المسائل الخلافية بين الحنابلة والمالكية – كتاب الطهارة (دراسة فقهية مقارنة)

نور عبد الله صالح1 عمار محمد أحمد عبد العزيز الكشان1

1 جامعة كردفان، كلية الآداب، قسم الدراسات الإسلامية، السودان.

HNSJ, 2023, 4(3); https://doi.org/10.53796/hnsj4319

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/03/2023م تاريخ القبول: 15/02/2023م

المستخلص

لقد تناول البحث مسائل الاختلاف بين المذهب المالكي والمذهب الحنبلي في “كتاب الطهارة” ، من حيث مناقشة موضوعات تلك المسائل ، فأهمية هذا البحث تبرز في معرفة المنهج المستقل لكل مذهب في استنباط الأحكام من خلال النصوص والضوابط المعتمدة في الشرع ، واعتمد الباحث على المنهج الاستقرائي حيث قام بجمع المادة العلمية المتعلقة بموضوع البحث من جميع مصادرها ، والمنهج التحليلي والمنهج المقارن حيث حلل النصوص وقارن بين القولين ، والمنهج التاريخي عند ما تناول التعريف بالإمامين الجليلين : (مالك بن أنس و أحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى) ، واشتمل البحث على المفهوم اللغوي والشرعي للمسائل والخلاف والفقه ، ومعنى الفقه المقارن ونشأته ، وأهم المؤلفات فيه ، مع بيان أسباب اختلاف الفقهاء ، والتعريف بالمذهب المالكي والمذهب الحنبلي من حيث ذكر (ترجمتهما وأصول مذهبهما ومصطلحات مذهبهما وأماكن انتشار مذهبهما وأبرز الكتب المعتمدة عندهما). وناقش الباحث في هذه الرسالة المسائل المختلف فيها بين المذهبين المذكورين فيما يتعلق بكتاب الطهارة مثل : (الماء خالطته نجاسة ولم تغيره/تطهر الرجل بفضل المرأة/المسح على الجوربين/الوضوء من أكل لحم الإبل/فاقد الطهورين/مدة النفاس…إلخٍ) على تحرير محل النزاع فيها ، ونسبة القول والأدلة إلى أصحابها مع وجه الدلالة ، والاعتراضات والمناقشات لبعض الأدلة ، بالإضافة إلى سبب الخلاف ، والراجح وبيان سبب الترجيح ، وارتباط كل مسألة بالقاعدة الفقهية ، وثمرة الخلاف وما يترتب علي هذا الخلاف من الفروع الفقهية. وتوصل الباحث إلى إظهار علو شأن الفقه المقارن في تحقيق المسائل الفقهية التي اجتهد فيها الفقهاء الفضلاء مع بيان آرائهم المتعددة حول تلك المسائل ، وكيفية استدلالهم بالنصوص الشرعية المستنبطة. والمسائل المختلف فيها بين المالكية والحنابلة في كتاب الطهارة – تبلغ خمسين مسألة – وهي الأقل بالنسبة إلى المسائل المتفق عليها. وأوصى الباحث بمواصلة الكتابة حول هذا الموضوع في النكاح والبيوع وغيرهما مثلا إتماما للفائدة ، مع إخراج نبذة يسيرة عن جهود هؤلاء العلماء الأتقياء ، ومراجعة كتبهم في معرفة مسائل الخلاف الفقهي دلالة على عناية الأمة بتلك الجهود الجبارة خصوصا لمن له رغبة ومتابعة الأمور في العالم الإسلامي ، وعلى كل من يريد أن بيلغ درجة الاجتهاد في هذا الوقت أن يكون محيطا بمعظم المسائل الفقهية أو الأصولية ثم يرتبطها بالمسائل الحديثة المعاصرة حتى يكون موافقا فيما يفتي به عند نزول أي حادثة.

Research title

Controversial issues between the Hanbalis and the Malikis – The Book of Purification

(comparative jurisprudence study)

Nour Abdullah Saleh 1 Ammar Mohammed Ahmed Abdel Aziz Al-Kishan 1

1 University of Kordofan, Faculty of Arts, Department of Islamic Studies, Sudan.

HNSJ, 2023, 4(3); https://doi.org/10.53796/hnsj4319

Published at 01/03/2023 Accepted at 15/02/2023

Abstract

The research has dealt with issues of difference between the malik school of thought and the hanbali school of thought in the “Book of Purity”, in terms of discussing the subjects of those issues. He collected the scientific material related to the subject of the research from all its sources, the analytical approach and the comparative approach, where he analyzed the texts and compared the two sayings, and the historical approach when dealing with the definition of the two great imams : (Malik bin Anas and Ahmad bn Hanbal , may God Almighty have mercy on them), and the research in cluded the linguistic and legal concept issues, disagreement and jurisprudence, the meaning and origin of comparative jurisprudence, and the most important book on it, with an explanation of the reasons for the differences of jurists, and the definition of the doctrine Al-Maliki and the Hanbali school of thought in terms of what was mentioned (their translation, the origins of their school of thought, the terminology of their school of thought, the places where their school spread, and the most prominent approved books when). In this thesis, the researcher discussed the issues in which there is disagreement between the two schools mentioned regarding the book of purity, such as : (water mixed with impurity and did not change it/the man purified thanks to the woman/wiping over the two socks/ablution from eating camel meat/missing the two purifiers/postpartum period) to free up the disputed issue, and the ratio of saying and evidence to the owners with the evidence, objections and discussions of some of the evidences, in addition to the reason for the disagreement, the most correct one, the explanation of the reason for the weighting, the connection of each issue to the jurisprudential rule, the fruit of the dispute and the jurisprudential branches that result from this disagreement. The researcher reached to show the high importance of comparative jurisprudence in investigating the jurisprudential issues in which the virtuous jurists worked hard, with a statement of their various opinions on these issues, and how their inference from the inferred legal texts. And the issues in which there is disagreement between the Malikis and the Hanbalis in a book Purity- it reaches fifty issues- which is the least for the issues agreed upon. The researcher recommended to continue writing on this topic in marriage and sales and others, for example, to complete the benefit, with a brief summary of the efforts of these pious scholars, and to review their books in knowing the issues of jurisprudential disagreement, as an indication of the nation’s care for these mighty efforts, especially for those who have a desire and follow things in the Islamic world, and to Everyone who wants to reach the degree of ijtihad at this time should be aware of most of the issues of jurisprudence or fundamentalism and then relate them to modern contemporary issues so that he agrees with what he gives fatwas when any incident is revealed.

