المالية المحلية و الموارد البشرية للجماعات الترابية – أساس التدبير الترابي الجيد

د. بــــوجـــمعـــة ادغــيـــش1 ذ. أخـــراز أحمـــد2

1 دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية

2 طالب باحث في القانون العام والعلوم السياسية

HNSJ, 2023, 4(3); https://doi.org/10.53796/hnsj4330

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/03/2023م تاريخ القبول: 21/02/2023م

المستخلص

تعتبر الجماعات الترابية الفضاء الذي يدبر شؤون المواطنين الحياتية في مختلف المجالات، فهي تعد أهم المرافق المحلية التي تحظى باهتمام بالغ لدى المواطنين، حيث يقومون بتشكيل مجالسها و يسعون إلى حسن تدبير وتسيير شؤونهم، من خلال عمل طاقم بشري كبير بهذا الدور، غير أنه يعاني منال سلبيات متمثلة في بيروقراطية الإدارة وضعفها وكذا ضعف التأهيل والتكوين.

فالموارد البشرية هي مجموعة من العاملين والموظفين الذين يشكلون العمود الفقري، والرافعة الأساسية للوظيفة العمومية. وحتى تعمل هذه الآلية وفق أسس سليمة نهجت الدولة خلال السنوات الأخيرة على تطوير وتأهيل هذه المنظومة، وذلك من أجل الانتقال من التدبير التقليدي إلى تدبير عصري يتماشى مع التطور القانوني الذي سعت الدولة إلى ترسيخه، من أجل إعمال المشاركة المواطنة وتجسيد البناء الديمقراطي في مختلف مجال الحياة.

المطلب الأول: المرافق العمومية المحلية أساس التدبير الترابي

يعد العنصر البشري العمود الفقري الذي يمارس المهام الإدارية، ويقوم باتخاذ القرارات السياسية التي تهم مصالح المواطنين، وقد عملت الدولة من خلال القوانين على تبني نظرة إصلاحية، تهدف من وراءها إلى تجاوز التدبير التقليدي القائم على البيروقراطية الإدارية، إلى تدبير عصري يتماشى مع القوانين الهادفة إلى الرقي بالموظف وتيسير مهامه، من أجل العمل الجاد الهادف إلى القيام بأدوار تشاركية مع المواطنين باعتبارهم المرتفق الأول بهذا المرفق العمومي، إضافة إلى بناء جسور من التواصل والتنسيق بين مختلف المرافق والجماعات الترابية باعتبارها القائم على شؤون المواطنين ويهدف إلى ترجمتها إلى حلول انطلاقا من برامج وخطط تنموية.

الفقرة الأولى: تأهيل الموارد البشرية أساس حكامة المرفق العمومي

إن الإدارة الترابية لا تقوم إلا بوجود العنصر البشري، الذي يعد ركيزة أساسية لممارسة الجماعات الترابية لاختصاصاتها المتعددة، في إطار توزيع عادل بين جميع المؤسسات الترابية وتوفير جميع الآليات والمقومات البشرية اللازمة، لحسن تدبير مجال ترابي جيد وبناء سياسات عمومية ترابية سليمة، وذلك باعتماد تكوين وتحفيز للموارد البشرية الإدارية. وحتى تقوم الإدارة الترابية بأدوارها وفق ما هو منصوص عليه، لا بد من الاهتمام بالموارد البشرية وتحفيزها وتنمية قدراتها من خلال دورات تدريبية وتكوينية دائمة ومستمرة لمواكبة المستجدات التي تهمها في إطار العمل الإداري.

تعتبر الموارد البشرية من أهم آليات الإدارة والتدبير العمومي، فالموارد البشرية هي مجموعة من العاملين والموظفين الذين يشكلون العمود الفقري والرافعة الأساسية للوظيفة العمومية. وحتى يتسنى تطبيق هذه الآلية عملت الدولة خلال السنوات الأخيرة على تطوير وتأهيل هذه المنظومة، من أجل الانتقال من التدبير التقليدي إلى تدبير عصري، يراعي مجموعة من القضايا كتحسين وضعية الموظف والرقي بجودة الخدمات المقدمة للمواطن.

وقد اعتمدت الدولة على مجموعة من التدابير قصد الوصول لمنظومة بشرية مؤهلة وفاعلة، وكان الدليل المرجعي للكفاءات إحدى هذه التدابير، بحيث يعتبر حجر الزاوية بالنسبة لكل سياسة تهدف إلى تثمين العنصر البشري، وكذلك أداة ناجعة ومرجعية لتدبير الموارد البشرية سواء على مستوى الأنشطة ومهام الإدارة العمومية، أو على مستوى أنشطة تدبير الموارد البشرية.

إن تطبيق الدليل المرجعي للكفاءات يضع حدا للتدبير التقليدي للموظفين، فهو يحدد مفهوم العمل ومفهوم الموارد البشرية بإعطائها إطارا وركيزة مؤسساتية، ويسمح بالتمييز بين مختلف مستويات المسؤولية وتنظيم العلاقات في إنجاز مهام الإدارة، كما يضع الأسس لإدراج معادلة الإنسان والوظيفة[1].

كما أن الجماعات الترابية ملزمة بالتخطيط للموارد البشرية، وذلك من خلال الانتقال الفعلي من تسيير شؤون الموظفين إلى تدبير الموارد البشرية بالإدارة الجماعية، ويجب أن يكون الاهتمام بتدبير الشؤون اليومية والمستقبلية للموظفين مع انسجام تام مع أهداف الجماعة، أي أن تقوم هذه المصلحة بإعداد مخطط شامل للموارد البشرية بالإدارة الجماعية في كل المجالات المرتبطة بها، كالتوظيف والتكوين والتحفيز والأداء والتنظيم وغيره.

و تعد آلية التحفيز من بين الوسائل التي تدفع الموظف للفعالية و المردودية الكبيرتين، فالظروف المادية والمعنوية تشغل كامل تفكيره، وبالتالي فتحقيق نوع من الاستقرار في الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية له ولأفراد أسرته، يضمن السير الفعال للإدارة العمومية الترابية و المردودية اللازمة[2].

