هبة علوي1
1 كلية التاريخ، قسم دراسات الشرق الأوسط، جامعة جنجو، خنان، الصين
بريد الكتروني: alouihiba@hotmail.fr
HNSJ, 2023, 4(3); https://doi.org/10.53796/hnsj4340
تاريخ النشر: 01/03/2023م تاريخ القبول: 21/02/2023م
المستخلص
ليس هناك شك في أن الحكومة التونسية تواجه تحديًا هائلًا في إخراج البلاد من مأزقها السياسي والاقتصادي الحالي. لكن هذا الوضع يتطلب إصلاحاً شاملاً للنظام التعليمي برمته كونه يشكل أحد أهم أسس التنمية السياسية والإقتصادية والإجتماعية المستدامة، وهذا يتم من خلال العودة لتحقيق الجودة واستقلالية المؤسسات التعليمية ونجاح الأهداف التربوية، مع الحفاظ على أسس المناهج الدراسية الوطنية التي مكّنت التونسيين من المشاركة في احداث التحول الديمقراطي وبناء المؤسسات في مجتمعهم منذ عقود.
ومن الضروري أيضًا أن تراعي الحكومة التونسية الفوارق الإقليمية والدولية في أي إستراتيجية لإصلاح التعليم العالي. فعلى سبيل المثال سعت الحكومة التونسية لإصلاح التعليم العالي وذلك بإلموافقة والمصادقة على المراحل الخمس لإصلاح المنظومة التعليمية منذ إعلان الإستقلال وليومنا هذا. وكذلك، وفي إطار إنفتاح الجامعات التونسية على القارة الأفريقية، والذي يؤكد على عمق علاقات التعاون والصداقة بينهما، حيث قامت تونس بتسهيل إجراءات إستيعاب عدد كبير من الطلبة الأفارقة في جامعاتها، من خلال تسهيل إجراءات التسجيل والقبول في مختلف التخصصات، وكذلك توفير منح دراسية للطلبة الأفارقة في مختلف التخصصات في مختلف القطاعات.
في المقابل، واجهت تونس تحديات داخل المؤسسة التعليمية تمثلت في إنعدام إستقلالية المؤسسة التعليمة، وكذلك عدم توفر الموارد المالية اللازمة لتحقيق أهدافها التربوية، وعدم إشراك تلك المؤسسات بالسياسات العامة للدولة، ومن جهة أخرى التحديات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، والتي أثرت بشكل واضح على العملية الإصلاحية برمتها على الرغم من الإنجازات التي تمت. وعليه، فعملية إصلاح التعليم العالي في تونس لا زالت في تباطؤ بالمقارنة مع الأهداف الإصلاحية المرجوه تجاه المؤسسة والنظام التعليمي برمته في تونس، الأمر الذي جعل نجاح العملية الإصلاحية تلك مرهون بالواقع والتحديات التي مازالت تواجه تونس، وبالأخص التحدي السياسي الملحوظ. لهذا، فالعلاقة طردية ما بين العملية الإصلاحية والتغيرات السياسية في البلاد منذ إعلان الإستقلال في تونس وليومنا هذا، وهذا ما سنتناوله بالتحليل في هذه الدراسة، حيث ستعتمد الدراسة على المنهج التاريخي ومنهج تحليل المضمون.
الكلمات المفتاحية: تونس، المتغير السياسي، التعليم العالي، العملية الإصلاحية، الإقتصاد.
The relationship between higher education reform and political changes in Tunisia since the declaration of independence in 1956
Hiba Aloui1
1 Zhengzhou University, School of History. Center for National and Regional Studies, Ministry of Education Center for Egyptian Studies. Email: alouihiba@hotmail.fr
署名单位:
郑州大学历史学院
教育部国别和区域研究中心郑州大学埃及研究中心
HNSJ, 2023, 4(3); https://doi.org/10.53796/hnsj4340
Published at 01/03/2023 Accepted at 21/02/2023
Abstract
There is no doubt that the Tunisian government faces a challenge in getting the country out of its political and economic impasse, but this situation requires a comprehensive reform of the educational system as a whole, which constitutes one of the most important pillars of political, economic and social development. This is done by achieving the quality and independence of educational institutions and the success of their goals, while preserving the foundations of the national curricula that enabled Tunisians to participate in democratic transformation and institution building decades ago.
It is also necessary for the Tunisian government to pay attention to regional and international developments regarding any higher education reform strategy. For example, the Tunisian government seeks to reform higher education through the five phases of reforming the educational system since the declaration of independence in 1956.
In addition, and within the framework of Tunisia’s openness to the African continent, which confirms the depth of cooperation and exchange between them, Tunisia has facilitated the procedures for absorbing a large number of African students in universities, as well as providing scholarships to African students in various disciplines in the public and private sectors in Tunisian institutions.
On the other hand, Tunisia faced challenges within the educational institution, the most important of which is the lack of independence of the educational institution, as well as the lack of financial resources necessary to achieve its goals, and the lack of involvement of these institutions in public policies. Likewise, political, economic and social challenges affected the reform process, despite the achievements made. Accordingly, the process of reforming higher education in Tunisia is still slow compared to the desired reform goals, and this is what made the success of this reform process dependent on reality and tangible challenges, especially the political challenge. Thus, there is a direct relationship between the reform process and the political changes since the declaration of independence in Tunisia in 1956. The study will depend on the historical method and the content analysis method.
Key Words: Tunisia, the political variable, higher education, the reform process, and the economy.
مقدمة الدراسة
تندرج سياسة تونس العامة ضمن النظام الجمهوري للبلاد منذ الاستقلال سنة 1956 وحتى عام .2011فقد شهد النظام السياسي في تونس تغيرات جوهرية في عهد الحبيب بورقيبة والتي إستمرت لمدة 30 عام، ثم عهد زين العابدين بن علي والتي إمتدت 23 عام. وبعد ثورة الياسمين التونسية في عام 2011، بدأت تونس انتقالاً ديمقراطياً، وبعد ذلك تم إقرار الدستور والقيام بالانتخابات العامة، بحيث ترأس الجمهورية بعد الثورة وبشكل مؤقت فؤاد المبزع، ثم تولى محمد المنصف المرزوقي الرئاسة، وبعد ذلك تولى المهام الباجي قائد السبسي بعد إجراء انتخابات 2014، من خلال انتخابات عامة. وبعد وفاة الباجي قايد السبسي في 25 يوليو 2019، تولى الرئاسة وبشكل مؤقت رئيس مجلس النواب محمد الناصر، لحين تم إنتخاب قيس سعيد وأستلم مقاليد الحكم في أكتوبر 2019. والجدير بالذكر هنا أن السلطة التشريعية القائمة هي مجلس النواب، ويوجد حوالي مئتان وثمانية عشر حزبا سياسياً في تونس[1].
إن التحدي الرئيسي أمام عملية إصلاح التعليم العالي بشكل فعال في تونس منذ إستقلالها عام 1956، هو التحدي السياسي والإقتصادي الذي تعاني منه الدولة التونسية منذ عقود. فعملية تبني سياسة إصلاحية تجاه أي قطاع من القطاعات المجتمعية، مثل إصلاح التعليم العالي، تحتاج إلى إستقرار سياسي وتنمية إقتصادية منتظمة، وكذلك تنمية إجتماعية تحقق الرفاه للناس جميعا ً. وعليه، فإن إصلاح التعليم العالي يتطلب وضعه ضمن السياسات العامة للحكومة كمطلب سياسي ومجتمعي من أجل السعي إلى تحقيقه واقعيا ً، ومن ثم العمل على تطويره ليكون بذلك عنوان العملية التربوية الناحجة من خلال أي خطة لإصلاح وتطوير التعليم العالي.
فالتحديات السياسية والإقتصادية في تونس غير مستقرة، وهذا يلقي بظلاله على القطاعات الأخرى في تراجع الإهتمام بها أو في تطويرها لإحداث أي عملية تنموية مستقرة في البلاد. فعلى سبيل المثال لا الحصر هنا، شهدت تونس ثورة عام 2011 والتي أدت إلى تغيير معالم النظام السياسي التونسي من جديد، وما رافق ذلك من تغييرات جذرية في العديد من القرارات السيادية التي أثرت بشكل ملموس على القطاعات الأخرى وأهمها قطاع التعليم، فعلى سبيل المثال: إصلاح وتطوير التعليم العالي في تونس الذي رافقه عدة محطات إصلاحية منذ الإستقلال وليومنا هذا، ولكن دون إنجازات واقعية منتظمة تبنى على ما سبقها من إنجازات وإن تحققت.
وها نحن اليوم نشهد تحولا ً سياسيا ً جديدا ُ في النظام السياسي التونسي فجر يوم 25 يوليو للعام 2021، والذي مازالت نتائجه غير واضحة المعالم للأن. فتلك التحديات السياسية التي يشهدها النظام السياسي التونسي منذ 2011 – 2021، تشكل تحديا ً رئيسيا ً ومحوريا ً في عدم إستقرار هذا النظام وبالتالي عدم جدية نجاح أي خطط إصلاحية سواء تجاه التعليم أو غيره من القطاعات، وذلك لأن الإهتمام من قبل النظام والحكومة المؤقتة أو المسيرة للأعمال سيكون على الصعيد الأمني وحفظ الأمن فقط. وعليه يتم تأجيل أي خطط إصلاحية تجاه أي قطاع أخر لإشعار أخر، لحين تحقيق الأمن والإستقرار، وهذه مرتبط بالوقائع في الميدان تجاه إدارة عملية التحولات السياسية والإجتماعية لأي نظام سياسي قادم وخططه المستقبلة تجاه تحقيق التنمية.
مشكلة الدراسة
إن التحولات والتغيرات السياسية في تونس ألقت بظلالها على مراحل عملية إصلاح التعليم العالي في تونس منذ الإستقلال، وأثرت تلك التغيرات على تحقيق أهداف المراحل الإصلاحية كافة، وبالتالي فإن نجاح أي عملية إصلاحية في إطار التعليم العالي ترتبط بإستقرار الأوضاع السياسية والإقتصادية في تونس. وعليه، فلا بد من البحث في العلاقة بين ظهور إخفاقات في العملية الإصلاحية للتعليم العالي في تونس والتحديات السياسية، والتي أدت إلى ضعف وتباطؤ نجاح عملية إصلاح التعليم العالي في تونس، ومدى إنعكاس ذلك على عدم تحقيق التنمية المستدامة، وهذه مشكلة الدراسة التي ستتناولها الدراسة.