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته الغر الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد :

فإن علم الفقه الإسلامي من أشرف العلوم وأجلها منزلة وقدرا ، وأعظمها فائدة وأجرا ، فقد حث الله تعالى عليه حيث قال : ﭽﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﭼ [1] ، وله مكانة مرموقة ما يجعله يتفوق على كثير من العلوم ، حيث إنه عصب الحياة ، فلا يمكن لأي إنسان أن يستغني عنه في العبادات ولا المعاملات ، فمن وفقه الله لهذا العلم فقد حصل على فضل عظيم ، وشرف كبير ، تثبت له المكانة والخيرية من الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين[2]، وقال أيضا : “من تفقه في دين الله عزوجل كفاه الله تعالى ما أهمه ، ورزقه من حيث لا يحتسب”[3].

ولأهمية هذا العلم وتوسع مجالاته تفرد الفقهاء في التأليف فيه ، فمنهم من ألف في كل مباحث الفقه حيث تناول ما يتعلق به ، ومنهم من اقتصر على مسألة من مسائله.

وهناك نوع من أنواع التأليف في الفقه الإسلامي يعرف ب “علم الاختلاف” أو ب “الفقه المقارن”، وفي هذا النوع كثر التأليف قديما وحديثا ، فمنهم من تناول الاختلاف بين الفقهاء ، ومنهم من اقتصر على بعض من هؤلاء.

موضوع البحث :

يتحدث البحث عن مسائل الاختلاف بين المذهب المالكي والمذهب الحنبلي في “كتاب الطهارة” ، حيث ناقش الباحث من خلال هذه المسائل بين هذين المذهبين ، ولا يلتفت إلى الاختلاف الموجود بين المذاهب الأخرى ، إلا بنوع بسيط في ما يترتب على الخلاف من الفروع الفقهية.

حدود البحث :

تناول البحث دراسة نظرية عن مفهوم المسائل ، والخلاف وأسبابه ، ومعنى الفقه المقارن ، والتعريف بالمذهب المالكي ، والمذهب الحنبلي وإماميهما ، كما تناول المسائل الخلافية فيما بينهما ، والأشياء المهمة التي تتعلق بتلك المسائل من خلال “كتاب الطهارة”.

أهمية الموضوع :

إن أهمية الموضوع تبرز في النقاط التالية :

1- معرفة مواضع الخلاف بين الفقهاء ، وبالأخص المالكية والحنابلة.

2- معرفة المنهج المستقل لكل مذهب في استنباط الأحكام من خلال النصوص والضوابط المعتمدة في الشريعة الإسلامية.

3- معرفة كيفية استدلال العلماء بالنصوص الشرعية وعنايتهم بها ، والتباعد لما يخالفها.

4- إزالة الشحناء والبغضاء بين أصحاب المذاهب ، لأن كل واحد من أئمة المذاهب له وجهة نظر فيما يستدل به لمذهبه.

5- إظهار جهود هؤلاء الأئمة الفضلاء وبيان آرائهم المتعددة حول المسائل المختلف فيها.

أسباب اختيار الموضوع :

إن مما دفع الباحث إلى اختيار هذا الموضوع ما يلي :

1ـ شدة الرغبة والتوسع في معرفة علم الاختلاف.

2ـ علم الفقه المقارن هام جدا ، خصوصا في هذا الزمن الذي تقارب الناس فيما بينهم ، ومع هذا تجد كل واحد منهم يأخذ بمذهب من مذاهب الفقه الإسلامي ، ولذلك التعرف على مواضع اختلاف المذاهب يسهل التفاهم ، والتعامل مع الآخرين.

3ـ إظهار الخلاف الموجود بين المالكية والحنابلة في بعض المسائل الفقهية مع اتفاقهم في كثير منها.

4ــ لكل من هذين المذهبين مزايا كثيرة ومتنوعة ، وإبراز هذه المزايا وآراء المجتهدين والاستفادة منها من أجل أسباب اختيار هذا الموضوع.

5ـ إبراز شخصية الإمام أحمد بن حنبل ومعرفته بالمسائل الفقهية ، لأن بعض أهل العلم يرونه محدثا ، وليس فقيها.

6ـ الإنسان لا يخلو في حياته الدنيوية من الاختلاف مع الآخرين ، ولكن تعلم آداب الاختلاف والعمل بها يذهب العداوة والبغضاء بين أبناء المسلمين.

أهداف الموضوع :

يتلخص الباحث أهداف الموضوع فيما يأتي :

1- تخصيص الموضوع بدراسة مستقلة عن غيره.

2- الوقوف على اختلاف هذين المذهبين في تلك المسائل.

3- الغاية في معرفة المسائل والأدلة وسبب الخلاف والراجح وسبب الترجيح ، مما يؤدي إلى احترام هؤلاء الأئمة المشهود لهم بالورع ، والعلم ، والتفقه في الدين.

4- إبراز قيمة الفقه المقارن في تحقيق المسائل ، وبيان ما يتعلق به من ثمرة الخلاف وما يترتب عليه.

الدراسات السابقة :

اطلع الباحث على الكتب والرسائل والبحوث العلمية ، ولم يجد – حسب علمه – كتابا أو رسالة علمية تحمل عنوان البحث ، إلا بعض الدراسات التي لها صلة بموضوع بحثه وهي على النحو التالي :

1- دراسة الشيخ الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ، (393-476) هجرية رحمه الله تعالى : “النكت في المسائل المختلف فيها بين الشافعي وأبي حنيفة” ، تحقيق : سمراء نور الدين بيكر/ إيمان سعد عبدالله الطويرقي.

وقد تهدف الدراسة إلى معرفة النقاط الهامة من خلال ما يأتي :

أ- يبدأ المؤلف بعرض المسألة المختلف فيها ، مبينا رأي الشافعية والحنفية.

ب- ﻳﺬﻛﺮ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻣﻌﺘﻤﺪﺍﹰﻋﻠﻰ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﻟﻨﻘﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ، ثم ﻳﻌﻘبها ﺑﺎﻷﺩﻟﺔ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ.

ج- يحتج ﻟﻠﺸﺎﻓﻌﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﺑﻘﻮله : “لنا” ، ثم ﻳﺬﻛﺮﺣﺠﺔ أبي ﺣﻨﻴﻔﺔ ﺑﻘﻮله : “قالوا” ، أو”احتجوا”.

د- ﻳﻮﺭﺩ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎتهم ﻣﺼﺪرا إياها بقوله : “قالوا” ، ثم يقوم بالرد عليها ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺘﻬﻢ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺭﺩﻫﺎ بحجة ﻋﻘﻠﻴﺔ ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﻠﻴﺔ بين ﻣﺂﺧﺬﻩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﻪ ﻋﻠﻰ ﺩﺭ ﺟﺔ الحدﻳﺚ ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺼﺤﺔ ، ﻭﺍﻟﻀﻌﻒ ، ﻭﺇ ﻇﻬﺎﺭ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺑﻪ ﻋﻠﺔ.

