سيوسيو- انثروبولوجية
جلدي سعد1 مبارك الطايعي1
1مختبر: التراب والبيئة والتنمية، مسلك علم الاجتماع. تكوين الدكتوراه: إعداد المجال والتنمية الترابية،
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ابن طفيل القنيطرة، المغرب.
بريد الكتروني: saad.jaldi@uit.ac.ma
HNSJ, 2023, 4(12); https://doi.org/10.53796/hnsj412/9
تاريخ النشر: 01/12/2023م تاريخ القبول: 07/11/2023م
المستخلص
أمام التهميش والإقصاء الذي تعرضت له المناطق الشمالية بالمغرب باعتبارها مناطق هامشية تندرج في إطار التقسيم الاستعماري للمغرب غير النافع، زد على ذلك الاستنزاف الممنهج لثرواته ومقدراته، أمام هذه الأوضاع المقلقة تطرح إشكالية التنمية المستدامة بالمنطقة والأدوار والوظائف التنموية والعلاقات الاجتماعية للفاعل السياسي المحلي المنتخب للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. يوضح المقال مدى مساهمة الفاعل السياسي المحلي المنتخب، في إطار المجتمع الدراسي المشخص، في تحقيق التنمية المحلية المستدامة، ومدى انخراطه الإيجابي في مجتمعه المحلي مما يعزز قدرته على الابتكار، والاستجابة لتطلعات الساكنة المحلية، وكذلك يعالج المقال طبيعة العوائق والصعوبات التي تحد من فاعليته.
الكلمات المفتاحية: السياسة، النخبة، الفاعل، التنمية المحلية، المقاربة التشاركية، الإنقسامية.
Research title
The impact of the interventions of the elected local political actor and the problem of development in northern Morocco Socio-anthropology
HNSJ, 2023, 4(12); https://doi.org/10.53796/hnsj412/9
Published at 01/12/2023 Accepted at 07/11/2023
In the face of historical marginalization and exclusion, the northern regions of Morocco have been subjected to a status of peripheral areas, stemming from the colonial division of Morocco, accompanied by the systematic depletion of their resources and capabilities. In light of these disconcerting circumstances, the issue of sustainable development within the region, the roles and developmental functions, as well as the social interactions of the locally elected political actor aimed at ameliorating economic, social, and cultural conditions, assume paramount significance.
This article delves into the comprehensive contribution of the locally elected political actor within the delineated academic community towards the realization of sustainable local development, it further scrutinizes the affirmative involvement of the said actor in their local society, augmenting their capacity for innovation and responsiveness to aspirations of the local populace. Furthermore, the article undertakes and examination of the inherent nature of impediments and challenges that curtail their efficacy.
Key Words: Politics, Elite, Actor, Local Development, Participatory Approach.
هذا المقال هو محاولة للتفكير في كيفية تدبير التراب من طرف الفاعلين السياسيين، وذلك من موقعنا كباحثين للتدقيق في موضوع الفاعل السياسي المحلي المنتخب وما يكتسيه من أهمية ومكانة هامة تغري الباحثين والمتخصصين في ميادين وحقول علمية ومعرفية مجاورة. ولذلك سنحاول فيه مقاربة الموضوع من منظور سوسيوانثروبولوجي لما يحمله الموضوع من هذا المنظور من أسئلة واشكالات عميقة، يرجى من خلالها الوصول الى اجابات وحلول للأوضاع التي يعرفها مجتمعنا الدراسي بشمال المغرب.
يحق لنا اذن أن نتساءل عن مساهمة الفاعل السياسي المحلي المنتخب في إطار المجتمع الدراسي المشخص، ومدى ما يتوفر عليه من المؤهلات السياسية والوسائل التنظيمية والاستراتيجية الواضحة للفعل السياسي، وعلى ما ينبغي العناية به من أشكال الانخراط الايجابي في مجتمعه المحلي مما يعزز قدرته على ابتكار الحلول التنموية الناجعة والتأثير الفعال، والاستجابة لتطلعات الساكنة المحلية، ويحق لنا أيضا أن نتساءل عن طبيعة العوائق والصعوبات التي تحد من مساهمته في أداء أدواره السياسية وفي خلق تنمية حقيقية ومتعددة الابعاد.
عن هذه الاشكالية الكبرى تتناسل جملة من الأسئلة الفرعية لعلها تساعدنا في ملامسة جوانب الموضوع في مناحيه المختلفة وهي كالآتي:
- ماهي حدود مساهمة وتدخل الفاعل السياسي المحلي المنتخب في اقتراح وتنفيذ وتقييم البرامج التنموية المحلية بالجماعة الترابية التي ينتمي إليها؟
- هل هذه البرامج والمشاريع التنموية التي يتم تسطيرها، هي من اقتراح الفاعل السياسي بما يحقق تطلعات الساكنة المحلية، أم أنها تندرج وفق رؤية رسمية توجيهية وممركزة تحد من فاعلية الفاعل السياسي المحلي وتقلص عنده هامش الحرية والتفاوض؟
- ما هي طبيعة علاقة الفاعل السياسي المنتخب بالسكان المحليين؟ هل هي علاقة تعاقد مبنية على التفاهم والتعاون والمشاركة، أم أنها علاقة قائمة على الإلزام والإكراه والتهديد أحيانا وعلى التمييز والزبونية أحيانا أخرى؟
- على أي أساس يتم انتخاب الفاعل السياسي المنتخب محليا، هل استنادا إلى ما يتوفر عليه من قدرات ومؤهلات وما يتضمنه برنامج حزبه السياسي من مشاريع الإقلاع والنهوض التنموي، أم وفق منطق القرابة والعلاقات والتحالفات؟
- هل يمكن اعتبار الأنساق الثقافية والبنيات التقليدية من قبيل استراتيجية القرابة والقبيلة والزاوية…. بنيات تعيق إلى حد ما تجذر الفعل السياسي بمفهومه المؤسساتي؟
- نتساءل عن رؤية الفاعل السياسي المحلي المنتخب، هل له رؤية استراتيجية مؤسسة على مشاريع ومخططات واضحة المعالم؟ أم أنه محكوم بهواجس آنية وظرفية وانتخابوية ضيقة؟
- وأخيرا نتساءل عن طبيعة العوائق والصعوبات والإكراهات التي تواجه الفاعل السياسي المحلي والتي تعوقه عن آداء أدواره السياسية والتنموية؟
هذه الأسئلة سنحاول الاجابة عنها من خلال ثلاثة محاور رئيسية:
- بروز الفاعل السياسي المحلي في السياق المغربي.
