أهمية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في الجهاز الحكومي وسبل التغلب على معيقات سوء التخطيط

محمد راشد الشحي1

1 كليه العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط / أكدال

HNSJ, 2023, 4(3); https://doi.org/10.53796/hnsj4338

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/03/2023م تاريخ القبول: 21/02/2023م

المستخلص

يعتبر التخطيط الاستراتيجي أهم عملية إدارية داخل إدارة الموارد البشرية، كونه مرتبط باتخاذ القرارات، و بما سوف يتم عمله في المستقبل للظواهر والظروف التي من المفترض أن تحدث، ومعرفة الطرق لكيفية التعامل معها والقيام بحلها وهذا من خلال الأخذ بعين الاعتبار دراسة البيئية لإدارة الموارد البشرية الداخلية والخارجية للمنظمة وتحليلها ليتم تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة، وهي عملية تخطيط بناء وتجهيز وتنفيذ ولها مراحل وإجراءات تضمن تنفيذها بكفاءة.

يهدف هذا البحث الى دراسة أهمية التخطيط الاستراتيجي ودوره في الجهات الحكومية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وسبل التغلب على معيقات سوأ التخطيط.

تقديم:

تحتل اليوم إدارة الموارد البشرية وتطبيقاتها وممارساتها المختلفة مركز الصدارة، وشغلت الكثير من المفكرين والممارسين، باعتبار ارتباطها وعلاقتها المباشرة بالعنصر البشري، الذي يمثل أثمن مورد لتحقيق أهدافها وتعزيز فاعليتها وقدرتها. لذلك تأتي أهمية إدارة الموارد البشرية من أهمية المورد البشري، والذي يعتبر غاية التنمية ووسيلتها والضامن لتحقيق أهدافها بكفاءة، فهو الطاقات الخلاقة والقدرات الإبداعية، التي تكتشف الموارد الطبيعية وتستثمرها وكذا الإمكانات المتاحة في المنظمات أو الجهات الحكومية بمختلف أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية وحتى المرتبطة بالجوانب السياسية والاعمال الإنسانية وغيرها،

ويعتبر التخطيط الاستراتيجي أهم عملية إدارية داخل إدارة الموارد البشرية، كونه مرتبط باتخاذ القرارات، و بما سوف يتم عمله في المستقبل للظواهر والظروف التي من المفترض أن تحدث، ومعرفة الطرق لكيفية التعامل معها والقيام بحلها وهذا من خلال الأخذ بعين الاعتبار دراسة البيئية لإدارة الموارد البشرية الداخلية والخارجية للمنظمة وتحليلها ليتم تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة، وهي عملية تخطيط بناء وتجهيز وتنفيذ ولها مراحل وإجراءات تضمن تنفيذها بكفاءة.

وبناء، على ما سبق يمكن صياغة الإشكالية للموضوع حول أهمية التخطيط الاستراتيجي في الجهات الحكومية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وسبل التغلب على معيقات سوأ التخطيط؟ وسيتم معالجة هذه الإشكالية من حلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: التخطيط الاستراتيجي بين الغاية منه والجهة المسؤولة عن تدبيره

المطلب الثاني: المطلب الثاني: خطوات التخطيط الاستراتيجي ومشكلات سوأ التخطيط

المطلب الأول: التخطيط الاستراتيجي بين الغاية منه والجهة المسؤولة عن تدبيره

يغلب على أداء مهام إدارة الموارد البشرية التجزؤ والانفصالية، فليست هناك نظم متكاملة لتحقيق الترابط بين مختلف المهام لتعظيم العائد منها، ومن أبرز الأمثلة عدم العناية بتحليل نتائج كفاءة الأداء، والاستناد اليها كأساس لتقييم كفاءة وفعالية الاستقطاب والاختيار، أو الاعتماد عليها بطريقة منظمة لتحديد الاحتياجات المطلوبة لها وكذا الاحتياجات التدريبية وغيرها من مهام إدارة الموارد البشرية.