كما تلعب الحوافز الجانب المعنوي والاجتماعي للموظف، فهي تعمل على رفع معنوياته، والاعتراف بالمجهود الذي يقوم به في إطار العمل من داخل الإدارة العمومية الترابية، ليجد الحافز طريقه إلى نفسية الموظف والرفع من معنوياته ويحفظ له كرامته والأهمية اللازمة. فاعتراف الإدارة بالجانب الروحي للعامل عن طريق خلق جو من التفاهم والاحترام بين الطرفين والسعي إلى تحقيق الحاجات الاقتصادية والاجتماعية للفرد في بيئة عمله، ويتجلى ذلك عبر مجموعة من الإجراءات منها:

* تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها من عملية التحفيز، حتى يفهم الموظف العلاقة الوثيقة بين الأداء المطلوب منه والحصول على الحافز؛

* تكريم الموظف الجاد والمخلص في عمله؛

* الاهتمام بالجانب الصحي للموظف، من خلال إحداث لجنة تقوم بتتبع الحالات الصحية على مستوى الإدارة؛

* الاهتمام بجمعيات الأعمال الاجتماعية للإدارة الترابية عبر تقديم وتقوية المساعدات المالية، الأمر الذي يدفع الموظف إلى العمل الجدي وتقوية التزامه وولائه للإدارة؛

* سن نظام تشجيعي وشفاف لحوافز الاستحقاق، قائم على المردودية والكفاءة، واعتماد الترقية حافزا لمن يستحقها من الموظفين الجديين.

* اعتماد معايير الكفاءة والاستحقاق والتجربة في تولي مناصب المسؤولية، مع نهج مسطرة فتح الترشيحات.

* تبني إصلاح لنظام الأجور يقوم على الأخذ بالإكراهات المالية للموظف وارتفاع مستوى تكلفة المعيشة[3].

وفي نفس الإطار، يجب التذكير بالدور الأساسي الواجب أن تقدمه اللجان المتساوية الأعضاء في تقويم إنتاجية مردودية الموظفين، من خلال تمكينها من سائر الاختصاصات المتعلقة بأنواع الترقيات الداخلية، وتدعيم دورها بتمثيل سائر الفئات الموظفين بطريقة ديمقراطية، وإمدادها بجميع الوسائل الضرورية للقيام بمهمتها على أحسن وجه[4].

يشكل تكوين وتأهيل الموارد البشرية ضرورة آنية لضمان انخراطه السريع كقوة مؤثرة، في حركية الإصلاحات و دينامية تحديث الإدارة، ومطلبا ملحا لكسب رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأصبح من الضروري جعل التكوين المستمر حقا للعاملين بالإدارة العمومية، وواجبا على كل مزاول لوظيفة من وظائفها، بما يمكن من ربط التكوين المستمر بآليات التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات. ويهدف منه إحداث تغيير هادف على مستوى المدارك والمعارف والمهارات والمواقف والسلوكيات، ومحصلة رئيسية لتأهيله ككل، تماشيا مع النمو والتطور اللذان يلحقان دوما بالمحيط المحلي والكوني، مع أن ضغوط العولمة السريعة والمصاحبة لها تستوجب مواكبة مستمرة لما تفرضه على الإدارة من تكوينات مستمرة ودورات، وهو ما يتطلب[5]:

* تحيين مقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية على مستوى التكوين المستمر، والإسراع بالمصادقة على مشروع مرسوم متعلق بالتكوين المستمر بالإدارات العمومية والجماعات الترابية؛

* إعداد مخطط توجيهي وطني للتكوين المستمر، مدعم بمخططات قطاعية للتكوين المستمر من طرف الإدارات العمومية، يأخذ في الاعتبار توقيت ومكان البرنامج التدريبي، مع توفير المستلزمات والوسائل البيداغوجية من مطبوعات وكتيبات والاتصال بالمتدربين؛

* توفير الاعتماد المالي اللازم لتطوير نظام التكوين المستمر، إذ يجب الإنفاق على تدبير الموارد البشرية من أجل الحفاظ عليها والاستفادة منها أطول مدة ممكنة؛

* إعداد متخصصين في التكوين المستمر و التأطير، عبر انتقاء الكفاءات من أجل تأطير إداري فعال وهادف يعتمد على المشاركة الفعالة في ندوات للتكوين واستكمال الخبرات؛

* تشجيع الشراكات في التكوين المستمر مع معاهد ومؤسسات متخصصة في التدبير الإداري، كالمعهد العالي للإدارة، المدرسة الوطنية للإدارة،…

وتجدر الإشارة إلى أن المنظومة الحالية للتكوين المستمر على الرغم من الإصلاحات العميقة التي عرفتها، ولاسيما المرسوم رقم 2.05.1366 الصادر في 2 دجنبر 2005 المتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة والإستراتيجية الوطنية المرتبطة به، لم تتمكن الإدارة من تجاوز العديد من الصعوبات التي أفرزتها الممارسة والتطبيق الفعلي للمنظومة الحالية.

ولتجاوز هذه الوضعية، وفي إطار المراجعة الشاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي تنكب عليه المصالح الوزارية، عملت هذه الأخيرة على وضع منظومة جديدة للتكوين المستمر بمشاركة جميع القطاعات الوزارية والإدارات العمومية، غايتها تعزيز المكتسبات التي راكمها النظام الحالي للتكوين عبر مختلف الإصلاحات التي تحققت من جهة، والسعي لكي تكون أكثر شمولية وأوسع استيعابا لمختلف الفئات، وحتى يكون التكوين أكثر جودة في التكوينات الملقنة وأكثر نجاعة علاقة مع متطلبات محيط الإدارة ومستلزماته.

إن التنظيم والتقويم يتعين انطلاقهما من الذات، عن طريق اختيار عنصري الشباب والخبرة المدعمة بالتحصيل العلمي، وانتقاء كفاءات قادرة لتولي مسؤولية القيادة، ومشهود لها بسمو الأخلاق بالمرفق العمومي، وبالاستقامة واللباقة والنزاهة. إن توفر العنصر البشري بالمرفق العمومي على مجموعة من الصفات القيادية، يعد من العوامل الرئيسية المحققة للنجاح والتقدم، وهي القوة الدافعة للوصول إلى الغايات المستهدفة بأحسن الوسائل وأقل التكاليف وفق حدود الإمكانيات والموارد المتاحة[6].

