم وابتداعهم ومصادمتهم أوامر الكتاب والسنة، وإحيائهم البدعة المحرمة، وإماتتهم السنة المحمدية واستخفافهم بأمور الدين ولمروقهم من الإسلام، ومواخاتهم مردة الشيطان: (أُوْلَٰٓئِكَ اَ۬لذِينَ لَعَنَهُمُ اُ۬للَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْم۪ى أَبْصَٰرَهُمُۥ)[3]…”[4].

أما بخصوص ختم الفتوى بالنص القرآني فإن المفتي كان يورده في سياق إظهار عدم رضاه عما استفتاه عنه المستفتي من الفعل الشنيع، ويبدي حسرته عما آل إليه المجتمع من تدني الحس الإسلامي الأصيل؛ ليؤثر على نفسية المستفتي والمطالع لتلك الفتوى حتى يكون لها وقع في القلوب، فتكون مثمرة محققة لمقصدها، والمثال على هذا ما ختم به العلامة الكيكي (ت1185هـ)[5] –رحمه الله- تعليقه وتذييله على فتوى الإمام الورزازي (ت1166هـ)[6] قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ اُ۬لْمُفْسِدَ مِنَ اَ۬لْمُصْلِحِۖ)[7] مبديا أسفه على ما يفتي به بعض طلبة عصره من جواز ضرب أهل البوادي لزوجاتهم أو خدامهم عند الغضب الشديد من حجر أو حديدة أو عود غليظ صلب أو بما يحدث على الجسد أثرا يفضي إلى الأذى، وفي هذا الصدد قال –أي الكيكي-: “قوله وسئل: عن المرأة إذا خرجت من دار زوجها بغير إذنه، الخ.

النشوز أن تخرج المرأة إلى أوليائها أو غيرهم بغير إذن زوجها، أو تمنعه من الوطء، أو الاستمتاع فما دونه على المشهور، وعدم الإنفاق مقيد بقيدين:

الأول: ألا يقدر على ردها بوجه.

الثاني: ألا تكون حاملا، فإن كانت حاملا وجبت النفقة لأجل الحمل…،

فإذا فهمت ما جلبناه وأحطت به علما، تبين لك أن ما يفعله من لا يتقي الله من أهل البوادي من ضرب الزوجة، أو الخادم بكل ما وجد قربه عند شدة الغضب، من حجر، أو عود غليظ صلب، أو حديدة، أو ماعون من قصعة، أو طست ونحو هذا، لا يقول أحد من المسلمين بجوازه، ولا يُصدَّق في دعواه الأدب، لأن الأدب إنما يكون بآلة خاصة من درة، وعود رطب، لا يكسر عظما ولا يفتت جارحة، ونحو لكزة وقد وقع لبعضهم أنه ضربها بسكين، فجرحها ست جرحات، فأفتيت بأنه تُطَلَّق عليه إن شاءت، لأن هذا ضرر بيّن لا يصدق أحد في مثله إذا ادعى الأدب، لأن الأدب لا يكون بسكين، ثم بلغني عن بعض طلبة العصر أنه أفتاهم بجواز ذلك، وأنه لو قتلها حيث اتهمها بالزنى لكان جائزا، وهذه البنت لم تبلغ المحيض، وهذا إن صح عنه أغرب من العنقاء، وأعجب من نظر الزرقاء، وقد تقدم في سماع ابن القاسم في البالغة، فكيف بغير المكلفة. فإنا لله وإنا إليه راجعون، قد ذهب العلم وأهله كما هو من أشراط الساعة. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ اُ۬لْمُفْسِدَ مِنَ اَ۬لْمُصْلِحِۖ) [سورة البقرة، آية218][8].

المعلم الثاني: الاستدلال بالنص القرآني لتصحيح ما ورد في النازلة من أخطاء

لقد كان بعض النوازليين يستدل بالنص القرآني على صحة كلامه عند تصحيحه لخطأ ورد في النازلة وفي بعض المصنفات كذلك، إذ لا بيان ولا فصاحة ولا بلاغة تعلو عليه؛ لأنه كتاب معجز، وهو الملاذ العاصم من اللحن، والطريق القويم لصون اللسان، من حاجج به غَلب، ومن ناظر به أَفحم، وعلى هذا الأساس سلك النوازلي مهيعا؛ لتصحيح أخطاء في النوازل والمؤلفات، نظرا لصحة الدليل، وقوته، وقدسيته.

ومن النماذج على هذا المعلم؛ تنبيه العلامة الكيكي (ت1185هـ) –رحمه الله- على خطأ ورد في نازلة أجاب عنها العلامة الورزازي (ت1166هـ) –رحمه الله- جاء فيها: “قوله وسئل: عن المسجد حال بينه وبين دور البلد بعض أجنة البلد الخ”[9]، فالظاهر من النازلة أن صاحبها قصد بـ “أجنة”؛ الجنان التي مفردها الجنة، وهذا ما يقتضيه المعنى السياقي، أما الأجنة التي مفردها “الجنين” فقد ذُكرت غلطا؛ لعدم تطابقها وتناغمها مع معنى النازلة، فيكون المقصود هو الجنان، وقد لاحظ الكيكي هذا اللحن نفسه كذلك في “الوثائق المجموعة” لابن فتوح (ت نحو 460هـ)[10] –رحمه الله- وفي غيرها، فصوب هذا الغلط، وعضده بما جاء في القرآن الكريم، بما نصه: “قوله وسئل: عن المسجد حال بينه وبين دور البلد بعض أجنة البلد؛ الخ.

هكذا وجدته في نسختين: أَجِنَّة، وهو لحن كما في الوثائق المجموعة وغيرها، قال أجنة جمع جنين قال تعالى: (وَإِذَ اَنتُمُۥٓ أَجِنَّةٞ فِے بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمْۖ) [سورة النجم، آية31].

قال ابن هلال: “قال أبو الحسن الزرويلي –رحمه الله-: “قالو –يعني الأشياخ- وكذلك ما يكون وسطا من مرابض الغنم والبقر، وحيث يلقى الزبل وتستنبت الخضر، وحانوت الحداد وشبهه، أن ذلك كله من حكم الاتصال، ووقع التردد في المقبرة، (وجعلت محل نظر لأنه لا يجوز البناء فيها قال: “وانظر إذا كانت القرية) متخللة (بالجنات) جنات ودار…”[11].

المعلم الثالث: الاستدلال بالنص القرآني في سياق شرح الحديث وبيان معاني ألفاظه

في بعض الأحايين حينما يهم النوازلي بشرح كلمة في حديث شريف وقد ذُكرت بعينها في القرآن الكريم، فإنه يرجع إلى كتب التفسير فيشرحها وفق ما قاله المفسرون في شأنها، ويذكر الآية الكريمة، وينص على أنها شاهد لما رجحه وذهب إليه من الشرح والبيان، عملا بمبدأ العلاقة البيانية والتفسيرية بين النصوص الشرعية، كما قــال العلامــة مولود السـريري: “النصوص الشرعية بين بعضها وبعض العلاقة البيانية والتفسيرية، ما اتحدت موضوعاتها، وإن من جهة واحدة حصل ذلك، كما سبق ذكره.

