م. م. عمر حسين علي1
1 باحث، العراق.
بريد الكتروني: Omer85hhnn@gmail.com
HNSJ, 2023, 4(5); https://doi.org/10.53796/hnsj452
تاريخ النشر: 01/05/2023م تاريخ القبول: 04/04/2023م
المستخلص
يتناول البحث دلالة تنوع شفاعة النبي محمد من خلال الآيات القرآنية التي بيَّنت مفهوم الشفاعة والغاية من تنوعها، وبيان وجود الشفاعة في الدنيا والآخرة، وأدلتها الشرعية من خلال ما ورد من أحاديث في السنة النبوية، فلم تقتصر على وقت محدد أو مكان أو زمان فشملت جميع ما وجد على هذه الأرض، ولم يشفع النبي محمد إلّا لمن استحقها.
The intercession of the Prophet Mohammed, may God bless him and grant him peace, and the significance of its diversity
(objective study)
Omar Hussein Ali 1
1 Researcher, Iraq.
Email: Omer85hhnn@gmail.com
HNSJ, 2023, 4(5); https://doi.org/10.53796/hnsj452
Published at 01/05/2023 Accepted at 04/04/2023
Abstract
The research deals with the significance of the diversity of the intercession of the Prophet Muhammad, may God’s prayers and peace be upon him, through the Qur’anic verses that clarified the concept of intercession and the purpose of its diversity, and the statement of the existence of intercession in this world and the Hereafter, and its legal evidence through the hadiths mentioned in the Prophet’s Sunnah. What was found on this earth, and the Prophet Muhammad, may God’s prayers and peace be upon him, did not intercede except for those who deserved it.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أكرم نبيه محمد وفضله على سائر الأنبياء والمرسلين، فخصه بمزايا كثيرة تميزه عن سائر الخلق أجمعين؛ فمنها شفاعة النبي محمد فكانت دلالتها كثيرة بالقرآن والسنة النبوية فتنوعت حسب طلبها من المشفوع، فإن كانت في الدنيا أو الآخرة، وشملت المسلمين وغير المسلمين وكل ما وجد على هذه الأرض وفي السماء يوم المحشر، فشملته شفاعة النبي محمد وكل من خصته شفاعة النبي فهي أمر مقدر من الله سبحانه وتعالى، وأمان من نزول العذاب على الإمة وهي حقٌ في الآخرة كما هي في الدنيا، وعلى أساس هذا وقع بحثي على أربعة مطالب وخاتمة فكان المطلب الأول مفهوم الشفاعة لغة واصطلاحاً والمطلب الثاني الأدلة الشرعية للشفاعة، والمطلب الثالث شروط الشفاعة وأركانها وأسبابها، والمطلب الرابع دلالة تنوع شفاعة النبي محمد ، ثم ختمت البحث بأهم النتائج التي توصلت إليها.
أهمية البحث
بيان معنى الشفاعة، وورودها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ودلالة تنوع شفاعة النبي محمد فهي أمر من الله عزَّ وجل لنبيه الكريم، وبيان رحمته للناس أجمعين وتميزه عن سائر الأنبياء من قبله.
أهداف البحث
- إبراز أدلو تنوع الشفاعة
- بيان الأدلة التي وردت في تنوع شفاعة النبي محمد في الدنيا قبل الآخرة.
المبحث الأول: مفهوم الشفاعة
المطلب الأول: تعريف الشفاعة لغة واصطلاحاً
وردت أدلة شرعية على شفاعة النبي محمد كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في الدنيا، فمن خلال الخوض في هذا البحث سنبين دلالة تنوع شفاعة النبي محمد التي خصها الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم والفائدة منها.
الشفاعة لغة:
مصدرها الشفع، والشفع ضد الوتر هو ما كان من العدد أزواجاً. تقول: كان وتراً فشفعته بالآخْر حتى صار شفعاً. وفي القرآن وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، والشَّافعُ: الطالب لغيره: وتقول استشفعت بفلان فتشفع لي إليه فشَفَّعَهُ فيّ. والاسم: الشفاعة. واسم الطالب: الشَّفيع، والشفع: الزِّيَادَة، وَهُوَ أَن يشفِّعك فِيمَا تطلب حتّى تضمَّه إِلَى مَا عنْدك فتزيده وتشفعه بهَا، أَي تزِيدُه بهَا، أَي إِنَّه كَانَ وِتراً وَاحِدًا فضمَّ إِلَيْهِ مَا زَاده وشفعَه بِه([1]).