كما تفتقد إدارات الموارد البشرية الرؤية المستقبلية للاحتياجات الحكومية للوظائف ومن ثم تنحصر أعمال التخطيط في استيفاء الاحتياجات العاجلة خلال فترة الموازنة السنوية، ويندر أن توجد منظمات أعمال عربية وجهات حكومية لديها تصور واضح ومدروس عن هيكل الموارد البشرية في فترات مستقبلية، خمس او عشر سنوات قادمة مثلا.

ولاتزال إدارة الموارد البشرية في منظمات الأعمال العربية سواء الخاصة أو المؤسسات والجهات العمومية في المتوسط تعتمد أساليب تقليدية، في الاحتفاظ بسجلات وبيانات العاملين، وفي حالات قليلة تتوافر نظم معلومات شاملة وحديثة للموارد البشرية، تعتمد على تقنية المعلومات والحاسب الالي بالمعنى التقني.

كما أختلف المتخصصين بين من يقوم بالتخطيط الاستراتيجي والالمام بكل جوانبه لتحقيق الغرض منه فمنهم من راى أن إدارة الموارد البشرية هي الجهة المسؤولة دون غيرها، ومنهم من رأى أن هناك دور غير مباشر للإدارات الأخرى في الجهة الحكومية أو المنظمة كون الأمر يتعلق بشغل الوظائف التابعة لها وهي المسؤولة عن تنفيذ مهامها وتقييم إنجازاتها.

الفرع الأولى: مداخل تخطيط الموارد البشرية الاستراتيجي

يقصد بالمدخل هنا: الاتجاه الذي ستسير فيه عملية التنبؤ باحتياجات المنظمة المستقبلية من الموارد البشرية، ومن ثم تقديرها وتحديدها. وفي هذا المجال هناك مدخلين معروفين هما[1]:

الاتجاه الأول: التنبؤ والتخطيط من الأسفل للأعلى:

ويصطلح عليه BOTTOM UP FOR CASTTING AND PLANNING، وبموجبه تطلب إدارة الموارد البشرية من الإدارات في المنظمة، أن تقدر حجم أعمالها المطلوبة (وفق توجهات استراتيجية المنظمة) وامکانات قوة العمل لديها، بدءا من قاعدة الهرم التنظيمي، باتجاه المستويات الإدارية الأعلى.

الاتجاه الثاني: التنبؤ والتخطيط من الأعلى للأسفل

ويصطلح عليه TOP DOWN FOR CASTING AND PLANNING، وبموجبه تقوم الإدارة العليا، برسم وتحديد الأعمال المطلوبة في كل وحدة إدارية عليا، وتنقله للمستويات الأدنى من أجل تفصيله وتقدير إمكاناتها البشرية لأداء حجم هذه الأعمال.

ويفضل المدخل الثاني، ذلك لأن المستوى الأعلى أكثر خبرة ونضجا فيما يتعلق بتصورات استراتيجية المنظمة ومتطلباتها، فتكون عملية البداية من الأعلى، أكثر صوابا ودقة ومقاربة، فيما إذا كانت في القاعدة أو الأسفل.

وهناك من يعتمد مداخل تخطيط الموارد البشرية من حيث التخطيط الجزئي والتخطيط الشامل[2]:

  1. المدخل الجزئي: يركز على مجموعة من الوظائف أو التخصصات، ويمتاز بسرعة الحصول على النتائج الأولية واختيارها، ومن ثم إمكانية تعميم الفكرة تدريجيا على بقية التخصصات، ويمكن أن يركز هذا المدخل على المهن الحرجة مثل: المهندسين والأطباء، التي يكون الطلب عليها أكثر من العرض.
  2. المدخل الشامل: يشمل التخطيط لكل المهن ولكل العاملين في قطاع أو منظمة أو في دولة بأكملها، ويساعد على اجراء تعديلات جوهرية، تساعد على إنشاء نظام متناسق ومتماسك، يهيئ الطريق، لتحقيق كفاءة النظام الاداري بأكمله، إلا أنه يميل للتعقيد نتيجة التنوع الكبير في التخصصات الناتجة عن تقسيم العمل، وأنه يكلف نفقات باهظة، ويستغرق وقتا طويلا قبل أن تظهر آثاره ونتائجه، مما يجعل بعض المسؤولين يحجمون عن تنفيذه.