و حتى تحصل هذه الكفاءات على ما تستحقه، وجب توجيه اهتماماتها لتبني تقنيات التواصل الحديثة في مجال تدبير الموارد البشرية، سواء بتكريس ثقافة القرب والتتبع المباشر للأمور وتعامل المسؤولين مع موظفيهم أو اضطلاعهم بمهامهم، أو من خلال بلورة إجراءات عملية تمكن الموظفين من المشاركة في تحديد الأهداف والمساهمة في اتخاذ القرارات داخل المؤسسة.

تماشيا مع التطورات الحالية يتطلب العمل على استخدام الكفاءات والقيادات في إطار أكثر مرونة و مردودية عن طريق اعتماد نظام العقود المحددة المدة، ومرتبطة بمشاريع محدودة في الزمن، ويكون تقييم الأداء بتحقيق الأهداف المسطرة والنتائج المحققة، كما يستحسن نهج أسلوب الحركية داخل الأقسام عموديا وأفقيا حتى يتجنب الرتابة والجمود في الإدارة، وإتاحة الفرص لإبراز تعدد القدرات والمؤهلات لدى الكفاءات المتاحة[7].

إن محاولات تحديث المرفق العمومي تتطلب إتباع أسلوب موضوعي في اختيار الرجل الملائم لمنصب المسؤولية، وبالاعتماد على الكفاءة العلمية والقدرة على الممارسة، التي تقتضيها السياسة العامة الموضوعة والمستهدفة من طرف الإدارة المدبرة. و لهذا، فإن أي إصلاح إداري يمكن أن تشهده الإدارة العمومية لابد له أولا من تأهيل للأطر البشرية، باعتبارها العمود الفقري وعماد الإدارة، و ثانيا حتمية وضرورة أن يرافق هذا الإصلاح برنامج يهم تطهير العقليات وتهذيب النفوس وتخليقها.

إن الحركية في مجال تدبير الموارد البشرية هي القدرة على قبول التغييرات في الزمان والمكان، وهو ما يمكن أن يجري على الأطر الإدارية القيادية وذات الكفاءة العالية، بأن تكون الحركية إما عن طريق إعادة التعيين أو حتى تغيير المهام، أو إعادة الانتشار مهنيا أو جغرافيا، أو من خلال الانتقال إلى إدارة أخرى.

وتظهر أهمية الحركية في تغيير المواقف والحد من الاستقرار الدائم في وظيفة معينة، وهو ما يعطي الفرصة للموظف من أجل إنهاء تجربته والاطلاع على مجموعة من المهام، ومواجهة الانغلاق والانزواء وتكريس اللاتمركز الإداري، بالإضافة إلى محاربة العقليات الجامدة، وتغيير التقاليد والأوضاع السائدة في الإدارة العمومية، قصد فتح المجال أمام الأطر الإدارية للتحرر الإداري وتوسيع الأفاق المهنية لهم واكتساب مهارات ومعارف جديدة، وتحمل المسؤوليات وتبادل الخبرات ونقلها إلى إدارات وأطر أخرى تكون بحاجة إلى مثلها[8].

وللحركية عدة أوجه، هناك الحركية الوظيفية والحركية الجغرافية. فالحركية الوظيفية تهم التغيير من وظيفة إلى أخرى، أو من منصب إلى آخر، أو من مصلحة إلى أخرى، أو من إدارة إلى أخرى. أما الحركية الجغرافية فهي تتم من إدارة مركزية إلى إدارة لامركزية، من خلال إحدى الآليات كالنقل أو الإلحاق، فالنقل يتم عبر الاستجابة لطلب الموظف بنفسه أو بناء على حاجة الإدارة إلى موظفين في مناطق أخرى، وأما الإلحاق فيسمح للموظف بممارسة مهامه خارج إدارته الأصلية كما نص على ذلك الفصل 47 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية مع بقائه تابعا لإدارته الأصلية ومتمتعا فيه بجميع حقوقه في الترقية والتقاعد.

أما بالنسبة لأسلوب إعادة الانتشار، فالمقصود به هو آلية تمكن الإدارة من إعادة توزيع كفاءاتها وتحسين معدل التأطير داخل مصالحها، وتكون إما داخل الإدارة نفسها أو بين مختلف القطاعات الوزارية، أو بين الإدارات المركزية واللامركزية. فإعادة الانتشار هو أسلوب يسعى إلى ضمان توزيع أمثل للموظفين داخل الإدارة العمومية الواحدة أو بين مختلف الإدارات. ويهدف أسلوب إعادة الانتشار إلى تحقيق عدة من الأهداف منها[9]:

* وضع الموظف المناسب في المكان والوقت المناسبين؛

* الحد من تكاليف الإدارة؛

* تسهيل عملية الحركية داخل الإدارة العمومية منها وإليها؛

* ضمان توزيع أمثل للموظفين بين المصالح المركزية والمصالح اللامركزية؛

* تبادل الخبرات والكفاءات بين الإدارات المختلفة للرفع من جودة الموظف وسط الإدارة.

الفقرة الثانية: التعاون والتنسيق بين الجماعات وبين مختلف المؤسسات العمومية

إن من بين أهم المبادئ المهمة التي ترتكز عليها الديمقراطية التشاركية على مستوى تدبير المرافق العمومية مبدأي التشاركية والشفافية المرفقية، وبالتالي فهما الأساس الذي يمكن أن ترتكز عليه الحكامة المرفقية. والمقصود بمبدأ التشاركية في الإدارة بالمشاركة في تدبير الإدارة ومسلسل صنع القرار، وبالتالي انصهار الأفراد أو المواطنين في النسيج العام لعملية صناعة القرار المحلي، بحيث يشارك المواطنون وبكل مسؤولية في صياغته وبناء المبادرة وتنفيذها، ويطلع فيها مختلف الأفراد والمجموعات المكونة للمجتمع بالمسؤولية الكاملة من بدايتها لنهايتها. كما أن سلوك الإنفراد باتخاذ القرار وصناعته لم يعد له مكان في الحياة الجماعية الحديثة، بحيث طغت الاحترافية وفرضت نفسها على العمل الجماعي بفعل التحولات الاقتصادية والتقنية وتعدد الحاجيات المحلية وتعقيداتها[10].