ولولا هذه العلاقة البيانية، وأن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضا؛ لانحلت عرى الإسلام، وانهدمت أسسه”[12]، وقال كذلك –حفظه الله- مبينا أهمية بيان المدلولات والمعاني بين النصوص الشرعية: “تفسير النصوص الشرعية وبيان معانيها وتحديد مفهوماتها ومدلولاتها بالنصوص الشرعية الأخرى أهم ركن في تفسير هذه النصوص.

فالعلاقة البيانية بين النصوص الشرعية عقيدة ثابتة في نفس كل ذي معرفة بالعلم الشرعي، ولذلك سار السلف والخلف على مقتضى حكمها، فكانت فيه وقاية من الانفلات من ربقة الانضباط في فهم هذه النصوص، ومقاصدها. حتى تقرر في شأن ترسيخ ذلك أن القرآن والسنة مثل جملة واحدة، وكلام واحد من حيث الاتصال والتعلق”[13]، لذلك نجد العلامة ابن هلال (ت903هـ)[14] قد شرح لفظة “حسير” في حديث استشهد به بـ “كليل منقطع”، على نحو ما فسرها المفسرون في سورة الملك[15]، وفي هذا الشأن قال –رحمه الله-: “فأشار ابن العربي رحمه الله إلى أن الدلالة الفعلية كالقولية، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الأولى من مسائلكم. ويشهد للقول الثاني الذي صححه ابن العربي، ما أخرجه أبو داود في مراسله: (مَنْ أَحْيَى حَسِيراً فَهُوَ لَهُ)[16]، والحسير: الذي ذهبت قوته فلا انبعاث له، ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ اَ۪رْجِعِ اِ۬لْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبِ اِلَيْكَ اَ۬لْبَصَرُ خَاسِئاٗ وَهُوَ حَسِيرٞۖ)[17] أي: كليل منقطع. فالحاصل: أن المسألة ثلاثية التقسيم…”[18].

أما بخصوص الاستدلال في سياق شرح الحديث وبيان معناه وتقريره، فقد قال العلامة ابن هلال (ت903هـ) في إحدى فتاويه حول “حكم إطلاق الشخص على الله تعالى” أنه لا يجوز، وناقش حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ”[19] مبينا معناه ومغزاه، مستشهدا بأقوال المحدثين، مدعما الحكم الذي أفتى به بنص قرآني، وهذه هي النازلة وبعض من جوابها: “سؤال: عن مسألة سأله عنها (ولده) أبو فارس سيدي عبد العزيز بن إبراهيم بن هلال، وهي: هل يجوز إطلاق الشخص على الله تعالى أم لا؟

جوابه: الحمد لله؛ فإطلاق الشخص على الباري سبحانه وتعالى لا يجوز، وقد نقل الإمام ابن فورك رضي الله عنه الإجماع على ذلك، وتبعه ابن بطال حتى المجسمة مع قولهم بالجسم…، فإذا تقرر هذا فما (ترجم به) البخاري: (لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ) أي لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله على ما سيأتي لعياض رحمه الله، والترجمة عند ابن بطال “لا أحد” بدلا من “لا شخص” وكان ذلك من تغييره، وعلى كل حال فليس في قوله شخص أغير من الله (إثبات) أن الله تعالى شخص؛ لأن الحديث من باب الاستثناء من غير جنسه ونوعه، فهو كقوله تعالى: (مَا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ. اِلَّا اَ۪تِّبَاعَ اَ۬لظَّنِّۖ)[20] وليس الظن من نوع العلم بوجه، فيكون التقدير أن الأشخاص الموصوفة بالغيرة لا تبلغ غيرتها وإن تناهت غيرة الله سبحانه وإن لم يكن شخصا بوجه، هكذا قرره ابن فورك وتبعه ابن بطال، وقرره الإمام أبو بكر الإسماعيلي تقريرا حسنا جدا، فأبدع وأجاد وأحسن وأفاد، قال: “ليس في قوله شخص أغير من الله إثبات أن الله شخص، بل هو كما جاء “مَا خَلَقَ اللهُ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِي”[21] فإنه ليس فيه إثبات أن آية الكرسي مخلوقة، بل المراد أنها أعظم المخلوقات، فهو كما يقول من يصف امرأة كاملة الفضل: ما في الناس رجل يشبهها، يريد تفضيلها على الرجال لا أنها رجل”، وهو من الحسن في غاية، ومن البيان في نهاية، وقال عياض في “المشارق”: “وقوله: لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ” قيل: معناه لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله، إذ الشخص إنما هو الجسم وما له ارتفاع وتجسم في علو، والله منزه عن الجسمية، وهو كالاستثناء من غير الجنس…”[22].

المعلم الرابع: الاستدلال بالنص القرآني تعضيدا لمعنى لغوي وبيانه

حينما يُسأل النوازلي عن معنى بيت شعري أو جملة في اللغة العربية، فإنه يبينه أوضح بيان، ويجلي مغزاه أتم جلاء بما لا يبقى معه لبس أو غموض؛ لغة وإعرابا وتصريفا…، يستند في ذلك إلى آيات قرآنية باعتبارها شواهد يعضد بها رأيه ويقويه، ومن الأمثلة على هذا المعلم جواب العلامة الفقيه التاودي ابن سودة (ت1209هـ)[23] –رحمه الله- عن سؤال وجهه إليه أحد سلاطين المغرب الأقصى حول إبراز حقائق بيتين من الشعر للمبرد، وشرحهما، وذكر ما يتعلق بهما من لغة وإعراب وتصريف، وفي هذا الصدد قال – أي التاودي ابن سودة-: “الحمد لله وحده، وفي جواب من قبل مولانا المنصور بالله نصه:

الحمد لله كما يجب لجلاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله، وبعد:

فقد ورد الأمر من قبل مولانا الإمام، المظفر الهمام، وروح العوالم ونورها، ورحمة الدنيا وسرورها، ببيان قول القائل:

إذا المال لم يوجب عليك عطاؤه * صنيعة تقوى أو حبيب توامقه
منعوبعض المنع حزم وقوة * فلم يفتلتك المال إلا حقائقه

والكشف عن حقائقهما، وذكر ما لابد منه من لغة وإعراب وتصريف يتعلق بهما، فامتثلت أمره المطاع، وقلت على قدر المستطاع، متوخيا في ذلك السداد، وراجيا من حول الله وبركته الوقوف على المراد، مقدما في ذلك بيان المعنى، ثم أذكر من إعراب وغيره ما عليه انبنى…،