فرضية الدراسة
ستحاول الدراسة الإجابة عن سؤال رئيسي، هل العلاقة بين إصلاح التعليم العالي والتغيرات السياسية في تونس منذ إعلان الاستقلال عام 1956، هي علاقة طردية؟ بمعنى هل يتأثر تحقيق أهداف إصلاح التعليم العالي بالتحديات السياسية الراهنة، وإلى أي مدى ترتبط تلك التحديات بالإخفاقات التي تعيشها عملية إصلاح التعليم العالي في تونس؟
أهداف الدراسة
إن الهدف الرئيسي للدراسة هو البحث في العلاقة بين عملية إصلاح التعليم العالي في تونس في فترة ما بعد الإستقلال، والتغيرات السياسة التي تمر بها تونس، وتشخيص مواطن القوة والضعف لتلك التجربة، ومدى إرتباط ذلك بالتغيرات السياسية في البلاد.
الأهداف الفرعية للدراسة
من أجل تحليل وتوضيح العلاقة بين عملية إصلاح التعليم العالي والتغيرات السياسية في تونس، وإستشراف مستقبلها، لا بد من تسليط الضوء على الأهداف الفرعية للدراسة، وهي كالأتي:
– تقييم عملية إصلاح التعليم العالي في تونس وأثر ذلك على تحقيق التنمية في فترة ما بعد الإستقلال.
– تحليل الأسباب الكامنة وراء الظروف والدوافع للقيام بعملية إصلاح التعليم العالي في تونس في فترة ما بعد الإستقلال.
– فحص ما إذا كانت عملية إصلاح التعليم العالي في تونس ترتبط وتتأثر بالتغيرات السياسية منذ إعلان الإستقلال.
4. فحص ما إذا كان لدى التونسيين رؤية أو خيارات مستقبلية، يتم من خلالها مواصلة ونجاح عملية إصلاح التعليم العالي لتحقيق أهدافها الإصلاحية، والتغلب على التغيرات والتحديات السياسية التي تمر بها البلاد.
أهمية الدراسة
– إستشراف مستقبل عملية إصلاح التعليم العالي في تونس في ظل التحديات السياسية.
– توجيه إهتمام الجهات ذات العلاقة بمتابعة النجاحات التي تحققت من وراء عملية الإصلاح والتطوير في سياسات التعليم العالي في تونس في فترة ما بعد الإستقلال، والبناء عليها والإستمرار في متابعتها رغم التحديات والتغيرات السياسية والإقتصادية.
– محاولة تسليط الأضواء على التحديات والصعوبات الحقيقية التي تحول دون نجاح أهداف عملية إصلاح التعليم العالي في تونس في فترة ما بعد الإستقلال.
– إثراء البحث العلمي بدراسة جديدة تتناول العلاقة بين عملية إصلاح التعليم العالي في تونس، والتحديات والتغيرات السياسية والإقتصادية في فترة ما بعد الإستقلال.
منهج الدراسة
ستقوم الدراسة بالإعتماد على المناهج العلمية البحثية الأتية:
– المنهج التاريخي، حيث سيتم من خلال هذا المنهج تتبع تسلسل الأحداث التاريخية من أجل الوصول لنتائج تخدم موضوع البحث.
– المنهج الوصفي التحليلي، حيث يتم إستخدام هذا المنهج نظراً لأهميته في عرض وتحليل المعلومات والأحداث الخاصة بموضوع البحث، ومحاولة تحليلها ونقدها.
الحكومة ومراحل إصلاح التعليم العالي في تونس
إن تونس تبذل جهود كبيرة من أجل إصلاح منظومة التعليم العالي لديها، حيث بدأ هذا الإصلاح منذ السنوات الأولى لإستقلالها، أي منذ ما يقارب عن 65 عام. فالحكومات التونسية المتعاقبة ومنذ ذلك الوقت تتبنى سياسات عامة لإنجاح الخطط والبرامج الإصلاحية المتتالية في قطاع التعليم العالي. ولكن، ومن خلال الإطلاع على التجارب الإصلاحية المتتالية أنذاك، نستطيع القول أن تونس لم تحل الإشكال المتعلق بنجاح محاولات إصلاح وتطوير التعليم العالي فيها بشكل جذري، ولعل ذلك يعود لجملة من التحديات الداخلية المتعلقة بالعملية الإصلاحية ذاتها، والتحديات الخارجية المرتبطة بعدم الإستقرار السياسي والإقتصادي.
1.المرحلة الإصلاحية الأولى (1955-1958)
أطلق على تلك المرحلة “مرحلة الإصلاحات الإنتقالية”، وما ميز هذه المرحلة هو مغادرة الفرنسيين والأوروبيين البلاد التونسية، حيث إعترفت فرنسا رسميا ً بإنتهاء نظام الحماية والتسليم بإستقلال تونس إستقلالا ً تاما ً، وذلك من تاريخ 20 مارس عام 1956.
وبالإنتقال للحديث عن أهم نجاحات تلك الفترة، أن أصبح هنالك إهتمام رسمي بإصلاح التعليم وذلك بإصدار قانون عدد 118 لسنة 1958 والمتعلق بإصلاح النظام التعليمي في تونس، والذي أعتبر بمثابة السند القانوني والدستوري الأول للإصلاح التربوي في تونس في مرحلة ما بعد الإستقلال[2].
في المقابل، واجهت هذه المرحلة عدة تحديات، وأهمها: دمج وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي في وزارة التربية، الأمر الذي الذي أثر على أداء التعليم الجامعي والحد من تطوره، وقد كان من الأجدر فصل كل وزارة على حدا، حتى يتم النظر بشكل منفصل ودقيق في مشاكل كل قطاع تعليمي كل على حدى، سواء الجامعي أو الإبتدائي أو الثانوي[3].
أضف إلى ذلك، إرتفاع عدد الطلبة الجامعيين في مقابل النقص الكبير في المؤسسات الجامعية التي يمكن أن تحتضن هذا العدد من الطلبة، وبخاصة أن البلاد خرجت من تبعية الإستعمار الفرنسي وأصبح هنالك إهتمام جماهيري في مرحلة البناء والدولة الجديدة، وبالتالي الإسراع بالتسجيل للتعليم لأنه بمثابة البوابة الحديثة للبناء[4].
والجدير بالذكر أيضا ً، أن رافق ذلك النقص الواضح في الإختصاصات الجامعية والتي أصبحت مطلوبة من قبل المجتمع ومؤسساته، وذلك تماشيا ً مع التطور التكنولوجي والعلمي للعديد من الدول والمؤسسات الإقليمية والدولية أنذاك.
وأخيرا ً، فقد واجه التعليم العالي تحدي مهم تمثل في مشكلة التعريب في المواد التعليمية أنذاك، وذلك بسبب نقص الكادر الوطني التعليمي في تونس.
الحبيب بورقيبة (25 يوليو 1957 – 7 نوفمبر 1987) وإصلاح التعليم العالي
في 25 يوليو 1957 تم إالغاء الحكم الملكي وإعلان الجمهورية، وتم تنصيب الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية. وخلال فترة حكمه شهدت تونس عدم إستقرار بسبب الإضطرابات مع النقابات والإتحادات العمالية التونسية نتيجة تردي الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والتعليمية.
وفي عام 1963 تم إقرار العديد من الإجراءات لتحديث البلاد وأهمها إقرار مجانية التعليم وإجباريته، إضافة إلى توحيد القضاء. وعلى الرغم من ذلك، وفي سبعينيات القرن الماضي، في 26 يناير 1978 سقط مئات القتلى التونسيين نتيجة خلاف بين الحكومة ونقابة العمال، نتيجة تردي الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية. وفي 7 نوفمبر 1987 قام زين العابدين بن علي وهو برتبة وزير بإزاحة بورقيبة من الحكم وأعلن نفسه رئيسا ً لتونس، فيما عرف لاحقاً بتحول السابع من نوفمبر[5].
وبالنظر لفترة حكم الرئيس السابق بورقيبة، وبالتزامن مع المرحلة الإصلاحية الأولى للتعليم في تونس، يرى البعض أن الإصلاح التربوي لسنة 1958 لا يزال يثير الجدل بين المهتمِّين بالشأن التربوي وذلك لعدَّة أسباب، لعلّ من أهمّها: ارتباط ذلك الإصلاح بحدث الاستقلال من ناحية، باعتباره إحدى دعائم الدولة الوطنيَّة، ومحاولته فكّ الارتباط مع النظام التعليم الفرنسي الموجود في البلاد التونسيَّة منذ سنة 1883، من ناحيةٍ أخرى[6].
ويذهب أخرون للقول أن أنَّ إصلاح 1958 ليس سوى استنساخ لمشروعٍ فرنسي قدَّمهُ الفرنسي “دوبياس” الذي أعدَّ تصوّرا لإصلاح التعليم سنة 1943، لكنَّهُ لم يحظَ برضا الفرنسيِّين أو التونسيِّين على حدٍّ سواء وهو مشروع يمتدُّ على خمس سنوات، وقد نصَّ على تقسيم التعليم الابتدائي إلى مرحلتين، تمتدُّ الأولى على ثلاث سنوات من الأولى إلى الثالثة، وفيها تكون العربيَّة لغة تدريس إضافة إلى تعليم اللغة الفرنسيَّة كلغة ثانية، انطلاقا من السنة الثالثة، في حين تمتدّ المرحلة على الثلاث سنوات الموالية من الرابعة إلى السادسة وفيها تصبح الأولويَّة للغة الفرنسيَّة (المرجع السابق نفسه). وعليه، فإنَّ المشروع كان موجَّها أساسا إلى التلاميذ التونسيِّين دون غيرهم، فإنَّهُ قوبل برفضٍ مزدوج: رفضته إدارة التعليم العمومي وغلاة الاستعمار بتعلّة الخطر الذي قد يسبّبه للوجود الفرنسي ذاته، ولم يكن محلَّ قبولٍ من زعماء الحركة الوطنيَّة؛ لأنَّه لا يستجيب للمطالب الوطنيَّة في مجال التعليم في حدودها الدنيا[7].