ويمكن الجمع بين هذه المداخل جميعها، وذلك من خلال إتاحة الفرصة لمستويات الوظائف من الادنى فالأعلى، يضعوا تصوراتهم وأفكارهم المتولدة والمستنتجة من الميدان وعن قرب، وترفع إلى المستويات الأعلى (الوظائف الأعلى) لدراستها وتقييمها وصبغها بالبعد التحليلي والتخطيطي، وعكسها بصورة استراتيجية عامة وشاملة، تنفذ من قبل المستويات الأدنى الذين سبق وأن شاركوا فيها.

ويمكن اعتماد المدخل الجزئي بالتركيز على المهن والتخصصات الحرجة، ومن ثم الانتقال بالتخطيط على مستوى المهن بأكملها بصورة شاملة، في ضوء دراسة المتغيرات والمعطيات من جوانبها المادية والبشرية ومستوى المنافسة في السوق.

الفرع الثاني: مسؤولية التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية

يرى بعض فقهاء الإدارة[3] أن مسؤولية تخطيط الموارد البشرية لا تقع على إدارتها فحسب، بل هي مسؤولية مشتركة بين إدارة الموارد البشرية وجميع الإدارات بالمنظمة، وهي مقسومة إلى شقين:

الشق الأول: مسؤولية مباشرة

تقع على عاتق إدارة الموارد البشرية، التي تقوم بجمع البيانات والمعلومات، عن حجم العمل في مختلف إدارات ووظائف المنظمة، وقوة العمل وإمكانات الموارد البشرية التي ستكون متاحة لديها في المستقبل، وإجراء المقارنات بينهما لتحديد فيما إذا كان هناك فائض أو نقص، والعمل على معالجته وتحقيق التوازن بين حجم العمل وقوة العمل، ومن ثم الخروج بخطة استراتيجية، تحدد احتياجات المنظمة من الموارد البشرية، ولا تقتصر مسؤولية إدارة الموارد البشرية على هذا الحد، بل تمتد لتشمل تقييم خطة الموارد البشرية، لتحديد مدى فاعليتها بعد التنفيذ، وتحديد الثغرات فيها للعمل على تلافيها.

الشق الثاني: مسؤولية غير مباشرة

تقع على عاتق جميع المديرين والرؤساء في المنظمة، والذين يقومون بدورهم بتزويد إدارية الموارد البشرية بالمعلومات الكافية عن حجم العمل لديهم، وإمكانات الموارد المتاحة في وحداتهم التنظيمية، والتي على أساسها تضع إدارة الموارد البشرية خطتها المستقبلية للموارد البشرية وتوفير الموارد اللازمة للمنظمة مستقبلا.

في ضوء هذا الرأي تكون مسؤولية التحليل الموارد البشرية هي مسؤولية مشتركة بين إدارة الموارد البشرية والمدراء والرؤساء في المنظمة، إلا أن دور إدارة الموارد البشرية في هذه الحالة هو الأبرز، باعتبار أنها التي تعد الخطة النهائية للموارد البشرية بالاستئناس ببيانات ومعلومات الرؤساء والمدراء في المنظمة أو الجهة الحكومية.

المطلب الثاني: خطوات التخطيط الاستراتيجي ومشكلات سوأ التخطيط

تتعدد الاتجاهات حول خطوات تخطيط الموارد البشرية، ومن هذه الاتجاهات أن عملية التخطيط، تمر على أربع مراحل أو خطوات، يمكن تناولها بعض التفصيل عنها في (الفرع الأول)، ودراسة مشكلات وواقع عدم الالتزام أو غياب التخطيط الاستراتيجي ضمن مهام إدارة الموارد البشرية في (الفرع الثاني).

الفرع الأول: خطوات تخطيط الموارد البشرية

أولا: تحديد الأهداف التنظيمية Setting organizational goals:

من البديهي أنه قبل الشروع في تخطيط الموارد البشرية، يجب أن تكون هناك خطة عامة للمنظمة تترجم فيها الاهداف الحالية والمستقبلية (الرئيسية والفرعية)، باعتبار أن القاعدة الجوهرية هي أن يتم وضع خطة الموارد البشرية، على أساس الاستراتيجية الشاملة للمنظمة[4]، ومن ثم ترجمة هذه الأهداف إلى دورة كمية، سواء في شكل تفادي، أو في شكل وحدات من المنتجات والخدمات.