الوجه الثاني: وهو ما أشار إليه بقوله: أو حبيبا توامقه، ويروى أو صديقا توافقه، أي تودد إليه، يدخل فيه ما كان من باب البر والإحسان والصدقة والتفضل والامتنان، قال تعالى: (وَءَاتَي اَ۬لْمَالَ عَلَى حُبِّهِۦ ذَوِے اِ۬لْقُرْب۪يٰ وَالْيَتَٰم۪يٰ وَالْمَسَٰكِينَ وَابْنَ اَ۬لسَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِے اِ۬لرِّقَابِ)[24]، وذلك من حقوق المال أيضا…،

وأما صرف المال في غير الوجهين المذكورين، وذلك كالتبذير وإعطائه لغير مستحقه، أو من يكنزه، أو يستعين به على باطل، فمما لا ينبغي، خلافا لمن يمدح صرف المال مطلقا ويعده جودا وكرما، قال تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً اِلَيٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ اَ۬لْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماٗ مَّحْسُوراًۖ)[25]…،

إذا ظرف للمستقبل، مضمنه معنى الشرط منصوبة بشرطها عند المحققين، وهي غير مضافة عندهم، أو لجوابها عند الأكثرين، والمال كل ما ملكته، ودخول إذا هنا على الجملة الاسمية مثله في قوله تعالى: (إِذَا اَ۬لسَّمَآءُ اُ۪نشَقَّتْ)[26]…، وأصل الوجوب السقوط، ومنه قوله تعالى: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا)[27]، أي سقطت الأرض، ووجبت الشمس إذا سقطت في المغيب…، وعطاءه مفعول مقدم لقوله يوجب، وصنيعة تقوى فاعله مؤخر، وإن كان في الأصل في الفاعل أن يتصل بفعله مثل: (وَوَرِثَ سُلَيْمَٰنُ دَاوۥودَ)[28]، فقد يجاء بخلاف الأصل كقوله تعالى: (وَلَقَدْ جَآءَ ا۟لَ فِرْعَوْنَ اَ۬لنُّذُرُ)[29].

والصنيعة: الإحسان والتربية، ومنه: (وَلِتُصْنَعَ عَلَيٰ عَيْنِيَ)[30]، أي تربى بمرأى مني، والتقوى فعل من وقاه يقيه وقاية، وأصلها وقي، أبدلت واوا…، وقوله: إلا حقائقه، هو الفاعل، واستثناء اللام مثل: (وَمَنْ يَّقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا اَ۬لضَّآلُّونَۖ)[31]، والحقائق هنا كأنه جمع حقوق لا جمع حقيقة، والحقوق جمع حق، بمعنى الواجب، فهو جمع الجمع…”[32].

المعلم الخامس: الاستدلال بالنص القرآني لتأكيد مقتضى من مقتضيات الشرع وإثباته

عندما يقرر النوازلي مقتضى من مقتضيات الشرع، فإنه يحشد العديد من الآيات القرآنية لتتظافر كلها على إثباته وتقريره، وهو منهج سار عليه الفقهاء، يقول بعضهم عن تحريم الموالاة الكفرانية في ما نقله العلامة المهدي الوزاني (ت1342ه)[33] – رحمه الله-: “وتكرار هذه الآيات في هذا المعنى، وجريها على نسق وتيرة واحدة، مؤكد للتحريم، ورافع لاحتمال التطرق إليه، فإن المعنى إذا نُص عليه وأُكد بالتكرار فقد ارتفع الاحتمال لاشك، فتعاضدت هذه النصوص على هذا النهي، فلا تجد في تحريم هذه الإقامة وهذه الموالاة الكفرانية مخالفا من أهل القبلة، المتمسكين بالكتاب العزيز”[34]، ولا أدل على هذا ما ساقه العلامة ابن هلال (ت903هـ) –رحمه الله- من الآيات الكريمات في معرض جوابه عن “أصح ما ورد في أسماء الله الحسنى، والجبر والاكتساب، وتفسير قوله تعالى: (إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُخْلِفُ اُ۬لْمِيعَادَۖ)[35]، وحكم من سمع سائلا فأخرج له صدقة فلم يجده” تقرر وجوب رعاية الأدب وتعظيم الله تعالى الذي هو طريق الأنبياء والرسل عليهم السلام في مقامات المناجاة، حيث يقول –رحمه الله-: “قلت ما أشار إليه رحمه الله – يقصد الإمام الفخر في لوامع البينات- من وجوب رعاية الأدب والتعظيم في هذا المعنى هو طريق الأنبياء والمرسلين صلى الله عليهم أجمعين في مقامات مناجاتهم…، فتأدب صلى الله عليه وسلم مع ربه سبحانه وتعالى كما أمره في قوله جل اسمه: (قُلِ اِ۬للَّهُمَّ مَٰلِكَ اَ۬لْمُلْكِ تُوتِے) إلى قوله: (بِيَدِكَ اَ۬لْخَيْرُ)[36]؛ لأن المقام مقام مدح وثناء، وإن كان تعالى بيده الخير والشر، وانظر قول إبراهيم عليه السلام: (اَ۬لذِے خَلَقَنِے فَهُوَ يَهْدِينِۖ) إلى قوله: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِۖ)[37]، فلم يضف المرض إلى ربه تأدبا، مع أن المرض ليس بِشَرٍّ محض، فكيف الشر المحض، فإن قيل: فالموت أشد من المرض فكيف لم يضفه إلى نفسه؟ قيل؛ لأن الموت به يردون عليه، وبه يلقونه. وانظر إلى قول يوسف عليه السلام (وَقَدَ اَحْسَنَ بِيَ إِذَ اَخْرَجَنِے مِنَ اَ۬لسِّجْنِ)[38]، ولم يذكر دخول السجن، لئلا يكون شكاية بربه تعالى. وانظر قول الخضر عليه السلام: (فَأَرَدتُّ أَنَ اَعِيبَهَا)[39]، (فَأَرَدْنَآ أَنْ يُّبَدِّلَهُمَا رَبُّهُمَا)[40] (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَّبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا)[41] فكيف اختلفت الإضافة في هذه الإرادات الثلاث، وهي كلها في قصة واحدة وفعل واحد، وما ذلك إلا أنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه، فقال: (فَأَرَدتُّ أَنَ اَعِيبَهَا)[42]، ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع، تنبيها على أنه من العظام في علوم الحكمة، فلم يقدم على هذا القتل إلا بحكمة، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله عز وجل؛ لأن التكفل بصلاح الأبناء لرعاية الآباء ليس إلا لله سبحانه إلى غير هذا…”[43].

المعلم السادس: الاستدلال بالنص القرآني في معرض استنباط الحكم الشرعي للنازلة

يعتبر الدليل أس الفتوى ومرتكزها، ولبها وروحها، وبفضله تصير قوية معتبرة، به تطمئن نفسية المستفتي، وتكون أدعى للقبول، والإذعان لها، والعمل بها؛ لقوة مستندها وصحة مأخذها، لذلك لا تخفى أهمية التأصيل في صناعة الفتوى، مما نجد النوازليين كانوا يدعون غيرهم إلى التأصيل بالنص القرآني، فهذا الإمام العباسي (ت1152هـ)[44] –رحمه الله- كتب إلى بعض إخوانه يلتمس منه الدعاء، ويوصيه بالقيام بحقوق الله في نفسه ورعيته، ويوصيه بمراعاة الأصول قبل الفروع عند الاستدلال[45].