إن تحقيق التنمية المحلية اليوم يستلزم إيجاد آليات لتكريس مبادئ التعاون والتضامن والتنسيق بين مختلف الفاعلين على المستوى المحلي خاصة بين الجماعات الترابية أو مؤسسات عمومية أخرى، وذلك من خلال بلورة شراكات بينها بهدف تصحيح التباينات و الإختلالات المجالية والمادية التي تعد أحد أبرز معيقات التنمية. وهو أمر يمكن للدولة المساهمة فيه عبر قيامها بمحاربة الفوارق بين الجماعات من خلال ضمان توزيع أكثر عدلا للإمكانيات المالية وللمشاريع الوطنية المنجزة على تراب الجماعات. كما ينبغي وبشكل متواز إعتماد آلية فعالة يمكن من خلالها للجماعات الغنية ”نسبيا“، دعم نظيرتها ذات الموارد المحدودة بما يقلص من حدة التفاوتات الإقتصادية و الإجتماعية[11].

وهو ما كرسه الدستور بنصه في الفقرة الثانية من الفصل 142 على إحداث صندوق التضامن بين الجهات الذي أوصى به تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية، وذلك بهدف دعم مالية الجهات المحدودة الإمكانيات، وتقليص مستويات العجز فيها من البنيات والتجهيزات الأساسية. وعلى هذا الأساس، فإن التعاون بين الجماعات يفرضه في المقام الأول العامل المالي، في ظل محدودية الموارد المالية المتاحة، في مقابل تزايد وتنوع متطلبات وحاجيات السكان. الأمر الذي يحتم عليها التعاون في ما بينها وتعبئة الوسائل والموارد لمواجهة التحديات المشتركة.

كما أن المشرع قد وسع من إمكانيات إبرام اتفاقيات للتعاون والشراكة، فلم يعد الأمر مقتصرا على الجماعات وحدها، بل أصبح بإمكان الجماعات بصفتها مؤسسات مستقلة أن تكون طرفا في اتفاقيات للتعاون والشراكة. كما أن مسألة التنسيق بين الدولة باعتبارها صاحبة الاختصاص العام والجماعات الترابية باتت مسألة ضرورية، مع مراعاة التوزيع في الاختصاصات بينها وبين الجماعات، وكذا مراعاة الإمكانيات والقدرة على مباشرة المهام.

وفي هذا الإطار لن تقوم الجماعات الترابية بمهامها بالشكل اليسير إلا بإيجاد مخاطبين أكفاء في المصالح الخارجية للدولة، ويكونون قادرين على إتخاذ القرار في الزمان والمكان المناسبين، انطلاقا من قناعة أن اللامركزية و اللاتركيز يشكلان وجهان لعملة واحدة، لا يمكن تداولها إلا إذا اكتملت معالم كلا الوجهين بصورة واضحة.

كما تلعب الأحزاب السياسية باعتبارها مؤسسات فاعلية في التدبير الترابي وباعتبار وظيفتها الأساسية داخل المجتمعات، في تأطير الصراع بين مكونات المجتمع المحلي، بحيث يعد أحد أهم البنيات التي تتيح لعدد كبير من المواطنين فرصة المشاركة في العملية السياسية بصورة أكثر ديمومة وانضباط، وبالتالي ترسيخ الديمقراطية التشاركية المحلية، على اعتبار أن هذه الأخيرة لا يمكن أن تستوي بدون إرادة سياسية وقيام الأحزاب بأدوارها داخل المجتمع المحلي.

ولهذا تعد الأحزاب السياسية جزء مهم من الحكم الديمقراطي، ولابد من أن تتمتع بالاستقلالية الذاتية، حتى تتمكن أداء الأدوار المنوطة بها كقوة خلاقة في المجتمع[12]، بفعل دورها المهم في توعية الشعب، ورفع مداركه السياسية، وتنظيم خلافاته السياسية، برفعها من الخلافات الفردية إلى الخلافات الفئوية والطبقية، مما يساهم في احتواء الصراعات وتحويلها إلى مطالب داخل المؤسسات والتي تترجم إلى خيارات ومواقف يمكن المجتمع القرار النهائي في الحسم فيها.

المطلب الثاني: الحكامة المالية أساس تدبير الترابي الجيد

تحتل مالية الجماعات الترابية مكانة مهمة ومحورية في التنظيم اللامركزي باعتبارها الوسيلة الأساسية لتنفيذ السياسات الإقتصادية و الإجتماعية والثقافية والبيئية على المستوى الترابي، باعتبارها مجموعة من العمليات المتعلقة بالموارد والنفقات التي تخص الوحدات الترابية اللامركزية، ومكونا أساسيا ضمن فروع المالية العمومية. ويحظى العنصر المالي بمكانة هامة في السياسات العمومية، فهو الأداة التي تنفذ بها هذه السياسات، وتترجم بها المجالس المنتخبة برامجها السياسية إلى واقع ملموس، باعتماد مبادئ التخطيط الإستراتيجي لتجويد التدبير المالي على مستوى الجماعات الترابية، فكلما كان التدبير المالي سلسا وشفافا إلا وانعكس ذلك على حسن تدبير مختلف المجالات والميادين الأخرى، واعتماد مبدأ الشفافية والمحاسبة المرفقيين.

الفقرة الأولى: اعتماد مبدأ التخطيط الإستراتيجي لتجويد التدبير المالي الترابي

تتعدد التعاريف التي تناولت موضوع التخطيط الإستراتيجي بتعدد الباحثين في الموضوع وكذا المقتربات المعتمدة من حيث الزمان والمكان ، حيث يعرف ” بيتر داركر ” التخطيط الإستراتيجي، بأنه تلك العملية المستمرة لصنع قرارات تنظيم العمل في الوقت الحاضر بطريقة منهجية، مع معرفة كبيرة بمستقبل هذه القرارات، وتنظيم الجهود المطلوبة لتنفيذ هذه القرارات بطريقة منهجية، وقياس نتائج هذه القرارات بالتوقعات عن طريق التغذية المرتدة المنهجية المنظمة[13].