2- دراسة الشيخ الفقيه الزاهد أبي المواهب الحسين بن محمد العكبري الحنبلي (من علماء القرن الخامس الهجري) ، “رؤوس المسائل الخلافية بين جمهور الفقهاء” ، تحقيق : د. خالد بن سعد الخشلان.

تهدف الدراسة إلى التعرف على العناصر المهمة فيما يأتي :

أ- يذكر المصنف “المسألة” المختلف فيها ، ثم يأتي بقول الحنابلة ، فيعقبه بقول المخالف بهذه العبارة : “خلافا لفلان في قوله : كذا وكذا”.

ب – إن كان قول الحنابلة في المسألة يوافق رأي المالكية والشافعية يذكرهم ، ثم يذكر قول الحنفية بهذه العبارة “خلافا لأبي حنيفة في قوله : كذا وكذا” ، وإن خالف رأي الجمهور يقول : “خلافا لأكثرهم” بعد إيراد قول الحنابلة.

ج – يأتي المؤلف بدليل الحنابلة فقط ، سواء وافق قول الجمهور أو خالفه ، بقوله : “دليلنا” أو “لنا” ، ولا يذكر دليل المخالف.

3- دراسة العلامة جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (467-538) ، “رؤوس المسائل (المسائل الخلافية بين الحنفية والشافعية)” ، تحقيق : عبدالله نذير أحمد.

تهدف الدراسة إلى معرفة منهج المصنف لعرض المسائل والحكم عليها ، وهي كالآتي :

أ- يفتتح المؤلف المسألة مع ذكر حكمها لكلا المذهبين ، مبتدئا بقول أبي حنيفة ، ومثنيا بقول الشافعي رحمهما الله تعالى.

ب- يذكر الدليل لكلا الطرفين ، مبتدئا بدليل قول أبي حنيفة ، ومثنيا بدليل قول الشافعي.

ج- يذكر – أحيانا – بعد الأدلة سبب الاختلاف بين الطرفين ، أو يذكر فائدة الخلاف كما في بعض المسائل ، وقد يتعرض في بعض الأحيان لمناقشة دليل المخالف.

المقارنة بين الدراسات السابقة والدراسة الحالية :

أوجه الاتفاق :

تتفق الدراسات السابقة مع الدراسة الحالية في أن كلا منهما تناول موضوع اختلاف المسائل الفقهية ، وأيضا : تناول مسائل كتاب “الطهارة” دراسة فقهية مقارنة ، وكذلك تناول الاختلاف بين الطرفين : (الحنفية والشافعية ، الجمهور و الحنفية ، الجمهور والمالكية ، الجمهور والشافعية ، الجمهور والحنابلة ، المالكية والحنابلة) ، ومنها : اتفاق الدراسة الأولى والدراسة الثالثة مع الدراسة الحاضرة فى إيراد الدليل ، حيث يستدل الكل على ما يفهمه ، ويتيقن به من الأدلة الشرعية.

أوجه الاختلاف :

تختلف الدراسات السابقة عن الدراسة الحالية في أن الأولى تتحدث عن المسائل الخلافية بين الحنفية والشافعية ، وكذلك الثالثة ، بينما تتحدث الدراسة الحالية عن المسائل الخلافية بين الحنابلة والمالكية ، وأيضا : اختلفت الدراسة الثانية عن الحاضرة في أن الثانية تتكلم عن المسائل الخلافية بين الجمهور والحنفية ، الجمهور والمالكية ، الجمهور والشافعية ، الجمهور والحنابلة ، وحيث تتكلم الدراسة الحالية عن المسائل الخلافية بين الحنابلة والمالكية فقط ، وكذلك اختلفت الدراسة الحالية عن الدراسة الثانية في أن الدراسة الحالية تستدل بكل قول من الطرفين ، بينما تستدل الدراسة الثانية بقول طرف واحد ، وهو قول الحنابلة ، ومنها : اختلاف الدراسات السابقة مع الحالية في أن الدراسات السابقة تشتمل على معظم أبواب الفقهية ، وحينما تقتصر الدراسة الحالية على “كتاب الطهارة” فقط ، واختلفت أيضا : الدراسة السابقة عن الدراسة الحاضرة في أن الدراسات السابقة تكتفي بإيراد المسألة والقول والدليل ، حيث تتحدث الدراسة الحاضرة عن المسألة ، من حيث تحرير محل النزاع ، والقول ، والأدلة ، وسبب الخلاف ، والترجيح ، وارتباط المسألة بالقاعدة الفقهية أو الأصولية ، وثمرة الخلاف.

منهج البحث :

ويتلخص منهج البحث في النفاط التالية :

1- اعتمد الباحث على المنهج الاستقرائي ، حيث قام بجمع المادة العلمية المتعلقة بموضوع البحث من جميع مصادرها ، ومراجعها التي اطلع عليها ، ثم عمل على استقراء النصوص في سياقها ، والاطلاع على أقوال العلماء في الكتب المطولة ، والبحوث العلمية ، وفق الخطة المتضمنة للبحث.

2- وأيضا : اعتمد الباحث على المنهج التحليلي والمنهج المقارن ، لأنه حلل النصوص وقارن بين القولين من خلال هذا البحث.

3- يضاف إلى ذلك المنهج التاريخي ، عند ما تناول الباحث التعريف بالإمامين الجليلين : مالك بن أنس ، و أحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى ، وأماكن انتشار مذهبهما.

4- تحرير محل النزاع في المسألة ، ونسبة القول والأدلة إلى صاحبه ، ووجه الاستدلال ، والاعتراضات والمناقشات في بعض المسائل ، وسبب الخلاف ، والترجيح ، وارتباط بعض المسائل بالقاعدة الفقهية ، وثمرة الخلاف وما يترتب عليه.

5- اعتمد الباحث في توثيق المعلومات على المصادر الأصلية المعتمدة في كل مذهب ، مكتفيا بذكر الأصل عن الفرع ، إلا إذا تعذرت الإحالة على الأصل ، فعندئذ يحيل على الفرع.

6- اختارالباحث الكتب القديمة المعتمدة لتوثيق المسائل ، أما الكتب المتأخرة يستفيد منها في بعض الأدلة ، والاعتراضات والمناقشات ، والراجح وبيان سبب الترجيح .

7- يستند الباحث إلى القول المشهور المعتمد في المذهب ، وأحيانا يعتمد على قول الإمام ، أو على قول أصحابه.

8- عزو الآيات القرآنية إلى سورها ، وأرقامها في الحواشي.