وفي ذات السياق كان بعض النوازليين يعيب على غيره إذا أفتى في نازلة بمصادر أخرى غير القرآن الكريم رغم وجود ما يدل عليها منه؛ كالعلامة النوازلي المهدي الوزاني (ت1342هـ) –رحمه الله- نبه عن هذا الصنيع بأدب واحترام، حيث قال: “ما كان من حق الفقهاء أعلاه حفظهم الله، أن يعتمدوا طريق القياس والحجج العقلية ويتركوا النصوص الشرعية…، لأنه لا يجوز القياس مع وجود النص بخلافه، إذ لا قياس مع وجوده”[46].

وقد ألح الإمام ابن القيم (ت751هـ) –رحمه الله- على المفتي أن يذكر الدليل ومأخذه في الفتوى ما أمكنه ذلك؛ ليشهد له على سعة مداركه، وتبحره في العلم، وفي هذا الصدد قال: “ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه من ذلك، ولا يلقيه إلى المستفتي ساذجا مجردا عن دليله ومأخذه، فهذا لضيق عطنه، وقلة بضاعته من العلم، ومن تأمل فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قوله حجة بنفسه، رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم، ونظيره ووجه مشروعيته”[47].

ومن النماذج على هذا المعلم؛ تذييل العلامة الكيكي (ت1185هـ) على نازلة عُرضت على الإمام الورزازي (ت1166هـ)، هذا بعض ما جاء فيها: “قوله وسئل: عمن باع ملكا في جوار سلطان الخ.

هذا هو المسمى بالمضغوط.

قال ابن هلال: “هو المأخوذ بغرم مال قهرا، فضُيق عليه بشدة وتعذيب، من ضغطه إذا زاحمه إلى حائط نحوه، ومنه ضغطه القبر، وقوله في الدعاء: (اللهم ارفع عنا هذه الضغطة) أي هذه الشدة والمشقة، وفي بيعه ثلاثة أقوال:

الأول: هو المشهور أن بيعه مردود، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك أن له الخيار بعد أمنه في إمضائه أو رده، فيرد عليه بلا ثمن، إلا إن تحقق أنه صرف الثمن في مصالحه فيرد عليه بالثمن، وهذا القول هو الذي أفتى به خليل في “مختصره” على عادته من الجري على المشهور الذي به الفتوى، ووجهه أن شرط لزوم البيع التكليف، والمضغوط غير مكلف لقوله تعالى: (إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةٌ عَن تَرَاض مِّنكُمْۖ) [سورة النساء،آية 29]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: “رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ”[48] أي المؤاخذة بذلك إذ هذه الأمور واقعة، فالمرفوع هو المؤاخذة بها لا وقوعها، فهو من باب دلالة الاقتضاء على حد قوله تعالى (وَسْـَٔلِ اِ۬لْقَرْيَةَ) [سورة يوسف، آية 82] أي أهلها.

وذهب سحنون في روايته عن مالك إلى أنه يرد عليه بالثمن، إن كان المضغوط هو المتولي البيع وقبض الثمن من المشتري، ولم يكن المشتري عالما بالضغط، واختار هذا القول ابن رشد في نوازله، وذهب ابن كنانة والسيوري واللخمي والثوري إلى أن بيعه لازم، وأن المشتري منه مأجور.

زاد اللخمي، وإن كان البائع مولى عليه، لأن حفظ الأبدان مقدم على حفظ الأموال في الشرع، قال البرزلي: “ومال إلى هذا القول شيخنا الإمام يعني ابن عرفة”.

واستحسن هذا القول حذاق المتأخرين، وبه أفتى الفقيه المشارك ابن هلال أيام الوزير علي بن يوسف الوطاسي، وأبو الفضل قاسم ابن سعيد العقباني، والسرقسطي فقيه غرناطة وغيرهم من أئمة المغرب، وبه جرى الإفتاء والعمل والحكم في أقطار المغرب إلى هلم جرا لعموم البلوى، لاسيما في هذا الوقت، إذ جل بيوعات الناس لا تخلو عن ضغط، فالحكم بعدم لزومها يؤدي إلى الحرج وقد قال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ مِنْ حَرَجٖۖ) [سورة الحج الآية:76]، ويؤدي إلى الهرج وكثرة التشاجر وإثارة الفتنة…”[49].

المعلم السابع: الاستدلال بالنص القرآني في سياق النقد

إن مما يظهر فيه التأصيل والاستدلال بالنص القرآني، ردود وانتقادات النوازلي لفتاوي غيره؛ لأن مقام النقد يستدعي إبراز خطأ المخالف وَوَهْي حجته وضعف مدركه بأدلة أقوى لاسيما من النصوص الشرعية حتى تصير الردود مقبولة وفق الضوابط العلمية، فتُنقح النوازل الفقهية وتُصحح، وفي هذا الصدد قال العلامة الأصولي مولود السريـري –حفظه الله-: “إذ كل متأخر من أهل هذا المسلك يصحح ويراجع نتاج من قبله، وبهذا أنضجت محتويات العلوم الإسلامية المختلفة، ونُقحت، وعمق النظر فيها”[50].

وهذا الصنيع يبرئ ذمم الفقهاء بعدم السكوت عن الخطأ، وينمي مداركهم، ويغني الفقه، ويزيل عنه موجبات الهرم[51]، فلو تم تعميم النظر النقدي في التراث النوازلي لضبط ضبطا منهجيا وعلميا، ولأثمرت المناقشات أثمارها، وتم التحقيق في الأدلة المسوقة من جهة مناسبتها لمقام الاحتجاج؛ لتزكية النقد وتقويته.

وأسوق في هذا المقام رد العلامة ميارة (ت1072هـ)[52] على الفقهاء النوازليين الذين أفتوا بمنع المسلمين الجدد من ذوي الأصول اليهودية من اعتمار القبة الكبرى بقيسارية فاس، وقد جاء على شكل تأليف عنونه بـ “نصيحة المغترين وكفاية المضطرين في التفريق بين المسلمين بما لم ينزله رب العالمين ولا جاء به الرسول الأمين ولا ثبت عن الخلفاء المهديين”. فمن خلال العنوان نستشف أن تعقيبه –رحمه الله- على الفقهاء وإفتاءه بعدم التمييز بين المسلمين على أساس لوني أو عرقي أو سبق في الإسلام مبنيان ومؤسسان على النصوص الشرعية والأثر، كما جاء فيه: “بما لم ينزله رب العالمين ولا جاء به الرسول الأمين ولا ثبت عن الخلفاء المهديين”؛ متوخيا بهما إصلاح المجتمع، وإشاعة روح الأخوة والتضامن والتعايش بين جميع المسلمين، وقد قال في آخر تأليفه هذا: “إن قلت جميع ما نقلته أو ذكرته صحيح، ووجهه جلي مليح لتأييده بالآيات والأحاديث المرويات، وأقوال العلماء السادات ولكن أين من يعمل به…، على أن جميع ما نقلته أو ذكرته إنما هو حكاية وإخبار عن الشارع فعدم العمل به والإصغاء إليه عصيان للشارع لا للناقل عنه”[53].