وبطبيعة الحال لا بد من معرفة نوع الخطة (طويلة، متوسطة، قصيرة)، لغرض التنبؤ ومعرفة معامل الثبات أو النمو والانكماش، في ضوء التغيرات التكنولوجية والتطورات والأساليب المستحدثة، والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والقانونية في سوق العمل.[5]

ثانيا: مرحلة البحث والاستقصاء:

مرحلة البحث والاستقصاء تتطلب معرفة الوضع الحالي للموارد البشرية، وتقديرات المستقبل، والاحاطة بالظروف الخارجية. حيث تقوم إدارة الموارد البشرية، بدراسة وتحليل الظروف الداخلية للموارد البشرية في المنظمة، من حيث أعدادهم، مؤهلاتهم العلمية، وخبراتهم العملية، وكفاء هم (مستوى أدائهم)، أعمارهم”، مدة خدمتهم، احتمالات ترقيتهم، معدل دورات العمل والغياب، المتوقع احالتهم للتقاعد، حالتهم الاجتماعية… الخ، وتقييم مدى تناسبهم مع الوظائف والانشطة الحالية، ومدى إمكانية التوسع في الأنشطة، والتطور في الأداء مستقبلا (أي تحديد وتحليل نقاط القوة والضعف restructuring).

وكذلك تقييم البيئة الخارجية، من حيث مدى توفر الموارد البشرية المناسبة من خارج المنظمة وامكانية استقطابها في الزمان والمكان المناسبين، ومستوى المنافسة لجذب واستقطاب الكفاءات (الفرص والتهديدات).

وتتطلب مرحلة البحث والاستقصاء، الدراسية الدقيقة والشاملة لجميع الوظائف والتقسيمات التنظيمية داخل المنظمة، وتحديد الصلاحيات والمسئوليات المناطة بالأقسام والإدارات والوظائف المختلفة، وطريقة وأسلوب القيام بهذه الوظائف، من حيث المركزية واللامركزية، والثقافة المؤسسية السائدة، وغيرها من الجوانب التنظيمية.

ويتطلب لعملية البحث والاستقصاء، بيانات ومعلومات مختلفة عن المنظمة ومواردها البشرية، يمكن تصنيفها كالتالي على سبيل المثال:

  • بيانات بالموظفين الحاليين المستوعبين خلال فترات سابقة، للتعرف على تطور خصائصهم، من حيث الكم والكيف؟
  • بيانات بالموظفين حسب نوعية وظائفهم وتخصصاتهم؛
  • بيانات بالموظفين حسب التقسيمات التنظيمية للوظائف (قطاعات، إدارات، اقسام، فروع أخرى) للتعرف على مدى توازن العمالة فيها؛
  • بيانات بالموظفين حسب النوع، السن، التأهيل العلمي؛
  • بيانات بالمتغيرات المتوقعة على أساليب وطرق العمل وحجم النشاط وغيرها (كإضافة أو الغاء أنشطة أو تقنيات وأساليب تتطلبها المرحلة)؛
  • بيانات عن سوق العمل: يمثل سوق العمل المصدر الذي تحصل منه المنظمة على احتياجاتها من الموارد البشرية، وتؤثر ظروف العرض والطلب في السوق؛
  • بيانات عن سياسة العمالة على مستوى الدولة، يقصد بها مجموعة التشريعات والقوانين التي تسنها الدولة لتنظيم استخدام أو تشغيل الأيدي العاملة.
  • بيانات عن سياسة التعليم والتكوين على مستوى الدولة: السياسات التعليمية التي تتبعها الدولة وتنفذها الهيئات والمؤسسات التعليمية المختلفة، لها تأثير قوي على المعروض من العمالة في سوق العمل، من حيث نوع التخصص والعدد المتاح.