ويمكن القول أيضا، إن التخطيط الإستراتيجي هو آلية تدبيرية تسمح للجماعات الترابية باتخاذ مجموعة من القرارات والأنشطة التي تقودها إلى مستقبل أفضل، بحيث يكون الهدف منه مساعدتها على الإنجاز الجيد لاختصاصاتها، ويهدف التدبير الإستراتيجي الترابي إلى تحديد الأهداف وصياغة إستراتيجية شاملة وفق رؤية واضحة على المدى القصير والمتوسط والطويل. ويشكل بذلك مجهودا من طرف مختلف الجماعات العمومية لملائمة طرق إعداد وتنفيذ سياساتها الترابية من جهة، وتسيير المؤسسات من جهة ثانية للتحولات التي يشهدها وضعها الترابي[14].

فالمقاربة الإستراتجية تهدف إلى رصد نقط قوة الجماعة وكذا نقط ضعفها، وتحليل إطارها العام لتحديد الفرص والتهديدات المطروحة بغرض استباق الوضعيات. والتدبير الإستراتيجي الترابي يعتبر طريقة خاصة لإعداد وتنفيذ سياسة عمومية تأخذ بعين الإعتبار بشكل صريح بعدها الترابي، وتسعى إلى تحقيق غايتين:

تنمية مستقلة ومبدعة لهدف مشترك، وهذا ما يسمى بالإنتاج الترابي.

الرفع من هامش التصرف التنظيمي للجماعات العمومية بفضل الأخذ بعين الإعتبار لخصوصية الإنتاج الترابي[15].

ويشمل التدبير الإستراتيجي الترابي مجموعة من الوسائل والأدوات، وهو بذلك يأخذ بعين الإعتبار أولا وقبل كل شيء، أن وضع وتنفيذ المشاريع والبرامج أو السياسات العمومية يمارس دائما تأثيرا ترابيا على:

المجالات الترابية بالتأثير على التوزيع المادي الأنشطة في منطقة معينة.

الترابية وذلك بالتأثير على إمكانيات العلاقات بين الفاعلين في جماعة ترابية ما[16].

إن غاية كل جماعة ترابية هو خدمة مجالها التربي وتنميته، وأي نشاط يجب أن ينصب على تحقيق هذا الهدف، وهذا لن يتحقق إلا بتوافر رؤيا إستراتيجية مبنية على مقاربة تسمح باستشراف المستقبل[17]، وهنا تكون الأهداف والغايات الكبرى موضوع نقاش واسع وحوار مستمر بين كافة المتدخلين، يتكلمون لغة مفتوحة و مسؤولة في جميع المواقف والحالات، ولذلك يسعى بالذات للمحافظة على التناسق بين الفاعلين والأنشطة المتعددة، وإلى المساهمة في تعددية أبعاد الإنتاج الترابي وديمومتها[18].

وبهذا فاشتغال الجماعات الترابية وفق منطق استراتيجي يحدد الأهداف والغايات الأساسية واختيار خطة ومنهجية العمل وتخصيص الموارد اللازمة لتحقيق تلك الغايات، سيمكنها من توجيه عملها وتنظيم تدخلها وترشيد نفقاتها، وبالتالي فهو ضمان إلى أبعد حد لمبادئ التنظيم (تنظيم الأنشطة وفق جدولة زمنية وفي حدود الإمكانات المتوفرة أو المرتقب تحصيلها)، والالتزام (التزام الجماعة وباقي شركائها بمقتضيات الإستراتيجية تحت طائلة المحاسبة) والتقييم الذي يفرض توافر مؤشرات تمكن من متابعة درجة الإنجاز[19].

فالتخطيط الإستراتيجي عمليا يساعد الجماعات الترابية على قيادة اندماجها في المحيط الأكثر اتساعا الذي تشكل جزء منه، مع الأخذ بعين الإعتبار في نفس الوقت خصوصياتها المحلية (عوامل القرب، خصوصيات و إختلالات اجتماعية واقتصادية، اجتماعية وثقافية واجتماعية سياسية).

إن التخطيط كمنهج هو الأداة الفعلية للترشيد و عقلنة الاختيارات التنموية، ويعد إحدى القنوات الرئيسية والهامة التي من شأنها أن تؤهل الجماعات لتصبح قطبا اقتصاديا وقاطرة للتنمية الشاملة، كما يعتبر أيضا أسلوبا في التفكير والتدبير وتنظيم التصرفات والتوفيق بين الموارد والحاجيات[20]. وهو يعبر عن منظومة متكاملة من عمليات التشخيص وتحديد الحاجيات الفعلية والملائمة لوضعية الجماعة، وتحديد الأهداف الإستراتيجية والخطط العلمية المجزأة والقابلة للتنفيذ على مدى السنوات المالية أو مراحل تنفيذ الميزانية، على أن تتضمن مختلف الأنشطة التدبيرية والعمليات المالية المرتبطة بهذه الأهداف.

و يعد التخطيط الإستراتيجي آلية تساعد على تعزيز القدرات الترابية في تدبير التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو بهذا يعد عنصر مهم لضمان عقلنة تدبير الشأن العام الترابي، وتطوير القدرات التنموية للجماعات الترابية، بالإضافة إلى كونه أداة مناسبة لتعزيز مسار الديمقراطية الترابية التي تقوم على قيم التشارك والتعاون في تحقيق تنمية ذات طبيعة شمولية[21].

وقد نصت المادة 78 من القانون التنظيمي 113.14[22] المتعلق بالجماعات الترابية على ما يلي: ” تضع الجماعة وتحت إشراف رئيس مجلسها برنامج عمل الجماعة، وتعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه”. ويتم إعداد برنامج عمل الجماعة خلال السنة الأولى من مدة انتداب المجلس على أبعد تقدير، بانسجام مع توجيهات برنامج التنمية الجهوية وفق منهج تشاركي، وبتنسيق مع عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه، باعتباره مكلفا بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية. ويتضمن برنامج عمل الجماعة تشخيصا لحاجيات وإمكانات الجماعة الترابية حسب الأولوية والأهمية، مع تقدير وتقييم لموارد ونفقات الجماعة التقديرية خلال السنوات الثلاث الأولى مع الأخذ بعين الاعتبار بمقاربة النوع.