- مفهوم التنمية المحلية
- مفهوم المقاربة التشاركية
- التنظيم الاجتماعي السياسي بين التنظيمات التقليدية والحديثة:
- التنظيمات التقليدية: مؤسسة القبيلة والزاوية.
- التنظيمات الحديثة: مؤسسة الحزب السياسي.
- خلاصات عامة عن الدراسة
- الفاعل السياسي المحلي المنتخب بالمغرب وسياقات التبلور
موضوع الفاعل السياسي المحلي المنتخب ليس وليد اللحظة، وإنما برز إلى السطح بعد حدوث تحولات عالمية ووطنية على حد سواء، أبرزها خفوت وتراجع دور الدولة التدبيري، وبروز توجهات تنحوا نحو “المحلي”، وذلك من خلال وضع برنامج ومشروع بديل للدولة المركزية خاصة بعد المرحلة الكولونيالية في المغرب، هذه الاخيرة – الدولة المركزية –التي حاولت أن تقدم نفسها على أنها السلطة الوصية ذات الشرعية، تجسدت في محاولة ضبطها للمجال الترابي كاستكمال للسياسات الكولونيالية السابقة، ومن تم أخدت على عاتقها مشروع التنمية باعتبارها فاعلا رئيسا وأساسيا في العملية التدبيرية انطلاقا من توجهات تنطلق من الماكرو وتأخذ بعدا عموديا؛ هذه السياسات الممركزة كان من نتائجها استفحال الاوضاع على جميع المستويات والأصعدة أدت إلى حدوث خضات وهزات اجتماعية وسياسية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهذا ما عجل بتراجع قوة المركز على المستوى الاقتصادي بخاصة، مما دفعها إلى الخضوع لإملاءات خارجية في إطار ما سمي “ببرنامج القروض” وسيظهر ذلك جليا في سياسة “التقويم الهيكلي” وبرامج واستراتيجيات سياسية واقتصادية تتماشى مع هذا النوع من الاملاءات، وبالتالي لم يكن من حل أمام “دولة الرعاية L’état providence” أو “الدولة الحامية” من خيار سوى التنازل عن جزء من صلاحياتها لفائدة الفاعل المحلي في إطار مخططات جديدة كاللامركزية واللاتركيز الإداري. ومن ضمن هذه الهيئات المحلية الفاعل السياسي المحلي، وهو موضوع دراستنا. إن بزوغ هذا المفهوم بالمغرب ارتبط أساسا بالتوجهات التنموية الجديدة التي تنطلق من المحلي والتي يحتل فيها الفاعل المحلي عموما مكانة بارزة، لكونه أضحى يتمتع بصلاحيات واسعة وبهامش مهم من الحرية حررته من سلطة وإكراه المركز، وبوأته مكانة هامة في اقتراح برامج ومشاريع تنموية كفيلة بالإجابة على انتظارات وتطلعات الساكنة المحلية، بالاعتماد على المقاربة التشاركية باعتبارها آلية جديدة تعنى بإشراك الساكنة المحلية في بلورة وإعداد مشاريع تنموية تشرك الساكنة المحلية في جميع مراحل المشروع وذلك انسجاما مع فلسفة هذه المقاربة التي تؤكد على أهمية المشاركة “ما تفعله من أجلي دون اشراكي، فانت تفعله ضدي“. ومن أهم المرتكزات والمفاهيم التي تقوم عليها الرؤية الجديدة للتنمية مفهومان:
- مفهوم التنمية المحلية
- مفهوم المقاربة التشاركية
مفهوم التنمية المحلية
برز مفهوم المحلي على إثر فشل وإخفاق السياسات الممركزة، ذات الطابع الإملائي الفوقي التي أحدثت اختلالات وتفاوتات كبيرة بين مختلف جهات التراب، مما إستدعى وضع رؤية تنموية محلية تراعي كافة الأبعاد التاريخية والاجتماعية والثقافية والسياسية “يشارك فيها أكبر عدد ممكن من المؤسسات وأفراد المجتمع المحلي بهدف إحداث تغير إيجابي كمي ونوعي في أوضاعه ليتحول الى مجتمع جديد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا يتمتع أفراده بنوعية من الحياة أفضل مما كانت عليه سابقا “(1). وفي نفس السياق تعرف التنمية المحلية بأنها “سيرورة في الزمن لتنويع وتقوية الانشطة الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية داخل مجال جغرافي محدد، انطلاقا من التعبئة والاستثمار العلائقي لموارد وطاقات هذا المجال بهدف تحقيق العيش الكريم لجميع سكانه بشكل مستديم” (2).