9- تخريج الأحاديث النبوية الشريفة من مصادرها الأصلية ، والآثار المروية عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ، مع بيان درجة الحديث – خصوصا إذا كان غير وارد في الصحيحين – من حيث الصحة ، أو الضعف ، أو غير ذلك من كتب التخريج أو كتب المحققين في هذا الشأن.

10- إرجاع آراء كل مذهب إلى أصحابها ، وتوثيقها من مصادر المذهب المعتمدة.

11- بيان معاني الألفاظ الغريبة ، والمصطلحات الفقهية.

12- ترجمة الأعلام الواردة باختصار.

المبحث الأول : المسائل والخلاف

وفيه مطلبان :

المطلب الأول : تعريف المسائل لغة واصطلاحا

المسائل : جمع مسألة بالهمز ، وهي في اللغة : مصدر سأل يسأل مسألة ، وسؤالا ، فهو من إطلاق المصدرعلى المفعول ، كخلق بمعنى : مخلوق ، فقولنا : مسألة ، أي : مسؤولة ، بمعنى : يسأل عنها ، وتعلمت مسألة ، أي : مسؤولة[4].

وفي الاصطلاح : “هي المطالب التي يبرهن عليها في العلم ، ويكون الغرض من ذلك العلم معرفتها”[5].

المطلب الثاني : تعريف الخلاف لغة واصطلاحا

الخلاف في اللغة : هو عدم الاتفاق على الشيء ، (الخلاف و الاختلاف و المخالفة) بمعنى واحد ، وهو أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر ، في حاله ، أو فعله ، والخلاف أعم من الضد ، لأن كل ضدين مختلفان ، وليس كل مختلفين ضدين[6].

وقيل : هو “منازعة تجري بين المتعارضين لتحقيق حق ، أو لإبطال باطل”[7].

وفي الاصطلاح : “أن يذهب كل عالم إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر ، وهو ضد الاتفاق”[8].

المبحث الثاني : علم الفقه المقارن وأهم المؤلفات فيه وأسباب اختلاف الفقهاء

وفيه ثلاثة مطالب :

المطلب الأول : علم الفقه المقارن(علم الخلاف أو الاختلاف)

إن في الفقه الإسلامي مسائل متفق عليها ، ومسائل مختلف فيها ، وهذه المسائل المختلف فيها هي ما يسمى بالخلاف الفقهي ، ومنه ينتج علم الفقه المقارن ، أو باسم آخر عند القدماء : علم الخلاف (الاختلاف).

تعريف علم الفقه المقارن

علم الفقه مركب إضافي ، والمقارن صفة ل”الفقه”.

الفقه في اللغة : مصدر ، معناه : الفهم والفطنة ، فالفاء ، والقاف ، والهاء أصل واحد صحيح ، يدل على إدراك الشيء والعلم به ، يقال : فقه يفقه كعلم يعلم ، أي فهم مطلقا ، سواء أكان الفهم دقيقا أم سطحيا ، ويقال : فقه يفقه مثل كرم يكرم ، أي صار الفقه له سجية ، ورجل فقيه ، وقد فقه يفقه فقاهة إذا صار فقيها ، وساد الفقَهاء ، ويقال : تفقه الرجل تفقها ، أي تعاطى الفقه[9]، ومنه قوله تعالى : ﭽﯴ ﯵ ﯶ ﭼ [10]،

وفي الاصطلاح : هو “العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية “[11].

والمقارن في اللغة : اسم مفعول من قارن ، يقارن ، مقارنة وقرانا : كقاتل ، يقاتل ، مقاتلة وقتالا ، أي : صاحبه واقترن به ، وقارن بين الشيئين : وازن بينهما ، فهو مقارن (بكسر الراء) اسم فاعل ، و (بفتح الراء) اسم مفعول[12].

الفقه المقارن : هو “يبحث فيما اختلف فيه أهل العلم من أحكام بعرض أقوال أهل العلم في المسألة الواحدة ، وتحديد موضع الخلاف فيها ، وهو المسمى بتحرير محل النزاع ، ثم بيان سبب الخلاف ، وذكر أدلة كل فريق ، وبيان ما يرد على كل دليل ، والإجابة عنه إن وجد ، وتحديد القول الراجح ، ويبان سبب الترجيح”[13].

المطلب الثاني : أهم المؤلفات في علم الفقه المقارن

1ـ “اختلاف العلماء” : للإمام أبي عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المروزي ، ولد ببغداد سنة : (202هـ) ، ونشأ في نيسابور ، ورحل إلى الأمصار في طلب العلم ، كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام ، وهو إمام في الفقه ، والحديث ، توفي سنة : (294هـ)[14].

2ـ “اختلاف الفقهاء” : للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ، الحنفي ، ولد سنة : (239هـ) ، ونشأ في (طحا) من صعيد مصر ، فقيه ، انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر ، وتفقه على مذهب الشافعي ، ثم تحول حنفيا ، توفي سنة : (321هـ)[15].

3ـ “الإشراف على نكت مسائل الخلاف” : للإمام القاضي أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي ، البغدادي ، ولد ببغداد سنة : (362هـ) ، من فقهاء المالكية ، له نظم ، ومعرفة بالأدب ، وولي القضاء في باكسايا ، وبادرايا (في العراق) ، توفي سنة : (422هـ)[16].

المطلب الثالث : أسباب اختلاف الفقهاء

السبب الأول : تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو على المجاز

الحقيقة : هو اللفظ المستعمل فيما وضع له في اصطلاح التخاطب ، والمجاز : هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب[17].

إذا وجد اللفظ يدور بين الحقيقة والمجاز فهل ينطبق حمله على المعنى الحقيقي أم على المعنى المجازي؟ وقع خلاف مشهور بين العلماء في ذلك[18].

مثال اختلافهم في نقض الوضوء من لمس المرأة :

وذلك لاختلافهم في المعنى المراد من الملامسة في قوله تعالى : ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﭼ[19].

فاختلفوا في تعيين المعنى المراد من قوله تعالى : “لامستم” هل يراد به حقيقة اللمس باليد ، أم إنه كناية عن الجماع؟

فذهب الشافعي إلى أن اللمس ينقض الوضوء بشهوة كان أو بغير شهوة ، فحمل اللفظ على حقيقته[20].

وذهب أبوحنيفة إلى أن اللمس هنا كناية عن الجماع ، فلا ينتقض الوضوء بلمس المرأة بشهوة أو بغير شهوة ، فحمله على المجاز[21].

السبب الثاني : اختلافهم في ثبوت الحديث

فقد يصل الحديث إلى العالم ولكنه لم يثق بصحته ، فيترك العمل به ، ويرى عالم آخر أنه حديث صحيح ، فيعمل به ، وذلك أحدث اختلافات كثيرة بين العلماء.