ثالثا: مرحلة تحديد الاحتياجات من الموارد البشرية

تحديد عدد ونوع الكفاءات المطلوبة، لكل عمل من أعمال ووظائف المنظمة، وفي هذه المرحلة يتم معرفة مدى وجود فقدان في التوزان، بين احتياجات المنظمة من الموارد البشرية (الطلب) وما سوف يكون متاحة منها (العرض). ويعتمد في تحديد الاحتياجات على بعض الأساليب غير الكمية والأساليب الكمية.

والأساليب غير الكمية أو الحكمية، تكون مبنية على الخبرة والتبصر الشخصي للأفراد المؤهلين، مثل الرؤساء أو المديرين، الذين يكون لديهم خبرة طويلة وعميقة في مجال أعمالهم التي يمارسونها، وكذلك متخصصي إدارة الموارد البشرية.

ومن أشهر الأساليب غير الكمية للتنبؤ باحتياجات الموارد البشرية، هو اسلوب (دلفي[6] Delphi method)، وهي طريقة تقنية للتنبؤ بصورة منهجية وتفاعلية. “وفي هذا الأسلوب، يتم تحديد مجموعة من الخبراء المتخصصين من داخل المنظمة أو من خارجها، للاتفاق فيما بينهم، بشأن تقديرات القوى العاملة، ونجاح أسلوب دلفي، يكمن في نوعية الخبراء الذين تم اختيارهم، فالمطلوب هو الحصول على أراء تقوم على المعرفة والخبرة، وليس مجرد تجميع آراء”.[7]

أما الأساليب الكمية في تحديد الاحتياجات من الموارد البشرية فهي متعددة: وتعتمد على مؤشرات تنبؤية ومنها[8]:

  • تحليل الاتجاهات Trend Projection ويطلق عليها أيضا (طريقة اسقاط الاتجاهات والسلاسل الزمنية): أي دراسة تطور أعداد العاملين بالمنظمة، خلال سنوات سابقة، للاعتماد عليها في التنبؤ بالأعداد المطلوبة، خلال السنوات القادمة.
  • طريقة تحليل عبء العمل Work Load Analysis وتتم بعدة صور وأساليب منها:
  • تحليل النسبة: وهو أسلوب للتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية من العمالة، خلال استخدام النسب بين حجم المبيعات، او حجم الإنتاج، وعدد الموظفين المطلوبين.
  • الانتشار الخطي أو معامل الارتباط: هو أسلوب يستخدم للمساعدة في تحديد العلاقة بين متغيرين، أحدهما يعكس النشاط، والآخر يمثل معدلات التوظيف، فإذا أمكن التنبؤ بحجم النشاط، يمكن لك التنبؤ بالاحتياج من القوى العاملة، فمثلا: إذا كان حجم الإنتاج المخطط له = 2000 وحدة في الشهر، ومعدل انتاجية العامل = 1000 وحدة في الشهر، فإن عدد القوى العاملة اللازمة هو 1000/2000 = 2 عامل.
  • مخزون المهارات Skill Inventory: هو عبارة عن سجلات يدوية أو من خلال الحاسب الآلي، وتستعرض المستوى التعليمي للموظفين، مسارهم واهتماماتهم، اللغات، المهارات الخاصة وغيرها من البيانات، من أجل الاعتماد عليها في التنبؤ بالمرشحين من الداخل لعملية الترقية.
  • التنبؤ من خلال الاعتماد على الحاسبات الآلية: هو تحديد الاحتياجات المستقبلية من الموظفين، من خلال التعرف على مبيعات المنظمة، ومقدار الانتاج والعمالة المطلوبية، للمحافظة على هذا الحجم من المخرجات، باستخدام الحاسبات الالية، ومجموعة السوفت وير.