وعلى هذا الأساس يعتبر إنعاش الإقتصاد الترابي وتحسين المؤهلات الترابية وتأهيل البنيات التحتية من أهم المجالات التي يشملها التخطيط الإستراتيجي على مستوى الهيئات اللامركزية، كما أن التنمية المجالية تقوم على تنزيل المخططات الكبرى إلى برامج عملية ذات مدى محدد وأجل قصير يلائم في العادة الإطار السنوي و التدبيري للميزانية الترابية، والذي يترجم عبر تصاميم ومشروعات ذات مضامين عملية وتقنية[23].

إن الهدف من التخطيط الإستراتيجي هو تدبير الشأن العام المحلي، وذلك بتطوير الجماعات الترابية ومنحها اختصاصات واسعة، وجعلها تتحمل مسؤوليات جسيمة من أجل الارتقاء بالتدبير الترابي وترسيخ الحكامة الجيدة.

الفقرة الثانية: الشفافية والمحاسبة كمبدأ للحكامة المالية الترابية

تضمن الدستور المغربي مجموعة من المقتضيات التي تفرض على الجماعات الترابية إشراك المواطنين والمواطنات في مختلف القرارات التي تعنيهم، مع العمل على تأمين هذه المشاركة بمختلف الضمانات المادية والشكلية والموضوعية، والتي بها تتحقق الشفافية بشكل عام.

يعد مفهوم الشفافية من المصطلحات الحديثة في القاموس الاصطلاحي العربي، وتعني توفر المعلومات والمعطيات في وقتها، ومتاحة للجميع، مما يساعد على اتخاذ القرارات الصائبة.

كما نص الفصل 27 من الدستور المغربي وبالتحديد في فقرته الأولى على أن ” للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”، فهذا الحق يعزز من مبدأ الشفافية ويسمح بالإطلاع والحصول على المعلومات والمعطيات المتوفرة لدى الإدارة.

وأكدت كذلك الوثيقة الدستورية في الباب الثاني عشر منه وخصوصا الفقرة الثانية من الفصل 154 على أن المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور[24].

أما بالنسبة للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، فتعكس بعض الجهود الرامية إلى تطبيق هذا المبدأ، حيث تنص على أن الميزانية تعرض مرفقة بالوثائق الضرورية لدراستها على اللجنة المختصة في أجل عشرة أيام (10) على الأقل، قبل تاريخ افتتاح الدورة المتعلقة بالمصادقة على الميزانية من طرف المجلس، وترهن كذلك مصادقة سلطة الوصاية على الميزانية بوجوب إرفاقها ببيان عن البرمجة الممتدة على ثلاث سنوات، وكذا قوائم تركيبية للوضعية المالية للجماعات الترابية ومجموعتها، إضافة إلى التأكيد على إيداع الميزانية بمقر الجماعات الترابية، خلال الخمسة عشر (15) يوما الموالية للمصادقة عليها، ووضعها رهن إشارة العموم بكل وسيلة من وسائل الإعلام[25].

وشفافية التدبير المالي، تقتضي أن تتم طرق إنجاز المعاملات ومراقبتها واضحة المعالم، تسمح بمعرفة جميع تفاصيلها[26]، وبالتالي فإن الدور الجديد الذي أصبحت تلعبه الجماعات الترابية في التنمية المحلية وتعاقدها مع شركاء جدد من القطاع الخاص، أصبح يفرض عليها ضرورة توفرها على حسابات شفافة ومترجمة بصدق لوضعيتها الحقيقية، فالمحاسبة العمومية أصبحت تكتسي مكانة هامة، خصوصا وأنها ترتبط بمجال المسؤولية، فالجماعات الترابية أصبحت من أهم المؤسسات التي تحظى بالدراسة في علم المنظمات، ومحاسبة هذه الأخيرة تتوخى التحكم في النفقات المحلية، وتحدد مختلف المساطر والخطوات الإجرائية لتدبير العمليات المالية العمومية المحلية، وعلى رأس هذه الأخيرة عمليات الإنفاق المحلي[27].

ويترتب عن تبني مبدأ الشفافية، تقاسم المعلومات والتصرف بطريقة مكشوفة، وتملك أنظمة واضحة لكيفية صنع القرار على الصعيد العام، فتقوم الشفافية على التدقيق الحر للمعلومات، وتوفيرها بشكل كاف للمعنيين ومساعدتهم على فهمها و مراقبتها[28].

كما أن مبدأ الشفافية في العمليات المالية لا يقتصر فقط على تدبير الجماعات، بل أيضا على مستوى تدبير المرافق العمومية التابعة لها، فقد نصت المادة 275 من القانون التنظيمي للجماعات على أنه ” يتعين على رئيس مجلس الجماعة وكذا الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون العام أو الخاص، والتي تقوم بتسيير مرفق عمومي تابع لإحدى الجماعات، أن تعمل على إعداد قوائم محاسبية ومالية تتعلق بتسييرها ووضعيتها المالية واطلاع العموم عليها، ويمكن نشر هذه القوائم بطريقة الكترونية، كما يتم نشر هذه القوائم في الجريدة الرسمية للجماعات الترابية[29]، مع ضرورة أن يتم تعلق هذه المقررات بمقر الجماعة المعنية في ظرف عشرة (10) أيام، كما يحق للمواطنات والمواطنين والجمعيات ومختلف الفاعلين أن يطلبوا الإطلاع على هذه المقررات بما في ذلك المالية منها، عملا بمبدأ الشفافية.

كما تأكد القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على خضوع العمليات المالية و المحاسباتية لتدقيق سنوي، والذي تبلغ نسخة منه لمجلس الجماعة الذي يمكن التداول في شأنه دون اتخاذ أي مقرر[30].