ومن بين الفتاوي التي نقدها فقهاء النوازل، فتوى الإمام المغيلي (ت909هـ)[54] التي تنص على مقاتلة يهود توات والمناطق الصحراوية المجاورة، وإسقاط ذمتهم وإحلال أموالهم ونسائهم، وذكر في هذه الفتوى عدة آيات قرآنية يدعم بها رأيه ويحاجج بها غيره على اجتناب المسلمين للكفار وإلزامهم الإذلال والصغار، ومن بين النصوص القرآنية التي استدل بها على مقاتلة اليهود، قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ اُ۬لْيَهُودَ وَالنَّصَٰر۪ى أَوْلِيَآءَۖ بَعْضُهُمُۥٓ أَوْلِيَآءُ بَعْضٖۖ وَمَنْ يَّتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يَهْدِے اِ۬لْقَوْمَ اَ۬لظَّٰلِمِينَۖ)[55].

ومن هؤلاء النوازليين الذين ردوا هذه الفتوى؛ العلامة ابن هلال (ت903هـ) –رحمه الله- فقد ناقش فيها المغيلي، وبَيَّن مكمن غلطه، وجعل النص القرآني الذي استدل به حجة عليه لا له؛ لأنه يدل على منع الموالاة لا على وجوب القتال، وأن الجهاد موكول إلى السلطان لا إلى الرعية، واستدل بالكتاب العزيز على ضرورة الفرق بين المودة الممنوعة والجائزة، وهذا بعض ما جاء في رده على الإمام المغيلي: “وقولكم في السؤال من جملة ما كان يستدل به المغيلي على جهاد من منع اليهود منه (يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ اُ۬لْيَهُودَ وَالنَّصَٰر۪ى أَوْلِيَآءَۖ) إلى قوله: (وَمَنْ يَّتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمُۥ)[56]، وقوله: (يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اَ۬للَّهُ عَلَيْهِمْ)[57] الآية. وبمثل هذا لا يتم له ذلك لنفسه، بل ذلك للإمام العدل الغالب الذي تؤدى إليه الطاعة، وقهر الناس، وأمن اختلاف الكلمة وإراقة الدماء، ومقابلة فئتين للقتال، وأما المغيلي فليس في شيء من ذلك، لأنه من آحاد الرعية، فالواجب عليه الجهاد –في ذلك وفي غيره- باللسان، وإلا فلا يجوز له القتال للنصوص التي قدمنا أن التغيير باليد إذا أدى إلى إظهار سلاح، وحرب وتقابل فئتين، وجب الترك والتغيير بالقلب، على أن الآية الكريمة لا تدل على قتال من والاهم، وإنما تدل على منع من والاهم، ومؤاخاتهم ومصاحبتهم، ومعاشرتهم معاشرة المؤمن بالنصح والود لا غير، لأنهم أعداء الله، فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيان…،

ولا يخلصون النصيحة، ولا يؤدون الأمانة، وقالوا: ليس علينا في الأميين سبيل، وقال الله: (يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّے وَعَدُوَّكُمُۥٓ أَوْلِيَآءَۖ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ)[58] الآية، والموالاة للكافر حرام منهي عنها، فإذا دخلوا في الذمة فالإحسان حينئذ مطلوب…، وقال الله عز وجل: (لَّا يَنْه۪يٰكُمُ اُ۬للَّهُ عَنِ اِ۬لذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيٰ۪رِكُمُۥٓ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ اُ۬لْمُقْسِطِينَۖ)[59] فلابد من الفرق بين المودة الممنوعة وبين المودة الجائزة…”[60].

المعلم الثامن: الاستدلال بالنص القرآني في سياق التصحيح

يعتبر تصحيح الفتاوي تزكية لها وشهادة على رفع شأنها وإعلاء قيمتها، ولا يسوغ للفقيه أن يصححها إلا إذا تحقق صوابها وعلم أصلها، كما قال العلامة الحجوي الثعالبي الفاسي (ت1376هـ)[61] –رحمه الله-: “وذلك لا يجوز تقليدا حتى ينظر –يقصد المكذلك- في الفتوى، ويتحقق صوابها، ويعلم منزعها وأصلها، وإلا كان من الفتوى بغير علم”[62].

من هنا، فلابد للمصحح أن يكون أهلا للتصحيح، عالما بمستنده، عارفا بأهلية المفتي الذي يريد تصحيح فتواه، وفي هذا الصدد قال الإمام النــووي (ت676هـ) –رحمـه الله-: “إذا رأى المفتي رقعة الاستفتاء وفيها خط غيره، ممن هو أهل للفتوى، وخطه موافق لما عنده، قال الخطيب وغيره: كتب تحت خطه: هذا جواب صحيح، وبه أقول. أو كتب: جوابي مثل هذا”[63].

وعليه، سأمثل بأنموذجين اثنين استند فيهما صاحباه إلى النص القرآني في التصحيح، وهما:

  • الأنموذج الأول: تصحيح الإمام عبد الله بن العافية لما ذهب إليه العلامة حرزوز من جواز استغلال المسلمين الجدد لقبة قيسارية فاس حينما استفتاه الوزير أبي محمد المسعود، وهذا نصه بعد الحمدلة والتصلية: “وإلى هذا فأنا موافق لما كتب به سيدي أبو علي حرزوز أعلاه موافق لما أفتى به فقهاء فاس ومفتوها، لما تضمنه من نصوص القرآن والسنة، وهذا ما عندنا والسلام على مقامكم العلي والرحمة والبركة، انتهى”[64].
  • الأنموذج الثاني: تصحيح عبد المومن ابن محمد لفتوى الإمام علي بن محمد الشريف المري القاضية بالجواز، وهذا بعض ما ورد فيه: “الحمد لله الجواب أعلاه صحيح، “فإنما المومنون إخوة”. وما زادت صيغة الحصر ذلك إلا تأكيدا وقوة. وإنما يفضل الأخ أخاه بخصال الكمال ولا أكمل من تقوى الله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اَ۬للَّهِ أَتْق۪يٰكُمُۥٓۖ)[65]، (يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسْخَرْ قَوْمٞ مِّن قَوْمٍ عَس۪ى أَنْ يَّكُونُواْ خَيْراٗ مِّنْهُمْ)[66]، والخير المعتبر في ذلك هو التقوى…، وفقنا الله تعالى للاعتصام بالكتاب والسنة، وعصمنا من شر الناس والجِنَّة، وختم لنا بالسعادة الموصلة إلى الجَنة بمنه وطوله”[67].