وفي كل الأحوال فإن تطبيق هذه الأساليب للتنبؤ بأعداد ونوعيات العاملين المطلوبة والتي ستكون متوفرة بمقابلة حاجة معينة لا تصلح والمتوسط، ذلك لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار العوامل التالية:

  • التغيرات التكنولوجية المحتملة ومدی استخدام الآلات والمعدات المتطورة وإحلالها بدل القوى العاملة.
  • مدى التغير في إنتاجية القوى العاملة من خلال السنوات القادمة – الأعمال والمهارات المستجدة في المنظمات على ضوء التطورات والاختراعات في سوق العمل – إحداث تغييرات أساسية في السياسات والإجراءات الخاصة بشؤون القوى العاملة ، لكن رغم ذلك تبقى هذه الأساليب كأدوات قيمة بالنسبة للقائمين بالتخطيط على مستوى المنظمة بطريقة رشيدة .[9]

رابعا: مرحلة الخطة التنفيذية المقترحة للموارد البشرية Implementing the proposed human ressources plan

في هذه المرحلة يتم تحويل التنبؤات إلى سياسات تكفل مواجهة التوقعات المستقبلية، فإذا تبين من المرحلة السابقة، توقع تجري بعض التخصصات من الموارد البشرية، عندئذ يكون العمل على إحداث توازن بين العرض والطلب من الموارد البشرية، كأن يتم وضع سياسات الاستقطاب واختبار كفاءات مناسبة تتطلبها المرحلة، ووضع سياسات وبرامج تقييم الأداء الوظيفي، والتدريب والتطوير الموظفين الجدد والحاليين، وتخطيط المسار الوظيفي، من ترقيات ونقل وأجور ومرتبات وحوافز وغيرها.

أما إذا أسفرت مرحلة تحديد الاحتياجات من الموارد البشرية، عن توقع فائض في بعض التخصصات والنوعيات من العاملين، فإن الوضع يقتضي تقرير السياسات المناسبة، لمعالجة هذا الفائض، إما بإلحاق العمالة غير الماهرة، ببرامج التدريب والتطوير لإعادة تأهيلها، أو إعادة توزيعها على مواقع العمل المناسبة لقدرات وإمكانات هذه الموارد، أو بالإحالة المبكرة على التقاعد، أو الاستغناء المؤقت أو الاستغناء النهائي، أو أي سياسات ملائمة ترتئيها الإدارة (في ضوء التشريعات المنظمة)[10].

ومن خلال جميع المعطيات المتعلقة بتخطيط الموارد البشرية، فإنها تعد من الأدوات الحديثة التي تستخدمها المنظمة، من أجل التحكم في المستقبل، وتمارسه على مستوى وظيفة إدارة الموارد البشرية، حيث تقوم هذه الأخيرة بترجمة الاستراتيجيات والأهداف المستقبلة للمنظمة إلى استراتيجيات خاصة بها، وبتقدير التطورات لاتي يمكن أن تطرأ على وضعها الحالي من الموارد البشرية يستنتج الفارق وتقترح بعد ذلك الإجراءات اللازمة، لتحقيق تلك الاستراتيجية. ومن ثم فإن عملية تحديد الموارد البشرية في أي منظمة لا تعني بالضرورة، استيعاب موارد بشرية جديدة، بل قد تكشف الدراسة والتحليل، أن هناك فائض في العمالة أي أن التخطيط بمعناه السليم والدقيق، يعني التوازن بين حجم الكم والكيف. وينبغي اتباع المنهج العلمي والمهني في تخطيط الموارد البشرية، وذلك للوصول إلى مستوى أداء وإنتاجية عالية، وفي ذات الوقت التقليل من تضخم الجهاز الوظيفي. ويتطلب أيضا تحقيق الموائمة بين مخرجات التعليم والتدريب المختلفة، ومتطلبات سوق العمل.

الفرع الثاني: المشكلات التي تنشأ من غياب أو سوء تخطيط الموارد البشرية

تخطيط الموارد البشرية يعتبر مكمل لاستراتيجية المنظمة بصفة عامة، ومن ثم فإن غياب أو سوء تخطيط الموارد البشرية ينجم عنه عدد من المشاكلات والصعوبات ومنها:

  1. -سوء توزيع العمالة أي وجود فائض في بعض الإدارات، وعجز في بعض الإدارات الأخرى:
  2. انخفاض في الطاقة الانتاجية[11] في حال وجود نقص في العمالة
  3. ارتفاع تكلفة العمالة في حال وجود فائض منها
  4. اضطراب في عمليات التوصيل والتدريب وغيرها؛
  5. اضطراب في الاداء نتيجة التغيرات المفاجئة في العمالة كالاستقالة والنقل والوفاة
  6. عدم التوافق بين الاحتياجات من العمالة وما هو موجودا سواء من حيث الكم أو من حيث النوع.