الشفاعة اصطلاحاً:
فهي التوسط للغير بجلب منفعة او دفع مضرة، يعني أن يكون الشافع بين المشفوع إليه، والمشفوع له واسطة لجلب منفعة إلى المشفوع له، أو يدفع عنه مضرة([2])، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب من الذي وقع الجناية في حقه([3]), وجاء في قاموس العقيدة بأن الشفاعة: “طلب من الله أن يعفو عمن استحق عقوبة أو لرفع درجته”([4]).
نلحظ من التعريفات السابقة، بأن الشفاعة لم تخرج عن المعنى اللغوي عند بعض العلماء؛ وبعضهم حصرها في الدنيا دون الآخرة، والبعض الآخر اقتصرها على الآخرة والشرع في ذلك لا يمنع ما ورد ذكره.
المطلب الثاني: الأدلة الشرعية للشفاعة في ضوء القرآن الكريم
وردت الشفاعة في القرآن الكريم في عدة مواضع، فأمر الشفاعة يرد جميعه لله تعالى، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ﱠ([5]).
ذكر الطبري: “يا أيها الذين آمنوا أنفقوا أنتم مما رزقناكم في طاعتي، إذ كان أهل الكفر بي ينفقون في معصيتي من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه، فيدرك أهل الكفر فيه ابتياع ما فرطوا في ابتياعه في دنياهم، ولا خلة لهم يومئذ تنصرهم مني، ولا شافع لهم يشفع عندي فتنجيهم شفاعته لهم من عقابي. وهذا يومئذ فعلي بهم جزاء لهم على كفرهم، وهم الظالمون أنفسهم دوني، لأني غير ظلام للعبد”([6]).
ففي الآية الكريمة نداء واضح ودعوة صريحة للإنفاق مما رزقهم الله عزَّ وجل، فهي دعوة إلى نفوس المؤمنين، التي تربطهم بمن يدعوهم، فالله تعالى هو الذي اعطاهم الرزق، ويدعوهم للإنفاق منه، فهي فرصة إن ذهبت لا تعود لهم([7]).
فدليل الآية صريح بوجود الشفاعة في الدنيا والآخرة ويجب أن لا تفوت فرصة اغتنام هذه الشفاعة التي خصها الله تعالى للمؤمنين، وإذا فوتت هذه الفرصة فلا شفاعة لهم.
قال تعالى: (قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)ﱠ([8])، يقول الطبري: “أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء تشفع لهم عند الله في حاجاتهم. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لهم: أتتخذون هذه الآلهة شفعاء كما تزعمون ولو كانوا لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا، ولا يعقلون شيئا، قل لهم: إن تكونوا تعبدونها لذلك، وتشفع لكم عند الله، فأخلصوا عبادتكم لله، وأفردوه بالألوهة، فإن الشفاعة جميعا له”([9]).
وهذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين فلو لم تكن هناك شفاعة لغير الكافرين لم يكن التخصيص للكافر بالذكرِ وتكون الشفاعة للمؤمنين فقط ففي هذه الآية اثبات الشفاعة للشافعين وكونها تنفع الكافر مع المؤمن.
فالآية تتحدث عن نفع الشفاعة للكافر متى أخلص عبادته لله سبحانه وتعالى فهي ثابتة لله بالأدلة الكثيرة، ومن هذه الآيات يتبين لنا ثبوت الشفاعة في القرآن الكريم ودلالة تنوعها من حيث الآيات التي وردت في ذكر الشفاعة.
المبحث الثاني
دلالة تنوع شفاعة النبي محمد من خلال آيات القرآن الكريم
المطلب الأول: دلالة تنوع شفاعة النبي محمد
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)ﱠ([10])، يعنى بالرحمة نعمة لمن اتبعه على دينه فالآية دليلها واضح على أنَّ النبي محمد ما هو إلَّا رحمة للعالمين([11]).
وقوله تعالى (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)ﱠ([12])، ففي هذه الآية يجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن له أن يشفع، وأن يكون للمشفوع والأول أبين لقوله تعالى حتى إذا فزع عن قلوبهم([13])، فشرط الإذن وجب في معنى الآية القرآنية لكي تتحقق الشفاعة للمشفوع.
وأن يرضى الله سبحانه وتعالى للشافع القول ويرتضي للمشفوع فيه، لقوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ)ﱠ([14])، وأن يشهد بالحق، وأن يكون عالماً بأعمال المشفوع فيه وأن يكون الشافع يقول الصواب.
وأمّا أركانها فهي: الشافع، والمشفوع له، والمشفوع عنده، والمشفوع فيه. وأما أسبابها فمنها: التوحيد الخالص قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “سبب الشفاعة توحيد الله واخلاص الدِين، والعبادة بجميع أنواعها له، فكل من كان أعظم إخلاصاً كان أحق بالشفاعة، فإن الشفاعة مبدؤها من الله، وعلى الله تمامها، فلا يشفع أحد إلا بإذنه، وهو الذي يأذن للشافع، وهو الذي يقبل بالمشفوع له”([15]).
