د. هبة علوي1
1 مركز الدراسات المصرية، كلية التاريخ، جامعة تشنغتشو، تشنغتشو، الصين
بريد الكتروني: alouihiba@hotmail.fr
HNSJ, 2023, 4(5); https://doi.org/10.53796/hnsj4520
تاريخ النشر: 01/05/2023م تاريخ القبول: 18/04/2023م
المستخلص
ثمة تحديات تعصف بالإقتصاد العالمي الذي ينتعش ببطء شديد نتيجة السياسات الأحادية الناجمة عن العولمة الرأسمالية، التي تنتهجها بعض الدول بهدف تركيع الأخرين والسيطرة على خيراتهم ومقدراتهم وقرارهم السيادي، وخاصة تجاه بلدان العالم الثالث. فالصين ومنذ تبني سياسة الإصلاح والإنفتاح، إلتزمت بصياغة مفهوم تنموي جديد، للتغلب على مشكلة التنمية الغير متوازنة، وإتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتهميش العالم الثالث، وإقتران المساعدات الغربية بشروط سياسية غير عادلة، دون إحترام للنظم السياسية والإجتماعية والإقتصادية للدول.
وعليه، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ وخلال زيارته لأندونسيا عام 2013 مبادرة الحزام والطريق، بهدف بناء الحزام الإقتصادي على طول طريق الحرير القديم منذ ثلاثة ألاف عام، لربط الصين بالقارات الثلاث: أسيا وأوروبا وأفريقيا. وجاءت هذه المبادرة من أجل تعزيز علاقات التعاون والتبادل الإقتصادي، وتحقيق الإستقرار والإزدهار والتنمية للجميع. وأعتبرت هذه المبادرة بمثابة أحد أهم روافد نجاح السياسة الخارجية الصينية الجديدة “فاعلية الدبلوماسية الصينية” تجاه الأخرين، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
هدفت هذه الدراسة للتعرف وتقييم أثر فاعلية مبادرة الحزام والطريق في تعزيز علاقات التعاون الصينية العربية، وخاصة تطوير علاقات التعاون والتبادل الإقتصاي، والعلاقات الدبلوماسية السياسية والعلاقات الثقافية والإعلامية. حيث سيتم التعرف على ملامح التجربة مع تونس من الناحية التنموية، وملامح التجربة مع فلسطين من الناحية السياسية، والمتعلقة بثبات الموقف الصيني تجاه حل القضية الفلسطينية، وتحقيق الأهداف السياسية للفلسطينيين وفق حل سياسي قائم على القانون الدولي، إيماناً من الصين أن تحقيق السلام يتم من خلال تحقيق التنمية. إضافة لذلك، التعرف على التحديات والمعيقات التي تحول دون تحقيق أهداف المبادرة بالشكل المطلوب تجاه المنطقة العربية.
وخلصت الدراسة أن مبادرة الحزام والطريق كأحد أهم دوافع فاعلية الدبلوماسية الصينية تجاه منطقة الشرق الأوسط، هي فعالة وثابتة، وعملت على تعزيز العلاقات والروابط الصينية العربية على كافة الصعد والمستويات. في المقابل، يرى أخرون أن الصين تسعى من خلال تلك المبادرات والأفكار التي تمثل سياستها الخارجية، لقيادة العالم لبر الأمان من أجل تحقيق الإستقرار والنمو بهدف تحقيق المنفعة المشتركة، إحترام وحماية سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، حماية الأمن والسلم الدوليين وتحقيق الفوز والمصير المشترك للجميع.
ستعتمد هذه الدراسة على المنهج التاريخي ومنهج تحليل المضمون.
الكلمات المفتاحية: الصين، الدول العربية، تونس، فلسطين، مبادرة الحزام والطريق، الأمن المستدام والتنمية.
The impact of the effectiveness of the Belt and Road Initiative on strengthening Sino-Arab cooperation relations
Dr. Hiba Aloui1
1Center for Egyptian Studies, School of History, Zhengzhou University, Zhengzhou, China
Email: alouihiba@hotmail.fr
HNSJ, 2023, 4(5); https://doi.org/10.53796/hnsj4520
Published at 01/05/2023 Accepted at 18/04/2023
Abstract
There are challenges afflicting the global economy, which is recovering very slowly as a result of the unilateral policies resulting from capitalist globalization, which some countries pursue with the aim of subjugating others and controlling their goods, capabilities, and sovereign decisions, especially towards third world countries. China, since adopting the policy of reform and openness, has been committed to formulating a new development concept, to overcome the problem of unbalanced development, the widening gap between the rich and the poor, the marginalization of the Third World, and the association of Western aid with unfair political conditions, without respect for the political, social and economic systems of countries.
Accordingly, Chinese President Xi Jinping, during his visit to Indonesia in 2013, launched the Belt and Road Initiative, with the aim of building an economic belt along the ancient Silk Road three thousand years ago, to link China with the three continents: Asia, Europe and Africa. This initiative came in order to strengthen relations of cooperation and economic exchange, and to achieve stability, prosperity and development for all. This initiative was considered one of the most important tributaries of the success of the new Chinese foreign policy, “the effective of Chinese diplomacy” towards others, especially in the Middle East region.
This study aimed to identify and evaluate the impact of the effective of Belt and Road Initiative in strengthening Chinese-Arab cooperation relations, especially the development of economic cooperation and exchange, political diplomatic relations, cultural and media relations. Where the features of the experience with Tunisia will be identified in terms of development, and the features of the experience with Palestine in terms of politics, related to the stability of the Chinese position towards resolving the Palestinian issue, and the achievement of the political goals of the Palestinians according to a political solution based on international law, as China believes that peace is achieved through achieve development. In addition, identifying the challenges and obstacles that prevent achieving the goals of the initiative in the required manner towards the Arab region.
The study concluded that the Belt and Road Initiative, as one of the most important motives for the effective of Chinese diplomacy towards the Middle East region, is effective and stable, and has worked to strengthen Chinese-Arab relations and ties at all levels. On the other hand, others believe that China seeks, through those initiatives and ideas that represent its foreign policy, to lead the world to safety in order to achieve stability and growth with the aim of achieving mutual benefit, respecting and protecting the sovereignty of countries and non-interference in their affairs, protecting international peace and security and achieving victory and a common destiny for all.
This study will depend on the historical method and the content analysis method.
Key Words: China, Arab countries, Tunisia, Palestine, the Belt and Road Initiative, sustainable security and development.
المقدمة
الصين دولة لديها حضارة مستمرة منذ 5000 عام، ومن الطبيعي والمتوقع أن تنظر الصين إلى العالم من منظور مختلف وبعيد المدى، فالتعلم من الماضي لخدمة الحاضر والتخطيط لمستقبل أفضل. لذلك، حققت الصين قفزات ملموسة منذ أن تبنت التحديثات الأربعة سنة 1978، ونظرية الصعود السلمي سنة 2003، بحيث إستطاعات وخلال فترة وجيزة تحقيق قفزة نوعية في التحولات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والعلمية والتكنولوجية والطاقة، والتي جعلتها في عام 2021 في مكانة متقدمة ومتطورة، وهو ما إستدعى تطور السياسة الخارجية الصينية تجاه الأخرين من خلال الإنفتاح والتعاون، بهدف تحقيق المنفعة المشتركة والمصير المشترك تجاه العالم عموماً والمنطقة العربية بشكل خاص.
فالتحديات الصعبة والملموسة أصبحت تتسارع في عالم اليوم، بعد أن فشل نظام أحادي القطبية الذي ساد بعد إنتهاء الحرب الباردة، من الوفاء بإلتزاماته تجاه التعاون المشترك للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وتحقيق التنمية المستدامة، وإحترام سيادة الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، التي تقتضي وجود ترتيبات وتدابير مشتركة، ومتكاملة في احتواء التهديدات الآنية، والتحديات المستقبلية التي يتعرض لها العالم. فعلى سبيل المثال، تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي، وتهديدات البيئة، مع مشاكل نقص الغذاء والأمن المائي لإشباع الحاجات المتنامية، في ظل انفجار سكاني مخيف، ناهيك عن انعكاسات غياب القدرة في أحكام السيطرة على انتشار أسلحة الدمار الشاملة، والتداعيات الاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، نتيجة إرتفاع نسب مديونية الدول الفقيرة والضعيفة والنامية، وتصدع الأمن المحلي والإقليمي في مناطق عديدة من العالم جراء انتشار ظواهر الطائفية السياسية، وانتهاكات حقوق الأقليات العرقية والدينية، والنزاعات الدولية على الحدود، والصراعات والحروب الإقليمية، والنزاع على مصادر المياه. فكلها قضايا كانت وما زالت تهدد الأمن والسلم الدوليين في مستوياته الثلاثة المحلية والإقليمية والدولية، وأن أي محاولة للتغلب عليها في إطار إمكانات الحل من قبل دولة واحدة، أو مجموعة محدودة من الدول، لا يمكن أن يتحقق دون تعاون مشترك.