كما تعرف التنمية المحلية على أنها “عملية تغيير تتم بشكل قاعدي من الأسفل تعطي الأسبقية لحاجيات المجتمع المحلي، وتتأسس على المشاركة الفاعلة لمختلف الموارد المحلية وكل ذلك في سبيل الوصول الى الرفع من مستويات العيش والاندماج والشراكة والحركية “(3).
ويعرفها مؤتمر كامبريدج على أنها ” حركة تهدف إلى تحسين أحوال الناس والظروف المعيشية للمجتمع ككل، وتعتمد أساسا على المشاركة الايجابية والمبادأة المحلية لأبناء المجتمع، وإذا لم تظهر هذه المبادأة تلقائيا وجب الاستعانة بالوسائل المنهجية لبعثها واستثمارها بطريقة تضمن لنا استجابة حماسية فعالة لهذه الحركة، وتشمل تنمية المجتمع المحلي كل اشكال وأنماط التنمية، ويجب أن تستخدم الحركة التعاونية، وأن ترتبط بشدة بهياكل الحكومة ” (4).
هذا التعاطي الجديد مع المحلي فرض نفسه بديلا بعدما أخفقت النماذج المركزية المعممة، التي زادت من تفاقم الفوارق المجالية داخل الوطن الواحد.
- مفهوم المقاربة التشاركية.
إن مفهوم المقاربة التشاركية يعد من ضمن المفاهيم الأكثر تداولا وانتشارا في صفوف الباحثين والمهتمين بالشأن التنموي، لما له من أهمية وأولوية كبيرتين في البرامج والمشاريع التنموية، والتي تتجلى في ضرورة إشراك الساكنة في تدبير شؤونها المحلية باعتبارها فاعلا أساسيا ومحوريا. وعلى الرغم من تعدد مجالات استعمال المقاربة التشاركية، يبقى مجال بلورة إعداد المشاريع من أهمها وأكثرها استعمالا، حيث جاءت كمنهجية جديدة في العمل، تتعاطى بشكل أفقي في خلق البرامج والمشاريع التنموية يضمن مشاركة الجميع في العملية من بدايتها الى انتهائها، على عكس المقاربة الكلاسيكية التي اعتمدت مقاربة تقنية ذات الصيغة الإملائية العمودية من المركز إلى الهامش. ومن تم أمكننا القول بأن المقاربة التشاركية منهجية تضم مجموعة آليات لتحقيق التنمية. فالتركيبة اللغوية للمفهوم تحتوي كلمتين وهما: مقاربة وتشارك
المقاربة
تعني مجموعة خطوات يتم إتباعها للوصول الى شيء ما أو الاقتراب منه.
التشارك
يعني وجود طرف آخر نسعى من خلاله الوصول أو القرب من الشيء الذي هو موضوع هذه المقاربة. لهذا يمكن تعريف المقاربة التشاركية بأنها مجموعة خطوات عملية تهدف إلى تحقيق أهداف معينة باشراك أطراف أخرى في العملية. ويعتبرها إبراهيم بايزو ” بمثابة مسلسل تواصلي يمكن كل الأطراف المعنية من تحديد أدوارهم وأهدافهم، ويؤدي إلى قرارات وأعمال مركزة تأخذ بعين الاعتبار حسب المكان رغبات وتطلعات الاطراف والمجموعة المعنية”. ويستلزم العمل بالمقاربة التشاركية خلق علاقات تواصلية تفاعلية وتشييد جسر الثقة وتبادل الخبرات والمشاركة في جميع مراحل المشروع”(5).
2)التنظيم الاجتماعي السياسي بالمغرب بين التنظيمات التقليدية والحديثة:
معلوم أن المغرب تعرض للاستعمار الفرنسي والإسباني، وخلال حقبة الاستعمار عمل المعمر وخصوصا الفرنسيون على استقدام مجموعة من الآليات والتقنيات والمؤسسات وزرعها في الحقل المغربي بل أكتر من ذلك خلق المستعمر مدنا كولونيالية حديثة تعايشت جنبا إلى جنب مع المدن المحافظة التقليدية، ولعلها كانت المنطلق لبروز ثنائيات التقليد والتجديد، القديم والحديث، القانون والعرف، وفي هذا السياق تميز المجتمع المغربي بتنظيمات تقليدية وأخرى حديثة.
- التنظيمات التقليدية:
القبيلة
إن القبيلة كوحدة اجتماعية وسياسية -صغيرة كانت أم كبيرة – تشكل إطارا تنظيميا، تتفاعل عبره الجماعة البشرية المنتمية وهماً أم حقيقة الى نسب مشترك، مع محيطها الطبيعي لتلبية حاجياتها المادية والمعنوية. وهذه الجماعة البشرية لها عادات وتقاليد ولغة تتواصل من خلالها….. ولفهم واستيعاب التنظيم الاجتماعي والسياسي للقبيلة نستحضر تصورين إثنين قاربا مفهوم القبيلة: المقاربة الكولونيالية والمقاربة الانقسامية.
المقاربة الكولونيالية
إن الدراسات والأبحاث التي أنجزت تحت اسم هذه المدرسة “علم اجتماع الشمال الافريقي” (6) كما سماها “جاك بيرك”، لا تندرج بالضرورة ضمن البحوث السوسيولوجية والأنثروبولوجية، نظرا لكون معظم الدارسين كانوا عبارة عن إداريين وعسكريين خصهم بيرك بتسمية” نموذج الضابط الباحث ” فهي عبارة عن مونوغرافيات وتقارير مكنت الادارة الاستعمارية من معرفة الذهنية وطبيعة المجتمعات التي تنوي اخضاعها، مثل تقارير “شارل دو فوكو” سنتا 1883-1884، حول المغرب ذات الطبيعة الاستكشافية والوصفية. وفي هذا الإطار يقول إدوارد سعيد ” إن المستشىرق الباحث كان يسير أمام العسكري يحمل مشعل المعرفة من أجل فهم أبناء البلد، وحتى تتم عملية الهيمنة بأقل تكلفة “(7).