فعلى سبيل المثال، حيث نصّ الفصل السابع من قانون التعليم عام 1958 على أن التعليم الابتدائي موحد بالنسبة لجميع أفراد المجتمع، وهذا يعني أن التعليم الديني سواء في الكتاتيب القرآنية أو في المدارس المسيحية أو اليهودية، لا يعفي من التعليم الإبتدائي الرسمي الإجباري. ونتج عن ذلك الأمر ارتفاع أصوات المدافعين عن التعليم التقليدي الديني، وعلى أهمية جامع الزيتونة في المنظومة التعليمية. والجدير بالذكر هنا، فقد شهدت تلك الفترة أيضا توحيدا للقضاء، والذي كان منقسما على عدة أنظمة حسب المعتقد أو الجنسية، وكذلك السعي لتوحيد قانون الأحوال الشخصية بالتزامن مع صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956. ولكن، ورغم الإشارة بعدم التمييز بين الذكور والإناث في قانون التعليم المنتظم، في المقابل فالقانون 1958 لم يقر الاختلاط بين الجنسين في المدارس. فالأمرين اللذان صدرا في 1961 و1964 ينصان على تقسيم المدارس الإبتدائية إلى مدارس للذكور وأخرى للإناث وأخرى مختلطة، ولم يتم تعميم الإختلاط إلا في سنة 1968 في عهد الوزير أحمد بن صالح، كما بقيت نسبة الأمية، رغم كل الجهود، مرتفعة نسبيا لدى النساء وخاصة في المناطق الريفية[8].
في المحصلة، عملت تونس على الاهتمام بموضوع التعليم لأهمّيَّة الموارد البشريَّة في عمليّات التطوير والارتقاء والنباء رغم الصعوبات التي تواجهها.
2. المرحلة الإصلاحية الثانية (1986-1993)
جاءت المرحلة الثانية لعملية إصلاح التعليم العالي في تونس في تلك الفترة بهدف مواكبة واقع النمو والتطور السياسي والإجتماعي في المجتمع التونسي، وتلبية لإحتياجاته المجتمعية من جهة، ومن جهة اخرى ضرورة ملحة لرسم سياسات جديدة لمرحلة زمنية جديدة بملامح إجتماعية وسياسية جديدة، تتطلب السعي لمواكبة التطورات السياسية والإجتماعية والإقتصادية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، سعيا ً لتحقيق تنمية مستدامة وبناء مؤسساتي معاصر يتلائم ومتطلبات المنظومة الدولية في مجال إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي من أجل تحقيق الرفاه الإجتماعي وسعادة الناس.
فعلى سبيل المثال، تم إنشاء العديد من الجامعات والمعاهد العلمية العليا، بهدف تلبية متطلبات السياسات العامة من أجل السعي لمواكبة التطورات الإجتماعية والإقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي بهذا الخصوص أيضا ً، سعيا ً لتحقيق تنمية مستدامة وبناء مؤسساتي متقدم يتلائم ومتطلبات المنظومة الدولية في مجال إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي. حيث تم إنشاء وتأسيس أربع جامعات نموذجية وهي: جامعة المنار، جامعة قرطاج، جامعة سوسة، وجامعة صفاقس، وتم أيضا ً تأسيس المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية عام 1992، وتم توزيعها على بعض المناطق الجغرافية في تونس، وبلغ عددها الإجمالي 25 معهد عالي نموذجي[9].
وهنا لا بد من الإشارة للهدف الذي أنشأت من أجله هذه الجامعات والمعاهد وطريقة إنتشارها، وهو خدمة بيئة الإقليم المحلية الذي توجد به تلك الجامعات والمعاهد، وذلك عن طريق تزويدهم بالكوادر المؤهلة من التخصصات المتعددة وتقديم مقترحات علمية تكون قادرة على مواجهة مشاكل المجتمع وإيجاد الحلول المناسبة لها، وصولا ً للتنمية المحلية. في المقابل، واجهت تونس تحدي الزيادة الحقيقية في أعداد الطلاب ومن مختلف المناطق الجغرافية وعلى كافة المستويات التعليمية، وبذلك فإن عملية إصلاح التعليم العالي في تونس واجهت هذا التحدي المتمثل في النقص الواضح في عدد مؤسسات التعليم العالي في بقية المناطق الجفرافية في تونس، مما إستوجب ذلك مواصلة العمل الدؤوب لتوفير ميزانية عالية للتعليم العالي وإصلاحه من خلال تأسيس العديد من الجامعات لتغطي بقية المناطق الداخلية في كافة المحافظات في تونس[10].
زين العابدين بن علي ( 7-11- 1987 – 14 -1- 2011) وعملية إصلاح التعليم
بن علي الرئيس الثاني لتونس منذ إعلان استقلالها عام 1956 بعد الرئيس الحبيب بورقيبة، وأول رئيس تونسي يتم إزاحته من منصبه على أثر احتجاجات ضد نظام حكمه “ثورة الياسمين عام 2011”. والجدير بالذكر أنه عين رئيسًا للوزراء في أكتوبر 1987 ثم تولى الرئاسة بعد ذلك بشهر في نوفمبر 1987 عن طريق انقلاب داخل المؤسسة، حيث أضاف أن الرئيس بورقيبة عاجز عن تولي منصبه. وقد أعيد انتخابه وبأغلبية الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد، والتي كان آخرها في 25 أكتوبر 2009.
فعلى سبيل المثال، قام الشرفي (الوزير محمد الشرفي – أحد رموز حركة أفاق اليسارية ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وزيرا ً للتربية والتعليم)، بمراجعة برامج المراحل المدرسية، علما أنه من الصعب إعداد وطبع كتب مدرسية جديدة في غضون أشهر، فقد قرر سحب كتابي التربية الإسلامية للسنتين الخامسة والسادسة من التعليم الإبتدائي وتعويضهما بكتاب للمختار السلامي، مفتي الجمهورية آنذاك، حول الإجتهاد في الإسلام. فقد وجد في الكتابين مضامين خطيرة، كحق الزوج في ضرب زوجته مثلا، والخلافة بصفتها النظام السياسي الوحيد المشرع في الإسلام، وحدّ الردة لتارك الصلاة كذلك، وقائمة بالمفكرين الذين تحرم على الطلبة قراءتهم، مثل جان بول سارتر[11].
وبناءا على ذلك، أعلن الشرفي في مؤتمر صحفي في شهر سبتمبر عام 1989، وشرح رؤيته للمدرسة وما يشكله الكتابان من خطورة ما وجده في الكتابين المشار لهما سابقاً. مما نتج عن ذلك احتجاجات “مناصري الإسلام الرسمي” ضد تلك القرارات، علما أن ردة فعل حركة النهضة كانت الأقوى. والتي أصدرت بيانا بهذا الخصوص بإمضاء عبد الفتاح مورو، وعنوانه “لا للسخرية من الإسلام”، متهماً الوزير الشرفي بتكريس “مشروع بورقيبة المحارب للإسلام واللغة العربية” و”بالتهجم على مقدسات الأمة التونسية ومشاعرها”. ونتج عن ذلك تحركات ميدانية شعبية، فقد تواصلت الاحتجاجات والإضطرابات في المعاهد والجامعات بقيادة الطلبة الإسلاميين الجدد، وخرجت المسيرات بشعار “لا إله إلا الله والشرفي عدو الله”[12].
والجدير بالذكر هنا، أن ساهمت هذه الإضطرابات، بالإضافة إلى انتخابات عام 1989، في تطور علاقة بن علي بالإسلاميين، وبعد فترة الأولى شهدت استجابة لبعض مطالبهم وإشراكهم في الميثاق الوطني، إلى قطيعة مطلقة وقمع جديد. وتحول الوزير الشرفي لدى النهضة، إلى رمز لما أسمته “سياسة تجفيف المنابع”، ولتحالف جزء من اليسار مع نظام بن علي. لكن على الأرجح، حسب بعض القراءات، هو أن قرار المعركة لدى الطرفين كان محسوما، وأن بن علي لم يختر شخصية مثل محمد الشرفي إلا استعدادا لها ومخطط لها، من دون أن يعني ذلك أن هذا الأخير، بما حمله من مشروع إصلاحي، كان مجرد أداة فيه لا أكثر[13].
وفي إطار الإصلاح المزعوم والذي أدى لاحقا ً إلى تفاقم الأزمة عند الكثير من الخريجين وزيادة البطالة، فقد أشرف الوزير الشرفي على صياغة إطار قانوني جديد لقانون 1958، وهو القانون الأساسي عدد 65 لسنة 1991 المتعلق بنظام العملية التربوية ككل. ويضع الفصل الأول منه 13 غاية وهدف للعملية التربوية، منها ترسيخ الوعي لدى الطلبة الناشئة بالهوية الوطنية التونسية وتنمية الإنتماء المدني والشعور بالإنتماء الحضاري وطنيا ومغاربيا وعربيا وإسلاميا كذلك، ودعم الإنفتاح على الحداثة والحضارة الإنسانية لديها، وتربيتها على الوفاء لتونس والولاء لها، وإعدادها لحياة حضارية بعيدة عن أشكال التفرقة والتمييز على أساس الجنس أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الدين، وتمكين المتعلمين من إتقان اللغة العربية وإتقان لغة أجنبية على الأقل بشكل يمكنهم من الإطلاع المباشر على تطورات الفكر العلمي لما يؤهلهم ذلك لمواكبة تطوره والمساهمة فيه بشكل فعال ومستمر[14].
كما كرّس قانون 1991 مفهوم التعليم للمرحلة الأساسية، الذي يشمل بالإضافة إلى التعليم الإبتدائي (6 سنوات، ثلاث سنوات في المدارس الإعدادية تسهل الانتقال إلى المرحلة الثانوية). علما أن هذا الإصلاح سبق الإعداد له منذ الثمانينات، واضطر الوزير الشرفي لتطبيقه، رغم أنه كان يفضل ترك إمكانية المرور “للتعليم المهني” بعد المرحلة الإبتدائية. حيث نصّ القانون على (إجبارية التعليم الأساسي بين سنّ السادسة والسادسة عشرة، واقتضى تدريس كل المواد الإنسانية والعلمية والتقنية في المدارس الإبتدائية والإعدادية باللغة العربية)[15].