بناءاً على ذلك، قامت الصين بتطوير السياسة الخارجية الخاصة بها تجاه الأخرين بهدف بناء نظام متعدد الأقطاب بعيدأ عن نظام أحادي القطبية، الذي تعتبره يهدد الأمن والسلم الدوليين، وخاصة مع تفاقم الأزمات والتحديات العالمية والإقليمية دون حل. حيث تسعى الصين للإلتزام بمبادئ وميثاق الأمم المتحدة، بهدف مواصلة هيبة المنظومة الدولية والقانون الدولي بعيداً عن الهيمنة ونظام أحادي النفوذ وتعزيز السيطرة على النظام الدولي، والسعي الجدي للحفاظ على سيادة وحقوق الدول، وتعزيز الإحترام المتبادل بينهما، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتحقيق المنفعة والمصالح المشتركة للجميع دون إستثناء، وصولاً للمصير والفوز المشترك.
وعليه، بلورت الصين عدة مبادرات وأفكار ومقترحات واقعية وعملية، لتعبر عن فاعلية الدبلوماسية الصينية، من خلال الإنفتاح وتطوير السياسة الخارجية للصين تجاه الأخرين، بهدف تعزيز التعاون والتفاهم والحوار، وتجسيد العمل الجماعي المشترك، وصولاً لتحقيق الأمن والإستقرار والإزدهار في مناطق مختلفة من العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، بحيث أصبحت السياسة والدبلوماسية الصينية هي عبارة عن “مبادرات” لتحقيق الأمن والتنمية العالميين.
فعلى سبيل المثال، وفي عام 2013 إقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة “الحزام والطريق” بهدف تعزيز وتقوية الروابط ما بين الصين والقارات الثلاث، أسيا وأوروبا وأفريقيا، من خلال الحزام البحري وطريق الحرير البري منذ ألفي عام، والممتد من سلطنة عمان للجزيرة العربية، وللبتراء والقدس، وما يتبع ذلك وصولاً لأوروبا، ومن ثم مروراً بمصر للوصول للقارة الأفريقية، عن طريق طرح مشاريع البنى التحتية والمشاريع الإستثمارية في كافة المجالات، وخاصة في مجالي الطاقة والتكنولوجيا. فالهدف من تلك المبادرة والمنظور الإقتصادي والإستثماري الصيني هو تحقيق الهدوء والتفاهم والتعاون بين كافة الأطراف وصولاً لتحقيق الأمن والإستقرار والتنمية المستدامة من أجل المصلحة المشتركة والمصير المشترك للجميع.
فالصين تريد تحقيق التفاهم والتعاون بين كافة الأطراف في منطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق الإستقرار والإزدهار، فهي ترى أن التناقضات والصراعات لا تخدم أحد، فالصين تريد شرق أوسط مستقر ومزدهر ليخدم الجميع وليس فقط الصينيين، وهذا ما يميز السياسة الخارجية الصينية ونظرتها لتحقيق المصلحة المشتركة مع الجميع، فالصين تقدم المبادرات والحلول من أجل تحقيق تلك الغاية.
في المقابل، يرى أخرون أن تحركات الصين في الشرق الأوسط كانت في الأغلب تحت ضغط ظروف إقليمية ودولية، وأن الصين حتى لو بادرت إلى طرح مبادرات محددة أو اتخاذ مواقف واضحة حيال قضية ما، ذلك يعني أنها تتصرف في الأغلب وفق خطوات حذرة وقلقة، من خلال اللجوء إلى دعوة الأطراف إلى الحوار والتفاوض لحل الأزمات من غير تقديم أي مبادرة أو حل.
ويرى البعض كذلك، أن مبادرة “الحزام والطريق” شهدت تجاوباً محدوداً من بعض الدول العربية، وهذا يمكن تفسيره بالنظر في أمرين مهمين: الأول هو ضبابية صورة المشروع وغموض أهدافه، والثاني الخوف من تأثيره في أهم الممرات العالمية التي تقع ضمن الدول العربية، ولا سيما قناة السويس، ما ينعكس بدوره سلبياً على الاقتصاد العربي – المصري، فالتأثيرات ستكون في البداية محدودة ولا تمثل خطراً حقيقياً وواضحاً في الأمد القريب، إلا أن هذا التهديد سيكون أكبر وأكثر تأثيراً في حال طورت البنى التحتية اللازمة للمبادرة، وحصل التغلب على المشكلات السياسية التي تعانيها بعض دول المنطقة التي يمر بها طريق الحرير الجديد. هذا التجاوب الحذر من الدول العربية سبب خيبة أمل عند الصينيين، الذين اعتبروا أن التجاوب العربي مع المبادرة جاء متواضعاً جدا ولم يرق إلى مستوى توقعاتهم.
وبناءً على ذلك، يرى البعض أن هناك عوامل مؤثرة في موقف الصين من قضايا المنطقة العربية، وأهمها: أمن الطاقة وارتباط هذا الأمن بالمنطقة، وهدف التجارة والاستثمار، حيث تطورت التجارة وتضاعفت مشروعات الاستثمار بشكل كبير يتناسب طردياً مع ازدياد الحاجة الصينية إلى المنطقة وحاجة المنطقة إلى الاستثمارات الصينية وتجارتها، وايضاً دور العامل الأميركي في سياسة الصين الشرق الأوسطية وتأثيره الفعلي في المواقف الصينية من أهم القضايا التي شهدتها المنطقة العربية، وكذلك تطلع الصين وطموحها إلى تحقيق الهيمنة في المنطقة، انطلاقاً من إرث تاريخي يعود إلى العهد الإمبراطوري، وطموح حاضر في نموها الاقتصادي المزدهر، وأخيراً عامل العلاقات المتداخلة والمعقدة بين الصين والقوى الفاعلة الأساسية الثلاث في المنطقة، أي المملكة العربية السعودية وإيران وإسرائيل، ومدى تأثير هذه العلاقات في توجهات الصين وسياستها تجاه المنطقة العربية وقضاياها المهمة.
مشكلة الدراسة
ظهرت مشكلة الدراسة لفحص أثر فاعلية مبادرة الحزام والطريق على تعزيز علاقات التعاون الصينية العربية لما يحقق المصلحة والمنفعة المتبادلة، في ظل تباين الآراء والمواقف عند العديد من الكتاب والباحثين تجاه أهداف وطموحات الصين من وراء طرح تلك المبادرات والأفكار لرسم وتطور علاقاتها في المنطقة العربية، على سبيل المثال، طرح مبادرة “الحزام والطريق” من أجل نجاح وتحقيق تلك الغاية أم لغايات أخرى.
أسئلة الدراسة
ستحاول الدراسة الإجابة عن السؤال الرئيسي الآتي: هل مبادرة الحزام والطريق فعالة بالمعنى المطلوب وستكون قادرة على تعزيز وقوية علاقات التعاون والتبادل الصينية – العربية لما يحقق المصلحة والمنفعة المتبادلة بين الطرفين؟
أهداف الدراسة
إن الهدف الرئيسي لهذه الدراسة هو تقييم مدى فاعلية ونجاح مبادرة “الحزام والطريق” في تعزيز وتقوية العلاقات الصينية – العربية لما يحقق الأهداف المشتركة بينهما، في التعاون والتبادل في كافة المجالات والقطاعات، وتحقيق الإستقرار والإزدهار في منطقة الشرق الأوسط، في ظل جملة من التحديات التي تعصف بالمنطقة العربية، واهمهما غياب الإستقرار والهدوء من جهة، ومن جهة أخرى دور وموقف أمريكا الرافض لإنجاح دور الصين في منطقة الشرق الأوسط.