مثال ذلك : اختلافهم فيمن أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان هل يجب عليه القضاء أم لا؟ فالجمهورعلى أنه لا قضاء عليه ولا كفارة ، وعند مالك يبطل صومه ، ويجب عليه القضاء.

دليل الجمهور : ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا ، فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه”[22]، وفي رواية : “من أفطر في رمضان ناسيا ، فلا قضاء عليه ولا كفارة”[23]، ولم يعمل مالك بهذا الحديث ، لأنه ليس بصحيح عنده ، ولذا يقول ابن العربي المالكي : (ليته صح فنتبعه ونقول به)[24].

المبحث الثالث : الماء خالطته نجاسة ولم تغيره

وفيه سبعة مطالب :

المطلب الأول : تحرير محل النزاع

أجمع العلماء على أن جميع أنواع المياه (ماء السماء ، ماء الأنهار ، والآبار ، والقلات ، والبحار العذب والأجاج من جميعه سواء) طاهرة في نفسها ، مطهرة لغيرها[25].

ولا خلاف بينهم في أن الماء الذي غيرته النجاسة : طعمه ، أو لونه ، أو ريحه ، أنه لا يجوز به الوضوء ، ولا الطهور[26].

وأيضا : اتفقوا على أن الماء الذي خالطه طاهر ، فلم يغير شيئا من صفاته ، أنه طاهر مطهر[27].

واختلفوا في الماء الذي خالطته نجاسة ولم تغيره ، هل هو نجس أم لا؟

المطلب الثاني : قول المالكية والحنابلة

المالكية : لا ينجس كثير الماء ولا قليله إلا بالتغير[28].

الحنابلة : إذا كان الماء قلتين[29] فأكثر لم ينجس ، وإذا كان دون القلتين ينجس بمجرد ملاقات النجاسة ، وإن لم يتغير[30].

المطلب الثالث : سبب الخلاف

هو تعارض ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك ، كما جاء في حديث الأعرابي ، وحديث أبي سعيد الخدري ، وحديث القلتين[31].

المطلب الرابع : أدلة كل قول ، ووجه الدلالة

دليل المالكية

قصة الأعرابي الذي بال في المسجد كما ورد في الحديث ، وهذا نصه : أن أعرابيا قام إلى ناحية في المسجد فبال فيها ، فصاح به الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “دعوه” ، فلما فرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء ، فصب على بوله[32].

وجه الدلالة : أن قليل النجاسة لا يفسد قليل الماء ، إذ معلوم أن ذلك الموضع قد طهر من ذلك الذنوب(الدلو).

دليل الحنابلة

حديث ابن عمر رضي الله عنه[33] قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع ، فقال صلى الله عليه وسلم : “إذا كان الماء قلتين ، لم يحمل الخبث”[34].

وجه الدلالة : أن تحديد الماء بالقلتين يدل على أن ما دونهما ينجس ، إذ لو استوى حكم القلتين وما دونهما لم يكن التحديد مفيدا[35].

وتعقب : بأن هذا الدليل غير معتبر عند المالكية لأن الحديث لم يصح عندهم ، قال أبو عمر ابن عبد البر : )وأما ما ذهب إليه الشافعي و(أحمد) من حديث القلتين ، فمذهب ضعيف من جهة النظر ، غير ثابت في الأثر ، لأنه حديث قد تكلم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل ، ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ، ولا إجماع…)[36].

وقال ابن دقيق العيد[37]: (هذا الحديث قد صححه بعضهم وهو صحيح على طريقة الفقهاء ؛ لأنه وإن كان مضطرب الإسناد مختلفا في بعض ألفاظه ، فإنه يجاب عنها بجواب صحيح ، بأن يمكن الجمع بين الروايات ، ولكني تركته لأنه لم يثبت عندنا بطريق استقلالي ، يجب الرجوع إليه شرعا تعيين مقدار القلتين)[38].

المطلب الخامس : الراجح وبيان سبب الترجيح

الذي يبدو أن القول الراجح – والله أعلم – هو رأي المالكية لاستدلالهم بالحديث الصحيح ، ولأن ما استدل به الحنابلة مختلف فيه ، مع أن الأرجح رأي من يرى الحديث صحيحا.

قال العلامة الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى[39]: (وأما حديث القلتين فقداختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه ، فمن قال : إنه ضعيف ، فلا معارضة بينه وبين حديث “إن الماء طهور لا ينجسه شيء” ؛ لأن الضعيف لا تقوم به حجة.

وعلى القول بأنه صحيح ، فيقال : إِن له منطوقا ومفهوما ، فمنطوقه : إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس ، وليس هذا على عمومه ؛ لأنه يستثنى منه إِذا تغير بالنجاسة فإِنه يكون نجسا بالإِجماع.

ومفهومه : أن ما دون القلتين ينجس ، فيقال : ينجس إذا تغير بالنجاسة ؛ لأن منطوق حديث “إن الماء طهور لا ينجسه شيء” مقدم على هذا المفهوم ، إِذ إِن المفهوم يصدق بصورة واحدة ، وهي هنا صادقة فيما إِذا تغير)[40].

المطلب السادس : ارتباط المسألة بالقاعدة الفقهية

القاعدة : (الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره).

معنى القاعدة : أن ما ثبت على حال في الزمان الماضي ، ثبوتا ، أو نفيا ، بيقى على حاله ولا يتغير ما لم يوجد دليل يغيره ، وهذه هي قاعدة الاستصحاب : أي استصحاب الحال الماضية ، وهي فرع (قاعدة : اليقين لا يزول بالشك)[41].

مطابقة القاعدة بالمسألة : أن الأصل في المياه الطهارة حتى يدل الدليل على خلاف ذلك ، فإذا وجد ما يخرجه عن هذا الأصل فحينئذ يتغير الحكم ، وينتقل إلى غيره.

المطلب السابع : ثمرة الخلاف

من تطهر بالماء الذي خالطته نجاسة ولم تغيره فطهارته صحيحة ، لأن هذا النوع من الماء – عند المالكية – ليس بنجس.

وإذا لم يبلغ القلتين – عند الحنابلة – لم تصح الطهارة به وإن لم يتغير ، وتصح الطهارة إذا بلغ القلتين أو أكثر.

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، أحمده وأشكره على ما أنعم به علي من إنجاز هذه الرسالة التي قمت بمناقشة المسائل المختلف فيها بين المالكية والحنابلة من كتاب الطهارة ، وبيان ما هو أرجح وسبب الترجيح ، وارتباط كل مسألة بما يناسبها من القواعد الفقهية ، وبعد عرض المسائل والمناقشة فيها نستطيع أن نجمل ونوجز أهم ما يمكن التوصل إليه من خلال هذه الدراسة إلى النتائج التالية :

1- تجلى علو شأن الفقه المقارن في تحقيق المسائل الفقهية التي اجتهد فيها هؤلاء الأئمة الفقهاء الفضلاء مع بيان آرائهم المتعددة حول تلك المسائل ، وكيفية استدلالهم بالنصوص الشرعية المستنبطة.