ومن مشكلات تخطيط الموارد البشرية أيضا ما يلي[12]:

  • انعدام أو نقص دقة البيانات الإحصائية التي تشكل الركن الأساسي للتخطيط
  • عدم التنسيق بين جهود الوحدات الإدارية المعنية بتخطيط القوى العاملة (الموارد البشرية)
  • عدم توافر الخبرات المناسبة التي تمتلك التدريب، والمعرفة الكاملة في تخطيط القوى العاملة
  • (ضعف) وأحيانا غياب الوعي بأهمية التخطيط للقوى العاملة؛
  • النقص الواضح في بعض المهن المطلوبة أو الفائض الكبير في بعض المهن التي تتطلب تأهيلا عاليا، الأمر الذي قد يحدث بطالة بين الفئات المتعلمة.

ويضيف أحد الكتاب، جملة من معوقات تخطيط الموارد البشرية:

  • انعدام استراتيجية محددة وواضحة، تحدد احتياجات المستقبل، ونوعية هذه الاحتياجات على ضوء التطور العلمي والتكنولوجي والمهني، وعدم وضوح الرؤية المعالم المستقبل، على ضوء التوجه الاقتصادي الجديد، والعولمة والعلاقات الإقليمية والدولية؛
  • عدم وضوح الأهداف بالنسبة لبعض الإدارات والأقسام، وانعدام التزام حقيقي بالتخطيط على جميع المستويات والاعتماد الكبير على الخبرة فقط في التخطيط، وقلة توافر المتخصصين في تحليل وتصميم العمل أو عدم الاعتماد عليهم أصلا.[13]

خاتمة

إن المتأمل بعمق إلى واقع التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في الجهات الحكومية في الكثير من الدول وبالأخص الدول العربية ، يشوبها العديد من النواقص، يلمس مثل هذه الصور السلبية، وإن كان هذا التقييم لا ينطبق على كل الإدارات العمومية والمنظمات العربية، فهناك دول ومنظمات ارتقت كثيرا وتطور أداء إدارة الموارد البشرية فيها، إلا أن أغلب المنظمات العربية تسير في ركاب هذا التقييم، وأن التطور لا يزال نسبيا ولم يصل للمستوى المطلوب، الأمر الذي يدعو كل المعنيين من الممارسين وفقهاء الإدارة والقانون وأصحاب القرار، أن يولوا التخطيط الاستراتيجي في إدارة الموارد البشرية العناية والاهتمام الذي تستحقه، باعتبار هذه الوظيفة هي البوابة للإصلاح والتطوير، وهي تعد من خلال نتائجها الإيجابية أهم وسيلة نجاح لتحقيق الخطط والبرامج السنوية والأهداف المسطرة في مضامين التنمية المستدامة. لأي دولة.

من خلال هذا المقال المقتضب يمكن صياغة أهم التوصيات المرتبطة بالاعتماد على التخطيط الاستراتيجي لمهام الموارد البشرية وكما يلي:

  1. أن يركزوا المرتبطين بالموارد البشرية (فريق العمل) بشكل أكبر على القضايا عظيمة الشأن، والعمل بدور کبير في دعم استراتيجياتها الجيدة، من خلال صياغة وتنفيذ برامج التعيين والممارسات الأخرى لوظائف الموارد البشرية، فلم يعودوا يؤدون الاعمال التعاقدية التقليدية، كالتوقيع داخل الفريق أو الإدارة لأغراض تعيين الموظفين الجدد، بل أصبح ينظر إليهم على أنهم بمثابة الاستشاريين الداخليين للمنظمة للسعي نحو التخطيط الاستراتيجي.
  2. أن يستحدثوا خدمات جديدة لتقديم الخدمات التعاقدية، ويكونوا بارعين في القيام بتلك الخدمات بأساليب ابتكارية وجديدة (مثل الحصول على العمالة من مجهز خارجي)، ويلجئون الى استخدام التكنولوجيا، مثل مواقع الشبكة الالكترونية، ليمكن العاملين من إدارة وخطط وبرامج الامتيازات بشكل ذاتي.
  3. السعي إلى تحقيق ما أمكن من الرضا الوظيفي وطموحات وتطلعات الموارد البشرية، وتعزير جوانب الاخلاقيات Ethical والسلوكيات الايجابية في العمل، والمساهمة في ادارة عملية التغيير، في ضوء ظروف ومعطيات البيئة الداخلية والخارجية للجهة الحكومية وخدماتها المقدمة.