وأكد المشرع المغربي صراحة أن التدبير الجماعي تدبير حر يقتضي احترام مبدأ المحاسبة والمسؤولية، فربط المسؤولية بالمحاسبة، ويستوجب على المسؤولين عن تدبير الجماعة الترابية ممارسة الإختصاصات المحددة في القانون وفق أهداف مضبوطة ومرتبة حسب الأولويات، مع خضوعهم لتتبع وتقييم ارتباط المنجزات بالأهداف المرجوة، ومراعاة فعالية و نجاعة الموارد الموظفة، وتتبع انجازها والمحاسبة عن الإنجاز يظل صعبا أمام تعدد المتدخلين وتداخلهم، فلا يكفي تحديد الإختصاصات والمهام، بل لا بد من تحديد المسؤول عن ممارسة الاختصاص وبالتالي من سيحاسب[31].

ويعتبر مبدأ المساءلة والمحاسبة من أهم دعائم ومبادئ الحكامة الترابية، ذلك أن هذه الأخيرة تعمل على تكريس هذا المبدأ المحاسبة والمسؤولية عن سوء التدبير، بما في ذلك مخالفة قوانين التدبير المالي وعدم الفعالية والعشوائية في تنفيذ المشاريع، التلاعب في الصفقات العمومية، فمبدأ المسؤولية الشمولي يضم جميع الميادين، وهو ينطوي على بعدين بعد أخلاقي وبعد قانوني، لكن المراد بالمسؤولية هنا ليس المسؤولية الأخلاقية أو السياسية، بل تعني الإسراع بتقديم الحساب، بمعنى أن الرئيس أو العضو أو الموظف يقدم الحساب عن أعمال ويتحمل علانية نتائج المسؤولية[32].

إن ربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير الشأن الترابي و حكامته الجيدة فهي تقودنا إلى التعمق في مساطر التأديب وما تزخر به مضامين القوانين التنظيمية المذكورة في هذا الباب. فنص القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات كشأن القوانين التنظيمية الأخرى، قد تضمن عدة مقتضيات واضحة بخصوص عزل المنتخبين والتصريح ببطلان مداولات مجالس الجماعات الترابية وبإيقاف تنفيذها، إلى جانب باقي القرارات التي قد تشوبها عيوب قانونية أو مساس بمصداقية التنظيم اللامركزي الترابي

وعموما، فمرتكز المساءلة والمحاسبة في الشق المالي، شهد خلال الفترة الأخيرة، تجسيدا علميا، من خلال تعدد التقارير التي انتهت إليها مختلف الأجهزة الرقابية، لاسيما المجالس الجهوية للحسابات، بشأن طرق التدبير المالي للجماعات الترابية، والتي فتحت في بعضها المتابعة القضائية، وهو مؤشر على بداية أجرأة هذا المرتكز التدبيري، الذي ظل لسنوات خارج دائرة تتبع وتقييم تدبير الشأن العام الترابي[33].

خاتمة :

يعد عنصري مالية الجماعات الترابية و الموارد البشرية العمود الفقري للتدبير الترابي الجيد، بحيث تعتبر مالية الجماعات الترابية الأداة التي تستطيع بها هذه الأخيرة تدبير المشاريع و البرامج التنموية وفق برنامج الجماعة الترابية، معتمدة في ذلك على أسس الشفافية و المحاسباتية و التدقيق المالي باعتبارها آليات عمل التدقيق و المراقبة المالية و ضمان أقصى درجات الشفافية و المصداقية. كما أن العنصر البشري الذي يمثل الركيزة الثانية لقيام الجماعات الترابية بتدبير ترابي جيد و يضمن حكامة جيدة في إطار الديمقراطية التشاركية، بحيث أن عناصر الموظف و الناخب و المواطن تتداخل في التدبير الترابي كل من جهة، و لن يتم اعتماد التدبير الجيد غلا وفق مقاربة حقيقية بين الجميع و كل من موقعه، خاصة تجويد العلاقة بين الموظف و الناخب باعتبارهم يدخلان في علاقة يومية في التسيير و التدبير الجماعاتي.

لائـــحـــة المـــراجـــع

1- موقع وزارة الوظيفة العمومية، الدليل المرجعي للوظائف والكفاءات، 2016.

2- القانون التنظيمي رقم 113/14 المتعلق بالجماعات الترابية.

3- هدى سيد لطيف، الأسس العلمية للإدارة، الشركة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1995.

4- احمد بوسيدي، التدبير الحر للجماعات الترابية، مجلة المنبر القانوني عدد مزدوج، أبريل- أكتوبر 2012.

5- عبد القادر العلمي، في الثقافة السياسية الجديدة، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، كتاب الجبر، العدد 47، سنة 2005.

6- عبد اللطيف بروحو، مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 97، الطبعة الثانية، سنة 2016.

7- محمد الغالي _ رشدي لحسن، الحكامة المالية للجماعات الترابية، نموذج التدبير المرتكز على الميزانية التشاركية، المجلة المغربية للدراسات القانونية و الإقتصادية، مطبعة برانت، طريق الوازيس، الدار البيضاء، العدد الثالث، ابريل 2017.

8- عبد اللطيف بروحو، الرقابة على أنشطة الجماعات الترابية المحلية، مطبعة الأمنية، الرباط، سنة 2013.

9- محمد الغالي، الدليل الدستوري للمواطنة، منشورات منتدى المواطنة، سنة 2014.

10- مينة بنحميد، ربط المسؤولية بالمحاسبة في القانون التنظيمي رقم 113/14، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 137، نونبر- دجنبر 2017.

الأطاريح والرسائل :

1- أمال بلشقر، تدبير الجماعات الترابية للمشاريع التنموية بين إكراهات الواقع ومتطلبات التنمية الجهوية المندمجة، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية- جامعة محمد الخامس السويسي، 2014-2015.

2- الغالي ادريسي جناتي، الإدارة الإقتصادية الترابية بالمغرب- الواقع والآفاق محاولة تقييم عام، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام جامعة الحسن الثاني عين الشق، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية، الدار البيضاء، 2000-2001.

3- سناء حمر الراس، التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة، أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام والعلوم السياسية كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، جامعة محمد الخامس الرباط، 2016/2017.