2- المقارنة بين قولي أهل العلم مع الوصول إلى ما هو أصح وأرجح مما يسهل التفاهم والتعامل مع الآخر – ولو تخللت المنازعة والخصومة – خاصة في هذا الوقت الذي يتقارب الناس فيما بينهم.

3- الفقيه عند السلف – الصحابة والتابعين وأتباع التابعين – هو العالم بالدين كله ، لا فرق بين المسائل الاعتقادية ولا المسائل العملية والأخلاقية ، وأن هذا العلم مقصورا على الكتاب والسنة ، إذا فالفقيه عندهم هو من تفقه في دين الله من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الصحيح.

4- وجود الاختلاف بين أهل العلم لا يؤثر في فضلهم ولا في مرتبتهم فقد وقع الاختلاف في عهد النبي صى الله عليه وسلم بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، مثل اختلافهم في حكم أسارى بدر ، وكذلك الاختلاف في عهد الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم من سائر الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ، ولم يزل الاختلاف موجودا بين أهل العلم من زمن الأئمة المذاهب الأربعة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فالكل يجتهد بما يتيبن له من الأدلة المستنبط منها الأحكام الشرعية ، فجزاهم الله خير الجزاء.

5- مهما بلغ العالم من معرفة المسائل والنصوص الشرعية قد تفوته بعض الأشياء المهمة التي لم يحط بها علما ، لأن العلماء لم تكن درجتهم واحدة من الإحاطة بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا تجد واحدا منهم يسأل عن المسألة التي لا يعرف حكمها ، فيقول : لا أدري ؛ كما ورد ذلك عن بعض السلف.

6- نستفيد من تاريخ إمام دار الهجرة – مالك بن أنس – أنه تميز مذهبه بالإكثار الشديد من العمل بسد الذرائع حتى اعتبر بعض العلماء العمل بها من خصوصيات مذهبه.

7- اشتهر الإمام أحمد بن حنبل بعلم الحديث أكثر من شهرته بغيره إلا أن واقع الحال يبين أنه قد جمع بين الرواية والدراية ؛ فكان إماما في الفقه والفهم خصوصا من تأمل في سعة علمه وكثرة شيوخه يدرك غاية ما بلغه من هذا العلم ، حتى كان يسأل عن مذاهب الأئمة والفقهاء فيعرفها معرفة الخبير بها ، العالم بدقائقها.

8- إن المسائل المختلف فيها بين المالكية والحنابلة في كتاب الطهارة – تبلغ خمسين مسألة – هي الأقل بالنسبة إلى المسائل المتفق عليها.

ومن أمثلة تلك المسائل التي بحثت عنها وتوصلت فيها إلى نتائج :

أ – ورد في المذهب المالكي أن المني نجس لأن الله سبحانه وتعالى سماه ماء مهينا ، ولكونه يخرج من مجرى الحدث ، حيث خالفهم في ذلك الحنابلة بكونه ماء طاهرا ، لأنه أصل كل بني آدم ، وأن الأصل في الأعيان الطهارة فيجب القضاء بطهارته ، هذا هو رأي جمع غفير من أهل العلم ، وهو الراجح.

ب – ومن المسائل المشهورة بين أهل العلم (نقض الضفائر للمرأة عند غسل الجنابة أو الحيض) ، فوقع الخلاف بين المالكية والحنابلة حول هذه المسألة ، إلا أن النصوص الواردة في الشرع تدل على أن ليس للمرأة نقض شعرها لا لغسل جنابة ولا لحيض ، وهو رأي المالكية ، وهو الراجح لموافقته بالأدلة الصحيحة الصريحة ، ولأن في نقض ضفائرها ضيقا وحرجا ، القاعدة : (المشقة تجلب التيسير).

التوصيات :

من خلال نتائج الدراسة يوصي الباحث بما يلي :

1- ينبغي للباحثين أن يواصلوا كتابتهم حول هذا الموضوع في النكاح والبيوع وغيرهما مثلا إتماما للفائدة ، وإخراج نبذة يسيرة عن جهود هؤلاء العلماء الفضلاء.

2- يجتهد كل من قامت همته لطلب العلم في معرفة المسائل التي ناقش فيها أهل العلم حتى يتزود من المعلومات التي يتوصل بها إلى استنباط الفوائد والنتائج والثمرات في ذلك.

3- يجب على كل من يريد أن بيلغ درجة الاجتهاد في هذا الوقت أن يكون محيطا بمعظم المسائل الفقهية أو الأصولية ثم يرتبطها بالمسائل الحديثة المعاصرة حتى يكون موافقا فيما يفتي به عند نزول أي حادثة.

4- مراجعة كتب العلماء الفقهاء المتقدمين في معرفة مسائل الخلاف الفقهي أمر هام جدا خصوصا لمن له عناية ومتابعة الأمور في العالم الإسلامي.

5- نرجو من المؤسسات والمراكز الدينية القيام بإيجاد المتخصصين في الفقه المقارن بتدريبهم عن طريق إقامة الدورات العلمية في المساجد والمدارس الحكومية أو الأهلية.

المصادر والمراجع :

(1) سورة التوبة : الآية(122).

(2) أخرجه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري في”الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيامه = صحيح البخاري” : كتاب العلم ، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، برقم(71) ، الناشر : دار كوق النجاة ، الطبعة : الأولى ، تحقيق : محمد زهير بن ناصر الناصر. وأبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري في “المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم = صحيح مسلم” : كتاب الكسوف ، باب النهي عن المسألة ، برقم(1037) ، الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

(3) أخرجه أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني ، في”مسند أبي حنيفة” الناشر : مكتبة الكوثر – الرياض ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص25، تحقيق : نظر محمد الفاريابي. و أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ، في”تاريخ بغداد” الناشر : دار الغرب الإسلامي – بيروت ، الطبعة : الأولى ، ج4، ص50، تحقيق : د بشار عواد معروف. من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، بسند ضعيف ، لأن في سنده أحمد بن محمد الحماني كان يضع الحديث. انظر : “العلل المتناهية في الأحاديث الواهية” لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ، الناشر : إدارة العلوم الأثرية ، فيصل آباد ، باكستان ، الطبعة : الثانية ، ج1، ص128، تحقيق : إرشاد الحق الأثري.