الهوامش

  1. عمر وصفي عقيلي، إدارة الموارد البشرية المعاصرة: بعد استراتيجي، دار وائل للنشر والتوزيع الأردن، الطبعة الأولى، .2005.، ص 235-236.
  2. محمد سيد حمزاوي، إدارة الموارد البشرية في الأجهزة الحكومية، مشار له في بحث عبد العزيز هزازي، تخطيط الموارد البشرية وعلاقته بالأمن الوظيفي من وجهة نظر العاملين بوزارة التجارة والصناعة بالرياض، رسالة ماجستير في العلوم الادارية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، كلية العلوم الاجتماعية والادارية الرياض، المملكة العربية السعودية، 2015، ص 20.
  3. عمر وصفي عقيلي، إدارة الموارد البشرية المعاصرة، المرجع السابق، ص 236.
  4. منصور بن عبد العزيز المعشوق، المدخل المهني لإدارة الموارد البشرية، الطبعة الأول، معهد الأدرة العامة، الرياض، المملكة العربية السعودية،2012، ص 210,
  5. مصطفى كامل، تخطيط الموارد البشرية: التخطيط-المسارات-الاحلال، أعمال ملتقيات وندوات (بناء القدرات البشرية العربية) المنظمة العربية للتنمية الإدارية – القاهرة 2010 ص 273.
  6. اسم دلفي مستمد من أوراكل من دلفي وهو شخصية من التراث الاغريقي، وكان واضعوا طريقيه دلفي غير راضين عن هذا الاسم، لأنه يعني شيء تنبؤي أو قليلا من السحر والتنجيم، وتستند طريقة دلفي على افتراض أن الأحكام الجماعية سليمة أكثر من الأحكام الفردية.
  7. عامر عاشور أحمد أبوديه، تخطيط الموارد البشرية –دراسة تحليلية – المفهوم والأهمية، المؤتمر العربي السنوي العاشر (الإدارة العربية ومقارنات الجودة والعالمية والريادة والشراكة والتنافسية) – المنظمة العربية للتنمية الإدارية، القاهرة، اغسطس 2009، ص 407.
  8. جاري ديسلر، إدارة الموارد البشرية، ص 150.
  9. عشوي نصرالدين، الأساليب العلمية لتخطيط القوى العاملة على مستوى المؤسسة، مجلة اقتصاديات شمال افريقيا، الجزائر، العدد الرابع، 2013، ص179.
  10. عمر وصفي عقيلي، إدارة الموارد البشرية المعاصرة، المرجع السابق، ص 259.
  11. قدمت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OCED) تعريفا رسميا للإنتاجية بانها ناتج قسمة المخرجات على واحد من عوامل الإنتاج، بوصفه تعريف للإنتاجية الجزئين بشدة فخرجت على جميع المدخلات من عوامل الإنتاج، بوصفه مفهوم للإنتاجية الكلية، أنظر سعد العنزي، مؤيد الساعدي، المرتكزات الفكرية المعاصرة لاستراتيجية إدارة الموارد بشرية في إطار المدخل المعرفي، مجلة القادسية للعلوم الإدارية والاقتصادية/جامعة القادسية كلية الإدارة والاقتصاد، المجلد 10، العدد 1، العراق، 2008، ص18.
  12. عامر عاشور أحمد أبوديه، تخطيط الموارد البشرية –دراسة تحليلية، المرجع السابق، ص 403.
  13. خالد بن محمد عبد العزيز الهويش، فاعلية تخطيط الموارد البشرية في تحقيق الأمن الوظيفي، دار جامعة نايف للنشر، الرياض، 2015، ص 100.