أهمية الدراسة
إستشراف أهمية مبادرة “الحزام والطريق” في تعزيز أواصل الروابط في التعاون والتبادل ما بين الصين والدول العربية لما يحقق المنفعة المتبادلة وتحقيق الإستقرار والإزدهار في المنطقة. كذلك توجيه إهتمام الطرفين لضرورة الإنفتاح وتعزيز العمل المشترك، لما في ذلك مصلحة عربية وصينية لحل مجمل القضايا في الشرق الوسط. وأيضاً محاولة تسليط الضوء على التحديات والصعوبات الحقيقية التي تحول دون تحقيق الأهداف المنوطة بمبادرة “الحزام والطريق”. وأخيراً إثراء البحث العلمي بدراسة جديدة تتناول أثر فاعلية مبادرة “الحزام والطريق” في تعزيز وتقوية العلاقات الصينية – العربية لما يحقق الأهداف المشتركة بينهما، في التعاون والتبادل في كافة المجالات والقطاعات، وتحقيق الإستقرار والإزدهار في منطقة الشرق الأوسط، رغماً عن كافة التحديات الإقليمية والدولية التي تؤثر وتتأثر بها الصين والمنطقة العربية.
منهج الدراسة
ستعتمد الدراسة على المناهج العلمية البحثية الأتية:
– المنهج التاريخي، حيث سيتم من خلال هذا المنهج تتبع تسلسل الأحداث التاريخية من أجل الوصول لنتائج تخدم موضوع البحث.
– المنهج الوصفي التحليلي، حيث يتم إستخدام هذا المنهج نظراً لأهميته في عرض وتحليل المعلومات والأحداث الخاصة بموضوع البحث، ومحاولة تحليلها ونقدها.
الفصل الأول: الإطار النظري لمبادرة الحزام والطريق
نشأة مبادرة “الحزام والطريق”
يعتبر طريق الحرير الجديد أكبر ممر إقتصادي بالعالم، حيث يشمل حسب التقديرات على 65 دولة، في اسيا الوسطى وأوروبا ومنطقة الشرق الوسط. وينقسم طريق الحرير الجديد إلى مسارين، مسار بري ومسار بحري. فالمسار البري هو الحزام الإقتصادي لطريق الحرير، حيث دعا الرئيس شي جين بينغ في سبتمبر 2013 في كازاخستان لإنشاؤه، بحيث يتم بموجبه إنشاء البنى التحتية للتجارة في كافة القطاعات. أما المسار البحري هو طريق الحرير البحري، حيث دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ لإنشاؤه في اكتوبر عام 2013 في أندونسيا، ويسعى هذا الطريق لبناء وتوسيع الموانئ والقنوات، بناء قناة السويس الجديدة[1].
وعليه، فمبادرة “الحزام والطريق” خطة تنموية أطلقتها الحكومة الصينية، والتي تسعى إلى ربط آسيا بأوروبا وأفريقيا عبر الشبكات البرية والبحرية بهدف تحسين التكامل الإقليمي وزيادة التجارة وتحفيز النمو الاقتصادي. ووضعت الصين خمس أولويات رئيسية لتطبيق المبادرة، هي تنسيق السياسات، وربط البنية التحتية، والتجارة دون عوائق، والتكامل المالي، وتوثيق الروابط بين الشعوب. وتحتوي المبادرة على برامج استثمارية كبيرة في مشاريع البنية التحتية، كما تتحول إلى آلية تنشيط التجارة بين الصين وشركاء المبادرة، وخاصة في المنطقة العربية[2].
والجدير بالذكر أن الحكومة الصينية أصدرت الرؤى وخطة العمل حول دفع البناء المشترك للحزام والطريق عام 2015، ومنذ ذلك الحين، تُعقد من أجلها مؤتمرات وندوات وتوفر لها وسائل الإعلام الصينية مساحات واسعة من التقارير والتحليلات، إذ أن مبادرة الحزام والطريق تُجسد روح طريق الحرير المتمثلة في السلام والتعاون، والانفتاح والتسامح، والتعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة، والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، كما أنها تعمل على بناء عالم هادئ يسوده السلام الدائم والأمن الشامل والازدهار المشترك وكذلك الانفتاح الشامل[3].
وبناءأ على ذلك، فالمبادرة وضعت أسس واسعة في بناء “الحزام والطريق” وأهمها: التماثل التاريخي، والتوافق السياسي، والقيم الإنسانية بين الحضارتين الصينية والعربية. فعلى سبيل المثال، أدلى الرئيس الصيني شى جين بينغ خطاباً بعنوان “التشارك في خلق مستقبل أفضل للعلاقات الصينية – العربية” خلال زيارته مقر الجامعة العربية في مصر، حيث أكد أن الصين على استعداد لتكون من بناة السلام في الشرق الأوسط، دافعة لتنميته، مساهمه في تطوير صناعاته، داعمة لتثبيت استقراره، وشريكه في تعزيز تفاهم شعوبه، كما أن الصين ستعمل باستمرار على تعزيز التعاون الصيني – العربي في المستقبل بما يشكل شبكة التعاون والشراكة القائمة على المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وما يحقق مجتمعا موحدا ذا مصير موحد للبشرية جمعاء”[4].
أهداف مبادرة “الحزام والطريق”
تهدف المبادرة إلى محاولة إحياء طريق الحرير البحري (الحزام) والطريق البري (الطريق) اللذين كانا يربطان الصين بالعالم الخارجي قبل آلاف السنين، ويتم من خلالهما تعزيز التبادل التجاري وتبادل الثقافات والعلوم. وتقوم المبادرة على مبادئ وميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي: كالاحترام المتبادل للسيادة الوطنية، وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمنفعة المتبادلة، وترتكز المبادئ الحاكمة لتطبيق المبادرة على التنسيق السياسي بين الدول وتعزيز التواصل والحوار والتجارة دون عوائق لتهيئة الظروف اللازمة للتنمية الاقتصادية، وتسعى إلى ربط دول آسيا وإفريقيا وأوروبا عبر شبكة مواصلات من الجسور والطرقات والسكك الحديدية، وكذلك بناء الموانئ والمطارات وإنشاء مناطق التجارة الحرة. وقد لاقت المبادرة تجاوباً ومشاركة نشطة من 123دولة بما فيها دول عربية وشرق أوسطية، ويغطي نطاق المبادرة نحو 70 دولة في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا[5].
وبذلك تعتبر المبادرة هي محور العمل التعاوني والصداقة مع الدول الشريكة، حيث أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه الذي ألقاه في الجلسة الإفتتاحية للدورة الأولى لقمة الحزام والطريق للتعاون الدولي، بكين، 14 مايو عام 2017، أن روح المبادرة تعني التعاون السلمي والإنفتاح والتسامح والإستفادة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والكسب والمصير المشترك[6].
وعليه، تسعى المبادرة إلى تناسق السياسات، أي تعزيز التعاون والتنسيق بين الحكومات. كذلك ترابط البنى التحية من خلالها، وتسير التجارة والأعمال، وتعزيز التعاون والتدفق المالي، وإنجاح المؤسسة المالية التي ستسعى لإنجاح مشاريع البنية التحتية “البنك الأسيوي للإستثمار في البنية التحتية” عام 2013، ونجاح “صندوق طريق الحرير” عام 2014، لإنجاح المشاريع التنموية، وأخيرا تعزيز التفاهم بين الشعوب.
أهمية مبادرة “الحزام والطريق”
تكمن أهمية المبادرة في أنها سلمية وتبعث على الاسترخاء والإبتكار وتناغم الحضارات. كذلك معالجة العلاقات الست وتلبية متطلبات إنجاح بناء الحزام والطريق، وأهمها: العلاقة بين مصالح الصين ومصالح الدول الأخرى على طول الحزام والطريق، والعلاقة بين الحكومات، السوق والمجتمع، العلاقة بين التعاون الاقتصادي والتجاري والتبادلات الثقافية، العلاقة بين الانفتاح الخارجي والحفاظ على الأمن القومي، العلاقة بين التقدم الواقعي واتجاه الرأي العام، العلاقة بين الهدف الوطني العام والهدف المحلي الواقعي. وأيضاً تنفيذ انفتاح خارجي شامل واتجاهات ومفهوم ونهج جديد للمساهمة في التعاون الإقليمي والحوكمة العالمية. وعليه، أصبحت مبادرة “الحزام والطريق” مدعومة من قبل وبمشاركة أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية، وتحول مفهوم بناء الحزام والطريق إلى حركات عالمية واقعية، وبالتالي فإن أهمية المشروع الصيني تكمن في دفع النظام الحكومي العالمي إلى التناغم التقدم والتنمية نحو اتجاه أكثر عدالة وإنصاف للجميع. فعلى سبيل المثال، حتى أغسطس 2019، وقعت الصين 195 اتفاق تعاون مع 166 دولة أو منظمة دولية، مما أرسى الأساس لتنفيذ مبادرة “الحزام والطريق”[7].