ومن خلال ذكر الآيات القرآنية تبين أنَّ الشفاعة؛ هي من الله تعالى والنبي محمد للعباد لمن يشاء الله عزَّ وجل أن يرزقه الشفاعة.
المطلب الثاني: أدلة الشفاعة في السنة النبوية
ذكرت الكثير من الأحاديث النبوية الشرفية التي وردت فيها شفاعة النبي محمد ودلالة تنوعها، فشملت جميع ما هو موجود على هذه الأرض من البشر ومنهم المؤمن والكافر والحيوانات فسنورد بعض أدلة الحديث الشريف في دلالة تنوع الشفاعة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنا سيد ولد أدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع، وأول مشفع”([16])، وإنما أرادَ النبي محمد توضيح أنه سيد ولد أدم يوم القيامة، لأنه الشافع لهم في يوم القيامة فلا انقطاع لشفاعته بل باقية للمشفوع له([17]).
وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، أَوْ يَدْخُلُ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا لِلْمُنَقَّيْنَ؟ لَا، وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ، الْخَطَّاءُونَ “. قَالَ زِيَادٌ : أَمَا إِنَّهَا لَحْنٌ، وَلَكِنْ هَكَذَا حَدَّثَنَا الَّذِي حَدَّثَنَا([18]).
وفي الحديث النبوي الشريف عن أَبَي هُرَيْرَةَ يَقُولُ : “بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ : ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ فَقَالَ : عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ : ” مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ ” قَالَ : مَا قُلْتُ لَكَ ؛ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ : ” مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ؟ ” فَقَالَ : عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ ؛ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ “. فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ، مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ ؟ فَقَالَ : لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ، حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم”([19]).
وحث الشرع على العفو عند المقدرة، والإحسان إلى الناس، لأنها توصل إلى كسب القلوب لأن للعفو أهمية بالغة حث عليها الإسلام، فبهذا الحديث تحققت أركان الشفاعة فالشافع هو الرسول والمشفوع هو ثمامة بن أثال وموضوع الشفاعة دفع الضرر عنه وهو استحقاقه للقتل، فالنبي محمد شفع له من القتل وعفا عنه وأحسن إليه حتى يلين قلبه.
وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ. قَالَ : فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ، فَسَكَتَ، فَقَالَ : ” مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ “. فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ : ” أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا ؛ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ “([20]).
فتحققت أركان الشفاعة فالشافع هو النبي محمد والمشفوع له هو الجمل فشملت شفاعته للجمل ولم تقتصر على البشر وبهذا الحديث يتبين لنا دلالة تنوع شفاعة النبي محمد في عدة مواضع في السيرة النبوية الشريفة.
وعلى هذه الدلالات تنوعت الشفاعة فشملت جميع المسلمين والكفار وحتى الحيوان، فدلت على ما كان يتحلى به الرسول محمد من أخلاق جميلة حسنة، وما كانت تهدف شفاعته إلى إزالة ضرَّر وجلب منفعة والصبر على البلاء أو المرَّض والمعاملة الحسنة وإعطاء الأمان وعدم الترويع والتخويف من العقاب.
الخاتمة
بعد الانتهاء من كتابة بحثي هذا كان لا بدَّ أن اسجل بعض النتائج التي توصلت إليها والتي هي خلاصة مختصرة لها وهي:
- تنوعت شفاعة النبي محمد في عصره وكانت شفاعة واضحة في أكثر من موضع خلدته الأحاديث النبوية الشريفة والسيرة النبوية.
- شملت شفاعة النبي محمد في الدنيا المسلمين والكفار فلم تقتصر على حادث أو رواية بل كانت شيء ملموس بين المسلمين.
- تنوع الشفاعة دليل على أن الشفاعة باقية للنبي محمد في الآخرة ولا تقتصر على الدنيا وهي لمن يستحقها.
المصادر
التعريفات: علي بن محمد الجرجاني (ت ٨١٦هـ)، تحقيق: ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان، ط/1، ١٤٠٣هـ -١٩٨٣م
تفسير مقاتل بن سليمان: أبو الحسن مقاتل بن سليمان (ت: ١٥٠هـ)، تحقيق: عبد الله محمود شحاته، دار إحياء التراث- بيروت، ط/1، ١٤٢٣ هـ.
تهذيب اللغة: محمد بن أحمد بن الأزهري (ت: ٣٧٠هـ)، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط/1، ٢٠٠١م.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن: أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري (ت:٣١٠هـ)، دار التربية والتراث – مكة المكرمة.
- الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي ,ت: محمد زهير بن ناصر الناصر ,الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) , الطبعة: الأولى، 1422هـ , عدد الأجزاء: 9
الدرر السنية: الموسوعة الحديثة، أبو الفضل زين الدين العراقي (ت: ٨٠٦هـ)، دار المنهاج – بيروت، ط/1 ١٤٢٦ هـ.
- سنن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّاجِسْتاني (المتوفى: 275هـ(, محمد محيي الدين عبد الحميد, الناشر: المكتبة العصرية، صيدا – بيروت.
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: أبو نصر إسماعيل الفارابي (ت: ٣٩٣هـ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين – بيروت، ط/4، ١٤٠٧ هـ – ١٩٨٧ م.
صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق.
العين: أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي (ت: ١٧٠هـ)، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال.
في ظلال القرآن: سيد قطب، دار احياء التراث العربي، بيروت- لبنان، ط7، 1391ه- 1971م.
قاموس العقيدة: أبي عبد الله عامر عبدالله فالح، مكتبة العبيكل.
لسان العرب: محمد بن مكرم جمال الدين ابن منظور (ت: ٧١١هـ)، دار صادر- بيروت، ط/3، ١٤١٤ هـ.
مجموعة الفتاوي: تقي الدين بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (ت: ٧٢٨هـ)، دار الكتب العلمية، ط/1، ١٤٠٨هـ – ١٩٨٧م.
المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت: ٢٧٦ هـ)، تحقيق: مروان العطية – محسن خرابة، دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع، ط/1، ١٤١٠ هـ – ١٩٩٠ م.
مسند أحمد: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (241ه)، مؤسسة الرسالة.
معاني القرآن: أبو جعفر النحاس أحمد بن محمد (ت ٣٣٨ هـ)، تحقيق: محمد علي الصابوني، الناشر: جامعة أم القرى – مكة المكرمة
النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدين ابن الأثير (ت: ٦٠٦هـ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي- محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية – بيروت، ١٣٩٩هـ – ١٩٧٩م.
الهوامش:
- ) العين (مادة: شفع): أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي البصري(ت ١٧٠هـ)، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، الناشر: دار ومكتبة الهلال :1/260-261، وتهذيب اللغة (مادة: شفع): محمد بن أحمد بن الأزهري (ت: ٣٧٠هـ)، تحقيق: محمد عوض مرعب، ط/ 1، الناشر دار إحياء التراث العربي – بيروت، ٢٠٠١م. 1/ 278، وينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: أبو نصر إسماعيل الفارابي (ت: ٣٩٣هـ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط/4، الناشر دار العلم للملايين – بيروت، ١٤٠٧ هـ – ١٩٨٧ م. 1238، ولسان العرب (مادة: شفع): محمد بن مكرم جمال الدين ابن منظور (ت: ٧١١هـ)، ط/3، دار صادر- بيروت، ١٤١٤ هـ، 8/ 144-145. ↑
- ) النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدين ابن الأثير (ت: ٦٠٦هـ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي- محمود محمد الطناحي، الناشر المكتبة العلمية – بيروت، ١٣٩٩هـ – ١٩٧٩م. 5/ 485. ↑
- ) التعريفات: علي بن محمد الجرجاني (ت ٨١٦هـ)، تحقيق: ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، ط/1، الناشر دار الكتب العلمية بيروت- لبنان، ١٤٠٣هـ -١٩٨٣م 127. ↑
- ) قاموس العقيدة: أبي عبد الله عامر عبدالله فالح، مكتبة العبيكل، 103. ↑
- ) سورة: البقرة: الآية: (254). ↑
- ) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 5/ 385. ↑
- ) ينظر: في ظلال القرآن: سيد قطب: 1/ 416. ↑
- ) سورة الزمر الآية : (44). ↑
- ) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري (ت:٣١٠هـ)، الناشر دار التربية والتراث – مكة المكرمة، 21/ 300. ↑
- ) سورة الانبياء الآية: (107) ↑
- ) ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان: 2/ 624. ↑
- 12) سورة سبأ الآية: (23). ↑
- ) ينظر: معاني القرآن: 5/ 415. ↑
- ) سورة الأنبياء الآية: (28). ↑
- ) مجموعة الفتاوي: ابن تيمية، 1/ 214. ↑
- ) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، الرقم: 2278. ↑
- ) ينظر: المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير: 60. ↑
- ) مسند أحمد: مسند عبدالله بن عمر، الرقم: 5452. ↑
- ( الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه= صحيح البخاري محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر , كتاب المغازي , باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن اثال ((5/ 170 برقم 4372). ↑
-
) سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، الرقم: 2549. ↑