بقي الوزير الشرفي في وزيراً حتى سنة 1994، أي سنوات حكم بن علي الغير ديمقراطية في البلاد، والتي أصبحت ظاهرة للناس، وذلك حرصا منه على استكمال الإصلاح المزعوم وذلك بإصدار الكتب المدرسية الجديدة والنصوص التطبيقية اللازمة. ورغم أن قانون 1991 لم يمكث أكثر من عشر سنوات، فإن القانون التوجيهي عدد 80-2002، حيث صيغ هذا القانون تحت إشراف وزير التربية آنذاك منصر الرويسي، وهو أيضا من خريجي مدارس اليسار السياسية، ولكنه على عكس محمد الشرفي، بحيث انخرط في نظام بن علي منذ 1987 إلى قيام الثورة. والجدير بالذكر أن جاء قانون 2002 لمواكبة التطورات والمعايير الدولية في مجال التربية والتعليم، من ذلك مثلا اعتماد “مقاربة الكفايات” والتركيز على التقييم الدوري والمنتظم لكافة مكونات التعليم المدرسي ككل. لكن إصلاحات الرويسي شملت كذلك تغيير طريقة احتساب معدل البكالوريوس، بما سمح بالنجاح كثيرا من نسبة النجاح. ونتيجة لذلك، ارتفعت أعداد الطلبة في التعليم العالي من دون أن تكون آفاق العمل متوفرة لهم. وما زال قانون 2002 إلى الآن، ورغم بعض التعديلات البسيطة، وهو الذي ينظم التعليم في تونس. فرغم أن تعطل المصعد الإجتماعي الذي كانت تمثله المدرسة العمومية وانسداد الآفاق أمام نسبة كبيرة من المتعلمين كانت من بين أهم الأسباب التي أدت إلى الثورة في تونس عام 2010-2011، حيث عجزت الحكومات المتعاقبة من بعدها على إنجاز إصلاح شامل للتعليم ككل[16].
في المحصلة، وعلى الرغم من إهتمام بن علي بالتعليم، وذلك بإنشاء مزيد من الجامعات بهدف ملئ العجز لسد إحتياجات بعض المناطق، إلا أن المشكلة تفاقمت وأصبح هناك كادر تعليمي دون عمل، ومع إزدياد الوضع الإقتصادي والإجتماعي سوءا ً، وخاصة بعد تعزيز بن علي سلطته بإتجاه النظام الدكتاتوري، وإخفاق حكومته في سد إحتياجات المجتمع وحل مشاكله. فالملاحظ من تجربة الوزير محمد الشرفي أن هناك أهداف سياسية من وراء إصدار قانون التعليم الجديد أنذاك، من أجل ضرب الإسلام السياسي في تونس، وخاصة أن بن علي عرف بإنفتاحه على الغرب والأخذخ بتوصياتهم تجاه أي عملية إصلاح في البلاد. الأمر الذي أدى إلى تفاقم معضلة إصلاح التعليم بشكل حقيقي وواقعي.
في المقابل، إرتفعت الأصوات عاليا ً المطالبة بالإهتمام بقطاع التعليم وتطويره وإصلاحه بشكل واقعي وملموس، لأن التعليم أصبح من أهم المحاور والقطاعات الإجتماعية في المجتمع وبوابة التنمية السياسية والإجتماعية والإقتصادية، وذلك بسبب أمرين:
1. الإهتمام الشعبي والمتمثل بفئات الطبقة الدنيا والمتوسطة إلى حد ما من المجتمع بالتعليم العالي بمختلف مجالاته.
2. إرتبط التعليم إرتباطا ً حميما ً بتطوير بنية المجتمع ومؤسساته، وخاصة عندما أصبح قادرا ً على دراسة مشكلات المجتمع المحلي وإحتياجاته وإيجاد الحلول المناسبة لمعالجتها من خلال التعاون والتنسيق الفعال ما بين المؤسسات المحلية والمؤسسات التعليمية من جهة، ومن جهة أخرى تعزيز مرحلة البناء المؤسساتي في فترة ما بعد الإستقلال من خلال بوابة التعليم العالي برمته، وخاصة أن محاولات تونس للنهوض والبناء إرتبطت بالتعليم والتعليم العالي ومخرجاته في كافة القطاعات.
وعليه، أدرك بن علي أنذاك أهمية ذلك، وسارع إلى تبني المرحلة الإصلاحية الثالثة من مراحل إصلاح التعليم في تونس والممتدة ما بين (2000-2004)، وقام بإنشاء مزيد من الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا وعددها 7، من أجل تلبية إحتياجات الناس لمتطلبات التعليم في تونس، ومن جهة أخرى تطوير بنية هذه المؤسسات التعليمية بخلق تخصصات متنوعة قادرة على مواكبة التطورات المحلية والإقليمية والدولية في قطاع التعليم.
3. المرحلة الإصلاحية الثالثة (2000-2004)
جاءت المرحلة الإصلاحية الثالثة ما بين 2000-2004، بهدف إنشاء مزيد من المؤسسات الجامعية ليكون لها دور فعال في تنمية المجتمع المحلي، حيث تم تأسيس وإنشاء 14 جامعة خلال المراحل الإصلاحية السابقة أنفه الذكر وتلك المرحلة، ذات الإختصاصات المتنوعة، والتي يمكن أن تستقطب أكبر عدد ممكن من الطلاب، والعمل على توفير هيئة تدريس وكادر تعليمي وطني ذو كفاءة. والجدير بالذكر إن تلك الخطوة ستواجه العديد من التحديات، وأهمها: القدرة على صقل المهارات وبناء الكادر المؤهل للبناء، والمساهمة في إرساء مجتمع المعرفة وإثراء العلوم والمعارف وتطوير التكنولوجيا وتوظيفها لفائدة المجتمع. كذلك، حددت للتعليم العالي مهمة تنمية المعارف ونشرها، ودعم تشغلية الخريجين، وذلك في نطاق الشراكة مع المحيط الإقتصادي والثقافي والإجتماعي، والقيام بالبحث العلمي وتطويره وتنظيمه، والعمل على توظيف نتائجه في مجالات التكوين والتنمية، وتوفير فرص تعليم مدى الحياة[17].
ولعل التحدي الأكبر هنا هو تفاقم الوضع الإقتصادي سوءا ً وإرتفاع نسبة البطالة بين الخريجين، على الرغم من إنشاء الجامعات وتنوع التخصصات في عهد بن علي، ويرى محللون أن الجزء الأكبر من صانعي الأزمة الحالية هو نتيجة الحكم الغير مؤسساتي في عهد بن علي وسياساته المنتقاه، إضافة لفشل المنظمات والمؤسسات الدولية المانحة في دعم الإصلاح الحقيقي والتركيز على الجوانب السطحية. ففي عهد بن علي مثلا، تحولت الجامعات إلى مكان لتخريج البطالة، حيث تم قبول طلاب غير مؤهلين وتعليمهم بشكل غير جيد[18].
فعلى سبيل المثال، أبان حكم بن علي، ازداد الوضع تدهوراً، ومهما كانت قيمة المكاسب الاقتصادية التي تحققت كما يرى البعض لحكم دام لأكثر من 23 عام، إلا إنه لم يتم توزيعها بالتساوي بين الطبقات أو المناطق أو فئات المجتمع. حيث شملت الفوائد الطبقات العليا والمتوسطة العليا في تونس والمنطقة الساحلية فقط، حيث كانت مستويات المعيشة فيها متساوية مع مستوياتها في شرق وجنوب أوروبا على سبيل المثال، فيما ساهم النشاط التجاري على الساحل في التقليل من التجارة في الداخل. وتشير التقديرات إلى أنه وبينما بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 5% بين عامي 1990 و2008، فإن 80% من هذا النمو قد تركز في المناطق الساحلية[19]. وعليه، يتحمل بن علي مسؤولية تفاقم مشكلة البطالة وتردي الأوضاع، إذ أن ثلث العاطلين عن العمل من الحاصلين على شهادة جامعية.
أضف لذلك، أن نهج بن علي يعني أن الضغط السياسي للتوسع الإقليمي قد أدى إلى افتتاح عدد من الجامعات في المناطق الريفية دون الإهتمام بالجودة الكثير من الاهتمام، حيث تم تعيين مدرسين غير مؤهلين وآلاف الموظفين والعاملين بدوام جزئي. كما أصبحت الجامعات مورد لشهادات لم تعد تدل على تحقيق الإنجاز الذي كانت عليه في السابق. إذ كان خريجو الجامعات غير مهيئين للانضمام إلى القوى العاملة، وكانت مهاراتهم غير ملائمة لتلبية احتياجات السوق ومتطلبات المجتمع. وعليه شعر الشباب بخيبة الأمل، حيث تم إخبارهم بالذهاب إلى المدرسة، والعمل بجد وإجتهاد، ليتم ضمان مستقبلهم[20].
وفي ظل تلك التحديات، سارع بن علي لتبني مرحلة إصلاحية جديدة تجاه التعليم برمته، بهدف التخفيف من عبء البطالة بين صفوف الخريجين وتحسين الوضع الإقتصادي في البلاد. وعليه، توجهت الدولة التونسية في عام 2008 لإعتماد المنظومة الأوروبية “أمد” من أجل تطوير وإصلاح التعليم العالي التونسي، وذلك بهدف إحتواء الزيادة في معدل البطالة بين أصحاب الشهادات العلمية العليا في مختلف التخصصات.
4. المرحلة الإصلاحية الرابعة (2008)
المرحلة الرابعة لعملية إصلاح التعليم العالي في تونس والتي تميزت بتوجه الدولة التونسية في عام 2008 لإعتماد المنظومة الأوروبية “أمد” من أجل تطوير التعليم العالي التونسي، وذلك من أجل إحتواء الزيادة في معدل البطالة بين أصحاب الشهادات العلمية العليا في مختلف التخصصات في الجامعات التونسية[21].
في المقابل، تفاقمت الأوضاع الإقتصادية وعلى وجه التحديد مشكلة البطالة بشكل أكبر، وخاصة في صفوف الخريجين من أصحاب الشهادات العلمية العليا، من جهة. ومن جهة أخرى، وبعد فترة وجيزة من الزمن من إعتماد برنامج “أمد” الإصلاحي في تونس، نتج عن ذلك مظاهر سلبية أدت لاحقا ً إلى إخفاق هذا المشروع الإصلاحي[22].