الفصل الثاني: تطور العلاقات العربية الصينية
ترتبط الصداقة بين الصين والدول العربية منذ زمن طويل، حيث ارتبطت العلاقات الصينية والعربية بطريق الحرير برا وبحرا منذ أكثر من 2000 عام، ظل خلالها السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والمنفعة المتبادلة قيما مشتركة في التواصل بين الجانبين.
صادف تأسيس الصين الجديدة مع سعي الدول العربية للإستقلال والتحرر من الإستعمار الأجنبي، حيث أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين وجميع الدول العربية ال 22 خلال الفترة 1956-1990، وأيدت الصين حركة التحرر الوطني العربي ونضالات الأمم من أجل حق تقرير المصير للشعوب والحفاظ على السيادة الوطنية[8].
فبعد انتهاء الحرب الباردة، وتماشيا مع التوجه نحو السلام والتنمية والتعاون، قرر الجانبان الصيني والعربي على التعامل مع بعضهما البعض باحترام ومساواة، وعملا على تعميق الصداقة التقليدية وتطوير العلاقات الثنائية، بحيث حققت نتائج إيجابية في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والعلمية والتكنولوجية والثقافية والتعليمية والعسكرية والصحية والرياضية والإعلامية، وحققت كذلك علاقات تبادل وتعاون طويل الأمد في كافة المجالات وعلى كافة الصعد[9].
فعلى سبيل المثال، في عام 2004، تم إنشاء منتدى التعاون الصيني العربي، والذي أصبح إطار تعاون جماعي يشمل العديد من المجالات والقطاعات. وفي عام 2010، أقيمت علاقات تعاون استراتيجي على أساس التعاون الشامل والتنمية المشتركة بين الصين والدول العربية، الأمر الذي أوصل التعاون الجماعي الصيني العربي إلى مرحلة جديدة من التطور والتقدم النوعي بشكل شامل[10].
ويحرص الجانب الصيني على تعزيز التشاور والتنسيق مع الجانب العربي للعمل سوية من أجل الحفاظ على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مع الإلتزام بتنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة، والحفاظ على العدالة في المجتمع الدولي، من خلال تطبيق مبدأ التعددية بين الأطراف كافة، وبعيداً عن الأحادية التي تضر بالمنظومة الدولية والقانون الدولي[11]. وعليه، فاالصين والدول العربية تسعيان لتعميق أسس التفاهم والتعاون والتنسيق المشترك إستناداً لإحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤون الغير، وتحقيق المنفعة المتبادلة والمصير المشترك.
بناءاً على ذلك، تولي الصين أهمية للعلاقات مع الدول العربية، وتسعى للحفاظ على الأمن والاستقرار ودفع التنمية في المنطقة، وتدعم الصين الدول العربية ليكون لها دوراً أكبر في الشؤون الدولية والإقليمية تجاه كافة القضايا، لذلك فالصين مستعدة لمزيد من التشاور والتعاون والعمل المشترك مع جامعة الدول العربية لخدمة كافة القضايا التنموية والسلمية [12].
وعليه، يمكن القول إن الصين تحافظ على استقرار الموقف الصيني الثابت تجاه الدول العربية، وخاصة تجاه قضايا المنطقة العربية، التي لازالت تعاني إضطرابات وإنقسامات وحروب ونزاعات نتيجة غياب الحوار والتفاهم والتعوان بين الأطراف كافة، ومن جهة أخرى غياب حل القضية الفلسطينية وتحقيق الأهداف السياسية للفلسطينيين، نتيجة الموقف الأمريكي والإسرائيلي الرافض والمتجاهل لحل القضية وتطبيق القانون الدولي تجاهها، وخاصة أنها القضية الجوهرية في المنطقة وبوابة السلم والأمن الدوليين. لذلك سعت الصين لتطوير سياستها الخارجية تجاه المنطقة العربية وكافة القضايا، سعياً لتحقيق الإستقرار والإزدهارفي منطقة الشرق الأوسط. فتبلورت هذه السياسة من خلال افكار ومقترحات ومبادرات، مثل مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، والتي تهدف لتحقيق الإستقرار والإزدهار من خلال تعزيز العمل المشترك والتفاهم والتعاون بين الأطراف كافة في المنطقة العربية، وصولاً لحل كافة القضايا العالقة.
لذلك تمثل مبادرة الحزام والطريق واحدة من أهم مبادرات التنمية الإقليمية والدولية للقرن الحادي والعشرين، في سبيل تحقيق الإستقرار والإزدهار من خلال تنمية التعاون والعمل المشترك والتفاهم والحوار بين كافة الأطراف، بهدف حل المشاكل لحماية الأمن والسلم الإقليمي والدولي. وهذا من شأنه تعزيز الإحترام المتبادل بين الأطراف كافة، وحماية سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤون الغير الداخلية، والسعي لتحقيق المنفعة المشتركة والمصير المشترك.
نلاحظ مما سبق أن مبادرة “الحزام والطريق” عززت العلاقات والمفاهيم التي تأسست من أجلها مع الدول المجاورة والأصدقاء، فسعت لتعزيز الروابط والمفاهيم المتعلقة بالسلام والتعاون، الانفتاح والتسامح، والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك. فالسياسة الخارجية الصينية من خلال الإعلان عن مبادرة “الحزام والطريق” كأهم روافد فاعلية الدبلوماسية الصينية، والرافعة لإنجاح التعاون والتبادل الاقتصادي الصيني في كافة المجالات تجاه الآخرين وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي سيؤدي إلى تقوية الثقة السياسية المتبادلة، التكامل الاقتصادي والتسامح والتبادل الثقافي[13].
الفصل الثالث: مبادرة “الحزام والطريق” وانعكاساتها السياسية والاقتصادية على الدول العربية: فلسطين وتونس نموذجاً
تطور العلاقات الصينية الفلسطينية
تعد القضية الفلسطينية من أهم القضايا الدولية التي تحتل جزءاً كبيراً من السياسة الدولية، والصين من الدول الكبرى التي أولت اهتماماً كبيراً لهذه القضية في سياستها الخارجية. وعليه، قامت الصين بتطوير السياسة الخارجية الصينية تجاه حل القضية الفلسطينية وفق القانون الدولي والقرارات والإتفاقيات ذات الصلة، بعد أن حظيت العلاقات الصينية الفلسطينية تطوراً ملحوظاً منذ خمسينات القرن الماضي. لذلك طرحت الصين العديد من المبادرات والمقترحات والأفكار للمساعدة في حل القضية الفلسطينية وفق حل سياسي قائم على ميثاق ومبادئ القانون الدولي. فعلى سبيل المثال، مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، التي إنضمت لها فلسطين رسميا عام 2022، والتي تهدف لتعزيز وتطوير علاقات التعاون والتبادل الإقتصادي والتجاري، وتنمية العلاقات الدبلوماسية الفعالة، وتطوير العلاقات الإعلامية والثقافية، وما شابه. وتم كذلك طرح مبادرة “النقاط الأربع” عام 2017، تجاه حل القضية الفلسطينية، من خلال دعم الحل السياسي، تعزيز الأمن المستدام، وتنسيق جهود المجتمع الدولي، وتحقيق السلام من خلال التنمية. وفي عام 2021، تم طرح مبادرة “النقاط الثلاث” من قبل وزير خارجية الصين أثناء زيارته لمصر، والتي أكد فيها على دعم الحل السياسي التفاوضي بين طرفي النزاع وفقاً للقانون الدولي والإتفاقيات ذات الصلة، ودعم وتقوية المؤسسات الفلسطينية، ودعم تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية من أجل توحيد جهود الفلسطينيين في برنامج سياسي ورؤية واحدة لتحقيق أهدافهم السياسية. إضافة إلى فاعلية الدبلوماسية الصينية في المحافل الدولية تجاه حل القضية الفلسطينية وفق القانون الدولي.
وقبل الحديث عن الإنعكاسات السياسية والإقتصادية لمبادرة “الحزام والطريق” على القضية الفلسطينية، لا بد من الإطلاع على بعض المحطات التاريخية التي مرت بها العلاقة الصينية الفلسطينية، التطور الذي حدث في هذه العلاقة كما سنرى.
دعمت الصين بشكل ثابت وواضح حركات التحرر الوطني العربي، ودعمت النضال الفلسطيني للتخلص من الاحتلال، بهدف تحقيق السيادة الوطنية والاستقلال للفلسطينيين، وصولا لتحقيق الهدوء والتفاهم والإستقرار والإزدهار في فلسطين والمنطقة ككل.