خاتمة

في نهاية هذا البحث تبين أن النص القرآني كان حاضرا عند نوازليي المغرب الأقصى في نوازلهم الفقهية على مستويات عدة وأوجه مختلفة، تبعا لباعث توظيفه، ولدافع الاستناد إليه، ومن ثمة تعددت معالم الاستدلال به حسب ما يقتضيه كل معلم من منهج.

هذا؛ وقد خلصت إلى نتائج وخلاصات، أذكر أهمها، وهي:

  • حضور النص القرآني في الفتوى عند علماء المغرب الأقصى تأصيلا واستدلالا وتنزيلا وتفسيرا يعتبر مظهرا من مظاهر خدمتهم لكتاب الله تعالى وعنايتهم به، إيمانا منهم بأنه هو المصدر الأول للتشريع الذي لا يعدل إلى غيره عند وجود ما يشهد منه للنازلة وفق مبدأ تراتبية مصادر الشريعة.
  • الاستدلال بالنص القرآني كان يخضع لاعتبارات؛ فتوظيفه في سياق الإصلاح ومحاربة الظواهر والعوائد المخالفة للشرع كان يساق في بداية الفتوى أو في نهايتها؛ ليبرز المفتي للمستفتي مدى شناعة تلك الظواهر والعوائد وما يترتب من وعيد على مخالفة أحكام الشرع، وليظهر أسفه وحسرته على ما آل إليه الوضع في مجتمعه.
  • الاستدلال بالنص القرآني كان يساق لتصحيح أخطاء وردت في السؤال أو في بعض المصنفات؛ لأنه – أي النص القرآني- هو العاصم من اللحن، والمصون للسان من الغلط، لما حواه من الفصاحة والبيان والبلاغة، فهو أقوم طريق يسلكه الفقيه؛ لإثبات رأيه وتأييد قوله.
  • الاستدلال بالنص القرآني في سياق شرح الحديث الشريف وبيان معاني ألفاظه يجسد العلاقة البيانية بين النصوص الشرعية، ويثبت أنها بمثابة كلام واحد من حيث الاتصال والتعلق.
  • الاستدلال بعدة نصوص قرآنية على حكم شرعي دليل على أن المعنى المنصوص عليه والحكم المقرر والمؤكد بالتكرار يرفع ما قد يتطرق إليه من الاحتمال، فكل ما تعاضدت عليه النصوص وجرت على نسق واحد، فإنها تؤكد ذلك الحكم الذي تضمنته، وتقرره.
  • تأصيل الفتوى بالنص القرآني المناسب لها والدال عليها أو على جزئية منها يجعلها قوية مقبولة معتبرة تذعن لها النفوس وتقبلها.

قائمة المصادر والمراجع:

استثمار النص الشرعي على مدى التاريخ الإسلامي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 2009م.

أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط:2، 1397هـ-1977م.

سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباق، دار إحياء الكتب العربية، بدون تاريخ، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، ح ر: 2045، بلفظ: “إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ”. والسنن الكبرى، للبيهقي، كتاب الخلع والطلاق، باب ما جاء في طلاق المكره، ح ر:15094، بلفظ: “إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ”.

سنن أبي داود، تحقيق محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 1416ه-1996م،

سنن الترمذي، تحقيق ودراسة مركز البحوث وتقنية المعلومات، دار التأصيل، ط:1، 1435ه-2014م، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في آل عمران، ح ر:3099، بلفظ الحديث كما أخرجه: “مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِي”.

صحيح البخاري، دار ابن كثير، ط:1، 1423ه-2002م، كتاب التوحيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ”، ح ر:7416.

صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، ط:1، 1412ه-1991م، كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى، وتحريم الفواحش، ح ر: 2760، بلفظ: “لَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ”، وبلفظ: “لاَ أَحَدَ أَغْيَر مِنَ اللهِ”. وح ر: 2762، بلفظ: “لَيْسَ شَيْءٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ”.

عنوان الشرعة وبرهان الرفعة في تذييل أجوبة فقهية درعة، للعلامة أبي عبد الله الكيكي، تقديم وتحقيق السعيد وديدي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط:1، 1442هـ-2021م.

الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 1416ه-1995م، ج4.

كتاب الإجارة، باب فيمن أحيا حسيرا، ح ر:3524-3525، والسنن الكبرى للبيهقي، تحقيق عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:3، 1424ه-2003م،

كتاب اللقطة، باب ما جاء فيمن أحيا حسيرا، ح ر: 12113-12114-12115-12116.

المجموع شرح المهذب للشيرازي، للنووي، حققه وعلق عليه وأكمل بعد نقصانه محمد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد، المملكة العربية السعودية، بدون طبعة وتاريخ، ج1.

المنح السامية في النوازل الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط:1، 1412هـ-1992م، ج2.

نصيحة المغترين وكفاية المضطرين، لمحمد أحمد ميارة، دراسة وتحقيق مينة المغاري وحفيظة الدازي، دار أبي رقراق، الرباط، المغرب، ط:1، 2007م.

نوازل التاودي ابن سودة المري، دراسة وتحقيق يحيى عارف، مكتبة كنوز التراث، الدار البيضاء، المغرب، ط:1، 1438هـ-2017م.

النوازل الجديدة الكبرى، قابله وصححه عن النسخة الأصلية عمر بن عباد، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط: 1420هـ-1999م، ج3.

نوازل العلمي، تحقيق المجلس العلمي بفاس، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط:1409هـ-1989م، ج3، ص: 199.

نوازل باز النوازل، دراسة وتحقيق مجموعة رسائل جامعية راجعها ثلة من العلماء، بإشراف وتنسيق عبد الله الهلالي، دار ابن حزم، ط:1، 1437هـ-2016م، ج2.

الهوامش:

  1. – عنوان الشرعة وبرهان الرفعة في تذييل أجوبة فقهية درعة، للعلامة أبي عبد الله الكيكي، تقديم وتحقيق السعيد وديدي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط:1، 1442هـ-2021م، ص: 7-8.
  2. – ابن خجو: هو أبو القاسم بن علي ابن خجو، العلامة الحافظ الفهامة، مفتي البلاد الهبطية وفقيهها، وناصر السنة ومميت البدعة، أخذ العلم بفاس عن كبار العلماء، من تآليفه: النصائح فيما يحرم من الأنكحة والذبائح، وضياء النهار. توفي –رحمه الله- سنة: 956ه. انظر: دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، لمحمد بن عسكر الحسني الشفشاوني، تحقيق محمد حجي، مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، سلسلة التراجم (1)، ط: 1397ه-1977م، ص:14-15. وسلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، لأبي عبد الله محمد بن جعفر إدريس الكتاني، تحقيق عبدالله الكامل الكتاني، وحمزة بن محمد الطيب الكتاني، ومحمد بن حمزة بن علي الكتاني، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، ط:1، 1425هـ-2004م، ج2، ص: 166-167.
  3. – سورة محمد، الآية: 24.
  4. – نوازل العلمي، تحقيق المجلس العلمي بفاس، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط:1409هـ-1989م، ج3، ص: 199.
  5. – الكيكي: هو محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان الكيكي، انتهت إليه رئاسة الفتاوى بالبلاد الدمناتية، من تآليفه –رحمه الله- مواهب ذي الجلال في نوازل البلاد السائبة والجبال، وحاشية على نوازل العباسي. توفي –رحمه الله- سنة: 1185هـ. انظر: الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، للعباس بن إبراهيم، تحقيق عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، ط: 2، 1422ه-2001م، ج6، ص: 80-81. وإتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، لعبد السلام ابن سودة، تنسيق وتحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط:1، 1417هـ-1997م، ج1، ص:32.
  6. – الورزازي: هو محمد بن محمد بن عبد الله الورزازي، تصدر للتدريس في درعة وأخذ عنه بها جماعة من التلاميذ، من تآليفه: شرح لامية الزقاق، وشرح المقنع لابن سعيد المرغتي، ونوازل. توفي –رحمه الله- سنة: 1166ه. انظر: التقاط الدرر ومستفاد المواعظ والعبر من أخبار المائة الحادية والثانية عشر، لمحمد بن الطيب القادري، تحقيق هاشم العلوي القاسمي، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، ط:1، 1403هـ-1983م، ج2، ص:425. ونشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، لمحمد بن الطيب القادري، تحقيق محمد حجي وأحمد التوفيق، مكتبة الطالب، الرباط، ط:1،1407ه-1986م، ج4، ص:96. والإكليل والتاج في تذييل كفاية المحتاج، لمحمد بن الطيب القادري، دراسة وتحقيق مارية دادي، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، بدون تاريخ، ص:374.
  7. – سورة البقرة، جزء من الآية: 218.
  8. – عنوان الشرعة وبرهان الرفعة، ص: 247 وما بعدها.
  9. – عنوان الشرعة وبرهان الرفعة، ص: 154.
  10. – ابن فتوح: هو أبو محمد عبد الله بن فتوح بن موسى بن عبد الواحد البنتي ثم الأندلسي، الفقيه العالم الفاضل، ألف “الوثائق المجموعة” جمع فيه أمهات كتب الوثائق وفقهها. توفي –رحمه الله- نحو: 460هـ. انظر: ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض، تحقيق سعيد أحمد أعراب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط: 1403هـ-1983م، ج8، ص:166. وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد ابن مخلوف، خرج حواشيه وعلق عليه عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 1424ه-2003م، ج 1، ص: 176.
  11. – عنوان الشرعة وبرهان الرفعة، ص: 154.
  12. – استثمار النص الشرعي على مدى التاريخ الإسلامي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 2009م، ص: 220.
  13. – نفسه، ص: 219.
  14. – ابن هلال: هو أبو إسحاق إبراهيم بن هلال السجلماسي الفقيه الإمام العالم، أخذ عن القوري وابن أملال وغيرهما، من تآليفه: الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير، وشرح مختصر خليل، وشرح البخاري، وله نوازل مشهورة. توفي –رحمه الله- سنة: 903هـ. انظر: طبقات الحضيكي، لمحمد بن أحمد الحضيكي، تقديم وتحقيق أحمد بومزڭو، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، ط: 1، 1427ه-2006م، ج1، ص: 126. وكفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج، لأحمد بابا التنبكتي، دراسة وتحقيق محمد مطيع، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط:1421هـ-2000م، ج 1، ص:174. وشجرة النور الزكية، لابن مخلوف، ج 1، ص:388.
  15. – انظر على سبيل المثال: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، مؤسسة الريان، بيروت، لبنان، ط:4، 1418هـ-1998م، ج4، ص:508. والجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان، للقرطبي، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، شارك في تحقيق هذا الجزء محمد رضوان عرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط:1، 1427ه-2006م، ج21، ص:116. وفتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني، اعتنى به وراجع أصوله يوسف الغوش، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط:4، 1428ه-2007م، ص:1511.
  16. – سنن أبي داود، تحقيق محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 1416ه-1996م، كتاب الإجارة، باب فيمن أحيا حسيرا، ح ر:3524-3525، والسنن الكبرى للبيهقي، تحقيق عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:3، 1424ه-2003م، كتاب اللقطة، باب ما جاء فيمن أحيا حسيرا، ح ر: 12113-12114-12115-12116.
  17. – سورة الملك، الآية:4.
  18. – نوازل باز النوازل، دراسة وتحقيق مجموعة رسائل جامعية راجعها ثلة من العلماء، بإشراف وتنسيق عبد الله الهلالي، دار ابن حزم، ط:1، 1437هـ-2016م، ج2، ص:733-734.
  19. – صحيح البخاري، دار ابن كثير، ط:1، 1423ه-2002م، كتاب التوحيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ”، ح ر:7416. وصحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، ط:1، 1412ه-1991م، كتاب التوبة، باب غيرة الله تعالى، وتحريم الفواحش، ح ر: 2760، بلفظ: “لَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ”، وبلفظ: “لاَ أَحَدَ أَغْيَر مِنَ اللهِ”. وح ر: 2762، بلفظ: “لَيْسَ شَيْءٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ”.
  20. – سورة النساء ، جزء من الآية: 156.
  21. – سنن الترمذي، تحقيق ودراسة مركز البحوث وتقنية المعلومات، دار التأصيل، ط:1، 1435ه-2014م، أبواب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في آل عمران، ح ر:3099، بلفظ الحديث كما أخرجه: “مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِي”.
  22. – نوازل باز النوازل، ج2، ص:900 وما بعدها.