ويعتبر ” روبير مونتان” من بين أهم رواد هذه المدرسة، إذ قام بدراسة حول القبائل البربرية بالجنوب المغربي، انتهى من خلالها الى أن النظام الاجتماعي والسياسي لهذه القبائل أو”الجمهوريات البربرية ” كما سماها، تعتبر معارضا للسلطة المركزية، يحكمها قانون اللف -يقابله في ليبيا وتونس قانون الصف -الذي يضمن استقرار النظام وتوازنه بفضل التحالفات. لكن لا يمكن التسليم بأن هذا النظام ذو طبيعة ستاتيكية جامدة، وإنما هناك صراع بفعل انقسام المجتمع المحلي الى قسمين متعارضين، وحسب روبير مونتان هذا الصراع والتعارض يتوارى بتعديل كفة الحلفين المتعارضين، ليتحول الى توازن يضمن استمرار الحياة القبلية. وتناول روبير مونتان كذلك ما سمي ب ” الزعامة الاستبدادية” التي قد تنتج خلال عملية الصراع بين الحلفين المتعارضين، بمعنى أن الحلف القوي الذي ينتصر في عملية الصراع، يكون الزعيم أو الأمغار منتميا له، ويسهل على هذا الأخير تحويل سلطة ” إجماعة” أو سلطة ” اللف” الى مصلحته الخاصة. وفي هذا الإطار أعتبر “لحسن أمزيان” محاولة روبير مونتان من ضمن أهم المقاربات الوصفية للبناء الاجتماعي القبلي. حيث “انطلق من ضرورة الأخذ بعين الاعتبار صراع القوة الذي كانت تلك المجموعات البشرية مسرحا له تارة ضدا على محاولات اخضاعها لسلطة القواد المخزنيين وتارة أخرى ضد الزعامة السياسية لبعض الشيوخ الذين يحاولون إخضاع القبيلة لسلطتها (8).
والجدير بالذكر يعتبر روبير مونتان أول من رصد مكونات البناء الاجتماعي والسياسي لقبائل الاطلس وفق مقاربة ميكرو-سوسيولوجية تنطلق من أصغر وحدة اجتماعية الى أكبر وحدة اجتماعية، بدءا من الدوار كأصغر وحدة مرورا بالفخدة ثم الفرقة وصولا الى القبيلة.
إن ما يوحد هذه المجموعات البشرية داخل هذه القبائل حسب “روبير مونتان” ليس الانتماء والقرابة الدموية، بل الارتباط بالأرض باعتبارها وحدة مشتركة، وهو ما يزكي ويعزز هذا الاتحاد.
- المقاربة الانقسامية
تعد النظرية الإنقسامية La proche segmentaire من بين النظريات التي أغرت العديد من الباحثين الأنثروبولوجيين والسوسيولوجيين لما لها من قدرة عالية في فهم واستيعاب طبيعة النظم الاجتماعية والسياسية للمجتمعات التي انكبت على دراستها. وتعود جذور الانقسامية الى “أميل دوركايم” باعتباره أول من وظف هذا المفهوم، وقد تناول في كتابه “تقسيم العمل الاجتماعي” مفهومين متعارضين هما: التضامن الالي، والتضامن العضوي، مبينا أن المجتمعات الانسانية يسودها تضامن بسيط مؤسس على التشابه والانسجام والقرب العلائقي وآخر معقد عضوي يتميز بالقرب المكاني والبعد العلائقي، إذ يقول ” أنه اذن لقانون من قوانين التاريخ أن يتراجع التعاون الالي بالتدرج – وهو التعاون الوحيد في الأصل – وأن يطغى عليه التعاون العضوي شيئا فشيئا “(9).
إن أشكال التضامن الالي تسود في المجتمعات القبلية الانقسامية وهي موضوع دراستنا، وقد حدد دوركايم بعض خصائص ومحددات هذه المجتمعات الانقسامية وهي كالتالي:
“إن الدين بالنسبة للمجتمعات الانقسامية يظل بمثابة المحور في التنظيم الاجتماعي والسياسي لهذه المجتمعات فهو يحتوي كل شيء، ويمتد على كل شيء. كلما كانت المجتمعات أقرب الى البداوة، كان التشابه بين الافراد أعظم، وكان الوعي الجماعي أشد تأثيرا”(10).
“النموذج الانقسامي يتلاشى كلما تقدمنا في التطور الاجتماعي، اذ يقتضي مزيدا من التخصص، وتحرير الوجدان الفردي، فتنفلت بذلك الطبائع الفردية من تأثير الجماعة وتأثير الوراثة”(11).
بالإضافة إلى إسهامات دوركايم في المدرسة الفرنكوفونية نستحضر العالم البريطاني “إيفانس بريتشارد” وإسهاماته في المدرسة الأنجلوساكسونية من خلال أعماله حول قبائل النوير بالسودان، بالإضافة الى الحركة السنوسية بليبيا، وهي اسهامات تعتبر من النماذج التطبيقية الأولى للمدرسة الانقسامية وفق المنهج التجزيئي، مشكلة بذلك مرجعا يتبناه معظم رواد الانقسامية، إن مفهوم المجتمع الانقسامي حسب تعريف “بريتشارد” حاضر بقوة في قاموس الانثروبولوجيا “segmentary society” وهو مجتمع ينقسم الى وحدات تنتسب الى سلف بعيد، ويرتبط بعضها ببعض بروابط القرابة، فالقبيلة الكبيرة تنقسم الى عشائر “clans” التي تنقسم بدورها الى “أفخاد lineages” وتعيش كل وحدة في اقليم خاص بها، وتمارس فاعليتها الاقتصادية بحرية، فهي مستقلة عن الوحدات الأخرى، ولا تخضع في حياتها السياسية الا لسلطة رئيسها المباشر. ولذلك ليس في المجتمع الانقسامي سلطة موحدة، ويعتبر شعب “النوير” القاطن في جنوب السودان نموذجا لهذه المجتمعات (12).