وهناك محددات أساسية للدبلوماسية الصينية تجاه حل القضية الفلسطينية، وأهمها: فكر “ماو تسي دونغ” وهو الفكر الثوري للخلاص من الاستعمار والسعي للتحرير من أجل السيادة والاستقلال. فهذا الفكر يمثل سياسة الصين الخارجية تجاه القضية الفلسطينية أنذاك، باعتبار أن القضية الفلسطينية تنسجم مع أيديولوجية الدولة الصينية في عهد “ماو”. إلى جانب ذلك، ومع نهاية السبعينيات، وإنتهاج سياسة الإنفتاح السلمي على الأخرين، حافظت الصين على اهتمامها بالقضية الفلسطينية، وموقفها الثابت تجاه الحقوق والقضية الفلسطينية، متمسكة بذلك بالمنهج الجديد تجاه العالم وقضاياه كلاعب دولي إيجابي، بهدف تحقيق الأمن والإستقرار والتنمية وفقاً للقانون الدولي[14].
فعلى سبيل المثال، بدأ الاهتمام الصيني بالقضايا العربية بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، خلال مؤتمر باندونغ عام 1955، والذي انعقد بأندونسيا، بحيث عزز المؤتمر أسس التعاون الصيني العربي، والدعم الصيني للقضية الفلسطينية، عندئذ اتخذت الصين موقفاً داعماً للحقوق الوطنية الفلسطينية أمام المؤسسات الدولية، مما أدى إلى دعم القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، وبالأخص عند عودة الصين للمنظومة الدولية بقوة عام 1972[15].
والجدير بالذكر أن العلاقات الصينية – الفلسطينية قد مرت بثلاث مراحل مهمة، الأولى من 1964-1976، والثانية من 1976-1993 ، والأخيرة من 1993-2013. وتتمحور أهمية هذه المراحل حول ثبات وفاعلية الموقف الصيني تجاه القضية الفلسطينية والحقوق السياسية للفلسطينيين، وبذلك تطورت العلاقات الصينية الفلسطينية في كافة المجالات، ونجحت الدبلوماسية الصينية من خلال بلورة العديد من الأفكار والمقترحات والمبادرات، مثل مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، ومبادرة “النقاط الأربع” عام 2017، ومبادرة “النقاط الثلاث” عام 2021، ومبادرة “الأمن العالمي” عام 2022، وما شابه، في بلورة موقف ثابت وفعال تجاه حل القضية الفلسطينية من خلال دعم العملية السياسية لتحقيق الحقوق السياسية للفلسطينيين وفقاً للقانون الدولي. ولا بد التنويه أن الاتصالات الرسمية المباشرة بين الصين والفلسطينيين قد بدأت بداية الخمسينات من القرن الماضي، وتوجت بعلاقات رسمية دبلوماسية عام 1964.
فموقف الصين من القضية الفلسطينية مستقر وثابت وإيجابي، فعلى سبيل المثال، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغي، أثناء زيارته لمصر في عام 2016 ، خلال المرحلة الثانية من جولة الشرق الأوسط، إلى إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وأضاف أن القضية الفلسطينية “لا يجب تهميشها”. كما أعلن عن مساعدة بقيمة (7.6 مليون دولار) لمشروع محطة طاقة شمسية في الأراضي الفلسطينية. إلى جانب ذلك، قال: أن “الحفاظ على المصالح المشروعة للشعب الفلسطيني هو مسؤولية جامعة الدول العربية وكذلك المجتمع الدولي”، فيجب على الجميع تحمل المسؤولية تجاه ذلك[16].
فغالباً ما تكون الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط مشبعة بخطاب يؤكد على موضوعات الاحترام المتبادل والتعاون والعمل المشترك، وتسارع الصين إلى الإشارة إلى أنها لا تزال ملتزمة بدعم قضايا العالم النامي، وأهمها نضال الفلسطينيين من أجل تقرير مصيرهم وتحقيق سيادتهم. مع الأخذ في الاعتبار دائماً أهمية الدبلوماسية العامة والتصورات والأفكار التي تتم، حيث يتعامل القادة الصينيون مع التبادلات الثنائية مع نظرائهم الفلسطينيين على أنها أحداث دبلوماسية كبرى على قدم المساواة مع غيرها من الزيارات رفيعة المستوى بين الدول. فعلى سبيل المثال، في 18 يوليو 2017، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال محادثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي كان يزور الصين آنذاك، إن الصين تدعم التسوية السياسية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وأن الصين تدعم فلسطين في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية[17]. من هذا المنطلق يمكننا أن نرى موقف الصين الثابت والفعال تجاه القضية الفلسطينية كإحدى القضايا الدولية المعاصرة، في السعي لحلها وتحقيق الأمن والإستقرار والإزدهار من خلال نظام دولي تعددي، بعيدا عن الهيمنة في النظام الدولي. إلى جانب ذلك، يعتبر هذا الموقف، مؤيد ومتوافق مع ميثاق ومبادئ المجتمع الدولي ومنظومة الأمم المتحدة ومؤسساتها، التي تمثل القانون الدولي، وخاصة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي أنشأ لحماية السلم والأمن الدوليين.
وبناءً على ذلك، فإن استقرار الموقف الصيني تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني هو ثابت وفعال، وأدت تلك المبادرات والأفكار الصينية، كمبادرة الحزام والطريق لتحقيق الإستقرار والإزدهار في منطقة الشرق الأوسط، من خلال تعزيز التفاهم والتعاون والعمل المشترك بين الأطراف كافة، ومبادرة النقاط الأربع لحل القضية الفلسطينية، إلى توطيد العلاقات الثنائية وتعزيز تطورها ليومنا هذا في كافة المجلات وعلى كافة المستويات، والسعي الجدي من طرف الصين والأطراف العربية لإعطاء دور حقيقي وفعال للصين في المنطقة لمساهمتها ومواقفها الداعمة لإزدهار المنطقة وتحقيق الإستقرار فيها، والجدية في حل القضية الفلسطينية، على الرغم من التحديات التي تعصف بهذه الإرادة والتوجهات لتحول دون نجاحها.
أما على الصعيد الإقتصادي، فهناك تطور كبير في علاقات التبادل والتعاون الإقتصادي والتجاري، وعلى صعيد العلاقات الدبلوماسية والإعلامية والثقافية. وتظهر التقارير الرسمية الفلسطينية انه وعلى مدار الثلاثين عاماً الماضية، ساعدت الصين فلسطين على إنجاز أكثر من 40 مشروعاً وتدريب 4500 من الأكفاء في شتى المجالات. وشهدت العلاقة بين الطرفين أيضاً توقيع عديد من الإتفاقيات والمذكرات التي لها علاقة بالجانب التنموي. أضف لذلك، أن الجانبين الصيني والفلسطيني قد تطورا التعاون في مجال الصحة والطب، حيث قامت الصين بإرسال المعدات والمستلزمات واللقاحات ضد كوفيد 19 عام 2020، وإرسال الطواقم الطبية بهدف مساعدة الفلسطينيين على التغلب على الجائحة واضرارها. وفي مجال التجارة، فتم تشجيع السلع الفلسطينية لدخول السوق الصينية، ورفع مستوى تسهيل التجارة، من خلال الزيارات التجارية للوفود بين الجانبين، لخلق فرص للإستثمار وتعزيز التجارة التبادلية.
وفي عام 2018، وقعت الصين وفلسطين على مذكرة تفاهم، والتي أعتبرت إعلاناً عن إنطلاق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين رسميا، وذلك خلال زيارة نائب الرئيس الصيني وانغ تشيشان إلى عام في العام نفسه.
والجدير بالذكر هنا، أن الصين تدعم طلب فلسطين في الإنضمام لمنظمة التجارة العالمية، وأبدت الصين إستعدادها لتكثيف التعاون مع فلسطين وتقديم المساعدة لها والخبرات الضرورية لإنجاح تلك المهمة. وعلى مستوى المساعدات التنموية، فالصين تقدم المساعدات للمؤسسة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في مختلف المجالات، بهدف تحسين مستوى المعيشة وتعزيز التقدم الإجتماعي. فعلى سبيل المثال، قامت الصين بإكمال مشروع تعبيد الطرق الرابطة بمدينة رام الله، بهدف تحسين حركة السير وحرية تنقل المواطنين لأماكن عملهم وإحتياجاتهم اليومية. كذلك، قامت الصين بتقديم مشروع “المدرسة الصينية” في رام الله.