(4) تهذيب اللغة : لأبي منصور محمد بن أحمد بن الأزهري ، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت ، الطبعة : الأولى ، ج 13، ص 47 ، تحقيق : محمد عوض مرعب. و المطلع على ألفاظ المقنع : لأبي عبد الله محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي ، الناشر : مكتبة السوادي للتوزيع ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص 368 ، تحقيق : محمود الأرناؤوط و ياسين محمود الخطيب. و لسان العرب : لأبي الفضل محمد بن مكرم بن علي جمال الدين ابن منظور الأنصاري ، الناشر : دار صادر – بيروت ، الطبعة : الثالثة ، ج11، ص 318.

(5) التعريفات : لعلي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني ، الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص 211 ، تحقيق : ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر.

(6) المفردات في غريب القرآن : لأبي القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهانى ، الناشر : دار القلم ، الدار الشامية – دمشق بيروت ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص 294، تحقيق : صفوان عدنان الداودي. و بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز : لمجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ، الناشر : المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – لجنة إحياء التراث الإسلامي القاهرة ، ج2، ص562 ، تحقيق : محمد علي النجار.

(7) التعريفات : للجرجاني ، ج1، ص 101. و معجم لغة الفقهاء : لمحمد رواس قلعجي ، الناشر : دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة : الثانية ، ج1، ص 198.

(8) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : لآحمد بن محمد بن علي الفيومي ، الناشر : المكتبة العلمية بيروت ، ج1، ص 178.

(9) تهذيب اللغة : للأزهري ، ج5 ، ص 263. و الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري ، الناشر : دار العلم للملايين – بيروت ، الطبعة : الرابعة ، ج6، ص2243 ، تحقيق : أحمد عبد الغفورعطار. و مقاييس اللغة : لأحمد بن فارس القزويني ، الناشر : دار الفكر ، ج4، ص442 ، تحقيق : عبد السلام محمد هارون. و لسان العرب : لابن منظور ، ج13 ، ص 522. و المصباح المنير : للفيومي ، ص 479 ، مادة (فقه) .

(10) سورة التوبة : الآية(122).

(11) منهاج الوصول إلى علم الأصول : لأبي سعيد عبد الله بن عمر بن محمد ناصر الدين البيضاوي ، الناشر : مؤسسة الرسالة ، ج1، ص 17. و نهاية السول شرح منهاج الوصول : لعبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعيّ ، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص11.

(12) الصحاح : للجوهري ، ج6، ص2181. و مقاييس اللغة : لابن فارس ، ج5، ص76. و لسان العرب : لابن منظور ، ج13، ص336. و المصباح المنير : للفيومي ، ج1، ص191.

(13) مسائل في الفقه المقارن : لعمر بن سليمان الأشقر ، الناشر : دار النفائس ، الطبعة : الثانية ، ج1، ص11.

(14) تاريخ بغداد : للخطيب البغدادي ، ج4، ص508. و تاريخ دمشق : لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر ، الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، ج37، ص194، تحقيق : عمرو بن غرامة العمروي. و طبقات الشافعية الكبرى : لتاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي ، الناشر : هجر للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة : الثانية ، ج2، ص253، تحقيق : د. محمود محمد الطناحي ، و د. عبد الفتاح محمد الحلو. و تهذيب التهذيب : لابن حجر العسقلاني ، ج9، ص489-490.

(15) وفيات الأعيان : لابن خلكان ، ج1، ص71-72. و الجواهر المضية في طبقات الحنفية : لعبد القادر القرشي ، ج1، ص102-103. و تاج التراجم في طبقات الحنفية : لزين الدين أبي العدل قاسم بن قطلوبغا السودوني ، الجمالي ، الحنفي ، الناشر : دار القلم – دمشق ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص101، تحقيق : محمد خير رمضان يوسف.

(16) طبقات الفقهاء : لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ، الناشر : دار الرائد العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص168، تحقيق : إحسان عباس. و قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر : لصالح بن محمد بن نوح بن عبد الله العمري المعروف بالفُلَّاني ، المالكي ، الناشر : دار الشروق – مكة ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص162، تحقيق : عامر حسن صبري.

(17) الإحكام في أصول الأحكام : للآمدي ، ج1، ص28. و شرح تنقيح الفصول : لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي ، الشهير بالقرافي ، الناشر : شركة الطباعة الفنية المتحدة ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص43-44، تحقيق : طه عبد الرؤوف سعد. و نهاية السول شرح منهاج الوصول : للإسنوي ، ج1، ص118. و إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول : لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ، الناشر : دار الكتاب العربي ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص62-63، تحقيق : الشيخ أحمد عزو عناية ، دمشق – كفر بطنا.

(18) الاختلاف الفقهي أسبابه وموقفنا منه : لوجيه محمود ، ج1، ص52.

(19) سورة النساء : الآية(43).

(20) الحاوي الكبير : لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد البصري البغدادي ، الشهير بالماوردي ، الناشر : دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص183، تحقيق : الشيخ علي محمد معوض – الشيخ عادل أحمد عبد الموجود. و المهذب في فقة الإمام الشافعي : لأبي إسحاق الشيرازي ، الناشر : دار الكتب العلمية ، ج1، ص51. و المجموع شرح المهذب : لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ، الناشر : دار الفكر ، ج2، ص26.

(21) المبسوط : لشمس الأئمة محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي ، الناشر : دار المعرفة – بيروت ، ج1، ص67. و بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني ، الحنفي ، الناشر : دار الكتب العلمية ، الطبعة : الثانية ، ج1، ص30.

(22) أخرجه الدارقطني في “السنن” : كتاب الصيام ، برقم(2242) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال الدارقطني : (إسناده صحيح وكلهم ثقات).

(23) أخرجه الحاكم في “المستدرك على الصحيحين” : كتاب الصوم ، برقم(1569) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

(24) الجامع لأحكام القرآن : لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري ، الخزرجي ، القرطبي ، الناشر : دار الكتب المصرية – القاهرة ، الطبعة : الثانية ، ج2، ص322-323، تحقيق : أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش. و فتح الباري شرح صحيح البخاري : لابن حجر العسقلاني ، الناشر : دار المعرفة – بيروت ، ج4، ص155-157. و نيل الأوطار : للشوكاني ، الناشر : دار الحديث – مصر ، الطبعة : الأولى ، ج4، ص244-245، تحقيق : عصام الدين الصبابطي.

(25) الأوسط : لابن المنذر ، ج1، ص246.

(26) الأوسط : لابن المنذر ، ج1، ص260. و مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات : لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، القرطبي ، الظاهري ، الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت ، ج1، ص19.