وقد أثرى بريتشارد الطرح الانقسامي بمفهومين أعتمد عليهما بشكل رئيس في فهم وتفسير المجتمعات الانقسامية.
- الانشطار
يعد الانشطار مفهوماً مركزيا في النموذج الانقسامي، صاغه بريتشارد في دراسته للنظام السياسي لقبائل النوير، وأعتبر أن “هذه القبائل تتكون من قسمات، ويمكن تسمية القسمات الكبيرة، بفروع القبيلة Tribal Sections التي تتجزأ على المستوى الثالث (الأدنى) من القبيلة. وهذه الفروع تتكون من مجموعة من المدارشر التي تتكون بدورها من فرعين، جين Gun ومور More ثم الى فروع ثانية وثالثة، حيث تتسم هذه الفروع في نظر بريتشارد بنفس صفات القبيلة وحسها المشترك، واتجاه مواردها الإقتصادية، وانتمائها لمجال ترابي معين” (13) بمعنى أن هذا التجزيء والتقسيم الإنشطاري يزكي التعارض بين القسمات، ويجعل كل قسمة في أتم الاستعداد لتتصارع مع قسمة أخرى من الفرع (41).
- الانصهار
إن مفهوم الانصهار لا يقل أهمية عن مفهوم الانشطار في الطرح الانقسامي، فهو يستدعي بالضرورة وجود خطر خارجي، يهدد القبيلة، أو مواردها الاقتصادية. مما يؤدي الى استنفار كل الفروع والقسمات داخل القبيلة للاتحاد فيما بينهم قصد مواجهة هذا الخطر الذي يهدد كيانهم. إن فكرة القوة التي يمكن استخلاصها من تصور بريتشارد للمجتمع الانقسامي، هي أن القبيلة كوحدة اجتماعية وسياسية كبرى يحكمها ميكانيزم الانشطار لكونها تتفرع عنها مجموعات قسمات متعارضة، لكن عندما تستشعر وجود خطر خارجي، فان هذه الفروع والقسمات تتوحد وتنصهر وهذا هو جوهر استمرار القبيلة ككيان اقتصادي اجتماعي وسياسي.
الزاوية
يصف ميشو بلير الزاوية “بانها شبكة ضخمة … تعوض عقدها الجديد بتلك التي اختفت والتي كانت لعدة قرون الجسم الحي والحقيقي للبلاد” (15) فيما يعرفها عبد الله العروي، بأنها تأخذ ذلك المكان المعلوم للاجتماع، والمفتوح للجميع …أن الناصرية والوزانية والتيجانية وغيرها، هي أولا وقبل كل شيء فضاءات يجتمع فيها مريدو الطريقة في ساعات محددة في تلاوة الاذكار والأوراد جماعة. وبهذه التعريفات والتوصيفات المختلفة للزاوية أعلاه، فإننا نجد أنفسنا أمام مؤسسة دينية لها ثقلها إزاء إعادة تركيب البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع المغربي، بما يتلاءم مع الخطوط الكبرى للدعوة المحمدية، كما سنرى. فأول الأمر كان تأسيس الزاوية مسبوقا بحركة الصلحاء، التي كانت تتحدد غايتها الأساسية في أسلمت البوادي، بما أن مرحلة الفتوحات الإسلامية بالمغرب التي ابتدأت في القرن السابع الميلادي، لم تعمل على نشر الاسلام، إلا في الحواضر وأهملوا البوادي (16).
- نشأة الزاوية
ربط محمد ظريف تأسيس مؤسسة الزاوية من الناحية التاريخية، بلحظة اكتساح الشرفاوية للمجتمع المغربي منذ القرن الخامس عشر، حيث تأسست أول زاوية مغربية بعيدا عن التأثيرات المشرقية، والتي انبعثت أساسا من هيمنة الحركة الصوفية من جهة، ومن خلال السياسة الشرفاوية للمخزن المريني (17و18). فالزاوية استمدت شرعيتها من الدين الإسلامي ومن تأكيد انتماءها لآل البيت، لذلك ومن وجهة نظر العديد من الباحثين فان ثنائية الاسلام والانتماء الشرفاوي للزاوية يمنحها شرعية وجودية، ومن هذا المنطلق يصبح الشرفاوي مسألة أساسية تقتضيها الضرورة السياسية والدينية.
يتضح لنا جليا أن مؤسسة القبيلة المستندة على السلطان الشرفاوي نهجت سياسة الترغيب والترهيب بما يتلاءم وطموحاتها السياسية (نموذج الزاوية الوزانية بمدينة وزان مجال مجتمعنا الدراسي). وقد تعاطت السلطة المركزية مع الزوايا الموالية لها بمنحها امتيازات هامة للأولياء والصلحاء، وتقوم الزوايا بحث الناس على موالاة السلطة الشرعية وطاعتها، في حين تتعرض الزوايا المعادية للسلطان لبطشه وغضبه.