وعلى مستوى الإستثمار والصناعة، فتم عمل لجان مشتركة بين الطرفين لتبادل المعلومات والخبرات بهدف دعم هيئات تشجيع الإستثمار بين البلدين، الأمر الذي سيخدم فلسطين إقتصادياً بشكل لافت وفعال. وعلى جانب تطوير البنية التحتية، فقد حرصت الصين على مساعدة فلسطين بإنشاء وتطوير وتشغيل المناطق الإقتصادية الخاصة والمناطق الصناعية والتطويرية المتنوعة في مختلف المناطق، فعلى سبيل المثال، في يوليو عام 2018 وافقت الصين على إنشاء مشروع مدينة ترقوميا الصناعية بمدينة الخليل.
وعلى صعيد التعليم والثقافة، فقد تم إنشاء معهد كنفوشيوس بجامعة القدس في القدس أبو ديس عام 2004، ويعتبر هذا المعهد هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط الذي يمنح شهادة HSK باللغة الصينية، ويقدم المنح الدراسية للطلبة الفلسطينيين للدراسة في الجامعات الصينية. وعلى صعيد العلاقات الدبلوماسية، فالعلاقة الرسمية بين الصين وفلسطين توجت عام 1964، عندما قام وفد من منظمة التحرير الفلسطينية بزيارة بكين، وتم فتح مكتب تمثيلي للمنظمة آنذاك. وإستمرت العلاقات الدبلوماسية على أعلى المستويات ليومنا هذا، سفارة فلسطين في بكين وسفارة الصين في رام الله – فلسطين. وعزز هذه العلاقة موقف الصين الثابت والفعال تجاه حل القضية الفلسطينية، ومشروعية الحقوق والأهداف السياسية الفلسطينية في المحافل الدولية ووفقا للقانون الدولي.
في المحصلة، هذا ما أكده الرئيس الفلسطيني في قمة الرياض أثناء لقائه خطابه بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ للقمة العربية الصينية، والخليجية الصينية[18]. وأيضاُ بدوره أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه أمام القمة وبحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن موقف الصين ثابت تجاه تحقيق الأهداف السياسية للشعب العربي الفلسطيني وفقا للقانون الدولي، وتجاه دعم فلسطين والشعب الفلسطيني في كافة المجالات[19].
تطور العلاقات الصينية التونسية
تأسست العلاقات الدبلوماسية بين الصين وتونس في عام 1964، وفي نيسان من العام نفسه، تم فتح السفارة الصينية في العاصمة تونس، ومنذ ذلك الوقت تشهد العلاقات السياسية والإقتصادية والتجارية والثقافية بين البلدين تطوراً مستمراً في العديد من المجالات والقطاعات. والجدير بالذكر أن قامت البلدين بتوقيع العديد من الإتفاقيات التجارية والإقتصادية والثقافية والتنموية، وذلك بهدف تعزيز التعاون الثقافي والاقتصادي والتبادل التجاري بينهما.
وفي عام 1971، كانت تونس من أوائل الدول الأفريقية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين، تشترك البلدان في مواقف متشابهة بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وعملتا معا بشكل وثيق في العديد من المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، وحركة عدم الانحياز، ومنتدى التعاون الصيني الأفريقي. وفي السنوات الأخيرة، تم توسع التعاون الاقتصادي بين الصين وتونس بشكل مضطرد، فعلى سبيل المثال، في عام 2018، تم افتتاح المنطقة الصناعية بين الصين وتونس، والتي من المتوقع أن تعزز التجارة التعاون الإقتصادي والاستثمار، وكذلك نمت الواردات الصينة لتونس ما بين عامي 2000-2010 من 250 مليون تونسي إلى 1530 مليون دينار. وعليه، فالعلاقات التجارية نمت وتطورت خلال تلك الفترة والفترات اللاحقة، لتشكل الصين المصدر الرئيسي لتونس في مختلف الصناعات. وأيضاً تطورت العلاقة بينهما أيضاً في مجالات الثقافة والتعليم، حيث قدمت الصين منحا دراسية للطلاب التونسيين وسهلت التبادل الثقافي من خلال مهرجان الفيلم الصيني في تونس. وعليه، اتسمت العلاقة بين الصين وتونس بالاحترام المتبادل والتعاون وتعزيز الصداقة والمنفعة المتبادلة، ومن المتوقع أن تستمر في النمو والتطور في المستقبل[20].
وفي عام ديسمبر عام 2022، وخلال القمة الصينية العربية التي عقدت بالرياض، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس التونسي قيس سعيد، وأكد الرئيس الصيني خلال اللقاء لقد تغلبت الصين على الآثار السلبية للوباء ونفذت عدداً من المشاريع في الصحة والرياضة وتدريب الموارد البشرية وغيرها في تونس، مما أدى إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تونس. فالصين مستعدة لمواصلة تعزيز التعاون مع تونس بثبات في مجالات الرعاية الطبية والصحية والبنية التحتية والتكنولوجية، وتوسيع التبادلات في الموارد البشرية. وعليه، تشجع الصين الشركات الصينية المختصة على الاستثمار والعمل في تونس، وترحب بالمزيد من المنتجات والتخصصات القابلة للتسويق من تونس إلى الصين[21].
وبناءً على ذلك، فإن العلاقات التونسية الصينية تعتبر دافعاً لتطوير العلاقات الثنائية بين الصين والدول العربية. وللحديث عن أفاق التعاون الصيني التونسي، فإن علاقات التعاون الاقتصادي والتي تشمل التعاون الاستثماري بين البلدين في العديد من المجالات مثل النقل، الطاقة، الصناعة والزراعة، في تطور ملحوظ. وكذلك علاقات التعاون الثقافي، والتي تشمل علاقات التبادل الثقافي والتعاون الأكاديمي والعلمي بين الجامعات والمؤسسات الثقافية في البلدين، وتحظى اللغة الصينية بشعبية في تونس، حيث يتم تدريسها في عدد من المؤسسات التعليمية. وأيضاً العلاقات الدبلوماسية، فالعلاقات الدبلوماسية بين الصين وتونس في تطور وتعاون بين البلدين في العديد من القضايا الدولية، وتتعاون البلدين في المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، كما أسلفنا[22]. والجدير بالذكر أن قامت تونس بالتوقيع على إتفاقية الإنضمام لمبادرة” الحزام والطريق” في يوليوعام 2018.
الفصل الرابع: التحديات والعقبات أمام مبادرة “الحزام والطريق”
جاءت مبادرة الحزام والطريق كأحد أهم أذرع الدبلوماسية الصينية الفعالة تجاه منطقة الشرق الوسط والدول المشاركة فيها. فالصين تسعى لتعزيز مفهوم المصير الإنساني المشترك من خلال دعمها لتعددية الأطراف في النظام الدولي بعيداً عن الأحادية والهيمنة. وعليه، طرحت هذه المبادرة كألية لتعزيز التضامن والعمل والتعاون المشترك بين الأطراف كافة، وبالتالي القدرة على التغلب على المشاكل والسعي لحلها من خلال التفاهم وإحترام سيادة الدول وحقوقها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومن ثم تحقيق المنفعة المتبادلة والمصير المشترك.
في المقابل، فمن الطبيعي أن تطرأ بعض التحديات والمعيقات أمام أي مبادرة، لأن المبادرة هي أفكار ومقترحات من أجل تحقيق هدف محدد، فالنظرية تحتاج للتطبيق، وأن الواقع الملموس ينتج عنه معيقات وتحديات عند التطبيق. فالصين ذهبت بالمبادرة تجاه تعزيز الشراكة مع الدول العربية وخاصة تجاه فلسطين وتونس في هذه الدراسة، من الواقع النظري إلى التطبيق العملي. ويرى مفكرون أن هناك تحديات تتعلق بالجانب المادي، فقد يؤدي تمويل مشاريع البنية التحتية من خلال القروض إلى اعتماد الدول على التمويل الصيني بإمتياز، وخاصة في ظل تراجع النمو الإقتصادي في بعض تلك البلدان، وما رافق ذلك من تبعات جائحة كورونا في الأونة الأخيرة، مما يجعل الصين تتحمل أعباء أكبر في المستقبل لتغطية النقص الحاصل[23]. وكذلك هناك تحدي متعلق بالعامل الجيوسياسي، وخاصة في ظل المنافسة بين الصين وأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، وسعى أمريكا لإحباط أي نجاح صيني في منطقة الشرق الأوسط، كي لا يسجل للصين نجاح واقعي يؤدي لإستقرار وإزدهار المنطقة بجهود الصين. وأيضاً يوجد تحدي له علاقة بالواقع الغير مستقر في المنطقة، التحديات السياسية والإجتماعية والإقتصادية. فتونس على سبيل المثال، شهدت ثورة الياسمين عام 2011 بهدف الخلاص من الفساد والتغلب على البطالة والوضع الإقتصادي المتردي، ولكن لم تستقر الأوضاع في تونس وخاصة السياسية والإقتصادية، فما زالت التحديات فعالة وهناك عدم إستقرار، ومن الممكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة بين الأحزاب السياسية وبين الحكومة، وكذلك تفاقم الأوضاع المعيشية في ظل تراجع الإقتصاد.