4- منير الحجاجي، سياسة التخطيط الإستراتيجي للدولة والجماعات الترابية وإشكالية التنمية، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق شعبة القانون العام جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية ، سطات،2013- 204.

5- حليمة الهادف، التدبير العمومي المحلي وإشكالية التحديث، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة في القانون العام كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية محمد الخامس أكدال، الرباط، 2011/2012.

6- الإدريسي محمد، الإصلاح الإداري على ضوء ميثاق حسن التدبير، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية- أكدال- الرباط،2002/2003.

7- لطيفة نكير، التدقيق الداخلي ودوره في ترسيخ مبادئ الحكامة الترابية، رسالة لنيل الماستر في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية، سطات، 2015 /2016.

8- حنان بنعروم، التعاون اللامركزي ورهانات التنمية المحلية، رسالة لنيل دبلوم الماستر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عبد المالك السعدي- طنجة، سنة 2007/2008.

9- نور الدين السعداني، الجماعات الترابية بالمغرب بين توسيع الإختصاصات التدبيرية و إكراهات الإستقلالية المالية، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية محمد الخامس أكدال، الرباط، 2014/2015.

الهوامش:

  1. – موقع وزارة الوظيفة العمومية، الدليل المرجعي للوظائف والكفاءات، 2016
  2. – الإدريسي محمد، الإصلاح الإداري على ضوء ميثاق حسن التدبير، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية- أكدال- الرباط،2002/2003، ص 108.
  3. – الإدريسي محمد، الإصلاح الإداري على ضوء ميثاق حسن التدبير، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية- أكدال- الرباط،2002/2003، ص 109.
  4. – الإدريسي محمد، الإصلاح الإداري على ضوء ميثاق حسن التدبير، نفس المرجع السابق ، ص 109.
  5. – الإدريسي محمد، الإصلاح الإداري على ضوء ميثاق حسن التدبير، نفس المرجع السابق، ص 109.
  6. – هدى سيد لطيف، الأسس العلمية للإدارة، الشركة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1995، ص 17-18.
  7. – الإدريسي محمد، الإصلاح الإداري على ضوء ميثاق حسن التدبير، نفس المرجع السابق، ص 112.
  8. – حليمة الهادف، التدبير العمومي المحلي وإشكالية التحديث، أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية محمد الخامس – أكدال، الرباط 2011/2012، ص 421.
  9. – حليمة الهادف، التدبير العمومي المحلي وإشكالية التحديث، مرجع سابق، ص 423.
  10. – حنان بنعروم، التعاون اللامركزي ورهانات التنمية المحلية، رسالة لنيل دبلوم الماستر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، 2007/2008، ص 146.
  11. – احمد بوسيدي، التدبير الحر للجماعات الترابية، مجلة المنبر القانوني عدد مزدوج، أبريل- أكتوبر 2012، ص 210.
  12. – عبد القادر العلمي، في الثقافة السياسية الجديدة، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، كتاب الجبر، العدد 47، سنة 2005، ص 25.
  13. – منير الحجاجي، سياسة التخطيط الإستراتيجي للدولة والجماعات الترابية وإشكالية التنمية، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق شعبة القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية ، سطات،2013- 204، ص 37.
  14. – أمال بلشقر، تدبير الجماعات الترابية للمشاريع التنموية بين إكراهات الواقع ومتطلبات التنمية الجهوية المندمجة، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، السويسي، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية، 2014-2015 ص 293.
  15. – أمال بلشقر ، المرجع السابق، ص 293.
  16. – الغالي ادريسي جناتي، الإدارة الإقتصادية الترابية بالمغرب – الواقع والآفاق محاولة تقييم عام، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية، الدار البيضاء، 2000-2001، ص 925.
  17. – أمال بلشقر، مرجع سابق، ص 293.
  18. – الغالي ادريسي جناتي، الإدارة الإقتصادية الترابية بالمغرب- الواقع والآفاق محاولة تقييم عام، مرجع سابق، ص 931.
  19. – أمال بلشقر، المرجع السابق، ص 294.
  20. – سناء حمر الراس، التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة، أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام والعلوم السياسية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، جامعة محمد الخامس الرباط، 2016/2017، ص 178.
  21. – سناء حمر الراس، التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة، مرجع سابق، ص 179.
  22. – المادة 78 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية.
  23. – عبد اللطيف بروحو، مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 97، الطبعة الثانية، سنة 2016، ص 417.
  24. – محمد الغالي ورشدي لحسن، الحكامة المالية للجماعات الترابية، نموذج التدبير المرتكز على الميزانية التشاركية، المجلة المغربية للدراسات القانونية و الإقتصادية، مطبعة برانت، طريق الوازيس، الدار البيضاء، عدد 3 ،ابريل 2017، ص 10.
  25. – سناء حمر الراس، التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة، مرجع سابق، ص 189.
  26. – عبد اللطيف بروحو، الرقابة على أنشطة الجماعات الترابية المحلية، مطبعة الأمنية، الرباط ، سنة 2013، ص 10.
  27. – نور الدين السعداني، الجماعات الترابية بالمغرب بين توسيع الإختصاصات التدبيرية و إكراهات الإستقلالية المالية مرجع سابق، ص 129.
  28. – محمد الغالي، الدليل الدستوري للمواطنة، منشورات منتدى المواطنة، سنة 2014، ص 64.
  29. – محمد الغالي، رشدي لحسن، الحكامة المالية للجماعات الترابية: نموذج التدبير المرتكز على الميزانية التشاركية، مرجع السابق ، ص: 12
  30. – سناء حمر الراس، التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة، مرجع سابق، ص 190.
  31. – مينة بنحميد، ربط المسؤولية بالمحاسبة في القانون التنظيمي رقم 113.14، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 137 ، نونبر- دجنبر 2017، ص 197.
  32. – لطيفة نكير، التدقيق الداخلي ودوره في ترسيخ مبادئ الحكامة الترابية، رسالة لنيل الماستر في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية ، سطات، 2015 /2016 ، ص 73.
  33. – سناء حمر الراس، التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة، مرجع سابق، ص 193.