أمام سياسة السلطان هاته تجاه الصلحاء، إلى جانب قدرة الزاوية على التأثير في الناس واختراق الأعراف المحلية وأسلمتها، يتحدث العروي قائلا “من الظواهر المثيرة التي لاحظتها بخصوص الانتشار الجغرافي للزوايا، وجود مراكز الزوايا الكبرى على خط حدود مناطق معروفة تاريخيا وسياسيا”(19). وبناء عليه، تبرز أهمية الوظيفة التأثيرية التي تقوم بها الزاوية داخل النظام القبلي، إذ عن طريقها يتم تجاوز العرف المحلي إلى نظام الشرع حيت استمرارية الدولة المركزية وحفظ النظام عبر آليتي التحكيم والوساطة.
- التنظيمات الحديثة
الحزب السياسي
إن الحديث عن الحزب السياسي يقودنا في البداية الى تحديد معنى ومفهوم الحزب، وإلى معرفة وظيفته في خدمة النسق السياسي والاجتماعي. ونقر بداية بصعوبة إيجاد تعريف واحد وموحد لمفهوم الحزب السياسي، بل هناك تعريفات متعددة ولعل هذا التعدد والاختلاف راجع بالأساس الى اختلاف الايديولوجيات والمنطلقات وفي هذا الإطار نستحضر أهم التعريفات فقد عرفه ماكس فيبر بكونه عبارة عن “علاقات اجتماعية تنظيمية تقوم على أساس الانتماء الحر، والهدف هو إعطاء رؤساء الاحزاب السلطة داخل الجماعة التنظيمية من أجل تحقيق هدف معين أو الحصول على مزايا مادية للأعضاء.
وفي الفكر الماركسي نجد مفهوم الحزب يحيل الى وجود “تنظيم يوحد الممثلين الاكثر نشاطا لطبقة معينة، ويعبر عن مصالحها ويقودها في الصراع الطبقي.
ويحدد “فرانسوا بوريلا” الحزب السياسي في ثلاثة عناصر أساسية: “مجموعة منظمة من الأفراد قادرة على التعبير عن مطالبهم ووجود مجموعة اقتراحات تمس سياسة الحكومة. ووجود نشاط يهدف الى السيطرة على السلطة وممارستها “
هذه بعض من كثير من التعريفات. نستطيع القول إن الحزب هو عبارة عن تنظيم يحتوي على منخرطين، هدفهم الوصول الى السلطة أو ربما على الأقل التأثير في قرارات الطبقة الحاكمة كما هو الشأن في أغلب بلداننا العربية.
أما في الحقل المغربي فان مفهوم الحزب السياسي يصطدم بإشكالية واضحة المعالم، تتمثل في كون الحزب السياسي المغربي كمفهوم إصطلاحي، مماثل للنموذج الغربي لكن هويته تتحدد بمرجعية وبسياق مغاير ومختلف عن الثقافة السياسية الغربية، وفي هذا السياق يقول “أمزيان” أن تحديد الحزب كمفهوم يصطدم بإشكالية حقيقية تتمثل في ضرورة تمييز الحزب السياسي… كما هو معروف في الثقافة الغربية وهو شكل من أشكال التنظيم السياسي للأفراد، هذا التنظيم مشروط بالديمقراطية والاقتراع والانتخابات على عكس الحزب السياسي في المغرب والذي يمكن تحديد هويته من خلال إرث أخر ومرجعية وسياق يختلف عن سياق الثورة الفرنسية والطفرة الصناعية الغربية وطريقتها في تنظيم الحياة والمجتمع”.
ومن خلال المقارنة التي قمنا بها، ليس المقصود هو المفاضلة بين الحزبين المغربي والغربي، التي تتخذ الحزب السياسي الغربي معيارا ومركزا للقياس، نحاكم من خلالها الحزب السياسي المغربي على أنه موضوع قياس، بقدر ما توخينا من عقد هذه المقارنة الوقوف على طبيعة النظم الاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة في كل مجتمع، والتي تنعكس بطبيعة الحال على الطرق والاليات التي يلجأ اليها الحزب السياسي لتحقيق أهدافه.
3)خلاصات عامة عن الدراسة واستنتاجاتها.
بعد التحديدات المفاهيمية المقدمة في هذه الدراسة/الأرضية، نؤكد جازمين أهمية تحديد مفهوم الفاعل السياسي المحلي باعتباره بوصلة تنير طريق الباحث لتحقيق أهدافه البحثية والعلمية. وبالعود الى تجربتنا الميدانية في ضواحي وزان بشمال المغرب رفقة ثلة من الباحثين في سلك الدكتوراه بمختبر التراب والبيئة والتنمية بجامعة إبن طفيل كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قمنا بجمع معطيات حول مجتمعنا الدراسي بجماعة ترابية بضواحي مدينة وزان بشمال المغرب، اعتمدنا فيها المقابلة والاستمارة. واستنادا إلى ما خلصت إليه تحليلاتنا للمعطيات والمواقف المجمعة أمكن لنا أن نؤكد صحة الفرضيات التي قدمناها كجواب أولي عن الأسئلة المتفرعة عن إشكالية البحث المركزية والتي تتأرجح بين السلبية والايجابية.