أما فيما يتعلق بفلسطين، فهناك جملة من المحددات التي تفرض ذاتها على العلاقة الفلسطينية الصينية، وأهمها: تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية، وموقف الصين الثابت تجاه حل القضية الفلسطينية، وتطور علاقات التعاون الإقتصادي والتبادل التجاري، ونمو العلاقات الثقافية والإعلامية بين الجانبين. كذلك تأثير عوامل التنافس الدولي والإقليمي والعربي، على تطور العلاقة بين الصين وفلسطين، فأمريكا لازالت الراعي لعملية السلام ولا تريد تدخل صيني مباشر في العملية، ولا يزال هناك رهان فلسطيني على الموقف الأمريكي تجاه حل القضية الفلسطينية، على الرغم من تجاهل الإدارة الأمريكية لتحقيق الأهداف السياسية الفلسطينية وتجسيدها على أرض الواقع، وخاصة وضوح الموقف الأمريكي في مجلس الأمن ضد أي قرار لصالح فلسطين. وأيضاً، نمو التطبيع ما بين الدول العربية وإسرائيل، دون حل القضية الفلسطينية، وبالتالي تهميش مبادرة السلام العربية، والتي اتفق عليها العرب بعدم ابرام أي علاقات رسمية مع إسرائيل الا بحل القضية الفلسطينية وفق القانون الدولي والقرارات ذات الصلة، وهذا لم يحدث. إضافة إلى الموقف الإسرائيلي الرافض لتجسيد الحقوق السياسية للفلسطينيين، وعدم الإلتزام بالإتفاقيات الموقعة والقانون الدولي، والقيام بإجرءات أحادية. وأخيراً، الوضع الفلسطيني الداخلي، حالة الإنقسام والصراع الداخلي وغياب الوحدة، فلا يزال الفلسطينيون منقسمون وغير متفقين على برنامج ورؤية موحدة لتحقيق حقوقهم السياسية، وبالتالي فإن ذلك يضعف الموقف الصيني في المحافل والمؤسسات الدولية تجاه دعم حل القضية الفلسطينية[24].
وعليه، فالموقف الصيني ثابت تجاه حل القضية الفلسطينية، والعلاقات الصينية الفلسطينية متزنة وثابتة، ولكن الموقف الأمريكي يتجاهل تجسيد الحقوق السياسية للفلسطينيين، ويقيد نجاح الدور الصيني في فلسطين، وموقف إسرائيل بتجسيد الإحتلال للأراضي الفلسطينية وعدم الإلتزام بالإتفاقيات الموقعة والقانون الدولي من خلال إجراءاته الأحادية، وتداعيات الإنقسام الداخلي الفلسطيني وغياب الوحدة الوطنية، يؤثر بشكل سلبي على المساعي المبذولة من قبل الصين من خلال طرح المبادرات، مثل الحزام والطريق، بشقيها السياسي والإقتصادي التنموي، على تحقيق اهداف المبادرة تجاه حل القضية الفلسطينية وتحقيق التنمية المستدامة في فلسطين.
الخاتمة والنتائج
لقد أظهرت الدراسة أثر فاعلية مبادرة “الحزام والطريق” في تعزيز علاقات التعاون الصينية العربية، وخاصة تطوير علاقات التعاون والتبادل الإقتصاي، والعلاقات الدبلوماسية السياسية والعلاقات الثقافية والإعلامية. حيث تم التعرف على ملامح التجربة مع تونس من الناحية التنموية، وملامح التجربة مع فلسطين من الناحية السياسية، والمتعلقة بثبات الموقف الصيني تجاه حل القضية الفلسطينية، وتحقيق الأهداف السياسية للفلسطينيين وفق حل سياسي وفقاً للقانون الدولي والإتفاقيات الموقعة والقرارات ذات الصلة، إيماناً من الصين أن تحقيق السلام يتم من خلال تحقيق التنمية. إضافة لذلك، لقد تم التعرف على التحديات والمعيقات التي تحول دون تحقيق أهداف المبادرة بالشكل المطلوب تجاه المنطقة العربية وتونس والقضية الفلسطينية، فالتحديات والتراجع الحاصل مرتبط بالعوامل الدولية والإقليمية والعربية والمحلية المؤثرة على الدور الصيني، وليست مرتبطة بضعف مفهوم وماهية المبادرة وأهدافها أو بالموقف أو الدور الصيني تجاه المنطقة وقضاياها.
وعليه، تعتبر مبادرة “الحزام والطريق” أحد أهم منابر فاعلية الدبلوماسية الصينية تجاه منطقة الشرق الأوسط، فعالة وثابتة، وعملت على تعزيز العلاقات والروابط الصينية العربية على كافة الصعد والمستويات. لذلك فهذا يؤكد أن الصين تسعى من خلال تلك المبادرات والأفكار التي تمثل سياستها الخارجية، لقيادة العالم لبر الأمان من أجل تحقيق الإستقرار والنمو بهدف تحقيق المنفعة المشتركة، وإحترام وحماية سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، وحماية الأمن والسلم الدوليين، وتحقيق الفوز والمصير المشترك للجميع.
المراجع
1. Long, Ding. “مبادرة الحزام والطريق: نشأة وأهداف / The Belt and Road Initiative: Origin and Objectives” Chinese and Arab Studies, vol. 1, no. 1, 2021, pp. 81-89. https://doi.org/10.1515/caas-2021-2008.
https://www.degruyter.com/document/doi/10.1515/caas-2021-2008/html
2. سياسة الصين تجاه الدول العربية: وثيقة سياسية صادرة عن الحكومة الصينية في يناير عام 2016، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، شنغهاي، الصين.
http://arabic.people.com.cn/n3/2016/0114/c31664-9003499.html
http://ar.shisu.edu.cn/resources/news/content3720
3. النصار، أنس خالد (2020). الإستراتيجيا الصينية تجاه الدول العربية: الأهداف والمألات، دراسة إستشرافية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
https://www.dohainstitute.org/ar/BooksAndJournals/Pages/Chinese-Strategy-toward-the-Arab-Countries.aspx
4. مبادرة الحزام والطريق وإنعكاساتها المستقبلية الإقتصادية والسياسية على مصر، سلسلة قضايا التخطيط والتنمية رقم 289، معهد التخطيط القومي، يونيو عام 2018.
http://repository.inp.edu.eg/bitstream/handle/123456789/4565/%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D9%85%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%20%28%D9%86%D8%AF%D9%88%D8%A9%29.pdf?sequence=1&isAllowed=y
5. جودة، عبد المهدي (2022). الإنعكاسات الإقتصادية لطريق الحرير الجديد على مصر، المعهد العالي للعلوم الإدارية، ببني سويف، ص4.
النقر للوصول إلى article_260511_ecd63124031240bbc48e60ca03424f99.pdf
6. يوتشن، قاو (2017). الحزام الإقتصادي وطريق الحرير والإرتقاء بالعلاقات الصينية – العربية، مجلة المستقبل العربي- مركز دراسات الوحدة العربية ومعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية – الصين، بيروت، لبنان، فبراير 2017، ص194-199.
http://search.mandumah.com/Record/880591
7. خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي ألقاه في الجلسة الإفتتاحية للدورة الأولى لقمة الحزام والطريق للتعاون الدولي، بكين، 14 مايو عام 2017.
http://www.cnr.cn
8. خه يي تينغ (2017). قراءة حول الموضوعات الأساسية في أفكار شي جين بينغ عن الإشتراكية ذات الحصائص الصينية لعصر جديد، مدرسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، دار الشعب الصيني.
https://www.ccps.gov.cn/
9. العبدالرحمن، حكمات (2020). الصين والشرق الأوسط: دراسة تاريخية في تطور موقف الصين تجاه قضايا المنطقة العربية بعد الحرب الباردة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
https://www.dohainstitute.org/ar/BooksAndJournals/Pages/China and-the-Middle-East-A-Historical-Study-on-China-Evolving-Position.aspx
10. بن هويدن، محمد (2007). السياسة الصينية تجاه القضية الفلسطينية، مجلة العلوم الإجتماعية – جامعة الكويت، مجلد35، عدد1، ص63-89.