وفي هذا الإطار، برزت جملة من التحديات والصعوبات التي واجهت البرنامج الإصلاحي المذكور، والتي أدت إلى فشله في تحقيق اهدافه الإصلاحية، ولعل من أبرز هذه التحديات، والتي أدت إلى إخفاق هذا المشروع الإصلاحي: عدم الإهتمام والإكتراث من قبل الهيئات التدريسية بهذا المشروع الإصلاحي، حيث لم يجني الأستاذ ولا حتى الطالب منه غير الزيادة الغير مجدية في مقدار العمل، أدى ذلك لعزوف الكثير من الطلبة التونسيين عن العمل الشخصي الذي قد يكسبه فكريا ً نقدياً، نتيجة إنسداد أفق التشغيل أمام خريجي الجامعات التونسية الفئة العليا، وخاصة أمام كثرة التخصصات التي ليس لها مكانة في سوق المجتمع المحلي.
وبناءا ً على تلك المؤشرات، إرتفع الصوت عاليا ً من النقابات في تونس في نقد البرنامج الإصلاحي “أمد” الجديد، وأكدوا أن ذلك البرنامج الإصلاحي الجامعي مخفق وغير مجدي، وضربوا مثالا ً في الإخفاق لذلك البرنامج الإصلاحي في كل من المغرب والجزائر (دول الجوار)، كتجارب غير ناجحة، سبق وطبقت هذا البرنامج الإصلاحي، وعليه، طرح النقابيين تساؤلا ً: هل الطالب قادر على التعايش مع نظامين في التعليم العالي؟ وعلى الطالب أن يختار ما يلائمه، إما التجربة الفرنسية أو نظام “أمد” الجديد! وعليه، فقد الطالب في ظل تلك المؤشرات والمعطيات، القدرة على التصرف في زاد المعرفة المتوفر لديهم بسبب تلك المشكلة المستجدة أنذاك.
ونظرا ً لما سبق، ومع تفاقم وإرتفاع معدل البطالة بشكل كبير في صفوف الخريجين من الجامعات التونسية، وإزداياد الأوضاع الإقتصادية صعوبة، وتراجع مستوى المعيشة، وإنخفاض الرفاه والعدالة الإجتماعية، إنفجرت الأوضاع وخرجت عن المألوف، وتحولت إلى ثورة حقيقية في وجه تلك الظروف والتحديات “ثورة الياسمين” لسنة 2011، والتي نتج عنها إسقاط النظام السياسي الحاكم في البلاد “حكم بن علي”، ونتج عن ذلك مرحلة إنتقالية أثرت على كل مناحي الحياة، على المستوى السياسي والإجتماعي والإقتصادي، وكان التعليم بكل مراحله، أكثر القطاعات تأثرا ً بتلك الظروف والمستجدات أنذاك.
وبناءا ً على ذلك، تم الإهتمام بالمسار الأمني والسياسي على حساب المسارات الأخرى، وعليه تأثر القطاع التعليمي بكل مراحله بذلك، وإنعكس ذلك على كل المسارات الإصلاحية للتعليم العالي في تونس في التراجع والإخفاق.
5. المرحلة الإصلاحية الخامسة (2015-2025) والحالة السياسية الراهنة في تونس
حيث تم انتخاب المنصف المرزوقي رئيسًا من قبل المجلس الوطني التأسيسي في 12 -12- 2011 ، وتم تنصيبه على الفور، مما جعله أول رئيس للبلاد ليس عضوًا في الحزب الحاكم بحسب المعتاد. وخلال الانتخابات الرئاسية عام 2014، فاز الباجي قائد السبسي، والذي ترك منصبه في 31 -12- 2014. وعليه أصبح محمد الناصر رئيساً بالإنابة بموجب المادتين 84 و 85 من الدستور في 25 -7- 2019، بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي وهو في منصبه. ووفقًا للدستور كان على الناصر أن يعمل كرئيس بالوكالة لمدة لا تزيد عن 90 يومًا حسب الدستور، حيث كان من المقرر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة أنذاك. وبالفعل تم إجراء انتخابات في نوفمبر 2019، ولكن تم تقديمها إلى سبتمبر لضمان أداء رئيس جديد اليمين قبل 90 يومًا. حيث تم إنتخاب قيس سعيد في سبتمبر 2019، وتولى المنصب في 23 -10- 2019.
وفي ظل تلك التحديات السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي تعيشها تونس منذ أكثر من عشر سنوات، تحاول تونس مجددا ً تبني مسار إصلاحي جديد للتعليم العالي والبحث العلمي، خطة تمتد من 2015 – 2025، والتي تهدف إلى تطوير جودة التكوين الجامعي، وتشغيل الخريجين، ومحاولة النهوض بالبحث والتجديد، والعمل على تعزيز الحوكمة الرشيدة، وتحقيق إستقلالية الجامعات، والتصرف الأمثل في الموارد[23].
ومما لا شك فيه أن هذا الموضوع محل نقاش ومتابعة، ويحتاج الأمر لمزيد من الدراسات والأبحاث التي تعنى بدراسة هذا الموضوع من أجل إستشراف مستقبل إصلاح التعليم العالي في تونس، وخاصة أن الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية الحالية لا زالت تلقي بظلالها على المشهد التونسي، دون إكتراث للإهتمام بجوانب أخرى كالتعليم العالي وإصلاحه وتطويره بشكل فعال.
وعلى الرغم من التقدم النسبي في النظام التربوي التونسي بالمقارنة مع الأنظمة التربوية في المنطقة، فإنه لم ينجح بعد في إيجاد توازن يُمَكِّن جميعَ التلاميذ والطلبة في تونس من التمتع بلغة مشتركة تسمح لهم بإمكانية الاضطلاع بمختلف المهمات التي يُكونون لأجلها على صعيد البحث العلمي كما على صعيد الوظائف المهنية في مختلف الصعد الادارية والاقتصادية ويخولهم في نفس الوقت الانفتاح على مختلف اللغات العالمية. ومن جهة أخرى، فإن مكانة التعليم والبحث العلمي بالنسبة لموضوع التنمية الاقتصادية والاجتماعية التونسية ما يزال يطرح العديد من الأسئلة المقلقة سواء فيما يتعلق بسوق العمل والقطاع الاقتصادي بشكل عام وسواء فيما يتعلق بمكانة التعليم والبحث في مشروع تنمية المجتمع والدولة ككل[24].
إنجازات قطاع التعليم العالي في تونس والتجربة الإفريقية
وللحديث عن إنجازات قطاع التعليم العالي في تونس على الرغم من التغيرات والتحديات السياسية والإقتصادية التي تعيشها البلاد، سنلقي الضوء على التجربة التونسية- الإفريقية وبعض ملامح هذا الإنجاز كما سنرى.
حيث أعطت تونس ومنذ الاستقلال العلاقات الثنائية مع أفريقيا مكانة خاصة وذلك تكريساً لبعدها الإفريقي، وإيمانا منها بوحدة المصير المشترك وحتمية التعاون والتضامن والتبادل مع الدول الإفريقية مستقبلاً في كافة المجالات. وبالحديث عن التجربة التونسية الناجحة في التعليم العالي وخاصة التعليم الافتراضي على الصعيد الإفريقي فرصة تعاون واعدة لتبادل المعارف والخبرات ودعم التجديد البيداغوجي، فقد أكد السيد سليم خلبوس وزير التعليم العالي التونسي سابقا، في افتتاح النسخة الأولى من “الأيام الأفريقية للتعليم الافتراضي” التي تنظمها جامعة تونس الافتراضية بالتعاون مع الوكالة الجامعية للفركوفونية، على إستعداد تونس لتبادل المعارف والخبرات مع البلدان الإفريقية في مجال التجديد البيداغوجي والتعليم عن بعد واستعمال التقنيات الرقمية. خاصة وأن التعاون في هذا المجال لا يواجه العراقيل اللوجستية التي تعيق تطور التبادل الإفريقي في قطاعات أخرى. ويندرج هذا اللقاء الذي يجمع عشرة بلدان أفريقية في إطار انفتاح الجامعة التونسية على محيطها الدولي واستراتيجية التعاون مع البلدان الإفريقية بالخصوص. كما وتتضمن الندوة عدد من المحاضرات حول التعليم الافتراضي والتجربة التونسية في هذا المجال، نذكر منها: تطوير الدروس الافتراضية وإنفتاح عروض التكوين لجامعة تونس الافتراضية على القارة الأفريقية، وسير تكوين اشهادي افتراضي، وكذلك تكوين المدرسين في هندسة التكوين الافتراضي، والموارد البيداغوجية لجامعة تونس الافتراضية. وعليه، توج هذا الملتقى بتوقيع إتفاقيات تعاون ثنائية مع البلدان الإفريقية المشاركة والتي أسست لتعاون مكثف في مجال التعليم الافتراضي[25].
ونذكر على سبيل المثال هنا، وفي إطار إنفتاح الجامعات التونسية على القارة الأفريقية، والذي يؤكد على عمق علاقات التعاون والصداقة بينهما، حيث قام السيد سليم خلبوس الوزير السابق لوزارة التعليم العالي التونسية بصحبة السيد فوزي عبد الرحمن وزير التكوين المهني والتشغيل والسيد بسام لوكيل رئيس مجلس الأعمال التونسي الافريقي والسيد نبيل احمد محمد وزير التعليم العالي والبحث العلمي بدجيبوتي ومجموعة من الشخصيات الفاعلة في مجال التعاون التونسي الافريقي على افتتاح المنتدى التونسي الافريقي الثاني للتعليم العالي والتكوين المهني عام 2018. وعليه، أكد السيد سليم خلبوس في كلمته على المكانة المتميزة للقارة الافريقية في استراتيجية وزارة التعليم العالي في مجال التعاون الدولي، مستعرضا لعدد من التجارب الناجحة مع موريتانيا والمالي والتشاد وبوركينافاسو في تصدير الخبرة التونسية واستقطاب الطلبة الأفارقة. واعلن في هذا السياق عن بعث وكالة وطنية لإستقبال وتوجيه الطلبة الأجانب، والتي ستقدم خدمات متنوعة إنطلاقا من الحصص المجانية، ووزيادة في المنح التي توفرها تونس للبلدان الإفريقية في نطاق التعاون الثنائي، وأضاف في الختام أن مشروع الجامعة التونسية الفرنسية لافريقيا والمتوسط التي ستفتح أبوابها سنة 2019، من شأنه دعم استقدام الطلبة الأجانب، إلى جانب الطلبة الأفارقة بوجه خاص، نظراً للإمكانية المتاحة للحصول على شهادة مزدوجة (تونسية- فرنسية) من أعرق كليات ومعاهد البلدين في عديد الاختصاصات[26].