بداية نؤكد على المنحى التطوري الذي شهده العالم بصفة عامة والمجتمع المغربي بصفة خاصة في مسألة تدبير التراب، والذي أضحت معه الجماعات الترابية تستأثر باهتمام متزايد يوما بعد يوم حتى صارت تشكل رهانا استراتيجيا لتحقيق التنمية في أبعادها المتعددة، من خلال تنزيل واعتماد آليات وميكانيزمات الديمقراطية المحلية التي تتجاوز مفهوم الدولة المركزية لما سجلته من إخفاقات كبرى كرست الانفصام المورث عن الاستعمار بين المغرب النافع والمغرب غير النافع، وبين المركز والهامش. إلا أن هذا التحول يقتضي وجود نخب محلية تملك من المؤهلات والكفاءات ما يشفع لها بتدبير شؤونها المحلية اعتمادا على مقاربة تشاركية فرضت نفسها كآلية بديلة بعدما خفت بريق المقاربة التقنية الكلاسيكية، باعتبارها منهجية تسمح بالمشاركة لكل الفئات في بلورة وصياغة مشاريع الهدف منها تنمية الوسط المحلي.
إن تنمية مجتمع ما يحمل في طياته أثر ثقافته وتاريخه السياسي والاجتماعي الخاص، لذا فان فرضياتنا التي بلورناها سلفا تمحورت حول حقيقة الخيار الاستراتيجي الذي اعتمدته الدولة المغربية والمتمثل في التقطيع الترابي واحداث الجماعات المحلية سابقا الترابية حاليا، كبديل وكأسلوب جديد في تدبير التراب انطلاقا من المحلي. وفي هذا الباب أمكننا الوقوف على مجموعة من الحقائق الدالة.
صحيح أن الدولة المغربية شرعت في تطبيق المشروع الاصلاحي الذي ينطلق من المحلي باعتباره مجالا مستقلا نسبيا، له من الطاقات والمؤهلات البشرية والاقتصادية والثقافية ما يسمح بتحقيق التنمية المنشودة، لكن ما اصطدمنا به في دراستنا الميدانية أن النخب المحلية لا تتوفر على مستوى تعليمي يساعدها على التدبير والتسيير الجماعي في المجالات الاقتصادية والإدارية والتدبيرية والسياسية ويمكن أن نجمل خصائص النخب المحلية في ما يلي:
- عدم قدرة أغلب الفاعلين السياسيين المنتخبين في مجتمع البحث على الإنصات والتواصل المستمرين مع الساكنة المحلية من أجل الاضطلاع على مشاكل ومتطلبات الساكنة المحلية، ولجوؤهم في كثير من الأحيان الى استخدام الأساليب والممارسات التقليدية التي يؤطرها منطق العلاقات والنعرات القبلية، على نقيض ما تعتمده المؤسسات الحديثة من أليات تنبني على إتباع المساطر والإجراءات القانونية والأخلاقية واحترام القانون. وبناء عليه وأمام ضعف امكانيات ومؤهلات النخب المحلية بمجتمعنا الدراسي تصبح الجماعة الترابية ونخبتها رهينة لإملاءات السلطة المحلية، وبذلك تتحول الجماعة الترابية من مؤسسة تدبيرية يراهن عليها لتحقيق التنمية المحلية الى ألية من أليات الضبط محكومة في أغلب احوالها بهواجس أمنية وظرفية.
- يبدو جليا من خلال ما توصلنا اليه عبر نتائج البحث الميداني أن الهيئة المنتخبة المحلية لا زالت وفية للطرق الكلاسيكية التي اعتادت على اعتبار التنمية عملية موجهة من المركز، وبالتالي أمكننا القول إن الخطابات التنموية الجديدة التي أعلنتها الدولة المغربية لم تجد الارضية الخصبة والاليات الكفيلة لكي تتطور وتنزل على أرض الواقع. إن مفاهيم الاكراه والالزام والتهديد أحيانا والمصلحة والتمييز كلها تعتبر المفاتيح التي تحدد طبيعة العلاقة الرابطة بين المنتخب المحلي والساكنة المحلية.
- إن أهم المعايير والمحددات المعتمدة في اختيار الفاعلين السياسيين المنتخبين محليا من طرف الساكنة المحلية والمؤسسة بالدرجة الاولى على منطق القرابة والزبونية تعتبر سببا ونتيجة في آن واحد لضعف التأطير السياسي للمجتمع المحلي من جهة وغياب فاعلين سياسيين محليين مكونين تكوينا حقيقياً يسمح لهم بإقناع الناس باختياراتهم وبرامجهم ومخططاتهم.
- إن تدبير وتسيير المؤسسات الحديثة بعقلية كلاسيكية تستحضر منطق العلاقات القرابية والانتماءات القبلية من شأنه التأثير سلبا على تحقيق التنمية المحلية السليمة، بمعنى آخر إن الصراعات المؤسسة على الاثنية والنعرات القبلية لم تعد تشكل عناصر قوة في هذا المجتمع بقدر ما أضحت معيقا حقيقيا أمام إنزال وتفعيل البرامج والمخططات التنموية المحلية. وبذلك وكما تبين من خلال الدراسة الميدانية، نجد أنفسنا أمام مجتمع “البين بين” أو مجتمع هجين، يشتغل بآليات حديثة تحكمها وتؤطرها نزعات قبلية موروثة من عهد الحقبة الإستعمارية.
- لا نجازف إن قلنا بأن المشروع التحديثي للدولة المغربية، الذي يمكن المنتخب المحلي من مجموعة من الصلاحيات، قد أفرز نخبا سياسية هجينة لم تستطع القطع أو على الاقل الانتقاء من الأساليب الكلاسيكية في تدبير المجال على الرغم من اشتغالها في مؤسسات حديثة تخضع لقوة القانون، أمام هذا الوضع المتناقض ارتأينا اقتراح جملة من التوصيات لعلها تفيد في حلحلة الوضع التدبيري في مجتمع البحث وهي كالاتي:
- تكوين وإعادة تكوين وتوعية الهيئة المنتخبة فيما يتعلق بكيفية تدبير وتسيير الشؤون المحلية وفق أليات وممارسات مطابقة للمؤسسات الحديثة.