https://search.mandumah.com/Record/27463/Details
11. الهليس، محمد (2015). العلاقات الصينية الفلسطينية (1949-2013)، سلسلة أوراق بحثية (7)، من منشورات مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، معهد أبحاث السياسات الإقتصادية الفلسطيني “ماس”، نوفمبر 2015، ص 4-78. 130ص.
http://library.mas.ps/records/index/1/22469
12. China’s Xi calls for creation of Palestinian State, Aljazeera Channel.
https://www.aljazeera.com/news/2016/1/22/chinas-xi-calls-for-creation-of-palestinian-state
13. الرئيس شي: الصين تدعم حل الدولتين في القضية الفلسطينية، 19.7.2017، بكين.
http://arabic.news.cn/2017-07/19/c_136454055.htm
14. وكالة معاً الإخبارية (2022). خلال كلمته أمام القمة العربية الصينية المنعقدة في الرياض 9 ديسمبر 2022، الرئيس الفلسطيني عباس: نؤكد على الموقف الصيني للتعاون والتبادل في المجالات الثمانية المشتركة “التنمية، الأمن الغذائي، الصحة، التنمية الخضراء، الحوار بين الحضارات، الطاقة، تأهيل الشباب، الأمن والإستقرار، وصولاً لبناء مستقبل وتعاون عربي صيني مشترك”، نشر بتاريخ 9 ديسمبر 2022 الساعة 17:50 بتوقيت فلسطين.
https://www.maannews.net/news/2082931.html
15. وكالة معاً الإخبارية (2022). خلال كلمته أمام القمة العربية الصينية المنعقدة في الرياض 9 ديسمبر 2022، الرئيس الصيني شي: نؤكد دعم الصين لنيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ونعم بثبات إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية”، نشر بتاريخ 9 ديسمبر 2022 الساعة 17:58 بتوقيت فلسطين.
https://www.maannews.net/news/2082929.html
16. Zhang, Chuchu (2020). Potential to leap forward? Interrogating the relations between China and Tunisia, Asian Journal of Middle Eastern and Islamic Studies, Vol14, Issue4, P594-606.
https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/25765949.2020.1847853?scroll=top&needAccess=true&role=tab
17. Embassy of the People’s Republic in China in the Kingdom of the Netherlands, Xi Jinping Meets with Tunisia President Kais Saied, 9 Dec 2022.
http://nl.china-embassy.gov.cn/eng/zgyw/202212/t20221211_10988768.htm
18. جمال، هبة (2022). مفهوم المصير المشترك والعلاقت العربية الصينية، بين مبادرة الحزام والطريق وجائحة كورونا، مجلة كلية السياسة والإقتصاد، عدد13، مجلد14، ص1-33.
https://jocu.journals.ekb.eg/article_212824.html
19. عيادي، إسلام (2019). المنظور الصيني للقضية الفلسطينية: المواقف والأهداف وأليات تعزيز العلاقات ومستقبل العلاقات الثنائية، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية السياسية والإقتصادية، نوفمبر 2019.
المنظور الصيني للقضية الفلسطينية: المواقف، والأهداف، وآليات تعزيز العلاقات ومستقبل العلاقات الثنائية
الهوامش:
- جودة، عبد المهدي (2022). الإنعكاسات الإقتصادية لطريق الحرير الجديد على مصر، المعهد العالي للعلوم الإدارية، ببني سويف، ص4. ↑
- Long, Ding (2021). “مبادرة الحزام والطريق: نشأة وأهداف / The Belt and Road Initiative: Origin and Objectives” Chinese and Arab Studies, P81. ↑
- The previous reference, P82. ↑
- قاو يوتشن (2017). الحزام الإقتصادي وطريق الحرير والإرتقاء بالعلاقات الصينية – العربية، مجلة المستقبل العربي- مركز دراسات الوحدة العربية ومعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية – الصين، بيروت، لبنان، فبراير 2017. ص194-199. ↑
- Reference mentioned: Long, Ding (2021). “مبادرة الحزام والطريق: نشأة وأهداف / The Belt and Road Initiative: Origin and Objectives” Chinese and Arab Studies, P84. ↑
- خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي ألقاه في الجلسة الإفتتاحية للدورة الأولى لقمة الحزام والطريق للتعاون الدولي، بكين، 14 مايو عام 2017. http://www.cnr.cn ↑
- خه يي تينغ (2017). قراءة حول الموضوعات الأساسية في أفكار شي جين بينغ عن الإشتراكية ذات الحصائص الصينية لعصر جديد، مدرسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، دار الشعب الصيني. ↑
- سياسة الصين تجاه الدول العربية: وثيقة سياسية صادرة عن الحكومة الصينية في يناير عام 2016، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، شنغهاي، الصين. ↑
- العبدالرحمن، حكمات (2020). الصين والشرق الأوسط: دراسة تاريخية في تطور موقف الصين تجاه قضايا المنطقة العربية بعد الحرب الباردة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ↑
- النصار، أنس خالد (2020). الإستراتيجيا الصينية تجاه الدول العربية: الأهداف والمألات، دراسة إستشرافية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ↑
- مرجع سبق ذكره، سياسة الصين تجاه الدول العربية: وثيقة سياسية صادرة عن الحكومة الصينية في يناير عام 2016، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، شنغهاي، الصين. ↑
- مرجع سبق ذكره، النصار، أنس خالد (2020). الإستراتيجيا الصينية تجاه الدول العربية: الأهداف والمألات، دراسة إستشرافية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ↑
- مبادرة الحزام والطريق وإنعكاساتها المستقبلية الإقتصادية والسياسية على مصر، سلسلة قضايا التخطيط والتنمية رقم 289، معهد التخطيط القومي، يونيو عام 2018. ↑
- بن هويدن، محمد (2007). السياسة الصينية تجاه القضية الفلسطينية، جامعة الكويت: مجلة العلوم الإجتماعية، مجلد 35، عدد 1، ص 63-89. ↑
- الهليس، محمد (2015). العلاقات الصينية الفلسطينية (1949-2013)، منشورات مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، نوفمبر 2015، ص 4-78. ↑
- China’s Xi calls for creation of Palestinian State, Aljazeera Channel: https://www.aljazeera.com/news/2016/1/22/chinas-xi-calls-for-creation-of-palestinian-state ↑
- الرئيس الصيني شي جين بينغ: الصين تدعم حل الدولتين في القضية الفلسطينية، 19.7.2017، بكين. ↑
- وكالة معاً الإخبارية (2022). خلال كلمته أمام القمة العربية الصينية المنعقدة في الرياض 9 ديسمبر 2022، الرئيس الفلسطيني عباس: نؤكد على الموقف الصيني للتعاون والتبادل في المجالات الثمانية المشتركة “التنمية، الأمن الغذائي، الصحة، التنمية الخضراء، الحوار بين الحضارات، الطاقة، تأهيل الشباب، الأمن والإستقرار، وصولاً لبناء مستقبل وتعاون عربي صيني مشترك”، نشر بتاريخ 9 ديسمبر 2022 الساعة 17:50 بتوقيت فلسطين. ↑
- وكالة معاً الإخبارية (2022). خلال كلمته أمام القمة العربية الصينية المنعقدة في الرياض 9 ديسمبر 2022، الرئيس الصيني شي: نؤكد دعم الصين لنيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ونعم بثبات إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية”، نشر بتاريخ 9 ديسمبر 2022 الساعة 17:58 بتوقيت فلسطين. ↑
- Zhang, Chuchu (2020). Potential to leap forward? Interrogating the relations between China and Tunisia, Asian Journal of Middle Eastern and Islamic Studies, Vol14, Issue4, P594-606. ↑
- Embassy of the People’s Republic in China in the Kingdom of the Netherlands, Xi Jinping Meets with Tunisia President Kais Saied, 9 Dec 2022. ↑
- The reference mentioned. Zhang, Chuchu (2020). Potential to leap forward? Interrogating the relations between China and Tunisia. ↑
- جمال، هبة (2022). مفهوم المصير المشترك والعلاقت العربية الصينية، بين مبادرة الحزام والطريق وجائحة كورونا، مجلة كلية السياسة والإقتصاد، عدد13، مجلد14، ص1-33. ↑
-
عيادي، إسلام (2019). المنظور الصيني للقضية الفلسطينية: المواقف والأهداف وأليات تعزيز العلاقات ومستقبل العلاقات الثنائية، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية السياسية والإقتصادية، نوفمبر 2019.
https://democraticac.de/?p=63226 ↑