وبناءا ً على ذلك، وفي إطار السعي لتعزيز علاقات التعاون والتنسيق بين البلدين، قامت تونس بتسهيل إجراءات إستيعاب عدد كبير من الطلبة الأفارقة في جامعاتها، من خلال تسهيل إجراءات التسجيل والقبول في مختلف التخصصات، وكذلك توفير منح دراسية للطلبة الأفارقة في مختلف التخصصات في القطاعين العام والخاص.
وبالإشارة للجدول رقم 1 المشار له في ملحق هذا البحث، تدل الإحصائيات المتعلقة بالتعليم العالي والبحث العلمي في تونس ما بين عامي 2015-2020، أن هناك إزدياد ملحوظ في عدد الطلاب الأفارقة الذين يلتحقون بجامعات القطاع العام والخاص على حد سواء في تونس[27].
في المحصلة، نستطيع القول أن الدول الأفريقية حققت المزيد من الإنجازات في هذا الإطار، وأهم محاور هذه الإنجازات هو تعزيز علاقات الصداقة بين تونس والبلدان الأفريقية، من خلال إستقبال الطلبة الأفارقة وتسهيل إجراءات الإلتحاق بالبرامج والمنح التعليمية في كافة التخصصات ضمن المؤسسات التعليمية العليا، وبالتالي تحسين الأداء التعليمي والمهني للطلبة وصولا ً لرفع كفاءتهم في كافة المجالات.
التحديات امام قطاع التعليم العالي في تونس
تحديات داخل المؤسسة التعليمية
1. ضعف تعزيز الثقة الذاتية للمؤسسة التعليمية بما يتلائم وتحقيق الأهداف التربوية الاستراتيجية للمؤسسة التعليمية
2. تراجع تعزيز جودة التعليم في المؤسسة التعليمية، والذي يهدف إلى تعزيز ثقافة المبادرة والعصف الذهني، وتطوير التعليم المهني الى جانب التعليم النظري، وهذا يتم من خلال النهوض بالبحث العلمي وتجديد الأبحاث والدراسات العلمية في كافة التخصصات داخل المؤسسة التعليمية
3. غياب إستقلالية الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي على كافة الأصعدة، وبالأخص توفير وإستقلال الموارد المالية.
التحديات من خارج المؤسسة التعليمية: المشكلات الإقتصادية والإجتماعية
1. مشكلة البطالة، خاصة بين الشباب الحاصلين على تعليم عالٍ
2. عدم الاستقرار الوظيفي، نتيجة الركود الإقتصادي
3. عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي نتيجة ثورة الياسمين عام 2011.
حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب 18-29 سنة 30٪ ، ومعدل بطالة النساء في الفئة العمرية 17-19 32٪ ، والنساء في الفئة العمرية 20-24 29٪ ، بينما بلغ معدل البطالة بين الخريجين المتعلمين بالمجمل 45٪[28].
التغيرات السياسية والإقتصادية وعملية إصلاح التعليم العالي في تونس
إن التغيرات السياسية والإقتصادية في تونس غير مستقرة، وهذا يلقي بظلاله على القطاعات الأخرى في تراجع الإهتمام بها أو في تطويرها لإحداث أي عملية تنموية مستقرة في البلاد. فعلى سبيل المثال، شهدت تونس مراحل إصلاح متعددة تجاه قطاع التعليم العالي منذ الإستقلال وليومنا هذا، ولكن ونتيجة الظروف السياسية والإقتصادية التي مرت بها البلاد، فبقيت تلك العملية الإصلاحية ما بين مد وجزر، ومازالت تراوح مكانها على الرغم من الإنجازات التي تحققت في بعض المراحل. ومع قيام ثورة عام 2011 “ثورة الياسمين” في تونس، والتي أدت إلى تغيير معالم النظام السياسي التونسي من جديد، وما رافق ذلك من تغييرات جذرية في العديد من القرارات السيادية التي أثرت بشكل ملموس على القطاعات الأخرى وأهمها إصلاح قطاع التعليم العالي. وعليه، فإن إصلاح وتطوير التعليم العالي في تونس والذي رافقه عدة محطات ومخططات إصلاحية منذ الإستقلال وليومنا هذا، نتج عنه إنجازات غير منتظمة تبنى على ما سبقها من إنجازات وإن تحققت.
وها نحن اليوم نشهد تحولا ً سياسيا ً جديدا ُ في النظام السياسي التونسي فجر يوم 25 يوليو للعام 2021، والذي مازالت نتائجه غير واضحة المعالم للأن. فتلك التحديات السياسية التي يشهدها النظام السياسي التونسي منذ 2011 – 2021، تشكل تحديا ً رئيسيا ً ومحوريا ً في عدم إستقرار هذا النظام، وبالتالي عدم جدية نجاح أي خطط إصلاحية سواء تجاه التعليم أو غيره من القطاعات، وذلك لأن الإهتمام من قبل النظام والحكومة المؤقتة أو المسيرة للأعمال (المجلس الإنتقالي المؤقت) سيكون على الصعيد الأمني وحفظ الأمن في تلك البلد. وعليه يتم تأجيل أي خطط إصلاحية تجاه أي قطاع أخر لإشعار أخر، لحين تحقيق الأمن والإستقرار، وهذه مرتبط بالوقائع على الأرض في إدارة عملية التحولات السياسية والإجتماعية لأي نظام سياسي قادم وخططه المستقبلة تجاه تحقيق التنمية.
في المحصلة، فإن التغيرات والتحديات السياسية والإقتصادية تربطها علاقة طردية بالعملية الإصلاحية برمتها، بمعنى أن كل من التحدي السياسي والإقتصادي وتحديات العملية الإصلاحية بكافة مراحلها مرتبط ويعتمد على نفس الظروف والمسببات، ويؤثر ويتأثر بالأخر.
الثورة التونسية ” ثورة الياسمين” 2010-2011
“الثورة التونسية” والتي تعرف أيضًا بثورة “الحرية والكرامة” أو ثورة “17 ديسمبر”، وهي ثورة جماهيرية اندلعت في 17 -12- 2010 تضامنًا مع الشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإضرام النار في جسده تعبيرًا عن غضبه على البطالة ومصادرة العربة التي يعيش من ورائها، فقد توفي البوعزيزي يوم الثلاثاء الموافق 4-1-2011 في مستشفى بن عروس بسبب تردي وضعه الصحي نتيجة الحروق. ونتج عن ذلك اندلاع شرارة المظاهرات في يوم 18 -12- 2010 وخروج آلاف التونسيين الرافضين لإتساع أوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم المحسوبيات داخل المؤسسات ونظام الدولة. أضف لذلك، أن إتسعت مواجهات بين مئات من الشبان في منطقة سيدي بوزيد وولاية القصرين مع قوات الدولة، لتنتقل الحركة الاضطرابات من مركز الولاية إلى البلدات والمدن المجاورة كالمكناسي والرقاب وسيدي علي بن عون ومنزل بوزيان والقصرين وفريانة. فنتج عن هذه الإحتجاجات التي شملت مدن وقرى عديدة في تونس في سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة الصراع مع نظام الدولة بقواه الأمنية، وأجبَرت الرئيس أنذاك زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية والقيام بتقديم وعود للناس لمعالجة المشاكل التي طالب المتظاهرون بإيجاد حلول لها[29].
ومع توسع الاحتجاجات وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية، مما أجبر بن علي على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ إلى المملكة العربية السعودية يوم الجمعة 14 يناير2011. فأعلن الوزير الأول محمد الغنوشي في نفس اليوم عن توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه وذلك حسب الفصل 56 من الدستور، مع إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول. فقرر المجلس الدستوري بعد ذلك اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناءً على ذلك أعلن في يوم السبت 15 يناير 2011 عن تولي رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يومًا. وبذلك شكلت الثورة التونسية المفجر الرئيسي لسلسلة من الاحتجاجات والثورات في عدد من الدول العربية لاحقاً[30].
الدروس المستفادة من تجربة عملية إصلاح التعليم العالي في تونس منذ الاستقلال
إن عملية إصلاح التعليم العالي في تونس في فترة ما بعد الإستقلال قد مرت بمراحل متعددة، بحيث جاءت كل مرحلة إصلاحية إستكمالا ً للمرحلة التي سبقتها إلى حد ما. فعلى سبيل المثال، فإن المراحل الإصلاحية الخمس التي تناولتها هذه الدراسة سعت لتتلائم وتنسجم مع ميزات وخصائص منظومة إصلاح التعليم العالي في تونس خلال الفترات المتعاقبة أنفه الذكر بشكل واقعي وملموس نحو تقدم قطاع التعليم العالي، لينعكس ذلك التقدم على كافة القطاعات الأخرى في المجتمع المحلي في ظل ظروف سياسية وإقتصادية وإجتماعية معقدة.
ومن أجل توضيخ ذلك الأمر، سنقوم بالإطلاع على خصائص وميزات كل مرحلة من المراحل الإصلاحية التي سعت تونس لتحقيقها بهدف تنمية قطاع التعليم العالي برمته في فترة ما بعد الإستقلال، وعندئذ سنتعرف على القواسم المشتركة لتلك المراحل ومدى ملائمتها مع خصائص وسمات القطاع التعليمي العالي الفعال والناجح في الإطار النظري (أي مدى توافق الإطار النظري مع الإطار العملي في التجربة الإصلاحية في تونس في فترة ما بعد الإستقلال) من جهة، ومن جهة أخرى مدى ملائمة ذلك مع التغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تعيشها البلاد منذ عقود، ومدى تأثير ذلك على العملية الإصلاحية وخصائصها وأهدافها المرجوه، وهذا ما سنوضحه ضمن مسارين، وهما:
المسار الأول: خصائص وسمات إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي الفعالة، والتي تعني تطوير جودة التكوين الجامعي وتشغيل الخريجين، من خلال تحسين أداء الطلبة للدراسات الجامعية، وملائمة ذلك مع إحتياجات المجتمع، وتعزيز الشراكة ما بين المؤسسة التعليمية والمحيط الإجتماعي والإقتصادي، وتعزيز الجودة في المؤسسة التعليمية، تعزيز ثقافة المبادرة والعصف الذهني في الجامعات، وتطوير التعليم المهني والتأهيلي، وتطوير البحث العلمي والدراسات العلمية في كافة القطاعات داخل المؤسسة التعليمية، والمساهمة في إنجاح الإندماج المهني في المجتمع والمؤسسة التعليمية على حد سواء. أضف لذلك، محاولة النهوض بالبحث العلمي والتجديد، من خلال تعزيز نظام للحوكمة في مجال البحث والتجديد، وتعزيز هيكلية البحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية والإجتماعية، والمساهمة في دعم البنية التحتية للبحث العلمي، وتطوير الموارد البشرية للبحث والتجديد، وتعزيز الجودة أيضا ً، وتعزيز الإهتمام بمنظومة نتائج البحث العلمي والتجديد لدعم كافة القطاعات.