- إن المنتخب المحلي عليه أن يحرص على ضمان استمرار التواصل والانصات وربط جسور الثقة مع الساكنة المحلية، وأن يحتكم الى القوانين وينأى بنفسه عن خلق صراعات ونعرات قبلية وأن يمثل كل ساكنة المجتمع المحلي دون استثناء، وأن يشركهم في اتخاذ القرار في كل ما يتعلق بأحوال الجماعة وأن ينهج معهم سياسة القرب… كل هذا من شأنه أن يجيب عن المشاكل والاختلالات التي تعاني منها مجتمعاتنا المحلية.
- الضرورة الملحة لتوفر المنتخب المحلي على مستوى تعليمي يؤهله ويمكنه من تدبير الشأن المحلي ويمنحه القدرة على الخلق والإبداع ويتيح له إمكانية التخلص من سلطة وقهرية المركز.
- أهمية العدول عن فكرة احتكار وتوريث الموقع السياسي، وفسح المجال أمام طاقات شابة تملك من القدرات والطموح ما يتيح لها تحمل المسؤولية والنهوض بالشأن المحلي وخلق تنمية متعددة الابعاد.
- إن المنتخب المحلي عليه أن يكون قادرا على الرقي بسلوكات وممارسات الأفراد واقناعهم بضرورة احترام القانون والاحتكام الى القانون مع استحضار الأبعاد الأخلاقية في عملية الاستفادة من الخدمات الادارية والاقتصادية.
- خلاصة:
لقد سعت هذه المساهمة الى تسليط الضوء على الفاعل السياسي المحلي المنتخب وإشكالية التنمية بشمال المغرب مقاربة سوسيو- انثروبولوجية، هذه الاشكالية أضحت مادة دسمة للمقاربة الإعلامية والسياسية والإدارية، في حين يلاحظ خفوت وتواري المقاربات السوسيو-أنثروبولوجية. وقد توخينا من وراء هذه المساهمة إعادة التأكيد على أهمية الفاعل السياسي المحلي المنتخب ودوره في تنمية المنطقة، خصوصا وأن المناطق الشمالية بالمغرب عانت ولعقود من الزمن التهميش والاقصاء وأدرجت ضمن التقسيم الاستعماري لمناطق المغرب غير النافع، ونحن نؤكد على أهمية هذه المناطق والتحولات العميقة التي تشهدها خصوصا في بعدها الاستراتيجي على مستوى العلاقات الأورو متوسطية تلزم المغرب تنمية المنطقة تنمية حقيقية وإشراك فاعلين محليين حقيقيين قادرين على تنمية المنطقة تنمية حقيقة غير استعجالية أو ظرفية أو تلك المحكومة بهواجس أمنية.
- الإحالات
1)بوركية مصطفى، المقاربة التشاركية وآليات تتبع وتقييم مشاريع التنمية المحلية ص 90
2)الاكحل المختار دينامية المجال الفلاحي، ورهانات التنمية المحلية، حالة هضبة ابن سليمان، دار ابي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الاولى ص 11 وص30
3)ابراهيم بايزو، التنمية مشاركة في مقاربة المسألة التنموية من منظور تشاركي ص 32.
- نجيب بوطالب، الظواهر القبلية والجهوية في المجتمع العربي المعاصر، دراسة مقارنة للثورتين التونسية واللبية منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة الأولى 2012 بيروت ص23 و24.
- محمد نجيب بوطالب مرجع سابق، ص 26.
- لحسن أمزيان، السلطان المحلي بين القبيلة والحزب، دراسة سوسيولوجية للسلوك السياسي لدى النخبة المحلية المغربية، الطبعة الاولى 2013، منشورات دار الأمان، الرباط، ص 150
- أميل دوركايم، في تقسيم العمل الاجتماعي، ترجمة حافظ الجمالي، ص 201.
- يونس الغاب، النظرية الإنقسامية: الأصول والمفاهيم عن مؤمنون بلا حدود،2017 ص 11.
- مرجع سابق ص 12.
- المرجع نفسه ص 12.
- ابراش ابراهيم، علم الاجتماع السياسي، مبادئه وقضاياه الأساسية الطبعة الأولى 1997 عن مكتبة دار السلام، الرباط. ص63.
- المرجع نفسه ص 208.
- http/thesis.vriv.com
- الإحالة أمزيان لحسن، السلطان المحلي بين القبيلة والحزب، مرجع سابق ص 176)
- ” محمد هرورو، علم الاجتماع السياسي الاستعماري، مجلة أبحاث، العدد 9 و10، 1986 ص11
- أنظر هامش الصفحة 25، محمد ظريف مؤسسة الزاوية بالمغرب منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع الطبعة الأولى 1992.
- يقصد ظريف الشرفاوية، الإنتماء إلى النسب الشريف (آل البيت) هذا السند الشرفاوي حاول المرينين من خلاله إدماج الشرفاء في سلك الدولة، لحرمان الصوفية من السند الإيديولوجي الشرفاوي في البداية، لما قد يترتب عن ذلك من خطورة، إلا أن هده السياسات بائت بالفشل جراء تجدر التيار الصوفي وقدرته على الصمود أمام مناورات الحكم المركزي أنظر محمد ظريف مؤسسات الزاوية بالمغرب ص23.
- محمد ظريف مؤسسة الزاوية ص25و26.
- أنظر هامش، الصفحة 211، عبد الله العروي، الأصول الاجتماعية والتفافية للوطنية المغربية 1912-1830