(27) المغني : لموفق الدين ابن قدامة المقدسي ، ج1، ص12.

(28) عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار : لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي ، المالكي ، المعروف بابن القصار ، الناشر : جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، الطبعة : الأولى ، ج2، ص849، تحقيق : د عبد الحميد بن سعد بن ناصر السعودي. و الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنها الموطأ من معاني الرأي والآثار : لأبي عمر ابن عبد البر ، الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص160-161، تحقيق : سالم محمد عطا، محمد علي معوض. و المقدمات الممهدات : لا بن رشد (الجد) ، ج1، ص86.

(29) القلتان : واحدتهما قلة بضم (القاف) ، وجمعها قلال ، وهي الجرة الكبيرة ، سميت بذلك لعلوها وارتفاعها. وقيل : لأن الرجل العظيم يقلها بيده ؛ أي : يرفعها. والقلتان عند الحنابلة : من قلال هجر وهما خمس قرب ، في كل قربة مائة رطل عراقي ، فتكون القلتان خمس مائة رطل بالعراقي انظر : “مشارق الأنوار على صحاح الآثار” للقاضي عياض ، الناشر : المكتبة العتيقة و دار التراث ، ج2، ص184. و المغني : لموفق الدين ابن قدامة المقدسي ، ج1، ص19.

(30) المصدر السابق : ج1، ص20. و الشرح الكبير على متن المقنع : لشمس الدين عبد الرحمن المقدسي ، ج1، ص24. و المبدع في شرح المقنع : لبرهان الدين ابن مفلح ، ج1، ص36.

(31) بداية المجتهد : لابن رشد ، ج1، ص30-31.

(32) أخرجه البخاري في”الصحيح” : كتاب الوضوء ، باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعراب حتى فرغ من بوله في المسجد ، برقم(219). و مسلم في”الصحيح” : كتاب الطهارة ، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت ف المسجد…، برقم(284) ، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(33) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى القرشي ، العدوي ، صحابي جليل ، من أعز بيوتات قريش في الجاهلية ، كان جريئا ، جهيرا ، أسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم ، وهاجر مع أبيه إلى المدينة ، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فرده لصغر سنه ، فعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة ، فأجازه ، وكان من أهل الورع ، والعلم ، وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شديد التحري ، والاحتياط ، والتوقي في فتواه ، توفي سنة : (73هـ). انظر : “الطبقات الكبرى” لابن سعد ، ج4، ص105-142. و”وفيات الأعيان” لابن خلكان ، ج3، ص28-31.

(34) أخرجه أحمد في”المسند” برقم(4605). و أبو داود في”السنن” : كتاب الطهارة ، باب ما ينجس الماء ، برقم(63). والترمذي في”السنن” : كتاب أبواب الطهارة ، باب منه آخر ، برقم(67).

وقد اختلف العلماء في هذا الحديث ، فمنهم من صححه ، ومنهم من ضعفه.

وممن صحح الحديث : الشافعي ، وأحمد ، وأبو عبيد ، وإسحاق ، وابن معين ، والطحاوي ، والدارقطني ، وابن منده ، وعبد الحق ، والخطابي ، والبيهقي ، وابن خز يمة ، وابن حبان ، والحاكم وغيرهم. انظر “معالم السنن” لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي ، الناشر : المطبعة العلمية- حلب ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص36. و”المستدرك على الصحيحين” للحاكم النيسابوري ج1، ص224. و”التلخيص الحبير” لابن حجر العسقلاني ، ج1، ص135-136. و”تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي” لأبي العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى ، الناشر : دار الكتب العلمية بيروت ، ج1، ص180-181. و “إراء الغليل” للألباني ، ج1، ص60.

وممن ضعف الحديث : ابن المنذر ، وابن عبد البر ، والقاضي إسماعيل بن إسحاق ، وابن العربي المالكيون. انظر : “الأوسط” لابن المنذر ، ج1، ص271. و”الاستذكار” لأبي عمر ابن عبد البر ، ج1، ص160-161. و”نصب الراية” للزيلعي ، ج1، ص104-105. والحديث والله أعلم صحيح ، كما بينه المحققون من أهل هذا الفن. قال الشيخ الألباني بعد أن ذكر طرق الحديث : )وبذلك يزول الاضطراب الذي به أعل بعضهم الحديث فلا تلتفت إليه ، والحديث صححه…). انظر : “صحيح أبي داود” للألباني ، ج1، ص106.

(35) المغني : لموفق الدين ابن قدامة المقدسي ، ج1، ص21. و الشرح الكبير على متن المقنع : لشمس الدين عبد الرحمن المقدسي ، ج1، ص24.

(36) التمهيد : لأبي عمر ابن عبد البر ، ج1، ص335.

(37) هو أبو الفتح تقي الدين محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري ، المنفلوطي ، المصري ، المالكي ، الشافعي ، المعروف بابن دقيق العيد ، أحد الأعلام ، وقاضي القضاة ؛ وكان إماما ، متفننا ، محدثا ، مجودا ، فقيها ، مدققا ، أصوليا ، أديبا ، شاعرا ، نحويا ، ذكيا ، غواصا على المعاني ، مجتهدا ، وافر العقل ، كثير السكينة ، بخيلا بالكلام ، تام الورع ، شديد التدين ، توفي سنة : (702هـ). انظر : “الدرر الكامنة” لابن حجر العسقلاني ، ج5، ص348-351.

(38) نصب الراية : للزيلعي ، ج1، ص105. و التلخيص الحبير : لابن حجر العسقلاني ، ج1، ص136-137.

(39) هو محمد بن صالح بن محمد عثيمين المقبل الوهيبي التميمي ، عالم وفقيه سعودي ، وعضو هيئة كبار العلماء ، وامتاز الشيخ بالعلم الغزير ، والفهم الواضح للدين ؛ عقيدة وشريعة ، والأسلوب الجيد في العرض ، واتباع الحكمة في أسلوب الدعوة ، توفي سنة (1421هـ). انظر : “الموسوعة العربية العالمية” في الإنترنت.

(40) الشرح الممتع على زاد المستقنع : لمحمد بن صالح العثيمين ، الناشر : دار ابن الجوزي ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص42.

(41) الإحكام في أصول الأحكام : للآمدي ، ج1، ص109. و الأشباه والنظائر : لتاج الدين السبكي ، الناشر : دار الكتب العلمية ، الطبعة : الأولى ، ج1، ص13. و الوجيز في إيضاح القواعد الفقه الكلية : للدكتور محمد صدقي بن أحمد بن محمد آل بورنو أبي الحارث الغزي ، الناشر : مؤسسة الرسالة ، بيروت – لبنان ، الطبعة : الرابعة ، ج1، ص172.