إضافة للعمل على تعزيز الحوكمة الرشيدة من خلال تحقيق إستقلالية الجامعات والتصرف الأمثل في الموارد، وهذا يتطلب تركيز الحوكمة الرشيدة في كل المستويات، من خلال ترسيخ إستقلالية الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، والسعي لإعتماد نظام تصرف أفضل للموارد، وكذلك مراجعة الخارطة الجامعية التعليمية من أجل تعزيز الجامعات والمؤسسات التعليمية في محيطها، وصولا ً لتحقيق التوازن بين الجهات كافة، وهذا يتم من خلال إرساء سياسة جديدة لإعادة توزيع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، وتطوير الحياة الجامعية، وتطوير إستراتيجيات تفاضلية في سبيل تنمية المنافسة، وبالتالي السعي نحو الأفضل في الأداء، والسعي لتعزيز الإتصال الفعال ما بين المؤسسة التعليمية ومحيطها الإجتماعي، وعندئذ المساهمة في تحقيق عملية البناء التنموي المحلي في كافة القطاعات.
المسار الثاني: القواسم المشتركة بين مراحل عملية إصلاح التعليم العالي في تونس في فترة ما بعد الإستقلال في ظل التغيرات السياسية المستمرة في تونس منذ عقود والتي تزامنت مع تلك العملية الإصلاحية، وهذا يعني تسليط الضوء على القواسم المشتركة بين كل مرحلة وأخرى، ومدى مساهمتها ونجاحها في تحقيق الهدف المنشود وهو إصلاح قطاع التعليم العالي في تونس في فترة ما بعد الإستقلال بشكل واقعي وملموس في ظل التحديات السياسية والإقتصادية في البلاد.
فالمرحلة الإصلاحية الأولى على سبيل المثال، والممتدة ما بين 1955-1958، حيث تم إصدار قانون عدد 118 لسنة 1958 والمتعلق بإصلاح النظام التعليمي برمته في تونس، والذي أعتبر بمثابة السند القانوني والدستوري الأول لإصلاح العملية التربوية في تونس في فترة ما بعد الإستقلال، وبذلك تم تطوير المؤسسات التعليمية الموجودة أنذاك، مثل جامع الزيتونة، وإستحداث عدد من الجامعات والمعاهد التعليمية العليا، تماشيا ً مع متطلبات المرحلة والقانون الجديد.
وإنسجاما ً مع واقع النمو والتطور الإجتماعي في المجتمع التونسي في فترة ما بعد الإستقلال، وخاصة في فترة الستينات والسبعينات، وزيادة الطلب على التعليم، وسعيا ً لتلبية الإحتياجات المجتمعية الناجمة عن تطور بنية النظام الإجتماعي والسياسي التونسي خلال فترة الستينات والسبعينات، واصلت تونس السعي الحثيث من أجل التغلب على تلك التحديات، وأهمها التطور السريع في النمو الإجتماعي الذي رافق طوق الناس للعيش ضمن مؤسسات فاعلة تؤدي للشعور بتحقيق التنمية السياسية والإجتماعية والإقتصادية البناءة، وعليه كان لا بد من الإهتمام بالعملية التربوية وإصلاح النظام التربوي وخاصة التعليم العالي والبحث العلمي، والذي عانى من الغياب والتهميش وعدم التطوير خلال عقود من الإستعمار والتبعية لدول الغير.
وعليه، جاءت المرحلة الإصلاحية الثانية، والممتدة ما بين 1986- 1993، والتي تميزت بالإنسجام مع واقع النمو والتطور الإجتماعي والسياسي في المجتمع التونسي، وتلبية لإحتياجاته المجتمعية. فعلى سبيل المثال، تم إنشاء العديد من الجامعات والمعاهد العلمية العليا، بهدف تلبية متطلبات السياسات العامة من أجل السعي لمواكبة التطورات الإجتماعية والإقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي بهذا الخصوص أيضا ً، سعيا ً لتحقيق تنمية مستدامة وبناء مؤسساتي متقدم يتلائم ومتطلبات المنظومة الدولية في مجال إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي من أجل تحقيق الرفاه الإجتماعي وسعادة الناس.
في المقابل، فإن عملية إصلاح التعليم العالي في تونس واجهت تحدي مهم أنذاك، والذي تمثل في النقص الواضح في عدد مؤسسات التعليم العالي في بقية المناطق الجفرافية في تونس، مما إستوجب ذلك مواصلة العمل الدؤوب لتوفير ميزانية عالية للتعليم العالي وإصلاحه من خلال تأسيس العديد من الجامعات لتغطي بقية المناطق الداخلية في كافة المحافظات في تونس.
بناءا ً على ذلك، جاءت المرحلة الإصلاحية الثالثة، والممتدة ما بين 2000-2004، والتي تميزت بتأسيس الجامعات الجديدة وتنوع الإختصاصات المعاصرة على إمتداد المناطق الجغرافية في تونس، بهدف تحقيق عدالة التعليم الجامعي التونسي في معظم أنحاء تونس إلى حد ما ودوره في تنمية المجتمع المحلي، حيث تنوعت فيها الإختصاصات وأصبحت قادرة على إستقطاب عدد كبير من الطلبة التونسيين سنويا ً أنذاك، فعلى سبيل المثال، تم تأسيس 7 جامعات جديدة ومتنوعة الإختصاصات المعاصرة.
في المقابل، برز تحدي أخر أمام تونس وهو الزيادة في عدد الخريجين الجدد من ذوي المؤهلات والكفاءات العلمية العالية في مختلف التخصصات، وبذلك أصبح هناك حاجة ملحة لتوفير فرص عمل لهؤلاء، وتحسين الأداء المؤسساتي للطواقم العاملة كذلك، لأن المنافسة أصبحت عالية، وبذلك أصبح المطلوب من تونس تحقيق جودة التعليم لرفع مستوى الكفاءة، وتوفير فرص عمل للخريجين، وهذا التحدي الذي لم يحل الإشكال ليومنا هذا، مما تج عنه تفاقم للأزمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية في البلاد.
في المحصلة، وبعد الإطلاع على المراحل الإصلاحية الثلاث أنفه الذكر تجاه قطاع التعليم العالي في تونس، نستطيع القول أنه يوجد بين تلك المراحل الثلاث قاسم مشترك فعال، وهو السعي لإصلاح التعليم العالي في تونس وتحقيق نمو في أهداف العملية التربوية بشكل عام لتقود البلاد لتحقيق الإستقرار من خلال تحقيق تنمية مستدامة، وخاصة في ظل أوضاع سياسية وإقتصادية صعبة ستلقي بظلالها على تلك العملية ومدى نجاح أهدافها المستقبلية.
وللحديث عن المرحلة الإصلاحية الرابعة من مراحل إصلاح التعليم العالي في تونس في فترة ما بعد الإستقلال، عام 2008، والتي تميزت بإعتماد نظام “أمد الأوروبي” بهدف القضاء على البطالة بين صفوف الخريجين، حيث جاءت هذه المرحلة لمعالجة نتائج المراحل الإصلاحية السابقة إن صح التعبير، والمتمثلة في زيادة أعداد الخريجين في مختلف التخصصات من ذوي الكفاءات والمؤهلات العلمية العالية.
في المقابل، تعاظمت الظروف والتحديات الإجتماعية والإقتصادية أنذاك، ولم ينجح النظام الأوروبي المأخوذ من تجربة الغير، في الحد من البطالة أو إيجاد الحلول المناسبة للتخلص منها في المجتمع التونسي. وعليه، شهدت تونس في عام 2011 ” ثورة الياسمين”، نتيجة تردي الأوضاع المعيشية والإقتصادية في البلاد، وبكل تأكيد إنقلبت الموازين وتأثرت القطاعات كافة بهذه الظروف والمستجدات، وكان أهمها قطاع التعليم العالي. وبذلك، فإن تونس مرت بحالة من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي لازالت تعيشها حتى اللحظة.
وعليه، جاءت المرحلة الإصلاحية الخامسة، والممتدة ما بين 2015-2025، والتي تميزت بتبني مسار إصلاحي جديد للتعليم العالي والبحث العلمي في تونس، بهدف تعزيز جودة التعليم والإدارة الرشيدة “الحوكمة”. والجدير بالذكر هنا، أن تونس وعلى الرغم من أهمية تبني هذه المرحلة لإنجاح أهدافها وإستشراف مستقبل العملية الإصلاحية ككل، والبناء على الإنجازات التي مرت في كافة المراحل الإصلاحية. في المقابل، مازالت تونس تمر بتحديات وأزمات وتغيرات سياسية وإقتصادية ليومنا هذا، وخاصة بعد مرحلة التحول السياسي الجديدة التي بموجبها ألغى الرئيس التونسي الحالي “قيس سعيد” البرلمان ووضع كافة الصلاحيات في يده مؤخرا ً بغية الإصلاح والقضاء على الفساد في كافة قطاعات الدولة، الأمر الذي يجعل من الصعب تحقيق إصلاح حقيقي وملموس في قطاع التعليم العالي في ظل التغيرات والتحديات السياسية تلك.
نتائج الدراسة
لقد أظهرت تلك الدراسة العديد من القضايا المهمة وخاصة في ظل العلاقة ما بين عملية إصلاح التعليم العالي في تونس والتغيرات والتحديات السياسية والإقتصادية منذ إعلان الإستقلال، وبناءاً على ذلك، فلقد توصلت الدراسة لمجموعة من النتائج، وأهمها:
– أن هناك علاقة ما بين عملية إصلاح التعليم العالي في تونس والتغيرات والتحديات السياسية والإقتصادية التي تمر بها تونس منذ الإستقلال عام 1956، بشكل واقعي وملموس.