  23. – التاودي ابن سودة: هو محمد التاودي بن الطالب ابن سودة المري، الفقيه العلامة، أخذ عن الشيخ يعيش الشاوي، ومحمد بن عبد السلام بناني، وغيرهما، وأخذ عنه خلق كثير، منهم؛ ابنه أبو العباس أحمد، وأبو زيد الحائك، له تآليف، منها: فهرسة جمع فيها أشياخه المغاربة والمشارقة، وشرح الأربعين النووية. توفي –رحمه الله- سنة: 1209هـ. انظر: شجرة النور الزكية، لابن مخلوف، ج1، ص:533-534. وإتحاف المطالع، لعبد السلام ابن سودة، ج1، ص:78-79.
  24. – سورة البقرة، جزء من الآية: 176.
  25. – سورة الإسراء، الآية: 29.
  26. – سورة الانشقاق، الآية: 1.
  27. – سورة الحج، جزء من الآية: 34.
  28. – سورة النمل، جزء من الآية: 16.
  29. – سورة القمر، الآية: 41.
  30. – سورة طه، الآية: 39.
  31. – سورة الحجر، جزء من الآية: 56.
  32. – نوازل التاودي ابن سودة المري، دراسة وتحقيق يحيى عارف، مكتبة كنوز التراث، الدار البيضاء، المغرب، ط:1، 1438هـ-2017م، ص:482 وما بعدها.
  33. – المهدي الوزاني: هو أبو عبد الله محمد المهدي بن محمد خضر الوزاني، الفاسي، العلامة المفتي، أخذ عن أعلام، منهم؛ محمد جنون، والطالب حمدون ابن الحاج، ومحمد النجار، له تآليف كثيرة، منها: النوازل الصغرى، والمعيار الجديد، وحاشية على شرح التاودي على التحفة. توفي –رحمه الله- سنة: 1342هـ. انظر شجرة النور الزكية، لابن مخلوف، ج 1، ص:618. وإتحاف المطالع، لعبد السلام ابن سودة، ج2، ص:435. ومعجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين، لعبد الرحمن ابن زيدان، دراسة ببليومترية وتحقيق حسن الوزاني، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط:1، 1430هـ- 2009م، ج2، ص:377 وما بعدها.
  34. – النوازل الجديدة الكبرى، قابله وصححه عن النسخة الأصلية عمر بن عباد، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط: 1420هـ-1999م، ج3، ص:34.
  35. – سورة آل عمران، جزء من الآية: 9.
  36. – سورة آل عمران، جزء من الآية: 26.
  37. – سورة الشعراء، الآيات من: 78 إلى: 80.
  38. – سورة يوسف، جزء من الآية: 100.
  39. – سورة الكهف، جزء من الآية: 78.
  40. – سورة الكهف، جزء من الآية: 80.
  41. – سورة الكهف، جزء من الآية: 81.
  42. – سورة الكهف، جزء من الآية: 78.
  43. – نوازل باز النوازل، ج2، ص:997 وما بعدها.
  44. – العباسي: هو أحمد بن محمد بن محمد العباسي السملالي، عالم العلماء وفقيه الفقهاء، أخذ عن أبيه، وعن شيوخ تمكروت؛ كالإمام أبي العباس ابن ناصر، وأبي العباس أحزي الهشتوكي وغيرهم، له نوازل أثنى عليها العلامة محمد بن الحسن بناني يوم رآها. توفي -رحمه الله- سنة: 1152ه. انظر: طبقات الحضيكي، للحضيكي، ج1، ص:102-103. والمعسول، لمحمد المختار السوسي، مكتبة الطالب، الرباط، المغرب، بدون تاريخ، ج 18، ص: 414 وما بعدها.
  45. – انظر: المعسول، لمحمد المختار السوسي، ج18، ص:418-419.
  46. – المنح السامية في النوازل الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، ط:1، 1412هـ-1992م، ج2، ص:504-505.
  47. – أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط:2، 1397هـ-1977م، ج4، ص:161.
  48. – سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباق، دار إحياء الكتب العربية، بدون تاريخ، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، ح ر: 2045، بلفظ: “إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ”. والسنن الكبرى، للبيهقي، كتاب الخلع والطلاق، باب ما جاء في طلاق المكره، ح ر:15094، بلفظ: “إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ”.
  49. – عنوان الشرعة وبرهان الرفعة، ص: 349 وما بعدها.
  50. – استثمار النص الشرعي، ص: 326.
  51. – انظر: الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 1416ه-1995م، ج4، ص:464.
  52. – ميارة: هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد، فقيه مالكي، أخذ عن ابن عاشر وشاركه في غالب شيوخه؛ كابن أبي النعيم. من مؤلفاته: الدر الثمين والمورد المعين في شرح المعين على الضروري من علوم الدين، وشرح تحفة الحكام لابن عاصم، وشرح مختصر خليل. توفي -رحمه الله- سنة: 1072هـ. انظر: صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر، للإفراني، تقديم وتحقيق، عبد المجيد خيالي، مركز التراث الثقافي المغربي، الدار البيضاء، المغرب، ط:1، 1425ه-2004م، ص:250-251. وسلوة الأنفاس، للكتاني، ج1، ص:178 وما بعدها.
  53. – نصيحة المغترين وكفاية المضطرين، لمحمد أحمد ميارة، دراسة وتحقيق مينة المغاري وحفيظة الدازي، دار أبي رقراق، الرباط، المغرب، ط:1، 2007م، ص:182-183.
  54. – المغيلي: هو محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني، خاتمة المحققين، الإمام العلامة الفهامة، أخذ عن الإمام عبد الرحمن الثعالبي والشيخ يحيى بن بدير وغيرهما، وأخذ عنه جماعة؛ كالفقيه أيد أحمد والشيخ العاقب الأنصمني. من تآليفه: البدر المنير في علوم التفسير، والتعريف فيما يجب على الملوك والسلاطين، وشرح مختصر خليل، توفي -رحمه الله- سنة: 909ه. انظر: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، لأحمد بابا التنبكتي (963-1036)، عناية وتقديم عبد الحميد عبد الله الهرامة، منشورات دار الكاتب، طرابلس، ط: 2، 2000م، ص: 576 وما بعدها. والأعلام، للزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط: 15، 2002م، ج 6، ص: 216. ومعجم أعلام الجزائر من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر، مؤسسة نويهض الثقافية، بيروت، لبنان، ط: 2، 1400هـ – 1980م، ص: 308.
  55. – سورة المائدة، الآية: 53.
  56. – سورة المائدة، جزء من الآية:53.
  57. – سورة الممتحنة، جزء من الآية: 13.
  58. – سورة الممتحنة، جزء من الآية: 1.
  59. – سورة الممتحنة، الآية: 8.
  60. – نوازل باز النوازل، ج2، ص:1067-1068.
  61. – الحجوي الثعالبي: هو محمد بن الحسن بن العربي بن محمد الحجوي الثعالبي، أصله من تازة، وجده هو الذي دخل إلى فاس، سكن مكناس ووجدة والرباط، درس بالقرويين وأسندت إليه سفارة المغرب في الجزائر، وولي وزارة العدل، فوزارة المعارف في عهد الحماية الفرنسية. من تآليفه –رحمه الله-: الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، والتعاضد المتين بين العقل والعلم والدين. توفي سنة: 1376هـ. انظر: إتحاف المطالع، لعبد السلام ابن سودة، ج2، ص:560. والتأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين، لعبد الله بن العباس الجراري، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، ط:1، 1406هـ-1985م، ج1، ص:138 وما بعدها.
  62. – الفكر السامي، ج4، ص:489.
  63. – المجموع شرح المهذب للشيرازي، للنووي، حققه وعلق عليه وأكمل بعد نقصانه محمد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد، المملكة العربية السعودية، بدون طبعة وتاريخ، ج1، ص:87.
  64. – نصيحة المغترين، لميارة، ص:80-81.
  65. – سورة الحجرات، جزء من الآية: 13.
  66. – سورة الحجرات، جزء من الآية:11.
  67. – نصيحة المغترين، لميارة، ص:91.