– أظهرت التحديات السياسية والإقتصادية في تونس عدم فاعلية العملية الإصلاحية تجاه التعليم العالي، وهشاشة هذا الإصلاح، رغم الإنجازات التي تحققت.
– هناك تباطؤ وقصور من طرف الحكومات التونسية المتعاقبة، تجاه الإهتمام بتحقيق أهداف العملية الإصلاحية بشكل فعال بعيداً عن التحديات والمتغيرات السياسية والإقتصادية التي تمر بها تونس منذ الإستقلال، فمثلاً هناك قصور في تعزيز جودة التعليم العالي، وكذلك تعزيز الحوكمة وإستقلالية الجامعات التعليمية ومواردها المالية، تتمية الموارد البشرية من خلال تحسين أداء العاملين في المؤسسات التعليمية بالتدريب والتعليم والرقابة، والسعي للتخفيف من عبء البطالة بين صفوف الخريجين، والإهتمام بتلبية رغبات وإحتياجات الناس.
– هناك إنجازات حققتها تونس مع القارة الأفريقة نتجية عملية الإصلاح في نظام التعليم العالي في البلاد، من خلال إستيعاب الكثير من الطلبة الأفارقة في الجامعات التونسية.
– هناك إنجاز يتعلق بضرورة الإهتمام بقطاع التعليم العالي في تونس من قبل الحكومات المتعاقبة منذ إعلان الإستقلال، على الرغم من التقصير، والمتمثل في متابعة المراحل الإصلاحية الخمس من خلال وضعها على جدول أعمال كل حكومة تتشكل، بصرف النظر عن النتائج والقصور الموجود.
– ألقت الظروف التي تبعت ثورة الياسمين عام 2011 بظلالها على البلاد، وخاصة تجاه المؤسسات والناس، وذلك من خلال زيادة التحديات السياسية والإقتصادية في تونس، والتي أثرت على العملية الإصلاحية برمتها وعلى كل القطاعات، والحياة العامة التي تعيشها التونسيين.
توصيات الدراسة
وفي ظل هذه النتائج، فان الدراسة حملت جملة من التوصيات، وأهمها:
– فتح باب التواصل الفعال ما بين المؤسسات التعليمية والجهات الرسمية ذات العلاقة في تونس، بهدف متابعة تحقيق أهداف عملية إصلاح التعليم العالي وتطويرها، رغم التحديات والتغيرات السياسية والإقتصادية.
– قيام المؤسسات التعليمية بمتابعة تحقيق أهدافها التربوية، رغم التحديات والمتغيرات المجتمعية والسياسية، من خلال متابعة ووضع الخطط الذاتية الإستراتيجية في كافة دوائرها التعليمية.
– تعزيز التواصل الفعال ما بين المؤسسات التعليمية والمجتمع المحلي، بهدف التعرف وتلبية إحتياجاته من جهة، ومن جهة أخرى السعي لتطوير البحث العلمي بما يتلائم وتلك الإحتياجاتـ والسعي لإنخراطها بالسياسات الوطنية العامة بهدف تحقيق تنمية مستدامة تجاه كافة القطاعات، وأهمها قطاع التعليم العالي.
– الإهتمام بالتعليم المهني في المؤسسات التعليمية، بهدف تلبية إحتياجات المؤسسات والمجتمع المحلي من أجل تخفيف عبء البطالة.
– تحفيز المؤسسة التعليمية على تعزيز جودة التعليم العالي وتحقيق الحوكمة، بهدف تحسين الأداء التعليمي من جهة، ومن جهة أخرى خلق كادر مؤهل وذو كفاءة قادر على قيادة المؤسسات لتحقيق أهدافها التعليمية والتنموية.
– تحفيز الجهات الرسمية وذات العلاقة للسعي لتحقيق إستقلال المؤسسات التعليمية، وخاصة في مواردها المالية، بهدف النهوض وتحقيق أهدافها التربوية بنجاح، وصولاً لتعزيز العلاقة الطردية ما بين أهدافها التربوية وبرنامج عمل الحكومة وبالتالي تلبية رغبات الناس.
– تحفيز الباحثين والمفكرين على الإهتمام بمتابعة عملية إصلاح التعليم العالي في تونس رغم التحديات والتغيرات السياسية والإقتصادية، بهدف إستشراف مستقبل تلك العملية برؤى وتطلعات جديدة، تكون قادرة على تحقيق الأهداف التربوية من جهة، ومن جهة أخرى التغلب على تلك التحديات والسعي لتحقيق تنمية مستدامة في كافة القطاعات.
المراجع العربية
– الرائد الرسمي للجمهوية التونسية (1958). قانون يتعلق بإصلاح النظام التعليمي في تونس، رقم 118 لسنة 1958، والمؤرخ في 04 نوفمبر 1958، الصادر عن الرائد الرسمي التونسي.
http://www.iort.gov.tn/WD120AWP/WD120Awp.exe/CTX_5404-3-qhdTsiGwEd/RechercheTexte/SYNC_-1220273124
– حسن، صلاح (2019). تاريخ التعليم في تونس، موسوعة المحيط. 22 يناير 2019. ص1-3.
– الجيلاني، محسن (2020). قراءة في إصلاح التعليم التونسي لعامي 1958 و1991، 6 مايو 2020، المحتوى التنويري.
– العش، مهدي (2020): الإصلاحات التعليمية في تونس: تاريخ سياسي بإمتياز، مجلد 18، المفكرة القانونية، نشر بتاريخ 30 يونيو 2020.
https://legal-agenda.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d9%88%d9%86%d8%b3-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%b3%d9%8a%d8%a7/
– الرائد الرسمي للجمهوية التونسية (1990). قانون يتعلق بالمعاهد العليا لتكوين المتعلمين، رقم 108 لسنة 1990، والمؤرخ في 30 نوفمبر 1990، الصادر عن الرائد الرسمي التونسي، رائد عدد 78 بتاريخ 30 نوفمبر 1990.
http://www.iort.gov.tn/WD120AWP/WD120Awp.exe/CTX_1276-20-qcvtQHhSNF/RechercheJORT/SYNC_-1234658499
– مصري، صفوان (2019). إصلاح نظام التعليم أساسي لمعالجة مشاكل تونس الاقتصادية، 23 مايو 2019، الفنار للإعلام.
– الرائد الرسمي للجمهوية التونسية (2008). قانون يتعلق بالتعليم العالي، عدد19 لسنة 2008، والمؤرخ في 25 فبراير 2008، الصادر عن الرائد الرسمي التونسي، رائد عدد 19 بتاريخ 4 مارس 2008، ص844-850.
http://www.iort.gov.tn/WD120AWP/WD120Awp.exe/CTX_4176-2-XxQaJSVZEo/RechercheTexte/SYNC_-1236065358
– وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس (2015). مشروع إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي 2015-2025، الصادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 23 أبريل 2015 – تونس. ص1-35.
– ابنو، بدي (2018). ورقة تلخيصية عن إشكالية إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي في تونس، صادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
– التعليم العالي والبحث العلمي بالأرقام – السنة الجامعية (2019-2022). تطور عدد الطلبة الأجانب والأفارقة حسب القطاع، الإحصائيات والمؤشرات – النشريات والمطويات، موقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التونسية.
http://www.mes.tn/page.php?code_menu=13
file:///C:/Users/Sunlight/Downloads/brochure19_20_ar%20(2).pdf
– الملاحق – جدول رقم 1. نشرة إحصائية عن التعليم العالي والبحث العلمي بالأرقام، صادرة عن مركز الدراسات والتخطيط والبرمجة – وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، السنة الجامعية 2019-2020. file:///C:/Users/Sunlight/Downloads/brochure19_20_ar%20(4).pdf
– بي بي سي نيوز عربي، الثورة التونسية: محطات رئيسية. صدر في 14 يناير/ كانون الثاني لسنة 2021.
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-46865244
– الهادي، بوحوش. والمنجي، عكروت (2015). الإصلاحات التعليمية الكبرى بالبلاد التونسية زمن الإستقلال: إصلاحات المرحلة الإنتقالية: 1955/1958، المدونة البيداغوجية – تونس.
http://akroutbouhouch.blogspot.com/2015/12/1955-1958.html#more
Reference (English)
– Lai, Y.M., Ayub, Z.A., Ahmad, A.R., Wan, C.D., Ismail, R. (2016). Republic of Tunisia. In: Lai, Y., Ahmad, A., Wan, C. (Eds) Higher Education in the Middle East and North Africa. Springer, Singapore.
https://doi.org/10.1007/978-981-10-1056-9_4
الهوامش:
- Lai, Ayub, Ahmad, Wan, Ismail, 2016, P.61-86. ↑
- (الرائد الرسمي للجمهوية التونسية، 1958). ↑
- (حسن، 2019). ↑
- (المرجع السابق نفسه، ص2). ↑
- (الجيلاني، 2020). ↑
- (المرجع السابق نفسه، ص1-34). ↑
- (المرجع السابق نفسه، ص34-64). ↑
- (العش، 2020). ↑
- (الرائد الرسمي للجمهوية التونسية، 1990). ↑
- (المرجع السابق نفسه). ↑
- (مرجع سبق ذكره، العش، 2020). ↑
- (المرجع السابق نفسه). ↑
- (المرجع السابق نفسه). ↑
- (مرجع سبق ذكره، الجيلاني، 2020). ↑
- (المرجع السابق نفسه، ص61). ↑
- (مرجع سبق ذكره، العش، 2020). ↑
- (مصري، 2019). ↑
- (المرجع نفسه). ↑
- (المرجع السابق). ↑
- (المرجع الأنف الذكر). ↑
- (الرائد الرسمي للجمهوية التونسية، 2008). ↑
- (مرجع سبق ذكره، مصري، 2019). ↑
- (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس، 2015). ↑
- (ابنو، 2018). ↑
- (التعليم العالي والبحث العلمي بالأرقام، السنة الجامعية 2019-2022). ↑
- (المرجع السابق نفسه). ↑
- (ملحق: جدول رقم 1). ↑
- (مرجع سبق ذكره، التعليم العالي والبحث العلمي بالأرقام، السنة الجامعية 2019-2022). ↑
- (BBC NEWS عربي، 2021). ↑
-
(المرجع السابق نفسه). ↑